منذ أن تفتحت عيون الحلم بقيت أعيش اللحظات الحلوة وأرسم معالم الطريق والشواهد بمخيلة حالمة غسلت الطريق بدموع فرحي،حيث تشكلت عندي زيارة العتبات المقدسة في العراق فرحة تتوج العمر بزهوة إحساس يندر الشعور به،متعة بكل جوانب البهجة
أنا متأكدة أن كل العوالم التي سأراها ليست غريبة عني لقد رأيتها في أفكاري وعاشت ملامحها في ذاكرتي،ولقد زرت هذه المدن آلاف المرات دون أن أمر بها يوما،ولهذا كان اشتراكي برحلة متوجهة لزيارة العراق يفتح أملا غريب الأطوار شعور تآلف فيه الحزن والفرح،أشياء تفسح للروح يقظة تمر بها كل ماسمعت عن بركات هذه المدن المباركة،سأعانق عند لقائها كل
التواريخ الناصعة البياض،لوعة الجراح المضنية،والصبر المقدس,هل حقا سازور مرقد أمير المؤمنين علي ع؟ لاأعتقد أني وحيدة في حلمي حيث كنت أرى الوجوه التي معي كلها وجوه حالمة ولهذا لاتبطل النظر إلى الطريق بشغف اللقاء،صرت أدرك معنى كلمة موالي فهذا الولاء شعور يتوج الانسان بمعزة اللقاء،عوالم من البهجة،يالهذه السعادة هل ساقف بحضرة المولى أمير المؤمنين؟صورة لاتفارق مخيلتي رأيتها من قبل كثيرا،
لكن عمري ما عاشرت تلك الثواني التي اصبحت تمر علي كانها ساعات طويلة صرت أعد اللحظات للوصول،الوقت وحساب الكيلومترات والساعة و...سعادة لاتخفي دمع شجاها..الزيارة عندنا أمنية من أمنيات العمر،دعوة من دعوات الخير التي يكلل بها كل جميل تقدمه لانسان ،مزيج من المشاعر التي احملها في ذات اللحظة الفرحة والحزن والرهبة والأمأن والشوق العامر في عمق كل سؤال..كم بقي من الطريق؟أسئلة كثيرة تدور في بالي وأنا أستمع لدقات القلب الفوارة..ملامح انعكست في مخيلتي حين زرت ائمة البقيع ع مناظر قاسية ابكتني وأنا أقف مع العشرات وراء القضبان كأننا سجناء في معتقل ونسمع أصحاب البدع الشوهاء وهم يلقون علينا حرمة زيارة المقابر وحتى قبر النبي(ص) حصنوا اسواره وخاصة على النساء فزرنا القبر المبارك من بعيد ولهذا نعتقد أن زيارة الائمة في العراق حصيلة جامعة لجميع المباركين من أهل البيت،سأسلم على النبي من ضريح الامام علي ع،ومن ضريح سيدالشهداء ومن مرقد اخيه أبي الفضل العباس كفيل الشهامة والتضحية،أسعد اللحظات في حياتي هي لحظات التهيئة للسفر أشياء كثيرة تمر أمامي تستوقفني الكثير من الاسئلة لاأعتقد أن مثل هذه البهجة التي تعتريني هي لزيارة أناس موتى فزيارتنا لم تكن رثائية بقدر ماهي إحياء لطقوس شعائرية
نستذكر من خلالها ما يمدنا بالزوادة المؤمنة لطريق موحش طويل.. وخاصة عندما تكون التجربة الأولى في الزيارة سترسخ الكثير من القيم في البال لحظتها،أشياء ربما كانت غائبة عني استحضرتها الحالة في يقينها كلما يسألني احدهم لاتنسينا بالدعاء ترقرق عيناي بالدموع ..دموع حارة تختلف عن غيرها من الدموع،وفهم الرموز المقدسة بمعناها التكويني سيمنحنا شعورا قلقا هل ياترى نحن نستحق فعلا مثل هذه الكرامة التي وهبنا الله اياها؟من أكون أنا كي أقف بحضرة التأريخ كله وبأسمى
