إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

! ளஓ▇▃۝ஊ»مناضرات في العقائد والاحكام«ஊ۝▃▂ளஓ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ! ளஓ▇▃۝ஊ»مناضرات في العقائد والاحكام«ஊ۝▃▂ளஓ



    ! ளஓ▇▃۝ஊ»مناضرات في العقائد والاحكام«ஊ۝▃▂ளஓ



    الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على أشرف الاَنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين



    قد يحسب المرءُ أن ما خالف رأيه عقيدةً وفكراً ـ نتيجةً لتراكم القناعات الموروثة أو لغيرها من الاَسباب ـ أنّه باطلٌ أو شاذٌ لا يُعوَّل عليه، وهذا خطأٌ محض، إذ يجب أن تُمحّصَ آراءُ الطرفِ الآخر لاحتمال أن يكون الصواب معه، ولولا ذلك لما عَدل أحدٌ إلى الحقّ بعد الاِهتداء إليه.
    وإذا كان من الصَعب على المرء أن ينسى ما اعتقده أو يتناساه إذا ما ثبت بطلانه، فإن في تاريخ الاِسلام العقائدي ما يُثبت أنّ هناك صَفوة من رجاله تركوا ما اعتقدوا به بعد انكشاف الحقّ، إمّا بدراسة مختلف الاَراء والنظريات في بُطون الكتب والاَسفار وعرضها على المعايير العلمية الدقيقة، أو عن طريق حوار علمي يتناول الموضوع المعني من جميع جوانبه للكشف عن غوامضه ومن ثمّ اتباع الحـق فإنه أحقّ أن يتبـع قال الحقّ تعالى: (الذين يسـتمعون القول فيتبعون أحسنه) ومِن هنا تدخل المناظرة كسبيلٍ مختصرٍ يوفر الطريق الآمن للوصول إلى المحجّة الواضحة، غيرَ أنّ هذا منوطٌ بطلب الحقّ لا الجدل والمراء والمكابرة.
    وَلما كان للمناظرة مثلُ هذه الاَهميةِ البالغةِ لمعرفةِ الحق، وَلمّا فيها من تأصيل أيضاً على صعيد التراث الاِسلامي، والذي يُمثّل أفكار وآراء علماء ورجال الاِسلام قديماً وحديثاً على مختلف مذاهبهم ومشاربهم، وكلٌّ منهم يدعم فكرته ورأيه بالدليل والبرهان، وحينها تُمحّصُ الآراءُ وتنقحُ الاَفكار، إذا ما التزمَ فيها بالموضوعية والصراحة الحقّة، وبالتالي تؤدي إلى إظهار الحقّ واتباعه ونبذ الباطل واجتنابه ـ فقد وجدت نفسي شغوفاً بجمع ما تيسر منها، وتحقيقها تحقيقاً علميّاً معضداً بمصادر المتناظرين، وهذا ما سيجده القارىء الكريم وشيكاً في مناظراتنا هذه التي تناولت جلّ عقائد الشيعة وأحكامهم.
    وحيث انّه قد ثبت عند الشيعة الاِمامية بالدليل القطعي ـ الذي لا شكّ فيه ـ وجوبُ التمسّك بأهل البيت: ووجوب الاهتداء بهديهم والسير على طريقتهم، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وآله إذ هم المنبعُ الصافي والمعين الذي لا ينضب، والامتداد الطبيعي لرسالته ـ لهذا أخذت الشيعة الاِمامية عقائدها وأحكامها الشرعية منهم، واستمدت من فكرهم الثقافة الاِسلامية، وقد انعكس ذلك في مؤلّفاتهم ومقالاتهم، وظهر بشكل واضح على سلوكهم، وتناولوا بالبحث كلّ ما يتّصل بالاُصول والفروع والتفسير والاَخلاق، كبحثهم في مسائل التوحيد والنبوة والاِمامة وشؤونها ونحو ذلك، كما بحثوا أيضاً مسائل الاَحكام الشرعيّة، والمختلف فيها كمسألة الجمع بين الصلاتين، والسجود على التربة الحسينيّة، وزيارة القبور، والمتعة، وعشرات غيرها من المسائل التي أثبتوا شرعيتها بالاَدلّة الشرعية والعقلية.
    ومِنَ البداهة أن يرى كلٌ من المتناظرين صحّة ما يعتقده أصولاً وفروعاً، ولمّا كان الحقّ واحداً فلا بدّ حينئذٍ أن يكون حليفاً لاَحدهما دون الآخر، ومِنْ هنا فالعقل يحكم بضرورة مقابلة ما اختلفت فيه المذاهب الاِسلامية، لتنقيح الصحيح من غيره، والتعرف على الحقّ واتباعه، والذي يحقق للعبد الاَمن من الضرر الاَخروي، ولذلك كانت المسائل الخلافية محط نظر جميع علماء المذاهب الاِسلامية ومفكريهم للتعرف عليها، ومِنْ ثمَّ مناقشتها والمناظرة فيها، ثم الحكم عليها بعد ذلك إما بالتأييد ـ وإن كان على خلاف ما يراه سابقاً ـ إذا ما اقتنع بالدليل كما تسنى ذلك لبعضهم ـ، وإما بالتفنيد إذا استطاع أن يقيم الدليل والبرهان على بطلانها وفسادها.
    ومن هنا قلما تجد مسألة لم تقع عرضة للاَخذ والرد، في ما بين المذاهب الاِسلامية، وحتى في المذهب الواحد أيضاً، حرصاً منهم على معرفة ما هو الصحيح من الباطل، ولذا شكلت هذه المناظرات والمحاورات موسوعةً علميّةً خصبة ينبغي الاهتمام والاعتناء بها، إذ هي غنيّةٌ بالاَدلّة العلمية والحقائق التاريخية، التي لا يزال بعضها مجهولاً عند كثير من الباحثين فضلاً عن غيرهم، أضف إلى ذلك أنّ كثيراً منها يُعدّ من التراث الاِسلامي الذي ينبغي المحافظة عليه وإعدادهُ في المكتبة الاِسلامية.


    وممّا أودُّ التنبيه عليه، هو أن الاستفادة من هذه المناظرات، وما يتعلّق بها من مسائل تخصّ الشيعة الاِمامية، إنما تتم بالوجه الاَكمل بربطها بما زخرت به المكتبة الشيعية من ذخائر التراث الاِسلامي الخاص بمسائل العقائد والكلام، المبسوطة في ذلك أو المختصرة كـ: الشافي، وتلخيصه، وكشف المراد، ونهج الحق، وحقّ اليقين في معرفة اُصول الدين، وأصل الشيعة واُصولها، وعقائد الاِمامية، وغيرها من عشرات الكتب التي لا يستغني عنها كلّ باحث في خصوص هذا الموضوع، أو في ما يتعلّق بمسائل الاَحكام الشرعية الرجوع إلى ما في المكتبة الشيعية من الكتب المبسوطة في الفقه، كـ: كتاب المبسوط للشيخ الطوسي، والتذكرة، وشرائع الاِسلام، وجواهر الكلام، ومستمسك العروة الوثقى، وكتاب مسائل فقهية للسيد شرف الدين، حيث اعتنى فيه بوجه خاص لمعالجة بعض الفروع الفقهية الخلافية بين الطائفة الاِمامية وغيرها من المذاهب الاِسلامية.


