إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فاطمة الزهراء أم السبطين (عليها السلام سلمان هادي آل طعمه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فاطمة الزهراء أم السبطين (عليها السلام سلمان هادي آل طعمه

    فاطمة الزهراء أم السبطين (عليها السلام)
    سلمان هادي آل طعمه
    1417 هـ / 1996 م
    ( 2 )

    ( 3 )

    الاهداء

    الى نبعة الرسالة المحمدية
    الى بضعة المصطفى الأمجد
    الى ام الائمة مصابيح الهدى .. التي كانت وحدها صلة الأرث النبوي
    الى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء
    اهدي هذه الأضمامة العابقة بأنفاسها
    ( 4 )

    ( 5 )

    بسم الله الرحمن الرحيم
    كلمة بقلم العلامة الشيخ باقر شريف القرشي

    انحناءً وتقديساً وتعظيماً أمام زهراء الرسول صلى الله عليه وآله التي احتلت عواطف أبيها وإخلاصه ، فكان يقيم لها أعظم الود وخالص الولاء ، فأضفى عليها ألواناً رائعة ، ومهمة جداً من القداسة والتعظيم ، فأناط رضاءها برضائه ، وسخطها بسخطه ... وأن الله تعالى يرضى لرضائها ، ويسخط لسخطها ـ حسبما تواترت الأخبار عنه بذلك ـ . ولم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قابل أحداً من أهل بيته وأصحابه بمثل هذا التعظيم ، والتكريم سوى أخيه وابن عمه الإمام أمير المؤمنين وسبطيه عليهم السلام .
    إن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام هي أول سيدة في دنيا الإسلام رفعت بصلابة وعزم وإيمان كلمة الحق ، وجاهدت في سبيل الله تعالى ، كأعظم ما يكون الجهاد ، فقد قاومت بشدة وعنف قادة الانقلاب الذين احتلوا مركز زوجها سيد الأوصياء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
    ( 6 )

    واقصوه عن مقامه الذي أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأخذ له البيعة العامة في غدير خم ، فقد أعلنت سلام الله عليها سخطها البالغ على القوم ، وجردت حكمهم من الشرعية وذلك بخطابها الرائع الذي ألقته في جامع أبيها ، ولم يؤثر في ميادين المناظرات والاحتجاجات مثل خطابها الذي وضعت فيه النقاط على الحروف ، وحذرتهم من المضاعفات السيئة التي ستواجهها الأمة من جراء ما اقترفوه ، كما اتخذت معهم أدق موقف وأعمق أسلوب ، وذلك في وصيتها للإمام عليه السلام حينما أشرفت على لقاء الله تعالى ، فقد أوصته بأن لا يحضر تشييع جنازتها المقدسة أحد من الذين ظلموها وهضموها ـ على حد تعبيرها ـ وان يواري جسدها الطاهر في غلس الليل البهيم ، ويعفي موضع قبرها ليكون شاهداً على نقمتها عليهم في جميع الأحقاب والآباد .
    وعلى أي حال فالسيدة الملهمة العظيمة بضعة الرسول صلى الله عليه وآله هي التي أقامت مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وأسست بنيانه مع أبيها وزوجها ، فسلام الله عليها فما أعظم عائدتها على الإسلام والمسلمين .
    ومن الحق أن نشيد بالجهود التي بذلها الأستاذ العلامة السيد سلمان آل طعمة في بحوثه الممتعة عن سيدة النساء ، وهو جهد يقابل بالتكريم وانّا نصافحه ، ونتمنى له المزيد من الخدمات للإسلام . شكر الله مساعيه وبلغ أمانيه بدعاء أخيه ، والسلام .
    14 / محرم / 1420 هـ
    النجف الأشرف
    باقر شريف القرشي
    ( 7 )

    كلمة بقلم روكس بن زائد العزيزي

    ـ ممثل الرابطة الدولية لحقوق الانسان عضو مجمع اللغة العربية الاردني ـ
    طلب الي الصديق الاديب السيد سلمان هادي آل طعمة ان اقدم كتابه ( فاطمة الزهراء ) والزهراء قدوة لكل امرأة مسلمة ادباً وحكمة وتواضعاً . عاشت على سمو قدرها وشرف منبتها عيشة ضنك . جرّت بالرحى حتى اثر في يدها ، واستقت بالقربة حتى أَثَّر فى نحرها ، وكنست البيت بيدها ، كانت مثالاً وقدوة في التواضع والامانة الزوجية والوفاء .
    هي ام الحسن والحسين المحفوفة بالشرف وزوجة انبل الناس بعد الرسول العظيم ، زوجة علي بن ابي طالب (1) اسد الاسلام وقدّيسة لم يتزوج عليها الامام علي حتى توفيت . كانت مثالاً للشرف ومكارم الاخلاق . لما توفي ابوها عليه اشرف السلام رثته قائلة :
    غـبرَّ آفاق السماء iiوكوِّرت شمس النهار واظلم العصران
    فالأرض من بعد النبي iiكئيبة سـفاً عـليه كثيرة iiالرجفان
    (1) تاج العروس للمرتضى الزبيدي .

    ( 8 )

    فـليبكه شرق البلاد iiوغربها ولـتبكه ( مضرٌ ) وكل iiيمان
    ولـيبكه الطود العظيم iiوجوده والبيت ذو الاستار iiوالاركان
    يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه لّـى عـليك مـنزّل iiالقرآن
    ولما وقفت على قبر النبي قالت بعد ان اخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها على عينيها وبكت ، قالت :
    مـاذا عـلى مـن شم تربة iiاحمد ان لا يـشم مـدى الزمان iiغواليا
    صـبت عـلي مـصائب لو iiأنها صـبّت عـلى الايام صرن iiلياليا


    وقالت على قبره عليه السلام :
    إنـا فـقدناك فـقد الارض iiوابلها وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب
    فـليت قـبلك كان الموت iiصارفنا لـما نـعيت وحالت دونك iiالكتب


    رضي الله عن تلك القدوة لكل مسلمة تريد ان تقتدي بام الحسن والحسين الخالدين وكريمة النبي العظيم سيد البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
    روكس بن زائد العزيزي-عمان
    ( 9 )

    بسم الله الرحمن الرحيم
    فاتحة الكتاب

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم من الصديقين الى قيام يوم الدين .
    وبعد ، فهذه دراسة لشخصية السيدة فاطمة الزهراء التي احبها الله ورسوله ، وقد تجمع لديّ من اخبارها ما استقيته من مظان الكتب والمصادر ، حيث كنت اختلس الوقت واتحين الفرص كي اوفق لرسم صورة جلية عن بضعة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عسى ان تأخذ بمجامع القلوب . واود ان احيط القارئ علماً بأني ما كنت على استعداد تام بان أدلي بدلوي واطلق ليراعي العنان في هذا المضمار ، ولا أن اخوض عباب هذا اليم المتلاطم الامواج ، وما اظنه يؤدي الغرض ويوفيه حقه ، لكني رأيت موضوعة الدراسة عن الزهراء من الموضوعات المهمة
    ( 10 )

    الجديرة بالعناية والاعتبار ، لا سيما انها ابنة خاتم الانبياء صلي الله عليه وآله وسلم وزوج الامام علي عليه السلام وام الحسنين عليهما السلام وسيدة نساء العالمين ، هذا النور الساطع في الارض الذي ارشد الناس الى الاحكام الاسلامية ويستضيء بها في متاهات الحياة ، فهذا كله كان جديراً بحملة الاقلام ان يقتفوا اثرها ، ويحذو حذوها ويردوا موردها كيما يصلوا الى اوج الرفعة والكمال ، وبذلك نكون جميعاً قد حققنا ما نرجوه من سبر سيرتها الملأى بالمعاني الانسانية المتلألئة بالفضائل الروحانية والحقائق الايمانية والبراهين الساطعة . فمن اشرف منها في طهر سيرتها وطهارة سريرتها وفي شممها وابائها واخلاصها ومكارم اخلاقها ؟
    في بحثنا هذا سنتعرض الى مسائل تتعلق بحياة فاطمة الزهراء بما فيها النشأة والاخلاق والميراث والزواج والبلاغة والحياة العامة ، ونتعرف على آرائها ومواقفها التي كانت تقصد بها وجه الله والحق . وسنلاحظ كيف ان هذه السيدة الطاهرة كانت تدرك بفطنة فذة وذكاء حاد اعمق المسائل السياسية واكثرها دقة وحساسية في عصرها ، ونتطرق اليها بلغة بليغة تشفي غليل الفئة التي تخاطبها وتحتج بها ، وتثير الفتنة التي تحتج عليها . وان الطاهرة بنت الطاهر وزوجة الطاهر وأم الطاهرين اول عربية مسلمة رفعت رايات المعارضة الطاهرة ، صارخة بأعلى صوتها ( هذا حق فاتبعوه وهذا باطل فاجتنبوه ) .
    واني اذ اقدم للشباب الصاعد الطموح والمبدع زبدة علمي وحصيلة خبرتي ، عسى ان تنبري هذه الاقلام لتكتب معاناتها وطموحاتها وابداعاتها لتكون حافزاً للطاقات الساكتة ، مشاركة في تكوين بناء المجتمع الحديث .
    ( 11 )

    ويمكن القول بوجه عام بانني استطعت من تحري الاخبار التي يعتمد عليها عن الزهراء ويوثق بها ، جمعتها وكتبت عنها في ضوء المعطيات الجديدة ، وانا لا ارجو من وراء هذه الخدمة النيرة لآل بيت النبوة سوى القبول ، وعساني انال حظوة عند البضعة البتول ، رزقنا الله شفاعتها يوم الفزع الاكبر ، يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ، ومنه تعالى استمد المعونة والتوفيق والسداد ، وعليه توكلت واليه انيب .
    كربلاء ـ العراق
    20 / محرم الحرام / 1417 هـ
    سلمان هادي محمد آل طعمة
    ( 12 )

    في بيت الرسالة

    لا شك ان بيت الرسول الكريم جمع الفضائل والمكارم ، وعاش فيه ابناؤه مصابيح الرحمة وائمة الهدى واعلام التقى ومنار الحق واليقين ، وبذكرهم يحلو الحديث ، وهم خير اهل الارض ، كما قال الفرزدق :
    ان عُـدّ اهـل الـتقى كانوا iiائمتهم لو قيل من خير اهل الارض قيل هُمُ

    ومن هنا ندرك اهمية اهل البيت ، هؤلاء الذين ترعرعوا في ظل الاسلام ، وتشربوا مبادئه ، هل فيكم من يلتفت الى قول الله تعالى في كتابه العزيز حين يقول :( اِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) وهذه الآية دالة على مشاركة الصديقة الطاهرة عليها السلام لهم في هذا المعنى الجليل ؛ اعني العصمة الثابتة للانبياء والاوصياء لانها كانت معهم تحت الكساء حين نزول الآية (2) حقيقة لا تقبل الجدل والشك لدى كثير من المفسرين والمحدثين ، وقد نزلت هذه الآية
    (1) سورة الاحزاب / 33 .

    (2) وفاة الصديقة الزهراء ـ عبد الرزاق المقرم / ص 55 .

    ( 13 )

    في شأن خمسة من المعصومين هم : النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام . واجمع علماء المسلمين انه لما نزل الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية الكريمة ، ضمَ الحسنين واباهما وامهما اليه ، ثم غشاهم ونفسه بكسائه وبلّغهم الآية ، ثم اخرج يده من تحت الكساء فأومى بها الى السماء وقال : ( اللهم هؤلاء اهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) فهؤلاء هم الصفوة المنتجبة الذين فازوا برضا الله ونعيم الآخرة .
    مطهرون نقيات ثيابـهم تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا

    قال النبي محمد صلى الله عليه وآله : مَن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، مات مؤمناً مستكمل الايمان . وقال صلى الله عليه وآله : من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله .
    وقال الله تعالى : ( قُل لآ أَسْاَُلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (1) ولما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الناس : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : علي وفاطمة وابناهما . فأهل بيت الرسالة هم قدوة اهل الارض . والشجرة الطيبة والاسرة الطاهرة التي بنيت على الايمان والاخلاق ، قال الامام الشافعي محمد بن ادريس ( رض ) :
    يـا آل بيت رسول الله iiحبكم فرض من الله في القرآن انزله
    كـفاكم مـن عظيم القدر iiانكم من لم يصل عليكم لا صلاة iiله


    (1)سورة الشورى / 22 .

    ( 14 )

    وقال آخر :
    رأيـت ولائـي آل طـه iiفريضة على رغم اهل البعد يورثني القربى
    فما طلب المبعوث اجراً على iiالهدى بـتبليغه الا الـمودة فـي iiالقربى


    ان من الأهمية بمكان ان نعرض لأهل بيت الرسالة صلوات الله عليهم ، هؤلاء الذين اوجب الله مودتهم في القرآن الكريم وفي كثير من الاحاديث النبوية الشريفة .
    ويحسن بنا ان نختتم هذا الاستهلال السريع بأن اهل البيت هم خيرة الله من بريته ، وهم اعلام الهدى وبحار الندى ومصابيح الدجى وليوث الوغى وفرسان الهيجا ، وهم اهل جود وسخاءٍ وكرم .. انه شرف لا يدنو اليه شرف في مكارم الدنيا كلها .
    ( 15 )

    شخصية الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)

    لعلك لا تجدني مغالياً ان قلت : ان الامة الاسلامية انجبت منقذ البشر الاعظم رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ذلك الرجل الذي تلفعت شخصيته بنور قدسي ، فارتجف لها حباً قلب كل عربي صميم وقدسها لذاتها قبل ان يقدسها لنبوتها ، وفزع منها رعباً قلب كل جبار عنيد لقوة الحق المتمثلة فيها . ثم مجدها لذاته حين رأى الكمال والنور الذي انار الانسانية فجاج الحياة ، وفتحت للانسان مجال النظر في خلق العالم ومجال العمل لاصلاح حاله .
    ما كان يكفي نبي الاسلام في ارواء غلته الاصلاحية حين قال : ( ما اريد الا الاصلاح ما استطعت ) وقد نشر دينه بقوة السلاح ، ذلك الدين القيم الذي ترفّع عن التعصب ودعا الناس الى كلمة التوحيد . فاستطاع النبي محمد صلى الله عليه وآله ان يقلب التاريخ رأساً على عقب ، وان يكبح جماح امة اتخذت الصحراء سكناً لها ، واشتهرت بالشجاعة ورباطة الجأش والاخذ بالثار واتباع آثار السلف الصالح . فمن الذي يشك ان القوة الخارقة
    ( 16 )

    للعادة التي استطاع بها نبي الاسلام ان يقهر خصومه هي من عند الله سبحانه وتعالى ، لكن خصمه راح يتمسك بأذيال الخيبة ، ليغطي نقصه ويخفي عيبه ، لأنه لا يرجو من هذه المخاصمة ظهور صواب وتحقيق الزام او تثبيت مرام ، بل مجرد مباراة في الاستدلالات الفارغة للمباهاة او التضليل . قال الله تعالى في محكم كتابه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللّه بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (1)
    ان الامة الاسلامية لم تصل الى ما تطمح وتصبو اليه الا على تعاليم منقذ الانسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي تحمل ما تحمل لانقاذ البشر من هوة الجهل المقيت بعد سبات طويل ، حتى استطاع ان ينشر لواء العدل ويكبح جماح الظلم والفقر ويتمم مكارم الاخلاق ، وهو في خضم اعماله يضمن الخدمة العامة للناس وتقوية الروح المعنوية لديهم ، حتى انهم اعجبوا بالتنظيم الاداري الذي سارت عليه البلاد آنذاك ، فكان صاحب الفضل الاكبر في نشر العدل ، ذلك المرسوم الذي غيّر وجه الحياة بتأسيس الدولة الاسلامية المثالية ، واصبح لها نفوذ قوي وجاه كبير سيطرت على مقاليد ادارة دفة الحكم في فترة حرجه وجعلتها مواتية لروح الدين الاسلامي الحنيف .
    ان مولد المصطفى محمد صلى الله عليه وآله هو انبثاق نور الهدى والهداية والتقوى والتوحيد ، كان مولده تعبيراً عن انبعاث قيم مبادئ تدعو الى الحق والصلاح والمحبة ، فهو لا ينطق الا بالصدق ولا يحكم الا بالعدل والرفق . فقد ورد في الكافي للشيخ الكليني قدس الله روحه عن ابي عبد الله عليه
    (1) سورة لقمان / 6 .

    ( 17 )

    السلام : ان العبد ليصدق حتى يكتب عند الله من الصادقين . وفيه عن ابي جعفر عليه السلام : ان الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صديقاً . فالرسول الكريم هو الصادق الصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحيٌ يوحى . آمنت به قريش ودعا للاسلام ونشر فضائله ، ودعا الى الله متطوعاً لهذا الجهاد الشريف باذلا نفسه في اعلاء كلمة الله ، وليس لليأس من سبيل الى النفوس المخلصة ، وقد زاده الله بسطة في القوة والعلم ، وأمده بنصره ومكنه في الارض ، وكتب له العزة والمجد مادام عاملا نشيطا يرعى تلعات العلم وشؤون المسلمين في مشارق الارض ومغاربها ، وعمل على جمع كلمة المسلمين وتقوية دينهم وسلطانهم ، حيث قال جل وعلا في كتابه العزيز ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَميِعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ) (1) . وقال : ( إن تَنصُرُوا اللّه يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (2). ففي غزوة بدر وأحد والاحزاب مواقف مشرفة للنبي الكريم ودروس لا تنسى للمسلمين والاجيال المتعاقبة ، فكانت قريش تخشى من محمد وصحابته من المهاجرين والانصار . يقول الدكتور علي شلق : كان للنبي مخبرون يطلعونه على تحركات قريش وجموعها واحلافها ، لذلك فقد اخذ يتهيأ للدفاع وهو لم يبدأ حرباً في حياته ، بل كان مدافعاً ، فمعركة بدر كانت رداً على ايذاء ، و ( أُحُد ) كانت صداً لمؤامرة ، وهذه ( الاحزاب ) معركة يقصد بها المشركون القضاء على محمد ، فماذا فعل النبي لمجابهة هذا الجيش الكبير المنظم اكثر من كل جيش عرفه من قبل ؟ انها معركة وجود او لا وجود ،
    (1) سورة آل عمران / 103 .

    (2) سورة محمد / 7 .

