إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مخالفة الصحابة الجماعية للنبي(ص) في الصحيحين

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مخالفة الصحابة الجماعية للنبي(ص) في الصحيحين

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الكثير من السنة صعب عليهم قبول ان النبي(ص) نص على امير المؤمنين (ع) وان الصحابة خالفوه بمبايعة ابا بكر بصورة جماعية
    ونحن بهذا الموضوع نبين مخالفة الصحابة للنبي(ص) بصورة جماعية من الصحيحين حصرا في مواطن كثيرة كونهم الزموا انفسهم بصحتهما , وباثبات ذلك لا يبقى هناك استغراب وترتفع هذه العقدة عند البعض.
    والموضوع ينزل تدريجا ان شاء الله فنقول وبه نستعين

    * صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدراً.
    عن سعيد بن المسيّب: وقعت الفتنة الأولى - يعني مقتل عثمان - فلم تبقِ من أصحاب بدر أحداً، ثمّ وقعت الفتنة الثانية - يعني الحرّة - فلم تبقِ من أصحاب الحديبية أحداً، ثمّ وقعت الثالثة، فلم ترتفع وللناس طَبَاخ([1]).

    وهكذا يقرّر البخاري من وراء هذا الحديث، أنّ جُلّ الصحابة سقطوا بالاختبار، وهلكوا بالفتن، فلماذا يُؤاخَذ شيعة أهل البيت (ع) إذا قالوا بمثل هذا في سقوطهم بالمخالفة في قضية بيعة الاول ؟!
    وإذا أرادوا أن يفسّروا معنى الحديث بـ (لم تبقِ أحداً) أي: قتلتْهم، فهذا خلاف الواقع، حيث إنّ أهل بدر بقوا بعد قتْل عثمان، وهم كثيرون: كعليّ (ع) وعمّار(رح) وطلحة والزبير وغيرهم، والدليل أنّه ذكر معارك الفتنة، ولم يذكر المعارك الجهادية التي قُتل فيها الكثير من الصحابة، كمعركة اليمامة.
    * صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب الأنصار.
    عن أنس: قال: قالت الأنصار يوم فتح مكة - وأعطى قريشاً -: والله إنّ هذا لهو العجب، إنّ سيوفنا لتقطر من دماء قريش، وغنائمنا تُردّ عليهم....

    ليس هذا أوّل موقف للمهاجرين والأنصار من رسول الله (ص)، حينما يتعلّق الأمر بالغنائم، فمواقفهم في ذلك معلومة يوم أحد ويوم حنين، ولقد تقدّم إليهم رسول الله (ص) يوم أحد ألاّ يبرحوا أماكنهم حتى لو رأوا الغلبة لقريش، ولكنّ شهوة الغنيمة قويّة لا تُقاوَم. فالذي عصى رسول الله (ص) في حياته من أجل الغنيمة، ما الذي يمنعه من معصيته بعد وفاته لأجلها، ولأجل ما هو أعظم منها أيضاً؟!
    * صحيح البخاري، كتاب الشركة، باب الإشراك بالهدْي.

    عن ابن عباس (رض)، قال: قدم النبيّ (ص) صبح رابعة من ذي الحجة، مهلّين بالحجّ لا يخلطهم شيء، فلمّا قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة، وأن نحلّ إلى نسائنا، ففشت في ذلك القالة. قال عطاء: فقال جابر: فيروح أحدنا إلى منى وذَكَرُهُ يَقطر منيّاً، فقال جابر بكفّه، فبلغ ذلك النبيّ (ص)، فقام خطيباً فقال: «بلغني أنّ أقواماً يقولون كذا وكذا، والله لأنا أبرّ وأتقى لله منهم، ولو أنّي استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما أهديتُ، ولولا أنّ معي الهدْي لأحللتُ»، فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله، هي لنا أو للأبد؟ فقال: «لا، بل للأبد» قال: وجاء عليّ بن أبي طالب، فقال أحدهما: يقول لبّيك بما أهلّ به رسول الله، وقال الآخر: لبّيك بحجّة رسول الله (ص)، فأمره النبيّ (ص) أن يقيم على إحرامه وأشركه في الهدْي.

    رسول الله يبلّغ أمّته شرع الله، ونرى تفشّي الاستنكار على ذلك التشريع في المسلمين، حتى قام (ص) فيهم خطيباً، يستنكر عليهم وضع عاداتهم قبال الشارع المقدّس، ولكن حينما التحق النبيّ (ص) بالرفيق الأعلى ووصلت الخلافة لعمر، حرّم تشريع النبيّ هذا - وهو متعة الحج- ، وإذا كان عمر يحرّم شرع الله، ويخالف النبيّ (ص) بأمر الحج، فكيف يا ترى بأمر الخلافة وهو أهمّ الأمور التي تحرّك وجدانهم؟!
    يتبع ان شاء الله




    ([1]) أصل الطباخ: القوة والسمن، ثمّ استُعمل في غيره، فقيل: فلان لا طباخ له، أيّ: لا عقل له ولا خير عنده. عمدة القاري ـ العيني ـ ج6، ص136. قال حسان:
    وَالمالُ يَغشى رجالاً لا طَباخَ لَهُم كَالسَيلِ يَغشي أُصولَ الدَندَنِ البالي
    والدِّندن: ما اسودّ من النبات. فتح الباري ـ ابن حجر ـ ج7، ص250.
    التعديل الأخير تم بواسطة الراصد; الساعة 28-12-2011, 08:27 AM. سبب آخر: حذف الروابط

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهليّة.

    عن جابر (رض) يقول: غزونا مع النبيّ (ص)، وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعّاب، فكسع أنصاريّاً، فغضب الأنصاريّ غضباً شديداً، حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يا لَلأنصار! وقال المهاجري: يا لَلمهاجرين! فخرج النبيّ (ص) فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهليّة؟» ثمّ قال: «ما شأنهم؟»، فأُخبِر بكسعة المهاجريّ الأنصاريَّ، فقال النبيّ (ص): «دعوها فإنّها خبيثة» وقال عبد الله بن أبيّ بن سلول: أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فقال عمر: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله، فقال النبيّ (ص): «لا يتحدّث النّاس أنّه كان يقتل أصحابه».

    سرعان ما يرجعون إلى جاهليّتهم، فقد استغاثوا ونادى بعضهم بعضا، وكادت الحرب أن تنشب، ليس على حق وباطل، وإنّما لأنّ المهاجرين اهتزّوا لهتاف صاحبهم، والأنصار اهتزّوا لهتاف صاحبهم، هذا وهم جميعاً في غزوة تحت قيادة النبيّ (ص)، وقد عمل النبيّ (ص) بخطوات حثيثة لرفع دعوات الجاهلية، منها:
    أنّه آخا بين المهاجرين والأنصار، ولكنّهم هنا تناسوا إخوّة الإسلام وتعاليمه ورجعوا القهقرى، ودبت فيهم نخوة الجاهلية
    ولولا وجود النبيّ الأكرم لكان ما كان، وهذا يوضّح بصورة جليّة أنّ أغلب الصحابة لم يعوا الإسلام وعياً كاملاً، لا سيّما وأنّ الشريعة لم تكتمل بعد، وهموم المعيشة والغزوات، وما إلى ذلك من مشاكل الحياة، التي تحول بينهم وبين ملازمة النبيّ (ص), ولربّما وعوه إجمالاً ولكن بقيت رواسب الشّرك والحميّة ودعوى الجاهلية والتركيبة القبليّة في نفوسهم. وإذا علمنا ذلك، سهل علينا تقبّل القول بغصْب الخلافة.

