إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من كرامات الامام الرضا عليه السلام( عندما ياتي الامام للشفاء )

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من كرامات الامام الرضا عليه السلام( عندما ياتي الامام للشفاء )

    عندما يأتي الإمام للشفاء
    بسم الله الرحمن الرحيم
    \والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين محمد واله الطيبين الطاهرين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    عيناها مطبقتان، لكنّها تحسّ إشراقة النور بوضوح. كان النور يتزايد باستمرار، ومن وراء أجفانها المغلقة كان يتبدّى لها بألوان جميلة متعاقبة: أصفر، أزرق، بنفسجي، أحمر...
    كانت يَقْظَى.. وأدركت كلّ شيء. حتّى العطر العذب الذي بلغ أنفها قد أحسّت به. ما أروعه من عطر، كأنّه من نسيم الجنّة. وهذا الصوت الذي نطق باسمها ووصل إلى مسامعها لم يكن صوتاً من الأرض. كان صوتاً سماويّاً إلهيّاً.
    فتَحَت عينيها.. ففاجأهما نور ثاقب. وبلا إرادة منها رفعت يديها تحمي بهما عينيها، وراحت تضغط على جفنيها. ومرّة أخرى سمعت الصوت. إنّه صوت آتٍ من داخل الأنوار الذهبيّة البرّاقة.
    ـ انهضي يا معصومة، جاء إليك ضيف.
    لم تكن معصومة تعرف مَن ناداها، بَيْد أنّ الصوت قال يجيبها:
    ـ ألم تأتي طلباً للشفاء ؟! هذا هو الإمام الرضا سيأتي إليك. انهضي واستعدّي.
    نهضت معصومة بسرعة. النور ما يزال مشرقاً ويزداد تألّقاً وسطوعاً، وكانت تحسّ بحرارته كذلك. وغطّى العرق رأسها ووجهها. نادت ( علي أكبر ):
    ـ علي أكبر.. علي أكبر.
    تَمَلمَل علي أكبر في مكانه، وقال وهو يغطّ في النوم:
    ـ ها...
    هزّته معصومة رافعةً صوتها:
    ـ قم واعطِني عباءتي، لدينا ضيف.
    لكنّ ثقل نوم علي أكبر كان أقوى من أن توقظه هزّة معصومة وصياحها. قامت معصومة من مكانها وارتدت عباءتها، وجلست قبالة النور. ما أجمله من انتظار! أتراها ستلتقي حقّاً بإمامها ؟! وهل سيتفضّل عليها بالعافية ؟
    تغلغل الفرح إلى عمق كيانها، وكادت تطير جَذَلاً. وهيمنت عليها لحظات انتظار، كانت كلّ لحظة منها أعمق من سابقتها وأثمن.
    تناهى إلى سمعها صوتُ فتحِ الباب وغَلِقه. لكنّ سطعة النور سلبتها قدرتها على النظر والتمييز. ومرّة أخرى.. سمعت ذلكم الصوت. إنّه الصوت السماويّ نفسه.. الصوت الذي يجيء من قلب أمواج النور:
    ـ الإمام عليه السّلام شَفاكِ، من أجل أربعين جدّه الحسين عليه السّلام.
    شعرت معصومة بالبرودة، وتمشّى في جسدها خَدَر، وكأنّ روحها انفصلت عن جسدها ثمّ عادت إليه. لكنّها لم تشعر في بدنها هذه المرّة بألم. كانت تحسّ بالتخفُّف والشفّافيّة، وبالحرارة تسري في روحها.. وشعرت أنّها ما تزال على قيد الحياة، ما تزال قادرة على الرؤية وعلى الإحساس بكلّ شيء. قامت من مكانها، وهُرِعت إلى الباب غير مُصدِّقة. أدارت المقبض، لكن الباب كان مُقفَلاً. أسرعت نحو النافذة، وألقت نظرة إلى الخارج. كلّ شيء كان غارقاً في الظلام، والشارع يهيمن عليه الصمت والسكون. مدّت قامتها لتشاهد آخِر منعطف الشارع الذي يفضي إلى حرم الإمام عليه السّلام. كان الشارع خالياً، وما من أحد هناك. وفوراً تذكّرت معصومة أنّ أربعين الإمام الحسين عليه السّلام يصادف يوم غد، فغمرت عينيها الدموع، ورفعت رأسها تتطلّع إلى السماء. الجوّ غائم مُلبَّد، والسماء معتمة شديدة السواد، وما ثَمّ من فُرجة يتسلّل منها ضوء القمر. ولكن.. ذلك النور الذي...؟! أتكون قد رأت حلماً ؟! أكان ذلك العطر الفردوسيّ الذي عطّر مَشامَّها عطر حضور الإمام ؟! وذلكم الصوت..؟ كلاّ.. لم يكن حلماً ذلك الذي رأته. تُقسِم أنّها سمعت الصوت بأذنيها، واستنشقت العطر الملكوتيّ بأنفها. وإذَن.. هل نالت الشفاء ؟ تَمتَمت بالصلاة على محمد وآل محمد، وراحت تدعو بما تعرف من عبارات الدعاء.
    وعلى مهل.. ذهبت نحو حنفيّة الماء. توضّأت، ومدّت سجّادتها في وسط الغرفة، وانتصبت تصلّي صلاة الشكر.
    ـ الله أكبر.
