(( سيدنا العبّاس (عليه السلام) في يوم عاشوراء))
=========================
:رامز الوفاء والفداء:
============
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
كثيرٌهو العطاء من لدن أبي الفضل العباس في نصرة الدين وإمامه الحسين/ع/
ففي يوم عاشوراء قال العباس بن علي /ع/ لإخوته من أمه
عبد الله وجعفر وعثمان :
يا بنى أمي تقدموا حتى أرثكم فإنه لا ولد لكم ففعلوا فقتلوا دون الحسين/ع/ وفداءاً للدين وحقانيته.
انظر /مقتل الحسين/ع/ /ابو مخنف الأزدي/ص176.
أما موقفه الذاتي /ع/ مع الحسين/ع/ ونهضته فلايمكن للتأريخ نكرانه فهو أشهر من نار على علم(جبل).
حيثُ يُسجّل سيدنا العبّاس رائعة أخرى وخصوصا في وغى الحرب وساعة المحنة العصيبة
وإليك الموقف عزيزي القاريء
روى أبو مخنف ::
أنه لما كاتب عمر بن سعد عبيد الله بن زياد في أمر الحسين ( عليه السلام )
وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن بمنازلة الحسين ونزوله ،
أو بعزله وتولية شمر العمل ،
قام عبد الله بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الوحيد - وكانت عمته أم البنين –
فطلب من عبيد الله كتابا بأمان العباس وإخوته ،
وقام معه شمر في ذلك ، فكتب أمانا وأعطاه لعبد الله ،
فبعثه إلى العباس /ع/وإخوته مع مولى له يقال له : كزمان ،
فأتى به إليهم (أي للعباس وأخوته)
فلما قرأوه
قالوا له : أبلغ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في الأمان ،
أمان الله خير من أمان ابن سمية . فرجع ،
قال : ووقف شمر في اليوم العاشر ناحية
فنادى : أين بنو أختنا ، أين العباس وإخوته ،
فلم يجبه أحد ،
فقال لهم الحسين ( عليه السلام ) :
أجيبوه ولو كان فاسقا ،
فقام إليه العباس فقال له : ما تريد ؟
قال : أنتم
آمنون يا بني أختنا .
فقال له العباس/ع/ ::
(( لعنك الله ولعن أمانك ، لئن كنت خالنا أتؤمنا وابن رسول الله لا أمان له ؟
وتكلم إخوته بنحو كلامه ثم رجعوا ))
/انظر/تاريخ الرسل والملوك/الطبري/ ج3/ص313.
وروى أبو مخنف أيضا وغيره أن عمر بن سعد نادى في اليوم التاسع :
يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنة .
فركب الناس وزحفوا ، و ذلك بعد صلاة العصر ،
والحسين ( عليه السلام ) جالس أمام بيته محتبيا بسيفه و قد خفق على ركبتيه ،
فسمعت زينب الصيحة فدنت منه
وقالت : أما تسمع الأصوات يا أخي قد اقتربت !
فرفع الحسين ( عليه السلام ) رأسه وأخبرها برؤية رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وأنه يدعوه ، فلطمت زينب وجهها وقالت ::
يا ويلتاه
فقال لها /ع/:
ليس الويل لك يا أخية ، أسكتي رحِمَكِ الرحمن .
ثم قال العباس/ع/ له : يا أخي قد أتاك القوم فنهض ،
ثم قال الحسين/ع/:
يا عباس ، اركب بنفسي أنت حتى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم ؟
وما بدا لكم ؟
وتسألهم عما جاء بهم
فأتاهم العباس في نحو عشرين فارسا فيهم زهير وحبيب
فقال لهم /ع/: ما لكم وما بدا لكم وما تريدون ؟
فقالوا : جاء أمر عبيد الله أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم .
قال العباس :/ع/
فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله
فأعرض عليه ما ذكرتم
فوقفوا ثم قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثم أعلمنا بما يقول .
فانصرف العباس يركض فرسه إلى الحسين ( عليه السلام ) يخبره ،
ووقف أصحابه يخاطبون القوم
حتى أقبل العباس يركض فرسه فانتهى إليهم ،
فقال/ع/ :
يا هؤلاء : إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر ،
فإن هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق ،
فإذا أصبحنا التقينا فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه .
قال : وإنما أراد بذلك أن يردهم عن الحسين تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي أهله ،
وقد كان الحسين ( عليه السلام ) قال له :
يا أخي إن استطعت أن تؤخرهم هذه العشية إلى غدوة ،وتدفعهم عنا لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره
فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار
فقال لهم العباس/ع/ ما قال ،
فقال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر ؟
فقال : ما ترى أنت ، أنت الأمير والرأي رأيك ،
فقال ابن سعد : قد أردت أن لا أكون ذا رأي .
ثم أقبل على الناس
فقال : ماذا ترون ؟
فقال عمرو بن الحجاج :
سبحان الله ! والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها .
وقال قيس بن الأشعث :
لا تجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة .
فقال ابن سعد :
والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخرتهم العشية ،
ثم أمر رجلا أن يدنوا من الحسين ( عليه السلام ) بحيث يسمع الصوت فينادي :
إنا قد أجلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى الأمير ، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم
/انظر/الأرشاد/المفيد/ج2/ص90.