    ( 18 )

    تاريخ يقابل تاريخاً ، وعقيدة سامية تصادم عقيدة فاسدة . عمد اول الامر الى عقد هدنة وتحالف مع يهود يثرب وذلك لكي لا يطعنوه من وراء وهو منهمك في قتال قريش ، ثم ارتد الى تحصين مواقعه ، حيث اشار عليه رجل فارسي اسمه ( سلمان ) كان قد آمن به ، ان يحفر خنادق حول المدينة ، فبدأ بالحفر .
    وهنا ظهرت بشائر كاد المسلمون يذهلون فرحاً (1) . عندئذ خلع النبي عمامته ، وادارها حول رأس علي البطل وقبّله بين عينيه وقال ودمعتان تتدحرجان على لحيته الكريمة : ( اذهب وروح القدس يؤيدك ) (2) .
    ان شخصية هذا المنقذ العظيم تبهر النفوس وتأسر القلوب ، فهي التي ادت رسالة الاسلام على اكمل وجه واطاحت بقوى الظلم والطغيان والاستبداد والجهل . فياله من عبقرية خالدة لم تزل مناراً وهاجاً للشعوب التي تتطلع الى عالم افضل . فالبشرية كلها لم تنجب شخصية مثالية برزت الى العالم ودوخت ارجاء الارض وملكت به صولجان الممالك الواسعة كشخصية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله ، وان الرسالة التي اداها النبي العربي الكريم ما زالت السراج المنير طيلة اثني عشر قرناً ، لنحو مائتي مليون من الناس ، وما زالت حافلة بالعظمة والمجد وكان محمد صلى الله عليه وآله وسلم مصلحاً دينياً ذا عقيدة راسخة ، وبلغ من الكمال بهاتيك الدعوة العظيمة التي جعلته من اسطع انوار الانسانية ، عرّف للناس اطوار حياتها بدقائقها .
    (1) محمد ـ د . علي شلق / ص 53 .

    (2) المصدر السابق / ص 56 .

    ( 19 )

    زواج النبي (صلى الله عليه وآله)

    تزاحمت سراة قريش واعيانها على طلب يد خديجة بنت خويلد والتقرب اليلها . ولم يجهل الرسول الكريم محمد صلى الله عليها وآله وسلم حقيقة واقع المرأة وميزانها ، فأختيارٌ للسيدة خديجة اختيار جد مناسب ، وذلك لما جبلت عليها من مكارم في الاخلاق وشرف في النسب وطهارة في السيرة ، وكان الله قد اغدق عليها مالاً وفيراً وجاهً رفيعاً ، خاضت ادواراً مهمة في التجارة ، تسيّر القوافل المحملة بالبضائع على اختلاف انواعها من الحجاز الى الشام وتشتري من هناك بأثمانها بضائع اخرى تعود بها الى مكة . ومما يجدر التنبيه له ان خديجة كانت قد تزوجت قبل ان يتزوجها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم برجلين الأول هو هند بن زرارة التميمي وكان سيداً على جاه وغنى (1) فأنجبت له هالة وهنداً ، وقد سمتهما بأسماء الاناث على عادة العرب من وضعهم اسماء الاناث للذكور وقاية من الحسد . وهالة أدرك الاسلام وكانت له صحبته ، واما هند فقد طالت
    (1) مثلهن الاعلى خديجة بنت خويلد / الشيخ عبد الله العلايلي / ص 35 .

    ( 20 )

    صحبته ، وكان وصافاً روى عنه الحسن ابن اخته فاطمة عليهما السلام حديث وصف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابلغ ما روى ، وقتل مع علي عليه عليه السلام يوم الجمل . وكان يفخر ويقول انا اكرم الناس اباً واماً واخاً واختاً ، ابي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لانه زوج امه ، وامي خديجة واخي القاسم واختي فاطمة عليها السلام وقيل انه مات بالطاعون في البصرة . اما الزوج الثاني لخديجة فكان عتيق بن عائذ من سادات مخزوم واجوادها فرضيت به ، ولما كان ابوها خويلد وعمها عمر بن اسد رغبا مع الراغبين في تزويجها لأنهما شيخان تقدمت بهما السن وخديجة بحاجة لمن تعيش بكنفه وتستظل بظله من حوادث الدهر ونكباته فاختير لها عتيق فأنجبت له طفلة اسمها هند (1) وقد ادركت الاسلام وكانت لها صحبته وتزوجت صيفي المخزومي ، بيد ان خديجة رزئت بهذا الزوج وفجعت وانتابها الالم الممض ، ومما زاد من مصابها ان الموت اختطف اباها خويلد ايضاً ، فلم تيأس ولم يسيطر عليها الحزن ، شأنها شأن الكثيرات من النساء فعزفت عن الزواج فترة طويلة حتى بلغت سن الاربعين ، فكان زواجها هذه المرة من سيد المرسلين وحبيب إله العالمين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم . لقد كان زواجاً ميموناً يخفق وجداً وحناناً ، ويشمخ كبرياءً ويزداد رعاية وفهماً وحسن تبصر ، اتفق الطرفان وتهيأ الجو المناسب للقيام بالمسؤولية . وبلغ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند زواجه بالسيدة خديجة في الخامسة والعشرين من عمره ، فمن كتاب السيرة من يقول انها كانت في الاربعين او في
    (1) المصدر السابق / ص 38 .

    ( 21 )

    الخامسة والاربعين ، ومنهم ابن عباس يقول : ( انها كانت في الثامنة والاربعين ولم تجاوزها ) ، واحرى بهذه الرواية ان تكون اقرب الروايات الى الصحة ، لأن ابن عباس كان اولى الناس ان يعلم حقيقة عمرها ، ولأن المرأة في بلاد كجزيرة العرب يبكر فيها النمو ويبكر فيها الكبر لا يتصدى للزواج بعد الاربعين ولا يعهد في الاعم الاغلب ان تلد بعدها سبعة اولاد عدا من جاء في بعض الروايات انهم ولدوا مع ذكرنا اسماءهم (1).
    حب علويٌّ عفيف تقره شرعة السماء ، وهنا تسعى خديجة حثيثاً لاستطلاع رأي محمد في الزواج ، وهل يرغب فيه ام يرغب عنه ؟ وتخطر من امامها مولاتها نفيسة بنت منبه ، يكاد يتفق المؤرخون واصحاب السير ان نفيسة هذه هي صديقتها وليست مولاتها وهي اخت يعلي بن منبه (2) تستوقفها لتقول لها : هل رأيت محمداً وهل عرفته ؟ فتجيب : رأيته في هذه الدار ، عرفته كما عرفه الناس . فتدسها لتستطلع رأي محمد في امر الزواج منها ، تعود وبشرى القبول معها . يقول المؤرخون ما ان اكتمل عقد الاجتماع حتى قام ابو طالب امام قريش وهو يومذاك سيد البطحاء فقال :
    الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم وزرع اسماعيل وضغن معد وعنصر مضر وجعلنا حصنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً وجعلنا حكام الناس ثم ان ابن اخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل الا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً وان كان في المال قل ،
    (1) فاطمة الزهراء والفاطميون / عباس محمود العقاد / ص 20 .

    (2) تاريخ الطبري / ج 2 / ص 197 .

    ( 22 )

    فان المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة وهو والله يعد له نبأ عظيم وخطر جليل ، وقد رغب اليكم رغبة في كريمتكم خديجة ، وقد بذل من الصداق ما عاجله وآجله اثنا عشرة اوقية ونشا (1).
    الى جانب ذلك نريد ان نعرف ان السيدة خديجة بنت خويلد انجبت من زوجها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولدين واربع بنات وهن زينب ورقية وام كلثوم وفاطمة ( وهي اصغرهن سناً ) . اما الولدان فقد توفيا وهما صغيران . الاول كان القاسم توفي وعمره سنتان وهو اكبر الابناء وبه يكنى ، والثاني هو عبد الله آخر الابناء وله اسم آخر هو ( الطاهر ) وهو اسم محبب من قبل الرسول أطلقه عليه لشغفه وحبه لزوجته الطاهرة خديجة ، لكنه مات وهو صغير .
    كانت خديجة اول من آمن برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين هبط عليه الوحي خلال تعبده في غار حراء ، وهي اول المصدقين به ، اعطته ثروة لقاء هداية تفوق كنوز الارض واعطاها عمره وزهرة شبابه فقال : ( ما قام الاسلام الا بسيف علي ومال خديجة ) . وهو لم يعرف موقفه منها ، ولم يتزوج غيرها حتى وفاتها ، وقال : ( لا والله ما ابدلني الله خيراً منها آمنت بي وكذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ) .
    ذلك الموقف النبيل شد من ازر الرسول الكريم وقوّى من اصراره على اعلاء كلمة الحق ، حتى تمّ له ما اراد بالعلم والعدل والتقوى ، ونال المقاصد السامية والغايات الرفيعة .
    (1) مثلهن الاعلى خديجة بنت خويلد / عبد الله العلائلي / ص 66 / النشى : عشرون درهماً وهو نصف الاوقية . ويروى ان ابا طالب صدقها عشرين بكراً .

    ( 23 )

    قال الرسول الكريم : قوة ، وهذه القوة من اعظم قوى الكون ادخرها الله تعالى لانقاذ البشر ، وجدت لسعادة البشر من هذه القوة التي هي سر الخليقة ومركز دائرة الكون .
    ولو لم يكن بحثنا مقتصراً على سيرة السيدة فاطمة الزهراء لطال بنا الوقوف اكثر من هذا الاستعراض السريع ، لبيان خصائص الشخصية المحمدية التي حباها الله تعالى إياه . متأملاً ان يتاح لي ذلك في فرصة اخرى للحديث عن سيرة سيد المرسلين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وايراد معالم تلك الجوهرة الالهية ، والكشف عن بعض اسرارها المكنونة ، وحسبه علاً وسطوة ما جاء في حقه ( لولاك لما خلقت الافلاك ) .
    أم السبطين عليها السلام

    هذه السيدة الجليلة .. هذه العالمة الكاملة الفاضلة ، كانت روحاً من نفحات روح النبي صلى الله عليه وآله ووهجاً من توهجاته ، وشعاعاً نيّراً من اشعاعاته .
    فاطمة الزهراء عليها السلام لا تجارى ولا توصف ، ولا يقاس بها كل نساء الارض ، فهي الانسية الحوراء ، والبتولة العذراء ، وام الأئمة النجباء الأصفياء .
    فاطمة الزهراء عليها السلام اشراقة الهية ، ومنحة ربانية ، لمعت في سماء الدنيا ، فتبلجت بأنوارها المشرقة مدلهماتها ، واشرقت بأنوارها الساطعة اكوانها ودياجيرها .
    عاشت في أحضان الرسالة ، وارتضعت من لبان المجد ، ثم ترعرعت في بيت طاهر مطهر ، كان ولا زال كعبة القصاد ، وقبلة الوفاء ، ومأوى الملهوفين ، ومنار التائهين الى يوم الدين . ثم كبرت مع الكبار ، وبرزت معالم الأنوثة فيها ، حتى حان الحين انه تكون زوجاً لخير بعل .. ذلك هو ابن عمها علي بن أبي طالب عليه السلام ، اسد الله الغالب ومظهر العجائب ،
    ( 25 )

    بطل الاسلام ، الفارس الضرغام ، قائد البررة الكرام أمير المؤمنين عليه السلام .
    وبعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله الاكرم الى دار الخلود ، بدأت حياة جديدة تختلف ايما اختلاف عما كانت عله في كنف والدها العظيم من عز واجلال واحترام ، أليس هو القائل في حقها : « فاطمة روحي التي بين جنبيّ » والقائل : « فاطمة أم أبيها » و : « فاطمة بضعة مني من أحبها فقد أحبني ، ومن أبغضها فقد أبغضني » . الى غير ذلك من الأقوال المأثورة التي سنقف عليها في ثنايا هذا الكتاب .
    فمحمد والزهراء وعلي والحسن والحسين والتسعة المعصومون من ذرية الحسين عليهم السلام ، هم قادة الأمة وملاذها ، وهم عنوان مجدها وكرامتها . فأين نحن عن فهم حقيقة سيرة هؤلاء الأطياب بعيداً عن كل تزمت او تعصّب مشين ؟
    نحن أمة محمد صلى الله عليه وآله اليوم محدقون بالأخطار والأهوال من كل جوانب حياتنا ، فأعداؤنا كُثّر ، واحقادهم لا نهاية لحدودها ، فالتآمر على ديننا الحنيف ، بل ووجودنا وكياننا كأمة لها رسالة وقيادة الهية مقدسة .
    ما أحرانا نحن الأمة المستضعفة ، ان ننهض من جديد من سباتنا العميق لنجدد تلك الذكريات بأقلام شعبية واضحة ، بعيدة عن الاساليب البلاغية ذات المحسنات البديعية ، حتى تكون بمثابة خطاب موجه الى الجماهير في كل مكان يستفيد منها المثقف والناشئ والاستاذ والطالب .
    لا أقول ان نكتب السيرة نثراً فحسب ، فالشعر ايضاً هو الصوت المؤير في
    ( 26 )

    المشاعر والقلوب ، بل هو السيف البتّار في كشف الحقائق والأسرار ، حتى تعرف الأمة تاريخها ، وتراثها الغابر ، دونما زيف او وجل او مبالغة .
    نحن وعلى مدى هذا العمر القصير ، وقفنا على كثير من الكتابات والمؤلفات التي تظهر بين آونة وأخرى ـ من هنا وهناك ـ وان قسماً منها قد كتب ونشر منذ قرون غابرة ، لكنها أمالت بوجهها عن اتباع طريق الهدى والحق ، فأحدثت في وحدة الأمة شرخاً ، واورت نار البغضاء والشحناء ، فبررزت عصابات من حولها تطبّل لهذا تارة وتزمر لذلك اخرى ، كأن لم يكن لها شغل شاغل غير هذا النفخ المريب في ابواق التفرقة وفصم عرى الاتحاد ، وهذا هو بعينه ، ما خطط له المستعمرون الغاشمون ، قديماً وحديثاً .
    نحن اليوم بأمس الحاجة الى وقفة جادة وصريحة تدعو الى الحق وتأخذ به ، وتعمل من أجل الحق وتدافع عنه ، ولا يكون هذا إلاّ بالتخلّي عن الشوائب التي علقت بالنفس ، والادران التي التصقت في حنايا الصدور .
    يا ابناء محمد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ، ويا أبناء فاطمة ، وحّدوا الصفوف واتركوا كلَّ ما يثير الشحناء والفرقة ، فأنتم اليوم المستهدفون في كل بقاع الارض .. وما لم تتوحّدوا وتتآلفوا لم يرهبكم احد أينما كنتم .
    اننا نوجه نداءنا الى ادبائنا ومثقفينا بالتوجه الجاد نحو الكتابة عن سيرة سلفنا الصالح وقادتنا الأئمة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . ففي سيرتهم المتلألئة تستضيئ الشعوب ، وعلى هدى خطواتهم تسير في الحياة وتتعامل مع كل مفصل من مفاصلها ، ومن
    ( 27 )

    عظمتهم يكتشف من الجوانب العلمية الخافية على العلماء والمعنيين من المثقفين وعمالقة الفكر وروّاد الأبداع .
    انها فاطمة الزهراء التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، ونوّه رسول الله بعضمتها وجلالة قدرها ، وأمير البلاغة والبيان علي عليه السلام ينظر اليها بنظر الاجلال والاعظام وائمة أهل البيت ينظرون اليها بنظر التقديس والاحترام .
    سلام على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها وعلى التسعة المعصومين من ذرية ولدها الحسين عليه السلام .
    ( 28 )

    ولادة الزهراء (عليها السلام)

    اراد الله سبحانه وتعالى ان يمدّ يده طاهرة قوية الى هذه المرأة التي انفردت بالحب الكبير منذ مولدها بعد المبعث بخمس سنين وثلاث سنين من الاسراء ، وعلى رواية اهل السنة قبل المبعث بخمس سنين ، وكبرت ونمت معها براءة الطفولة ، فكانت احب الناس الى الله ورسوله ، وهي آخر اولاد الرسول من خديجة واصغرهم ـ كما مرّ بنا آنفاً ـ .
    ولدت في مكة المكرمة وفي بيت الوحي والجهاد ، وترعرعت في ظل ابوين لم يعرف التاريخ افضل منهما ، هذا المولود الجديد كان حديث كل دارة ومجلس ، وشاغل كل نديّ وسامر ، فتعطرت ارجاء الدار بعبير نشرها ، وكان مولد فاطمة عليها السلام قبل النبوة وقريش حينئذ تبني الكعبة (1)
    كانت الزهراء سلام الله عليها تؤنس امها خديجة في ايام الحمل وتحدثها بما يطيب خاطرها ويبعث الطمأنينة والسرور الى قلبها (2)لقد دخل عليها
    (1) طبقات ابن سعد / ج8 / ص11 / والاصابة في تمييز الصحابة / ج 8 / ص157 .

    (2) فاطمة الزهراء ام ابيها / فاضل الحسيني الميلاني / ص 26 .

    ( 29 )

    النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة وقال لها : ياخديجة من تحدثين ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني ! فقال : يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني انها انثى ، وانها النسلة الطاهرة الميمونة ، وان الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها ائمة ويجعلهم خلفاء في ارضه بعد انقضاء وحيه (1) .
    ولدت فاطمة فولد الخير كُلُه ، ونشأت على العبادة والصلاة في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ونبغت نبوغاً فذاً وتقدمت بها السن حتى احتلت مكان الصدارة بين نساء العالم اجمع . قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة : يا بنيّة من صلى عليك غفر الله له والحقه بي حيث كنت في الجنة (2) .
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها (3) .
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ان فاطمة بضعة منّي يغضبني من اغضبها (4) .
    وفي قول : فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما انصبها .
    وفي قول : فاطمة بضعة مني يسعفني ما يسعفها .
    وفي قول : فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها .
    (1) المصدر السابق / ص 27 .

    (2) كشف الغمة / محمد بن عيسى الاربلي / ص 142 .

    (3) صحيح مسلم / ج2 والخصائص / للنسائي / ص 35 .

    (4) صحيح البخاري / ج2 / ص 260 / فصل : مناقب فاطمة .

    ( 30 )

    وفي قول : فاطمة مضغة مني فمن آذاها فقد آذاني .
    وفي قول : فاطمة مضغة مني يسرني ما يسرها (1) .
    ومن الاصابة كانت ولادة فاطمة بعد البعثة وهي اصغر بناته صلى الله عليه وآله وسلم واحبهن اليه . قالت عائشة : ما رأيت قط احداً افضل من فاطمة غير ابيها . عن ابن عباس : خط النبي صلى الله عليه وآله وسلم اربع خطوط فقال : افضل نساء اهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية (2)من ذلك كله نلاحظ ان هناك الكثير مما طفحت به كتب الاخبار وشهدت له ألسنة ، الرواة في ولادة الزهراء من الاحاديث والروايات المسندة .
    (1) الغدير / عبد الحسين الاميني / ج7 / ص 232 .

    (2) ينابيع المودة / للقندوزي / ص 170 و 171 .