    لم يُداعب النوم أجفانها إلى الصباح، وما من أثر للألم. في الليالي الماضية كانت تفيق من النوم صارخة، وتتلوّى من شدّة الأوجاع عدّة مرّات، ولا تهدأ حتّى يطلع الصبح. وحتّى علي أكبر كان يسمع صيحاتها المتوجّعة، فيطير من عينيه النوم:
    ـ ماذا حدث يا معصومة ؟
    ـ أوجاع.. جسمي كلّه يحترق.
    ـ تحمّلي يا معصومة، في الصباح آخذك مرّة أخرى إلى الدكتور.
    ـ الدكتور لا يفيد، إنّي أموت.
    ـ لا تقولي هذا يا معصومة، كوني متفائلة.
    ولا يَحلّ الصبح إلاّ وقد أمّلها علي أكبر عشرات المرّات، لكنْ ما ثَمّ من علاج.
    أمس ساءت حالتها.. حتّى أنّها قطعت أملها بالإمام عليه السّلام. الإمام الذي تعرف أنّه رؤوف، وتعرف أنّه قد وهبها في مرّة سابقة حاجةً لها مُلحّة. أمّا فكأنّه لا يهتمّ بها ولا يجيب طلبها! في الليل بكت كثيراً على خيبتها، حتّى أخذها النوم إلى أن...
    في الصباح قصّت على زوجها كلّ ما جرى لها في الليل، فالتمعت في نظرات علي أكبر العميقة برقة من نور الفرح.
    لقد أفاض عليه خبر معصومة السرور، وصمّم أن يأخذها إلى الطبيب ليثبت صحّة تصوّره.
    إنّ اليأس ألمٌ فتّاك، خاصّة لمن عاد مرّةً من محضر الإمام رابحاً فائزاً بما يريد. وفي تلك المرّة كان قد مضى على زواجها من علي أكبر سبع سنين، لم يُرزَقا فيها طفلاً. وكان الزوج يسعى لمواساة زوجته لئلاّ تُجرح مشاعرها، على الرغم من شغفه الكبير بأن يولد له طفل. وكان يؤمّلها أنّهما سيُرزَقان طفلاً في آخر الأمر. لكنّ الإشارات الجارحة والنظرات ذات المغزى التي تَلْقاها معصومة ممّن حولها من الأقارب والأصدقاء كانت تلذع قلبها وتُوقعها في عذاب شديد.
    وقرّر علي أكبر أن يذهب إلى مشهد لينال مُبتغاه. أعدّ عدّة السفر، ومضى مع زوجته معصومة إلى مشهد الرضا عليه السّلام. وبسرعة تفضّل الإمام الرضا عليه السّلام على الزوجين بما يبغيان، فرُزِقا بعد تلكم السنين الطويلة من المعاناة بولد أسمَياه « محمد رضا » عرفاناً بجميل الإمام عليه السّلام.
    ولم تمضِ غير أشهر معدودات على ولادتها محمد رضا حتى فتح الله سبحانه أمام معصومة باباً آخر للامتحان. لقد أُصيبت بأوجاع مُبرِّحة سَلَبتها قدرتها وضَيّقَت عليها الأنفاس. وكان تشخيص الأطبّاء أنّها مصابة بغدّة سرطانيّة آخِذة بالتفرّع والانتشار. وعلى انفراد أخبروا علي أكبر أنْ لا أمل لزوجته في الحياة. ومنذ ذلك اليوم أُصيب علي أكبر بالذبول والنحول إذ يشاهد زوجته تضعف وتذوي يوماً بعد يوم، وهو عاجز أن يفعل من أجلها أيّ شيء.
    الأقرباء والجيران يأتون لعيادة معصومة، ويبتهلون من أجل شفائها، ويُواسُون علي أكبر ليتماسك ولا يفقد الرجاء. لكنّ علي أكبر كان يعرف أنّ امرأته مصابة بمرضٍ عُضال لا علاج له إلاّ أن تحدث معجزة إلهيّة. ولقد كانت هذه المعجزة بانتظار معصومة. إنّ أيّ حادث إنّما يبدأ دائماً من نقطة معيّنة، وربّما احتاج الأمر إلى شرارة واحدة لتتّقد شعلة حادثة مهمّة. وقد أطلق هذه الشرارة في حياة معصومة إحدى قريباتها.
    في المنام رأت هذه القريبة معصومة على هيئة حمامة تحلّق في حرم الإمام الرضا عليه السّلام. ولمّا قصّت رؤياها على معصومة انطلقت آهة من أعماقها وغرقت في التفكير: لماذا لم تنفطّن مبكّراً أنّ عليها أن تقصد مدينة مشهد التماساً لشفائها ؟ ومن هنا راحت تؤنّب نفسها وتلومها. وفي اليوم نفسه أخبرت زوجها بالرؤيا، وسُرعان ما شدّ الرحال تلقاء مدينة مشهد المقدّسة.
    أمضت معصوم ليلتَين عند النافذة الفولاذيّة دخيلةً على الإمام الرضا عليه السّلام، ولكنّ شيئاً لم يحدث في هاتين الليلتين. وبدأ اليأس يتسرّب إلى معصومة كالوباء. أتراها ستموت في مرضها العُضال هذا ؟!
    في اليوم الثالث ازدادت حالتها سوءً، فنقلوها إلى الفندق. وفي الفندق كانت راقدة في الليل عندما وقعت الواقعة. كلاّ.. لم يكن حلماً. إنّه حالة بين اليقظة والنوم. وأدركت في حينها كلَّ شيء. كانت تحسّ وترى. لكنّ ما رأته كان كالرؤيا.. رؤيا جميلة جدّاً.
    * * *