معانيه؟تأخذني الرهبة كلما أتذكر مثل هذه المعادلة المضنية لولا عطف الله علينا لما وهبنا مثل هذه الكرامات..أنا ساقف أمامك يا أمير المؤمنين علي؟ عليك مني السلام يالها من رهبة تنفجر بي في كل حين، وتأخذني إلى حوارات كثيرة مع النفس لم أصحو منها إلا وأنا على عتبات الزيارة،أي عندما أصبح الحلم حقيقة وقفت هذه المرة بطولي أمام حضر ته،قلت لنفسي إليه إلى اللقاء المبارك..عندها تحول الصخب الضاج بالدوي إلى صمت جليل لم أعد لحظتها أرى سواه ولم أسمع
أحدا غير هذا السلام المطمئن السلام عليك يا سيدي ارتعشت مفاصل جسمي تكرر نداوة السلام،وجدت نفسي شجية تخاطب سيدها المولى سيد الاوصياء،آه لو عرفوك ياسيدي حق معرفتك..صمت القلوب ساعة الوله يعطينا الكثير من الأمنيات..قلت لنفسي ارفعي يديك بالدعاء ،ليس كل يوم تتكرر الفرصة أخبريه عن كل مايدور في ذهنك المتعب بالسؤال،ساعد الله قلبك سيدي بما صبرت واحتسبت من زمر خانوا الأمانة فما ربحت تجارتهم إلا بالخيبة والخذلان ..الخذلان الذي يسلبون به اليوم منكم الحياة او لستم قادتها يا سيدي المبارك..انا فرحانة جدا لأن الله أمهلني الفرصة أن أقف أمام ولايتك مجددة الولاء لكم يا آل رسول الله وأنواره اليقينة بالصلاة والمحبة.. وللعن كل من بغى وطغى وسلب من أهل الحق حقهم المخصوص من رب العرش العظيم، الهموم التي
أحملها يا سيدي عظيمة،فها هي الدموع عنوان مودة تسيل لمواساة جراح مصيبتكم يا أهل البيت وتسيل لتبث شجى معاناتي إليك طامحة بالشفاعة والدعاء إلى رب العرش العظيم..فصرت أبثه وجعي بهمس لاأحب أن تسمعه النساء من حولي،وإذا بأمرأة تصيح باكية أغثها يامولاي فهي أتتك مستغاثة بكم إلى الله..أغثها يا سيدي فهي مهمومة متألمة جاءت لتقضي لها حاجتها بالدعاء لقاضي الحاجات وإذا بها تبث أدق تفاصيل ألمي وحاجتي!!وشعرت لحظتها
بارتعاشة كبيرة أن هذه المرأة تفوقني طولا وهي تلتصق بي كالتصاقة الظل للظل..قلت لألتفت إليها علني أراها لكن خانتني جرأتي فما التفت إليها أبدا..وما عدت أستطيع الكلام..شيء ما في داخلي يدلني عليها..ربما أكون لحظتها قد عرفت صاحبة هذا الصوت المبارك التي كانت شاهدة في يوم على مظلمتي ونصرتي بآن واحد.. فايقنت أن حاجتي عندالامام علي ع مقضية بإذن الله
،لامتدادت الزمن حسابات فاعلة وكنت لحظتها أتمنى من كل قلبي أن يتوقف الزمان عندها كي لاأحرم من سعادتها،
كي لاتحين لحظة الوداع..التي تفصلني عن مثل هذا المشهد ،أنظر الى الناس فرأيت رؤوسهم العالية وكأنها رايات نصرة رفعت في كل حين،الناس بيارق هذه المشاهد،وكان الشباك المقدس لسان يرحب بالزائرين ويعانق همومهم..سؤال يقودني إلى قلب الماسآة بأي قلب سأفارق هذا المكان ؟بأية أقدام سأرحل عن النجف؟
وأنا لم أرتو بعد من هذا المنهل القدسي..فيأتي صوت الضمير مبتهلا بالجواب سنتوجه إلى كربلاء..الله يالبشرى هذا الحنين السماوي..يا لهذه النعم الرسالية.. إذن يبقى عزائي بختام الزيارة اني ساذهب إلى معين الجرح المحمدي.. في الطريق الكربلائي كانت الملحمة الهاشمية لواقعة الطف تلوح لي من قريب هي أمامي أقلب سنا كل امرأة من هذا الطيف المبارك وابلغها سلامي والدموع التي سالت كانت بمثابة الطوابع البريدية التي تؤمن الرحيل،أقول لهن أني آتية إلى
