إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشهـادة وفلسفة الموقف الحسيني....

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشهـادة وفلسفة الموقف الحسيني....

    فلسفة الموقف الحسيني

    الشهادة تعني: الحضور، والإبصار، والإخبار، والشهود، والصدق، والأمانة، والوعي
    للشخص الذي تتطلع إليه العيون، وهي تعني أخيراً: القدوة والنموذج.

    الشهادة في قاموسنا ليست حادثاً دامياً منغصاً كما هي عند بعض الأمم في تاريخها
    مجرد تضيحة يقدم عليها أحد الأبطال إذ يُقتل بيد عدوه في ساحة القتال فيكون موته مبع
    ث ألم ويكون اسمه "شهيداً" وموته "شهادة"!

    لا!! الشهادة في معارفنا ليست موتاً يفرضه العدو على (المجاهد) بل الشهادة اختيار واعٍ
    يقدم عليه المجاهد بكل طواعية ووعي وإدراك ويختاره بدافع ذاتي بعيد!

    ذاك هو الحسين، فيه وبموقفه تمثلت الشهادة وتمثل الشهيد!!

    لقد ترك مدينته وخرج من بيته نافضاً يديه من الحياة مختاراً الموت حيث كان لا يملك في
    مواجهة عدوه سوى هذا السلاح العظيم، الموت. وبهذا السلاح واجه العدو وفضحه وهتك
    أقنعته، وهو إن لم يكن في مقدوره قهر العدو وهزيمته في ساحة القتال، ففي مقدوره، عبر
    الموت، أن يفضح هذا العدو. إنه كإنسان أعزل، وحيد، وفي نفس الوقت مدرك لمسؤوليته
    لم يكن يملك إلا سلاحه الواحد: تلك الموتة الحمراء!

    إن "حسينيته" تضعه في موقع المسؤولية للنضال ضد كل أنواع الاضطهاد والإذلال.
    ولما لم يكن لديه من سلاح سوى وجوده فقد حمله على راحتيه وبرز به إلى مقتله، ثم
    بخطى واعية ثابتة دقيقة التنظيم كانت مسيرته إلى تلك الشهادة، وعقب كل مرحلة كان يقطعها
    وهو يحثّ السير إلى هدفه كان يشير ويوضح إلى أنصاره، أولئك الذين رافقوه ليموتوا معه
    ثم إلى أهل بيته ـ الذين هم كل ما يمتلكه من الحياة ـ إلى هؤلاء جميعاً الذين جاء بهم ليضحي
    بهم على محراب الشهادة، كان يشير ويوضح معنى مسيرته ومغزى أهدافها ومعنى الموت
    الذي هو وهم، في الطريق الآن إليه!!

    ولقد قال الحسين يومذاك كلمته وأدى دوره!!


    النهضة الحسينية

    لقد كان الإيمان الذي يتعرض للانهيار ومصير الناس الذين وقعوا أسرى ظلم واضطهاد
    أشد مما كانا في الجاهلية والذين يطمحون إلى الحرية والعدل، هؤلاء كلهم كانوا ينظرون
    ماذا سيصنعه البطل!!
    أما هذا البطل الذي كان وحيداً أعزل بلا سلاح، فقد أظهر ببطولة نادرة حين جاء بكيانه
    ووجوده وحياته، وجاء بأهل بيته وأعز الناس على قلبه، ليشهد ويشهدهم أنّه أدى ما
    عليه في عصر كان الحق فيه مثله، بلا سلاح
    وعلى هذا فهو في اليوم العاشر من محرم يتلقى دم طفله الذبيح بيده فيصعده إلى السماء
    قائلاً: "انظر واشهد وتقبل هذا القربان"، وفي عصر كهذا فإن "موت رجل" يكون ضماناً
    لحياة أمة وأساساً لبقاء عقيدة، وتكون "شهادته" إثباتاً لجريمة كبرى وهتكاً لأقنعة الخداع
    والزيف ولأقنعة الظلم والقسوة الحاكمة وإدانة لسحق القيم ومحوها من الأذهان
    بل إنه احتجاج أحمر على التحكم الأسود وصرخة غضب في صمت قطع الحناجر!

    إن الشهادة هي الشيء الذي يتغلغل في أعماق التاريخ لتكون قدوة لمن يأتي ويريد أن
    يكون، وهي إدانة لهذا العصر الذي يمضي بصمت، ثم أنها الطريق الوحيد وشكل المقاومة
    الوحيد وعلامة الحضور والدفاع عن العدل والصدق والحق الذي جرّده، بالخيانة والباطل
    والظلم، نظام هذا العصر من سلاحه ثم دكّ قلاعه وقواعده وأباد أنصاره وطلاّبه وهدد
    الإنسانية كلها بخطر الموت النهائي. كل هذه المعاجز تنبثق من "الشهادة" وفي كل هذا
    العصر لا بد من مصلح منتظر، والسنة الستون تطلب هذا المصلح المنتظر، بل لا بد من
    "قائم" في أطلال هذه المقبرة السوداء الصامتة!!

    ولقد كان الحسين يعي أهمية هذه الرسالة التي وضعها مصير الإنسان على عاتقه، لذلك
    بادر بالخروج من مكة إلى مصرعه وهو يعلم أنّ التاريخ ينتظر وينظر إليه، وأن الزمن
    الذي يعود إلى الوراء على يد الرجعية يتطلع إليه ليتقدم، والناس المستسلمون للأسر
    بدون مقاومة في حاجة إلى نهوضه وإلى صرخته، وأخيراً فإن "رسالة الله" التي وقعت
    في أيدي الشياطين تريد منه أن يشهد "على هذه الجريمة" بموته، وذلك معنى قوله:
    "شاء الله أن يراني قتيلاً".


