إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرجاء من اللّه تعالى

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرجاء من اللّه تعالى





    وهو: انتظار محبوب تمهّدت أسباب حصوله، كمن زرع بذراً في أرض طيّبه، ورعاه بالسقي والمداراة، فرجا منه النتاح والنفع.
    فإن لم تتمهد الأسباب، كان الرجاء حمقاً وغروراً، كمن زرع أرضاً سبخة وأهمل رعايتها، وهو يرجو نتاجها.
    والرجاء: هو الجناح الثاني من الخوف، اللذان يطير بهما المؤمن الى آفاق طاعة اللّه، والفوز بشرف رضاه، وكرم نعمائه، إذ هو باعث على الطاعة رغبةً كما يبعث الخوف عليها رهبة وفزعاً.
    ولئن تساند الخوف والرجاء، على تهذيب المومن، وتوجيهه وجهة الخير والصلاح، بيد أن الرجاء أعذب مورداً، وأحلى مذاقاً من الخوف، لصدوره عن الثقة باللّه، والاطمئنان بسعة رحمته، وكرم عفوه، وجزيل ألطافه.
    وبديهي ان المطيع رغبة ورجاءاً، أفضل منه رهبة وخوفاً، لذلك كانت تباشير الرجاء وافرة، وبواعثه جمّة وآياته مشرقة، واليك طرفاً منها:
    1 - النهي عن اليأس والقنوط.
    قال تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من
    { 184 }
    رحمة اللّه، إن اللّه يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم» (الزمر: 53).
    وقال تعالى: «ولا تيأسوا من روح اللّه إنّه لا ييأس من روح اللّه، الا القوم الكافرون» (يوسف: 87).
    وقال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل أخرجه الخوف الى القنوط لكثرة ذنوبه: «أيا هذا، يأسك من رحمة اللّه أعظم من ذنوبك»(1).
    وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «يبعث اللّه المقنّطين يوم القيامة، مغلبّةً وجوهُهُم، يعني غلبة السواد على البياض، فيقال لهم : هؤلاء المقنّطون من رحمة اللّه تعالى»(1).
    2 - سعة رحمة اللّه وعظيم عفوه:
    قال تعالى: «فقل ربّكم ذو رحمة واسعة» (الأنعام: 147).
    وقال تعالى: «وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم» (الرعد: 6).
    وقال تعالى: «إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (النساء: 48).
    وقال تعالى: «وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم» (الزمر: 53).
    وجاء في حديث عن النبي صلى اللّه عليه وآله: «لولا أنكّم تذنبون فتستغفرون اللّه تعالى، لأتى اللّه تعالى بخلق يذنبون ويستغفرون، فيغفر لهم،
    _____________________
    (1) جامع السعادات ج 1 ص 246.
    (2) سفينة البحار ج 2 ص 451 عن نوادر الراوندي.
    { 185 }
    إنّ المؤمن مفتن توّاب، أما سمعت قول اللّه تعالى: (إن اللّه يحب التوابين) (البقرة: 222) الخبر» (1).
    توضيح: المفتن التواب: هو من يقترف الذنوب ويسارع الى التوبة منها.
    وقال الصادق عليه السلام: «إذا كان يوم القيامة، نشر اللّه تبارك وتعالى رحمته حتى يطمع إبليس في رحمته»(2).
    وعن سليمان بن خالد قال: «قرأت على أبي عبد اللّه عليه السلام هذه الآية: «إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فأولئك يبدّل اللّه سيئاتهم حسنات» (الفرقان: 70).
    فقال: هذه فيكم، إنه يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة، حتى يوقف بين يدي اللّه عز وجل، فيكون هو الذي يلي حسابه، فيوقفه على سيئاته شيئاً فشيئاً، فيقول: عملت كذا في يوم كذا في ساعة كذا، فيقول أعرف يا ربي، حتى يوقفه على سيئاته كلّها، كل ذلك يقول: أعرف. فيقول سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، أبدلوها لعبدي حسنات.
    قال: فتُرفع صحيفته للناس فيقولون: سبحان اللّه! أما كانت لهذا العبد سيئة واحدة، وهو قول اللّه عز وجل «أولئك يبدّل اللّه سيئاتهم حسنات» (الفرقان: 70) (3).
    3 - حسن الظن باللّه الكريم، وهو أقوى دواعي الرجاء.
    _____________________
    (1) الوافي ج 3 ص 51 عن الكافي.