    كما أنه من الضروري بمكان لكلّ باحث عن الحقيقة والمعرفة في خصوص التعرّف على عقائد وأفكار الشيعة الاِمامية أن يبحثها بنفسه، ويطلع عليها من كتب ومصادر الاِمامية المعتمدة الموثوقة عندهم، لا من كتب ومصادر غيرهم أو ما كتبه عنهم خصومهم، كما هو الظاهر في أكثر ما تناولته الاَقلام الحديثة من بعض الكتّاب والباحثين، إذ من الضروري أن يتحلى الباحث بأمانة النقل والتثبت التام قبل الحكم في أيِّ مسألةٍ والتأكد من فهمها فهماً صحيحاً، فإن مما منيت به الشيعة الاِمامية أنهم اُسيء فهمهم واستغل الحاقدون ذلك في الكيد بهم والوقيعة فيهم على غير بينة وبرهان، إذ ليس كلّ ما يُنسب إليهم هو من معتقدهم ومعتبراً عندهم، وليس من الحقّ والاِنصاف أن تُدان طائفةٌ بما ينسبه إليها غيرها، ولا بما يقوله الشواذ الذين لا وزن لكلمتهم ولا حيثيّة لهم، بل الصحيح أن تؤاخذ بما هو متّفق عليه عند علمائهم، أو ما هو متسالم عليه عندهم.
    ولذا خفيت على كثير من الباحثين والمحقّقين فضلاً عن غيرهم حقيقة مبادىء وفكر المذهب الشيعي، وما ذلك إلاّ لعدم التثبّت التام الدقيق والدراسة المستوعبة، وقد حذر القرآن الكريم من مغبة اتباع هذا النحو، قال تعالى: (يَا أيُّها الّذين آمنُوا إنْ جاءَكُم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا أنْ تُصيبُوا قوماً بجهالةٍ فتُصبِحوا عَلى مَا فَعَلْتُم نادمين) كما حَذرَنا من الاعتماد على الظنّ فقال تعالى: (إنَّ الظَّنَّ لا يُغني مِنَ الحقِّ شيئاً) ، والعاقل المنصف لا يأنف من اتباع الحقّ، فإن الحكمة ضالة المؤمن، (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)



    وأملي أن يتابع القارىء الكريم معي هذه المناظرات ففيها من الحقّ ما يُسمعُ الصُمَ، ومن النور ما يراه البصير،



    والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة على نبيّه المختار وآله الاَطهار،



    ما طلع بدر الدُجى، وسطعت شمس النهار، إنّه نعم المولى ونعم النصير.


  • #2
    ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلاوٍلى۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩

    نبدأ بسَمه تعآلى ،،،
    آوٍل منآظرٍة لآمآم عليِّ عليِّه آلسَلام




    آلمشّيِّئه -- آلقضآء وٍآلقدرٍ

    ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلاوٍلى۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



    ( منآظرٍة آميِّرٍ آلمؤمنيِّن عليِّه آلسَلام مع رٍجل قدرٍيِّ فيِّ آلمشّيِّئه )



    روى ابن عساكر ـ بسنده ـ عن الحرث، قال: جاء رجلٌ إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القَدَر ؟
    قال عليه السلام: طريق مظلم لا تسلكه !!
    قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القَدَر ؟
    قال عليه السلام: بحر عميق لا تلجه.
    قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القَدَر ؟
    قال عليه السلام: سر الله قد خفي عليك فلا تلجه.
    قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القَدَر ؟
    قال عليه السلام: سرّ الله قد خفي عليك فلا تفشه.
    قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القَدَر ؟
    قال عليه السلام: أيّها السائل إذاً الله خلقك لما شاء أو لما شئت؟
    قال: بل لما شاء.
    قال: فيستعملك كما شاء أو كما شِئْت ؟
    قال: بل كما شاء.
    قال عليه السلام: فيبعثك يوم القيامة كما شاء أو كما شئت ؟
    قال: بل كما شاء.
    قال عليه السلام: أيّها السائل ألست تسأل ربّك العافية ؟
    قال: نعم.
    قال عليه السلام: فمن أي شيء تسأله العافية، أمِن البلاء الذي ابتلاك به غيره ؟
    قال: من البلاء الذي ابتلاني به.
    قال عليه السلام: أيّها السائل تقول: لا حول ولا قوّة إلاّ بمن ؟
    قال: إلاّ بـالله العلي العظيم.
    قال عليه السلام: أفتعلم ما تفسيرها ؟
    قال: تعلّمني ممّا علّمك الله يا أمير المؤمنين ؟
    قال عليه السلام: إنّ تفسيرها، لا تقدر على طاعة الله، ولا يكون له قوّةٌ في معصية في الاَمرين جميعاً إلاّ بالله.
    أيّها السائل ألك مع الله مشيئة(1) أو فوق الله مشيئة، أو دون الله مشيئة ؟ فإن قلت، إنّ لك دون الله مشيئة فقد اكتفيت بها عن مشيئة الله، وإن زعمت أنّ لك فوق الله مشيئة فقد ادّعيت أنّ قوّتك ومشيئتك غالبتان على قوّة الله ومشيئته، وإن زعمت أنّ لك مع الله مشيئة فقد ادّعيت مع الله شركاً في مشيئته.
    أيّها السائل إنّ الله يشجّ ويداوي، فمنه الداء ومنه الدواء(2) ، أعقلت عن الله أمره.
    قال: نعم.
    قال علي عليه السلام: الآن أسلم أخوكم، فقوموا فصافحوه.
    ثمّ قال علي عليه السلام: لو أن عندي رجلاً من القدرية لاَخذت برقبته ثمّ لا أزال أجأها حتى أقطعها، فإنّهم يهود هذه الاُمّة ونصاراها ومجوسها.(3)
    ____________
    (1) أي ليس للعبد مشيئة مستقلة دون مشيئة الله تعالى، قال تعالى: (وَمَا تَشاؤن إلاّ أن يَشاء الله إنّ الله كان عليماً حكيماً) .
    (2) قال تعالى: (وإن يمسسك الله بضرّ فلا كاشف له إلاّ هو) .
    (3) ترجمة الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 3 ص 285 ـ 286، ح 1307، العقد الفريد للاَندلسي: ج 2 ص 218 ـ 219، دستور معالم الحِكَمْ من كلام أمير المؤمنين عليه السلام للقضاعي: ص 107 ـ 109، تذكرة الخواص لابن الجوزي: ص 144، بتفاوت.

    تعليق


    • #3
      ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلثآنيِّه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



      آلمشّيِّئه -- آلقضآء وٍآلقدرٍ




      ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلثآنيِّه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩






      (( منآظرٍة آميِّرٍ آلمؤمنيِّن عليِّه آلسَلام مع رٍجل من أهل آلشّآم فيِّ آلقضآء وٍآلقدرٍ ))





      قال الشيخ الصدوق ـ عليه الرحمة ـ: وأخبرني الشيخ أدام الله عزّه مرسلاًعن عمرو بن وهب اليماني قال: حدّثني عمرو بن سعد عن محمد بن جابر عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال شيخ من أهل الشام حضر صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام بعد انصرافهم من صفين: أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام، أكان بقضاء من الله وقدر ؟
      قال: نعم يا أخا أهل الشام، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما وطئنا موطئاً، ولا هبطنا وادياً، ولا علونا تلعة، إلاّ بقضاء من الله وقدر.(1)
      فقال الشامي: عند الله تعالى أحتسب عنائي إذاً يا أمير المؤمنين، وما أظن أن لي أجراً في سعيي إذا كان الله قضاه عليَّ وقدَّره لي.
      فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ الله قد أعظم لكم الاَجر على مسيركم وأنتم سائرون، وعلى مقامكم وأنتم مقيمون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين، ولا عليها مجبرين.
      فقال الشامي: فكيف يكون ذلك والقضاء والقدر ساقانا، وعنهما كان مسيرنا وانصرافنا ؟ !
      فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويحك يا أخا أهل الشام! لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حتماً، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، والاَمر من الله عز وجل والنهي منه، وما كان المحسن أولى بثواب الاِحسان من المسيء، ولا المسيء أولى بعقوبة المذنب من المحسن، تلك مقالة عبدة الاَوثان وحزب الشيطان وخصماء الرحمن وشهداء الزور وقدرية(2) هذه الاُمّة ومجوسها(3) إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلَّف يسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُطع مكرهاً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يكلف عسيراً، ولم يرسل الاَنبياء لعباً، ولم ينزل الكتب على العباد عبثاً (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالاَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا باطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)(4) . قال الشامي: فما القضاء والقدر اللذان كان مسيرنا بهما وعنهما ؟
      قال: الاَمر من الله تعالى في ذلك والحكم منه ثمّ تلا: (وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرَاً مَّقْدُورَاً)(5) .
      فقام الشامي مسروراً فرحاً لما سمع هذا المقال وقال: فرّجت عنّي يا أمير المؤمنين، فرَّج الله عنك وأنشأ يقول:

      أنت الاِمام الذي نرجـو بطاعته *** يوم النشور من الرحمـن رضوانا
      أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً *** جزاك ربك عنّـا فيـه ‌إحســانا
      نفى الشكوك مقال منـك متّضح *** وزاد ذا العلم والاِيمــان إيقانـا
      فلن أرى عاذراً في فعل ‌فـاحشة *** ما كنت راكبهـا ظلماً وعـدوانا
      كلا ولا قائلاً يومــاً لداهيــة
      *** أرداه فيها لدينا غيـر شيطــانا
      ولا أراد ولا شاء الفســوق لنا
      *** قبل البيان لنا ظلمـاً وعــدوانا
      نفسي الفداء لخير الخلــق كُلِّهِمُ *** بعد النبي علي الخيـر مــولانا
      أخي النبي ومولى المؤمنيـن معاً *** وأوّل الناس تصديقـاً وإيمــانا
      وبعل بنت رسـول الله سيّدنــا
      *** أكرم به وبها سراً وإعـلانا(6)

      (1) قيل إن القضاء والقدر هو: الاَمر من الله تعالى والحكم بمعنى أنّه تعالى بيّن ذلك وكتبه وأعلم أنّهم سيفعلون ذلك في اللوح المحفوظ وبيّنه لملائكته، وقدر ذلك في سابق علمه وقد اشتهر في الحديث النبوي الشريف إن كلّ شيء بقضاءٍ وقدر، وانّه يجب الاِيمان بالقدر خيره وشرّه، وأنّ أفعال العباد واقعة بقضاء الله وقدره، لا بمعنى أنّه تعالى خلق أفعالهم وأوجدها ـ كي ينسب فعل العباد له ـ إذ لو كان بهذا المعنى لسقط اللوم عن العاصي وعقابه، ولم يستحق المطيع الثواب على عمله، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
      فالاَفعال الصادرة من العبد كلّها واقعة بقدرته واختياره غير مجبور على فعله، بل له أن يفعل غير مضطر، وله أن لا يفعل غير مكره. وهذا ما جاء عن أئمّة الهدى ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، قال إمامنا الصادق عليه السلام: لا جبر ولا تفويض، ولكن أمرٌ بين أمرين. وهذا ما ذهبت إليه الاِمامية ومن حذا حذوهم.
      فأفعال العباد واقعة تحت قدرتهم واختيارهم، ولكن غير خارجة عن قدرة الله تعالى، إذ هو المفيض على الخلق، فليست أفعالهم واقعة تحت الجبر بتمكينه لهم، ولم يفوّض لهم خلق الاَفعال فتكون خارجة عن قدرته وسلطانه، بل له الحكم والاَمر، وهو على كلّ شيء قدير.
      وهناك من ذهب إلى أنّ الفاعل لاَفعال المخلوقين من المعاصي هو الله تعالى ومع ذلك يعاقبهم عليها وهو الفاعل للطاعة ومع ذلك يثيبهم عليها، وانّه لا فعل للعبد أصلاً ـ وهم المجبرة ـ ولا فاعل سواه ولا شريك له في ذلك فنسبوا إلى الله الظلم بمقالتهم هذه، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، وقد فنّد أمير المؤمنين عليه السلام مقالتهم هذه وزعمهم الباطل قال عليه السلام: (لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب) إذ كيف يجبرهم على الطاعة ثمّ يثيبهم على عمل لم يصدر منهم، وكيف يجبرهم على المعصية ثم يعاقبهم عليها إذ لا عقاب على عمل لم يفعله العبد (وسقط الوعد والوعيد) الوعد على الطاعة بالثواب، والوعيد على المعصية بالعقاب حيث انّه تعالى وعد المطيعين بالثواب الجزيل، وأوعد العاصين بالعقاب، ولا يكون ذلك إلاّ باختيارهم وإرادتهم، ولذا أمرهم تعالى ونهاهم وأرسل الرسل لهم وأنزل الكتب عليهم وكلفهم، ومع الجبر لا قدرة لهم فلا تكليف فيبطل كلّ ذلك ما داموا مجبورين على أفعالهم. وليس هناك أدلّ من الوجدان على قدرة العبد واختياره وانّه غير مجبور على فعله فله أن يفعل وله أن لا يفعل وهو الصواب، ولذا نجد القرآن الكريم ينسب الاَفعال إلى أصحابها ويحملهم مسؤولية أفعالهم إن خيراً فخير وان شرّاً فشر. فمن تلك الآيات الشريفة قوله تعالى: (من يعمل مثقال ذرّة) ، (من يعمل سوءاً يجز به) ، (كلّ امرىءٍ بما كسب رهين) ، (جزاءاً بما كانوا يعملون) إلى غير ذلك من آيات الوعد والوعيد والذم والمدح.
      وقد سئل الاِمام أبو الحسن الهادي ـ صلوات الله عليه ـ عن أفعال العباد، فقيل له: هل هي مخلوقة لله تعالى ؟ فقال عليه السلام لو كان خالقاً لها لما تبرّأ منها وقد قال سبحانه: (إن الله بريءٌ من المشركين ورسولهُ) التوبة / 3.
      راجع: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص 315، تصحيح الاعتقاد ـ من مصنّفات الشيخ المفيد ـ: ج 5 ص 43، الباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي: ص 59، حقّ اليقين في معرفة اُصول الدين لشبّر: ج 1 ص 60، عقائد الاِمامية للمظفّر: ص 267.
      (2) القدرية قيل: هم جاحدوا القدر القائلون بنفي كون الخير والشر كلّه بتقدير الله ومشيئته، وسمّوا بذلك لمبالغتهم في نفيه. وقالت المعتزلة: القدريّة هم القائلون بأنّ الخير والشرّ كلّه من الله وبتقديره ومشيئته لاَنّ الشائع نسبة الشخص إلى ما يثبته، وقال أبو سعيد الحميري: وسميت القدريّة: قدريّة لكثرة ذكرهم القدر، وقولهم في كلّ ما يفعلونه قدّره الله عليهم، والقدرية يسمون: العدلية، بهذا الاسم، والصحيح ما قلناه لاَنّ من أكثر من ذكر شيء نُسب إليه، مثل من أكثر من رواية النحو، نسب إليه، فقيل: نحوي، ومن أكثر من رواية اللغة نسب إليها، فقيل: لغوي، وكذلك من أكثر من ذكر القدر، وقال في كلّ فعل يفعله: قدّره الله عليه، قيل: قدري، والقياس في ذلك مطرد.
      وأمّا في أخبار أهل البيت عليهم السلام فقد يطلق القدري على الجبري والتفويضي، كما عن حريز، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل زعم أنّ الله عزّ وجلّ أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله عزّ وجلّ في حكمه وهو كافر، ورجل يزعم أنّ الاَمر مفوّض إليهم فهذا وهّن الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يقول: إنّ الله عزّ وجلّ كلّف العباد ما يطيقون، ولم يكلّفهم ما لا يطيقون، فإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ.
      راجع: معجم الفرق الاسلامية للاَمين: ص 190، الحور العين أبو سعيد الحميري: ص204، بحار الاَنوار: ج 5 ص 9 ح 14، سفينة البحار: ج 2 ص 409.
      (3) جاء في كنز العمّال ج 1 ص 121، ح 2677: إنّ لكلّ اُمّة مجوس ومجوس اُمّتي هذه القدرية الخ، وجاء في سفينة البحار ج2 ص409، وقد ورد في صحاح الاَحاديث: لعن الله القدريّة على لسان سبعين نبيّاً.
      (4) سورة ص: الآية 27.
      (5) سورة الاَحزاب: الآية 38.
      (6) الفصول المختارة للشيخ المفيد: ص 42 ـ 43، عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2 ص 127 ـ 128 ح 38، كنز الفوائد للكراجكي: ج 1 ص 363 ـ 364، الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 208 ـ 209، ترجمة الاِمام علي عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق: ج 3 ص 284 ـ 285 ح 1306، نهج البلاغة لاَمير المؤمنين عليه السلام تحقيق صبحي الصالح: ص 481 من كلام له رقم: 78، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 227 ـ 228، بتفاوت.