    ويبيّن الحديث أيضاً أنّ النبيّ يعلم أنّ من بين أصحابه مَن في وجودهم خطر على الإسلام، ولكنّه لا يقتلهم؛ حتى لا يتحدّث النّاس أنّه كان يقتل أصحابه، وكذلك لأنّه يقبل شهادة الإسلام من كلّ مَن نطق بها، ويحقن دمَه، وحسابُه على الله ، وهو(ص) لم يختر الأصحاب، بل يقبل الشهادة من كل أحد، وقد جعل الله الحياة الدنيا اختباراً وفتنة، فبعض الصحابة فتنة للأمّة، يخالفون الله ورسوله، ومن خلالهم يكون الامتحان، هل تتبعهم الأمّة أم تتبع الله ورسوله؟

    ونلاحظ في هذا الحديث وأحاديث أخرى أنّ عمر - وفي مواطن كثيرة - يهمّ بقتل مَن يخالف النبيّ (ص)، وذلك حينما يكون في حالة السلم وليس في الحرب، فينهاه النبيّ (|ص) عن ذلك، ولكنّنا لا نجد هذه الهمّة والشجاعة عنده في الحرب، بل على العكس، فإنّا نجده من المهزومين في مواطن كثيرة، ومنها حنين، ، وحتى في السلم حينما يأمره رسول الله لا يفعل، كهذه القصة:

    روى الهيثمي في مجمع الزوائد([1]): أنّ أبا بكر الصديق جاء إلى النبيّ (ص)، فقال: يا رسول الله، إنّي بواد كذا وكذا، فإذا رجل متخشّع حسن الهيئة يصلّي، فقال له النبيّ (ص): «اذهب فاقتله»، قال: فذهب إليه أبو بكر، فلمّا رآه على تلك الحال، كره أن يقتله، فرجع إلى رسول الله (ص)، فقال النبيّ (ص) لعمر: «اذهب فاقتله»، فذهب عمر فرآه على الحال الذي رآه أبو بكر، قال: فرجع، فقال: يا رسول الله، إنّي رأيتُه يصلّي متخشّعاً فكرهت أن أقتله، قال: يا علي، «اذهب فاقتله»، فذهب عليٌّ فلم يره، فرجع عليٌّ، فقال: يا رسول الله، لم أره، قال: فقال النبي (ص): «إنّ هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثمّ لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه، فاقتلوهم هم شرّ البرية»، رواه أحمد ورجاله ثقات.

    فنجد عمر لم يقتله مع أمر النبي (ص) له، وهو يعلم بأنّه يصلّي، ولم يفعل أبو بكر ذلك، ممّا أدى إلى ترك أبي بكر لعدم القيام بأمر النبيّ والتوجّه لعمر، ويكون عمر كأبي بكر.
    وفي مسند أبي يعلى([2]): قال له النبيّ (ص) بعد ذلك: >لستَ بصاحبه، قم يا علي، أنت صاحبه إن وجدته<، فدخل فوجده قد خرج..، ولعلّ النبيّ (|) يريد بذلك أن يبيّن للأمة الفرق بين الشيخين وبين الإمام، وكان ذلك يتكرر من النبيّ (ص) كثيراً، فنجده في يوم خيبر يعطي الراية لأبي بكر، فيرجع يجبّن أصحابه ويجبّنوه، ولعمر فيرجع، ثمّ يعطيها لعليّ (ع) بعد أن يعطيه وسام «يحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه»، وكتبليغ سورة براءة، حيث أمر أبا بكر بإبلاغها، فردّه بعد ذلك، وأرسل عليّاً مكانه([3])
    يتبع ان شاء الله


    ([1]) مجمع الزوائد ـ الهيثمي ـ ج6، ص225.

    ([2]) مسند أبي يعلى الموصلي، ج6، ص341.

    ([3]) قال ابن حجر في فتح الباري، ج8، ص239: قد ثبت إرسال علي من عدّة طرق: فروى الطبري من طريق أبي صالح، عن عليّ قال: «بعث رسول الله (ع) أبا بكر ببراءة إلى أهل مكة، وبعثه على الموسم، ثمّ بعثني في أثره، فأدركته، فأخذتُها منه، فقال أبو بكر: ما لي؟ قال: خير، أنت صاحبي في الغار وصاحبي على الحوض، غير أنّه لا يبلّغ عنّيغيري، أو رجل منّي»، ومن طريق عمرو بن عطية، عن أبيه، عن أبي سعيد مثله، ومن طريق العمري، عن نافع عن بن عمر كذلك. وروى الترمذي من حديث مقسم عن ابن عباس مثله مطولاً. وعند الطبراني من حديث أبي رافع نحوه، لكن قال: «فأتاه جبريل فقال: إنّه لن يؤدّيها عنك إلاّ أنت أو رجل منك»، وروى الترمذي وحسنّه وأحمد من حديث أنس، قال: بعث النبيّ (ص) براءة مع أبي بكر، ثمّ دعا عليّاً فأعطاها إيّاه وقال: «لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلاّ رجل من أهلي»، وفي مجمع الزوائد ج3، ص239:.. ثمّ قال لعلي (ع): «الحقه»، فردّ عليٌّ أبا بكر وبلّغها، قال: ففعل، فلمّا قدم على النبيّ (ص) بكى، قال: يا رسول الله، حدث فيّ شيء؟ قال: «ما حدث فيك إلاّ خيراً، ولكن أُمرتُ ألاّ يبلّغه إلاّ أنا أو رجل منّي»، قلتُ: في الصحيح بعضه، رواه أحمد ورجاله ثقات.
    التعديل الأخير تم بواسطة الراصد; الساعة 28-12-2011, 08:28 AM. سبب آخر: حذف الروابط

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم
      عن أبي موسى، أنّ رسول الله (ص) قال:
      «إذا مرّ أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل، فليأخذ بنصالها، ثمّ ليأخذ بنصالها، ثمّ ليأخذ بنصالها» . قال: فقال أبو موسى: والله ما متنا حتى سددناها بعضنا في وجوه بعض. وهذا شاهد من الصحابة على سوء بعض أعمالهم .

      * صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
      عمار قال: ولكن حذيفة أخبرني عن النبيّ (ص) قال: قال النبيّ (ص): «في أصحابي اثنا عشر منافقاً» .
      المنافقون كثيرون جداً، كما أثبت ذلك القرآن الكريم، وقد أثبت التاريخ ذلك أيضاً، ولا ينحصر عددهم باثني عشر، حتى أنّ ثلث جيش المسلمين في وقعة أحد رجعوا مع كبير المنافقين عبد الله بن أبي، فلا يبقى إذن إلاّ أن يكون هؤلاء المنافقون المذكورون في الحديث من المقرّبين للنبيّ (ص)، والحديث القادم يدل على ذلك .
      * البخاري، كتاب الأحكام، باب بطانة الإمام وأهل مشورته.
      «ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلاّ كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصمه الله تعالى». وهذا يدل على أنهم مقربين من النبيّ (ص) وبطانة له .