    (2) البحار مجلد 3 ص 274 عن أمالي الشيخ الصدوق.
    (3) البحار مجلد 3 ص 274 عن محاسن البرقي.
    { 186 }
    قال الرضا عليه السلام: «أحسِن الظن باللّه، فإن اللّه تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً»(1).
    وقال الصادق عليه السلام: «آخر عبد يؤمر به الى النار، يلتفت، فيقول اللّه عز وجل: اعجلوه(2)، فاذا أتي به قال له: يا عبدي لِمَ التفت؟ فيقول: يا رب ما كان ظني بك هذا، فيقول اللّه عز وجل: عبدي وما كان ظنك بي؟ فيقول: يا رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنتك. فيقول اللّه: ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وبلائي وارتفاع مكاني ما ظن بي هذا ساعة من حياته خيراً قط، ولو ظن بي ساعة من حياته خيراً ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة.
    ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما ظن عبد باللّه خيراً، الا كان اللّه عند ظنه به، ولا ظن به سوءاً إلا كان اللّه عند ظنه به، وذلك قوله عز وجل: «وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين» (فصلت: 23)(3).
    4 - شفاعة النبي والأئمة الطاهرين عليهم السلام لشيعتهم ومحبيهم:
    عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «إذا كان يوم القيامة ولّيُنا حساب شيعتنا، فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين اللّه عز وجل، حكمنا فيها فأجابنا، ومن كانت
    _____________________
    (1) الوافي ج 3 ص 59 عن الكافي.
    (2) أعجلوه: أي ردّوه مستعجلاً.
    (3) البحار م 3 ص 274 عن ثواب الأعمال للصدوق.
    { 187 }
    مظلمته فيما بينه وبين الناس استوهبناها فوهبت لنا، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنّا أحق من عفى وصفح»(1).
    وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير بالاسناد الى جرير بن عبد اللّه البجلي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الايمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزفّ الى الجنة كما تزف العروس الى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان الى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة.
    ألا ومن مات على بغض آل محمد، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة اللّه....».
    وقد أرسله الزمخشري في تفسير آية المودة من كشافه إرسال المسلمات، رواه المؤلفون في المناقب والفضائل مرسلاً مرة ومسنداً تارات(2).
    وأورد ابن حجر في صواعقه ص 103 حديثاً هذا لفظه:
    «إن النبي صلى اللّه عليه وآله خرج على أصحابه ذات يوم،
    _____________________
    (1) البحار م 3 ص 301 عن عيون اخبار الرضا عليه السلام.
    (2) الفصول المهمة للمرحوم آية اللّه السيد عبد الحسين شرف الدين.
    { 188 }
    ووجهه مشرق كدائرة القمر، فسأله عبد الرحمن بن عوف عن ذلك، فقال صلى اللّه عليه وآله: بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، بأن اللّه زوج علياً من فاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى، فحملت رقاقاً (يعني صكاكاً) بعدد محبي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكة من نور، دفع الى كل ملك صكاً، فإذا استوت القيامة بأهلها، نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محب لأهل البيت، الا دفعت اليه صكاً فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من امتي من النار»(1).
    وجاء في الصواعق ص 96 لابن حجر: «أنه قال: لما أنزل اللّه تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البرية، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، رضي اللّه عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه) (البينة: 7 - 8) قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعلي: هم أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابى مقمحين»(2).