    فحص الدكتور معصومة، فارتسمت على قسماته علامات الحيرة والإنكار. اتّسعت حدقتاه، وراح يضع نضّارته ويرفعها مرّات، ثم جلس على مقعده وأخذ يحدّق في المجهول دون أن ينطق بحرف. ولم يستطع علي أكبر صبراً، فتقدّم نحو الطبيب وقطع الصمت:
    ـ ماذا يا دكتور ؟
    ألقى الدكتور نظرة على علي أكبر، وقال بصوت مهتزّ:
    ـ لا أصدّق، هذا غير ممكن!
    صاح علي أكبر وهو يكاد يطير من الفرح:
    ـ إذَن.. فهي حقيقة ؟!
    تأوّه الدكتور وقال:
    ـ ممكن فقط أن تكون معجزة قد حدثت، معجزة إلهيّة.
    وبمودّة عارمة راح علي أكبر يحتضن الدكتور ويغرقه بالقبلات، قال:
    ـ نعم يا دكتور، وقعت معجزة، معجزة الشفاء، معجزة على يد الإمام الرؤوف.
    ألصق الدكتور أوراق الفحص القديمة والجديدة، وقال هو يضعها في داخل الملفّ:
    ـ هذه الأوراق تظلّ بعنوان سند تاريخي وديني، سند اعتقادي كامل.
    ثمّ التفت إلى معصومة، وقال لها بابتسامة تفيض بالمحبّة:
    ـ أُبارك لكِ أيّتها السيّدة، فأنت أسعد مريضة على وجه الأرض.
    ( ترجمة وإعداد: إبراهيم رفاعة، من مجلّة الزائر ـ العدد 39 ـ آبان 1376 هـ. ش)
    منقول من شبكة الامام الرضا عليه السلام اسال الله ان يرزقنا واياكم زيارته في الدنيا وشفاعته في الاخرة




  • #2
    من كرامات الامام الرضا عليه السلام( اسمي رضا)

    * * *اسمي «رضا»

    المريض المعافى: أندريه سيمونيان. من ازبكستان في الاتحاد السوفياتي السابق. الحالة المرضيّة: خَرَس اللسان

