معامل الفحم والتلوث البيئي

[البيان]

معامل الفحم والتلوث البيئي

لا تزال الجولات الرقابية لدائرة البيئة في محافظة كربلاء المقدسة مستمرة في الكشف عن مصادر الأضرار البيئية في المحافظة، والعمل على التخلص منها وإيجاد الحلول البديلة لها. وتنتشر في منطقة الحسينية بكربلاء المقدسة الكثير من معامل صناعة الفحم أو ما تسمى بـ(كور) النار ذات التأثير البيئي والصحي السلبي على أهالي المنطقة وكذلك العاملين في هذه المهنة التي اتجه إليها الكثير من أهالي الحسينية في مقاطعات (أبو طحين، العوينة والعميسية) بعد هجرهم للأراضي الزراعية، فيما تنتظر بيئة كربلاء المقدسة الحلول البديلة التي أقرتها المحافظة بهذا الخصوص. وقد كان لأهالي منطقة الحسينية في محافظة كربلاء المقدسة شكاوى مستمرة من مخلفات معامل صناعة الفحم القريبة من سكناهم، معتبرين أنها تجاوز على حقوق الآخرين وأنها مضرة بالصحة والبيئة. يقول (عباس أبو طحين) أحد مختاري المنطقة: "نطالب الحكومة المحلية في كربلاء المقدسة بالنظر في موضوع معامل صناعة الفحم التي صار الدخان والمخلفات المتطايرة عنها سبباً في تلوث البيئة والإضرار بصحة الساكنين في منطقة الحسينية"، مشيراً في نفس الوقت إلى "إن أكثر من خمسة أشخاص شهرياً يصابون بالاختناق مما يؤدي إلى وفاتهم والعدد سيزداد إذا لم يعالج هذا الأمر بسرعة". وأضاف أبو طحين، "إن أعداد معامل الفحم تزداد يومياً في المنطقة نظراً لتزايد الطلب عليه خاصة من قبل أصحاب المطاعم والمأكولات، إلا إن تصاعد دخان هذه المعامل وتزايده في الليل أثّر كثيراً على الساكنين في الحسينية وخاصة على شريحتي كبار السن والأطفال". فيما يؤكد المواطن (سلمان هادي) أحد ساكني المنطقة في حديثه لمراسلنا، "إن الدخان المتصاعد من هذه المعامل كان سبباً في إصابة أربعة أشخاص من العاملين فيها بمرض السرطان مما أدى إلى وفاتهم بعد صراعهم الطويل مع المرض". ويضيف هادي، "يتجه الكثير من أهالي المنطقة إلى العمل بصناعة الفحم وهم يتخفّون بين النخيل من مفتشي دائرة البيئة الذين يقومون بجولات رقابية مستمرة للكشف عن هذه المعامل وطمرها، إلا إن العاملين فيها يعاودون عملهم مرة أخرى نظراً لاعتمادهم عليها كمصدر للمعيشة وكذلك لأنهم لا يملكون عملاً آخر غيره حيث يتوارثه البعض منهم من الآباء والأجداد دون التفكير بما تسببه من أضرار صحية للمواطنين الساكنين بالقرب منها وكذلك لهم". وانتقلنا في حديثنا الى عدد من العاملين في صناعة الفحم في الحسينية، حيث وضّح (حسن مهدي) بأن معامل الفحم عبارة عن حفرة كبيرة مغلفة بالطابوق يتم ملؤها بالخشب وحرقه لحين تحوله إلى الفحم والذي يتم جمعه في أكياس وبيعه على أصحاب المطاعم والمقاهي، ويقول مهدي، "إن أكثر العاملين في صناعة الفحم مجبرون على مزاولته نظراً لعدم وجود عمل آخر بديل، إضافة إلى أن إهمال الزراعة في أغلب مناطق كربلاء المقدسة كان سبباً في ترك الفلاحين لأراضيهم وعملهم في صناعة الفحم أو الطابوق وغيرها من الأعمال الأخرى التي تكون مصدراً للقمة العيش". أما الحاج (أحمد حسين) والذي يعمل بهذه المهنة لأكثر من عشرين سنة فأكد، بأن مزاولته لعمله المستمر في معمله أدى إلى إصابته بمرض السلّ الرئوي نتيجة لاستنشاقه الدخان الأبيض المتخلف عن حرق الخشب. وأضاف "أصبحت هذه المهنة عملاً لأولادي الخمسة وفي حالة توفر أية فرصة عمل أخرى أو بدائل لعملنا نتركه لكي لا يصاب بقية العائلة بمرضي القاتل". وعن تساؤلنا حول الرقابة البيئية على المعامل التي تؤدي مخلفاتها إلى الضرر البيئي والصحي، وهل هنالك من بدائل للتخلص منها، أجابنا المهندس (حيدر فؤاد) مدير دائرة البيئة في كربلاء المقدسة قائلاً: "إن أعمال دائرة البيئة تتمثل بالكشف عن مصادر التلوث البيئي والتخلص منه، وتمثل معامل الفحم أو ما تسمى بكور النار مصدراً للتلوث البيئي والأضرار الصحية للمواطنين الساكنين بالقرب منها، إضافة إلى موت الأرض الزراعية التي يتم فيها إقامة مثل هذه المعامل نتيجة للحرارة الشديدة والمخلفات من الغازات والأكاسيد السامة الصادرة منها". وأشار فؤاد أنه "خلال الفترة الأخيرة وافقت محافظة كربلاء المقدسة والمتمثلة بمحافظها السيد آمال الدين الهر على استيراد معامل خاصة لصناعة الفحم ذات الهيكل الحديدي من (مصر) ليتم بيعه على العاملين بهذه المهنة بأسعار تصل إلى (6) ملايين للمعمل الواحد وبتقسيط شهري للمبلغ، وهي جادة في هذا الأمر كحلّ بديل للقضاء على الأضرار البيئية التي تخلفها المعامل التقليدية وكذلك توفير فرصة العمل للعاملين عليها، خاصة وإن هذه المعامل المزمع استيرادها تكون عديمة الأضرار الصحية وذات إنتاجية عالية".