بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله الطيبين الطاهرين الهداة المهديين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين .
من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ييتحدّث فيها عن الله عزّ وجلّ و صفاته فيبدأ بقوله : (الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ) ثمّ يتطرّق إلى كيفية خلق العالم ومن ثمّ يخصص الكلام لآدم عليه السلام حيث يشرح كيفية خلق جسمه و نفخ الروح فيه وموضوع سجود الملائكة لآدم إلا إبليس الذي كان من الجنّ فيقول :(.. فَأَعْطَاهُ اللهُ تَعالَى النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ، وَاسْتِتْماماً لِلْبَلِيَّةِ، وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ، فَقَالَ: (إنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ). فياترى متى هو ذلك اليوم؟
الوقت المعلوم:
(قد ورد حديث عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام.. قَالَ: (يَوْمُ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ يَوْمٌ يَذْبَحُهُ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) وأيضاً قال السَّيِّدُ بْنُ طَاوُسٍ فِي سَعْدِ السُّعُودِ رَأَيْتُ فِي صُحُفِ إِدْرِيسَ عَلَى نَبِيِّنَا وَ آلِهِ وَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذِكْرِ سُؤَالِ إِبْلِيسَ وَ جَوَابِ اللَّهِ لَهُ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ لَا وَ لَكِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ فَإِنَّهُ يَوْمٌ قَضَيْتُ وَ حَتَمْتُ أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنَ الْكُفْرِ وَ الشِّرْكِ وَ الْمَعَاصِي ..) والحديث طويل راجع بحارالأنوار ج : 11 ص : 152 .
ومن هنا نعرف بأنّه لا وجود لإبليس في الدولة الكريمة التي يحكمها مهدي الأمّة عجّل الله فرجه الشريف ، فإلى أي مستوى من الكمال والسعادة سيصل إليها المؤمنون في أجواء لا وسوسة فيها ولا تزيين ولا إغواء ولا تسويل !
جنّة آدم عليه السلام:
ثمّ إنّ علياً سلام الله عليه يبيّن حال آدم وحواء وهما في تلك الجنّة التي كانت على الأرض فيقول :( ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أرْغَدَ فِيهَاعَيْشَهُ، وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ، وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ، فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ، وَمُرَافَقَةِ الاَْبْرَارِ، فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ، وَالعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً، وَبِالاْغْتِرَارِ نَدَماً. )
والسرّ يكمن في هذه الكلمة حيث قال عليه السلام ( ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ، فَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الَبَلِيَّةِ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ.)
فماذا يعني قوله (وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ) ؟ تأمّل في كلمة "جنّته" فلابدّ من يوم نرجع إلى تلك الجنّة التي كنّا نعيش فيها حيث كنّا في ظلّ الله ، وسنرجع إليها قبل قيام الساعة، وتلك الجنّة هي الدولة المباركة للإمام المهدي أرواحنا فداه ، فبتحققها سوف يتحقق ما نطلبه في دعاء العهد (و سرّ نبيك محمّد برؤيته و من تبعه على دعوته) بل سوف يدخل الله على أهل القبور السرور ، وقد ورد في زيارة فاطمة المعصومة عليها السلام (أسأل الله أن يرينا فيكم السرور والفرج).
فالهبوط يعني الخروج عن تلك الحالة النورانية التي كنا نتحلّى بها و نحن في صلب أبينا آدم عليه السلام ، وهي حالة سيّئة طرأت علينا تخالف فطرتنا الأولى ولابدّ أن نتخلّص منها يوماً ما ، ولا يتمّ التخلّص إلا من خلال العمل بالتكاليف الإلهية ، ومن أجل ذلك بعث الله الأنبياء وأرسل الرسل والأولياء ، فقال عليه السلام :
(فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ)
فلسفة تشريع الحج:
ومن هذا المنطلق ينبغي لنا تفسير وتبيين فلسفة تشريع الأحكام جميعاً، ومنها :
حجّ بيت الله الحرام وقد أبدع مولى الموحدّين في هذا المجال فبيّن أسرار حجّ البيت ضمن تقاط نذكرها بالتربيت مع تعليقات مختصرة فقال:
(وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الحَرَامِ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلاَْنَامِ) فالبيت ليس هو قبلة للناس فقط بل هو قبلة لكلّ من يعبد الله تعالى (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا)(مريم/93). ولكن كلٌّ حسب مرتبته، فمنهم من يتوجّه إلى العرش العظيم وهم ملائكة الله المقربون ومنهم يرتقي إلى البيت المعمور في السماء السابعة ومنهم من يصلّى إلى البيت العتيق في السماء الرابعة ، وقد خصص الله تعالى هذا البيت المبني من الحجر لنا نحن التائهين في هذه الدنيا لعلّنا نتدّرج من خلاله إلى الملكوت الأعلى، فقال عليه السلام :(جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهمْ لِعَظَمَتِهِ، وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ، وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتِهُ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ) هنا يشير عليه السلام إلى قوله تعالى(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)(الحج/27). حيث ورد في (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ وَ إِسْمَاعِيلُ عليهما السلام بِبِنَاءِ الْبَيْتِ وَ تَمَّ بِنَاؤُهُ قَعَدَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى رُكْنٍ ثُمَّ نَادَى هَلُمَّ الْحَجَّ هَلُمَّ الْحَجَّ فَلَوْ نَادَى هَلُمُّوا إِلَى الْحَجِّ لَمْ يَحُجَّ إِلَّا مَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ إِنْسِيّاً مَخْلُوقاً وَ لَكِنَّهُ نَادَى هَلُمَّ الْحَجَّ فَلَبَّى النَّاسُ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَمَنْ لَبَّى عَشْراً يَحُجُّ عَشْراً وَ مَنْ لَبَّى خَمْساً يَحُجُّ خَمْساً وَ مَنْ لَبَّى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَبِعَدَدِ ذَلِكَ وَ مَنْ لَبَّى وَاحِداً حَجَّ وَاحِداً وَ مَنْ لَمْ يُلَبِّ لَمْ يَحُجَّ ) الكافي ج : 4 ص : 207
وقال عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ..(فَأَجَابُوهُ مِنْ تَحْتِ الْبُحُورِ السَّبْعِ وَ [مِنْ] بَيْنِ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ إِلَى مُنْقَطَعِ التُّرَابِ مِنْ أَطْرَافِهَا أَيِ الْأَرْضِ كُلِّهَا وَ مِنْ أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ بِالتَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ أَ وَ لَا تَرَوْنَهُمْ يَأْتُونَ يُلَبُّونَ) مستدركالوسائل ج : 9 ص : 196
التشبه بالملائكة :
ثمّ قال عليه السلام (وَتَشَبَّهُوا بمَلاَئِكَتِهِ المُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ) وهم الكروبيّون ، وطواف الخلق بهذا البيت يشبه طواف الملائكة بالعرش، والغاية أن يترقّى الإنسان فيصل إلى مقام الطائفين بالعرش أو على الأقل بالبيت المعمور الذي هو دون العرش لأنّ هذا البيت الذي هو ببكّة إنّما هومثال ظاهر في عالم الشهادة للبيت العتيق الواقع في السماء الرابعة والبيت المعمور في السماء السابعة ثم العرش الإلهي، والذي تمّكن من رفع مستوى هذا البيت إلى العرش هو إبراهيم الخليل عليه السلام فصار البيت بإزاء العرش ومقامه عليه السلام بإزاء الملكوت الأعلى فمن دخله كان آمناً من الفزع الأكبر .
أهل البيت عليهم السلام:
وتتميماً للفائدة نذكر حديثين جديرين بالتأمّل :
1-في خبر طويل أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كان ذات يوم هو و زوجته فاطمة عليها السلام يأكلان تمراً في الصحراء إذ تداعيا بينهما بالكلام فقال علي عليه السلام فيما قال أنا الرق المنشور قالت فاطمة و أنا البيت المعمور ).
2- وفي دَلَائِلُ الْإِمَامَةِ، لِلطَّبَرِيِّ باسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَخَرَجَ إِلَيَّ مُعَتِّبٌ فَأَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ ...فقَالَ يَا يُونُسُ سَلْ نَحْنُ مَحَلُّ النُّورِ فِي الظُّلُمَاتِ وَ نَحْنُ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً )
3-عَنْ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام وَ هُوَ يَقُولُ نَحْنُ شَجَرَةٌ أَصْلُهَا رَسُولُ اللَّهِ ..إلى أن قال (وحَرَمُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ وَ بَيْتُ اللَّهِ الْعَتِيقُ ) بحارالأنوار ج : 26 ص : 251
أقول:
المغزى من الطوف حول هذا البيت هو أن نستعدّ جميعاً للطواف حول البيت العتيق ثم البيت المعمور ثمّ العرش ، كما فعل ذلك أصحاب سيد الشهداء عليه السلام وأخصّ بالذكر قمر العشيرة أبا الفضل العباس عليه السلام ، فأخرجهم الإمام من مكّة يوم التروية ليلحقهم إلى الملكوت الأعلى ، وسيخطوا هذه الخطوة ابنه مهدي الأمّة عجّل الله فرجه حيث يقوم بإزاء البيت الحرام وربّما يكون الناس في حال الطواف ليأخذهم من عالم الحسّ والظاهر إلى عالم المعنى والباطن الذي هو حقيقة البيت الذي لا جهة له (.. فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(البقرة/115). فنحن بكلّ أحاسيسنا و مشاعرنا نندب ونقول :
(أين وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء) منقول
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله الطيبين الطاهرين الهداة المهديين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين .
من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ييتحدّث فيها عن الله عزّ وجلّ و صفاته فيبدأ بقوله : (الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ) ثمّ يتطرّق إلى كيفية خلق العالم ومن ثمّ يخصص الكلام لآدم عليه السلام حيث يشرح كيفية خلق جسمه و نفخ الروح فيه وموضوع سجود الملائكة لآدم إلا إبليس الذي كان من الجنّ فيقول :(.. فَأَعْطَاهُ اللهُ تَعالَى النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ، وَاسْتِتْماماً لِلْبَلِيَّةِ، وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ، فَقَالَ: (إنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ). فياترى متى هو ذلك اليوم؟
الوقت المعلوم:
(قد ورد حديث عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام.. قَالَ: (يَوْمُ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ يَوْمٌ يَذْبَحُهُ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) وأيضاً قال السَّيِّدُ بْنُ طَاوُسٍ فِي سَعْدِ السُّعُودِ رَأَيْتُ فِي صُحُفِ إِدْرِيسَ عَلَى نَبِيِّنَا وَ آلِهِ وَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذِكْرِ سُؤَالِ إِبْلِيسَ وَ جَوَابِ اللَّهِ لَهُ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ لَا وَ لَكِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ فَإِنَّهُ يَوْمٌ قَضَيْتُ وَ حَتَمْتُ أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنَ الْكُفْرِ وَ الشِّرْكِ وَ الْمَعَاصِي ..) والحديث طويل راجع بحارالأنوار ج : 11 ص : 152 .
ومن هنا نعرف بأنّه لا وجود لإبليس في الدولة الكريمة التي يحكمها مهدي الأمّة عجّل الله فرجه الشريف ، فإلى أي مستوى من الكمال والسعادة سيصل إليها المؤمنون في أجواء لا وسوسة فيها ولا تزيين ولا إغواء ولا تسويل !
جنّة آدم عليه السلام:
ثمّ إنّ علياً سلام الله عليه يبيّن حال آدم وحواء وهما في تلك الجنّة التي كانت على الأرض فيقول :( ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أرْغَدَ فِيهَاعَيْشَهُ، وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ، وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ، فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ، وَمُرَافَقَةِ الاَْبْرَارِ، فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ، وَالعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً، وَبِالاْغْتِرَارِ نَدَماً. )
والسرّ يكمن في هذه الكلمة حيث قال عليه السلام ( ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ، فَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الَبَلِيَّةِ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ.)
فماذا يعني قوله (وَوَعَدَهُ المَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ) ؟ تأمّل في كلمة "جنّته" فلابدّ من يوم نرجع إلى تلك الجنّة التي كنّا نعيش فيها حيث كنّا في ظلّ الله ، وسنرجع إليها قبل قيام الساعة، وتلك الجنّة هي الدولة المباركة للإمام المهدي أرواحنا فداه ، فبتحققها سوف يتحقق ما نطلبه في دعاء العهد (و سرّ نبيك محمّد برؤيته و من تبعه على دعوته) بل سوف يدخل الله على أهل القبور السرور ، وقد ورد في زيارة فاطمة المعصومة عليها السلام (أسأل الله أن يرينا فيكم السرور والفرج).
فالهبوط يعني الخروج عن تلك الحالة النورانية التي كنا نتحلّى بها و نحن في صلب أبينا آدم عليه السلام ، وهي حالة سيّئة طرأت علينا تخالف فطرتنا الأولى ولابدّ أن نتخلّص منها يوماً ما ، ولا يتمّ التخلّص إلا من خلال العمل بالتكاليف الإلهية ، ومن أجل ذلك بعث الله الأنبياء وأرسل الرسل والأولياء ، فقال عليه السلام :
(فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ)
فلسفة تشريع الحج:
ومن هذا المنطلق ينبغي لنا تفسير وتبيين فلسفة تشريع الأحكام جميعاً، ومنها :
حجّ بيت الله الحرام وقد أبدع مولى الموحدّين في هذا المجال فبيّن أسرار حجّ البيت ضمن تقاط نذكرها بالتربيت مع تعليقات مختصرة فقال:
(وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الحَرَامِ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلاَْنَامِ) فالبيت ليس هو قبلة للناس فقط بل هو قبلة لكلّ من يعبد الله تعالى (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا)(مريم/93). ولكن كلٌّ حسب مرتبته، فمنهم من يتوجّه إلى العرش العظيم وهم ملائكة الله المقربون ومنهم يرتقي إلى البيت المعمور في السماء السابعة ومنهم من يصلّى إلى البيت العتيق في السماء الرابعة ، وقد خصص الله تعالى هذا البيت المبني من الحجر لنا نحن التائهين في هذه الدنيا لعلّنا نتدّرج من خلاله إلى الملكوت الأعلى، فقال عليه السلام :(جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهمْ لِعَظَمَتِهِ، وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ، وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتِهُ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ) هنا يشير عليه السلام إلى قوله تعالى(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)(الحج/27). حيث ورد في (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ وَ إِسْمَاعِيلُ عليهما السلام بِبِنَاءِ الْبَيْتِ وَ تَمَّ بِنَاؤُهُ قَعَدَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى رُكْنٍ ثُمَّ نَادَى هَلُمَّ الْحَجَّ هَلُمَّ الْحَجَّ فَلَوْ نَادَى هَلُمُّوا إِلَى الْحَجِّ لَمْ يَحُجَّ إِلَّا مَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ إِنْسِيّاً مَخْلُوقاً وَ لَكِنَّهُ نَادَى هَلُمَّ الْحَجَّ فَلَبَّى النَّاسُ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَمَنْ لَبَّى عَشْراً يَحُجُّ عَشْراً وَ مَنْ لَبَّى خَمْساً يَحُجُّ خَمْساً وَ مَنْ لَبَّى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَبِعَدَدِ ذَلِكَ وَ مَنْ لَبَّى وَاحِداً حَجَّ وَاحِداً وَ مَنْ لَمْ يُلَبِّ لَمْ يَحُجَّ ) الكافي ج : 4 ص : 207
وقال عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ..(فَأَجَابُوهُ مِنْ تَحْتِ الْبُحُورِ السَّبْعِ وَ [مِنْ] بَيْنِ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ إِلَى مُنْقَطَعِ التُّرَابِ مِنْ أَطْرَافِهَا أَيِ الْأَرْضِ كُلِّهَا وَ مِنْ أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ بِالتَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ أَ وَ لَا تَرَوْنَهُمْ يَأْتُونَ يُلَبُّونَ) مستدركالوسائل ج : 9 ص : 196
التشبه بالملائكة :
ثمّ قال عليه السلام (وَتَشَبَّهُوا بمَلاَئِكَتِهِ المُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ) وهم الكروبيّون ، وطواف الخلق بهذا البيت يشبه طواف الملائكة بالعرش، والغاية أن يترقّى الإنسان فيصل إلى مقام الطائفين بالعرش أو على الأقل بالبيت المعمور الذي هو دون العرش لأنّ هذا البيت الذي هو ببكّة إنّما هومثال ظاهر في عالم الشهادة للبيت العتيق الواقع في السماء الرابعة والبيت المعمور في السماء السابعة ثم العرش الإلهي، والذي تمّكن من رفع مستوى هذا البيت إلى العرش هو إبراهيم الخليل عليه السلام فصار البيت بإزاء العرش ومقامه عليه السلام بإزاء الملكوت الأعلى فمن دخله كان آمناً من الفزع الأكبر .
أهل البيت عليهم السلام:
وتتميماً للفائدة نذكر حديثين جديرين بالتأمّل :
1-في خبر طويل أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كان ذات يوم هو و زوجته فاطمة عليها السلام يأكلان تمراً في الصحراء إذ تداعيا بينهما بالكلام فقال علي عليه السلام فيما قال أنا الرق المنشور قالت فاطمة و أنا البيت المعمور ).
2- وفي دَلَائِلُ الْإِمَامَةِ، لِلطَّبَرِيِّ باسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَخَرَجَ إِلَيَّ مُعَتِّبٌ فَأَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ ...فقَالَ يَا يُونُسُ سَلْ نَحْنُ مَحَلُّ النُّورِ فِي الظُّلُمَاتِ وَ نَحْنُ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً )
3-عَنْ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام وَ هُوَ يَقُولُ نَحْنُ شَجَرَةٌ أَصْلُهَا رَسُولُ اللَّهِ ..إلى أن قال (وحَرَمُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ وَ بَيْتُ اللَّهِ الْعَتِيقُ ) بحارالأنوار ج : 26 ص : 251
أقول:
المغزى من الطوف حول هذا البيت هو أن نستعدّ جميعاً للطواف حول البيت العتيق ثم البيت المعمور ثمّ العرش ، كما فعل ذلك أصحاب سيد الشهداء عليه السلام وأخصّ بالذكر قمر العشيرة أبا الفضل العباس عليه السلام ، فأخرجهم الإمام من مكّة يوم التروية ليلحقهم إلى الملكوت الأعلى ، وسيخطوا هذه الخطوة ابنه مهدي الأمّة عجّل الله فرجه حيث يقوم بإزاء البيت الحرام وربّما يكون الناس في حال الطواف ليأخذهم من عالم الحسّ والظاهر إلى عالم المعنى والباطن الذي هو حقيقة البيت الذي لا جهة له (.. فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(البقرة/115). فنحن بكلّ أحاسيسنا و مشاعرنا نندب ونقول :
(أين وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء) منقول
تعليق