إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

منصب الإمامة أعلى من منصب النبوّة ام العكس

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منصب الإمامة أعلى من منصب النبوّة ام العكس


    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    و صلّى اللهُ على محمّد و ءاله الطاهرين
    و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن الى قيام يوم الدين
    و لا حول و لا قوّة الّا بالله العليّ العظيم
    قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم :
    وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا
    وَ كَانُوا بِئَايَتِنَا يُوقِنُونَ (1) .
    منصب الإمامة أعلى من النبوّة :


    ينبغي أن نبحث في هذه الأية المباركة عن المراد بالإمام ؟ و عن المراد
    بالهداية بأمرالله ؟ و عن العلاقة بين تعليل الإمامة بالصبر و الإيقان بأيات الله و
    بين الإمامة نفسها ؟

    و لتوضيح معنى الإمام نقول :
    انّ الله تعالى يقول :
    وَ إِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَتٍ فَأَتَمّهُنَ قَالَ
    إِنّى جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إمَامًا قَالَ وَ مِنْ ذُرّيّتِى قَالَ لَا يَنَالُ
    عَهْدِى الظّلِمِينَ (2) .

    و الإمامة التي أعطاها الله لإبراهيم كانت في زمن شيخوخته ، و بعد أن
    اجتاز جميع الاختبارات و من اهمّها ذبح ولده اسماعيل ، فقد كان الله سبحانه وهبه
    على الكبر اسماعيل و اسحق :

    اَلْحَمدُ لِلهِ الّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إسْمَعِيلَ وَ
    إِسْحَقَ إنّ رَبّى سَمِيعُ الدّعَاءِ (3) .

    و لأنّ ابراهيم عليه السلام حين أُعطي الإمامة فانّه سألها لذريّته ،
    لذا فإنّ هذا الإعطاء و هذا السؤال حصلا حين امتلك ذريّةً في كبره . فهذا السؤال و
    الطلب لم يكن له من محلّ ـ في ظاهر الحال ـ قبل حصوله على الذريّة ، و مع يأس
    ابراهيم و انقطاع أمله فيها . إذ كيف يمكن للإنسان اليائس من الحصول على الذريّة أن
    يسأل الله الإمامة لذريّته من بعده ؟ لقد كان عليه ان لا يتعرّض الى هذا الطلب ، أو
    كان عليه على الأقل أن يقول : إن رَزَقْتَنِي‏ذُريّةً ؛ إن تعلّقت إرادتك بعد هذا ـ
    مع يأسي ـ فأعطيتني أولاداً فهل ستجعلهم أئمةً أم لا ؟

    و الدليل على يأس ابراهيم عليه السلام من الحصول على ذريّة هو ءايات
    القرءان الكريم :

    وَ نَبّئْهُم عَنْ ضَيْفِ إبْرَ هِيمَ إذ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا
    سَلَمًا قَالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لَا تُوْجَلْ إِنّا نُبَشّرُكَ
    بِغُلَمٍ عَلِيمٍ قَالَ أَبَشّرْتُمُونِى عَلَى‏ أَن مّسّنِىَ الْكِبَرُ فَبِمَ
    تُبَشّرُونَ قَالُوا بَشّرْنَكَ بِالْحَقّ فَلَا تَكُن مّنَ الْقَانِطِينَ (4)
    .

    و كانت سارة زوجة ابراهيم يائسة هي الأخرى من إنجاب الأولاد :
    وَ امْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَهَا بِإِسْحَقَ وَ مِنْ
    وَرَآءِ إِسْحَقَ يَعقُوبَ قَالَتْ يَوَيْلَتَى‏ ءَأَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ
    هَذَا بَعْلِى شَيْخًا إنّ هَذَا لَشَىْ‏ءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ
    أَمْرِ اللَهِ رَحْمَتُ اللَهِ وَ بَرَكَتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيتِ إنّهُ
    حَمِيدٌ مَجِيدٌ (5) .

    و يتّضح لدينا جيّداً من هذه الأيات القرءانيّة انّ ابراهيم كان يائساً
    من الحصول على الأولاد في ءاخر عمره ، لذا فانّ سؤاله الإمامة لأولاده كان حين وهبه
    الله الإمامة ، و ذلك في سنين شيخوخته بعد أن وهبه الله اسماعيل و اسحق .