    ( 31 )

    تسميتها ونشأتها (عليها السلام)

    مما ينبغي ان يشار اليه انهناك شرحاً لغوياً مفصلاً يسرده المؤرخون للتعريف بـ (فاطمة) و (الزهراء) و (البتول) ، فمما رواه العلامة المجلسي قدس سره في البحار بخصوص لفظة فاطمة بخبر مسند عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : هل تدري لم سميت فاطمة ؟ قال علي : لم سميت فاطمة يا رسول الله ؟ قال : لانها فطمت هي وشيعتها من النار (1) وعرفت بالزهراء لانها تزهر لأمير المؤمنين . قال المجلسي : عن ابان بن تغلب قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا ابن رسول الله لم سميت الزهراء بـ (زهراء) ؟ فقال : لانها تزهر لأهل الارض في النهار ثلاث مرات بالنور . كان يزهر نور وجهها عند صلاة الغداة والناس في فراشهم فيدخل بياض ذلك النور الى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك ، فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم الى منزل فاطمة عليها السلام ، فيأتون
    (1) بحار الانوار للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج 43 / ص 15 .

    التعديل الأخير تم بواسطة الراصد الجديد; الساعة 25-04-2012, 10:17 PM. سبب آخر: حذف روابط

  • #2
    2

    ( 32 )

    منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها ، فيعلمون ان الذي رأوه كان نور فاطمة فاذا انتصف النهار ترتبت للصلاة زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة فيدخل الضوء في حجرات الناس فتصفر ثيابهم والوانهم ، فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عما رأوا ، فيرسلهم الى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة فيعلمون ان الذي رأوا كان من نور وجهها ، فاذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عز وجل فكان تدخل حمرة وجهها حجرات النوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك وياتون النبي صلى الله عليه وآله ويسألونه عن ذلك ، فيرسلهم الى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون ان الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام . فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا الى يوم القيامة في الائمة منا اهل البيت امام بعد امام (1) .
    وقد قيل فيها بهذا الخصوص :
    خـجلاً من نور iiطلعتها تتوارى الشمس في الافق
    وحـياء مـن iiشـمائلها يـتغطى الغصن iiبالورق


    وعرفت الزهراء بالبتول لانها لم تحضْ ، يقول آدم متز : ذهب الشيعة في السيدة فاطمة (رضي الله عنها) الى ما شبه صفات السيدة مريم عليها السلام ، فهي قد سميت البتول مثل مريم ، يروي الشيعة عن النبي عليه
    (1) بحار الانوار للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج 43 / ص 11 .

    ( 33 )

    السلام انه اجاب من سأله : ما البتول ؟ فقال البتول التي لم تر حمرة قط ، أي لم تحض ، فان الحيض (1) مكروهة في بنات الانبياء (2) . لقد كانت طاهرة من الحيض والنفاس ، ولعمري انها صفة انفردت بها عن بنات حواء ، وقد ساعدتها هذه المكانة المرموقة التي تتمتع بها والدها ووالدتها على تربيتها وتوجيهها حتى اصبحت آية في الذكاء والفهم والبلاغة على حداثة سنّها ، فالزهراء هي كريمة منقذ الانسانية الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة المنزهين عن الدنس المطهرين بنص الكتاب ، مالو وعته الارض لزلزلت زلزالها وأخرجت أثقالها من الكفر بالله وهتك حرمات بيته ، عجزت عن اطرائها قواميس اللغات ، وقصرت عن ادراك كنهها افئدة اولي الالباب . فآيات نبلها لا تحصى ومناقبها لا تستقصي ، وجميل صفاتها لا يوصف ، اكتسبت الفضائل الانسانية والارشادات والعلوم النافعة والسجايا الحميدة وامثالها مع اتقانها بالعمل والموارد التي تحتاج اليها الامة ، وجبلت على الدين والتقوى والزهد ، فشمرت عن ساعدي الجد والاجتهاد لنصرة العلم والحفاظ على شعائر التقوى والنواميس المقدسة والاستمرار في الارشاد والهداية ، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحبها حباً جماً ، فقد قال مخاطباً امير المؤمنين علياً عليه السلام : يا علي اعطيت ثلاثاً لم يعطها الصفات الكاملة التي تجلت بها وفق ما يتطلبه الدين الاسلامي القويم وكتاب الله العزيز . ولا شك ان هذا الفهم المبكر وحدة الذكاء ، جعلا منها نموذجاً صالحاً قل نظيره ، الى
    (1) الحيض : جمع ، مفرده الحيضة .

    (2) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري / آدم متز / ص 126 .

    ( 34 )

    جانب ذلك كانت توصف بجمال الهيئة وتمام الخلقة وصدق الحسن ونفاذ البصيرة ، وكان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم اثر عميق في نفسها ، لذلك لم ير أشرف من الزهراء في طهرها وعفافها ومن ابائها وشممها واخلاصها ومكارم اخلاقها .
    تأدبت الزهراء بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واشتهرت بكونها المثل الاعلى للرجال ، بل النساء ، ولذا يحق لها أن تكون اسوة لنساء العالم دون استثناء ، والتاريخ على كثرة ما فيه من النساء المثاليات ، لم يستطع ان يُري البشرية امرأة كهذه السيدة الجليلة ، فقد كانت المسلمة الكاملة بين فضليات المسلمين و المسلمات، و مع ان خديجة و مريم و آسية من فضليات النساء فان فاطمة عليها السلام افضلهن جميعاً . ولا نقول ذلك اعتباطاً او بالنظر الاسلامي فحسب ، بل حتى بالنظر الى المزايا الانسانية والفضائل البشرية ، فهل يرينا التاريخ ان مريم كانت تتوالى عليها المصائب والآلام منذ ولادتها حتى وفاتها ، ثم تقابل تلك المصائب والمحن برباطة جأش كالجبال الرواسي صلابة وصموداً ، وكذلك قل بالنسبة لخديجة وآسية . هذه السيدة الجليلة الطاهرة افضل مثال للاقتداء بها في جهادها وصبرها وفضائلها وسائر مزاياها .
    اجل ! ان فاطمة الزهراء عليها السلام هي المثال الصالح لكل الفضائل ، فهي حوراء أنسية لانها خلقت من ثمر الجنة ، بنت برة وزوجة صالحة وام حنون وعاملة كادحة ، وعابدة زاهدة ، وعالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة ، صابرة محتسبة غنية النفس . وقد سمعت اباها يقول : ( ليس الغنى من كثرة المال انما الغنى غنى النفس ) . فهي لم تكن تحفل بزخارف الدنيا
    ( 35 )

    ومظاهرها ، وقد سمعت اباها يقول : ( من اصبح وهمه الدنيا شتّت الله عليه امره وجعل فقره بين عينيه ، ولم يؤته من الدنيا الا ما كتب له ، ومن اصبح وهمّه الاخرة جمع الله له همه ، وحبّذ عليه صنيعه وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا راغمة ) .
    لا شك ان هذا النور هو من الفيض الإلهي ، وان ولادة الزهراء ولادة الامل . والذي يلاحظ بوضوح من خلال النصوص المتقدمة ان الزهراء حالة خاصة فريدة لا يمكن القياس عليها بسواها من نساء العالم قاطبة . وللوالد تغمده الله برحمته ابيات في ذكر مولدها ، قال :
    ان بـنت المصطفى iiفاطمة قـد اتى ميلادها نصراً مبين
    ذاتـهـا جـوهرة iiقـدسية صـاغها الله هدى iiللعالمين
    انـها فـلذة طـه المصطفى انـها خـير نـساء العالمين
    انـجـبت ذريــة iiطـيبة كـفت الاسلام سر iiالعالمين
    انـها خـالدة فـي iiفـضلها باسمها العاطر أشدو كل حين
    تواترت الاخبار في فضل الزهراء وطهارتها ، فقد قيل : انها سيدة نساء اهل الجنة (1) وافضلها (2) وسيدة نساء العالمين (3) وكيف لا تكون كذلك وقد خلقها الله نوراً لملائكته يكشف عنهم الظلمات قبل ان يخلق آدم ، حتى حبا الله بها نبيه الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فمنحه بضعته العظمة النبوية ومنبثق الامامة ومبرق العصمة وارومة الطهارة
    (1) الصواعق المحرقة ـ ابن حجر الهيثمي ـ الفصل الثالث .

    (2) مسند احمد ـ الاستيعاب / ابن عبد البر ، عن ابن عباس .

    (3) الاستيعاب / ابن عبد البر عن عمران بن حصين .

    ( 36 )

    والقداسة ، مصدر ذريته ومعدن نسله ، دمغ الله تعالى بها ذلك الشاني الأبتر الذي كان يعيّر رسول الله تعالى صلى الله عليه وآله وسلم بانه ليس له عقب ، فنزلت فيه هذه الآية الكريمة : ( إنَّ شَانِئَكََ هُوََ الاَبْتَرُ) .
    كان نسل الرسول بنتاً فاضحى مثل نبت الربيع عمّ البسيطة . ذكر ابن شهر اشوب في المناقب من اسمائها : فاطمة ، البتول ، الحصان ، الحرة ، السيدة ، العذراء ، الزهراء ، الحوراء ، الطاهرة ، الزكية ، مريم الكبرى ، النورية ، السماوية .
    وفي ( معجم البلدان ) تعريف بالزهراء هذا نصه : الزهراء ممدود تأنيث الأزهر ، وهو الابيض المشرق والمؤنثة زهراء ، والازهر : النيّر ومنه سمي القمر الازهر (1) .
    لقد حملت فاطمة الزهراء كل صفات الشرف والفضيلة ، وهي صفات الملائكة والصديقين ، واتسمت بسمات الحور العين ، بحيث يعجز عن وصفها قلم واصف .
    (1) معجم البلدان / ياقوت الحموي / ج 3 / ص 161 .

    ( 37 )

    حب النبي للزهراء عليهما السلام

    سبق ان بيّنا ان النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان يود فاطمة الزهراء عليها السلام ويحن اليها . ولا بد لنا ونحن في معرض الكلام عن الزهراء وابيها ان نستعرض بعض الشواهد ليقف القارئ على مدى هذا الحب الطاهر . جاء في ( اعيان الشيعة ) : روى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابي ثعلبة الخشني قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا رجع من غزاة او سفر اتى الى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم ثنّى بفاطمة ، ثم يأتي ازواجه . ( وبسنده ) عن ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان اذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة واذا قدم من سفر كان اول الناس به عهداً فاطمة (1) . واستطرد صاحب الاعيان قائلاً : وقد اعتاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ان يمرَّ عند خروجه على بيت فاطمة وهي من احب اهله اليه ، فمر ذات يوم عليها ورجع من الباب دون ان يدخل واستمر هاجراً فاطمة ثلاثة ايام ، فاستقدمت عمار بن ياسر وهو من
    (1) اعيان الشيعة / السيد محسن الامين العاملي / ج 2 / ص 430 .

    ( 38 )

    اكرم صحابته لديه ، قالت له ان يستنبئ من ابيها عن سبب هذا الهجران . ولما سأله عمار قال له الرسول الكريم ـ وانظر لما قال ـ : رأيت في معصم فاطمة اسورة من الفضة واهل الصُفة يتضورون جوعاً ، فجاء عمار واخبرها الخبر فقالت له : خذ الاسورة وبعها واشتر بثمنها خبزاً لأهل الصفة ، ولما فعل ما امرته به عاد فأخبر اباها بما كان فرجع لعادته معها . وورد في الاستيعاب بالإسناد الى ابي ثعلبة الخشني قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا قدم من غزو او سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم يأتي فاطمة ثم يأتي ازواجه . وعن عائشة ام المؤمنين (رض) انها قالت : ما رأيت أحداً كان اشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة ، وكانت اذا دخلت عليه قام اليها فقبلها ورحب بها كما كانت تصنع هي به صلى الله عليه وآله وسلم . وعن عائشة (رض) ايضاً قالت : ما رأيت احداً كان اصدق لهجة من فاطمة الا ان يكون الذي ولدها . وعن جميع بن عمير قال : دخلت على عائشة (رض) فسألت أي الناس كان أحبّ الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قالت : فاطمة . قلت : فمن الرجال ؟ قالت : زوجها اذ كان ما علمته صواماً قواماً . وعن ابن بريدة عن ابيه قال : احب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة ومن الرجال علي بن ابي طالب ( رضي الله عنهما ) الى غير ذلك (1) ولا شك ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب فاطمة حباً جما حتى عدله البعض في ذلك . والحب
    (1) اعيان الشيعة / محسن الامين العاملي ج2 / ص 430 / وانظر : ذخائر العقبى للطبري / ص 62 .

    ( 39 )

    الشديد الذي قد يتجاوز المتعارف يصدر احياناً من الاب لجهله وقصر نظره (1) .
    لقد كان بين الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وبين ابنته فاطمة عليها السلام تعاطف شديد ، وبلغ من حبها لأبيها ايضاً ومن حزنها عليه ، انها مازالت معصبة الرأس ، ناحلة الجسد ، مهيضة الركن ، باكية العين ، محرقة القلب ، وانها لم تُرَ بعد وفاته كاشرة ولا ضاحكة . قيل : وبكت حتى نادى بها اهل المدينة فقالوا لها : آذيتنا بكثرة بكائك ، فجعلت تأتي قبور الشهداء في كل اسبوع مرتين فتقول : ها هنا كان الرسول ، وها هنا كان المشركون . ( لقد كان يسأل النبي في قضية فيجيب : لنأخذ اولا رأي فاطمة . هكذا كان لفاطمة رأي في تربية صحيحة كانت لشخصيتها فيها تلك التنمية ) (2) .
    وعن الصادق عليه السلام : انها كانت تصلي هناك وتدعو ، وانها ظلت على ذلك حتى ماتت ، وقد تكون الزهراء مثلاً اعلى في الصبر على المكاره واحتمال الحرمان حتى الجوع والعطش . مرضت يوماً فدخل عليها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعودها ، فسألها كيف تجدينك يا بنية ؟ قالت : اني موجعة ، وانه ليزيدني اني مالي طعام آكله . قال علي عليه السلام : ان فاطمة استقت بالقربة حتى اثرت في صدرها وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها واوقدت النار تحت القدر حتى
    (1) فاطمة الزهراء المرأة النموذجية في الاسلام / ابراهيم الاميني ترجمة : علي جمال الحسيني ص 95 .

    (2) فاطمة الزهراء وتر في غمد / سليمان كتاني / ص 114 .

    ( 40 )

    دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر شديد (1) . وبلغ من حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابنته فاطمة عليها السلام انه كان يكنيها بـ ( أم ابيها ) (2) . وقد اثنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثناءً مستطاباً في كثير من المواضع . هذا الحب العارم وهذه المودة الخالصة مبعثها المؤهلات العالية التي ورّثها لها ابوها ، وكانت لوقعها اثر كبير في مسيرة حياتها . هكذا عاشت وهي تؤدي رسالتها على احسن ما يمكن الاداء ، يعطف عليها والدها ويهتم بامرها ايما اهتمام . وأجدني اكرر ما ذكرته في مناسبة سابقة من ان الزهراء عليها السلام افضل نساء اهل الجنة . وعن عائشة قالت : ما رأيت احداً اشبه حديثاً وكلاماً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة . وكانت اذا دخلت عليه اخذ بيدها فقبلها واجلسها في مجلسه ، وكان اذا دخل عليها قامت فقبلته بيده فأجلسته في مكانها (3) . وسأله علي عليه السلام يوماً فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انا احب اليك ام فاطمة ؟ فقال : انت عندي اعز منها ، وهي احب منك (4) . وهناك روايات كثيرة كلها تنص على محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاكرم للصديقة الزهراء سلام الله عليها .
    (1) مجلة ( العرفان ) اللبنانية ـ خصال ( فاطمة الزهراء ) لعارف النكدي / ج 6 / مج 51 ( شعبان 1383 هـ / 1963 م ) ص544 .

    (2) فاطمة الزهراء ام ابيها ، فاضل الحسيني الميلاني / ص 35 .

    (3) كشف الغمة / علي بن عيسى الاربلي / ج 2 / ص 79 .

    (4) كشف الغمة / ج 2 / ص 88 .

    ( 41 )

    فضائل الزهراء عليها السلام ومناقبها

    في سيرة الزهراء سلام الله عليها مواقف مشرّفة من جهاد في سبيل الله ومحاجة مع بعض الصحابة ودعوة الى التوحيد ، وقد وردت اخبار واحاديث كثيرة كلها تجعل من فاطمة الزهراء عليها السلام المثل الاعلى في علو الهمة والبطولة والايثار وتبصرة الحق والتعاون على البر والتقوى والتمسك بالخلق وما الى ذلك . ونحن اذ نذكر هنا بعضاً من فضائلها ومناقبها في ازمان وسنين توالت . ففي خروج ابي سفيان الى المدينة للصلح واخفاقه ذكر ابن هشام فقال : خرج ابو سفيان فدخل على علي بن ابي طالب رضوان الله عليه وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها ، وعندها الحسن بن علي غلام يدب بين يديها . فقال : يا علي انك امس القوم بي رحماً واني جئتك في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائباً فاشفع لي الى رسول الله ، فقال : ويحك يا ابا سفيان والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امر لا نستطيع ان نكلمه فيه ، فالتفت الى فاطمة فقال : يا بنت محمد هل لك ان تأمري بنيّك هذا
    ( 42 )

    فيجير بين الناس ، فيكون سيد العرب الى آخر الدهر ؟ قالت : والله ما بلغ بنّي ذاك ان يجير بين الناس وما يجير احد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يا ابا الحسن اني ارى الامور قد اشتدت عليّ فانصحني ، قال : والله ما اعلم لك شيئاً ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك ، قال : او ترى ذلك مغنياً عني شيئاً ؟ قال لا والله ما اظنه ، ولكني لا اجد لك غير ذلك ، فقام ابو سفيان في المسجد فقال : ايها الناس اني قد اجرت بين الناس ، ثم ركب بعيره فانطلق ، فلما قدم على قريش ، قالوا ما وراءك ؟ قال : جئت محمداً فكلمته ، فو الله ما ردَّ عليَّ شيئاً ، ثم جئت ابن ابي قحافة فلم اجد فيه خيراً ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته ادنى العدو ، قال : ابن هشام اعدى العدو (1) .
    وفي ما امر به الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عليها من أمور حج بيت الله الحرام ، قال ابن اسحاق : وحدثني عبد الله بن ابي نجيح : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان بعث علياً رضي الله عنه الى نجران ، فلقيه بمكة وقد احرم ، فدخل على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنها فوجدها قد حلت وتهيأت ، فقال : مالك يا بنت رسول الله ؟ قالت : امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نحلّ بعمرة فحللنا ، ثم اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من الحَير عن سفره ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلق فطف بالبيت وحلّ كما حلّ باصحابك ؟ قال : يا رسول الله اني هللت كما اهللت ،
    (1) السيرة النبوية / ابن هشام ج 3 و 4 / ص 396 / وانظر حياة محمد / محمد حسين هيكل / ص 261 .