    ـ أندريه... أندريه...
    سمع صوتاً يناديه. صوتاً غير مألوف على الأرض.. كأنّه قادم من أعماق السماء استفاق (أندريه) من النوم، وتلفّت حوله في الصحن. كان جميع الحاضرين فيما حوله نائمين، غير رجل مسنّ هو من خدّام المكان، كان واقفاً في ناحية يتطلّع إليه. فطن الرجل المسنّ إلى حالة أندريه، فتقدّم نحوه ووقف أمامه وعلى وجهه ابتسامة رقيقة.
    ـ ماذا يا ولدي ؟
    اعتصم أندريه بالصمت، وأحسّ في داخله رغبة في الصراخ.. والبكاء. وتمنّى لو يلقي بنفسه في أحضان الرجل المسنّ، فيبكي حتّى يشبع من البكاء. تمنّى لو يصرخ بأعلى صوته وينوح، لكنّه اختنق بعَبرته، ولم يستطع أن يعبّر عمّا يختلج في صدره. جلس الرجل قِبالتَه، وأخذ يُربّت على كتفه يسأله:
    ـ هل حدث شيء ؟
    كان أندريه قد أرهقَته الرؤيا التي رآها، فرمى بنفسه في أحضان الخادم الشيخ. ولم يستطع أن يتحمّل فأطلق صوته بالصراخ وانخرط في النحيب. أيقظ صوت نحيبه عدداً من النائمين، فراحوا يفركون عيونهم ثمّ ينظرون إلى أندريه باستغراب. ورَبّت الخادم الشيخ على ظهر أندريه قائلاً:
    ـ إبْكِ يا ولدي.. اصرخْ. البكاء يشرح الصدر، ويخفّف عن القلب، إبْكِ.
    واستمرّ أندريه يبكي. استيقظ الجميع، وتطلّعوا إليه بعيون متسائلة. وسأله الرجل المسنّ: ماذا حدث ؟ قُل ماذا حدث ؟
    انتزع أندريه نفسه من أحضان الرجل، فأتّكأ على الجدار، وراح يحدّق في السماء: نجوم متلألئة، وسِرب من الحمائم يطير ويعلو في الفضاء. أغمض عينيه ولم يُجب عن السؤال، وقال في نفسه: ليتني لم أستيقظ من النوم!
    وجاءه صوت الرجل المسنّ:
    ـ لماذا لا تتلكّم ؟ قل ماذا حدث ؟ هل رأيتَ حلماً ؟ ماذا رأيت ؟
    التقت نظراته بنظرات الرجل الودودة، وأفهمه بإشارة من يده أنّه عاجز عن الكلام. ارتسمت على وجه الرجل علامات الحزن والأسى، فنهض واقفاً وأدار ظهره إلى أندريه محاولاً التستّر على دمعة سالت من عينه، لكنّ أندريه لاحظ اهتزاز كتفَي الرجل المسنّ.
    * * *

    كان الأب في اشتياق عميق، والأمّ تكاد تطير من الفرح. إنّهم يريدون العودة إلى إيران بعد غياب جدّ طويل، وسوف يلتقون بالأقرباء إن استطاعوا أن يتعرّفوا على أحد منهم. وكان أندريه وأخته (ألنا) فَرِحَين، مع أنّهما لم يشاهدا إيران من قبل. وبعد أن اجتازوا نقطة الحدود... كان الأب يحكي لابنه ـ وهو يقود السيّارة ـ عن المناطق التي يمرّون بها، وقد غلبه الشوق وطارت به الذكريات القديمة. كان الأب مأخوذاً بأشواقه وذكرياته.. حتّى أنّه لم ينتبه إلى الشاحنة الكبيرة المسرعة التي ظهرت أمامهم في الطريق. ولمّا فطن إلى الشاحنة المقبلة كانت صرخات الفزع تنطلق من زوجته وابنته وولده ممتزجةً بصوت اصطدام مَهيب. وفي الحال: قُتل الأبوان، ونُقل أندريه وألنا إلى المستشفى، وفقد أندريه قدرته على الكلام.
    وخرجا من المستشفى، فلم تتحمّل ألنا البقاء وعزمت على العودة إلى أزبكستان، لكنّ أندريه آثر البقاء في إيران على الرغم من إلحاح أخته، وعلى الرغم ممّا في بقائه من مشقّات.
    وشاء القضاء أن يعيش أندريه في أُسرة جديدة غير أُسرته: زوج وزوجة في عمر الشباب يعيشان في مدينة (هَمَدان) لم يُرزَقا ولداً منذ زواجهما قبل بضع سنين، فاختضنا أندريه ولداً لهما. ولم يدَّخِّر الأبوان الجديدان وسعاً في البحث عن علاج لأندريه، ولكن دونما جدوى. وكان أندريه يلاحظ أنّ هذين الزوجين كثيراً ما يتوجّهان إلى الله تعالى بالدعاء لشفائه وسلامته، وكثيراً ما كان هو يشاركهم في دعواتهم بصمت.
    ومرّت سنوات.. كبر خلالها أندريه، وغدا شاباً، فاحترف تصليح الساعات في أحد المحلاّت. لكنّ الهمّ المتّصل الذي يشغل قلبه قد جعله انطوائيّاً قليل العلاقات.
    في أحد الأيّام جاءه الأب (الجديد) مُغرورِق العين بالدموع، وهو يقول:
    ـ ولدي أندريه، صحيح أنّ كلّ الأطبّاء قد عجزوا عن علاجك، لكنّنا ـ نحن المسلمين ـ عندنا دكتور نذهب إليه عندما نيأس من الجميع، فإذا أردتَ أخذتُك إليه.
    نظر أندريه إلى الأب نظرة مليئة بالرجاء، وغدت صورة وجه الأب مهتزّة غائمة: لقد كان ينظر إليه من خلال الدموع. ولمّا أطبق أندريه جفنيه هبطت على خدّيه دمعتان كاللؤلؤ الشفّاف.
    * * *

