((القضية المهدوية بين يدي الإمام محمد الجواد(عليه السلام))
:في تحليل دلالي وقيمي:
==================================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
ربي عجّل لوليك الإمام المهدي(عليه السلام) الفرج وإجعلنا من أنصاره الواعين بين يديه
إنّ مسألة ولادة وإمامة وغيبة الإمام المهدي(عليه السلام) أخذت وتأخذ في أهميتها ويقينيتها مساحة كبيرة على مستوى العقيدة والفكر والمجتمع وبل وحتى السياسة منذ الصدر الأول للإسلام والى يوم الظهور الشريف للإمام عجل الله تعالى فرجه .
فالحديث عن الإمام المهدي /ع/ وقضيته الجوهرية كان حديثا مركزيا مُستقراً ونابضا في قلب المنظومة الإسلامية كليّا من الهرم الى القاعدة.
أعني :كان يُؤسَّس له نبويا وإماميا من أجل تكوين قاعدة كبيرة وقوية تتوفر على المجتمع القادر على تحمل المسؤولية العقدية والشرعية في حال ظهور الإمام المهدي/ع/.
وبما أننا في رحاب القضية المهدوية وهي في وعي المعصومين /ع/ وتمهيدهم الفكري والمعرفي والعقدي لظهور الإمام المهدي/ع/.
وأعني هنا وعي الإمام محمد الجواد/ع/ وقيامه العلمي والمعرفي في التثبيت والتأصيل للقضية المهدوية .
ولاسيما وأنّ ولادة الإمام المهدي/ع/ ستكون قريبة بعد شهادة الإمام الجواد/ع/ في سنة /220/للهجرة.
بإعتبارأنّ الإمام المهدي/ع/ ولِدَ في سنة/255/للهجرة.
سنقف متأملين في صور تعاطي الإمام الجواد/ع/ مع القضية المهدوية.
فالإمام الجواد/ع/ كان في حال تصديه للإمامة الحقة صغير السن وبعمر الثمان سنين
وهو الولدُ الوحيد لأبيه الرضا/ع/
وهو المُتأخر في ولادته في حياة أبيه سنة/195/ للهجرة و الذي أُستشهِدَ/ع/ سنة /203/للهجرة.(أي شهادة الإمام الرضا)
وهو القريب من ولادة الإمام المهدي/ع/ زمنيا .
وهو المُبعَد عن أبيه الرضا/ع/ حينما استدعاه المأمون الى مرو في خراسان .
وهو أيضا المُبعَد عن بلده وبلد جده الرسول الأكرم محمد/ص/ في المدينة ولمرات عديده حينما استدعاه المأمون الى بغداد ومرة اخرى بعد ما عاد الى المدينة استدعاه المعتصم الى بغداد ليقتله بالسم مظلوما.
وإنّ كل تلك المُرتكزات والبنى والظروف التى توافرت عليها شخصية الإمام الجواد/ع/ إنما كانت لأجل الإعداد لمرحلة جديدة في حياة المُعتقدين المؤمنين بمنهج المعصومين/ع/ وإمامتهم الحقة.
وهي مرحلة الغيبة الصغرى والكبرى فيما بعد بحكم عنصر الوقت القريب والظرف القادم آنذاك.
ولأجل الإمتحان والإختبارالمرحلي بحيث لا تتفاجىء الأمة بغيبة الإمام المهدي المعصوم/ع/
وهنا سأذكر نصا صحيحا و مشهورا في المجاميع الروائية الأولى يوضح ظرف ولادة الإمام محمد الجواد /ع/
في صورة تأخرها والتي شابهت تأخر ولادة الإمام المهدي/ع/ في وقتها.
::النص::هو::
(عن الحسين بن يسار قال : كتب ابن قياما إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام كتابا يقول فيه :
كيف تكون إماما وليس لك ولد ؟ (وهذه المشكلة عينها واجهت الإمام الحسن العسكري/ع/حيث إنه أُتُهِمَ بأنه ليس له ولد)
فأجابه أبو الحسن عليه السلام : وما علمك أنه لا يكون لي ولد ؟ !
والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ذكرا يفرق بين الحق والباطل ))
/إنظر/الأرشاد/المفيد/ج2/ص277.
وفعلا رزق الله تعالى الإمام الرضا ولدا معصوما جليلا وهو محمد الجواد/ع/ ذاك الصبي المُلهم ربانيا.
والذي شابهت ظروفه بوجه كبير ظروف ولادة الإمام المهدي/ع/ وإمامته المُبَكَّرة .
وهناك نصٌ آخر أيضا وعلى لسان رسول الله محمد/ص/ يوضّح حقيقة الترابط النسبي والوعد بولادة محمد الجواد/ع/ و بولادة الإمام المهدي/ع/ وكونه من ذرية الجواد /ع/
في وقت كثر الجدل حول تأخر ولادة الإمام الجواد/ع/ وحول مَن يكون الخلف من بعد الإمام الرضا/ع/:
والنص:هو:
((عن زكريا ابن يحيى بن النعمان قال :
سمعتُ (عم الرضا/ع/) علي بن جعفر بن محمد يُحدّث الحسن ابن الحسين بن علي بن الحسين
فقال في حديثه : لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام لما بغى عليه إخوته وعمومته
(أي نصره الله تعالى بولادة الإمام الجواد/ع/)
وذكر حديثا طويلا حتى انتهى إلى قوله :
فقمتُ وقبضتُ على يد أبي جعفر (الجواد)محمد بن علي الرضا عليه السلام وقلت له :
أشهد أنك إمام عند الله ، فبكى الرضا عليه السلام ثم قال :
يا عم ، ألم تسمع أبي وهو يقول :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة (ويقصد/ص/ الإمام الجواد /ع/ بإعتبارأنّ أمه من بلاد النوبة)
يكون من ولده الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده ، صاحب الغيبة ، فيقال : مات أو هلك أي واد سلك ؟
فقلت صدقت جعلت فداك ))
إنظر/الأرشاد/المفيد/ج2/ ص267.
وهنا نلحظ التشريك في وحدة الحدث وأهميته وخاصة وهو يُبيَّن بلسان رسول الله /ص/ الذي يتفدّى بنفسه الشريفة لولده الذي سيولد فيما بعد وهو محمد الجواد /ع/ سميه /ص/ والذي من ذريته سيولد الإمام المهدي/ع/ السميُ الأخير لرسول الله /ص/ .
في قوله/ص/ :
(بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة)
فإبي/هو قسمٌ للتعظيم بمعنى فديتُكَ بأبي :
وعظيمُ مَن يفديه رسول الله/ص/ بأبيه.
ويُثني على أمه ويُعظّمها.
ثم ينتقل الرسول الأكرم محمد/ص/ مباشرة الى التبشير بولادة الإمام المهدي/ع/ بعد الجواد/ع/ بسنين قريبة فيقول/ص/:
((يكون من ولده الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده ، صاحب الغيبة ، فيقال : مات أو هلك أي واد سلك ؟
فقلت صدقت جعلت فداك ))
فالطريد الشريد هو وصف يحمل في عمقه الدلالي لوعة وحسرة وتوجع قادم وحال مؤلم سيتلبس به شخص الإمام المهدي/ع/
على نحو حال دائم لايرتفع إلاّ في وقت ظهوره وفرجه الشريف /ع/.
وحتى أنّ استعمال صيغة الصفة المُشبّهة في مفردة(الطريد الشريد)(فعيل) فيها دلالة على دوام ثبوت هذا الحال وجودا في شخص الإمام المهدي/ع/.
فالطريد كلمة تقولها العرب للشخص المَنفي عن بلده والمُبعَد قهرا بفعل الظرف أو بفعل السلطان.
والشريد هي الأخرى كلمة ترمز الى الهروب القهري ولكنها تُفيد معنى :
البقية من الشيء.
ويقال: في إِداواهُمْ شَريدٌ من ماء أَي بقية.
/لسان العرب/ابن منظور/مادة شرد:
وإمامنا المهدي/ع/ حقيقة هو المُبعد قهرا عن ممارسة دوره الظاهري في البشرية وهو الحجة والكلمة الباقية في عقب رسول الله/ص/ الى يوم القيامة.