    ( 43 )

    فقال : ارجع فاحلل كما حل اصحابك ، قال : يارسول الله اني قلت حين احرمت : اللهم اني اهلّ بما اهلّ به نبيك وعبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : فهل وثبت على احرامه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى فرغا من الحج ، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي عنهما (1) . وعن ابي هريره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اول شخص يدخل علىّ الجنة فاطمة بنت محمد . وروي باللفظ الصريح يرويه كل من النجار ومسلم والترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : قد كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون . وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد . وعن كتاب العترة النبوية مرفوعاً الى قتادة عن انس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خير نسائنا مريم وخير نسائنا فاطمة بنت محمد وآسية امراة فرعون . وبإسناده ايضاً عن انس ان النبي صلى الله عليه وآله قال : حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد . وعنه ايضاً قالت عايشة لفاطمة : الا يسرك اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : سيدات نساء اهل الجنة أربع مريم بنت عمران وفاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون . وعنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : اذا كان يوم القيامة قيل يا اهل الجمع غضوا ابصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد وعليها ربطتان خضراوان وفي بعض الروايات حمراوان (2) .
    (1) السيرة النبوية / ابن هشام / ج 3 / ص 602 .

    (2) الفصول المهمة في معرفة احوال الائمة ـ لعلي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ / ص 129 .

    ( 44 )

    وروي عن مجاهد قال : خرج النبي صلى الله عليه وآله وهو آخذ بيد فاطمة فقال : من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فيي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة مني وهي قلبي وروحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (1) . قال الشيخ عن الحسين الحويزي :
    فاطمة بنت أحمد سادة الخلق جميعا رجــالــهـا ونــسـاءهـا
    لـم تـنل مـريم وآسـية iiالزهرا ولا ســــارة ولا iiحــوّاهـا


    وروي ان اليهود كان لهم عرس فجاؤوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا : لنا حق الجوار فنسألك ان تبعث فاطمة بنتك الى دارنا حتى يزداد عرسنا بها وألحوا عليه فقال : انها زوجة علي بن ابي طالب وهي بحكمه ، وسألوه ان يشفع الى علي في ذلك وقد جمع اليهود الطم والرمّ (2) من الحلي والحلل ، وظن اليهود انّ فاطمة تدخل في بدلتها وارادوا استهانة بها ، فجاء جبرئيل بثياب من الجنة وحلي وحلل لم يروا مثلها فلبستها فاطمة وتحلّت بها فتعجب الناس من زينتها والوانها وطيبها فلما دخلت فاطمة دار اليهود سجد لها نساؤهم يقبلن الارض بين يديها واسلم بسبب مارأوا خلق كثير من اليهود (3) .
    لقد فقد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حياته بناته بعد خديجة واحدة بعد الاخرى بعد ان كبرن وصرن ازواجاً وامهات ، فلم تبق له منهن
    (1) الفصول المهمة / ص 131 .

    (2) أي بكل ما كان عنده مستقصى فما كان من البحر فهو الطم وما كان من البر فهو الرم .

    (3) بحار الانوار للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ـ المجلد العاشر / ج 43 / ص 30 .

    ( 45 )

    غير فاطمة ، هؤلاء الابناء والبنات الذين تساقطوا من حوله قد دفنهم بيده تحت صفائح الثرى ، تركوا في نفسه قرحة ألم اندملت بمولد ابراهيم واثمرت مكانها رجاءً واملاً ، وكان حلاً له ان يمتلئ بهذا الامل غبطة واستبشاراً .
    مرّ بنا كيف ان النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب فاطمة ، يصونها ويؤنس وحشتها ، لكن محمداً قد مرض وقد بلغت به شدة المرض حداً آلمه ، ذلك ان الحمى زادت به حتى لقد كانت عليه قطيفة ، فاذا وضع ازواجه وعوّاده ايديهم من فوقها شعروا بحر هذه الحمى المضنية ، وكانت ابنته فاطمة تعوده كل يوم ، وكان يحبها ذلك الحب الذي يمتلئ به وجود الرجل للابنة الواحدة الباقية له من كل عقبه ، لذلك كانت اذا دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام اليها وقبلها واجلسها في مجلسه ، فلما بلغ منه المرض هذا المبلغ دخلت عليه فقبلته ، فقال : مرحباً يا بنيتي ، ثم اجلسها الى جانبه واسرَّ اليها حديثاً آخر فضحكت ، فسألتها عائشة في ذلك ، فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما مات ذكرت انه اسرَّ اليها انه سيقبض في مرضه هذا فبكت ، ثم اسرَّ انها اول اهله يلحقه ، فضحكت ، وكانوا لاشتداد الحمى به يضعون الى جواره اناء فيه ماء بارد ، فما يزال يضع يده فيه ويمسح بها على وجهه ، وكانت الحمى تصل به حتى يغشى عليه احياناً ثم يفيق وهو يعاني منها اشد الكرب . حتى قالت فاطمة يوماً وقد حز الالم في نفسها لشدة الم ابيها : واكرب ابتاه ، فقال : لا كرب على ابيك بعد اليوم . يريد انه سينتقل من هذا العالم ، عالم الاسى والألم (1) .
    (1) حياة محمد / محمد حسين هيكل / ص 313 .

    ( 46 )

    وعن مهاجر بن ميمون عن فاطمة عليها السلام قالت : قلت لابي صلى الله عليه وآله وسلم : اين أمنا خديجة ؟ قال : ببيت من قصب لا لغوب فيه ولا نصب بين مريم وآسية امرأة فرعون ، قلت : أمن هذا القصب ؟ قال : لا بل من القصب المنظوم بالدر والياقوت .
    وعن حذيفة رفعه : نزل ملك من السماء فاستأذن الله ان يسلم على ما لم ينزل قبلها فبشرني عن الله عز وجل ان فاطمة سيدة نساء اهل الجنة (1) .
    لعلنا لم نأت بجديد حين نقول ان هناك آيات نزلت في حق علي واهل بيته ينص على ذكرها المؤرخون في اسفارهم ، ومن هذه الآيات الدالة على كرمهم قوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلىَ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (2)فعن ابن عباس ، انها نزلت في علي وفاطمة وابنيهما وجاريتهما فضة (3) .
    ومن اخبارها سلام الله عليها ما نقله ابن ابي الحديد في شرحه قائلاً : ( ان الشيخ رأى في حلمه ان فاطمة الزهراء ) بنت رسول الله دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين صغيرين ، فأسلمتهما اليه وقالت علمهما الفقه ، فانتبه الشيخ عجباً ، فلما تعالى النهار صبيحة تلك الليلة ، دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر ، وحولها جواريها وبين يديها ابناها ( علي المرتضى ) و ( محمد الرضي ) صغيرين ، فقام اليهما وسلم عليهما ،
    (1) ينابيع المودة ـ للقندوزي / ج 2 / ص 89 .

    (2) سورة الدهر / 8 .

    (3) ينابيع المودة / ج 2 / ص 36 .

    ( 47 )

    فقالت له : ايها الشيخ هذان ولداي قد احضرتهما اليك لتعلمهما الفقه ، فبكى الشيخ وقص عليها الرؤيا وتولى تعليمهما (1) الى غير ذلك من المناقب الشريفة والمراتب العالية المنفية .
    (1) شرح نهج البلاغة / ابن ابي الحديد / ج1 / ص 24 .

    ( 48 )

    تسبيح الزهراء عليها السلام

    يكاد يجمع المؤرخون ان حمل طين الحسين عليه السلام امان من كل خوف ، ويستحب حمل سبحة من طين . روى الشيخ الصدوق في ( علل الشرائع ) بسنده عن علي عليه السلام ان فاطمة عليها السلام استقت بالقربة حتى اثرت في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت (1)يداها وكسحت البيت ( أي كنسته ) حتى اغبرت ثيابها ، واوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها ( أي اسودت ) فأصابها من ذلك ضرر شديد ، فقال لها علي عليه السلام : لو اتيت اباك فسألته خادماً ، فجاءت فوجدت عنده جماعة فاستحيت وانصرفت ، فعلم انها جاءت لحاجة فغدا علينا ونحن في لحافنا ، فأردنا ان نقوم فقال مكانكما فجلس عند رؤوسنا ، فقال : يا فاطمة ما كانت حاجتك امس ؟ فاخبره علي عليه السلام فقال : أفلا اعلمكما ما هو خير لكما من الخادم ؟ اذا اخذتما منامكما كبرا اربعاً وثلاثين
    (1) قال ابن منظور في ( لسان العرب ) مجل مجلت يداه بالكسر ، ومجلت : نفطت يداه . من العمل فمرنت وصلبت وثخن جلدها .

    ( 49 )

    واحمدا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين ، فأخرجت فاطمة رأسها وقالت : رضيت عن الله ورسوله ثلاث دفعات . وروى ابن حجر في ( الاصابة ) نحوه ثم قال : قال علي : فوالله ما تركتهن منذ علمتهن . فقال له ابن الكوا : ولا ليلة صفين ، فقال : قاتلكم الله يا اهل العراق ولا ليلة صفين . وروى الحاكم في ( المستدرك ) وصححه على شرط الشيخين وعن علي بن ابي طالب عليه السلام : اتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوضع رجله بيني وبين فاطمة ، فعلّمنا ما يقول اذا اخذنا مضاجعنا ، فقال : يا فاطمة اذا كنتما بمنزلكما فسبحا الله ثلاثً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا اربعاً وثلاثين ، قال علي : والله ما تركتها بعد ، فقال له رجل كان في نفسه عليه شيء : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين . ( اقول ) هذا هو المعروف بتسبيح الزهراء عليها السلام .
    وورد عن ائمة اهل البيت عليهم السلام استحبابه عقيب كل صلاة ، وجاء في كيفيته عكس ما مرّ ، أي بتقديم التكبير ثم التحميد ثم التسبيح ، والظاهر جواز كلا الكيفيتين . وحكى ابن شهراشوب في ( المناقب ) عن الصحيحين انها لما طلبت منه صلى الله عليه وآله وسلم خادماً وكان عنده اسارى ، قال : ولكن ابيعهم وانفق اثمانهم على اهل الصُفَّة . وعلمها تسبيح الزهراء (1) فاتخذت فاطمة عليها السلام سبحة وهي خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات فكانت تديرها بيدها عليها السلام بتكبير وتحميد وتسبيح ، الى ان قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس . فلما قتل الحسين عليه
    (1) اعيان الشيعة / محسن الامين العاملي / ج 2 / ص 442 و 443 .

    ( 50 )

    السلام عدل بالأمر إليه فاستعملوا لما فيها من الفضائل والمزية (1) .
    فالزهراء سلام الله عليها ارتفعت بأنسانيتها ، واخذت تنشر المحبة والخير والعدل والمساواة بين المسلمين ، كما دعت الى ترسيخ الايمان الصادق واتباع الحق المبين على هدى الرسالة المحمدية بكل معانيها العظيمة وتحدياتها الكبيرة وروحها المتشبعة بالفضائل والتقوى والمفاهيم الانسانية الحقيقية المستمدة من مبادئ الاسلام وقيمه العليا ، دين الاخاء والمساواة والتسامح ، ذلك الدين القيم الذي ينشد الحق والعدل والحرية ، تستقي منه الاجيال الصاعدة دروساً في التضحية والدفاع عن القيم المثلى .
    (1) الدرة البهية في فضل كربلاء وتربتها الزكية / حسين البراقي / ص 27 و 28 .

    ( 51 )

    شخصية علي عليه السلام

    تنص الروايات التاريخية كلها على ان الامام علياً ولد في الكعبة سنة 30 لميلاد رسول الانسانية ، وقتل في نفس السنة التي يبتهل فيها الرسول (1) ، وهو اول مولود ولد فيها لم يسبقه بسابق ولم يأت بعده احد ، والكعبة قبلة الاسلام ومنها ينبثق نوره ، وهو سيد الفصحاء والبلغاء وامام المتقين ومولى الموحدين وابن عم الرسول وزوج البتول ووالد السبطين الحسن والحسين عليهما السلام ، اسد الاسلام الغالب الامام علي بن ابي طالب عليه السلام .
    أية انسانةٍ تنال هذا الشرف العظيم غيرها ، في وسط الكعبة تضع فاطمة بنت اسد وليدها ، كيف لا يكون علي قد علا شرفاً بمولده كما علا من قبل بأصله الرفيع . ويتساءل الاولاد من ابيهم ما اسم المولود الجديد ؟ فيقول سميته ( علياً ) وقد اعجب الكل بهذا الاسم ، ولم يشغل الام الطاهرة الوليد عن الاهتمام بأم محمد ، فهي تزداد اهتماماً وعناية به وهو يوليها الاحترام والتبجيل ، حتى اذا ما شب عليُ ، وتعدى الخامسة من عمره بدأ
    (1) علي والقرآن / الشيخ محمد جواد مغنية / ص 9 .

    ( 52 )

    يلازم ابن عمه محمد ملازمة الظل لصاحبه يكاد لا يفارقه ابداً . كانت فاطمة بنت اسد سعيدة جداً بملازمة ولدها علي لمحمد ، كما هو شأن ابي طالب ، ورغم ان قريش كانوا يلاحقون محمداً بالأذى ، ويتربصون به الفرصة ، فقد كان علي لابن عمه اكثر من ظل ، وكانت الوالدة المؤمنة تحث ولدها وتدفعه على ذلك (1) .
    لقد عجز فصحاء العرب وبلغاؤها ان يجاوره في مضمار الفصاحة والبلاغة ، وخير ما يثبت ذلك بلاغته وفصاحته في كتاب ( نهج البلاغة ) ذلك السفر القيّم الذي لا يرقى اليه شك ولايستغني عنه العلماء الاعلام والسياسيون المحنكون والمفكرون قاطبة لما تضمن من فنون الحكمة والمعرفة واساليب السياسة وقوانين المجتمعات وحقائق الايمان ومعرفة الصانع وتهذيب النفس والحث على مكارم الاخلاق والتمسك بأهداب الفضيلة والمثل العليا . وينص التاريخ انه قتل شهيداً في المسجد عند سجوده في صلاة الصبح فخر صريعاً وهو يقول ( فزت ورب الكعبة ) فكان شهيد المحراب الاول . هذا الرجل الانساني كان انشودة الثورة في تاريخ الاسلام كله . حاز على صفات الكمال التي هي صفات العقل ، وانه مثل العقل النبوي الذي لاجله وجدت جميع الموجودات . وحسب القارئ ما روي عن الصادق سلام الله عليه : ( ان علياً انما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدق الحديث واداء الامانة ، كان نموذجاً للحكم وربيباً للنبي وازهد الصحابة ) (2) .
    (1) بين يدي الرسول الاعظم / محمد بحر العلوم القسم الثاني / ص 79 .

    (2) فاطمة الزهراء ام ابيها / فاضل الحسيني الميلاني / ص 35 .

    ( 53 )

    اتصف بالخلق الانساني العالي ، ليس لطاعنٍ فيه مهمز ولا لقائلٍ فيه مغمز ، اللهم إلا مكابرة ومعاندة . كان يخوض المعارك الدامية بنفسه بين يدي رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم لايهاب الموت في سبيل الحق والاسلام . قال الشاعر السيد مرتضى الوهاب :
    مـا شاد صرح الدين الا iiسيفه فـتحمل الصدمات في iiاعلائه
    تـركته حين البأس في iiبأسائه وتـنافسوا لـلغنم فـي سرّائه
    بـيمينه قـام البناء فكان iiفي ابقاء صرح الدين حسن عزائه
    فهو الذي قلع باب خيبر وقلع الصخرة من فم القليب في طريقه الى صفين عندما عجز اصحابه عن قلعها ، وهو الذي قتل مرحباً وعمرو بن عبد ود العامري ، وما عسى ان يقول القائل بعد قول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيه :
    ( انا مدينة العلم وعلي بابها ومن اراد الحكمة فليأتها من بابها ) وأهمية هذا الحديث يرجع الى ما فيه من التأكيد على العلم والمعرفة وسبيل الوصول اليها عن طريق النبي الكريم والوصي الامين . وقد بلغ الامام علي من زهده وعلمه منزلة عالية ونموذجاً صالحاً للامام العالم الزاهد العامل بالكتاب والسنة .
    اما مؤاخاته للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فأبين من ان تظهر ، وقد بقي ملازماً له كالظل ، وهو حري بان يكون موضع اعتماده وكاتم سرّه ، ومن اقرب من علي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ويمكننا ملاحظة ذلك من اقوال الرواة ، فمن ذلك ما رواه الترمذي في صحيحة بسنده عن عبد الله بن عمر انه قال : لما آخى رسول الله صلى الله عليه
    ( 54 )

    وآله وسلم بين صحابته رضي الله عنهم جاءه علي كرم الله وجهه وعيناه تدمعان فقال : يا رسول الله آخيت بين اصحابك ولم تواخ بيني وبين احد فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : انت اخي في الدنيا والآخرة .
    ومن مناقب ضياء الدين الخوارزمي عن ابن عباس قال : لما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين اصحابه من المهاجرين والانصار وهو انه صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين ابي بكر وعمر وآخى بين عثمان وعبد الرحمن بن عوف وآخى بين طلحة والزبير وآخى بين ابي ذر الغفاري والمقداد رضوان الله عليهم اجمعين ولم يواخ بين علي بن ابي طالب وبين احدٍ منهم ، خرج علي مغضباً حتى اتى جدولاً من الارض وتوسد ذراعه ونام فيه تسفى الريح عليه فطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجده على تلك الصفة فوكزه برجله وقال له : قم فما صلحت ان تكون الا أبا تراب ، اغضبت حين آخيت بين المهاجرين والانصار ولم اواخ بينك وبين احد منهم ، اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا ان لا نبي بعدي الا من احبك فقد حف بالأمن والايمان ومن ابغضك اماته الله ميتة جاهلية (1)
    واذا كان الرسول الكريم قد تحمل في سبيل دعوته المشاق والمصاعب ابان تلك الفترة المتأزمة ، فان وصيّه قد شاركه في تحمل القسط الاكبر من المشاق والمصاعب التي عاناها ، وفدى نفسه لاجلها . وفي آية المباهلة كان نفس المصطفى ليس غيره اياها ، من المتفق عليه ان النبي محمداً صلى الله
    (1) المصدر السابق / ص 22 .