    و نستنتج ـ بناءً على ذلك ـ انّ إمامة ابراهيم كانت بعد نبوّته ، و بعد
    أن أصبح شيخاً كبيراً ، أي انّ الإمامة تختلف عن النبوّة ، بل هي مقام أعلى وأسمى .

    و على هذا الأساس فانّ المراد باية إنّى جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إمَاماً .
    انّي سأجعلك قدوة يقتدي بها أفراد البشر في القول و العمل ، فالإمام إذن هو الذي
    يجب ان يتبعه الناس في أفعالهم و أقوالهم و سلوكهم ، و في النهاية في أفكارهم و
    عقائدهم و ملكاتهم .

    و من هنا أخطأ بعضُ المفسّرين فتصوّروا أن المراد بالإمامة في هذه الأية
    الشريفة هو نفسه معنى النبوّة ، لإنّ الناس يقتدون بالنبّي في دينهم ، ثمّ أوردوا
    هذه الأية دليلاً على ذلك : وَ مَا أرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إلاّ لِيُطَاعَ بِإِذنِ
    اللَهِ (6) .

    و هو توهّم لا محلّ له أبداً ، لأن لفظ (إماماً) في قوله تعالى (إنّى
    جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً) وقعت مفعولاً ثانياً لجاعلك ، و لأن (جاعل) اسم
    للفاعل لا يعمل اذا كان المعنى دالّاً على الماضي و لا يأخذ مفعولاً ، لذا فانّ من
    المسلّم انّه سيكون بمعنى الحال و الاستقبال . أي : يا ابراهيم انّي سأجعلك إماماً
    . و لأنّ ابراهيم في هذا الخطاب كان في منصب النبوّة ، لذا فان من المسلّم أن
    الإمامة هي غير النبوّة . و إضافة الى ذلك فانّ الخطاب نفسه : (إنّى جَاعِلُكَ
    لِلنّاسِ إِمَاماً) كان وحياً من السماء ، و لا يمكن أن يحصل دون وجود منصب النبوّة
    ، لذا فانّ ابراهيم عليه السلام كان نبيّاً قبل منصب الإمامة ، و انّ الإمامة لن
    تكون هنا بمعنى النبوّة .

    لقد كانت هذه الإمامة بعد الإبتلاءات التي مرّ بها ابراهيم ، و من
    جملتها ذبحه لولده اسماعيل ، و كانت عند كبر ابراهيم و شيخوخته ، فقد مرّ عليه ـ
    قبل ان يُرزق أولاداً ـ الملائكةُ الذاهبون لإهلاك قوم لوط ، و كان ءانذاك نبيّاً
    مرسلاً ، و نتيجة لذلك فانّ إمامته كانت بعد درجة النبوّة .

    و علّة خطأ هؤلاء المفسّرين كثرة استعمال لفظ الإمام في غير الموارد
    الصحيحة بتسامحات عرفية ، بحيث حصل التصوّر بانّه يمكن إطلاق إسم الإمام على كلّ من
    يمتلك رئاسة أو تفوّقاً ؛ و لأنّ النبّي مطاع ومتفوّق ، فقد عبّر عنه بالإمام .

    لذا فقد فسّر البعض لفظ (إماماً) في هذه الأية المباركة بالنبيّ ،
    والبعض بالرسول ، و البعض بالمطاع ، و فسّره البعض الأخر بالوصيّ والخليفة و الرئيس
    و القائد ، و جميعها غير صحيح ، لأنّ معنى (النبيّ) من النبأ ، و النبأ بمعنى الخبر
    . فالنبيّ هو الذي يخبره الله سبحانه في باطنه ، وهو غير معنى الإمام . كما ان
    (الرسول) هو المكلّف بوظيفة التبليغ ، و لا يستلزم ذلك أن يعتبره الناس قدوةً
    فيتبعونه في الظاهر و الباطن ، أو يسمعون كلامه فيعملون به ، و لذلك فانّ معنى
    الرسول هو أيضاً غير الإمام .

    امّا (المُطاع) فهو الإنسان الذي له من الاحترام و الحيثيّة بحيث يُطيعه
    الناس ، و هو من لوازم النبوّة و الرسالة و مختلف عن معنى الإمامة .