النبع وإلى الخيام إني قادمة إلى حيث يحوم المصير الانساني..إلى مدينة الغد قبل أن تكون مدينة الماضي،إلى الهوية الانسانية كربلاء،إلى بقعة ارتوت طاهرة بدماء أشرف الشهداء،هي فرصة أن نطوف في رحاب تلك التواريخ..ونحن نحمل دمع النصرة ملاذا آمنا يبعد عنا عزلة التواريخ..كان الدخول اولا إلى حومة الفضل إلى مرقد أبي الفضل العباس ع،حين وقفت لاستأذنه الزيارة مع حشد الوفد الزائر شعرت بنفسي وكأني أقف في صف المحاربات المدافعات عن الخيم وأن
دموعي المسكوبة تحملها الملائكة في كؤوس مجبولة من الحنين لتروي كل عطاشى الطفوف.. شعور يبكيني لحظتها كيف يستقبل العباس زائريه؟بأي كف وقد بذلهما في سبيل نصرة مولاه راية على الفرات؟ سيطل بجناحي البركة وبابتسامة عاشورية الهوية ليستقبل هذا البكاء وكأنه زغاريد ابتهاج لأناس قطعوا المسافات الطويلة للوصول إلى حضرة زهوه المبارك.. النوايا في حضرته تنطق فصيحة بالدعاء..اللهم اجعلنا معه نرتشف الرواء من قربته ورميت نفسي بالقرب من الضريح إنه العباس ع أبو فاضل حبيب القلب ليتني ألازمه ماتبقى من حياتي لأقوم على خدمة خدامه سلمت عليه وكلمته طويلا وتمنيت أن يطول اللقاء ولاينتهي لكنني لأشد الأسف محكومة بوقت محدد واستأذنته بالتوجه لزيارة الحسين ع وأنا أحمل حوائج كثيرة وثقيلة أردت أن أضعها بين يدي مولاي ع الذي لاترد له حاجة عند الرب الكريم،لكن الذي حدث أني حين أردت
الخروج صادفت طفلة صغيرة عمرها حوالي خمس سنوات تبكي وتلتفت بكل الاتجهات فأيقنت أنها تاهت من أمها..ماذا أفعل؟ كيف أتركها والحرم يموج بالعباءات السوداء والكبير لايمكنه ان يفرق بين النساء؟هل يقبل مولاي الحسين ع أن أترك طفلة ضائعة لأذهب لزيارته؟ كيف؟لن يقبل مولاي أبدا..وقلبي لايطاوعني أن أتركها فإني شعرت أنها رقية ابنة الحسين ع تبكي حزنا..اقتربت منها لأسألها فكانت تتكلم كلمات إيرانية وهذه مشكلة جديدة وخطر لي خاطر أن أحملها وأرفعها عاليا فإن كانت هي لاترى أمها فالأم ستراها وحقا بعد ثوان ركضت الأم واحتضنتها وما أجمل ألا يفقد الانسان أحبته وما أجمل اللقاء بهم ماأجمله.. ثم خرجت مطمئنة..الوصول الى الصحن الحسيني المبارك كان عبارة عن صمت عجيب وجوم رهيب..صعبة أن نلتقي
بالتاريخ التضحوي بهذه الصورة كيف؟ من أين لي الشجاعة أن أقف أمامه مكررة لبيك ياحسين..أنا متيقنه من أنك تسمعني ياسيدي.. جئتك من أرض الطاهرة زينب
راعية الحرم وقائدة الصبر والرواء..زينب يامولاي زينب روح الحسين..بأي كلمات ستنطق يا لساني؟ لاشيء في البال سوى المصيبة يعلم الله في أي بقعة انتثر الدم المبارك هنا؟ بل هناك أيضا ؟ أنا أعتقد أن الدم انتشر في كل بقاع الارض لكن هنا النبع العين.. أتذكر مصائبه فقط وما حل به وبأسرته الكريمة من مظالم وزاد حزني عند دخولي قبور أفضل