    ( 55 )

    عليه وآله وسلم لما خرج لمباهلة نصارى نجران لم يكن معه سوى علي وفاطمة والحسن والحسين ، والآية الشريفة تصرح ان علياً نفس محمد ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسََآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) .
    فهؤلاء هم اصحاب هذه الآية وليس سواهم ، فالمراد من الابناء الحسن والحسين ومن النساء السيدة فاطمة الزهراء ومن الانفس الامام علي بن ابي طالب عليه السلام . قال الرازي في تفسيره الكبير : خرج الرسول وعليه مرط من شعر اسود وقد احتضن الحسين واخذ بيد الحسن وفاطمة خلفه وعلي خلفها وهو يقول : ( اذا انا دعوت فأمنّوا ) ، وعندما رآهم اسقف نجران قال : يا معشر النصارى اني لأرى وجوهاً لو سألوا الله ان يزيل جبلاً لازاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا (2) . وفي كتاب ( الصواعق المحرقة ) : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : خير اخوتي وخير اعمامي حمزة (3) ! وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : انت اخي في الدنيا والاخرة (4) .
    قال الشاعر عبد الباقي العمري :
    انت العلي الذي فوق العلى رفعا ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا

    والواقع الذي لا مراء فيه ان اهم الاسباب التي دعت النبي محمداً صلى
    (1) سورة آل عمران / 61 .

    (2) النبأ العظيم علي بن ابي طالب / تقي المصعبي الهندي / ج 1 / ص 27 و 28 .

    (3) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيثمي / ص 124 .

    (4) المصدر السابق / ص 120 .

    ( 56 )

    الله عليه وآله وسلم الى اختيار علي عليه السلام الى جنبه هو ما يتمتع به من مقدرة وكفاءة قتالية وقيادية نادرة اكتسبها من مقدرة وكفاءة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فان له دوراً مشرّفاً في حروب خاضها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفتوحات الاسلامية ، وتصدى لمكافحة الظلم والتخلف والتأكيد على الجهاد في سبيل الله والحق حتى النصر .
    اما من الناحية العلمية فان للامام علي قوة الارادة والحزم والعزم ، خير لسان مبين ، اعطى باكثر من فصاحة قس وبيان سحبان الى غير ذلك من الاحاديث الدالة على ما اوتي ابن عم الرسول وصهره وصنوه حبل الله المتين وحبه المكين أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، وكان لها ابلغ الاثر في اذكاء النفوس والسمو بالعقول الابية الرفيعة . وهل بالأمكان ان يحيط بهذه العلوم الغزيرة لمن كان الضياء في عقله والشعاع في نفسه ، لقد كان الامام علي يدير شؤون القضاء بنفسه لا يشغله شيء غير القيادة ورعاية الضعفاء وتفقد الارامل والايتام . ( ولم يعرف التاريخ ولن يعرف انساناً ارحم من علي ) (1) .
    ان جوهر قلبه خلص من غرس الطبيعة وصفا كنوز الشمس من ادرانها ، وهذا هو السرّ الذي جعله يتصف بأسمى الفضائل ، وتلك لعمري هي تضحية النفس في سبيل الله ، وقد دفعه ذلك نحو التقدم والسمو الى مدارج العلى والسؤدد . اصاب علي عليه السلام من العظمة ومن خشونة لباسه وجشوبة طعامه ومدرعته المرقعة ونعله المخصوف بيده ما لم يصبه احد سواه ، ان تمتع المرء بزينة الحياة وتنعمه بلذاتها ليس منكراً ، بل المنكر ان
    (1) علي والقرآن / الشيخ محمد جواد مغنية / ص 18 .

    تعليق


    • #3
      ( 57 )

      تخضع النفس لسلطان الهوى والشهوات . قال الازري :
      ذاك رأس الموحدين وحامي بيضة الدين من اكف عداها
      أي نـفس لا تـهتدي بهداه وهو من كل صورة iiمقلتاها


      فليس بدعاً ان يكون الامام علي عليه السلام عباب البلاغة الذي لا يسير غوره ، ولا يدرك شطآنه ، بل وينبوع الحكمة المستمدة من الوحي الالهي والفيض النبوي ووحي القرآن وسيرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونهجه . وللدلالة على اكرامه للضيف نسوق هذه الحكاية : ( قيل ان اعرابياً وقف عليه فقال : ان لي اليك حاجة رفعتها الى الله قبل ان ارفعها اليك ( ان انت لم تقضها حمدت الله وعذرتك ) فقال الامام : ( خط حاجتك على الارض ) فكتب الرجل اني فقير ، فقال علي عليه السلام : يا قنبر ( يعني خادمه ) اعطه حليتي الفلانية ، فلما اخذها الاعرابي مثل بين يديه وقال :
      كـسوتني حـلة تـبلى iiمحاسنها فسوف اكسوك من حسن الثنا حللا
      ان الـثناء لـيحيي ذكر iiصاحبه كـالغيث يحي نداه السهل iiوالجبلا
      لا تزهد الدهر في عرف بدأت iiبه فـكل عـبد سيجزى بالذي iiفعلا
      فقال علي عليه السلام : يا قنبر اعطه خمسين ديناراً ثم قال : اما الحلة فلمسألتك واما الدنانير فلأدبك .
      عاش سيدنا ابو الحسن عليه السلام في كنف ابن عمه الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن ست سنوات ، وتفتحت عيناه على رسول الله ووعى مبادئه وبشر بها عن يقين ، فلم تعلق به اوضار الجاهلية ولم تعبه نفسه يوماً الى مغريات الحياة وبهارجها . ويحسن بنا ان نذكر ان الامام علياً عليه السلام كان علامة مضيئة في تاريخ الامة العريق
      ( 58 )

      صاغ مجدها ونشر قيمتها وسطَّر ملاحم البطولات الفذة ، وقد عرف الخاصة والعامة قول الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( اقضاكم علي ) والقضاء هو جوهر الحقيقة ، وتلازم الامام علي عليه السلام صفات ومواهب هي المثل الاعلى للفضائل وينبوعها ، مستكملة كل مقوماتها ، مواهب وصفات شربت شخصية علي بن ابي طالب عليه السلام فاذا هي في وجود الانسان دعامة نشبت بها قيمة الانسان (1) .
      وامير المؤمنين علي عليه السلام يكنى ابا الحسن وابا الحسين ، كما يعرف بابي تراب . جاء في ( مقاتل الطالبيين ) : كان بين علي وفاطمة شيء فجاء رسول الله عليه وآله وسلم يلتمس علياً فلم يجده ، فقال لفاطمة : أين هو ؟ قالت كان بيني وبينه شيء فخرج من عندي غضبان ، فالتمسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجده في المسجد راقداً وقد زال رداؤه عنه واصابه التراب ، فايقظه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعل يمسح التراب عن ظهره وقال له : اجلس فانما انت ابو تراب وكنا نمدح علياً اذا قلنا له ابو تراب (2) .
      لقد اختاره محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتعبد بغار حراء ليكون الساعد الايمن له والربان الامين لسفينته والقائد العقائدي الذي لا تهزه الهزاهز ولا تأخذه في الحق لومة لائم . وقف يضحي في سبيل الامة الاسلامية ، يحمل لواء مسيرة الاسلام الخالد وسامً شرفٍ ثوري وعزيمة لا تقهر . قال الامام الشافعي :
      (1) الامام علي نبراس ومتراس / سليمان كناني ص 77 .

      (2) مقاتل الطالبيين / ابو الفرج الاصفهاني / ص 25 ـ 26 .

      ( 59 )

      مـاذا اقـول بمن حطت له قدم في موضع وضع الرحمان يمناه
      ان قلت ذا بشر فالعقل iiيمنعني واختشي الله من قولي iiهو(....)


      هنالك شواهد كثيرة ونصوص صريحة تؤكد على مكانة الامام علي المتميزة في الدولة الاسلامية ومنزلته الرفيعة في صفوف المسلمين ، فهو من دانت له الرقاب وطأطأت له الرؤوس ، ذلك هو زوج الزهراء وابو الائمة الهداة الاطهار .
      استمع اليه وهو يخطب فينحدر الكلم منه كالسيل ، وتتفجر الحكمة والفصاحة من ينابيع فكره كأنها الدر المنثور ، فماذا قال :
      عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قوله :
      فارفض الدنيا ، فان حب الدنيا يعمي ويصم ، ويذل الرقاب ، فتدارك ما بقي من عمرك ، ولا تقل غداً وبعد غد ، فانما هلك من مضى قبلك باقامتهم على الاماني والتسويف ، حتى اتاهم من الله امرهم بغتة وهو غافلون . فنقلوا على اعوادهم الى قبورهم المظلمة . . فمن رفض الدنيا ليس فيه انكسار ولا انخذال ، اعاننا الله واياك على طاعته ، ووفقنا واياك لمرضاته . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له ، وشهواتها يطلب من لا فهم له ، وعليها يعادي من لا علم له ، وعليها يحسد من لا فقه له ، ولها يسعى من لا يقين له .
      وقال امير المؤمنين علي عليه السلام : ( يا دنيا اليك عني ، ابيَ تعرضتِ ؟ ام اليَّ تشوقتِ ؟ لا حان حينك ، هيهات ! غُرّي غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثاً ، لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأَمَلك
      ( 60 )

      حقير ، آه من قلة الزاد ، وطول الطريق ، وبعد السفر ، وعظيم المورد ، وخشونة المضجع ! ) .
      هذا امير المؤمنين علي عليه السلام يبكي تارة من قلة الزاد وتارة يبكي لفقد الاحبة كما هو واضح من خطبته الشريفة . الى ان يصل قوله :
      ( ايها الناس اني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ بها الانبياء اممهم ، وأديت لكم ما ادت الاوصياء الى من بعدهم ، وأدبتكم بسوطي فلم تستقيموا . وحدوتكم بالزواجر فلم تستوسقوا ، لله انتم أتتوقعون اماماً غيري ، يطأ بكم الطريق ويرشدكم السبيل ؟ الا انه قد ادبر من الدنيا ما كان مقبلاً ، واقبل منها ما كان مدبراً ، وازمع الترحال عباد الله الاخيار وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى ، ما ضر اخواننا الذين سفكت دماؤهم وهم بصفين الا يكونوا اليوم احياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق ؟ قد والله لقوا الله فوفاهم اجورهم ، واحلهم دار الأمن بعد خوفهم ، اين اخواني الذين ركبوا الطريق ، ومضوا على الحق ؟ أين عمار وأين ابن التيهان ، واين ذو الشهادتين ؟ اين نظراؤهم من اخوانهم الذين تعاقدوا على المنية ؟ وابرد برؤوسهم الى الفجرة ؟ ثم ضرب بيده الشريفة على لحيته الكريمة ، فأطال البكاء . ثم قال عليه السلام :
      ( اوه على اخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه ، وتدبروا الفرض فأقاموه ، احيوا السنة ، واماتوا البدعة ، دُعوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتبعوه . . ثم نادى باعلى صوته : الجهاد الجهاد عباد الله ، الا واني معسكر في يومي هذا ، فمن اراد الرواح الى الله فليخرج ) .
      لقد استشهد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام والصلاة بين شفتيه ،
      ( 61 )

      مات وفي قلبه الشوق الى لقاء الله عز وجل ، مات قبل ان يبلغ العالم رسالته كاملة وافية ، غير اني اتمثله متبسماً قبل ان يغمض عينيه عن هذه الارض .
      كان عليه السلام اصل علم الفقه ومصدره ، وكل فقهاء الاسلام عيال عليه ، ولا عجب فهو جماع الفضائل ، نام في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو كالأسد الهصور في عرينه ، فلم يبال بالموت اوقع عليه ام وقع هو على الموت ؟ وكان منه صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون من موسى ، وهو الدرع الحصين له في جميع الغزوات قبل الفتح وبعده .
      وكانت ضربة علي عليه السلام ليلة الاحد لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان ، وشهادته في الواحد والعشرين منه سنة اربعين من الهجرة عند صلاة الصبح على يد عبد الرحمن ابن ملجم المرادي . . روى جعفر بن سليمان الضبعي عن المعلى بن زياد قال : جاء عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله الى امير المؤمنين عليه السلام يستحمله ، فقال : انت عبد الرحمن بن ملجم المرادي ؟ قال : نعم ، ثم قال : انت عبد الرحمن بن ملجم المرادي ؟ قال : نعم ، قال : يا غزوان احمله على الاشقر ، فجاء بفرس اشقر فركبه ابن ملجم لعنه الله واخذ بعنانه فلما ولي قال امير المؤمنين عليه اللسلام :
      اريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

      قال : فلما كان من امره ما كان وضرب امير المؤمنين عليه السلام قبض عليه وقد خرج من المسجد فجيء به الى امير المؤمنين ، فقال له : فوالله لقد كنت اصنع بك ما اصنع وانا اعلم انك قاتلي ولكن كنت افعل ذلك بك
      ( 62 )

      لاستظهر بالله عليك (1) .
      تلك هي شخصية الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي استطاع بحذقه ومهارته ان يصل الى مركز مرموق في دولة الاسلام والمسلمين .
      (1) الارشاد ، للشيخ المفيد / ص 13 و 14 .

      ( 63 )

      البيت الزوجي

      في رواية ابن مسعود عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : ان الله تبارك وتعالى امرني ان ازوج فاطمة من علي عليه السلام (1) وفي رواية اخرى ينقلها لنا الخوارزمي فيقول : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج على اصحابه ووجهه مشرق كدائرة القمر ، فسأله عبد الرحمن بن عوف ؟ فقال : بشارة اتتني من ربي في اخي وابن عمي وابنتي بان الله زوج علياً من فاطمة . . . (2) وفي حديث آخر : بان جبرئيل جاء الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ان الله يأمرك ان تزوج فاطمة من علي (3) .
      قال احمد في ( الفضائل ) حدثنا ابراهيم بن عبد الصمد البصري حدثنا ابراهيم بن يسار حدثنا سفيان عن ابن ابي نجيح عن ابيه قال اخبرني من
      (1) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيثمي / ص 107 .

      (2) المصدر السابق / ص 152 .

      (3) ينابيع المودة ـ للقندوزي / ج1 / ص 73 .

      ( 64 )

      سمع علي بن ابي طالب يقول على منبر الكوفة : لما اردت ان اخطب فاطمة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت انه لا شيء لي ، ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبها ، فقال : وهل عندك شيء ، قلت : لا ، قال : فاين درعك الحطمية ؟ فقلت : عندي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وهبها لي فأتيته بها فأنكحني اياها على الدرع ، فلما ان دخلت عليَّ ، قال : لا تحدثن حدثاً حتى اتيكما فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا وعلينا كساء او قطيفة ، قال : فتخشخشنا ، فقال : مكانكما على حالكما فدخل علينا فجلس عند رؤوسنا ودعا بماء فدعا فيه بالبركة ورشه علينا ، قال علي فقلت : يا رسول الله ايما احب اليك انا ام هي ؟ فقال : هي احب اليَّ منك وانت اعز علي منها . قال الشعبي : وكان قيمة درعه خمسة دراهم وغيره يقول خمسمائة درهم (1) .
      ولعبد المطلب الشاعر المصري قصيدته العلوية وفيها يتحدث عن علي في صباه واسلامه وكيف جنب الرجس والشرك ثم تكلم عن زواجه من فاطمة الزهراء فقال :
      قرآنٌ زاده الاسلام يمناً وشمل زاده الحب التئاما

      وقال احمد في ( الفضائل ) حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ايوب عن عكرمة عن ابي زيد المدني قال لما اهديت فاطمة الى علي عليها السلام لم تجد عنده الا رملاً مبسوطاً ووسادة وكوزاً وجرة ، فأرسل اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقرب زوجتك حتى آتيك ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا بماء فقال فيه ما شاء الله ان يقول ثم
      (1) تذكرة الخواص / سبط بن الجوزي / ص 206 .

      ( 65 )

      نضح به صدر علي عليه السلام ووجهه ثم دعا بفاطمة فقامت اليه في مراطها وهي تصعد عرفاً من الحياء فنضح عليها من الماء وقال لها : اما اني لم انكحك الا أحب اهلي اليَّ واعزهم علي او عندي ، ثم خرج وقال : دونك اهلك ، وما زال يدعو لنا حتى دخل الحجرة فرأى سواداً من وراء الباب ، فقال : من هذا ؟ فقالت : اسماء ، قال : بنت عميس ؟ قالت : نعم ، قال : امع بنت رسول الله جئت كرامة لرسول الله ؟ قالت : نعم ، فدعا لها . وفي رواية انه جهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة في خميله وهي القطيفة . وفي رواية جهزها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعها قربة من ادم ووسادة من ادم حشوها ليف وجلد كبش ينامان عليه بالليل ويغلفان الناضح عليه في النهار ورحا وجرة (1) .
      ومما ينبغي ان يشار اليه في هذا الصدد هو ان المرأة العفيفة المصون فاطمة ، أدارت نفسها بنفسها ، ولم تتكل على خادمتها ، فهي الممرضة لزوجها واولادها ان دعاهم داعي السقام ، تعين زوجها على تنظيم اعماله وتتميم اشغاله ، وتقوم بتدبيرها بكل ما يتكفل راحته ، وقد انجبت نسلاً جامعاً لصفات الكمال ، متحلين بحلى الفضائل . علمت أولادها حسن السلوك وربتهم على العفاف والتقوى وعزة النفس .
      لقد زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة من ابن عمه علي اشد الناس محبة للنبي واخلاصاً له منذ طفولته (2) ، فهي قبس من نور محمد ، ووجه جميل يشع ويضىء على العالم الاسلامي لانها بنت الاطائب ،
      (1) تذكرة الخواص / سبط بن الجوزي / ص 307 .

      (2) حياة محمد / محمد حسين هيكل / ص 185 .

      ( 66 )

      قال الشاعر الشيخ محمد علي كمونة :
      فمن مبلغ عني الرسول وحيدرا وفاطمة الزهراء بنت الاطائب

      دخل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دار علي مع ابنته الزهراء ، وهو يقول : اين اخي علي ادعو لي اخي علياً ، وتقول له مولاته ام ايمن : اخوك وقد زوجته ابنتك يا رسول الله ؟ نعم يا ام ايمن انه اخي وليس ذلك بمانعي ان ازوجه ابنتي ، فلقد زوجتها كفوءاً شريفاً وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين (1) .
      وفي ( ذخائر العقبى ) : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة الى علي عليهما السلام ، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم امامها وجبريل عن يمينها وميكائيل عن يسارها وسبعون الف ملك من خلفها يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر (2) .
      وجاء في موسوعة ( اعيان الشيعة ) ما هذا نصه : ( في كشف الغمة روي عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : لولا ان تبارك وتعالى خلق امير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على وجه الارض ادم فمن دونه ، قال : وروى صاحب كتاب الفردوس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لولا علي لم يكن لفاطمة كفؤ . وفي مناقب ابن شهر اشوب قد اشتهر في الصحاح بالاسانيد عن امير المؤمنين وابن عباس وابن مسعود وجابر الانصاري وانس بن مالك والبراء بن عازب وام سلمة بالفاظ مختلفة ومعان
      (1) امالي الطوسي / للشيخ الطوسي/ج1/ص364/وانظر : بحار الانوار للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج42 / ص 105 وغيرها من المصادر .