قال تعالى :
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الزخرف28
وفي معنى هذه الآية :
((قال الإمام السجاد عليه السلام :
فينا نزلت هذه الآية (( وجعلها كلمة باقية في عقبه ))
والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) إلى يوم القيامة ، وإن للقائم منا غيبتين))
إنظر/الإمامة والتبصرة/ابن بابويه القمي/ص2.
وأما معنى ( الموتور بأبيه وجده):
.الذي قُتِلَ له قتيل فلم يدرك بدمه؛ تقول منه: وتَرَهُ يَتِرُه وَتْراً وتِرَةً.فالموتور هو /
إنظر/لسان العرب/ابن منظور/مادة/وتر/
وواقعا إنّ الإمام المهدي /ع/هو موتور بأبيه الإمام الحسن العسكري/ع/ إذا أنه/ع/ فُجَِعَ بشهادته على يد المعتمد العباسي الطاغية سنة/260/للهجرة.
وحينها كان عمرالإمام المهدي/ع/ قرابة خمس سنين
وهو/ع/ أيضا موتورٌ بجده الإمام علي الهادي/ع/ والذي استشهد مظلوما على يد المعتمد العباسي أيضا من قبل سنة 254/للهجرة.
حيثُ قال ابن شهر آشوب:بخصوص شهادة الإمام الهاددي/ع/:
(( وفي آخر مُلك المُعتمد استشهد/ع/ مسموما وقال ابن بابويه سمه المعتمد)
مناقب آل أبي طالب/ابن شهر آشوب/ج4/ص401.
هذا بناءاً على تعويد الضمير في كلمة(بأبيه وجده) الى مرجعه المتقدِّم رتبةً وزمنا وهوفي المقام (أبيه العسكري/ع/ وجده الهادي/ع/)
وممكن أن يكون معنى الموتور بجده هو أي المفجوع بشهادة جده رسول الله محمد/ص/ أوعلي أوالحسن أو الحسين من باب التطبيق .
ولا مانع من ذلك بإعتبار كل واحد منهم /ع/ هو جده من جهة النسب .
وأما وصف ::
(( صاحب الغيبة ، فيقال : مات أو هلك أي واد سلك ؟))
فهو الآخر أيضا وصف لَحقَ بشخص الإمام المهدي/ع/ وواقعه الحياتي إذ أنه غاب منذ وقت إمامته المُبَكّرّة في عمر الخمس سنين تقريبا.
وهذه محنة حقيقية كبيرة إذ يصعب على الأنسان أياً كان التلبس بحال الغياب والإختفاء عن الأنظار ولمدة طويلة جدا ليُمارس دوره في الخفاء والتستر.
وهذه المفردة الأخيرة في ذيل النص الذي ورد عن رسول الله/ص/ في قوله/ص/:
( فُيقال : مات أو هلك أي واد سلك ؟)
لهي قراءة ونبؤة نبوية إستشرافية لمستقبل البشرية في صورة التعاطي مع القضية المهدوية وبيان حقيقي لمستوى إنعدام الإيمان عند الناس بالقضية المهدوية وإبتعادهم عنها نفسيا وذهنيا
بحيث يستصعبون بقاء ووجود شخص الإمام المهدي/ع/ في آخر الزمان حيّا وناشطا في إمامته الحقة ولو في واقع الخفاء والغياب الغير محسوس لهم عيانيا.
فيقولون غير مؤمنين ولا مُقتنعين مات أو هلك أي واد سلك؟
ونستشم من ذلك دلاليا أنّ مسألة وظاهرة إنكار القضية المهدوية ستكون أمرا شائعا ومتوقعا ولكن هذا لايعطينا مبررا بالتأثر بالمنكرين والجاحدين لوجود الإمام المهدي/ع/.