    و امّا (الخليفة) و (الوصيّ) فمعناها النيابة لا الإمامة ؛ كما انّ
    (الرئيس) يُقال للشخص الذي يكون مصدراً للحكم ، و يستلزم ذلك أن يكون مطاعاً ، و
    ليس لإيّ منها معنى الإمام .

    الإمام من مادّة أمّ يؤمّ ، و هو ـ كما ذكر ـ كونه قدوة ، و الامام هو
    مطلق مَن يجب على الناس متابعته و النظر اليه و مشايعته في جميع ءاثاره في جميع
    الشؤون ، من الحركة و السكون ، النوم و اليقظة ، الظاهر والباطن ، القول و العمل ،
    و الأخلاق و الملكات و ...

    لذا نرى انّ هذا المعنى للإمام في هذه الأية المباركة في غاية المناسبة
    و الحسن ، أن يخاطب الله تعالى ابراهيم فيقول : بعد أن جعلتُك في مقام النبوّة و
    الرسالة ، اي في مقام تلقّي الوحي السماوي و إبلاغه الى أفراد الإنسان ، فقد جعلتُك
    الأن قدوة يجب ان يتبعوا شؤونها في جميع الجهات .

    لكننا لو وضعنا أيّاً من تلك المعاني السابقة المذكورة في مكان الإمام
    لما صحّ المعنى ، فليس صحيحاً ان نقول : انّي جاعلك ـ بعد امتلاك مقام النبوّة و
    الرسالة ـ نبيّاً أو رسولاً او خليفةً او وصيّاً أو رئيساً .

    و ينبغي أن يُعلم أيضاً أنّ مخالفة معنى الإمام لمعاني هذه الالفاظ ليس
    مجرّد عناية لفظيّة و اعتبارات كلاميّة ، بل هو اختلاف في حقائق معانيها ، ففي معنى
    الإمام حقيقة لا يمتلكها أيّ من تلك المعاني .

    و لننصرف الأن و قد اتّضح المطلوب الى تفسير الأية المباركة :
    وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا
    وَ كَانُوا بِأَيَتِنَا يُوقِنُونَ .

    حيث يُلاحظ هنا انّ الله تعالى جعل مع كلمة الأئمة صفة تلازمها ، ألا و
    هي الهداية بأمر الله ، كما انّ هذه النكتة مشهودة في ءاية اخرى في قصّة سيّدنا
    ابراهيم :

    وَ وَهَبْنَا لَهُ إِسحَقَ وَ يَعْقُوبَ نَافِلَةً وَ كُلّا جَعَلْنَا
    صَلِحِينَ وَ جَعَلْنَهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَآ إلَيهِمْ
    فِعْلَ الْخَيْرَ تِ وَ إقَامَ الصّلَوَ ةِ وَ إيتَآءَ الزّكَوَ ةِ وَ كَانُوا
    لَنَا عَبِدِينَ (7) .

    و يُلاحظ هنا انّه قد ذكر صفة ملازمة لكلمة الأئمّة ، أو بعبارة اخرى
    انّ جملة (يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) جملة تفسيريّة لمعنى الأئمّة . لذا يجب ان يكون
    للإمامة عنوان الهداية أولاً ، و ان هذه الهداية هي بأمر الله ثانياً ؛ اي انّ
    الامام هو الذي يهدي الناس بأمر الله . و المراد بأمر الله هو الذي ذكر حقيقته في
    هذه الأية :

    إِنّمَآ أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ *
    فَسُبْحَنَ الّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْ‏ءٍ وَ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ
    (8)
    .

    و في الأية : وَ مَا أَمْرُنَا إلّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ
    بِالْبَصَرِ (9) .

    حيث يُستفاد من هذه الأيات أنّ أمر الله واحد لا تعدّد له ، اضافةً الى
    انّه ليس له زمان أو مكان ، و ثانياً انّ أمره هو إرادته ، فبمجرّد إرادته فانّ
    الموجود سيرتدي لباس الوجود ، و ذلك نفسه هو ملكوت كلّ موجود . وحين يريد الله
    إيجاد موجود بأمره ، أي ملكوت ذلك الموجود ، فانّه يوجده .