صحابته المدفونين قربه وانتابني الاستحياء من أن أطلب حوائجي من حضرته وهو الإمام الشهيد المظلوم يضم طفلا قتيلا ذنبه الوحيد أنه شعر بالحر والعطش فسقاه الظالم سهما سيكون سهما بذمته من دم رضيع سليل العترة يوم القيامة.. لفت انتباهي صوت صديقتي تناديني وقالت لي تعالي لتري مكان المذبح.. المذبح؟؟أنا أتفرج على مكان الذبح؟ بكيت بحرقة وصرخت بها لا أبدا كيف أستطيع النظر لمكان مذبح سيدي ومولاي؟كيف أقف بمكان قطع فيه رأس ابن بنت رسول الله ص؟لاأستطيع وحق الحسين ع لاأستطيع خرجت باكية حافية القدمين أسعى بين الحرمين بين حرم العباس والحسين ع وكأني في المسعى في بيت الله الحرام
وأجدد اللعن على الظالمين إلى يوم الدين..تمنيت والله أن أضع خيمة بين الحرمين وفيها كل مايحتاجه الزوار واقضي ماتبقى من عمري بخدمتهم لكسب رضا مولاي لكن ماكل مايتمناه المرء يدركه..
بعد فترة غادرت كربلاء بحزن كبير.. حزن الوداع وحزن الخوف بألا أستطيع العودة من جديد وهذه المرة أيضا خفف عني هول الحزن أننا متوجهون لبغداد لزيارة باب الحوائج الكاظم والجواد ع وأول دخول لي لحضرتهم زرت من حرمهم الشريف غريب طوس الامام علي الرضا ع الامام الشهيد المظلوم المسموم..
أحزن قلبي وجود ضريحين لإمامين معا ذاقا ظلما كبقية العترة الطاهرةع
اللهم إلعن الظالمين لعنا متواصلا إلى يوم الدين
فإن ماجرى على أهل هذا البيت لم يجر على أي أسرة في التاريخ
والنبي صاحب الرسالة(ص) لايستحق أن يسقوه هذه الأفعال في أهله وعترته
شعرت بسجن الدنيا..سجن روحي بهذا الجسد الفاني.. فليس فقط السجن هو القضبان والسجان..لالا فالحزن سجن
الهم سجن
الغربة بين الأهل سجن
وما أكثر السجون والسجناء..
تذكرت دعاء مولاي الكاظم الذي دعاه للخلاص من سجنه وقرأته في حضرته..أبكي وأتذكر مصائبهم وماحل بهم..
ودعت الامامين ع بحرقة الفراق وسألت الله بآلا يكون هذا اللقاء أخر العهد مني لزيارتهم..
أخر المطاف كان في سامراء وهنا رأيت مالم أراه من قبل سامراء الروح والقلب..موطن مولاي صاحب العصر والزمان ( عج ) وأسرته الطاهرة ع
صمت
دمار
وهدم..
صورة من أبشع صور الجرائم ارتكبتها أيد أثمة لاتخاف الله ولاتراع حرمة رسول الله (ص) أيد أدخلت أشد الحزن على قلب مولانا المنتظر بتهديم مقام أبيه وجده ع
وكأن مافعلوه لم يكن كافيا
ياويلهم من غضب الله
دخلت المقام الشريف لاأدري أين مرقد الإمامين ع ودلني على المرقد قماش أخضر موضوع على حائط ليعلم الزوار مكان المرقدين الشريفين
ياله من حزن مقيم لاينتهي
كانت زيارتنا لسامراء كمرور الكرام حيث أخبرونا أنه مكان خطر تعبث به بعض أوكار حفدة الشر ولامبيت لنا هنا
غادرت المقام بعد أن استأذنت المسؤول وأخذت قبضة من تراب الهدم الموجود خارج الحرم وتوجهنا من جديد بطريق العودة إلى دمشق وصور الزيارة تتكرر أمامي كشريط لاأنساه
ومازلت أنتظر بصبر أن يأذن لي الله بالزيارة مجددا
أيها العراق الحبيب..