      تعليق


      • #4
        ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلثآلثه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



        آلمع ـــــصيِّه




        ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلثآلثه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩






        (( منآظرٍة آلامآم آلكـَآظم ( عليِّه آلسَلام ) مع آبيِّ حنيِّفة (1) فيِّ آن آلمعصيِّة من فعل آلعبد ))






        قال الشيخ الصدوق ـ عليه الرحمة ـ: وأخبرني الشيخ أيده الله أيضاً قال: قال أبو حنيفة: دخلت المدينة فأتيت جعفر بن محمد عليه السلام فسلّمت عليه وخرجت من عنده فرأيت ابنه موسى عليه السلام في دهليز قاعداً في مكتب له وهو صبي صغير السن فقلت له: يا غلام، أين يحدث الغريب عندكم إذا أراد ذلك ؟
        فنظر إليَّ ثمّ قال: يا شيخ اجتنب شطوط الاَنهار، ومسقط الثمار، وفيىء النزَّال، وأفنية الدور، والطرق النافذة، والمساجد، وارفع وضع بعد ذلك حيث شئت.
        قال: فلمّا سمعت هذا القول منه، نَبُل في عيني وعظم في قلبي، فقلت له: جعلت فداك، ممّن المعصية ؟
        فنظر إليَّ نظراً ازدراني به ثمّ قال: اجلس حتى أخبرك، فجلست بين يديه.
        فقال: إنَّ المعصية لا بدَّ من أن تكون من العبد أو من خالقه أو منهما جميعاً، فإن كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الاَمر، وإليه توجّه النهي، وله حق الثواب، وعليه العقاب، ووجبت له الجنّة والنار.
        قال أبو حنيفة: فلمّا سمعت ذلك، قلت: (ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(2) .
        قال الشيخ أيّده الله: وفي ذلك يقول الشاعر:
        لم تخـل أفعالنــا اللاّتي يـُذمُّ بهـا *** إحدى ثلاث معانٍ حيـن نأتيهــــا
        إمــا تفــرد بارينـا بصنعتهــا
        *** فيسقط اللوم عنّا حيـن ننشيهــــا
        أو كـان يشركنــا فيهـا فيلحقــه
        *** ما سوف يلحقنا من لائـم فيهــــا
        أو لـم يكـن لاِلهي فـي جنايتهــا *** ذنب فما الذنب إلاّ ذنب ‌جانيهــا(3)

        (1) هو: النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه الفقيه الكوفي، مولى تيم الله ابن ثعلبة وقيل: أصله من أبناء فارس، أحد الاَئمّة الاَربعة، وإمام أصحاب الرأي والقياس، ولد بالكوفة سنة 80 هـ، عاصر بعض الصحابة أمثال أنس بن مالك، وله: مسند في الحديث، المخارج في الفقه، الفقه الاَكبر. نقله أبو جعفر المنصور من الكوفة إلى بغداد، فأراده على أن يوليه القضاء فأبى، فأمر به إلى الحبس فكان يساط في كلّ يوم مائة سوط حتى توفّي في السجن سنة 150 هـ، ودفن بمقبرة الخيزران.
        راجع ترجمته في: تاريخ بغداد للخطيب: ج 13 ص 323 ترجمة رقم: 7297، وفيات الاَعيان لابن خلكان: ج 5 ص 405، ترجمة رقم: 765، الاَعلام للزركلي: ج 9 ص 4، سير أعلام النبلاء: ج 6 ص 390 ترجمة رقم: 163.
        (2) سورة آل عمران: الآية 34.
        (3) الفصول المختارة للمفيد: ص 43 ـ 44، كنز الفوائد للكراجكي: ج1 ص 366، بحار الاَنوار للمجلسي: ج 10 ص 247 ـ 248 ح 16 و 17 بتفاوت.

        التعديل الأخير تم بواسطة ضيف; الساعة 17-07-2011, 02:25 PM.

        تعليق


        • #5
          الاخ الكريم
          مشاركة قيمة وجهد مشكور
          ولكن كان من المفروض ان تذكر اسم الكاتب

          السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين

          تعليق


          • #6
            المشاركة الأصلية بواسطة احمد الخالدي مشاهدة المشاركة
            الاخ الكريم
            مشاركة قيمة وجهد مشكور
            ولكن كان من المفروض ان تذكر اسم الكاتب



            شّكـرٍآ لكـَم

            آسَم آلكـَآتب (تأليف وتحقيق: الشيخ عبدالله الحسن)

            تدلل خيِّ


            تعليق


            • #7
              ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلرٍآبعه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



              آلمع ـــــصيِّه




              ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلرٍآبعه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩




              (( منآظرٍة آلكـَرٍآجكـَيِّ (1) مع بع ـــضهم فيِّ آلمع ـــصيِّه ))




              قال الشيخ الكراجكي ـ أعلى الله مقامه ـ: وقد كنت أوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء مستظرفاً له بها، وعنده جمع من الناس، فقال رجل ممّن كان في المجلس يميل إلى الجبر: إن كان هذه المسألة لا حيلة للمجبرة فيها، فعليكم أنتم أيضاً مسألة لهم اُخرى، لا خلاص لكم مما يلزمكم منها.
              فقلت: وما هي ؟
              قال: يقال لكم إذا كان الله تعالى لا يشاء المعصية، وإبليس يشاؤها، ثمّ وقعت معصية من المعاصي، فقد لزم من هذا أن تكون مشيئة إبليس غلبت مشيئة رب العالمين.
              فقلت: إنّما تصح الغلبة عند الضعف وعدم القدرة، ولو كنّا نقول: إنّ الله تعالى لا يقدر أن يجبر العبد على الطاعة، ويضطره إليها، ويحيل بينه وبين المعصية بالقسر والاِلجاء إلى غيرها، لزمنا ما ذكرت، وإلاّ بخلاف ذلك، وعندنا أن الله تعالى يقدر أن يجبر عباده، ويضطرهم، ويحيل بينهم وبين ما اختاروه، فليس يلزمنا ما ذكرتم من الغلبة.
              وقد أبان الله تعالى فقال: (وَلَو شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ اُمَّةً وَاحِدَةً)(2) ، وقال تعالى: (وَلَو شِئنَا لاََتَيْنَا كُلَّ نَفسٍ هُدَاهَا)(3) ، وإنّما لم يفعل ذلك، لما فيه من الخروج عن سنن التكليف، وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم، فتأمّل ما ذكرت تجده صحيحاً.
              فلم يأت بحرفٍ بعد هذا(4) .
              ____________
              (1) هو: أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان المعروف بالكراجكي نسبة إلى كراجك قرية على باب واسط، من أجلاّء علماء وفقهاء ورؤساء الشيعة، والكراجكي من أئمّة عصره في الفقه والكلام والفلسفة والطب والفلك والرياضيات وغيرها من العلوم، وقد أطراه عدد من مترجميه، فوصفوه بالشيخ المحدّث الفقيه المتكلّم المتبحّر الرفيع الشأن من أكابر تلامذة المرتضى والشيخ المفيد والديلمي والواسطي، وسلار وأبي الحسن ابن شاذان القمّي، ويعبر عنه الشهيد الاَول العاملي كثيراً في كتبه بالعلاّمة مع تعبيره عن العلامة الحلّي بالفاضل، ومصنّفاته كثيرة جداً منها: 1 ـ روضة العابدين، 2 ـ الرسالة الناصرية، 3 ـ الاستنصار، 4 ـ كنز الفوائد وغيرها. توفّي في سنة 449 هـ، راجع ترجمته في: سير أعلام النبلاء: ج 18، ص 121، لسان الميزان: ج5، ص 300، مرآة الجنان: ج3، ص 70، تنقيح المقال، للمامقاني: ج 3، ص 159 ترجمة رقم: 11134، كنز الفوائد: ج 1، ص11.
              (2) سورة هود: الآية 118.
              (3) سورة السجدة: الآية 13.
              (4) كنز الفوائد للكراجكي: ج1، ص 115.