    و من الجلّي انّ الأمر هو نفس الجانب الثبوتي مقابل الخلق الذي يمثّل
    جانب التغيّر و الزوال و الفساد . قال تعالى : أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ
    تَبَارَكَ اللَهُ رَبّ الَعلَمِينَ (10) .

    و بناءً على هذا فانّ الموجودات لها وجهتان : وجهة خلقيّة ، و هي التي
    يُشاهد فيها التغيّر و الفساد و التدريج و الحركة ، و وجهة الأمر التي سيكون فيها
    الثبات و عدم التغيّر ، و تلك الوجهة الأمريّة تسمّى بالملكوت ، و هي حقيقة و
    واقعيّة الموجودات ، و التي تقوم بها الوجهة الخلقية . و مع التغيرات و التبدّلات
    المشهودة في هذه الوجهة فانّ تلك الوجهة لا تتغيّر ولاتتبدّل .
    هداية الموجودات على يد الإمام :


    و على هذا فانّ الأئمة الذين يهدون بأمر الله لهم تعامل مع ملكوت
    الموجودات ، فهم يهدون كلّ موجود الى الله و يوصلونه من وجهته الأمرية ـ و ليس فقط
    من وجهته الخلقية ـ الى كمال الله تعالى .

    انّ قلب الموجودات بيد الإمام ، فهو يهديهم الى الله تعالى من جهة
    السيطرة و الإحاطة بقلوبهم ؛ فالإمام ـ إذاً ـ هو الذي يهدي الناس الى الله ،
    يهديهم بالأمر الملكوتي الموجود و الملازم له دائماً ، و هذه في الحقيقة هي الولاية
    بحسب الباطن في أرواح و قلوب الموجودات ، نظير ولاية كلّ فرد من أفراد البشر عن
    طريق باطنه و قلبه بالنسبة الى أعماله ، و هذا هو معنى الإمام .

    أمّا في الأية الشريفة فانّ الله تعالى يبيّن علّة منح هذا المنصب بهذه
    الكيفيّة :

    لَمّا صَبَرُوا وَ كَانُوا بَِايَتِنَا يُوقِنُونَ (11) .
    أحدها الصبر في طريق الله ، و المقصود بالصبر الإستقامة و الثبات في
    جميع الامتحانات والابتلاءآت التي تعرض للعبد في طريق العبوديّة والوصول الى المراد
    ، و الأخر أن يكونوا قد وصلوا الى مرحلة اليقين قبل ذلك .

    و نرى في ءاياتٍ من القرءان المجيد انّها تَعُدّ علامةَ اليقين كشفَ
    الحجب الملكوتيّة ، فصاحب اليقين هو الذي يدرك حقائق الموجودات وملكوتها ، و
    المحجوب هو الذي يغطي قلبه ستار يمنعه من مشاهدة الأنوار الملكوتيّة ، مثل قوله
    تعالى :

    وَ كَذَ لِكَ نُرِى إبْرَ هِيمَ مَلَكُوتَ السّمَوَ تِ وَالأَرْضِ وَ
    لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (12) .

    و هذه الأية تشير الى انّ إرادة ملكوت السموات و الأرض كان مقدّمة
    لإفاضة اليقين على قلب ابراهيم ، و من هنا فانّ اليقين لن ينفصل عن مشاهدة الانوار
    الملكوتيّة .

    و كقوله تعالى : كَلّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَروُنّ
    الْجَحِيمَ (13) .

    لو كنتم تعلمون كعلم أصحاب اليقين ، لرأيتم الجحيم و لشاهدتم حقيقة
    جهنّم أي ملكوت الأفعال القبيحة و معصية الله و النفس الأمّارة .

    و كقوله تعالى : كَلّا إنّ كِتَبَ الْأَبْرَارِ لَفِى عِلِيّينَ وَ مَا
    أَدْرَبكَ مَا عِلِيّونَ كِتَبٌ مَرقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرّبُونَ (14)
    .

    و يُستفاد من الأيات المتقدّمة انّ المقرّبين ـ أي أصحاب اليقين ـ هم
    الذين ارتبطوا بالملكوت و بحقائق العالم ، و اجتازت قلوبهم جانب المشاهدة الخلقيّة
    ، فلم يعودوا محجوبين عن الله ، لا يحجبهم عنه الحجاب القلبيّ من المعصية و الجهل و
    الشكّ و النفاق ، و اولئكم هم أصحاب اليقين الذين يرون العليّين و الحقائق
    الملكوتيّة للأبرار و الأخيار ، كما أنهم يشاهدون الحقيقة الملكوتيّة للأشرار و أهل
    المعاصي التي هي (الجحيم) .