سيبقى جسمي معي غير أن الروح عندكم دائما وأبدا..
فالجسم في غربة والروح في وطن..
سلام على من يرى المقام..
ويسمع الكلام..
ويرد السلام
" نور السراج "
أنا متأكدة أن كل العوالم التي سأراها ليست غريبة عني لقد رأيتها في أفكاري وعاشت ملامحها في ذاكرتي،ولقد زرت هذه المدن آلاف المرات دون أن أمر بها يوما،ولهذا كان اشتراكي برحلة متوجهة لزيارة العراق يفتح أملا غريب الأطوار شعور تآلف فيه الحزن والفرح،أشياء تفسح للروح يقظة تمر بها كل ماسمعت عن بركات هذه المدن المباركة،سأعانق عند لقائها كل
التواريخ الناصعة البياض،لوعة الجراح المضنية،والصبر المقدس,هل حقا سازور مرقد أمير المؤمنين علي ع؟ لاأعتقد أني وحيدة في حلمي حيث كنت أرى الوجوه التي معي كلها وجوه حالمة ولهذا لاتبطل النظر إلى الطريق بشغف اللقاء،صرت أدرك معنى كلمة موالي فهذا الولاء شعور يتوج الانسان بمعزة اللقاء،عوالم من البهجة،يالهذه السعادة هل ساقف بحضرة المولى أمير المؤمنين؟صورة لاتفارق مخيلتي رأيتها من قبل كثيرا،
لكن عمري ما عاشرت تلك الثواني التي اصبحت تمر علي كانها ساعات طويلة صرت أعد اللحظات للوصول،الوقت وحساب الكيلومترات والساعة و...سعادة لاتخفي دمع شجاها..الزيارة عندنا أمنية من أمنيات العمر،دعوة من دعوات الخير التي يكلل بها كل جميل تقدمه لانسان ،مزيج من المشاعر التي احملها في ذات اللحظة الفرحة والحزن والرهبة والأمأن والشوق العامر في عمق كل سؤال..كم بقي من الطريق؟أسئلة كثيرة تدور في بالي وأنا أستمع لدقات القلب الفوارة..ملامح انعكست في مخيلتي حين زرت ائمة البقيع ع مناظر قاسية ابكتني وأنا أقف مع العشرات وراء القضبان كأننا سجناء في معتقل ونسمع أصحاب البدع الشوهاء وهم يلقون علينا حرمة زيارة المقابر وحتى قبر النبي(ص) حصنوا اسواره وخاصة على النساء فزرنا القبر المبارك من بعيد ولهذا نعتقد أن زيارة الائمة في العراق حصيلة جامعة لجميع المباركين من أهل البيت،سأسلم على النبي من ضريح الامام علي ع،ومن ضريح سيدالشهداء ومن مرقد اخيه أبي الفضل العباس كفيل الشهامة والتضحية،أسعد اللحظات في حياتي هي لحظات التهيئة للسفر أشياء كثيرة تمر أمامي تستوقفني الكثير من الاسئلة لاأعتقد أن مثل هذه البهجة التي تعتريني هي لزيارة أناس موتى فزيارتنا لم تكن رثائية بقدر ماهي إحياء لطقوس شعائرية
نستذكر من خلالها ما يمدنا بالزوادة المؤمنة لطريق موحش طويل.. وخاصة عندما تكون التجربة الأولى في الزيارة سترسخ الكثير من القيم في البال لحظتها،أشياء ربما كانت غائبة عني استحضرتها الحالة في يقينها كلما يسألني احدهم لاتنسينا بالدعاء ترقرق عيناي بالدموع ..دموع حارة تختلف عن غيرها من الدموع،وفهم الرموز المقدسة بمعناها التكويني سيمنحنا شعورا قلقا هل ياترى نحن نستحق فعلا مثل هذه الكرامة التي وهبنا الله اياها؟من أكون أنا كي أقف بحضرة التأريخ كله وبأسمى
معانيه؟تأخذني الرهبة كلما أتذكر مثل هذه المعادلة المضنية لولا عطف الله علينا لما وهبنا مثل هذه الكرامات..أنا ساقف أمامك يا أمير المؤمنين علي؟ عليك مني السلام يالها من رهبة تنفجر بي في كل حين، وتأخذني إلى حوارات كثيرة مع النفس لم أصحو منها إلا وأنا على عتبات الزيارة،أي عندما أصبح الحلم حقيقة وقفت هذه المرة بطولي أمام حضر ته،قلت لنفسي إليه إلى اللقاء المبارك..عندها تحول الصخب الضاج بالدوي إلى صمت جليل لم أعد لحظتها أرى سواه ولم أسمع
