بــــــــــسم اللــــــــــه الرحــــــــــمن الرحـــــــــــــــيم
{ السبب الثاني - التمحيص }
جاء صنف من الروايات الواردة عن أل محمد عليهم السلام تعلل غيبة الإمام المهدي عليه السلام لأجل التمحيص والامتحان وان الإمام لا يخرج حتى يمتحن كل من يدعي انه موالي له ومن أشياعه وهو قول الإمام الكاظم (ع) ( حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به )
فقد روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ ( إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَدْيَانِكُمْ لَا يُزِيلَنَّكُمْ عَنْهَا أَحَدٌ يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اللَّهِ امْتَحَنَ اللَّهُ بِهَا خَلْقَهُ)
في هذا الحديث يريد الإمام (ع) أن يقول إن سبب الغيبة امتحان من قبل الله عز وجل لكشف زيف ادعاء الذين يدعون الموالاة والتشيع قولا لا فعلا لإل محمد عليهم السلام بدليل قول الإمام (حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ) ولا يقول بغيبة الإمام المهدي وموالاة الأئمة إلا الشيعة ولبيان المضمون أكثر فالنقرء هذه الرواية الواردة عن الإمام الباقر (ع) فقد قال : (لتُمحصنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها) (غيبة النعماني214)
ومن المعلوم إن للإمام المهدي عليه السلام سنن من كثير من أنبياء اللهفالإمام المهدي هو وارث الأنبياء والمرسلين فهو بقية أل محمد وقد ورث أل محمد صلوات الله وسلامه عليهم والأنبياء والمرسلين عليهم السلام
و جاء في الرواية الواردة عن سدير عن الإمام الصادق عليه السلام قال ( إن للقائم منا غيبة يطول أمدها فقلت له : يابن رسول الله ولم ذلك , قال : لأن الله عز وجل أبى ان تجري فيه سنن الأنبياء في غيباتهم قال الله تعالى { لتركبن طبقا على طبق } أي من كان قبلكم ) بحار الأنوار ج52 ص90 .
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام انه قال : ( إن سنن الأنبياء عليهم السلام بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ) الإكمال ص334
. وعن الحسين بن علي عليهما السلام قال : ( في القائم منا سنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد صلوات الله عليهم ..... ) الوافي ج2 ص102
وهذه السنة اقصد سنة التمحيص والابتلاء جرت على نبي الله نوح (ع) وعلى قومه من قبل لما كان بعلم الله عز وجل إن أكثر شيعة نوح الذين يقولون بنبوته ويؤمنون به كانوا يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان ولأجل كشف كفرهم ونفاقهم كان لزاما أن يكون هنالك امتحان واختبار إذ لو لم يكن الامتحان لتمكن المنافقون بعد أن يمكن الله نبيه والذين معه في الأرض أن يظهروا على المؤمنون يفسدون في الأرض بعد إصلاحها وهذا ما لا يقبله الله عز وجل
فقد ورد في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن سدير الصيرفي قال دخلت أنا و المفضل بن عمر و أبو بصير و أبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد ع فرأيناه جالسا على التراب و عليه مسح خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين و هو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحري قد نال الحزن من وجنتيه و شاع التغير في عارضيه و أبلى الدموع محجريه و هو يقول { سيدي غيبتك نفت رقادي و ضيقت علي مهادي و أسرت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد و فقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع و العدد فما أحس بدمعة ترقى من عيني و أنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا و سوالف البلايا إلا مثل لعيني عن عوائر أعظمها و أفظعها و تراقي أشدها و أنكرها و نوائب مخلوطة بغضبك و نوازل معجونة بسخطك قال سدير فاستطارت عقولنا ولها و تصدعت قلوبنا جزعا عن ذلك الخطب الهائل و الحادث الغائل و ظننا أنه سمة لمكروهة قارعة أو حلت به من الدهر بائقة فقلنا لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك من أي حادثة تستنزف دمعتك و تستمطر عبرتك و أية حالة حتمت عليك هذا المأتم قال فزفر الصادق ع زفرة انتفخ منها جوفه و اشتد منها خوفه و قال ويحكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم و هو الكتاب المشتمل على علم المنايا و البلايا و الرزايا و علم ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا و الأئمة من بعده عليه و عليهم السلام و تأملت فيه مولد قائمنا و غيبته و إبطاءه و طول عمره و بلوى المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان و تولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته و ارتداد أكثرهم عن دينهم و خلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره { وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } يعني الولاية فأخذتني الرقة و استولت علي الأحزان فقلنا يا ابن رسول الله كرمنا و شرفنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم قال إن الله تبارك و تعالى أدار في القائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل قدر مولده تقدير مولد موسى ع و قدر غيبته تقدير غيبة عيسى ع و قدر إبطاءه تقدير إبطاء نوح ع و جعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح أعنى الخضر دليلا على عمره فقلت اكشف لنا يا ابن رسول الله عن وجوه هذه المعاني قال أما مولد موسى فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة فدلوه على نسبه و أنه يكون من بني إسرائيل و لم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا و عشرين ألف مولود و تعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ الله تبارك و تعالى إياه كذلك بنو أمية و بنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملكهم و الأمراء و الجبابرة منهم على يد القائم منا ناصبونا العداوة و وضعوا سيوفهم في قتل آل بيت رسول الله ص و إبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم ع و يأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة { إلى أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ... وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } و أما غيبة عيسى ع فإن اليهود و النصارى اتفقت على أنه قتل و كذبهم الله عز و جل بقوله { وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } كذلك غيبة القائم ع فإن الأمة تنكرها لطولها فمن قائل بغير هدى بأنه لم يولد و قائل يقول إنه ولد و مات و قائل يكفر بقوله إن