    الشهادة والشهيد

    والشهادة في منهجنا العلمي لها مفهوم خاص وهو: أن الإنسان من حيث تكوينه هو مزيج
    من نزعات ربانية وأخرى شيطانية، من "حمأ" وروح، ثم هو خليط من "أسمى السمو"
    و"أقصى الانحطاط". أما تأثيرات الدين والعبادة والرياضة الروحية وفعل الأخير فهي لصالح
    السمو وردع عناصر الانحطاط وإضعاف للنـزعات الشيطانية لصالح النـزعات الإلهية
    وأما الشهادة، فهي عمل مفاجىء يُحدِث تحوّلاً ربانياً في الجانب الحقير والمنحط من الإنسان
    إثر عملية توهج واحتراق في نار العشق والإيمان، ليصبح ذلك الإنسان طاقة نورانية
    إلهية محضة.

    من هنا، كان الشهيد لا يُغسّل ولا يُكفّن، ولا يحاسب يوم القيامة، لأن ذنوبه كانت قبل
    الشهادة وهو ضحى قبل أن يموت و"حضر الآن". لذلك كان الحسين(عليه السلام) ليلة
    العاشر من محرم يتنظّف ويستحم ويلبس أفضل الثياب ويسكب أفضل الطيب، وكان في أشد
    ساعات القتل والدم والإبادة والتأهب للموت وتكدّس أجساد الشهداء من حوله، تتلألأ
    ملامحه وتضيء أساريره ويخفق قلبه بشوق أكبر لأنه يعلم أن ثمة فاصلاً قليلاً بينه
    وبين الحضور، لأن الشهادة حضور أيضاً.

    ثم أنّ الشهادة تختلف في نظرنا عما هي عليه في تاريخ الأمم من أنها مصير محتوم بالموت
    للبطل (تراجيديا). الشهادة في قاموسنا "درجة" فهي ليست وسيلة إنما هي هدف، إنها
    أصالة وتكامل وسمو، إنها مسؤولية كبرى وصعود من أقصر الطرق إلى معارج الإنسانية
    إنها منهج، وفي جميع العصور، إذا ما هُددت عقيدة بالإنهيار، فإن أنصارها يدافعون عنها
    بالجهاد ويضمنون استمرارهم واستمرارها بقوة الدفاع والنضال، أما إذا عجزوا عن
    المقاومة ولم يمتلكوا وسائل الدفاع وضعفت لديهم الإمكانيات، فإنهم سيحافظون على
    إيمانهم وعزتهم ومستقبل تاريخهم "بالشهادة". فالشهادة دعوة لكل الأجيال في كل العصور
    إذا استطعت إنتزع الحياة وإلاّ فقدتها!

    ماذا بعد الشهادة؟

    ماذا نحن، ومن نحن، وكيف نحن، بعد الشهادة!!

    الآن.. مات الشهداء ونحن الأموات.. أحياء!

    لقد قال الشهداء كلمتهم ونحن الصم المخاطبون!

    الشهداء الذين كانت لديهم الشجاعة على اختيار الموت ما داموا غير قادرين على الحياة!

    الشهداء الذين أدوا رسالتهم وأنهوا مهماتهم ومضوا بهدوء بعد ما بذلوا وما ضحّوا
    على أكمل وجه، فاختاروا موتاً مليئاً بالحياة وبروعة الجمال!

    جميعهم بدون استثناء، المعلم والمؤذن، والشيخ والشاب، الكبير والصغير، المرأة والخادم
    السيد والشريف، كلهم أعطوا دروساً وأصبحوا قدوة لمن جاء بعدهم، من طفل الحسين
    إلى إخوته، ومنه إلى غلامه، ومن قارىء القرآن إلى معلم أطفال الكوفة، ومن المؤذن
    إلى القريب والبعيد، ثم من الشريف المبرز في مجتمعه إلى المحروم من كل مركز اجتماعي
    كلهم وقفوا متكاتفين بين يدي الشهادة ليقولوا لجميع الرجال والنساء والأطفال والشيوخ
    والشبان، على مدى الأيام، كيف يعيشون إذا قدروا، وكيف يموتون إذا لم يقدروا على الحياة
    . وتلك كان مهمتهم الأولى التي أدوها...

    أما المهمة الثانية فهي شهادتهم في محكمة التاريخ...

    وهي شهادة بالدم لا بالكلمة..

    لقد شهدوا جميعاً ـ وكل منهم شهد ممثلاً لطبقته ـ بأن نظاماً واحداً كان يحكم تاريخ
    البشرية ويتحكم بهذا التاريخ.

    نظامٌ سخّر السياسة والاقتصاد والدين والفن والفكر والفلسفة والأخلاق والذوق والبشرية
    ليصنع من ذلك كله قواعد لدولة الظلم والجور والجريمة، مضحّياً بالإنسان على مذبح
    مطامعه ثم متحكماً بهذا الإنسان وقيمه.

    وعلى رأس هذا النظام، يتحكم بقيم الإنسانية ويحكم التاريخ بالقسر، جلاد راحت ضحية
    سيفه آمال جيل من الشباب وانطفأت في ظله أماني أمة، وتلونت تحت سياطه جنوب النساء.
    ومن أجل أن يرضي رغباته ويعمر حياته: أباد وأجاع واستعبد رجالاً ونساء، أبطالاً
    وأطفالاً، ومؤذنين ومعلمين في جميع الأزمان ومن كل الأجيال.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X