فالحق حق وإن قلّ أصحابه بإعتبار أن المعيارية في حقانية الحق تكمن في معرفة الحق ذاته والإيمان به لا بكثرة أو قلة حملته
لذا لم يعطِ القرآن الكريم أي قيمة للكثرة في صورة التعاطي مع الحق قيميا
(( لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }الزخرف78
أي :
لقد جئناكم بالحق ووضحناه لكم ولكن أكثركم لما جاء به الرسل من الحق كارهون.:
ومنه إنكار ما جاء عن رسول الله/ص/ بحقانية القضية المهدوية وظفرها على يد الإمام المهدي/ع/.
وبعد الذي تقدم أعلاه من صور التشريك في الظرف والولادة والإمامة المُبكّرة بين الإمام الجواد والإمام المهدي/ع/:
نتأمل في صور من صور تعاطي الإمام محمد الجواد/ع/ مع القضية المهدوية:
وهي كالآتي:
(( عن أبي تراب عبد الله موسى الروياني قال :
حدثنا عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام :
قال : دخلتُ على سيدي (الجواد) محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين علي بن أبي طالب عليهم السلام
وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره؟
فإبتدائي فقال لي/ع/ :
يا أبا القاسم إنّ القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ، ويطاع في ظهوره ، وهو الثالث من ولدي
والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة وخصنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما
وإن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة ، كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع وهو رسول نبي
ثم قال عليه السلام : أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج ))
/إنظر/كمال الدين وتمام النعمة/الصدوق/ص378.
والذي يُهمنا في هذه الصورة النصية هو تأكيد الإمام الجواد /ع/ على مفردات منها الإنتظار للإمام المهدي/ع/
في قوله/ع/:
((الذي يجب أن يُنتَظر في غيبته))
((ويُطاع في ظهوره))
((أفضل أعمال شيعتنا إنتظار الفرج))
((وحتمية الخروج والظهور المهدوي الشريف))
و((إصلاح الله تعالى لأمر الإمام المهدي/ع/في ليله ، كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع وهو رسول نبي))
وهنا يطرح الإمام محمد الجواد (وظيفة الإنتظار الواجب)في الغيبة .
والوجوب هنا قطعا يُراد به الوجوب الأرشادي الذي يشتمل على مصلحة سلوكية وإيمانية ترجع الى الفرد والمجتمع المُعتَقِد بإمامة وبقاء المهدي/ع/.حيّا.
وملاك هذا الوجوب هو كون الإمام المهدي/ع/ هو وليُ الأمر في هذا الزمان زمان الغيبة الكبرى.
ومعلومٌ قرآنيا أننا مشمولون بخطاب الله تعالى في قوله سبحانه:
{((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59
وفي تفسير هذه الآية:
قال الطبرسي في مجمع البيان : 2ج / 64ص ::
(( ذيلُ قوله تعالى ( وأولي الأمر منكم ) : للمفسرين فيه قولان ، أحدهما : إنهم الأمراء والآخر : إنهم العلماء
وأما أصحابنا فإنهم رووا عن الباقر ، والصادق عليهما السلام أن أولي الأمر هم الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أوجب الله طاعتهم بالإطلاق كما أوجب طاعته وطاعة رسوله ))
وواضح عَقَديّاً أن الإمام المهدي/ع/ هو خاتم الأئمة المعصومين/ع/.
والقدر المُتَيَقّن والمطلوب في تحقيق صورة الطاعة لولي الأمر الإمام المهدي/ع/ اليوم هو إنتظاره انتظارا نشطا في حركتنا السلوكية الفردية والمجتمعية أخلاقيا وشرعيا
ويتحقق ذلك أيضا بتفعيل وتجذير اللغة الفكرية والثقافية الخاصة بالقضية المهدوية .في الأوساط التي تؤمن بالإمام المهدي/ع/ على الأقل.
فالخطاب المهدوي ولغته الصحيحة والمقبولة والمعتدلة والعادلة يُسهم في تقوية القناعات وقبولها عند الآخرين.
ومفردة (ويُطاع في ظهوره))
هي معطوفة ومتشاركة مع وظيفة الإنتظار الواجب فيما لو وفِقَ الإنسان لبلوغ مرحلة ظهور الإمام المهدي/ع/ ودولته الشريفة بإذن الله تعالى.