حادي عشرنا كان عقيما و قائل يمرق بقوله إنه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعدا و قائل يعصي الله عز و جل بقوله إن روح القائم ع ينطق في هيكل غيره و أما إبطاء نوح ع فإنه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء بعث الله عز و جل جبرئيل الروح الأمين بسبعة نويات فقال يا نبي الله إن الله تبارك و تعالى يقول لك إن هؤلاء خلائقي و عبادي و لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة و إلزام الحجة فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه و أغرس هذا النوى فإن لك في نباتها و بلوغها و إدراكها إذا أثمرت الفرج و الخلاص فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين فلما نبتت الأشجار و تآزرت و تسوقت و تغصنت و أثمرت و زهى الثمر عليها بعد زمن طويل استنجز من الله سبحانه و تعالى العدة فأمره الله تبارك و تعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار و يعاود الصبر و الاجتهاد و يؤكد الحجة على قومه فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاث مائة رجل و قالوا لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف ثم إن الله تبارك و تعالى لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة إلى أن عاد إلى نيف و سبعين رجلا فأوحى الله عز و جل عند ذلك إليه و قال يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه و صفا الأمر للإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة فلو أني أهلكت الكفار و أبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك و اعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الأرض و أمكن لهم دينهم و أبدل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم و كيف يكون الاستخلاف و التمكين و بدل الخوف بالأمن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا و خبث طينتهم و سوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق و سنوح الضلالة فلو أنهم تسنموا مني من الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته و لاستحكمت سرائر نفاقهم و تأبد حبال ضلالة قلوبهم و كاشفوا إخوانهم بالعداوة و حاربوهم على طلب الرئاسة و التفرد بالأمر و النهي و كيف يكون التمكين في الدين و انتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن و إيقاع الحروب كلا { وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا } قال الصادق ع و كذلك القائم ع تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه و يصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف و التمكين و الأمن المنتشر في عهد القائم ع قال المفضل فقلت يا ابن رسول الله إن النواصب تزعم أن هذه الآية نزلت في أبي بكر و عمر و عثمان و علي قال لا يهد الله قلوب الناصبة متى كان الدين الذي ارتضاه الله و رسوله متمكنا بانتشار الأمن في الأمة و ذهاب الخوف من قلوبها و ارتفاع الشك من صدورها في عهد أحد من هؤلاء و في عهد علي ع مع ارتداد المسلمين و الفتن التي كانت تثور في أيامهم و الحروب التي كانت تنشب بين الكفار و بينهم ثم تلا الصادق ع { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا } و أما العبد الصالح الخضر ع فإن الله تبارك و تعالى ما طول عمره لنبوة قدرها له و لا لكتاب ينزله عليه و لا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبلها من الأنبياء و لا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها و لا لطاعة يفرضها له بلى إن الله تبارك و تعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم ع في أيام غيبته ما يقدر و علم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم ع و ليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة }
بحار الأنوار ج : 51 ص : 220-
وفي كلام الإمام الصادق عليه السلام جملة أمور مهمة لكن سوف اعلق على نقطتين فقد لأهميتهما
النقطة الأولى - قال الصادق عليه السلام { تأملت فيه مولد قائمنا و غيبته و إبطاءه و طول عمره و بلوى المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان و تولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته و ارتداد أكثرهم عن دينهم و خلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره { وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } يعني الولاية }
هنا الإمام الصادق عليه السلام في النقطة الأولى يتكلم عن أمر خطير جداً وهو إن أكثر الشيعة سوف يرتدون عن الإسلام ويخلعون ربقته من أعناقهم وسوف يخرجون من نظام الإمامة وذلك لسببين هما أولا تولد الشكوك لدى الشيعة من طول الغيبة وإقبالهم على الدنيا وملذاتها وزخارفها وعدم اهتمامهم بإمامهم الغائب عنهم بسبب ظلمهم وذنوبهم واستبدالهم الإمام المهدي الغائب عليه السلام بأنداد له من فقهاء السوء الذين سوف يقومون بحرب ضده عليه السلام ويضنون إنهم يحسنون صنعا باتخاذهم هؤلاء الفقهاء بديل الإمام المهدي عليه السلام وهذا ما أكده الإمام الصادق في أكثر من رواية فقد قال عليه السلام { إذا خرج الإمام المهدي فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة ، ولولا السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله }بيان الأئمة عليهم السلام ج3 ص 99:
وقال في موضع أخر { أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد ما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم } مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهر ودي - ج 2 - ص 142 وهذا من الأسباب الرئيسية في انخراط غالبية الشيعة في حرب ضد الإمام المهدي عليه السلام
النقطة الثانية - { و كذلك القائم ع تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه و يصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف و التمكين و الأمن المنتشر في عهد القائم ع }
والإمام الصادق عليه السلام يشترط في صفاء الإيمان ورفعة الحق وانتشار الأمن والتمكين للقائم بسقوط غالبية الشيعة الذين خبثت طينتهم وعمهم النفاق فهم العدو للقائم (ع) الأول وثورته في حال الاستخلاف والتمكين إذا لم يكشفهم الله عز وجل بهذا الامتحان الصعب
ولولا الامتحان الذي أراده الله لقوم نوح (ع) لما حصل التمكين والاستخلاف لنبي الله نوح في الأرض كذلك القائم (ع) إذ لو لم يكن هناك امتحان لتمييز وغربلة الناس قبل قيام الإمام لا يكون الذي يريده الله عز و جل
والحمد لله رب العالمين