    لأوّل مرّة يشاهد أندريه مثل هذا المكان. إنه لا يشبه على الأطلاق الكنيسة التي كان يذهب اليها بصحبة أبوَيه وأخته في أيّام الآحاد. الصحن غاصّ بالناس المتوجّهين إلى الضراعة والمناجاة. ولَفَتت نظره بشكل خاصَ تلكم الحمائم التي كانت تطير أحياناً مارّةً بحفيف أجنحتها من فوق رؤوس الزائرين، ثمّ تحلّق لتحطّ على القبّة الذهبيّة في روضة الإمام الرضا عليه السّلام.
    صحب الأبُ أندريه في الصحن العتيق حتّى أوصله إلى الشبّاك الفولاذيّ حيث تجمهر عدد من الذين جاءوا لطلب الحاجات. أجلسه على الأرض، وربط حول عنقه حبلاً، ثمّ عقد طرفَه الآخر في مشبّك النافذة الفولاذيّة المطلّة على داخل الروضة الطاهرة. وأدهش أندريه ما فعله الأب: ترى.. أيّ نوع من الأطبّاء هذا الذي جيء به عبر كلّ هذه المسافات إليه ؟! وما إن اطمأنّ الأب إلى موضع أندريه حتّى غادره ومضى إلى داخل الروضة. كان أندريه متعباً من طول السفر، وما هي إلاّ لحظات حتّى اتّكأ على الجدار، وأخلد إلى النوم:
    * تراءى له نور خاطف يتّجه إليه. وحاول أن يمسك بالنور.. فما استطاع. ثمّ اختفى النور. مرّة أخرى ظهر له نور أخضر يُقبل إليه. وسمع من داخل النور صوتاً يناديه:
    ـ أندريه... أندريه...
    وأفاق من نومته متضجّراً. كان الليل قد هبط منذ زمان، والسماء مقمرة، والصحن مفعم بصمت روحانيّ. وثمّة خادم كبير السنّ من خدمة الحرم واقف ناحيةً يتطلّع إليه. ودقّت ساعة الحرم الكبيرة مرّات عديدة. وتمنّى أندريه لو ينام من جديد، ليرى ذلكم النور وليسمع ذلكم الصوت الملكوتي. وعندها دنا منه الخادم المسنّ.
    * * *