والقرآن الكريم حفظ وأوجب إرشادا على الناس طاعة ولي أمره الإمام المهدي/ع/ كما بيّنت الآية أعلاه نصا.
ثم في قسم الإمام محمد الجواد/ع/في قوله:
((والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة وخصنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ))
تأكيد وتعزيز لحقيقة وحتمية الخروج والظهور للإمام المهدي/ع/ في آخر الزمان.
ولو تعاملنا مع قسم الإمام الجواد/ع/ بإيمان ويقين بحكم كونه/ع/ معصوما وثقة وصادقا لإزداد إيماننا ويقيننا درجات درجات.
لأنّ يمين وقسم الثقة الصادق حجة مجعولة شرعا ومعمولٌ به عقلائيا.
فما بلك إذا ما جائتك الأقسام من المعصومين/ع/ وأنتَ لا تكاد تجد إمام معصوم سابق على الإمام المهدي/ع/ إلاّ وأكّد قضيته/ع/ بيمين وقسم.
وهذا الفعل بحد ذاته يُوفرا لنا كما ونوعا من القرائن ذات القيمة المعتد بها حتى رياضيا بحسب نظام تجميع القرآئن ونظام الإحتمالات.
فلو حدّثتَ عاقلا منصفا وواعيا ومتجردا عن خلفياته وقُلتَ له أنّ أقساماً عديدة وأخبارا صحيحة وردت بخصوص قضية ما ستقع مستقبلا
وخاصة أنّ الناقلين لها ثقاة صادقون ومعصومون.
لرتب أثرا على ذلك ولا أقل من أن ينتظر وقوع القضية وتحققها خارجا في مساحة الحياة.
ولاأدري لماذا نقبل بتنبؤات أجهزة الرادار والأنواء الجوية وهي ميكانيكية بحته يتطرق إحتمال الخطأ إليها يقينا بخلاف المعصومين /ع/ الصادقين في أقوالهم وأفعالهم.والذين لايُحتمل الكذب والخطأ بحقهم.
أما قول الجواد/ع/:
((وإن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة ، كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع وهو رسول نبي ))
فيه إشارة الى سرعة وقدرة نصرة الله تعالى لوليه الأعظم الإمام المهدي/ع/ وإختزال الوقت وتفويت الفرصة على الأعداء للإمام المهدي/ع/.
كما صنع سبحانه مع كليمه موسى/ع/ :
(( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ }القصص29
والصورة الثانية من صور تعاطي الإمام محمد الجواد/ع/ هي::
((عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال :
قلتُ لمحمد بن علي بن موسى عليهم السلام (الإمام الجواد/ع/):
إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد /ص/ الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما
فقال عليه السلام : يا أبا القاسم : ما منا إلا وهو قائم بأمر الله عز وجل ، وهاد إلى دين الله
ولكن القائم الذي يُطهّر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ، ويملأها عدلا وقسطا هو الذي تخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ،
وهو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه ، وهو الذي تطوي له الأرض ، ويذل له كل صعب يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر : ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، من أقاصي الأرض
وذلك قول الله عز وجل : (( أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شئ قدير ))
فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره
فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل
، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل .
قال عبد العظيم : فقلتُ له : يا سيدي وكيف يعلم أن الله عز وجل قد رضي ؟
قال : يُلقي في قلبه الرحمة ، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما ))
/إنظر/كمال الدين وتمام النعمة/الصدوق/ص378.
وهنا في هذه النص تصريح مهم جدا وهو كون كل إمام معصوم/ع/ هو ظاهرٌ قائم بأمر بالله تعالى وهاد الى دينه في وقته بل وتمتد هدايتهم الى أبعد من الزمان والمكان.
ولكن مع قضية الإمام المهدي/ع/ يحصل إستثناء
وهو قوله/ع/:
((ولكن القائم الذي يُطهّر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ، ويملأها عدلا وقسطا هو الذي تخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ،
وهو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيه ، وهو الذي تطوي له الأرض ، ويذل له كل صعب يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر : ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، من أقاصي الأرض ))
فقيام الإمام المهدي/ع/ سيأتي بعد غياب طويل بحيث يمكنه الله تعالى من بسط قيامه على بقاع الأرض كليا ليملأها عدلا وقسطا.