    و بناءً على هذا فانّ الإمام و هو الهادي الى أمر ملكوتي ، يجب أن يكون
    قد وصل حتماً الى مقام اليقين و انكشف له عالم الملكوت ، و صار متحقّقاً بكلمات
    الله ؛ و كما ذكر فانّ الملكوت هو الوجهة الباطنيّة للموجودات ، لذا فانّ هذه الأية
    الشريفة وَ جَعَلْنَهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا (15) تشير
    بوضوح الى انّ كلّ ما يتعلّق بأمر الهداية ، أي القلوب و الأعمال ، فانّ باطنها و
    حقيقتها بيد الإمام ، و وجهتها الملكوتيّة و الأمريّة حاضرة بمشهد من الإمام لا
    تخفى عنه لحظةً واحدة .
    تحقّق أميرالمؤمنين بمقام الإمامة و الولاية :


    انّ الألقاب التي منحها رسول الله صلى الله عليه و ءاله لأميرالمؤمنين
    عليه السلام تدلّ جميعها على حصول أميرالمؤمنين على هذه الدرجة .

    فقد روى القندوزي انّ رسول الله صلى الله عليه [و ءاله‏] و سلّم قال :
    يَا عَلِيّ أنتَ تُبْرِءُ ذِمّتِي وَ أَنْتَ خَلِيفَتِي عَلَى
    أُمّتِي (16) .

    و يجب ان نعلم انّ ابراء الذمّة ليس المفهوم منه ان يقوم أميرالمؤمنين
    بقضاء دَيْن رسول الله بأدائه بعض الدراهم مثلاً ، بل ان المقصود به هو الوفاء
    بالعهد الذي قطعتُه لله في أداء الرسالة و إيصال الحقّ الى الناس و هدايتهم الى
    الله ،

    فيا عليّ ! أنت الذي تؤدّي هذا الدين ، أنت الذي عقدت العزم على إنجاز
    هذا الأمر ، فأنت تتعامل بواسطة نفسك القدسيّة مع قلوب و أرواح الناس من الباطن و
    مع أفعالهم و أقوالهم في الظاهر .

    و نظير هذا المعنى الروايات الدالّة على : يَا عَلِيّ أَنتَ تَقْضِي
    دَيْنِي ؛ وهذه المجموعة من الروايات كثيرة أيضاً .

    يروي ابن الجوزي باسناده عن أحمد بن حنبل ، بسنده المتّصل عن أنس يقول :
    قلنا لسلمان الفارسي : سَلْ رسول الله صلى الله عليه [و ءاله‏] و سلّم
    مَنْ وصيّهُ ؟

    فسألَ سَلمانُ رَسُولَ الله صلى الله عليه [و ءاله‏] و سلم ، فقال :
    مَنْ كانَ وَصيّ مُوسى بنِ عِمْرانَ ؟ فقال : يُوشَعُ بنُ نُونٍ ، قال : إنّ
    وَصِيّي وَوَارِثِي وَمُنْجِز وَعْدِي عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام .

    ثم يقول : و الحديث الذي ذكرناه رواه أحمد في الفضائل و ليس في اسناده
    ابن زياد و لا هذه الزيادة ، فذاك حديث و هذا حديث (17) .
    حديث أنس في ولاية أميرالمؤمنين :


    يروي أبو نعيم الحافظ الاصفهاني و شيخ الاسلام الحمويني عن أنس قال :
    قال رسولُ الله صلّى الله عليه [و ءاله‏] و سلّم : يَا أَنَسُ ! اسْكُبْ
    لِي وُضُوءاً ، ثُمّ قَامَ فَصَلّى رَكْعَتَينِ .

    ثُمّ قَالَ : يَا أَنَسُ أَوّلُ مَن يَدْخُلُ عَلَيْكَ مِن هَذَا
    الْبَابِ أَمِيرُالمؤمِنِينَ ، وَسَيّدُ الْمُسلِمِينَ ، وَ قَائِدُ الْغُرّ
    الْمُحَجّلِينَ ، وَ خَاتَمُ الوَصِيّنَ .