    هو النور نفسه من جديد. هذه المرّة: أزرق، أخضر، أبيض.. كلاّ، لم يستطع أن يميّزه. كان نوراً من كلّ
    الألوان يقبل نحوه ثمّ ينعطف عائداً من حيث جاء! وتحيّر أندريه: كلّما مدّ يده للإمساك بالنور أفلت منه. وفجأةً سمع صوتاً من داخل النور، صوتاً غير مألوف على الأرض، صوتاً كأنّه قادم من أعماق السماء.. يناديه:
    ـ أندريه... أندريه...
    أراد أن يصرخ فما استطاع.. وغاب النور. وأفاق أندريه مرّة أخرى من النوم.
    الرجل المسنّ تطلّع إلى عنق أندريه، فأدهشه أن يرى عليه صليباً معلّقاً:
    ـ هل أنت.. هل أنت مسيحيّ ؟
    أجاب أندريه بإشارة من رأسه. ومدّ الرجل يده فانتزع الصليب من عنق أندريه، ثمّ أخرج منديلاً مسح به العرَق الذي كان يَندى به وجه الشابّ ورأسه. أسند الرجل رأس أندريه برفق إلى رُكبته، وقال له:
    ـ نَم الآن، لن ترى حلماً مزعجاً بعد الآن.
    أطبق أندريه جفنيه، وسرعان ما أخذه النوم: نور آخر، أخضر هذه المرّة. بسهولة يستطيع أن يميّزه.. وأقبل النور إليه، والصوت من داخله أيضاً يسأله:
    ـ ما اسمك ؟
    اهتزّ أندريه في الرؤيا واحتوَتْه الدهشة: كان قد سمع النور يناديه باسمه مِن قبل، فلماذا يسأله الآن عن اسمه ؟! تحيّر، وما أسعفته قدرته على الجواب. وجاء الصوت مرّة أخرى من داخل النور:
    ـ قل ما اسمك.
    أومأ أندريه إلى لسانه ليقول إنّه غير قادر على النطق والكلام. عندها شاهد يداً عليها كُمّ أخضر فاتح اللون تَخرُج من قلب النور. امتدت إليه كفّها ومسحت على لسانه.
    ـ قل الآن ما اسمك ؟
    ورُوَيداً رُوَيداً.. بدأ أندريه ينطق، قال:
    ـ أنـ... أند... أندر...
    لكنّه ما قدر أن ينطق باسمه كاملاً. ومن جديد سمع الصوت من قلب النور يناديه:
    ـ قُل. قُل ما اسمك ؟
    فتح أندريه فمه، وحرّك لسانه، ثمّ صاح بصوتٍ واثق رفيع:
    ـ اسمي رضا، رضا...
    * كان رضا بين الأيدي كقارب بين الأمواج. تخرّقت ثيابه التي على بدنه قطعةً قطعة، طلباً من الناس للتبرّك. وارتفع صوت نقّارة الحرم يشاركه مَسَرّته. ما أروع هذه المشاعر المعنويّة الشفّافة! وما أقدس هذه العظَمة الخالدة!
    (ترجمة وإعداد: إبراهيم رفاعة من مجلّة الزائرـ العدد 17ـ تموز 1995)
    منقول من شبكة الامام الرضا عليه السلام اسال الله ان يرزقنا واياكم زيارته











    تعليق


    • #3
      من كرامات الامام الرضا عليه السلام( نافذة بيت الكريم )

      المريضة المعافاة: صديقة ظهوريان. من مدينة مشهد. الحالة المرضيّة: شلل وعمى. تاريخ الشفاء كانون الثاني 1989

      ما كان يخطر على بالي يوماً أنّ سعادتي وحياتي مرتبطة بنافذة. نافذة كثيراً ما كنت أراها دون أن أُوليها هذا الاهتمام.
      مَن ذا يصدّق أنّ نافذة في جدار قادرة على أن تمنح كلّ هذه الرأفة وكلّ هذا الحنان ؟! إنّها نافذة الحاجات المصيريّة الكثيرة المتنوّعة، والطلبات التي ليس لها حدود.
      كلّ نقطة في هذه النافذة تُعقّد عليها آلاف الآمال. أنا أيضاً وجدت آمالي معقودة بهذه النافذة التي كأنّها ليست على الأرض، وجئت إليها أنتظر لحظةً تُفتح فيها، وتمتدّ إليّ منها يد قدسيّة تهبني الشفاء والهناء.
      وأتساءل مع نفسي عن السرّ الكامن وراء هذه النافذة. فولاذ هي مشبّك، يُطلّ من باحة الصحن العتيق على الروضة الزاهرة بالأنوار. والذين يقصدونه ويفترشون الأرض أمامه.. لا تكفّ عيون قلوبهم عن التطلّع إلى ما وراءه برجاء، ولا تنقطع ألسنتهم عن المناجاة والطلب والضراعات.
      أنا ما جئت إلى هنا إلاّ لألقى خلاصاً عند نافذته، كما لقيَتْ غيري كثيرات. أعرف أنّه يقدر، أعطاه الله من قدرته، وملأ قلبه بالعطف والحنان. ليس لي عمل صالح أستشفع به، جئت طامعة بكرم الكريم، وهذا بالنسبة إليّ أهمّ من كلّ شيء.
      .. وها أنا ذي مُقتعدة الأرض أمام نافذته: إنسانة أضناها المرض، وخذلتها قدرة الأطبّاء. تأخذني حالة من الإعياء وتشتدّ بي الآلام. تعبتُ.. والله تعبت. لم أعُد أُطيق. شيء يقبض على حنجرتي بقسوة، ويعاودني الإحساس بأنّي زائدة وإضافيّة في هذا العالم، ليس لي فيه من مكان. إلى متى هذا العذاب والإرهاق ؟! إلى متى هذا الألم والاستغاثات ؟!
      أسمع على وهنٍ صوتَ حفيف أجنحة، صوت بكاء، وابتهال، وزفراتِ حاجاتٍ إنسانيّة صادرة من الأعماق. أنا أيضاً أعماقي تصيح بصوت غير مسموع. أستغيث كالغريق، كطفل ضائع تتناهبه المخاوف. أشعر بحرارة بدني تزداد. قطعة مشلولة محترقة مطروحة على الأرض. أمَا لهذا العذاب من نهاية يا مولاي ؟!
      * * *

