إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العالم مغمور في رحمته

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العالم مغمور في رحمته

    .
    الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّالْعَـلَمِينَ(1)
    التّفسير
    العالم مغمور في رحمته
    بعد البسملة، أول واجبات العباد أنيستحضروا دوماً مبدأ عالم الوجود، ونِعَمه اللامتناهية، هذه النعم التي تحيطناوتغمر وجودنا، وتهدينا إلى معرفة الله من جهة، وتدفعنا على طريق العبودية من جهةاُخرى.
    وعند ما نقول أن النعم تشكّل دافعاًومحرّكاً على طريق العبودية، لأنّ الإِنسان مفطور على البحث عن صاحب النعمة حينماتصله النعمة، ومفطور على أن يشكر المنعم على أنعامه.
    من هنا فان علماء الكلام (علماءالعقائد) يتطرقون في بحوثهم الأولية لهذا العلم إلى «وجوب شكرالمنعم» باعتباره أمراً فطرياً وعقلياً دافعاً إلى معرفة الله سبحانه.
    وإنما قلنا إن النعم تهدينا إلى معرفةالله، لأن أفضل طريق وأشمل سبيل لمعرفته سبحانه، دراسة أسرار الخليقة، وخاصة مايرتبط بوجود النعم في حياة الإنسان.
    [37]
    ممّا تقدم ابتدأت سورة الحمد بعبارة (اَلْحَمدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
    ولفهم عمق هذه العبارة وعظمتها يلزمناتوضيح الفرق بين «الحمد» و «المدح» و«الشكر» والنتائج المترتبة على ذلك:
    1 ـ «الحمد» في اللغة: الثناء علىعمل أو صفة طيبة مكتسبة عن اختيار، أي حينما يؤدي شخص عملا طيّباً عن وعي، أويكتسب عن اختيار صفة تؤهله لأعمال الخير فإنّنا نحمده ونثني عليه.
    و«المدح» هو الثناء بشكل عام، سواءكان لأمر إختياري أو غير إختياري، كمدحنا جوهرة ثمينة جميلة. ومفهوم المدح عام،بينما مفهوم الحمد خاص.
    أمّا مفهوم «الشكر» فأخصّ من الاثنين،ويقتصر على ما نبديه تجاه نعمة تغدق علينا من منعم عن إختيار(1).
    ولو علمنا أنّ الألف واللام في(الحمد) هي لاستغراق الجنس، لعلمنا أنّ كل حمد وثناء يختص بالله سبحانه دون سواه.
    ثناؤنا على الآخرين ينطلق من ثنائناعليه تعالى، لأنّ مواهب الواهبين كالأنبياء في هدايتهم للبشر، والمعلمين فيتعليمهم، والكرماء في بذلهم وعطائهم، والأطباء في علاجهم للمرضى وتطبيبهمللمصابين، إنّما هي في الأصل من ذاته المقدسة. وبعبارة اُخرى: حمد هؤلاء هو حمدلله، والثناء عليهم ثناء على الله تعالى.
    وهكذا الشمس حين تغدق علينا بأشعتها،والسحب بأمطارها، والأرض ببركاتها، كلّ ذلك منه سبحانه، ولذلك فكلّ الحمد له.
    وبكلمة أُخرى: جملة (اَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إشارة إلى توحيدالذات، والصفات، والأفعال (تأمّل بدقة).

    1 ـ«الشكر»، من وجهة نظر اُخرى أوسع إطاراً، لأنّ الشكر يؤدي بالقول أحياناً وبالعملاُخرى. أمّا الحمد والمدح فبالقول غالباً.
    [38]
    2 ـ وصف (الله) بأنه (رَبّالْعَالَميِن) هو من قبيل ذكر الدليل بعد ذكر الادعاء، وكأنّ سائلا يقول: لم كان حمد لله؟فيأتي الجواب: لأنه (رب العالمين).
    وفي موقع آخر يقول القرآن عن الباريسبحانه: (الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ ...)(1).
    ويقول أيضاً: (وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الأَرْضِ إِلاَّعَلَى اللهِ رِزْقُهَا)(2).
    3 ـ يستفاد من (الحمد) أن اللهسبحانه واهب النعم عن إرادة وإختيار، خلافاً لأولئك القائلين إنّ اللّه تعالى مجبرعلى أن يفيض بالعطاء كالشمس!!
    4 ـ جدير بالذكر أن الحمد ليس بدايةكل عمل فحسب، بل هو نهاية كل عمل أيضاً كما يعلمنا القرآن.
    يقول سبحانه عن أهل الجنة: (دَعْوَاهُمْفِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهِا سَلامٌ، وَآخِرُدَعْوَاهُمْ أنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(3).
    5 ـ أما كلمة «ربّ» ففي الأصل بمعنىمالك وصاحب الشيء الذي يهتم بتربيته وأصلاحه. وكلمة «ربيبة» وهي بنت الزوجة،ومأخوذة من هذا المفهوم للكلمة. لأن الربيبة تعيش تحت رعاية زوج أُمّها.
    والكلمة بلفظها المطلق تعني ربّالعالمين، وإذا أطلقت على غير الله لزم أن تضاف، كأن نقول: ربّ الدار، وربّالسفينة(4).
    وذكر صاحب تفسير (مجمع البيان) معنىًآخر للرب، وهو السيد المطاع، ولكن لا يبعد أن يعود المعنيان إلى أصل واحد(5).
    6 ـ كلمة «عالمين» جمع «عالم»،والعالم: مجموعة من الموجودات