    قَالَ أَنَسُ : قُلْتُ : اللّهُمّ أَجْعَلهُ رَجُلاً مِنَ الأنصَارِ ،
    وَ كَتَمتُهُ ، إذ جَاءَ عَلِيّ ، فَقَالَ : مَن هَذَا يَا أَنَسُ ؟

    فَقُلْتُ : عَلِيّ ، فَقَامَ مُسْتَبشِراً فَاعتَنَقَهُ ، ثُمّ جَعَلَ
    يَمْسَحُ عَرَقَ وَجْهِهِ بِوَجْهِهِ ، وَ يَمْسَحُ عَرَقَ عَلِيّ بِوَجْهِهِ .

    قَالَ : عَلِيّ : يَا رَسُولَ اللَهِ لَقَدْ رَأَيتُكَ صَنَعتَ شَيْئاً
    مَا صَنَعْتَ بِي مِن قَبلُ .

    قَالَ : وَ مَا يَمْنَعُنِي وَ أَنْتَ تُؤَدّي عَنّي ، وَ تُسْمِعُهُمْ
    صَوتِي ، وَ تُبَيّنُ لَهُمْ مَا اختَلَفُوا فِيهِ بَعْدِي (18) .

    و يروي أبونعيم الحافظ بسنده عن أبي برزة الأسلمي قال :
    قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه [و ءاله‏] و سلّم : إنّ اللهَ تَعَالى
    عَهِدَ إلَيّ عَهْدَاً فِي عَلِيّ ، فَقُلْتُ : يَا رَبّ بَيّنْهُ لِي .

    فَقَالَ : اسْمَعْ ! فَقُلْتُ : سَمِعْتُ ! فقَالَ : إِنّ عَلِيّاً
    رَايَةُ الهُدَى ، وَ إمَامُ أَولِيَائِي ، وَ نُورُ مَنْ أَطَاعَنِي ، وَ هُوَ
    الْكَلِمَةُ الّتِي أَلْزَمْتُهَا الْمُتَقِينَ (19) ، مَنْ أَحَبّهُ
    أَحَبّنِي ، وَ مَنْ أَبْغَضَهُ أَبغَضَنِي ، فَبَشّرْهُ بِذلِكَ ، فَجَاءَ عَلِيّ
    فَبَشّرْتُهُ ،

    فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَهِ ! أَنَا عَبْدُاللَهِ ، وَ فِي قَبْضَتِهِ
    ، فَإنَ يُعَذّبْنِي فَبِذَنبِي ، وَ إنْ يُتِمّ لي الّذِي بَشّرْتَنِي بِهِ ،
    فاللَهُ أَوْلَى بِي .

    قال صلّى اللهُ عليه [و ءاله‏] و سلّم : اللّهُمّ أجْلِ قَلبَهُ ،
    وَاجْعَلْ (20) رَبِيعَهُ الإيمانَ .

    فقالَ اللهُ [تَبَارَكَ و تَعالى‏] : قَدْ فَعَلْتُ بِهِ ذَلِكَ ، ثُمّ
    إنّهُ رُفِعَ إلَيّ أَنّهُ سَيَخُصّهُ بِالبَلاَءِ بِشَىْ‏ءٍ لَمْ يَخُصّ بِهِ
    أَحَداً مِنْ أَصْحَابي .

    فَقُلْتُ : يَا رَبّ ! أَخِي وَ صَاحِبِي .
    فَقالَ تَعَالى : إنّ هذا شَىْ‏ءٌ قَدْ سَبَقَ ، إنّهُ مُبْتَلى وَ
    مُبْتَلَى بِهِ (21) .
    مَكْرُ قريش بأميرالمؤمنين :


    يروي القندوزي الحنفي عن كتاب (المناقب) للموفّق بن أحمد الخوارزمي ، و
    الحمويني باسناده عن أبي عثمان النهدي عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه
    السلام ،

    قال : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ الله صَلّى الله عليه [و ءاله‏] و
    سلّم ، فَأَتَيْنَا عَلَى حَدِيقَةٍ فَاعتَنَقَنِي وَ أَجْهَشَ بَاكِياً ، فَقُلْتُ
    : مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللَهِ ؟

    فَقَالَ : أبْكِي لِضَغَائِنَ فِي صُدُورِ قَومٍ لَا يُبدُونَهَا لَكَ
    إلّا بَعْدِي .