      كان قد حدث ما حدث على غير انتظار. مَن ذا يصدّق أنّ عيشتي الرَّخيّة الناعمة مع (هادي) الطيّب القلب وطفليّ الصغيرين تنقلب فجأةً وينتهي كلّ شيء ؟! لم تَدُم رفاهيتنا بعد الزواج أكثر من ثلاث سنوات، قطعَتْها نوبات إغماء أخذت تعتريني. وازدادت النوبات، وتكرّرت حالات الإغماء. لا أدري ما الذي كان يحدث لي، لكنّي كنت أحسّ بعد كلّ نوبة أنّ شيئاً يتفسّخ في داخلي، وأذوي يوماً بعد يوم. وأدركتُ أنّي مصابة بداء يعذّبني ولا يريد أن يتركني.
      تكرّرت المراجعات الطبيّة، وعاوَدْنا التحليل المختبريّ مرّات ومرّات. وتراءى لي بعد هذه المراجعات شبح مفزع رهيب. أيمكن لهذا أن يكون ؟! أواقعٌ ما فهمته أنّي مصابة بالشلل ؟! كيف ؟! هل يمكن ؟!
      كان هادي ـ بعد كلّ مراجعة طبيّة ـ يصطنع أمامي الابتسام، ليوحي إليّ أنْ لا شيء مهماً في الأمر. لكنّ نظرات أمّي وأبي كانت ترمقني، فأقرأ في عيونهما التأسّف والحزن المكتوم. لم أعُد أطيق. أريد الفرار. لكن.. أين أفرّ ؟!
      * * *

      شدّ انتباهي وأنا أنظر إلى ما وراء النافذة ما يتلالأ من الأروقة والجدران المكسوّة بزخارف المرايا. انكسر قلبي.. فبكيت. أنا جئت في هذا اليوم من شهر شعبان قاصدةً البيت الذي لا يردّ راجياً رجاه، كيف أعود منه كما أتيت ؟! تحوّل بكائي إلى نحيب، وشممت في نحيبي عطراً لافتاً لم يمنعني البكاء أن أتبيّنه: عطر تفّاح. تفّاح أحمر طريّ قد سقط توّاً من غصن شجرة. وفاجأني صوت. صوت شيء يتكسّر ويتهاوى على الأرض.. فجلست منحنية كسجود الصلاة.
      عطر التفّاح يعبق في كلّ الأرجاء. وثَمّ ضباب كثيف، غبار.. كمرايا صدئة. ويملأني إحساس بحضورٍ.حضور شاخص متميّز. تسري في بدني قشعريرة هي أقرب إلى الخشوع: عينان وسيعتان نافذتان.. جمال ذو شال أخضر.. نظرات مُحِيية كأنّها سرّ الربيع.. ويهيمن علَيّ حياء، فأغضّ الطرف.
      ما يزال عبير التفّاح الأحمر يدنو ويزداد اقتراباً. ويزداد الحضور تألّقاً. قدّم لي بيده ماء في كأس من الفخّار. انحنيت خلال نحيبي، وبمشقّة لامسَتْ شفتي حافّةَ الكأس. استطعت أن أرتشف منه رشفة واحدة فقط. قطرات دمعي التي تُعتصر من قلبي تهوي على قدميه. صحت:
      ـ لا أقدر، لا أقدر!
      سمعت صوتاً عذباً يقول لي:
      ـ تقدرين، تقدرين.. إمشِ.
      تحاملتُ.. وبدأت أقوم على مهل. قلبي وأنا واقفة يخفق كأجنحة الحمام. أنا نفسي صرت حمامة طليقه في سماء حرمه.. ورحت أمشي على هَون إليه. الساعة تدقّ سبع دقّات. أمّا هو.. فقد انصرف، وظللتُ أعاينه على أمل الوصول إليه.
      عطر التفّاح يفوح عابقاً في كلّ مكان. ويموج في داخلي إحساس خاصّ. إحساس متّشح بالغموض: غزالة مرحة تجري متواثبة في سهل أخضر واسع بعيد.
      * * *