      (2) ذخائر العقبى / للطبري / ص32 .

      ( 67 )

      متعففة : ان ابا بكر وعمر خطبا الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة مرة بعد اخرى فردهما . وروى احمد في الفضائل عن بريدة : ان ابا بكر وعمر خطبا الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فقال انها صغيرة ، وروى محمد بن سعيد كاتب الواقدي في الجزء الثامن من الطبقات الكبيرة بسنده : ان ابا بكر خطب فاطمة الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : انتظر بها القضاء . فذكر ذلك لعمر فقال له ردك ، ثم ان ابا بكر قال لعمر اخطب فاطمة الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخطبها ، فقال : له مثل ما قال لابي بكر انتظر بها القضاء ، فأخبر ابا بكر فقال له ردك . . . الحديث . ( وبسنده ) عن بريدة انه قال نفر من الانفار لعلي : عندك فاطمة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم عليه ، فقال : ما حاجة ابن ابي طالب ، قال : ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : مرحباً واهلاً لم يرده عليها ، فخرج على اولئك الرهط وهم ينتظرونه قالوا : ما وراءك ؟ قال : ما ادري غير انه قال لي : مرحباً واهلاً ، قالوا : يكفيك من رسول الله احدهما اعطاك الاهل اعطاك المرحب الحديث (1) .
      وهبط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملك يقال له محمود مكتوب على كتفيه محمد رسول الله علي وصيه فقال : يا رسول الله ان الله بعثني ان ازوج النور من النور اعني فاطمة من علي (2) .
      لكن الشيء المهم الذي يلفت الانتباه هو ان الامام امير المؤمنين علياً عليه
      (1) اعيان الشيعة / محسن الامين العاملي / ج2 / ص 446 و 447 .

      (2) امالي الصدوق / ص 353 .

      ( 68 )

      السلام طلب يد ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فأجابه النبي على طلبه دون استثناء ، فقال الامام علي : ان ليس عندي سوى سيفي ودرعي وناقتي ابيعها ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : اما السيف فلطالما جاهدت به في سبيل الله ولسوف تجاهد به ايضاً ، واما الناقة فهي تفيدك في اسفارك وغزواتك ولكن الدرع بعه ، فخرج علي وعرض درعه للبيع فاشتراه عثمان بن عفان بـ (480) درهماً وقام ابو بكر بمهمة اعداد الجهاز فذهب الى السوق وابتاع ثوبين ومقنعة وقطيفة واريكة من رخام وفراشاً واربعة وسائد من الجلد وبردة من الصوف وحصيراً وطستاً من النحاس وقربة وقدحاً من الخشب ومشربة ورحاة فبلغ ثمنها (80) درهماً (1) .
      ويحسن بنا ان نشير الى ان الرسول الكريم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم دعا اصحابه وجل القوم في المسجد وتلا خطبة العقد في ذلك الحفل حيث قال :
      الحمد لله المحمود بنعته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب اليه فيما عنده النافذ امره في السماء والارض الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بحكمته واحكمهم بعزمه واعزهم بدينه واكرمهم بنبيه ، قد جعل المصاهرة نسباً حقاً وامراً مفترضاً نسخ به الانام واوشح بها الارحام والزمها الانام فقال عز وجل : ( وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديرا ) فأمر الله يجري قضاؤه وقضاؤه يجري الى قدره وقدره يجري الى اجله فلكل قضاء قدر ولكل اجل كتاب يمحوا الله ما
      (1) النبأ العظيم علي بن ابي طالب / تقي المصعبي الهندي / ص 30 .

      ( 69 )

      يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ثم ان الله تعالى امرني ان ازوج فاطمة وعلياً وقد زوجتهما على (400) مثقال فضة .
      ثم التفت الى علي وقال له : ارضيت يا علي ؟ فأجابه علي : نعم رضيت عن الله ورسوله ، فقال النبي : جمع الله شملكما واسعد بركتكما وبارك الله عليكما واخرج منكما نسلاً كثيراً طيباً . ثم غادر الحفل وتوجه نحو داره وقال لاهله : هيئوا لابنتي وابن عمي في حجركم بيتاً ، ثم قال لعلي : بارك الله في ابنة رسول الله يا علي نعم الزوجة فاطمة ، وقال لفاطمة : نعم البعل علي .
      فهيء جميع ما لزم وأعدَّ عليٌ وليمة فخرج ونادى القوم فحضروا واكلوا وكان النبي يقدم الطعام بنفسه .
      وفي ليلة الزفاف ركبت فاطمة على البغلة الشهباء ( دلدل ) وكان سلمان الفارسي ماسكاً بزمامها وزوجات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم امامها ، ونساء بني هاشم خلفها وهنَّ يقرأن بعض الاشعار ، قالت حفصة :
      فـاطمة خـير نـساء الـبشر ومـن لـها وجهُ كوجهِ iiالقمر
      زوجــك الله فـتى فـاضلاً اعني علياً خير من في الحضر


      وفي رواية اخرى :
      فـاطمة خـير نـساء iiالبشر ومـن لـها وجهُ كوجه iiالقمر
      فـضلك الله على كل iiالورى بـفضل من خص بآي iiالزمر
      زوجــك الله فـتى iiفـاضلاً اعني علياً خير من في الخطر
      فـسرن جـاراتي بـها iiانها كريمة بنت عظيم iiالخطر
      (1)
      وقالت ام سلمة :
      (1) بحار الانوار للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج 43 / ص 116 .

      ( 70 )

      سـرن بـعون الله iiجاراتي واشـكرنه فـي كل iiحالات
      واذكرن ما انعم رب iiالعلى مـن كـشف مكروه iiوآفات
      فـقد هـدانا بـعد كفر iiوقد انـعـشنا رب iiالـسماوات
      وسرن مع خير نساء الورى تـفدى بـعمات وخـالات
      يا بنت من فضَّله ذو iiالعلى بالوحي منه iiوالرسالات
      (1)
      وقالت عائشة :
      يـا نـسوة اسـترن iiبالمعاجر واذكرن ما يحسن في المحاضر
      واذكرن رب الناس اذ iiيخصنا بـدينه مـع كـل عـبد شاكر
      والـحمد لـله عـلى افـضاله والـشكر لـله الـعزيز iiالقادر
      سـرن بها فالله اعطى iiذكرها وخـصها منه بطهر iiطاهر
      (2)
      وقالت معاذه :
      اقـول قـولاً فيه ما iiفيه واذكـر الـخير iiوابـديه
      مـحمد خـير بـني iiآدم مـا فيه من كبر ولا iiتيه
      بـفضله عـرفنا iiرشدنا فالله بـالـخير iiيـجازيه
      ونحن مع بنت نبي الهدى فـي شرف قد مكنت iiفيه
      فـي ذروة شامخة iiاصلها فـما أرى شيئاً iiيدانيه
      (3)
      اول ما يلفت النظر في هذا البيت الزوجي الجديد هو الاطمئنان الذي راح امير المؤمنين علي عليه السلام يعمل من وحيه ، فاستكملت به سعادته التي
      (1) بحار الانوار للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج43 / ص 115 .

      (2) المصدر / ص 116 .

      (3) المصدر .

      ( 71 )

      كان يرجوها بفارغ الصبر ، لقد تم الزواج ببساطة كأنها القناعة ، كأنها الرضى ، كأنها العفة ، كأنها الاستسلام لمشيئة منتظرة ، كأنها السعادة المرجوة على ارتقاب ، وارتبطت حياة فاطمة بحياة علي بالرباط الذي يجب ان يتقاسم عليه كلا الزوجين احكام المصير ، نعيماً بنعيم وبؤساً ببؤس . وتقدمت فاطمة الى ساحة الحياة ، تحمل على منكبيها اعباء المشاركة ، برضوخ المؤمن في استجابته للمشيئة الكبرى ، وكانت المثلبة منها شهادة لها بالاصالة (1) .
      ولابد ان نذكر هنا ان اول انتاج لفاطمة سيأخذه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويرفعه بيديه الكريمتين هو الحسن وتبعه الحسين عليهما السلام . . ثم بقيت الام تنجب ـ من جسمها النحيل ـ لقد نزلت في البيت الفقير اختان اخذتا اسمي خالتيهما زينب وام كلثوم ، وبقيت الام تشارك بالمجهود ، تارة تسقط العبء فيمد الزوج الامين يد المساعدة ، وطوراً تنهض لمتابعة الجهاد ببطولة ما كانت تجد في الجسم الهزيل تلبية لها (2) .
      ومما يذكر بهذا الصدد ان هذه البراعم الخمسة من السلسة المحمدية تمثل كل ما في دوحة الرسالة من فروع ، واختار الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم لكل من هذه البراعم اسماً ، وهي على التوالي : الحسن ، الحسين ، زينب ، ام كلثوم ، المحسن ، كانوا كالكواكب الزهر حسناً وضياءً ، اما اولاد أمير المؤمنين قاطبة كما تحدثنا المصادر فهم في رواية سبعة وعشرون وفي اخرى ثمانية وعشرون . قال الشيخ المفيد عليه الرحمة في
      (1) فاطمة الزهراء وتر في غمد / سليمان كناني ص 138 .

      (2) المصدر السابق / ص 140 .

      ( 72 )

      ( الارشاد ) ما يلي : فأولاد امير المؤمنين سبعة وعشرون ولداً ذكراً وانثى . 1ـ الحسن 2ـ الحسين 3ـ زينب الكبرى 4ـ زينب الصغرى المكناة ام كلثوم . امهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم 5ـ محمد المكنى بأبي القاسم ، أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية 6ـ عمر 7ـ رقية كانا توأمين . امهما ام حبيب بنت ربيعة 8ـ العباس 9ـ جعفر 10ـ عثمان 11ـ عبد الله الشهداء مع اخيهم الحسين عليه السلام بطف كربلاء ، امهم ام البنين بنت حزام بن خالد بن ارم 12ـ محمد الاصغر المكنى بأبي بكر 13ـ عبيد الله الشهيدان مع اخيهما الحسين عليه السلام بالطف ، امهما ليلى بنت مسعود الدارمية 14ـ يحيى . امه اسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها 15ـ ام الحسن 16ـ رملة امهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي 17ـ نفيسة 18ـ زينب الصغرى 19ـ رقية 20ـ ام هاني 21ـ ام الكرام 22ـ جمانة المكناة ام جعفر 23ـ امامة 24ـ ام سلمة 25ـ ميمونة 26ـ خديجة 27ـ فاطمة رحمة الله عليهن لامهات شتى . وفي الشيعة من يذكر ان فاطمة صلوات الله عليها اسقطت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكراً كان سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حمل محسناً ، فعلى قول هذه الطايفة اولاد امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ثمانية وعشرون ولداً والله اعلم واحكم (1) .
      ومما يذكر عن فضلهم وايثارهم بالطعام فان هناك روايات كثيرة تدل
      (1) الارشاد / للشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد ص 186 و 187 .

      ( 73 )

      على كرم النبي الكريم واهل بيته الغر الكرام . قال علماء التأويل : فيهم نزل قوله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا ) أنبأنا ابو محمد بن ابي المكارم القزويني بدمشق سنة اثنتين وعشرين وستمائة قال أنبأنا ابو منصور محمد بن اسعد بن محمد العطاري انبأنا الحسين بن مسعود البعوي انبأنا احمد ابن ابراهيم الخوارزمي انبأنا ابو اسحاق احمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي انبأنا عبد الله بن حامد انبأنا ابو محمد احمد بن عبد الله المزني حدثنا محمد بن احمد بن سهيل الباهلي حدثنا عبد الرحمان ابن محمد بن هلال حدثني القاسم بن يحيى عن ابي علي العزي عن محمد بن السايب عن ابي صالح عن ابن عباس . ورواه ايضاً مجاهد عن ابن عباس قال في قوله تعالى ( يوفون بالنذر ) الآية قال : مرض الحسن والحسين عليهما السلام فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه ابو بكر وعمر (رض) وعادهما عامة العرب ، فقالوا : يا ابا الحسن لو نذرت على ولديك فكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء ، فقال علي عليه السلام : عليّ لله ان برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة ايام شكراً ، وقالت فاطمة كذلك ، وقالت الجارية يقال لها فضة كذلك ، فالبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير ، فانطلق علي عليه السلام الى شمعون بن حانا اليهودي فاستقرض منه ثلاثة اصوع من شعير ، فجاء الى فاطمة فقامت الى صاع فطحنته وخبزته خمسة اقراص لكل واحد منهم قرص ، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين ايديهم ، فجاء سائل او مسكين فوقف على الباب وقال : السلام عليكم يا اهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني اطعمكم
      ( 74 )

      الله من موائد الجنة ، فسمعه علي عليه السلام فقال :
      فـاطم ذات المجد iiواليقين يا بنت خير الناس اجمعين
      اما ترين البائس iiالمسكين قـد قـام بالباب له حنين
      يـشكو الـى الله ويستكين يـشكو الـينا جائع iiحزين
      كـل امرئ بكسبه iiرهين وفـاعل الخيرات يستبين
      مـوعـده جـنة iiعـليين حـرمها الله على iiالضنين
      ولـلبخيل مـوقف iiمهين تهوي به النار الى iiسجين
      فقالت فاطمة سلام الله عليها :
      اطـعمه ولا ابالي الساعة ارجو اذا اشبعت ذا مجاعة
      ان ألحق الاخيار والجماعة واسـكن الخلد ولي iiشفاعة


      قال : فاعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا الا الماء القراح . ولما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة من الشعير وصنعت منه خمسة اقراص وصلى علي عليه السلام المغرب وجاء الى المنزل ، فجاء يتيم فوقف على الباب فقال : السلام عليكم يا اهل بيت محمد يتيم من اولاد المهاجرين استشهد والدي اطعموني مما رزقكم الله اطعمكم الله من موائد الجنة ؟ فقال علي عليه السلام :
      فـاطم بـنت السيد iiالكريم بـنت نـبي لـيس بالذميم
      قـد جـاءنا الله بـذا iiاليتيم قـد حـرم الخلد على iiاللئيم
      يحمل في الحشر الى الجحيم شـرابه الـصديد iiوالحميم
      ومـن يجود اليوم في iiالنعيم شـرابه الـرحيق والتسنيم
      فقالت فاطمة عليها السلام :
      ( 75 )

      اني اطعمه ولا ابالي واوثر الله على عيالي

      امسوا جياعاً وهم اشبالي

      فرفعوا الطعام وناولوه اياه ، ثم اصبحوا وأمسوا في اليوم الثاني كذلك كما كانوا في الاول ، فلما كان في اليوم الثالث طحنت فاطمة باقي الشعير ووضعته ، فجاء علي عليه السلام بعد المغرب فجاء اسير فوقف على الباب وقال : السلام عليكم يا اهل بيت محمد اسير محتاج تأسرونا ولا تطعمونا اطعمونا من فضل ما رزقكم الله فسمعه علي عليه السلام فقال :
      فـاطم يـا بـنت الـنبي iiاحمد بـنـت نـبـي سـيد iiمـسود
      مـنـي عـلى اسـيرنا الـمقيد مـن يـطعم اليوم يجده في iiالغد
      عـند الـعلي الـماجد iiالـممجد من يزرع الخيرات سوف يحصد
      فقالت فاطمة عليها السلام :
      لم يبق عندي اليوم غير صاع قـد مـجلت كفي مع iiالذراع
      ابـنـاي والله مـن iiالـجياع ابـوهما لـلخير ذو اصطناع


      ثم رفعوا الطعام واعطوه للأسير . فلما كان اليوم الرابع دخل علي عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحمل ابنيه كالفرخين ، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : واين ابنتي ؟ قال : في محرابها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل عليها ولقد لصق بطنها بظهرها وغارت عيناها من شدة الجوع ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : واغوثاه بالله آل محمد يموتون جوعاً ، فهبط جبرئيل وهو يقرأ ( يوفون بالنذر ) الآية . فان قيل فقد اخرج هذا الحديث جدك في
      ( 76 )

      الموضوعات (1) .
      هكذا تسابقت فاطمة الزهراء سلام الله عليها الى الخيرات ، بما تجود يداها من فضل وكرم ، فلا تستأثر بالثروة المفرطة ، وهي تساعد المعوزين ولا تحرم الضعفاء او تهمل الفقراء ، كل ذلك من أجل اقتطاف المنزلة الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى .
      هذا هو الشرف العظيم ، وهذا هو الجاه الكبير الذي حفظه التاريخ لهذه المرأة الجليلة سيدة نساء العالمين ، بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة عليها السلام ووريثة الفضل والعلم والسجايا الخيرة ، واكمل النساء عقلاً واشرفهن حسباً ونسباً واحسنهن خلقاً ، والقدوة الصالحة لكل المسلمين .
      (1) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي / ص 212ـ215 .

      تعليق


      • #4
        ( 77 )

        ذرية الزهراء عليها السلام

        1 : الامام الحسن عليه السلام

        كان مولد سبط الرسول الاول في منتصف شهر الخير رمضان المبارك من السنة الثالثة للهجرة ، فأقر الله عيون والديه ، فشب هذا الوليد ودرج في حجور طهرت وطابت ، فكان زهرة هذا المنزل وبدر سمائه . وكان شبيهاً بجده رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ومما يروي عنه ان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كان يُدلع لسانه للحسن( يخرجه ) فإذا رأى الصبي حمرة اللسان يهشى اليه ( أي يسر وتنبسط اساريره ) ، وقد بذل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الشيء الكثير من العناية والرعاية لاولاده . ومن محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحسن : عن ابي زهير بن الارقم رجل من الازد قال : سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول للحسن بن علي : من احبني فليحبه فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، ولو لا عزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم
        ( 78 )

        ما حدثتكم . اخرجه احمد (1) .
        وفي مناقب ابن شهر اشوب : كانت فاطمة ترقص ابنها حسناً تقول :
        اشـبه ابـاك يا iiحسن واخلع عن الحق الرسن
        واعـبد الـهاً ذا iiمـنن ولا توال ذا iiالأحن(2)


        يروي العلامة المجلسي فيقول : دعي النبي الى صلاة والحسن متعلق به ، فوضعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقابل جنبه وصلى ، فلما سجد أطال السجود ، يقول الراوي : فرفعت رأسي من بين القوم فإذا بالحسن على كنف الرسول فلما سلم قال له القوم : يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها ، كانما يوحى اليك ، فقال لم يوح اليَّ ، ولكن ابني كان على كتفي ، فكرهت ان اعجله حتى نزل (3) .
        وروي عن ابراهيم بن علي الرافعي عن ابيه عن جدته زينب بنت ابي رافع وشبيب بن ابي الرافع عمن حدثه قالت : اتت فاطمة عليها السلام بابنيها الحسن والحسين عليهما السلام الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شكواه التي توفى فيها ، فقالت : يا رسول الله هذان ابناك فوّرثهما شيئاً ، فقال : اما الحسن فان له هيبتي وسؤددي ، واما الحسين فان له وجودي وشجاعتي . وكان الحسن بن علي عليهما السلام وصي ابيه امير المؤمنين عليه السلام على اهله وولده واصحابه ، ووصاه بالنظر في وقوفه وصدقاته ، وكتب اليه عهداً مشهوراً ووصيته ظاهرة في معالم الدين
        (1) ذخائر العقبى / للطبري ص 123 .