      * صحيح مسلم، كتاب وباب صفات المنافقين وأحكامهم.
      أبو الطفيل قال: كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله، كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك، قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أنّ اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله، في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعَذَر ثلاثة؛ قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله (ص)، ولا علمنا بما أراد القوم، وقد كان في حرّةٍ فمشى فقال: «إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد» فوجد قوماً قد سبقوه فلعنهم يومئذٍ .
      وحديث العقبة مشهور، أرادوا فيه أن ينفّروا ناقة النبيّ (ص) في رجوعه من غزوة تبوك، وكان حذيفة يقود الناقة في العقبة، وعمار يسوقها، أراد بعض الصحابة قتل النبيّ. وفي الحديث أنّ بعض الصحابة خالفوا النبيّ ولم يمتثلوا أوامره حتى لعنهم, وفيه جواز اللعن لأعداء الدين وأن تظاهروا بالإسلام.
      * صحيح البخاري، كتاب الصّوم، باب التّنكيل لمن أكثر الوصال.
      عن أبي هريرة (رض) قال: نهى رسول الله (|) عن الوصال في الصّوم .. فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوماً، ثمّ يوماً، ثمّ رأوا الهلال فقال : «لو تأخر لزدتكم» كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا .
      الصّحابة هنا يخالفون النبيّ (ص) بحضوره، مع أنه أمر عبادي، حتى نكّل بهم، فما ظنّك بهم بعد وفاته, ولا سيّما إذا كان يتناغم مع الدنيا، والتي كان النبيّ (ص) - يخشى عليهم من التنافس فيها كما نقل البخاري

      يتبع ان شاء الله

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم
        * صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب قوله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً } .
        عن جابر (رض) قال: بينما نحن نصلي مع النبيّ (ص)، إذ أقبلت من الشّام عير تحمل طعاماً، فالتفتوا إليها، حتى ما بقى مع النبيّ (ص) إلاّ اثنا عشر رجلاً فنزلت { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا } .
        الصحابة يتركون النبيّ (ص) يخطب قائماً، ويتوجّهون إلى الدّنيا ويتسابقون عليها ويتركون صلاتهم التي هي عمود الدين، فما بالك بالأمر الذي هو أعظم من هذا، وهو الخلافة، فلا غرابة من تركهم لإمامهم المنصّب من الله، وتركهم النبيّ (ص) مسجّى، وابتعادهم عن المسجد للسباق على الرئاسة في السقيفة .

        * صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ذكر إدريس (ع).
        عن أبي سعيد (رض) قال : بعث عليّ (رض) إلى النبيّ (ص) بذهيبة فقسمها بين الأربعة.. فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: «إنما أتألّفهم» فأقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كثّ اللحية، محلوق، فقال: اتّق الله يا محمّد، فقال: «من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنون لي ؟» فسأله رجل قتله - أحسبه خالد بن الوليد- فمنعه، فلمّا ولّى قال: «إنّ من ضئضيء هذا - أو في عقب هذا - قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين مروق السّهم من الرّمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد» .

        يغضب المهاجرون والأنصار على النبيّ (ص) لأمر دنيويّ، وذلك بعد فتح حنين، أي في آخر حياة النبيّ (ص)، فهل نستبعد مخالفة الوصيّة لكونها لا تنسجم مع أهوائهم، وقد رأيت مواقفهم من النبيّ (ص)؟ .

        * صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف.
        عن أنس قال: قال ناس من الأنصار، حين أفاء الله على رسوله (ص) ما أفاء من أموال هوازن، فطفق النبيّ (ص) يعطي رجالاً المئة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله (ص) يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا من دمائهم؟!.. فقال لهم النبيّ (ص): «ستجدون أثْرة شديدةً فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله (ص)، فإني على الحوض» قال أنس: فلم يصبروا .

        في هذا الحديث يتبيّن لنا أن جمعاً غفيراً من الصحابة أراد النبيّ (ص) أن يؤلّف قلوبهم للإسلام بإعطائهم المال؛ وهذا يعني أن توجههم كان بعيداً عن الإسلام، ومنهم من لم يسلّم بفعل النبيّ (ص)
        ومنهم من يضطهد الأنصار، والأنصار تجد أثرة شديدة، أي أنهم سوف يقعون تحت ظلم الحكام، وقد بدء ذلك من السقيفة والدعاء على كبيرهم سعداً بالموت، وامتدّت إلى تقسيم عمر المال، وتفضيل المهاجرين عليهم بالعطاء مع أنّ سنّة النبيّ (ص) التسوية بينهم، حتى وصلت الكرّة إلى معاوية فبدأ التنكيل بهم؛ لوقوفهم مع الإمام علي (ع) وتبعتها وقعة الحرّة بأمر يزيد بن معاوية، وهذا قسم آخر ظالم لإخوانه,
        وقسم أمرهم رسول الله بالصبر ولكنهم خالفوه ولم يصبروا كما في ذيل الحديث .
        يتبع ان شاء الله
        التعديل الأخير تم بواسطة سيد معد; الساعة 26-12-2011, 05:51 PM.

        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم
          * صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب إذا قال عند قوم شيئاً ثمّ خرج بخلافه.

          عن أبي المنهال قال: لمّا كان ابن زياد ومروان بالشام، ووثب بن الزبير بمكة، ووثب القرّاء بالبصرة، فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي، حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب، فجلسنا إليه، فأنشأ أبي يستطعمه الحديث، فقال: يا أبا برزة، ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلّم به، إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش، إنكم يامعشر العرب، كنتم على الحال الذي علمتم من الذلّة والقلّة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد (ص)، حتى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلاّ على الدنيا .

          صحابي يقسم بيقين أنّ مروان الصحابي يشهر السيف بوجوه المسلمين ويقتلهم ليس بحق، بل للدنيا، وقد مرّ علينا جزاء ذلك بأحاديث الصادق المصدق، وكذلك ابن الزبير ومن معه، وكذا من كان في البصرة، وهذا الحديث من هذا الصحابي يعطينا صورة وافية لما وصلت إليه الأمة من الانحراف بقيادة بعض الصحابة، والسبب في ذلك هو الملك وقيادة المجتمع, ولنا أن نسأل أنّ النبيّ (ص) الذي أرسل من الحكيم الخبير، الخالق العليم، يعلم بنفوس الناس، ويعلم أن من أهم الأسباب التي تهلك الأمم هي قضية الملك، هل يعقل أن يتركها ولم يفصّل لها أمرها بعد نبيها، ويجعلها مطمع لكل طامع، ويفصّل قضايا أخرى تفصيلاً دقيقاً، وهي لا ترتقى أن تصل إلى عشر معشار ما للخلافة من أهمية على مستوى حفظ الدين، وحفظ النفوس وحفظ الأمة من الضياع، على جميع الأصعدة؟.
          ثمّ إنّ هؤلاء أيضاً صحابة، وهم يتقاتلون من أجل الخلافة، وهم يعلمون أن قتالهم باطل، إذ إنّ الخلافة إن كانت بالنص - كما تقول الشيعة - فليسوا هم من أهلها، وإن كانت بالشورى كما يرى السنّة، فهم بعيدون عنها، وهم عند إخواننا السنّة عدول، فما المانع إذن إذا كان الصحابة بعد النبيّ (ص) تحركوا في السقيفة لأجل الدنيا وهم عدول أيضاً؟.
          * صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل النبيّ (ص) شيئاً قط فقال لا.
          عن أنس: أنّ رجلاً سأل النبيّ (ص) غنماً بين جبلين فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم، أسلموا، فوالله أنّ محمداً ليعطي عطاءً ما يخاف الفقر، فقال أنس: إنّ كان الرجل ليسلم ما يريد إلاّ الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها .
          وهذه القصة تبيّن الغاية من إسلام الكثير، وأن إسلامهم ما كان إلاّ نفاقاً وللدنيا، أمّا ذيل الحديث فليس من الصواب أن يكون مطلقاً؛ لأنا رأينا الكثير من الصحابة غرّتهم الدنيا، بل تقاتلوا من أجلها، كما أثبته الصحابي في الحديث السابق.
          * صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب بيعة النساء.
          عن أمّ عطية قالت: بايعنا النبيّ (ص) فقرأ علي: { أَن لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئاً }([1]) ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة منّا يدها فقالت: فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أجزيها، فلم يقل شيئاً، فذهبت ثمّ رجعت، فما وفت امرأة إلاّ أمّ سليم، وأمّ العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ، أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ.
          صحابيات يبايعن النبيّ على أمر، ولم تفي منهن إلاّ ثلاث فقط!!.
          * صحيح البخاري، كتاب فضائل الصّحابة، باب مناقب زيد بن حارثة.
          عن عبد الله بن عمر (رض) قال: بعث النبيّ (ص) بعثاً وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض النّاس في أمارته، فقال النبيّ (ص): «إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله، إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب النّاس إلي، وإنّ هذا لمن أحب النّاس إليّ بعده» .
          يطعنون في اختيار رسول الله (ص) لأسامة! وقد طعنوا في اختيار أبيه زيداً من قبل، فالقوم معتادون على الطعن في قرارات النبيّ (ص)، وهم يتلون قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا}([2])، وقوله تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا }([3]) . مع أنّ هذه الحادثة في السنة الأخيرة من حياته (ص) .
          * صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: { وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } .
          عن ابن عباس (رض)، عن النبيّ(|) قال: «إنّكم تحشرون حفاة عراة غُرلاً، ثمّ قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإن أناساً من أصحابي أخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم: فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ - إلى قوله - الحَكِيم}».
          وهذا الحديث له ألفاظ كثيرة، وهو واضح جدّاً في أنّ أناساً من أصحابه (ص) يذهب بهم ذات الشمال ، وموقع الشمال تجد تفسيره في سورة الواقعة .