أحدا غير هذا السلام المطمئن السلام عليك يا سيدي ارتعشت مفاصل جسمي تكرر نداوة السلام،وجدت نفسي شجية تخاطب سيدها المولى سيد الاوصياء،آه لو عرفوك ياسيدي حق معرفتك..صمت القلوب ساعة الوله يعطينا الكثير من الأمنيات..قلت لنفسي ارفعي يديك بالدعاء ،ليس كل يوم تتكرر الفرصة أخبريه عن كل مايدور في ذهنك المتعب بالسؤال،ساعد الله قلبك سيدي بما صبرت واحتسبت من زمر خانوا الأمانة فما ربحت تجارتهم إلا بالخيبة والخذلان ..الخذلان الذي يسلبون به اليوم منكم الحياة او لستم قادتها يا سيدي المبارك..انا فرحانة جدا لأن الله أمهلني الفرصة أن أقف أمام ولايتك مجددة الولاء لكم يا آل رسول الله وأنواره اليقينة بالصلاة والمحبة.. وللعن كل من بغى وطغى وسلب من أهل الحق حقهم المخصوص من رب العرش العظيم، الهموم التي
أحملها يا سيدي عظيمة،فها هي الدموع عنوان مودة تسيل لمواساة جراح مصيبتكم يا أهل البيت وتسيل لتبث شجى معاناتي إليك طامحة بالشفاعة والدعاء إلى رب العرش العظيم..فصرت أبثه وجعي بهمس لاأحب أن تسمعه النساء من حولي،وإذا بأمرأة تصيح باكية أغثها يامولاي فهي أتتك مستغاثة بكم إلى الله..أغثها يا سيدي فهي مهمومة متألمة جاءت لتقضي لها حاجتها بالدعاء لقاضي الحاجات وإذا بها تبث أدق تفاصيل ألمي وحاجتي!!وشعرت لحظتها
بارتعاشة كبيرة أن هذه المرأة تفوقني طولا وهي تلتصق بي كالتصاقة الظل للظل..قلت لألتفت إليها علني أراها لكن خانتني جرأتي فما التفت إليها أبدا..وما عدت أستطيع الكلام..شيء ما في داخلي يدلني عليها..ربما أكون لحظتها قد عرفت صاحبة هذا الصوت المبارك التي كانت شاهدة في يوم على مظلمتي ونصرتي بآن واحد.. فايقنت أن حاجتي عندالامام علي ع مقضية بإذن الله
،لامتدادت الزمن حسابات فاعلة وكنت لحظتها أتمنى من كل قلبي أن يتوقف الزمان عندها كي لاأحرم من سعادتها،
كي لاتحين لحظة الوداع..التي تفصلني عن مثل هذا المشهد ،أنظر الى الناس فرأيت رؤوسهم العالية وكأنها رايات نصرة رفعت في كل حين،الناس بيارق هذه المشاهد،وكان الشباك المقدس لسان يرحب بالزائرين ويعانق همومهم..سؤال يقودني إلى قلب الماسآة بأي قلب سأفارق هذا المكان ؟بأية أقدام سأرحل عن النجف؟
وأنا لم أرتو بعد من هذا المنهل القدسي..فيأتي صوت الضمير مبتهلا بالجواب سنتوجه إلى كربلاء..الله يالبشرى هذا الحنين السماوي..يا لهذه النعم الرسالية.. إذن يبقى عزائي بختام الزيارة اني ساذهب إلى معين الجرح المحمدي.. في الطريق الكربلائي كانت الملحمة الهاشمية لواقعة الطف تلوح لي من قريب هي أمامي أقلب سنا كل امرأة من هذا الطيف المبارك وابلغها سلامي والدموع التي سالت كانت بمثابة الطوابع البريدية التي تؤمن الرحيل،أقول لهن أني آتية إلى
النبع وإلى الخيام إني قادمة إلى حيث يحوم المصير الانساني..إلى مدينة الغد قبل أن تكون مدينة الماضي،إلى الهوية الانسانية كربلاء،إلى بقعة ارتوت طاهرة بدماء أشرف الشهداء،هي فرصة أن نطوف في رحاب تلك التواريخ..ونحن نحمل دمع النصرة ملاذا آمنا يبعد عنا عزلة التواريخ..كان الدخول اولا إلى حومة الفضل إلى مرقد أبي الفضل العباس ع،حين وقفت لاستأذنه الزيارة مع حشد الوفد الزائر شعرت بنفسي وكأني أقف في صف المحاربات المدافعات عن الخيم وأن