        (2) المناقب / ابن شهر اشوب / ج3 / ص159 .

        (3) بحار الانوار للمجلسي / ج10 / ص 82 .

        ( 79 )

        وعيون الحكمة والاداب ، وقد نقل هذه الوصية جمهور العلماء ، واستبصر بها في دينه ودنياه كثير من الفقهاء ، ولما قبض امير المؤمنين عليه السلام خطب الناس الحسن وذكر حقه فبايعه اصحاب ابيه على حرب من حارب وسلم من سالم (1) .
        فالحسن عليه السلام هو فرع الدوحة الهاشمية وربيب النبوة والامامة ، سليل الحق والعدل والفضيلة ، هو واخوه الحسين ( سبطا هذه الامة وسيدا شباب اهل الجنة ) كما قال صلى الله عليه وآله وسلم فيهما : ( أي هذان امامان قاما او قعدا ) .
        فأبو محمد الحسن المجتبى هذا هو الامام الصابر كريم اهل البيت ، وروي عن الترمذي مرفوعاً الى ابن عباس رضي الله عنه انه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حامل الحسن ابن علي عليهما السلام ، فقال رجل : نعم المركب ركبت يا غلام ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ونعم الراكب هو . وروي عن الحافظ ابي نعيم فيما اورده في حليته عن ابي بكر قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بنا فيجيئ الحسن عليه السلام وهو ساجد وهو اذ ذاك صغير فيجلس على ظهره ، ومرة على رقبته فيرفعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفعاً رفيقاً ، فلما فرغ من الصلاة ، قالوا : يا رسول الله انك تصنع بهذا الصبي شيئاً لا تصنعه بأحد ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ان هذا ريحانتي وان ابني هذا سيد وعسى ان يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين .
        وروى البخاري ومسلم بسنديهما عن ابي هريرة قال : خرجت مع رسول
        (1) الارشاد للشيخ المفيد ص 187 و 188 .

        ( 80 )

        الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكلمني ولا اكلمه حتى اتى سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى اتى مخبأة وهو المخدع فقال : ( اثم لكع اثم لكع ) يعني حسناً عليه السلام . فظننا انما حبسته امه لأن تغسله او تلبسه ثوباً فلم يلبث اذ جاء يسعى واعتنق كل واحد منهما صاحب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم اني احبه واحب من يحبه ، وفي رواية اخرى اللهم اني احبه واحب من يحبه ، قال ابو هريرة : فما كان احد احب الي من الحسن بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
        وحكى عنه انه اغتسل وخرج من داره في بعض الايام وعليه حلة فاخرة ووفرة ظاهرة ومحاسن سافرة بنفحات طيبات عاطرة ووجهه يشرق حسناً وشكله قد كمل صورة ، ومعنى السعد يلوح على اعطافه ونضرة النعيم تعرف من اطرافه ، وقد ركب بغلة فارهة غير عسوفة وسار وقد اكتنفه من حاشيته صفوف ، فعرض له في طريقه شخص من محاويج اليهود وعليه مسح من جلود وقد انهكته العلة والذلة وشمس الظهيرة قد شواه وهو حامل جرة ماء على قفاه ، فاستوقف الحسن فقال : يا ابن رسول الله سؤال ، فقال له : ما هو ، قال : جدك يقول الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وانت المؤمن وانا الكافر فما ارى الدنيا الا جنة لك تنعم فيها وانت مؤمن وتستلذ بها ، وما أراها الا سجناً قد اهلكني جرها واجهدني فقرها ، فلما سمع الحسن عليه السلام كلامه اشرق عليه نور التأييد واستخرج الجواب من خزانة علمه واوضح لليهودي خطأ ظنه وخطل زعمه وقال : يا شيخ لو
        (1) الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي ص 138 .

        ( 81 )

        نظرت الى ما اعد الله لي وللمؤمنين في دار الآخرة مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، لعلمت قبل انتقالي اليه في هذه الحالة في سجن ، ولو نظرت الى ما اعد الله لك ولكل كافر في الدار الآخرة من سعير نار جهنم ونكال العذاب الاليم المقيم لرأيت قبل مصيرك اليه في جنة واسعة ونعمه جامعة ، فانظر الى هذا الجواب الصادع بالصواب (1) .
        ولما استشهد الامام امير المؤمنين عليه السلام قام باعباء الامامة ولده الامام الحسن المجتبى عليه السلام ، واستقر على منصة الخلافة الالهية ، الا ان معاوية بن ابي سفيان اوجس منه خيفة فحسده كما حسد اباه من قبل ، واخذ يدس الدسائس ويلقي الاشواك في طريق الامام تارة بالوعد واخرى بالوعيد وثالثة بالرشوة وهكذا ، حتى استطاع من استمالة جماعة من اصحاب الامام وجيشه ، فتمكن ان يؤثر على دينهم المال ، فانحازوا نحو معاوية ، وتركوا الامام وحيداً بلا ناصر . فاضطر الامام ان يصالح معاوية ويهادنه حفظاً على كيان الدين الاسلامي لئلا يتداعى ، وحقنا للمؤمنين عن الالقاء بهم في اتون حروب بائسة ، كل ذلك وفق شروط هامة لم يف بواحد منها معاوية . ولا شك ان معاوية كان يريد الهدنة والصلح ، فانه كتب الى الامام الحسن عليه السلام في ذلك ، والامام عليه السلام لم يجد بداً من اجابته الى ما التمس من ترك الحرب وانقاذ الهدنة ، فتوثق عليه السلام لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والاعذار فيما بيّنه ، وبينه عند الله تعالى وعند كافة المسلمين ، واشترط عليه بشروط ، فأجابه ابن آكلة الاكباد الى الشروط كلها ، وعاهده عليها وحلف له بالوفاء له ، ولكن غدر
        (1) المصدر السابق / ص 140 .

        ( 82 )

        معاوية بما وعد وقال في خطبته بالنخيلة : اني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا . . ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد اعطاني الله ذلك وانتم له كارهون ، الا واني كنت منيت الحسن واعطيته اشياء وجميعها تحت قدمي لا افي بشيء منها له .
        وقد ذكر المترجمون للامام الحسن عليه السلام صوراً كثيرة من مناقب الامام وبره واحسانه للفقراء والمعوزين اسداها عليهم كانت خالصة لوجه الله ، وان كتب السير استعرضت جلائل اعماله وكرمه وسخائه . ونحن اذ نذكر هنا شذرات من هذا الاحسان المتناهي .
        ـ1ـ
        قيل للامام الحسن عليه السلام : لأي شيء لا نراك ترد سائلاً قط ـ ولم تصدر منه كلمة (لا) لسائل ابداً ـ ؟
        فأجاب عليه السلام : ( اني لله سائل ، وفيه راغب ، وانا استحي ان اكون سائلاً وارد سائلاً ) .
        وان الله عودني عادة ان يفيض نعمه علي ، وعودته ان افيض نعمه على الناس . فأخشى ان قطعت العادة ان يمنعني العادة ، وانشأ يقول :
        اذا مـا اتـاني سائل قلت مرحباً بـمن فضله فرض علي iiمعجل
        ومن فضله فضل على كل فاضل وافـضل ايـام الفتى حين iiيسأل


        ـ2ـ
        ونسبت له عليه السلام الابيات التالية وهي في السخاء :
        ان السخاء على العباد فريضة لـله يـقرأ فـي كتاب iiمحكم
        وعـد العباد الاسخياء iiجنانه وأعـد لـلبخلاء نـار iiجهنم


        ( 83 )

        من كان لا تندى يداه بنائل للراغبين فليس ذاك بمسلم ـ3ـ
        وله عليه السلام ايضاً هذان البيتان :
        خلقت الخلائق من iiقدرة فمنهم سخي ومنهم iiبخيل
        فـأما السخي ففي iiراحة واما البخيل فحزن طويل


        ـ4ـ
        جاء اعرابي الى الامام الحسن عليه السلام فقال عليه السلام : ( اعطوه ما في الخزانة ) وكان فيها عشرة الاف درهم ، فقال الاعرابي : يا سيدي هلا تركتني ابوح بحاجتي وانشر مدحتي ؟
        فأجابه الامام عليه السلام :
        نـحن انـاس نوالنا خضل يـرتع فـيه الرجاء iiوالامل
        نـجود قـبل السؤال iiانفسنا خوفاً على ماء وجه من يَسل
        لـو علم البحر فضل iiنائلنا لـفاض من بعد فيضه حجل
        ـ5ـ
        اجتاز الامام عليه السلام على غلام اسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ، ويدفع لكلب كان عنده لقمة اخرى . فقال له الامام عليه السلام : ( ما حملك على ذلك ؟ ) فقال الغلام : اني لاستحي ان آكل ولا اطعمه .
        رأى الامام عليه السلام فيه خصلة من احب الخصال عنده فأحب ان يجازيه على صنعه ويقابل احسانه باحسان ، فقال له : ( لا تبرح مكانك ) ثم انطلق فاشتراه من مولاه ، واشترى الحائط أي ( البستان ) الذي هو فيه ، فأعتقه وملكه اياه .
        ( 84 )

        ـ6ـ
        اجتاز الامام عليه السلام يوماً في بعض ازقة المدينة فسمع رجلاً يسأل الله ان يرزقه عشرة الاف درهم ، فانطلق عليه السلام الى بيته ، وارسلها اليه في الوقت .
        ـ7ـ
        خرج الامام عليه السلام هو واخوه الحسين وابن عمهما عبد الله بن جعفر من ( المدينة ) قاصدين الحج ، وفي اثناء الطريق اصابهم جوع وعطش ، وقد سبقتهم اثقالهم ، فانعطفوا على بيت قد ضرب اطنابه في وسط تلك البيداء القاحلة ، فلما وصلوا الى البيت لم يروا فيه الا عجوزاً فطلبوا منها شراباً وطعاماً . فتقدمت اليهم بشاة قائلة : دونكم هذه الشاة فاحلبوها واشربوا لبنها . فلما فعلوا ذلك تقدمت اليهم مرة اخرى قائلة : اقسم عليكم الا ما ذبحها احدكم حتى اهيئ لكم الحطب لشيئها . ففعلوا ذلك ، وهيأت العجوز الحطب ، وبعدما اكلوا وفرغوا تقدموا اليها قائلين :
        ( يا أمة الله ، انا نفر من قريش نريد حج بيت الله الحرام ، فإذا رجعنا سالمين فهلمي الينا لنكافئك على هذا الصنع الجميل ) مضت الايام والليالي والشهور والسنوات حتى اذا اعترى البادية ازمة شديدة على اثر انقطاع المطر وفقدان العشب والقوت . . رحلت العجوز بصحبة رب البيت الى (المدينة) ولم يجدا عملاً يحيطان به خبراً سوى التقاط البعر من الطرقات والشوارع ، فاتخذا ذلك مهنة لهما . وفي يوم من الايام ـ وهما على عملهما ـ لمح الامام الحسن عليه السلام العجوز فعرفها ، فأمر غلامه ان يأتي بها اليه ، فلما مثلت بين يديه قال لها الامام عليه السلام : ( اتعرفيني يا
        ( 85 )

        امة الله ؟ ) قالت : لا ، قال عليه السلام : انا احد ضيوفك يوم كذا سنة كذا . قالت : لست اعرفك . فقال عليه السلام : ان لم تعرفيني فانا اعرفك . ثم امر غلامه فاشترى لها من غنم الصدقة الف شاة ، واعطاها الف دينار . ثم امر الغلام ان بها الى اخيه الحسين عليه السلام ويعرّفه بها . فأتى بها الغلام ، ولما دخلت عرفها الحسين عليه السلام ، فقال للغلام : كم اعطاها اخي ؟ قال الغلام : الف شاة والف دينار ، ثم بعث الحسين عليه السلام بها الى عبد الله بن جعفر ، ولما دخلت عليه عرفها عبد الله ، فأمر لها بألفي شاة والفي دينار ، فحملت العجوز كل ذلك ، وانصرفت وقد تغير حالها من فقرٍ مدقع الى غناءٍ وثروة حسدها عليه كل من عرفها .
        ـ8ـ
        جاء الى الامام عليه السلام شخص يظهر الاعواز والحاجة فقال عليه السلام للرجل : ( ما هذا حق لسؤالك ، يعظم لدى معرفتي بما يجب لك ، ويكبر لدي ويدي تعجز عن نيلك بما انت اهله ، والكثير في ذات الله قليل ، وما في ملكي وفاء لشكرك ، فان قبلت منا الميسور ورفعت عنا مؤونة الاحتفال والاهتمام فعلت ) فأجابه الرجل : يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقبل القليل ، واشكر العطية ، واعذر على المنع . فاحضر عليه السلام وكيله وحاسبه وقال له : ( هات الفاضل ) وكان خمسين الف درهم فدفعها اليه ، ولم يكتف عليه السلام بذلك بل قال لوكيله : ( ما فعلت بالخمسمائة دينار التي عندك ؟ ) فقال له : هي عندي . فأمره باحضارها ، ثم دفعها الى الرجل وهو يعتذر .
        ( 86 )

        ـ9ـ
        حي ته جارية له بطاقة ريحان قدمتها اليه . فقال عليه السلام لها : ( انت حرة لوجه الله ) ، فلامه ( أنس ) على ذلك . فأجابه الامام عليه السلام : ادبنا الله فقال تعالى : ( واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ) . وكان احسن منها اعتاقها .
        ـ10ـ
        اتاه عليه السلام رجل فسأله ان يعطيه شيئاً فقال عليه السلام : ان المسألة لا تصلح الا في غرم فادح او فقر مدقع او حمالة مقطعة فقال : ما جئت الا في احداهن ، فأمر له عليه السلام بمائة دينار . . الخ الحديث .
        هكذا ارخص الامام عليه السلام في سبيل مرضاة الله كل غالٍ ورخيص حتى انه خرج عن جميع ما يملكه مرتين وقسم امواله ثلاث مرات حتى انه اعطى نعلاً وامسك اخرى (1) .
        صفا الجو لمعاوية بن ابي سفيان ، وحقق امانيه ، وجعل الخلافة الاسلامية ملكاً يتوارثه بنوه واسرته من بعده ، كيف السبيل الى ذلك والامام الحسن عليه السلام لا يزال حياً يرزق ، فلابد من القضاء عليه . عن عمر بن اسحاق قال : دخلت انا ورجل على الحسن بن علي نعوده ، فقال : يا فلان سلني فقلت : لا والله لا اسألك حتى يعافيك الله ثم اسألك قال : لقد القيت طائفة من كبدي واني سقيت السم مراراً فلم أسقه مثل هذه المرة ، ثم دخلت عليه من الغد فوجدت أخاه الحسين عند رأسه ، فقال له الحسين : من تتهمها يا أخي ؟ قال : لم لأن تقتله ؟ قال : نعم ، قال : ان يكن
        (1) بحار الانوار / للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج 10 / ص 94 .

        ( 87 )

        الذي اظنه فالله اشد بأساً وتنكيلاً وان لم يسكنه فما احب ان يقتل بي برئ (1) ثم قضى نحبه عليه السلام وذلك لخمس خلون من ربيع الاول سنة خمسين من الهجرة وصلى عليه الحسين عليه السلام ودفن بالبقيع عند جدته فاطمة بنت اسد عليها السلام وعمره آنذاك سبع واربعون سنة .
        تلك هي الشخصية الفذة التي حقنت دماء المسلمين ووطدت اركان الدين وحافظت على بيضته ودرأت عنه غوائل المعتدين الذين امعنوا بكل ما اوتوا من قوة وبأس على درس آثاره ومحو اخباره .
        2 / الامام الحسين عليه السلام

        خلفت فاطمة الزهراء عليها السلام بعد عام شبلها الثاني الامام ابا عبد الله الحسين عليه السلام ، فقرت به عيون ابويه ، وامتلأ قلباهما بفيض من الحبور الغامر ، ذلك الضياء اللامع ، ضياء الفضيلة والشرف كان يتلألأ تلألؤ نور الشمس فوق صفحتها . وكان جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحبه حباً جماً حتى قال فيه : ( حسين مني وانا من حسين ) وقال فيه : ( حسين سبط من الاسباط ) وقال فيه : ( حسين روحي التي بين جنبي ) . وقال فيه وفي اخيه عليهما السلام : ( الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة ) وقال ايضاً : ( الحسن والحسين امامان ان قاما وان قعدا ) ، وقال : ( هما ريحانتاي من الدنيا ) .
        ان هذه الاحاديث النبوية الشريفة اثبتت مكانة الحسنين بالنسبة لجدهما
        (1) الفصول المهمة / لابن الصباغ المالكي ص 150 .

        ( 88 )

        محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان لهذا المولود الجديد صدى مبهج في قلب جده .
        في ( المناقب ) : كانت فاطمة ترقص ابنها الحسين فتقول :
        انت شبيه بأبي ليس شبيهاً بعلي (1)

        اقبل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على الحسن والحسين عليهما السلام يغمرهما من حبه وحنانه ويفيض عليهما من عطف الابوة ما شاء له ان يعطف حتى كبرا ودرجا في السن ، ولقد اثر الزهراء عليها السلام بالنعمة الكبرى ، فحصر ذرية الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في ولديها وحفظ بها اشرف سلالة عرفتها البشرية ، كما كرم الله علياً عليه السلام فجعل من صلبه هذه السلسلة من الذرية العلوية الشريفة التي انتشرت في ارجاء الكرة الارضية . وشب الحسين عليه السلام في بيت النبوة ومهبط الوحي ، وبلغ مبلغ الرجال ، فكان على جانب عظيم من الزهد والورع والتضحية والاباء والجود والكرم ، حتى كانت فاجعة كربلاء سنة 61 هـ حيث ابى الا ان يحق الحق ويزهق الباطل ، فقارع الظلم وطارد المارقين حتى استقر في ارض كربلاء والتقى مع جيش الكفر والضلال ، ودارت رحى الحرب ، ودقت ساعة القتال ، فاذا بالحسين عليه السلام يزداد عزماً وقوة واندفاعاً لمحاربة جيش الشرك ، وقدم قرابينه في سبيل احياء دين جده الكريم . قال الشاعر الشيخ محسن ابو الحب ـ الكبير ـ عن لسان حال الحسين عليه السلام :
        ان كان دين محمد لم iiيستقم إلّا بـقتلي يا سيوف iiخذيني

        (1) المناقب / ابن شهر اشوب / ج 3 / ص 159 .