              تعليق


              • #8
                أحسنت أخ اساور في ايراد هذه المناضرات بارك الله فيك فهي تفيدنا كثيرا وتمدنا بمعلومات وتزيد في قوة الحجه لدينا ، زادك الله ايمانا وعلما، ننتظر المزيد

                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة بيرق مشاهدة المشاركة
                  أحسنت أخ اساور في ايراد هذه المناضرات بارك الله فيك فهي تفيدنا كثيرا وتمدنا بمعلومات وتزيد في قوة الحجه لدينا ، زادك الله ايمانا وعلما، ننتظر المزيد


                  آحسَن آلله آعمآلكـَ آخيِّ آلكـَرٍيِّم

                  رٍبيِّ يِّبآرٍكـَ بعمرٍكـَم آلكـَرٍيِّم

                  آسَعدنيِّ مرٍوٍرٍكـَ تسَلم

                  تعليق


                  • #10
                    ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلخآمسَه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



                    آلبــدآء وٍآلآرٍآده




                    ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلخآمسَه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩






                    (( منآظرٍة آلامآم آلرٍضآ عليِّه آلسَلام مع سَليِّمآن آلمرٍوٍزيِّ فيِّ آلبدآء وٍآرٍآدة آلله تعآلى))





                    روي عن الحسن بن محمد النوفلي انّه قال: قدم سليمان المروزي(1) متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله ثم قال له: إن ابن عمي علي بن موسى الرضا عليهما السلام قدم عليّ من الحجاز وهو يحب الكلام وأصحابه فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته.
                    فقال سليمان: يا أمير المؤمنين، إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا كلّمني ولا يجوز الانتقاص عليه.
                    قال المأمون: إنما وجّهت إليه لمعرفتي بقوتك وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط.
                    فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين اجمع بيني وبينه وخلني والذم.
                    فوجه المأمون إلى الرضا عليه السلام فقال: إنه قدم إلينا رجل من أهل مرو، وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام فإن خف عليك أن تتجشّم المصير إلينا فعلت.
                    فنهض عليه السلام للوضوء وقال لنا: تقدموني، وعمران الصابي معنا فصرنا إلى الباب، فأخذ ياسر وخالد بيدي فأدخلاني على المأمون فلما سلمت قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه اللّه تعالى ؟
                    قلت: خلّفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدم ثم قلت: يا أمير المؤمنين، إن عمران مولاك معي وهو على الباب.
                    فقال: ومن عمران ؟
                    قلت: الصابي الذي أسلم على يدك.
                    قال: فليدخل فدخل فرحَّب به المأمون ثمَّ قال له: يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم.
                    قال: الحمد لله الذي شرَّفني بكم يا أمير المؤمنين.
                    فقال له المأمون: يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان.
                    قال عمران: يا أمير المؤمنين، انّه يزعم واحد خراسان في النظر، وينكر البداء.
                    قال: فلم لا تناظروه ؟
                    قال عمران: ذلك إليه.
                    فدخل الرضا عليه السلام فقال: في أي شيء كنتم ؟
                    قال عمران: يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي.
                    فقال له سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه ؟
                    فقال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتجُّ بها على نظرائي من أهل النظر.
                    قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه ؟
                    قال: وما أنكرت من البداء يا سليمان، والله عزّ وجلّ يقول: (أوَ لاَ يَذْكُرُ الاِِنْسَانُ أنَّا خَلَقْنَاه مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيئاً)(2) ويقول عزّ وجلّ: (وَهُوَ الَّذي يَبْدَءُ الخَلْق ثُمَّ يُعِيدهُ)(3) ويقول: (بَدِيعُ السَّمَواتِ وَالاَرْضِ)(4) ويقول عزّ وجلّ: (يَزِيدُ في الخَلقِ مَا يشاءُ)(5) ويقول: (وَبَدَأَ خَلْقَ الاِنسانِ من طِينٍ)(6) ويقول عز وجل: (وَآخَرونَ مُرجَونَ لاََِمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهم وإِمَّا يَتُوبُ عَلَيهمْ)(7) ويقول عزّ وجلّ: (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِن عُمُرهِ إِلاّ في كِتابٍ)(8) .
                    قال سليمان: هل رويت فيه من آبائك شيئاً ؟
                    قال: نعم رويت عن أبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال: إنَّ لله عزّ وجلّ علمين علماً مخزوناً مكنوناً لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء، وعلماً علَّمه ملائكته ورسله فالعلماء من أهل بيت نبينا يعلمونه.
                    قال سليمان: أحب أن تنزعه لي من كتاب الله عزّ وجلّ.
                    قال: قول الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وآله: (فَتَوَلَّ عَنهُم فَمَا أنتَ بِمَلُومٍ)(9) أراد هلاكهم، ثمَّ بدا لله تعالى فقال: (وَذَكِّر فإِنَّ الذِكرَى تَنَفعُ المؤُمِنِينَ)(10) .
                    قال سليمان: زدني جعلت فداك.
                    قال الرضا: لقد أخبرني أبي عن آبائه: عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبي من أنبيائه أنْ أخبر فلاناً الملك: أني متوفيه إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير وقال: يا رب، أجِّلني حتى يشبَّ طفلي وأقضي أمري، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبي أن أئت فلاناً الملك، فأعلمه انّي قد انسيت في أجله وزدت في عمره إلى خمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي عليه السلام: يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: إنّما أنت عبدٌ مأمورٌ فأبلغه ذلك، والله لا يسئل عمّا يفعل.
                    ثمّ التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب.
                    قال: أعوذ بالله من ذلك، وما قالت اليهود ؟
                    قال: قالت اليهود: (يَدُ اللهِ مَغلُولةٌ)(11) يعنون أن الله تعالى قد فرغ من الاَمر فليس يحدث شيئاً، فقال الله عزّ وجلّ: (غُلَّت أيدِيِهم وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا)(12) ‌ ولقد سمعت قوماً سألوا أبي موسى بن جعفر عليه السلام عن البداء، فقال: وما ينكر الناس من البداء، وأن يقف الله قوماً يرجيهم لاَمره.
                    قال سليمان: ألا تخبرني عن (إنَّا أَنزَلنَاهُ في لَيلَةِ القَدرِ)(13) في أي شيء أنزلت ؟
                    قال: يا سليمان، ليلة القدر يقدر الله عزّ وجلّ فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق، فما قدره في تلك الليلة فهو من المحتوم.
                    قال سليمان: الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني.
                    قال الرضا عليه السلام: إن من الاَمور أموراً موقوفة عند الله عزّ وجلّ يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء، ويمحو ما يشاء، يا سليمان إنَّ علياً عليه السلام كان يقول: العلم علمان فعلم عِلمه الله وملائكته ورسله فما علَّمه ملائكته ورسله فإنّه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه، يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء.