دموعي المسكوبة تحملها الملائكة في كؤوس مجبولة من الحنين لتروي كل عطاشى الطفوف.. شعور يبكيني لحظتها كيف يستقبل العباس زائريه؟بأي كف وقد بذلهما في سبيل نصرة مولاه راية على الفرات؟ سيطل بجناحي البركة وبابتسامة عاشورية الهوية ليستقبل هذا البكاء وكأنه زغاريد ابتهاج لأناس قطعوا المسافات الطويلة للوصول إلى حضرة زهوه المبارك.. النوايا في حضرته تنطق فصيحة بالدعاء..اللهم اجعلنا معه نرتشف الرواء من قربته ورميت نفسي بالقرب من الضريح إنه العباس ع أبو فاضل حبيب القلب ليتني ألازمه ماتبقى من حياتي لأقوم على خدمة خدامه سلمت عليه وكلمته طويلا وتمنيت أن يطول اللقاء ولاينتهي لكنني لأشد الأسف محكومة بوقت محدد واستأذنته بالتوجه لزيارة الحسين ع وأنا أحمل حوائج كثيرة وثقيلة أردت أن أضعها بين يدي مولاي ع الذي لاترد له حاجة عند الرب الكريم،لكن الذي حدث أني حين أردت
الخروج صادفت طفلة صغيرة عمرها حوالي خمس سنوات تبكي وتلتفت بكل الاتجهات فأيقنت أنها تاهت من أمها..ماذا أفعل؟ كيف أتركها والحرم يموج بالعباءات السوداء والكبير لايمكنه ان يفرق بين النساء؟هل يقبل مولاي الحسين ع أن أترك طفلة ضائعة لأذهب لزيارته؟ كيف؟لن يقبل مولاي أبدا..وقلبي لايطاوعني أن أتركها فإني شعرت أنها رقية ابنة الحسين ع تبكي حزنا..اقتربت منها لأسألها فكانت تتكلم كلمات إيرانية وهذه مشكلة جديدة وخطر لي خاطر أن أحملها وأرفعها عاليا فإن كانت هي لاترى أمها فالأم ستراها وحقا بعد ثوان ركضت الأم واحتضنتها وما أجمل ألا يفقد الانسان أحبته وما أجمل اللقاء بهم ماأجمله.. ثم خرجت مطمئنة..الوصول الى الصحن الحسيني المبارك كان عبارة عن صمت عجيب وجوم رهيب..صعبة أن نلتقي
بالتاريخ التضحوي بهذه الصورة كيف؟ من أين لي الشجاعة أن أقف أمامه مكررة لبيك ياحسين..أنا متيقنه من أنك تسمعني ياسيدي.. جئتك من أرض الطاهرة زينب
راعية الحرم وقائدة الصبر والرواء..زينب يامولاي زينب روح الحسين..بأي كلمات ستنطق يا لساني؟ لاشيء في البال سوى المصيبة يعلم الله في أي بقعة انتثر الدم المبارك هنا؟ بل هناك أيضا ؟ أنا أعتقد أن الدم انتشر في كل بقاع الارض لكن هنا النبع العين.. أتذكر مصائبه فقط وما حل به وبأسرته الكريمة من مظالم وزاد حزني عند دخولي قبور أفضل
صحابته المدفونين قربه وانتابني الاستحياء من أن أطلب حوائجي من حضرته وهو الإمام الشهيد المظلوم يضم طفلا قتيلا ذنبه الوحيد أنه شعر بالحر والعطش فسقاه الظالم سهما سيكون سهما بذمته من دم رضيع سليل العترة يوم القيامة.. لفت انتباهي صوت صديقتي تناديني وقالت لي تعالي لتري مكان المذبح.. المذبح؟؟أنا أتفرج على مكان الذبح؟ بكيت بحرقة وصرخت بها لا أبدا كيف أستطيع النظر لمكان مذبح سيدي ومولاي؟كيف أقف بمكان قطع فيه رأس ابن بنت رسول الله ص؟لاأستطيع وحق الحسين ع لاأستطيع خرجت باكية حافية القدمين أسعى بين الحرمين بين حرم العباس والحسين ع وكأني في المسعى في بيت الله الحرام
وأجدد اللعن على الظالمين إلى يوم الدين..تمنيت والله أن أضع خيمة بين الحرمين وفيها كل مايحتاجه الزوار واقضي ماتبقى من عمري بخدمتهم لكسب رضا مولاي لكن ماكل مايتمناه المرء يدركه..