          *صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرّة.
          عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): «ترد عليّ أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله» قالوا: يا نبي الله، أتعرفنا؟ قال: «نعم، لكم سِيَما ليست لأحد غيركم، تردون عليّ غرّاً محجّلين من آثار الوضوء، وليصدّن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يارب، هؤلاء من أصحابي، فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟» .
          * صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا .
          أنس بن مالك، أنّ النبيّ (ص) قال: «ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني، فلأقولنّ: أي ربّ، أصحابي، أصحابي! فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟!» .
          * صحيح لبخاري، كتاب الرقاق، باب الحوض.
          عن أبي هريرة أنه كان يحدّث أن رسول الله (ص) قال: «يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلَّؤون عن الحوض، فأقول: يا ربّ، أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري» وفي الحديث الذي بعده :
          عن ابن المسيب أنه كان يحدّث عن أصحاب النبيّ (ص) أن النبيّ (ص) قال: «يرد على الحوض رجال من أصحابي، فيحلؤون([1]) عنه، فأقول: ياربّ أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك؟! إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى».
          وقال شعيب: عن الزهري، كان أبو هريرة يحدّث عن النبيّ (ص): «فيجلون» وقال عقيل: «فيحلّؤون» والذي بعده: عن أبي هريرة، عن النبيّ (ص) قال: «بينا أنا نائم، إذا زمرة حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمّ، فقلت أين؟ قال: إلى النار والله، قلت وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أُراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم»([2]) .
          زمرة من الصحابة المعروفين، وليس من الأعراب؛ بقرينة - حتى إذا عرفتهم- يكون مصيرهم النار؛ لأنهم تراجعوا القهقرى عن مبادئ الإسلام، وهذا ما تلمسه من تراجع الكثير منهم في هذا البحث، وهذا الحديث الذي جاء بطرق متعددة، وبألفاظ مختلفة، وما نقلناه هنا كافٍ لمن توقّف في نسف قاعدة عدالة الصحابة، وكثير من أحاديث الفضائل المزعومة، ويثبت ما نقول به من أنّ الصحابة منهم الصالح ومنهم المسيء, وفيه تأييد لما تقول به الشيعة، من الوصية لأمير المؤمنين، ومخالفة أغلب الصحابة لذلك .
          وقد اورد الالباني حديثا في السلسلة الصحيحة برقم 2982 يؤيد هذا الحديث "ان من اصحابي من لا يراني بعد ان افارقه"
          * صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصيّة بالثلث.
          عن عامر بن سعد، عن أبيه (رض) قال : مرضت، فعادني النبيّ (ص)، فقلت يا رسول الله، ادع الله أن لا يردّني على عقبي ... الحديث .
          ومفاد هذا، أنّ حديث الحوض كان مشهوراً بين الصّحابة، وأنّ كثيراً منهم يؤمر بهم ذات الشمال؛ ولذا يسأل هذا الصّحابي نبيه (ص) أن يدعو له ألاّ يردّه الله على عقبه.

          يتبع ان شاء الله
          ([1]) يحلؤون عن الحوض: أي يصدون عنه ويمنعون من وروده . راجع: النهاية في غريب الحديث ج1، ص421 .

          ([2]) الهمل: ضوالّ الإبل، واحدها هامل، أي: إن الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة . النهاية في غريب الحديث ج5، ص274.




          ([1]) الممتحنة : 12.

          ([2]) الأحزاب : 36.

          ([3]) النساء : 65.
          التعديل الأخير تم بواسطة الراصد; الساعة 28-12-2011, 08:22 AM. سبب آخر: حذف الروابط

          تعليق


          • #6
            بسم الله الرحمن الرحيم
            * صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى:
            { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } .
            عن عبد الله قال: لما نزلت: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ }([1]) قال أصحاب النبيّ (ص): أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فنزلت: { لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }([2]) .
            وهذا لا ينسجم مع ما ذهب إليه السنّة من أنّ كل الصحابة عدول، وأنّ عمل الصحابي حُجّة، فالصحابة في هذا الحديث يعترفون أنّهم ألبسوا إيمانهم بظلم، وبهذا لا يكون فعلهم حجّة، عكس أهل البيت الذين طهّرهم الله من الدنس، وأمرنا بحبهم، وحثّنا النبيّ بمتابعتهم .
            * صحيح البخاري، كتاب الشّهادات، باب تعديل النّساء بعضهن بعضاً، (حديث الإفك).
            عائشة قالت: كان رسول الله إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه، فأيّتهن يخرج سهمها خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي، فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أُحمل في هودج وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله (ص) من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذين يرحلون لي فأحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أنّي فيه، وكان النّساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن، ولم يغشهنّ اللّحم، وإنما يأكلن العُلقة في الطّعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج، فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السنّ، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فأممت منزلي الذي كنت فيه، فظننت أنّهم سيفقدونني فيرجعون إليّ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت،
            وكان صفوان بن المعطّل السّلمي، ثمّ الذّكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حتى أناخ راحلته، فوطىء يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الرّاحلة، حتّى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرّسين في نحر الظّهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولّى الأفك عبد الله بن أبيّ بن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهراً، والنّاس يفيضون من قول أصحاب الإفك، ويريبني في وجعي أنّي لا أرى من النبيّ اللّطف الذي كنت أرى فيه حين أمرض، إنّما يدخل فيسلّم، ثمّ يقول:
            «كيف تيكم ؟» لا أشعر بشيء من ذلك حين نقهت، فخرجت أنا وأمّ مِسطح قِبل المناصع مُتَبَرَّزنا، لا نخرج إلاّ ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتّخذ الكُنُف قريباً من بيوتنا، وأمرُنا أمر العرب الأُول في البريّة، أو في التنـزّه، فأقبلت أنا وأمّ مسطح بنت أبي رُهم نمشي، فعثرت في مرطها فقالت: تَعِس مِسطح، فقلت لها : بئس ما قلت، أتسبّين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت:

            ياهنتاه، ألم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرتني بقول الإفك؛ فازددت مرضاً على مرضي، فلمّا رجعت إلى بيتي، دخل عليّ رسول (ص) فسلّم، فقال:
            «كيف تيكم؟» فقلت: ائذن لي إلى أبويّ - قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي رسول الله(ص)، فأتيت أبويّ، فقلت لأمّي: ما يتحدّث به النّاس؟ فقالت: يابنيّة هوّني على نفسك الشّأن، فوالله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها ولها ضرائر إلاّ أكثرن عليها، فقلت:

            سبحان الله، ولقد يتحدّث النّاس بهذا ؟ قالت: فبتّ تلك اللّيلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثمّ أصبحت، فدعا رسول الله (ص) عليّ بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي؛ يستشيرهما في فراق أهله، فأمّا أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الودّ لهم، فقال:
            أهلك يارسول الله، ولا نعلم والله إلاّ خيراً، وأما عليّ بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك . فدعا رسول الله (ص) بريرة، فقال:
            «يا بريرة، هل رأيت فيها شيئاً يريبك؟»، فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحقّ، إن رأيت منها أمراً أغمِصُه عليها قطّ، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن العجين، فتأتي الداجن فتأكله . فقام رسول الله في يومه فاستعذر من عبد الله بن أُبيّ بن سلول، فقال رسول الله (ص):
            «من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلاّ خيراً، وقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلاّ معي» فقام سعد بن معاذ فقال: يارسول الله، أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة - وهو سيّد الخزرج - وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحميّة فقال: كذبت لعمر الله، والله لا تقتله ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن الحضير فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتله، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين . فثار الحيّان الأوس والخزرج حتى همّوا، ورسول الله على المنبر، فنـزل فخفَّضهم حتى سكتوا وسكت ، وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتي ويوماً، حتى أظنّ أنّ البكاء فالق كبدي، قالت: فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله (ص) فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل فيّ ما قيل قبلها، وقد مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني، قالت: فتشهد ثمّ قال :
            «يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرّؤك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثمّ تاب تاب الله عليه، فلما قضى رسول الله (ص) مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله (ص)، قال: والله لا أدري ما أقول لرسول الله (ص)، فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله (ص) فيما قال، قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله (ص) قالت : وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: إنّي والله لقد علمت أنّكم سمعتم ما يتحدّث به النّاس، ووقرّ في أنفسكم، وصدّقتم به، ولئن قلت لكم إنّي بريئة - والله يعلم أنّي لبريئة - لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أنّي بريئة - لتصدّقنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلاّ أبا يوسف إذ قال:
            {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثمّ تحوّلت على فراشي وأنا أرجو أن يبرّئني الله، ولكن - والله - ما ظننت أن ينزل في شأني وحياً، ولأنا أحقر في نفسي من أن يُتكلّم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله (ص) في النّوم رؤيا يُبرّئني الله، فوالله ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أُنزل عليه الوحي، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحاء، حتى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق في يوم شاتٍ، فلما سُرِّي عن رسول الله (ص) وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال لي: «يا عائشة، أحمدي الله؛ فقد برّأك الله» قالت لي أمّي:
            قومي إلى رسول الله (ص)، فقلت:
            لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلاّ الله، فأنزل الله تعالى:
            {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ }
            ([3]) فلمّا أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصدّيق (رض): وكان ينفق على مِسطح بن أثاثة؛ لقرابته منه - والله لا أنفق على مِسطح شيئاً أبداً بعد ما قال لعائشة، فأنزل الله تعالى: { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ - إلى قوله - غَفُورٌ رَّحِيمٌ}([4])فقال أبو بكر الصدّيق: بلى والله، إنّي لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مِسطح الذي كان يجري عليه، وكان رسول الله (ص) يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: >يازينب، ما علمتِ؟ ما رأيتِ؟< فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمتُ عليها إلاّ خيراً، قالت: وهي التي كانت تُسامِينِي فعصمها الله بالورع .
            * صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب حديث الإفك.
            فيه اختلاف يسير، كقول عروة: لم يسمّ من أهل الإفك إلاّ حسّان بن ثابت، ومسطح بن أُثاثة، وحمنة بنت جحش، في ناس آخرين لا علم لي بهم، غير أنّهم عصبة كما قال تعالى..."
            * صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب حديث الإفك.
            هشام، عن أبيه قال: ذهبت أسبّ حسان عند عائشة، فقالت: لا تسبّه؛ فإنه كان ينافح عن رسول الله (ص)...."
            وقال محمد بن عقبة: حدّثنا عثمان بن فرقد، سمعت هشاماً عن أبيه قال: سببت حسان وكان ممن كَثَّر عليها. وأبوه عروة بن الزبير ، ومع سبّه للصحابة يعتبرونه عادلاً!
            في الحديث كثير من الأمور التي ترسم لنا صورة الصّحابة منها: أنّ من الصّحابة من تكلّم بالإفك، وفيهم من هو من أهل بدر! ورمى أمّ المؤمنين بالفاحشة نعوذ بالله، وقد علم المحقّقون أنّ الشّيعة بريئون من هذا القول والحمد لله، فقد اتّفق علماؤنا على أنّ نساء الأنبياء منزّهات من الفاحشة، وأمّا ما كان من خيانة امرأة نوح وامرأة لوط (‘) فهي خيانة دينيّة معنوية، لا أخلاقية حسّيّة, وهذه إحدى المظالم التی وقعت على الشيعة، والبهتان الذي أصابهم عبر العصور، ممن لا يتورعون، ولا يحققون فيما يقولون.
            وفي الحديث اتهام للنبيّ بسوء الظن لعائشة، حتى أثّر ذلك على تعامله الخارجي معها .
            ومن الأمور التي يشير إليها الحديث، أنّ أمّ عائشة تتّهم نساء النبيّ بالحديث، فإمّا أن تكون باهتةً لهنّ، وإمّا أن يكون قولها حقّاً، وفي كلتا الحالتين فهو ذنب كبير، سواء في ذلك البهتان من أمّ عائشة، أو البهتان من نساء النبيّ لعائشة، وكلّهنّ صحابيات. ومنه يتبيّن إسلام أغلب الصّحابة، وأنّهم سرعان ما يرجعون على ما هم عليه لمجرّد إثارة، فقد ثار الحيّان وكاد يقع القتال بينهما بمحضر النبيّ (ص)، وكادوا أن يرجعوا إلى ما كانوا عليه في الجاهليّة من قتال .

            لقد نسوا الإسلام، ونسوا أن من يقتل مؤمناً فجزاؤه جهنم خالداً فيها)، ونسوا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }([5]) وذهبوا إلى واقعهم، أوس وخزرج، لا أخوّة الإسلام وهذا بالضبط ما حدث عند وفاة النبيّ، فقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، ولم يجتمعوا في المسجد، وتركوا النبيّ (ص)، وظهر منهم العرف القبليّ وحميّة الجاهلية .
            وفي الحديث ان عائشة لم تقم الى النبي (ص) ولم تشكره , وما بنا من نعمة فمن الله ورسوله قال تعالى:"...وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله.."التوبة74
            وفي مجمع الزوائد ج4 ص309 وكذلك اورده الالباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغنى عنه . رواه البزار باسنادين والطبراني وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح ".
            يتبع ان شاء الله



            ([1]) الأنعام : 82.

            ([2]) لقمان : 13.

            ([3]) النور : 11.

            ([4]) النور : 22.

            ([5]) الحجرات : 9.
            التعديل الأخير تم بواسطة الراصد; الساعة 28-12-2011, 08:24 AM. سبب آخر: حذف الروابط

            تعليق


            • #7
              بسم الله الرحمن الرحيم

              صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد .

              عن المسوّر بن مخرمة ومروان قالا: خرج رسول الله (ص) زمن الحديبية، حتى كانوا ببعض الطريق، قال النبيّ (ص): «إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين» فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيراً لقريش، وسار النبيّ (ص) حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته. فقال النّاس : حَلْ حَلْ. فألحّت، فقالوا: خلأت([1]) القصواء، خلأت القصواء. فقال النبيّ (ص) : «ما خلأت القصواء، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» ثمّ قال: «والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إيّاها». ثمّ زجرها فوثبت... فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله (ص) من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل([2])، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت. فقال رسول الله(ص): «إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب، وأضرّت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدّة، وخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلاّ فقد جمّوا، وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده، لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي([3])، ولينفذن الله أمره»

              فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول. قال: فانطلق حتى أتى قريشاً، قال: إنا قد جئناكم من هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدّثهم بما قال النبيّ (ص). فقام عروة بن مسعود فقال : أي قوم ... فقال له أبو بكر: امصص بظر اللاّت، أنحن نفرُّ عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر ... وجعل يكلّم النبيّ (ص) فكلّما تكلّم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبيّ (ص) ومعه السّيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله (ص) ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله (ص). فرفع عروة رأسه فقال: من هذا ؟ قالوا: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غُدَر، ألستُ أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثمّ جاء فأسلم، فقال النبيّ (ص):
              >أمّا الإسلام فأقبل، وأمّا المال فلست منه في شيء».... فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبيّ (ص): «هذا مكرز وهو رجل فاجر». فجعل يكلّم النبيّ (ص)، فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمر. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة، أنّه لمّا جاء سهيل بن عمرو قال النبيّ (ص): «لقد سَهُل لكم من أمركم». قال معمر: قال الزهريّ في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال:
              هات، أكتب بيننا وبينكم كتاباً، فدعا النبيّ (ص) الكاتب، فقال النبيّ (ص):
              «بسم الله الرحمن الرحيم» قال سهيل: أمّا الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن أكتب: بسمك اللّهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلاّ بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبيّ (ص): «اكتب: باسمك اللّهم». ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله» فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولاقاتلناك، ولكن اكتب: محمّد بن عبد الله. فقال النبيّ (ص): «والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» قال الزهريّ:
              وذلك لقوله:
              «لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إيّاها» فقال له النبيّ (ص): «على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به». فقال سهيل : والله لا تتحدّث العرب أنّا أُخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل. فكتب. فقال سهيل: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل - وإن كان على دينك - إلاّ رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يردّ إلى المشركون وقد جاء مسلماً؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبوجندل بن سهيل بن عمر يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكّة، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل:
              هذا يا محمّد أوّل ما أقاضيك عليه أن ترده اليّ. فقال النبيّ (ص):
              «إنّا لم نقض الكتاب بعد<. قال فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً. قال النبيّ (ص): «فاجزه لي». قال: ما أنا بمجيزه لك. قال : «بلى فافعل». قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذاباً شديداً في الله. قال: فقال عمر بن الخطّاب: فأتيت نبيّ الله (ص) فقلت: ألست نبيّ الله حقّا؟ قال: «بلى» قلت: ألسنا على الحقّ، وعدوّنا على الباطل ؟ قال:
              «بلى». قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذاً ؟ قال: «إنّي رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري». قلت: أوليس كنت تحدّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى، فأخبرتك أنّا نأتيه العام». قال: قلت: لا. قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به». قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقاً ؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحقّ، وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال: أيّها الرّجل إنه لرسول الله (ص) وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنّه على الحقّ. قلت: أليس كان يحدّثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت: لا، قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. قال الزهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله (ص) لأصحابه:
              «قوموا فانحروا، ثمّ أحلقوا» قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أمّ سلمة، فذكر لها ما لقي من النّاس، فقالت أمّ سلمة: يانبيّ الله، أتحبّ ذلك؟ اخرج ثمّ لا تكلّم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلّم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً...
              ثمّ رجع النبيّ (ص) إلى المدينة، فجاءه أبو بصير - رجل من قريش - وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا. فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيّداً. فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيّد، لقد جربت به ثمّ جرّبت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد، وفرّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو. فقال رسول الله (ص) حين رآه:
              «لقد رأى هذا ذعراً». فلما انتهى إلى النبيّ (ص) قال:
              قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يانبيّ الله، قد والله أوفى الله ذمّتك، قد رددتني إليهم ثمّ أنجاني الله منهم. قال النبيّ (ص):
              «ويل أمّه مسعر حرب، لو كان له أحد». فلما سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر. قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلاّ لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بِعير خرجت لقريش إلى الشام إلاّ اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبيّ (ص) تناشده بالله والرّحم لمّا أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبيّ (ص) إليهم، فأنزل الله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ - حتى بلغ -الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 24] وكانت حميتهم أنهم لم يقرّوا أنه نبيّ الله، ولم يقرّوا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
              ملاحظات كثيرة في طيّات الحديث، منها: أنّ أبا بكر يفحش بالقول (امصُصْ بظر اللاّت) والذي لا يليق أن ينطق به مطلقاً، فضلاً عن أن ينطق به بمحضر النّبي(ص). ومنها: كيفية إسلام المغيرة، وأنّه غدر، وأخذ أموال من غدر بهم، ثمّ جاء وأسلم، فيتبيّن - والله العالم - أنّ إسلامه كان لأجل حقن دمه؛ لجأ إليه لكي يأمن الطلب بعد غدره وأخذ أموال النّاس؛ ولذا نراه مائلاً عن الحق طول حياته، فقد زنا بالبصرة، وشهد عليه الصّحابي أبو بكرة وغيره، وانحرافه عن علي وسبّه إيّاه معلوم .
              وفي الحديث أيضاً أنّ الصّحابة جميعاً خالفوا أمره (ص). وفيه دلالة على أنّ الصّحابة يمكن أن يخالفوا النبيّ مجتمعين على ذلك، فليس صحيحاً إذاً ما يتذرّع به المتذرّعون من قولهم: كيف يخالف الصّحابة النبيّ (ص) لو كان موصياً بالخلافة لعليّ (ع)؟ وربّما قال قائل: ولكنّ الصّحابة هنا رجعوا إلى طاعة النبيّ (ص)، فنقول: إنّ رجوعهم كان بسبب وجوده الشريف، ولو كان (ص) غير موجود وحدث أمر فإنّهم من الممكن أن يستمروا عليه، كما حصل في تحريم المتعة، وإتمام الصلاة في السفر، وغيرها من أمور التزم بها الصحابة، وهي مخالفة للشريعة .


              ([1]) خلأت: أي بركت من غير علّة وحزنت ـ عون المعبود ـ العظيم آبادي ـ ج7، ص316 .

              ([2]) جمع عائذ، وهي الناقة ذات اللبن، والمطافيل: الأمّهات اللاّتي معها أطفالها فتح الباري ـ ابن حجر ـ ج5، ص246.

              ([3]) السالفة: صفحة العنق، و كنّى بذلك عن القتل. فتح الباري ـ ابن حجر ـ ج5، ص247 .


              التعديل الأخير تم بواسطة الراصد; الساعة 28-12-2011, 08:25 AM. سبب آخر: حذف الروابط

              تعليق


              • #8
                بسم الله الرحمن الرحيم

                صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد .

                عن المسوّر بن مخرمة ومروان قالا: خرج رسول الله (ص) زمن الحديبية، حتى كانوا ببعض الطريق، قال النبيّ (ص): «إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين» فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيراً لقريش، وسار النبيّ (ص) حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته. فقال النّاس : حَلْ حَلْ. فألحّت، فقالوا: خلأت([1]) القصواء، خلأت القصواء. فقال النبيّ (ص) : «ما خلأت القصواء، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» ثمّ قال: «والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إيّاها». ثمّ زجرها فوثبت... فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله (ص) من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل([2])، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت. فقال رسول الله(ص): «إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب، وأضرّت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدّة، وخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلاّ فقد جمّوا، وإن هم أبوا، فوالذي نفسي بيده، لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي([3])، ولينفذن الله أمره»

                فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول. قال: فانطلق حتى أتى قريشاً، قال: إنا قد جئناكم من هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدّثهم بما قال النبيّ (ص). فقام عروة بن مسعود فقال : أي قوم ... فقال له أبو بكر: امصص بظر اللاّت، أنحن نفرُّ عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر ... وجعل يكلّم النبيّ (ص) فكلّما تكلّم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبيّ (ص) ومعه السّيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله (ص) ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله (ص). فرفع عروة رأسه فقال: من هذا ؟ قالوا: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غُدَر، ألستُ أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثمّ جاء فأسلم، فقال النبيّ (ص):
                >أمّا الإسلام فأقبل، وأمّا المال فلست منه في شيء».... فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبيّ (ص): «هذا مكرز وهو رجل فاجر». فجعل يكلّم النبيّ (ص)، فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمر. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة، أنّه لمّا جاء سهيل بن عمرو قال النبيّ (ص): «لقد سَهُل لكم من أمركم». قال معمر: قال الزهريّ في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال:
                هات، أكتب بيننا وبينكم كتاباً، فدعا النبيّ (ص) الكاتب، فقال النبيّ (ص):
                «بسم الله الرحمن الرحيم» قال سهيل: أمّا الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن أكتب: بسمك اللّهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلاّ بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبيّ (ص): «اكتب: باسمك اللّهم». ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله» فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولاقاتلناك، ولكن اكتب: محمّد بن عبد الله. فقال النبيّ (ص): «والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» قال الزهريّ:
                وذلك لقوله:
                «لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إيّاها» فقال له النبيّ (ص): «على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به». فقال سهيل : والله لا تتحدّث العرب أنّا أُخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل. فكتب. فقال سهيل: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل - وإن كان على دينك - إلاّ رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يردّ إلى المشركون وقد جاء مسلماً؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبوجندل بن سهيل بن عمر يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكّة، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل:
                هذا يا محمّد أوّل ما أقاضيك عليه أن ترده اليّ. فقال النبيّ (ص):
                «إنّا لم نقض الكتاب بعد<. قال فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً. قال النبيّ (ص): «فاجزه لي». قال: ما أنا بمجيزه لك. قال : «بلى فافعل». قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذاباً شديداً في الله. قال: فقال عمر بن الخطّاب: فأتيت نبيّ الله (ص) فقلت: ألست نبيّ الله حقّا؟ قال: «بلى» قلت: ألسنا على الحقّ، وعدوّنا على الباطل ؟ قال:
                «بلى». قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذاً ؟ قال: «إنّي رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري». قلت: أوليس كنت تحدّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى، فأخبرتك أنّا نأتيه العام». قال: قلت: لا. قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به». قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقاً ؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحقّ، وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال: أيّها الرّجل إنه لرسول الله (ص) وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنّه على الحقّ. قلت: أليس كان يحدّثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت: لا، قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. قال الزهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله (ص) لأصحابه:
                «قوموا فانحروا، ثمّ أحلقوا» قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أمّ سلمة، فذكر لها ما لقي من النّاس، فقالت أمّ سلمة: يانبيّ الله، أتحبّ ذلك؟ اخرج ثمّ لا تكلّم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلّم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً...
                ثمّ رجع النبيّ (ص) إلى المدينة، فجاءه أبو بصير - رجل من قريش - وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا. فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيّداً. فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيّد، لقد جربت به ثمّ جرّبت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد، وفرّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو. فقال رسول الله (ص) حين رآه:
                «لقد رأى هذا ذعراً». فلما انتهى إلى النبيّ (ص) قال:
                قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يانبيّ الله، قد والله أوفى الله ذمّتك، قد رددتني إليهم ثمّ أنجاني الله منهم. قال النبيّ (ص):
                «ويل أمّه مسعر حرب، لو كان له أحد». فلما سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر. قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلاّ لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بِعير خرجت لقريش إلى الشام إلاّ اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبيّ (ص) تناشده بالله والرّحم لمّا أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبيّ (ص) إليهم، فأنزل الله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ - حتى بلغ -الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 24] وكانت حميتهم أنهم لم يقرّوا أنه نبيّ الله، ولم يقرّوا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
                ملاحظات كثيرة في طيّات الحديث، منها: أنّ أبا بكر يفحش بالقول (امصُصْ بظر اللاّت) والذي لا يليق أن ينطق به مطلقاً، فضلاً عن أن ينطق به بمحضر النّبي(ص). ومنها: كيفية إسلام المغيرة، وأنّه غدر، وأخذ أموال من غدر بهم، ثمّ جاء وأسلم، فيتبيّن - والله العالم - أنّ إسلامه كان لأجل حقن دمه؛ لجأ إليه لكي يأمن الطلب بعد غدره وأخذ أموال النّاس؛ ولذا نراه مائلاً عن الحق طول حياته، فقد زنا بالبصرة، وشهد عليه الصّحابي أبو بكرة وغيره، وانحرافه عن علي وسبّه إيّاه معلوم .
                وفي الحديث أيضاً أنّ الصّحابة جميعاً خالفوا أمره (ص). وفيه دلالة على أنّ الصّحابة يمكن أن يخالفوا النبيّ مجتمعين على ذلك، فليس صحيحاً إذاً ما يتذرّع به المتذرّعون من قولهم: كيف يخالف الصّحابة النبيّ (ص) لو كان موصياً بالخلافة لعليّ (ع)؟ وربّما قال قائل: ولكنّ الصّحابة هنا رجعوا إلى طاعة النبيّ (ص)، فنقول: إنّ رجوعهم كان بسبب وجوده الشريف، ولو كان (ص) غير موجود وحدث أمر فإنّهم من الممكن أن يستمروا عليه، كما حصل في تحريم المتعة، وإتمام الصلاة في السفر، وغيرها من أمور التزم بها الصحابة، وهي مخالفة للشريعة .

                يتبع ان شاء الله

                ([1]) خلأت: أي بركت من غير علّة وحزنت ـ عون المعبود ـ العظيم آبادي ـ ج7، ص316 .

                ([2]) جمع عائذ، وهي الناقة ذات اللبن، والمطافيل: الأمّهات اللاّتي معها أطفالها فتح الباري ـ ابن حجر ـ ج5، ص246.

                ([3]) السالفة: صفحة العنق، و كنّى بذلك عن القتل. فتح الباري ـ ابن حجر ـ ج5، ص247 .


                التعديل الأخير تم بواسطة الراصد; الساعة 28-12-2011, 08:26 AM. سبب آخر: حذف الروابط

                تعليق


                • #9
                  بسم الله الرحمن الرحيم* صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب ما يكره من التّنازع والاختلاف في الحرب .عن البراء بن عازب قال: جعل النبيّ (ص) على الرجّالة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلاً - عبد الله بن جبير فقال : «إن رأيتمونا تخطّفنا الطير، فلا تبرحوا مكانكم هذا حتّى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم» فهزموهم. قال: فأنا - والله - رأيت النّساء يشتددن قد بدت خلالُهنّ وسُوقُهنّ رافعات ثيابهنّ، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمةَ - أي قوم الغنيمةَ ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله (ص)؟ قالوا: والله لنأتينّ النّاس فلنصيبنّ من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرّسول في أخراهم، فلم يبق مع النبيّ (ص) غير اثني عشر رجلاً، فأصابوا منّا سبعين، وكان النبيّ (ص) وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، وسبعين أسيراً، وسبعين قتيلاً، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمّد ؟ ثلاث مرّات، فنهاهم النبيّ (ص) أن يجيبوه، ثمّ قال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثلاث مرّات، ثمّ قال: أفي القوم ابن الخطّاب؟ ثلاث مرّات، ثمّ رجع إلى أصحابه فقال: أمّا هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك عمر نفسه فقال: كذبت والله يا عدوّ الله، إن الذين عددت لأحياء كلّهم، وقد بقي لك ما يسوؤك قال([1])[FONT=Times New Roman][COLOR=#000000] : يوم بيوم بدر، والحرب سجال، إنّكم ستجدون في القوم مُثلةً لم آمر بها ولم تسؤني، ثمّ أخذ يرتجز اُعْلُ هُبلْ، اُعلْ هبل. قال النبيّ (ص): «ألا تجيبوا له؟» . قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: [B]>قولوا: الله أعلى وأجلّألا تجيبوا له؟قولوا الله مولانا ولا مولى لكملن تضلوااكتب لكم كتاباً لن تضلّوا
                  التعديل الأخير تم بواسطة الراصد; الساعة 29-12-2011, 08:26 AM. سبب آخر: حذف الروابط