وقبل أن نتحدث عن شروط القيام المهدوي لابد من أن نعلم إنّ معنى :
((ويُحرم عليهم تسميته))
هو أنّ هذه الحرمة والمنع للتسمية بذكر اسمه /ع/ يثبت في ظرف التقية والخوف على شخص الإمام المهدي/ع/ فحسب.
لا مطلقا. أي في كل زمان ومكان.
وهذه الحرمة فيها دلالة على تركيز الوعي والإحتياط الأمني الخاص بشخص الإمام المهدي/ع/ وهي تشي من قريب الى حرمة التجسس معلوماتيا على شخص الإمام المهدي/ع/ فيما لو تُم التمكن من معرفة مكانه/ع/.
فقد يكون المقصود من حرمة التسمية بحسب المفهوم عرفا هو المنع عن تعيين مكان وجود الإمام المهدي/ ع/ وتشخيصه فيما لو عُلِمَ حاله/ع/ للضرورة الأمنية.
وهذه النقطة المهمة جدا تدخل في تأهيل وتحقيق شروط القيام المهدوي الشريف والذي يجب أن يسبقه إعداد وتجهيز للنخبة المؤمنة به/ع/ والتي يستطيع معها من تحقيق ظهوره الشريف فضلا عن تأييد الله تعالى له/ع/..
والفقرة الأخيرة في هذا النص أعلاه تتحدث عن حاجة وشرط الظهور المهدوي الشريف الى إكتمال النخبة القيادية القريبة جدا من قيادة الإمام المهدي/ع/ في حال ظهوره الشريف وهو العدد/313/شخصا.
(( يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر : ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، من أقاصي الأرض
وذلك قول الله عز وجل : (( أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شئ قدير ))
فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره))
فالنخبة القيادية المتقدمة يجب أن يتوفر فيها عنصر الأخلاص لله تعالى ولولي أمره الإمام المهدي/ع/
وهنا نكتة مهمة يجب الإلتفات إليها وهي ما سيحصل قُبيل عصر الظهور الشريف من إمكانية الوصول الى الإمام المهدي/ع/ والتعرف عليه شخصيا
بدليل تأكيد الروايات على أنّ ظهوره/ع/ لن ينكشف إلاّ بعد إكتمال عدد النخبة القيادية المُخلصة/313/.
وهناك فرقٌ بين الظهور وهو إنكشاف أمره/ع/ والأعلان عن ذاته الشريفة وبين الخروج
فالظهور هو الأعلان والبيان العام عن إنتهاء الغيبة الكبرى
والخروج هو بدء العمل بالقيام الفعلي والخروج بإذن الله تعالى لأجل بسط العدل والقضاء على الظلم والفساد.
فالرواية أعلاه فرّقت بين الظهور المشروط بإكتمال العدد/313/
وبين الخروج المشروط :: ب
((فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل ))
وأخير نختم بالصورة الآتية التي بيّنها الإمام الجواد/ع/ بخصوص القضية المهدوية:
وهي::
(( حدثنا الصقر ابن أبي دلف قال :
سمعتُ(الجواد/ع/) أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام يقول :
إن الإمام بعدي ابني علي(أي علي الهادي/ع/) ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والامام بعده ابنه الحسن(العسكري/ع/)
أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه
ثم سكت .
فقلت له : يا ابن رسول الله/ص/ فمن الامام بعد الحسن(العسكري/ع/) ؟
فبكي عليه السلام بكاء شديدا
ثم قال/ع/ : إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر .
فقلت له : يا ابن رسول الله لم سمي القائم ؟
قال : لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته .
فقلت له : ولم سمي المُنتَظَر ؟
قال ؟ لأنّ له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون
وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ويهلك فيها المستعجلون ، و ينجو فيها المسلمون))
/إنظر/كمال الدين وتمام النعمة/الصدوق/ص378.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف.
تعليق