                    قال سليمان للمأمون: يا أمير المؤمنين، لا أنكر بعد يومي هذا البداء ولا أكذب به إن شاء الله.
                    فقال المأمون: يا سليمان، سل أبا الحسن عما بدا لك، وعليك بحسن الاستماع والاِنصاف.
                    قال سليمان: يا سيدي أسألك ؟
                    قال الرضا عليه السلام: سل عمّا بدا لك.
                    قال: ما تقول فيمن جعل الارادة اسماً وصفة، مثل حي وسميع وبصير وقدير.
                    قال الرضا عليه السلام: إنما قلتم: حدثت الاَشياء واختلفت لاَنّه شاء وأراد، ولم تقولوا: حدثت الاَشياء واختلفت لاَنّه سميع بصير، فهذا دليل على أنّهما ليستا مثل سميع ولا بصير ولا قدير.
                    قال سليمان: فإنّه لم يزل مريداً.
                    قال عليه السلام: يا سليمان فإرادته غيره.
                    قال: نعم.
                    قال: فقد أثبتَّ معه شيئاً غيره لم يزل.
                    قال سليمان: ما أثبتُّ.
                    قال الرضا عليه السلام: أهي محدثة ؟
                    قال سليمان: لا، ما هي محدثة.
                    فصاح به المأمون وقال: يا سليمان، مثله يعايى أو يكابر ؟ عليك بالاِنصاف أما ترى من حولك من أهل النظر ؟ثمّ قال: كلِّمه يا أبا الحسن فإنّه متكلم خراسان، فأعاد عليه المسألة.
                    فقال: هي محدثة يا سليمان، فإن الشيء إذا لم يكن أزلياً كان مُحدَثاً، وإذا لم يكم محدثاً كان أزلياً.
                    قال سليمان: إرادته منه كما أن سمعه وبصره وعلمه منه.
                    قال الرضا عليه السلام: فأراد نفسه ؟
                    قال: لا.
                    قال: فليس المريد مثل السميع البصير ؟
                    قال سليمان: إنما أراد نفسه وعلم نفسه.
                    قال الرضا عليه السلام: ما معنى أراد نفسه ؟ أراد أن يكون شيئاً، وأراد أن يكون حياً أو سميعاً أو بصيراً أو قديراً ؟
                    قال: نعم.
                    قال الرضا عليه السلام: أفبإرادته كان ذلك ؟
                    قال سليمان: نعم.
                    قال الرضا عليه السلام: فليس لقولك أراد أن يكون حياً سميعاً بصيراً معنى، إذا لم يكن ذلك بإرادته.
                    قال سليمان: بلى قد كان ذلك بإرادته.
                    فضحك المأمون ومن حوله، وضحك الرضا عليه السلام، ثمّ قال لهم: ارفقوا بمتكلم خراسان، فقال: يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله وتغير عنها، وهذا ما لا يوصف الله عزّ وجلّ به فانقطع.
                    ثمَّ قال الرضا عليه السلام: يا سليمان أسألك عن مسألة.
                    قال: سل جعلت فداك.
                    قال: أخبرني عنك وعن أصحابك، تُكلِّمون الناس بما تفقهون وتعرفون، أو بما لا تفقهون ولا تعرفون ؟
                    قال: بل بما نفقه ونعلم.
                    قال الرضا عليه السلام: فالذي يعلم الناس أن المريد غير الاِرادة، وأن المريد قبل الاِرادة، وأن الفاعل قبل المفعول، وهذا يبطل قولكم أن الاِرادة والمريد شيءٌ واحدٌ.
                    قال: جعلت فداك ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون.
                    قال الرضا عليه السلام: فأراكم ادَّعيتم علم ذلك بلا معرفة وقلتم: الاِرادة كالسمع والبصر، إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل، فلم يحر جواباً.
                    ثمّ قال الرضا عليه السلام: يا سليمان، هل يعلم الله جميع ما في الجنة والنار ؟
                    قال سليمان: نعم.
                    قال: أفيكون ما علم الله تعالى أنه يكون من ذلك ؟
                    قال: نعم.
                    قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شيء إلا كان، أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟
                    قال سليمان: بل يزيدهم.
                    قال: فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون.
                    قال: جعلت فداك، فالمريد لا غاية له.
                    قال: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما، إذا لم يعرف غاية ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون تعالى الله عزّ وجلّ عن ذلك علواً كبيراً.
                    قال سليمان: إنّما قلت: لا يعلمه لاَنّه لا غاية لهذا لاَن الله عزّ وجلّ وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً.
                    قال الرضا عليه السلام: ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لاَنّه قد يعلم ذلك ثمّ يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم، وكذلك قال الله عزّ وجلّ في كتابه: (كُلَّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم بَدَّلنَاهُم جُلُوداً غَيرَهَا لِيَذُقُوا العَذَابَ)(14) وقال لاَهل الجنة: (عَطَاءً غَيرَ مَجذُوذٍ)(15) وقال عزّ وجلّ: (وَفَاكِهةٍ كثيرَةٍ * لاَّ مَقطُوعةٍ وَلاَ مَمنُوعَةٍ)(16) فهو عزّ وجلّ يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا ليس يخلف مكانه ؟
                    قال: بلى.
                    قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه ؟
                    قال سليمان: لا.
                    قال: فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم ؟
                    قال سليمان: بلى يقطعه عنهم ولا يزيدهم.
                    قال الرضا عليه السلام: إذاً يبيد فيها، وهذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب، لاَنّ الله عزّ وجلّ يقول: (لَهُم مَّا يَشَاؤُنَ فِيهَا وَلَدينَا مَزِيدٌ)(17) ويقول عزّ وجلّعَطَاءً غَيرَ مَجذُوذٍ)(18) ويقول عزّ وجلّ: (وَمَا هُم مِّنهَا بِمُخرَجينَ)(19) ويقول عزّ وجلّ: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبدَاً)(20) ويقول عزّ وجلّ: (وَفَاكِهةٍ كثيرَةٍ * لا مَقطُوعةٍ وَلاَ مَمنُوعَةٍ)(21) .
                    فلم يحر جواباً ؟!
                    ثمّ قال الرضا عليه السلام: يا سليمان، ألا تخبرني عن الاِرادة فعل هي أم غير فعل؟
                    قال: بلى هي فعل.
                    قال عليه السلام: فهي محدثة لاَنّ الفعل كله محدث.
                    قال: ليست بفعل.
                    قال: فمعه غيره لم يزل.
                    قال سليمان: الاِرادة هي الاِنشاء.
                    قال: يا سليمان، هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم: إن كُلَّ ما خلق الله عزّ وجلّ في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله، وإن إرادة الله تحيى وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلد وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك، فيبرأ منها ويعاد بها، وهذا حدها.
                    قال سليمان: إنها كالسمع والبصر والعلم.
                    قال الرضا عليه السلام: قد رجعت إلى هذا ثانية، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع ؟
                    قال سليمان: لا.
                    قال الرضا عليه السلام: فكيف نفيتموه ؟ قلتم: لم يرد، ومرة قلتم: أراد وليست بمفعول له.
                    قال سليمان: إنّما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم.
                    قال الرضا عليه السلام: ليس ذلك سواء، لاَن نفي المعلوم ليس كنفي العلم، ونفي المراد نفي الاِرادة أن تكون؛ لاَن الشيء إذا لم يرد لم تكن إرادة، فقد يكون العلم ثابتاً، وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر فقد يكون الاِنسان بصيراً وإن لم يكن المبصر، وقد يكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم.