وهذا النص يكشف عن عمق الإعتماد والتعالق الإيماني والأخوي بين الحسين والعباس(عليهما السلام)
فالعباس سفير الحسين/ع/ الى القوم وفارسه المكين
وهنا نرى العباس/ع/ إنسانا مُطيعا لإمامه الحسين وأخا وفيا له بحق .
وهذا هو الدرس المُمٍَنهج من العباس /ع/ إذ أنه يتصرف بإمرة الحسين /ع/
ويُنفّذ توجيهاته ويُحامي عن شخص المعصوم/ع/ والذي يجب شرعا الد فاع عنه .
وأخيرا ختم العباس /ع/ حياته بالشهادة في سبيل الله تعالى ودفاعا عن الإمام الحسين/ع/ وعياله
وفي هذا الشأن قال أبو جعفر الطبري ::
لما نشبت الحرب بين الفريقين تقدم عمر بن خالد ومولاه سعد ، ومجمع بن عبد الله ، وجنادة بن الحرث فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس ،
فلما وغلوا فيهم عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم ، وقطعوهم من أصحابهم ،
فندب الحسين ( عليه السلام ) لهم أخاه العباس فحمل على القوم وحده
، فضرب فيهم بسيفه حتى فرقهم عن أصحابه وخلص إليهم
فسلموا عليه فأتى بهم ، ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين ، فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم حتى قتلوا في مكان واحد .
فعاد العباس إلى أخيه وأخبره بخبرهم
./تاريخ الرسل والملوك/الطبري/ج3/ص330.
وقال أهل السير :
وكان العباس قد ركز لواءه أمام الحسين وحامى عن أصحابه أو استقى ماء فكان يلقب بالسقاء . ويكنى أبا قربة بعد قتله .
وقالوا أيضا:
ولما رأى العباس وحدة الحسين ( عليه السلام ) بعد قتل أصحابه وجملة من أهل بيته ،
قال لإخوته من أمه :
تقدموا لأحتسبكم عند الله تعالى ، فإنه لا ولد لكم . فتقدموا حتى قتلوا ،
فجاء إلى الحسين ( عليه السلام ) واستأذنه في المصال ،
فقال له : " أنت حامل لوائي " ،
فقال العباس/ع/:
لقد ضاق صدري وسئمت الحياة .
فقال له الحسين /ع/:
إن عزمت فاستسق لنا ماء " ، فأخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة .
قالوا : واغترف من الماء غرفة
ثم ذكر عطش الحسين ( عليه السلام ) فرمى بها
وقال :
يا نفس من بعد الحسين هوني * وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون * وتشربين بارد المعين
ثم عاد فأخذ عليه الطريق ، فجعل يضربهم بسيفه
وهو يقول :
لا أرهب الموت إذا الموت زقا * حتى أوارى في المصاليت لقى
إني أنا العباس أغدو بالسقا * ولا أهاب الموت يوم الملتقى
فضربه حكيم بن طفيل الطائي السنبسي على يمينه فبرأها ، فأخذ اللواء بشماله وهو يقول :
والله إن قطعتم يميني * إني أحامي أبدا عن ديني
فضربه زيد بن ورقاء الجهني على شماله فبرأها ،
فضم اللواء إلى صدره كما فعل عمه جعفر إذ قطعوا يمينه ويساره في مؤتة ،
فضم اللواء إلى صدره وهو يقول :
ألا ترون معشر الفجار * قد قطعوا ببغيهم يساري
فحمل عليه رجل تميمي من أبناء أبان بن دارم فضربه بعمود على رأسه فخر صريعا إلى الأرض ،
ونادى بأعلى صوته : أدركني يا أخي .
فانقض عليه أبو عبد الله كالصقر قرأه مقطوع اليمين واليسار مرضوخ
الجبين مشكوك العين بسهم مرتثا بالجراحة ،
فوقف عليه منحنيا ، وجلس عند رأسه يبكي حتى فاضت نفسه
ثم حمل على القوم فجعل يضرب فيهم يمينا وشمالا فيفرون من بين يديه كما تفر المعزى إذا شد فيها الذئب ،
وهو يقول : أين تفرون وقد قتلتم أخي ؟ !
أين تفرون وقد فتتم عضدي ؟ !
ثم عاد إلى موقفه منفردا .
وكان العباس آخر من قتل من المحاربين لأعداء الحسين
( عليه السلام ) ،
ولم يقتل بعده إلا الغلمان الصغار من آل أبي طالب الذين لم يحملوا السلاح
إنظر /المناقب /ابن شهر آشوب/ج4/ص 58.
وهذا الموقف العملاق بهدفيته الذي أركزه العباس/ع/ في أرض كربلاء .
لايمكن المرورعليه جزافا دونما نُسجّل وعيا جديدا له
إختزله العباس /ع/ في كربلاء وحفظه التأريخ لنا
مُنجزا قيميا ساريا بمفرداته في مناحي الحياة
فسلامٌ على العباس يوم ولِدَ ويوم قضى شهيدا ويوم يُبعثُ حيّا
تحقيق /مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف/
تعليق