                  تعليق


                  • #10
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    * صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب قوله تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ ...} .
                    عن أنس (رض) قال: غاب عمّي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله، غبت عن أوّل قتال قاتلتَ المشركين، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللّهم إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثمّ تقدّم، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النضر، إني أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رميه بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثّل به المشركون، فما عرفه أحد إلاّ أخته ببنانه. قال أنس كنا نرى - أو نظن - أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }([1]) الآية .
                    وهكذا يكون موقف المؤمن الحقيقي الذي يرجو ما عند الله، أمّا الآخرون فقد خالف الكثير منهم النبيّ (ص) في رأيه في البقاء داخل المدينة، وقتال المشركين منها، وهربت طائفة من الزحف، وتركت طائفة أخرى مراكزهم التي أمرهم النبيّ (ص) أن لا يفارقوها، ولم يثبت معه إلاّ الأوحدي من الرجال .
                    * صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الشّجاعة في الحرب والجبن.
                    جبير بن مطعم: أنّه بينما هو يسير مع رسول الله (ص) ومعه النّاس مقفلة من حنين، فَعلِقه النّاس يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرةٍ فخطفت رداءه، فوقف النبيّ (ص) فقال: >أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه([2]) نعماً لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً<.
                    لأمر دنيوي يضايقون النبيّ (ص) إلى هذه الدرجة، ولنفترض والفرض سهل المؤونة أنّ نبيّ الله (ص) كان ملكاً والتّاج على رأسه، وأبّهة الملوكيّة بين يديه، هل يتصوّر أن يتصرّف معه عاقل هذا التصرف؟ قطعاً لا يتصرفون، والمؤمن يعلم أنّ منزلة رسول الله (ص) لا تقاس بها الملوك، فهي أعظم وأعظم؛ ولذا جعل المشرّع مجرّد رفع الصوت فوق صوته مدعاة لحبط العمل، فهل عرف هؤلاء الصّحابة رسول الله حق معرفته , أم أنهم عرفوه، وبالرغم من ذلك تغلب عليهم حب الدنيا؟.
                    * صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب سعد بن معاذ (رض).
                    عن جابر، سمعت النبيّ (ص) يقول: >اهتزّ العرش لموت سعد بن معاذ<. فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتزّ السّرير. فقال: إنّه كان بين هذين الحيّين ضغائن، سمعت النبيّ (ص) يقول: >اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ< .
                    صحابيّ يقرّر أنّ صحابيّاً آخر حرّف الحديث؛ لوجود ضغائن قديمة، وأن الحقد القديم باقٍ، حتى إنه يدعوهم إلى تحريف الدين وطمس الفضائل، فكيف بِحقدِ بني أميّة على رسول الله وأهل بيته، ألا يضعون أحاديث ويحرّفون أخرى؟. وفي الحديث أن الصّحابة يمكن أن يكذبوا على النبي(ص) .
                    * صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب من حدّث بمشاهده في الحرب.
                    عن السّائب بن يزيد قال:
                    صحبت طلحة بن عبيد الله، وسعداً، والمقداد بن الأسود، وعبد الرحمن بن عوف (رض)، فما سمعت أحداً منهم يحدّث عن رسول الله (ص)، إلاّ أنّي سمعت طلحة يحدّث عن يوم أحد .
                    وهذا الحديث يؤيّد الروايات الكثيرة التي جاءت بخصوص منع الخلفاء تدوين الحديث، وأمرهم أن لا يتحدثوا في السنّة - راجع كتاب منع تدوين الحديث للسيد علي الشهرستاني- . ويدلّ أيضاً على أن الغالب منهم ليسوا أهلاً لحمل الرسالة؛ لأنّهم يكتمون علم الله، ويؤيّد قولنا بأن الله تعالى أعد أهل البيت (^) لحمل الرسالة.
                    * صحيح البخاري، كتاب الإيمان باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، ح 31.
                    عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرّجل([3]) . قال ارجع فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: >إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار<([4]) .
                    صحابي يعتقد أنّ الصّحابة يدخلون النّار من كلا الطرفين المتحاربين ، ونحن نقول بضلال فرقة واحدة، فنحن أخفّ وطأة و أيسر حالاً من السلف الصالح - الصحابة- الذين يأمرنا إخواننا باتباعهم، فلماذا لا يقبل منا ذلك؟ وإذا كان السلفية يتبعون السلف الصالح - الصحابة العدول- جميعاً، فهذا الصحابي يعتقد بكفر الصحابة الذين قتلوا في حصار عثمان، ووقعة الجمل، وصفين، والنهروان، ووقعة الحرة، وكربلاء، والتوابين وغيرها من والوقائع، فهم إما يؤمنون بهذا، أو أنهم يقولون إنّ هذا الصحابي مخطئ في توجيه هذا الحديث. فنقول: وهذا ما نقول به، أننا لا يمكن أن نتبع الصحابة جميعاً؛ فبعضهم يخطئ، وبعضهم يصيب، ولابدّ من اختيار أهل العلم والتقوى والسداد منهم .
                    يتبع ان شاء الله



                    ([1]) الأحزاب: 23 .

                    ([2]) العِضَاه: شجر له شوك. راجع: فتح الباري ج9، ص330.

                    ([3])قال ابن حجر في شرحه للحديث في كتابه فتح الباري ج1، ص80 : ذهبت لأنصر هذا الرجل، يعني علياً، كذا هو في مسلم من هذا الوجه وقد أشار إليه المؤلف في الفتن ولفظه: أُريد نُصرة ابن عمّ رسول الله (ص). زاد الإسماعيلي في روايته يعني علياً. وأبو بكرة بإسكان الكاف هو الصحابي المشهور...

                    ([4]) نقل الهيثمي في مجمع الزوائد ج9، ص150: عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحةيومئذٍ بسهم، فوقع في عين ركبته، فما زال يسيح إلى أن مات. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. ونقلالحاكم في مستدركه ج3، ص371 : لمّا كان يوم الجمل نادى علي في الناس : >لا ترموا أحداً بسهم، ولا تطعنوا برمح؛ ولا تضربوا بسيف، ولا تطلبوا القوم، فإن هذا مقام من أفلح فيه فلح يوم القيامة<. قال : فتوافقنا، ثمّ إن القوم قالوا بأجمع : يا ثارات عثمان، قال: وابن الحنفية إمامنا بربوة معه اللواء، قال: فناداه علي، قال: فأقبل علينا يعرض وجهه،فقال يا أمير المؤمنين: يقولون: يا ثارات عثمان، فمدّ علي يديه وقال: >اللهم أكبّ قتلة عثمان اليوم بوجوههم<. ثمّ إن الزبير قال للأساورة كانوا معه قال: >أرموهم برشق، وكأنه أراد أن ينشب القتال، فلما نظر أصحابه إلى الإنتشاب لم ينتظروا وحملوا فهزمهم الله، ورمى مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله بسهم فشك ساقه بجنب فرسه، فقبض به الفرس حتى لحقه فذبحه، فالتفت مروان إلى أبان بن عثمان وهو معه، فقال: لقد كفيتك أحد قتلة أبيك.

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X