                    قال سليمان: إنّها مصنوعة.
                    قال: فهي محدثة ليست كالسمع والبصر، لاَن السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة.
                    قال سليمان: إنها صفة من صفاته لم تزل.
                    قال: فينبغي أن يكون الاِنسان لم يزل، لاَن صفته لم تزل.
                    قال سليمان: لا لاَنّه لم يفعلها.
                    قال الرضا عليه السلام: يا خراساني، ما أكثر غلطك ! أفليس بإرادته وقوله تكون الاَشياء ؟
                    قال سليمان: لا.
                    قال: فإذا لم تكن بإرادته ولا مشيئته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
                    فلم يحر جواباً ؟!
                    ثمّ قال الرضا عليه السلام: ألا تخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: (وَإذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا)(22)
                    يعني بذلك أنّه يحدث إرادة.
                    قال له: نعم.
                    قال عليه السلام: فإذا حدث إرادة كان قولك إن الاِرادة هي هو أو شيء منه باطلاً، لاَنّه لا يكون أن يحدث نفسه، ولا يتغير عن حالةٍ تعالى الله عن ذلك.
                    قال سليمان: إنّه لم يكن عنى بذلك أنّه يحدث إرادة.
                    قال: فما عنى به ؟
                    قال: عنى فعل الشيء.
                    قال الرضا عليه السلام: ويلك كم تردد في هذه المسألة ؟ وقد أخبرتك أن الاِرادة محدثة لاَن فعل الشيء محدث.
                    قال: فليس لها معنى.
                    قال الرضا عليه السلام: قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالاِرادة بما لا معنى له، فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم إن الله عزّ وجلّ لم يزل مريداً.
                    قال سليمان: إنّما عنيت أنّها فعلٌ من الله تعالى لم يزل.
                    قال: ألا تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولاً وقديماً وحديثاً في حالة واحدة ؟
                    فلم يحر جواباً ؟!
                    قال الرضا عليه السلام: لا بأس أتمم مسألتك.
                    قال سليمان: قلت إنّ الاِرادة صفة من صفاته.
                    قال: كم تردِّد عليَّ أنها صفة من صفاته فصفته محدثة أو لم تزل ؟
                    قال سليمان: محدثة.
                    قال الرضا عليه السلام: الله أكبر فالاِرادة محدثة وإن كانت صفة من صفاته لم تزل.
                    فلم يرد شيئاً.
                    قال الرضا عليه السلام: إنّما لم يزل لم يكن مفعولاً.
                    قال سليمان: ليس الاَشياء ارادة، ولم يرد شيئاً.
                    قال الرضا عليه السلام: وسوست يا سليمان، فقد فعل وخلق ما لم يزل خلقه وفعله، وهذه صفة من لا يدري ما فعل، تعالى الله عن ذلك.
                    قال سليمان: يا سيّدي فقد أخبرتك أنّها كالسمع والبصر والعلم.
                    قال المأمون: ويلك يا سليمان، كم هذا الغلط والتردّد ؟ اقطع هذا وخذ في غيره، إذ لست تقوى على غير هذا الرد.
                    قال الرضا عليه السلام: دعه يا أمير المؤمنين، لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجّة، تكلم يا سليمان.
                    قال: قد أخبرتك أنّها كالسمع والبصر والعلم.
                    قال الرضا عليه السلام: لا بأس أخبرني عن معنى هذه أمعنى واحد أم معانٍ مختلفة ؟
                    قال سليمان: معنى واحد.
                    قال الرضا عليه السلام: فمعنى الاِرادات كلها معنى واحد ؟
                    قال سليمان: نعم.
                    قال الرضا عليه السلام: فإن كان معناها معنى واحداً كانت إرادة القيام إرادة القعود، وإرادة الحياة إرادة الموت، إذا كانت إرادته واحدة لم تتقدم بعضها بعضاً ولم يخالف بعضها بعضاً وكانت شيئاً واحداً.
                    قال سليمان: إن معناها مختلف.
                    قال عليه السلام: فأخبرني عن المريد أهو الاِرادة أو غيرها؟
                    قال سليمان: بل هو الاِرادة.
                    قال الرضا عليه السلام: فالمريد عندكم مختلف إذا كان هو الاِرادة.
                    قال: يا سيدي ليس الاِرادة المريد.
                    قال: فالاِرادة محدثة وإلا فمعه غيره، إفهم وزد في مسألتك.
                    قال سليمان: بل هي اسم من أسمائه.
                    قال الرضا عليه السلام: هل سمَّى نفسه بذلك ؟
                    قال سليمان: لا، لم يسمِّ نفسه بذلك.
                    قال الرضا عليه السلام: فليس لك أن تسميه بما لم يسمِّ به نفسه.
                    قال: قد وصف نفسه بأنّه مريد.
                    قال الرضا عليه السلام: ليس صفته نفسه أنّه مريد إخبار عن أنّه إرادة ولا إخبار عن أن الاِرادة اسم من أسمائه.
                    قال سليمان: لاَن إرادته علمه.
                    قال الرضا عليه السلام: يا جاهل، فإذا علم الشيء فقد أراده ؟
                    قال سليمان: أجل.
                    فقال: فإذا لم يرده لم يعلمه.
                    قال سليمان: أجل.
                    قال: من أين قلت ذاك ؟ وما الدليل على إرادته علمه ؟ وقد يعلم ما لا يريده أبداً، وذلك قوله عزّ وجلّ: (وَلَئِن شِئنَا لَنَذهَبَنَّ بِالَّذي أَوحَينا إِليكَ)(23) فهو يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به أبداً ؟
                    قال سليمان: لاَنّه قد فرغ من الاَمر، فليس يزيد فيه شيئاً.
                    قال الرضا عليه السلام: هذا قول اليهود، فكيف قال تعالى: (ادعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم)(24) ؟
                    قال سليمان: إنّما عنى بذلك أنه قادر عليه.
                    قال: أفيعد ما لا يفي به، فكيف قال: (يَزِيدُ في الخَلقِ مَا يشاءُ)(25) وقال عزّ وجلّ: (يَمحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ)(26) وقد فرغ من الاَمر.
                    فلم يحر جواباً ؟!
                    قال الرضا عليه السلام: يا سليمان، هل يعلم أن إنساناً يكون، ولا يريد أن يخلق إنساناً أبداً، وأن إنساناً يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم.
                    قال سليمان: نعم.
                    قال الرضا عليه السلام: فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون، أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون ؟
                    قال: يعلم أنهما يكونان جميعاً.
                    قال الرضا عليه السلام: إذاً يعلم أن إنساناً حي ميت قائم قاعد أعمى بصير في حالة واحدة، وهذا هو المحال.
                    قال: جعلت فداك، فإنه يعلم انّه يكون احدهما دون الآخر ؟
                    قال: لا بأس، فأيهما يكون الذي أراد أن يكون أو الذي لم يرد أن يكون؟
                    قال سليمان: الذي أراد أن يكون.
                    فضحك الرضا عليه السلام والمأمون وأصحاب المقالات.
                    قال الرضا عليه السلام: غلطت وتركت قولك: إنّه يعلم أن إنساناً يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم، وأنه يخلق خلقاً وأنه لا يريد أن يخلقهم، وإذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون فإنّما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون.