    5 - النوائب والأمراض كفارة لآثام المؤمن:
    قال الصادق عليه السلام: «يا مفضل إياك والذنوب، وحذّرها شيعتنا، فواللّه ما هي إلى أحد أسرع منها اليكم، إن أحدكم لتصيبه المعرّة من السلطان، وما ذاك الا بذنوبه، وإنه ليصيبه السقم، وما ذاك الا
    _____________________
    (1) الفصول المهمة للامام شرف الدين ص 44.
    (2) الفصول المهمة للامام شرف الدين ص 39.
    { 189 }
    بذنوبه، وإنه ليحبس عنه الرزق وما هو الا بذنوبه، وإنه ليشدد عليه عند الموت، وما هو الا بذنوبه، حتى يقول من حضر: لقد غمّ بالموت. فلما رأى ما قد دخلني، قال: أتدري لِمَ ذاك يا مفضل؟ قال: قلت لا أدري جعلت فداك. قال: ذاك واللّه أنكم لا تؤاخدون بها في الآخرة وعُجلت لكم في الدنيا»(1).
    وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «قال اللّه تعالى: وعزتي وجلالي لا أخرج عبداً من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه، حتى أستوفي منه كل خطيئة عملها، إما بسقم في جسده، وإما بضيق في رزقه، وإما بخوف في دنياه، فإن بقيت عليه بقية، شدّدت عليه عند الموت...»(2).
    وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : «ما يزال الغم والهم بالمؤمن حتى ما يدع له ذنباً»(3).
    وقال الصادق عليه السلام: «إن المؤمن ليهوّل عليه في نومه فيغفر له ذنوبه، وإنه ليُمتَهَنُ في بدنه فيغفر له ذنوبه»(4).
    واقع الرجاء:
    ومما يجدر ذكره: أن الرجاء كما أسلفنا لا يجدي ولا يثمر، الا
    _____________________
    (1) البحار م 3 ص 35 عن علل الشرائع للصدوق (ره).
    (2)، (3)، (4) الوافي ج 3 ص 172 عن الكافي.
    { 190 }
    بعد توفر الأسباب الباعثة على نجحه، وتحقيق أهدافه، والا كان هوساً وغروراً.
    فمن الحمق أن يتنكّب المرء مناهج الطاعة، ويتعسف طرق الغواية والضلال، ثم يُمنّي نفسه بالرجاء، فذلك غرور باطل وخُداع مغرّر.
    ألا ترى عظماء الخلق وصفوتهم من الأنبياء والأوصياء والأولياء كيف تفانوا في طاعة اللّه عز وجل، وانهمكوا في عبادته، وهم أقرب الناس الى كرم اللّه وأرجاهم لرحمته.
    إذاً فلا قيمة للرجاء، الا بعد توفر وسائل الطاعة، والعمل للّه تعالى، كما قال الامام الصادق عليه السلام: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو»(1).
    وقيل له عليه السلام: إن قوماً من مواليك يَلمّون بالمعاصي، ويقولون نرجو. فقال «كذبوا ليسوا لنا بموال، أولئك قوم ترجّحت بهم الأماني، من رجا شيئاً عمل له، ومن خاف شيئاً هرب منه»(2).
    الحكمة في الترجّي والتخويف:
    يختلف الناس في طباعهم وسلوكهم اختلافاً كبيراً، فمن الحكمة في إرشادهم وتوجيههم، رعاية ما هو الأجدر بإصلاحهم من الترجّي والتخويف
    _____________________
    (1) الوافي ج 3 ص 58 عن الكافي.
    (2) الوافي ج 3 ص 57 عن الكافي.
    { 191}
    فمنهم من يصلحه الرجاء، وهم:
    1 - العصاة النادمون على ما فرّطوا في الآثام، فحاولوا التوبة الى اللّه، بيد أنهم قنطوا من عفو اللّه وغفرانه، لفداحة جرائمهم، وكثرة سيئاتهم، فيعالج والحالة هذه قنوطهم بالرجاء بعظيم لطف اللّه، وسعة رحمته وغفرانه.
    2 - وهكذا يُداوى بالرجاء من انهك نفسه بالعبادة وأضرّ بها.
    أما الذين يصلحهم الخوف:
    فهم المردة العصاة، المنغمسون في الآثام، والمغترّون بالرجاء، فعلاجهم بالتخويف والزجر العنيف، بما يتهددهم من العقاب الأليم، والعذاب المُهين.
    وما أحلى قول الشاعر:
    ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها*** إن السفينة لا تجري على اليبس
    sigpic

  • #2
    سلمت يمناك
    عزيزي الشرطي
    وجعلنا واياكم من الراجين مغفرة الله سبحانه وتعالى

    وكسب عطفه ولطفه ورحمته

    جزاك الله خير الدارين


    sigpic

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X