بعد فترة غادرت كربلاء بحزن كبير.. حزن الوداع وحزن الخوف بألا أستطيع العودة من جديد وهذه المرة أيضا خفف عني هول الحزن أننا متوجهون لبغداد لزيارة باب الحوائج الكاظم والجواد ع وأول دخول لي لحضرتهم زرت من حرمهم الشريف غريب طوس الامام علي الرضا ع الامام الشهيد المظلوم المسموم..
أحزن قلبي وجود ضريحين لإمامين معا ذاقا ظلما كبقية العترة الطاهرةع
اللهم إلعن الظالمين لعنا متواصلا إلى يوم الدين
فإن ماجرى على أهل هذا البيت لم يجر على أي أسرة في التاريخ
والنبي صاحب الرسالة(ص) لايستحق أن يسقوه هذه الأفعال في أهله وعترته
شعرت بسجن الدنيا..سجن روحي بهذا الجسد الفاني.. فليس فقط السجن هو القضبان والسجان..لالا فالحزن سجن
الهم سجن
الغربة بين الأهل سجن
وما أكثر السجون والسجناء..
تذكرت دعاء مولاي الكاظم الذي دعاه للخلاص من سجنه وقرأته في حضرته..أبكي وأتذكر مصائبهم وماحل بهم..
ودعت الامامين ع بحرقة الفراق وسألت الله بآلا يكون هذا اللقاء أخر العهد مني لزيارتهم..
أخر المطاف كان في سامراء وهنا رأيت مالم أراه من قبل سامراء الروح والقلب..موطن مولاي صاحب العصر والزمان ( عج ) وأسرته الطاهرة ع
صمت
دمار
وهدم..
صورة من أبشع صور الجرائم ارتكبتها أيد أثمة لاتخاف الله ولاتراع حرمة رسول الله (ص) أيد أدخلت أشد الحزن على قلب مولانا المنتظر بتهديم مقام أبيه وجده ع
وكأن مافعلوه لم يكن كافيا
ياويلهم من غضب الله
دخلت المقام الشريف لاأدري أين مرقد الإمامين ع ودلني على المرقد قماش أخضر موضوع على حائط ليعلم الزوار مكان المرقدين الشريفين
ياله من حزن مقيم لاينتهي
كانت زيارتنا لسامراء كمرور الكرام حيث أخبرونا أنه مكان خطر تعبث به بعض أوكار حفدة الشر ولامبيت لنا هنا
غادرت المقام بعد أن استأذنت المسؤول وأخذت قبضة من تراب الهدم الموجود خارج الحرم وتوجهنا من جديد بطريق العودة إلى دمشق وصور الزيارة تتكرر أمامي كشريط لاأنساه
ومازلت أنتظر بصبر أن يأذن لي الله بالزيارة مجددا
أيها العراق الحبيب..
سيبقى جسمي معي غير أن الروح عندكم دائما وأبدا..
فالجسم في غربة والروح في وطن..
سلام على من يرى المقام..
ويسمع الكلام..
ويرد السلام
" نور السراج "