    فَقُلْتُ : فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِينِي ؟ (أي غير مُبتلٍ بهوى النفس ،
    فأرجّح في انتقامي منهم هوى نفسي و الرئاسة على رضا الله ، و هل سأكون على هذا
    النهج و الصراط المستقيم؟)

    فَقَالَ : فِي سَلاَمَةٍ مِنْ دِينِكَ (22) .
    و روى في ديوانه أشعاراً له عليه السلام ، قال : و في ديوانه كرّم الله
    وجهه :

    تِلْكُمْ قُرَيْشٌ تَمَنّانِي لَتَقْتُلَنِي
    فَلَا وَ رَبّكَ مَا بَزّوا وَ لَا ظَفَرُوا
    إِمّا بَقيتُ فَإنّي‏لَسْتُ مُتّخِذاً
    أَهْلاً وَ لَا شِيعَةً فِي الدّينِ إذْ فَجَرُوا
    قَدْ بَايَعُونِي فَلَمْ يُوفُوا بِبَيْعَتِهِمْ
    وَ مَا كَرُونِيَ فِي الأَعْدَاءِ إذْ مَكَرُوا (23) .
    تعليقات:
    1) الأية 24 ، من السورة 32 : السجدة .
    2) الأية 124 ، من السورة 2 : البقرة .
    3) الأية 39 ، من السورة 14 : ابراهيم .
    4) الأية 51 ـ 55 ، من السورة 15 : الحجر .
    5) الأية 71 ـ 73 ، من السورة 11 : هود .
    6) الأية 64 ، من السورة 4 : النّساء .
    7) الأية 72 و 73 ، من السورة 21 : الأنبياء .
    8) الأية 82 و 83 ، من السورة 36 : يس .
    9) الأية 50 ، من السورة 54 : القمر .
    10) الأية 54 ، من السورة 7 : الأعراف .
    11) الأية 24 ، من السورة 32 : السجدة .
    12) الأية 75 ، من السورة 6 : الأنعام .
    13) الأية 5 و 6 ، من السورة 102 : التكاثر .
    14) الأية 18 ـ 21 ، من السورة 83 : المطفّفين .
    15) الأية 73 ، من السورة 21 : الأنبياء .
    16) ينابيع المودّة) ، ص . 248
    17) تذكرة الخواص) ، ص . 26
    18) حلية الأولياء) ، ج 1 ، ص 63 ؛ و (فرائد السمطين) ج 1 ، ص 145 و
    (مطالب السؤل) ، ص 21 عن الحافظ أبي نعيم في حليته ؛ و أورده كذلك في (غاية المرام)
    ، ص 16 ، الاّ انّه ينقله في ص 18 عن ابن شاذان عن طريق العامّة باسناده عن أنس
    باختلاف في التعبير ، و يقول في ذيله : أنت منّي تؤدّي عنّي و تؤدّي ديني وتبلّغ
    رسالاتي . فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ! أما أنت تبلغ الرسالة ؟ قال : بلى
    ولكن تعلّم الناس من بعدي من تأويل القرءان ما لا يعلمون و تخبرهم بذلك . و سنبحث
    هذا الحديث بالتفصيل في المجلّد الثاني من (معرفة الإمام) .

    19) إشارة للآية الكريمة 26 في سورة الفتح : (وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ
    التّقْوَى وَ كَانُوا أَحَقّ بِهَا وَأَهْلَهَا) .

    20) و ورد في (مطالب السؤل) بلفظ (و جعله ربيع الإيمان) .
    21) حلية الأولياء) ، ج 1 ، ص 66 و 67 ؛ و نقلها في (مطالب السؤل) ص 21
    عن حلية الأولياء .

    22) ينابيع المودة) ، ص . 134
    23) ينابيع المودّة) ، ص . 13523) ينابيع المودّة) ، ص . 135

  • #2
    ارجو الدعاء لي بقضاء حوائجي وورد بالحديث (دعاء المؤمن للمؤمن في ظهر الغيب مستجاب)
    وورد ايضا ان الله عز وجل وكل ملكا في السماء يسمع من يدعوا لاخيه المؤمن فيقول له (ولك بمثله )

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X