    1 ـ السجدة،7.
    2 ـ هود، 6.
    3 ـ يونس،10.
    4 ـ قاموساللغة، ومفردات الراغب، وتفسير مجمع البيان، وتفسير البيان.
    5 ـ لابدّمن الإِلتفات إلى أن (رب) من مادة (ربب)، لا من (ربو)، أي إنه مضاعف لا ناقص.
    [39]
    المختلفة ذات صفات مشتركة، أو ذاتزمان ومكان مشتركين، كأن نقول: عالم الإِنسان، وعالم الحيوان، وعالم النبات. أونقول عالم الشرق وعالم الغرب، وعالم اليوم، وعالم الأمس. فكلمة العالم وحدها تتضمنمعنى الجمع، وحين تجمع بصيغة «عالمين»، فيقصد منها كل مجموعات هذا العالم.
    ويلفت النظر هنا أن كلمة عالم جُمعتهنا جمعاً مذكراً سالماً، ونعرف أن جمع المذكر السالم يستعمل في العاقل عادة، ومنهنا ذهب بعض المفسرين إلى أن كلمة «عالمين» إشارة إلى المجموعات العاقلة في الكونكالبشر، والملائكة، والجن، ولكن قد يكون هذا الاستعمال للتغليب، أي لتغليبالمجموعات العاقلة على غير العاقلة.
    7 ـ يقول صاحب المنار: (ويؤثر عن جدناالإمام جعفر الصادق(عليه السلام) أن المراد بــ(العالمين)النّاس فقط)(1).
    ثم يضيف: وقد وردت كلمة (العالمين) فيالقرآن الكريم أيضاً بهذا المعنى كقوله: (ليكون للعالمين نذيراً)(2).
    ولكن، لو استعرضنا مواضع استعمال(عالمين) في القرآن، لرأينا أن هذه الكلمة وردت في كثير من الآيات بمعنى بنيالإنسان، بينما وردت في مواضع اُخرى بمعنى أوسع يشمل البشر وسائر موجودات الكونالاُخرى، كقوله تعالى: (فَللهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّالْعَالَمِينَ)(3) وكقوله سبحانهقال فرعون: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ؟قَالَ: رَبُّ الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)(4).
    وعن الإِمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) في تفسير (ربّ العالمين) قال: «رَبُّالْعَالَمِينَ هُمُ الْجَمَاعَاتُ مِنْ كُلِّ مَخْلُوق مِنَ الْجَمَادَاتِوَالْحَيْوَانَاتِ»(5).

    1 ـ المنار،ج 1، ص 51.
    2 ـالفرقان، 1.
    3 ـالجاثية، 36.
    4 ـالشعراء، 23 و 24.
    5 ـ تفسيرنور الثقلين، ج 1، ص 17.
    [40]
    كلمة عالمين يمكن فهمها في إطارهاالكوني الأوسع، ويمكن فهمها في إطار عالم (الإِنسان) ـ كما ورد في رواية الإمامزين العابدين(عليه السلام)، لأن الكائن البشري أشرفالمخلوقات، ولأن الإِنسان هو الهدف الأساس من هذه المجموعة الكبرى وليس بينالفهمين أي تناقض.
    8 ـ جدير بالذكر أن هناك من قسّمالعالم إلى: عالم صغير وعالم كبير، والمقصود من العالم الصغير هو الإِنسان، لأنهلوحده ينطوي على مجموعة من نفس القوى المتحكمة في هذا الكون الفسيح. والإنسان ـ فيالواقع ـ عينيّة مصغرة لكل هذا العالم.
    الذي دعانا إلى التوسّع في مفهوم كلمة(العالم) هو أن عبارة «ربّ العالمين» جاءت وكأنها دليل على عبارة (الحمدلله)، أي أننا نقول في سورة الفاتحة: إن الحمد مختص بالله تعالى لأنه صاحب كل كمالونعمة وموهبة في العالم.
    * * *
    بحثان
    1ـ رفض الآلهة:
    شهد التاريخ البشري ألوان الإنحرافاتعن خط التوحيد، والصفة البارزة في هذه الإنحرافات هو الاعتقاد بوجود آلهة متعددةلهذا العالم. وفكرة التعدّد انطلقت من ضيق نظرة أصحابها الذين راحوا يعيّنون لكلجانب من جوانب الكون والحياة إلهاً، وكأنّ ربوبيّة العالمين لا يمكن إناطتها لمصدرواحد!! وراحت بعض الأمم تصنع الآلهة لأُمور جزئية كالحب والعقل والتجارة والحربوالصيد.
    اليونانيّون مثلا كانوا يعبدون اثنتيعشرة أَلهةً وضعوها على قمة (أولمپ)
    [41]
    وكل واحدة منها تمثل جانباً من صفاتالبشر!!(1).
    والكلدانيّون اعتقدوا بإله الماء وإلهالقمر وإله الشمس وإله الزهرة، وأطلقوا على كل واحد منها اسماً معيناً، واتخذوافوق ذلك «مردوخ» إلهاً أكبر لهم.
    والروم تعددت آلهتهم أيضاً، وراج سوقالشرك عندهم أكثر من أية أمّة اُخرى. فقد قسموا الآلهة إلى مجموعتين: آلهة الأسرةوآلهة الحكومة. ولم يكونوا يكنون ولاء لآلهة الحكومة، (لعدم إرتياحهم من حكومتهم!).
    وقد ورد في التاريخ أن الروم اتخذوالهم ثلاثين ألف إلهاً حتى قال أحد رجالهم مازحاً: إن عدد الهتنا من الكثرة إلىدرجة أنها اكثر من المارّة في الأزقة والطرقات، وكلّ واحد منها مظهر من مظاهرالكون المشهودة، إله مثل إله الزراعة، وإله المطبخ، وإله مستودع الطعام، وإلهالبيت، وإله النار، وإله الفاكهة، وإله الحصاد، وإله شجرة العنب، وإله الغابة،وإله الحريق، وإله بوابة روما، وإله بيت النار(2).
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X