      خلال أيّام العافية التي مَنّ علَيّ بها الإمام.. وُلدَت ابنتي (سارة)، وكأنّما هي تعويض عن عذابات أيّامي الذاهبات. وكنت في قلب المسرّات لمّا امتُحِنتُ مرّة ثانية. امتحان صعب صعب. سبحانك يا الله، ما أخفى حكمتك! زحفَتْ إليّ هذه المرّة غيوم سُود حالكة السّواد وتجمّعت مستقرّةً في عينَيّ! ليل دائم لا ينجلي عن نهار. حتّى صغيرتي «سارة» لا أراها إلاّ بلمس اليدين.
      مرّ عام على اليوم الذي فزتُ فيه برؤية عينيه النافذتين، اليوم الذي عدوتُ فيه كغزالة تتواثب، اليوم الذي ارتبطتْ فيه كلّ سعادتي وحياتي بنافذة من الفولاذ.
      هو ذا شهر، بكلّ ساعاته وأيّامه ولياليه، تذوّقت فيه وحشة الظلام المطلق.. دون أن يبشّر العلاج أيّ بشارة. لقد صرت عمياء تماماً.. عمياء منطفئة العينين. تضاعف اضطرابي هذه المرّة، واشتدّت مخاوفي من المستقبل المجهول. قلب مضطرم، وعينان قد غشّاهما الظلام. الأرض تهتزّ تحت قدمي، ولا مأوى لي في كلّ الأرض.
      وللمرّة الثانية.. ألجأ، ومعي أسرتي إليه.. إلى النافذة التي قد غدت مرتهنة بها حياتي. يضيق صدري، وأشتاق إلى رؤية الفضاء، النافذة، المنارات، والمرايا. أسندتُ رأسي إلى ركبتيّ وبكيت. بكيت لعينيّ، لشبابي، لسارة وأطفالي الصغار.
      أترى.. ستَفتح لي هذه الدموع التي أسكبها مجدّداً نافذة بيت الكريم ؟! قلبي تتفاذفه عاصفة من الأفكار والهواجس والآمال. استبدّت بي العاصفة وطوّحتني حتّى أعييتُ وضعفتُ عن التفكير. إنسانة بالية مطروحة تحلم بالعافية تحت نافذة الكريم.
      بكيت بكاء عالياً، وذهلت عن كلّ شيء. أهذا صوت يتناهى إلى أذنيّ ؟! واه! ما هذا الصوت ؟! صوت مَن ؟! ارتجف قلبي. ومرّةً أخرى.. كأنّ شيئاً يتكسّر ويهوي متناثراً على الأرض! رفعت رأسي إلى النافذة، ومددت باتّجاهها كفَّيّ مبسوطتين. لم أرَ أحداً، لكنّي أحسست أنّ أحداً ينظر إليّ.
      ومرّة أخرى.. يتهادى عبير التفّاح. بكيت وصحت:
      ـ إشْفِني.. إشفني! لقد تعبتُ يا مولاي!
      وبنبرةٍ حازمة دعاني إليه. رأيته! أيضاً: تلك المرايا الصَّدئة انزاحت إلى جانب، ومجدّداً: ذلكم النور الغريب. فجأةً انفتحت كوّة مضيئة إلى داخل سجن آمالي الغارق في الظلام، وتدفّق علَيّ ضوء سخيّ كالشمس. وناغى سمعي صوتٌ شبيه بحفيف أجنحة الحمائم. عيوني تذرف الدمع، وثمَّة مئات من الحمائم تشاركني البكاء.
      تطلّعتُ حولي. وقعت عيني على «سارة»، والذين كانوا برفقتي وجوههم متهلِّلة بالدموع. ها أنا ذي أفوز بحضور قدسيّ آخر، وعند النافذة الفولاذيّة نفسها! وكانت روحي تستحمّ بضياء شمس سخيّة ستظلّ ساطعة إلى الأبد.
      (ترجمة وإعداد: إبراهيم رفاعة، من مجلة الزائر ـ العدد 23 كانون الثاني 1995)

      طباعة

      اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	17.jpg 
مشاهدات:	1 
الحجم:	247.1 كيلوبايت 
الهوية:	828974










      تعليق


      • #4
        آنتقآآء جميلْ وُمميِزُ...
        تسلم آناملك على آختٌيارك الرآئعُ..
        سنبقىٌ نترقب دومآ جدُيدك الغني بالمتعهٌ..
        لروحُك بآآآقه من الورد ..

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
        x
        يعمل...
        X