                    قال سليمان: فإنّما قولي أن الاِرادة ليست هو ولا غيره.
                    قال الرضا عليه السلام: يا جاهل، إذا قلت: ليست هو فقد جعلتها غيره وإذا قلت: ليست هي غيره فقد جعلتها هو.
                    قال سليمان: فهو يعلم كيف يصنع الشيء؟
                    قال: نعم.
                    قال سليمان: فإن ذلك إثبات للشيء.
                    قال الرضا عليه السلام: أحلت؛ لاَن الرجل قد يحسن البناء وإن لم يبن، ويحسن الخياطة وإن لم يخط، ويحسن صنعة الشيء وإن لم يصنعه أبداً، ثمّ قال له عليه السلام: يا سليمان هل تعلم أنّه واحد لا شيء معه ؟
                    قال: نعم.
                    قال الرضا عليه السلام: فيكون ذلك إثباتاً للشيء ؟
                    قال سليمان: ليس يعلم أنّه واحد لا شيء معه.
                    قال الرضا عليه السلام: أفتعلم أنت ذاك ؟
                    قال: نعم.
                    قال: فأنت يا سليمان أعلم منه إذاً.
                    قال: سليمان: المسألة محال.
                    قال: محال عندك أنّه واحد لا شيء معه، وأنّه حي سميع بصير حكيم قادر؟
                    قال: نعم.
                    قال: فكيف أخبر عزّ وجلّ: أنّه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير وهو لا يعلم ذلك، وهذا رد ما قال وتكذيبه، تعالى الله عن ذلك.
                    ثمّ قال له الرضا عليه السلام: فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه ولا ما هو ؟ وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشيء قبل أن يصنعه فإنّما هو متحيّر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
                    قال سليمان: فإن الاِرادة القدرة.
                    قال الرضا عليه السلام: وهو عزّ وجلّ يقدر على ما لا يريده أبداً ولا بدَّ من ذلك، لاَنّه قال تبارك وتعالى: (وَلَئِن شِئنَا لَنَذهَبَنَّ بِالَّذي أَوحَينا إِليكَ)(27) فلو كانت الاِرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.
                    فانقطع سليمان.
                    فقال المأمون عند ذلك: يا سليمان، هذا أعلم هاشمي، ثمّ تفرّق القوم(28)
                    ____________
                    (1) سليمان المروزي، متكلم خراسان، مشتبه فيه، ولم يميز على وجه الدقة، إذ احتمل بعضهم انّه سليمان بن حفص المروزي الذي نقل المحقّق الداماد عن الشيخ أنّه من أصحاب الهادي عليه السلام، واحتمل أخر أيضاً أنه سليمان بن داوود المروزي المعدود من أصحاب الهادي عليه السلام، وقول لثالث: أنه سليمان بن جعفر المروزي من أصحاب الكاظم والرضا عليه السلام، ومنشأ هذه الاختلاف، إنّ سليمان المروزي الذي ذُكر في مناظرة الاِمام الرضا عليه السلام لم يذكر اسم أبيه، فمن هنا نشأ هذا الاختلاف في ما بينهم، ولذا صعب تمييزه، وخصوصاً إنه يوجد بهذا الاسم أكثر من واحد في زمن واحد، فإن كانت هناك قرائن تميّزه عن غيره وإلاّ يبقى مجهولاً، قال الشيخ علي النمازي: والاَظهر أن سليمان المروزي المتكلّم الباحث مع الرضا عليه السلام ليس أحد هؤلاء الثلاثة، ولا يجري ما قيل فيهم عليه، فراجع كتاب العلامة المامقاني في ترجمة هؤلاء الثلاثة حتى يتضح لك الحال والاشكال فيما توهموه وبطلان تطبيق ما ذكر في الروايات من دون ذكر اسم الاَب على المعنون في أول الترجمة حتى تقوم حجة على التطبيق، ومما ذكرنا ظهر عدم الاطمئنان في تطبيق المضمر في الروايات على المعنون، وقال أيضاً ـ عليه الرحمة ـ: ومن هذه المحاجة يظهر ذمُه ولجاجُه، فراجع حتى ترى ذمه، وتعرف فساد توهم من زعم حسنه، وأنّه ما رجع إلى الحق. انتهى كلامه رفع في علو مقامه.
                    أقول: والذي يظهر لكل من يراجع مناظراته مع الاِمام عليه السلام أن سليمان هذا من أهل العناد، وإلاّ لم يجلبه المأمون لمحاجة الاِمام عليه السلام، إذ أن المأمون العباسي كان يجلب العلماء لمناظرة الاِمام عليه السلام ليظهروا عليه.
                    ويريد أن يبين للناس عجزه: (ويأبى الله إلاّ أن يُتم نوره ولو كره الكافرون) ولذا قال المأمون لسليمان: وليس مرادي إلاّ أن تقطعه عن حُجة واحدة فقط، فهذا ما كان يسعى إليه المأمون ومن مشى في ركابه واستجاب له.
                    وبما أن سليمان المروزي الواقع بهذا الاسم قد تُرجم له في كتب رجال السنة ولم يغفلوه، كما تدلّ فحوى ترجمتهم له على رقعته عندهم وأنّه من أهل الحديث الذين حفظوا أحاديث لم تقع في الكتب، كما أن هذا المترجم له كان أيضاً في زمان الاِمام الرضا عليه السلام إذ أن الاِمام عليه السلام توفي في سنة 203 هـ وتوفي سليمان هذا قبل سنة 210 هـ، كما أنّه لم يذكر بهذا الاسم في كتب الرجال عند السنة غيره، وإلاّ كيف يغفله أهل السنة في الوقت الذي ذكروا من الرجال من هو أقل منه في نظرهم، فمن المحتمل القريب جداً أن يكون هو نفس المذكور في مناظرة الاِمام الرضا عليه السلام، والله العالم بحقائق الاُمور، كما عده أيضاً العطاردي من رواة الاِمام الرضا عليه السلام تحت رقم: 149، وإليك ترجمته كما جاءت في كتب التراجم عندهم هو: سليمان بن صالح، مولاهم، أبو صالح المَرْوَزيُّ المعروف بسلمويه، صاحب «وقائع خراسان» ويقال: اسمهُ سليمان بن داود، قيل انّه سمع من ابن المبارك نحو ثماني مئة حديث ممَّا لم يقع منه في الكتب، مات قبل سنة عشر ومئتين، وكان قد جاوز مئة سنة. راجع ما جاء في هذه الترجمة: تهذيب الكمال: ج 11 ص 453 ترجمة رقم: 2529، تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 4 ص 199 ترجمة رقم: 338، مستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهرودي: ج 4 ص 146 ترجمة رقم: 6608، منتهى المقال في أحوال الرجال للمازندراني: ج 3 ص 387 ترجمة رقم: 1363، مسند الاِمام الرضا عليه السلام للعطاردي: ج 2 ص 534.
                    (2) سورة مريم: الآية 67.
                    (3) سورة الروم: الآية 27.
                    (4) سورة البقرة: الآية 117.
                    (5) سورة فاطر: الآية 1.
                    (6) سورة السجدة: الآية 7.
                    (7) سورة التوبة: الآية 106.
                    (8) سورة فاطر: الآية 11.
                    (9) سورة الذاريات: الآية 54.
                    (10) سورة الذاريات: الآية 55.
                    (11) سورة المائدة: الآية 64.
                    (12) سورة المائدة: الآية 64.
                    (13) سورة القدر: الآية 1.
                    (14) سوره النساء: الآية 56.
                    (15) سورة هود: الآية 108.
                    (16) سورة الواقعة: الآية 32 و 33.
                    (17) سورة ق: الآية 35.
                    (18) سورة هود: الآية 108.
                    (19) سورة الحجر: الآية 48.
                    (20) سورة النساء: الآية 57.
                    (21) سورة الواقعة: الآية 32 و 33.
                    (22) سورة الاِسراء: الآية 16.
                    (23) سورة الاِسراء: الآية 86.
                    (24) سورة غافر: الآية 60.
                    (25) سورة فاطر: الآية 1.
                    (26) سورة الرعد: الآية 39.
                    (27) سورة الاسراء: الآية 86.
                    (28) عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج2 ص 159 ـ 168 ب 13، التوحيد للصدوق: ص441 ـ 454 ب 66 ح 1، بحار الاَنوار للمجلسي: ج10 ص 329 ـ 338 ح 2.

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X