        ( 89 )

        هذا دمي فلترو صادية الظبا مـنه وهـذا للرماح iiوتيني

        لقد خاض الامام الحسين عليه السلام اعنف معركة عرفها التاريخ ، بالرغم من قلة انصاره وكثرة اعدائه ، فقتل اصحابه واهل بيته حتى طفله الرضيع عبد الله ، واخوه العباس عليه السلام واحرقت خيام النساء ، واذا بالقدر يهوي ويزلزل ذلك الطود الشامخ ، شجرة الفضيلة فخرَّ صريعاً في ميدان الشرف والاباء لاحقاً بربه مجاهداً محتسباً .
        جاء في ( الفصول المهمة ) : ( . . فرحل الحسين عليه السلام وأهله ونزلوا بكربلاء وذلك يوم الاربعاء الثامن من المحرم سنة احدى وستين ، فقال عليه السلام : هذه كربلاء موضع كرب وبلاء ، هذه مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ، وكتب الحر الى ابن زياد يعلمه بنزول الحسين عليه السلام بارض كربلاء . فانظر ما ترى في امره ، فكتب عبيد الله بن زياد كتاباً الى الحسين عليه السلام يقول فيه : اما بعد ان يزيد بن معاوية كتب الي ان لا تغمض جفنك من اللئام ولا تشبع بطنك من الطعام او يرجع الحسين على حكمي او تقتله والسلام ، فلما ورد الكتاب على الحسين عليه السلام وقرأه القاه من يده ، وقال للرسول : ماله عندي جواب ، فلما رجع الرسول الى ابن زياد واخبره بذلك اشتد غيظه وجمع الجموع وجنّد الجند وجهز اليه العساكر وجعل على مقدمها عمر بن سعد وكان قد ولّاه الري واعمالها ، فاستعفى من الخروج الى قتال الحسين عليه السلام وقد تقدمته العساكر فقال له ابن زياد : اما ان تخرج اليه او اخرج عن عملنا من الري ، فخرج عمر الى الحسين وصار ابن زياد يمده بالجيوش شيئاً بعد شيء الى ان اجتمع عند عمر بن سعد عشرون الف مقاتل ما بين فارس وراجل ، واول من
        ( 90 )

        خرج مع عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن في اربعة الآف فارس ، ثم زحفت خيل ابن سعد حتى نزلت بشاطئ الفرات وحالوا بين الحسين واصحابه وبين الماء ، فعند ذلك ضاق الامر على الحسين عليه السلام وعلى اصحابه واشتد بهم العطش وكان مع الحسين عليه السلام شخص من اهل الزهد والزرع يقال له يزيد بن الحصين الهمداني ، فقال للحسين عليه السلام : ائذن لي يابن رسول الله في ان آتي مقدم هؤلاء عمر بن سعد فأكلمه في الماء لعله ان يرتدع ، فاذن له ، وقال : ذلك اليك اذا شئت فجاء الهمداني الى عمر بن سعد فكلمه في الماء فامتنع منه فلم يجبه الى ذلك ، فقال له : هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والذئاب ، وغير ذلك وتمنعه الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واخوته ونساؤه واهل بيته والعترة الطاهرة يموتون عطشاً وقد حلتَ بينهم وبين الماء وانت تزعم انك تعرف الله ورسوله ، فأطرق عمر بن سعد ثم قال يا اخا همدان اني لأعلم حقيقة ما تقول وانشد :
        دعاني عبيد الله من دون iiقومه الى خصلة فيها خرجت iiلحيني
        فـوالله ما ادري واني iiلواقف عـلى خطر لا ارتضيه iiومين
        أأخذ ملك الري والري iiرغبتي وارجـع مـطلوباً بدم iiحسين
        وفي قتله النار التي ليس دونها حـجاب وملك الري قرة iiعين
        ثم قال يا اخا همدان ما تجيبني نفسي الى ترك الري لغيري ، فرجع يزيد بن الحصين الهمداني الى الحسين عليه السلام واخبره بمقالة ابن سعد فلما عرف الحسين ذلك منهم تيقن ان القوم مقاتلوه ، فأمر اصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق وجعلوا له جهة واحدة يكون القتال منها واهدفوا
        ( 91 )

        عسكر بن سعد بالحسين عليه السلام واصحابه يصفوا لهم وارشدوهم بالسهام والنبال واشتد عليهم القتال ، ولم يزالوا يقتلوا من اهل الحسين عليه السلام واحداً بعد واحد حتى اتوا على ما ينيف على خمسين منهم ، فعند ذلك صاح الحسين عليه السلام اما من ذاب يذب عن حريم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واذا بالحر بن يزيد الرياحي الذي تقدم ذكره الذي كان خرج الى الحسين اولاً من جهة ابن زياد قد خرج من عسكر عمر بن سعد راكباً على فرسه وقال : يابن رسول الله انا كنت اول من خرج عليك عيناً ولم اظن ان الامر يصل الى هذه الحال وانا الان من حزبك وانصارك أقاتل بين يديك حتى اقتل ارجو بذلك شفاعة جدك ، ثم قاتل بين يديه حتى قتل . فلما فنى اصحاب الحسين عليه السلام وقتلوا جميعهم عن آخرهم ؛ اخوته وبنو عمه ، وبقي وحده بمفرده حمل عليهم حملة منكرة قتل فيها كثيراً من الرجال والابطال ورجع سالماً الى موقفه عند الحريم ، ثم حمل عليهم حملة اخرى وأراد الكر راجعاً الى موقفه فحال الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله بينه وبين الحريم والمرجع اليهم في جماعة من ابطالهم وشجعانهم واحدقوا به ، ثم جماعة منهم تبادروا الى الحريم والاطفال يريدون سلبهم فصاح الحسين عليه السلام : ويحكم يا شيعة الشيطان كفوا سفهاءكم عن التعرض للنساء والاطفال فانهم لم يقاتلوا ، فقال الشمر لعنه الله : كفوا عنهم واقصدوا الرجل بنفسه . . (1)
        لقد بادرت تلك الزمرة الخائنة بالقضاء على الحسين عليه السلام كان الشمر اشدَّ القوم تطوعاً لقتال الحسين عليه السلام ، وحتى ابن سعد كان
        (1) الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي ص 177 ـ 179 .

        ( 92 )

        يتهيب فكاد ان يتزعزع عزمه على القتال لولا هذا الجلف الجافي . لكن الحسين عليه السلام يدافع عن مبدأ اسمى ومثل اعلى ، وضحى في سبيله بما ضحى . فكان مظفراً خالداً في نظر الاجيال والتاريخ . والحسين عليه السلام انما كافح عناصر السوء والرذيلة والاستبداد والظلم والطغيان ، وهي التي كانت مبدأ يعتنقه يزيد وزبانيته ويحملون الناس عليه ويذيعونه في مجتمع بعيد عن الخير والصلاح ، ومثل ذلك المجتمع المنحط يتسنم فيه يزيد اريكة الحكم ويتأمر على ناسه ومبادئه ، والحسين عليه السلام ذلك المثالي لا يمكن ان يقر مجتمعاً كهذا ، فكانت ثورته عليه لتطهيره من دنس العابثين وكان جهاده في سبيل قمع مبادئه . ولا تزال ثورته تلك ترن في الآذان منذ مئات السنين يتخذه المصلحون دستوراً عملياً لاصلاحه وجهاده . يقول العقاد : ( وفي الواقع الذي لا شبهة فيه ايضاً ان عمر بن سعد هذا لم يخل من غلظة في الطبع على غير ضرورة ولا استفزاز ، فهو الذي ساق نساء الحسين بعد مقتله على طريق جثث القتلى التي لم تزل مطروحة بالعراء ، فصحن وقد لمحنها على الطريق صيحة أسالت الدمع من عيون رجاله وهم ممن قاتل الحسين وذويه ) (1) .
        كان الحسين عليه السلام كريماً محباً للفقراء ، رؤوفاً بالمساكين ومن الامثلة على سخائه وكرمه ما رواه ابن عساكر ان سائلاً في المدينة اتى باب دار الحسين عليه السلام وانشأ يقول :
        لم يخب الآن من رجاك ومن حـرك من دون بابك iiالحلقة
        انـت جـواد وانـت iiمعتمد ابـوك قـد كان قاتل iiالفسقة


        (1) ابو الشهداء الحسين بن علي / عباس محمود العقاد ص 69 .

        ( 93 )

        لولا الذي كان من اوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة

        فخرج الحسين عليه السلام ورأى عليه اثر ضر وفاقة وأمر قنبراً باتيان النفقة المتبقية حينذاك وهي اربعمائة درهم فاتى بها وتناولها الامام منه وفتح الباب قليلاً ودفعها الى الاعرابي السائل وانشأ يقول في جوابه :
        خـذها فـاني الـيك معتذر واعـلم بأني عليك ذو iiشفقة
        لو كان في سيرنا الغداة عصا كـانت سـمانا عليك iiمندفقة
        لـكن ريب الزمان ذو iiغِيرَ والـكف مـنا قـليلة iiالنفقة
        فأخذها الاعرابي ومضى وهو يقول : ( الله اعلم حيث يجعل رسالته ) (1) .
        اجل كان الحسين عليه السلام يشبه جده واباه خلقاً وخُلقاً ، وعلماً وادباً وبلاغة وفصاحة وكرماً وسخاء وشجاعة وشهامة ، ومن فضائله ومناقبه ايضاً ما ذكره صاحب ( الاعيان ) فقال : جاء اعرابي الى الحسين عليه السلام فقال : يابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن ادائها ، فقلت في نفسي اسأل اكرم الناس وما رأيت اكرم من اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال الحسين عليه السلام : يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فان اجبت عن واحدة اعطيتك ثلث المال وان اجبت عن اثنتين اعطيتك ثلثي المال وان اجبت عن الكل اعطيتك الكل فقال اعرابي : يابن رسول الله أمثلك يسأل مثلي وانت من اهل العلم والشرف ، فقال الحسين عليه السلام : بلى سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فقال الاعرابي : سل
        (1) سمو المعنى في سمو الذات / عبد الله العلايلي ص 146 .

        ( 94 )

        عما بدا لك فان اجبت والا تعلمت منك ولا قوة الا بالله ، فقال الحسين عليه السلام : أي الاعمال افضل ؟ فقال الاعرابي : الايمان بالله ، فقال الحسين عليه السلام : فما النجاة من الهلكة ؟ فقال الاعرابي : الثقة بالله . فقال الحسين عليه السلام : فما يزين الرجل ؟ فقال الاعرابي : علم معه حلم . فقال : فان اخطأه ذلك ؟ فقال : مال معه مروءة . فقال : فان اخطأه ذلك ؟ فقال : فقر معه صبر . فقال الحسين عليه السلام : فان اخطأه ذلك ؟ فقال الاعرابي : فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه فانه اهل لذلك ، فضحك الحسين عليه السلام ورمى اليه بصرة فيها الف دينار واعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم . وقال : يا اعرابي اعط الذهب الى غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك ، فأخذ الاعرابي ذلك وقال : الله اعلم حيث يجعل رسالته (1) .
        وروى احمد بن سليمان بن علي البحراني في عقد اللآل في مناقب الآل : ان الحسين عليه السلام كان جالساً في مسجد جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة اخيه الحسن عليه السلام وكان عبد الله بن الزبير جالساً في ناحية المسجد وعتبة بن ابي سفيان في ناحية اخرى ، فجاء اعرابي على ناقة فعقلها بباب المسجد ودخل فوقف على عتبة بن ابي سفيان فسلم عليه فرد عليه السلام ، فقال له الاعرابي : اني قتلت ابن عم لي وطولبت بالدية فهل لك ان تعطني شيئاً فرفع رأسه الى غلامه وقال ادفع اليه مائة درهم ، فقال الاعرابي : ما اريد الا الدية تماماً ، ثم تركه واتى عبد الله بن الزبير وقال له مثل ما قال لعتبة ، فقال عبد الله لغلامه : ادفع اليه مائتي درهم
        (1) اعيان الشيعة / محسن الامين / ج 4 / ص 106 و 107 .

        ( 95 )

        فقال الاعرابي ما اريد الا الدية تماماً ، ثم تركه واتى الحسين عليه السلام فسلم عليه وقال : يابن رسول الله اني قتلت ابن عم لي وقد طولبت بالدية فهل لك ان تعطيني شيئاً فقال له : يا اعرابي نحن قوم لا نعطي المعروف الا على قدر المعرفة . فقال : سل ما تريد ، فقال له الحسين ، يا اعرابي ما النجاة من الهلكة ؟ قال : التوكل على الله عز وجل . فقال : وما الهمة ؟ قال : الثقة بالله . ثم سأله الحسين غير ذلك واجاب الاعرابي ، فأمر له الحسين عليه السلام بعشرة الاف درهم وقال له :
        طربت وما هاج لي مغبق ولا لـي مـقام ولا iiمعشق
        ولـكن طربت لآل iiالرسو ل فلذَّ لي الشعر iiوالمنطق
        هم الاكرمون هم iiالانجبون نـجوم السماء بهم iiتشرق
        سبقت الانام الى iiالمكرمات فـقصر عن سبقك iiالسّبق
        بـكم فتح الله باب iiالرشاد وباب الفساد بكم مغلق
        (1)
        لقد كانت وقعة الطف سنة 61 هـ حدثاً له رد فعل عميق الأثر في نفوس المسلمين ، وقد شاء غرور بني امية ان يزيدها فظاعة وبشاعة لم يقع مثلها في تاريخ الاسلام والمسلمين .
        ذكر ياقوت الحموي فقال : قال ابن عبد الرحيم : حدثني الخالع قال : كنت مع والدي سنة 346 وانا صبي في مجلس الكبودي في المسجد الذي بين الوراقين والصاغة وهو غاص بالناس واذا رجل قد وافى وعليه مرقعة
        (1) أعيان الشيعة / محسن الامين العاملي / ج 4 / ص 108 و 109 .

        ( 96 )

        وفي يديه سطحية وركوة ومعه عكاز وهو شعث فسلم على الجماعة بصوت يرفعه ثم قال : انا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ، فقالوا : مرحباً بك واهلاً ورفعوه فقال : اتعرفون لي احمد المزوق النائح ؟ فقالوا : ها هو جالس . فقال : رأيت مولاتنا فاطمة عليها السلام في النوم فقالت لي : امض الى بغداد واطلبه وقل له : نح على ولدي الحسين عليه السلام بشعر الناشئ الذي يقول فيه :
        بني احمد قلبي بكم يتقطع بمثل مصابي فيكم ليس يسمع

        قال : وكان الناشئ حاضراً فبكى ولطم لطماً على وجهه وتبعه احمد المزوق والناس كلهم ، وكان اشد الناس كلهم في ذلك الناشئ والمزوق فناحوا بهذه القصيدة الى ان صلى الناس الظهر وتقوّض المجلس وجهدوا بالرجل ان يأخذ شيئاً منهم فأبى وقال : والله لو اعطيت الدنيا ما اخذتها فاني لا ارى ان اكون رسول مولاتي ثم آخذ من ذلك عوضاً ثم انصرف ولم يقبل شيئاً (1) .
        أي رزء اصاب الاسلام ، واية نكبة هدت كيان المسلمين ! ؟ لقد عظم الخطب وجل الرزء ، قال السيد حيدر الحلي : زوج السيف بالنفوس ولكن مهرها الموت والخضاب النجيعُ
        الا ليس في هذه الدنيا الطويلة العريضة من درس بليغ ! درس في الشهامة والتضحية الغالية ، كالدرس الذي القاه الامام الشهيد الحسين بن علي عليه السلام في يوم عاشوراء . فأبى ان يعيش الا عزيزاً او تجلى الكفاح وهو صريعُ
        (1) المصدر السابق / ص 109 .

        تعليق


        • #5
          ( 97 )

          روى عن ابي مخنف انه قال :قال الطرماح بن عدي كنت في واقعة كربلاء وقد وقع فيَّ ضربات وطعنات فأثخنتني بالجراح فلو حلفت لحلفت صادقاً اني كنت نائماً اذ رأيت عشرة فوارس قد اقبلوا وعليهم ثياب بيض ، تفوح منهم رائحة المسك ، فقلت في نفسي يكون هذا عبيد الله بن زياد قد اقبل لطم جسد الحسين فرأيتهم حتى نزلوا على القتلى تماماً ورجلاً منهم تقدم الى جسد الحسين فجلس قريباً منهم ومد يده الى نحو الكوفة واذا برأس الحسين اقبل من نحو الكوفة فركبه على الجسد فعاد كما كان باذن الله ، يقال واذا هو رسول الله ثم قال : يا ولدي قتلوك اتراهم عرفوك ومن شرب الماء منعوك ، ثم التفت الى من كان معه وقال : يا أبي آدم ويا أبي ابراهيم ويا أخي موسى ويا عيسى اترون ما صنعت أمتي بولدي من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة (1) .
          هذه نبذة من الاخبار الواردة عن الحسين عليه السلام نكتفي بها خشية الاطالة .
          3 / زينب الكبرى

          عليها السلام

          يقول المؤرخون : ان ولادتها في الخامس من شهر جمادي الاول في السنة الخامسة او السادسة للهجرة . والارجح عندي ان ولادتها كانت في الخامسة من الهجرة وذلك حسب الترتيب الوارد في اولاد الزهراء عليهم السلام .
          يروي المجلسي في (البحار) فيقول : عن العلل في باب معاشرة فاطمة مع علي عليهما السلام جاء فيه : حملت الحسن على عاتقها الايمن والحسين
          (1) تظلم الزهراء اهل دماء الحسين / رضي بن نبي القزويني ص 274 .

          ( 98 )

          على عاتقها الايسر واخذت بيد ام كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثم تحولت الى حجرة ابيها صلى الله عليه وآله وسلم ، وام كلثوم هذه انه كانت هي زينب عليها السلام فلذلك دليل على انها كانت كبيرة وان كانت اختها فذاك دليل على انَّ امها عليها السلام تركت زينب لتنوب منابها في الشؤون المنزلية ، فهي كانت كبيرة اذن ، وقد روي صاحب ( ناسخ التواريخ ) في كتابه : ان زينب اقبلت عند وفاة امها وهي تجر رداءها وتنادي يا ابتاه يا رسول الله ، الآن عرفنا الحرمان من النظر اليك (1) .
          ومما يذكر عنها انها كانت كثيرة العبادة والتهجد تصلي النوافل وتتلو القرآن الكريم ملازمة له ولم يفتر لسانها عن ذكر الله قط ، فقد كانت من القانتات العابدات اللواتي وقفن حركاتهن وسكناتهن للباري عز وجل ، ولهذا حازت على المنازل الرفيعة والدرجات العالية . ومن دعاء ابيها كانت تدعو به بعد صلاة العشاء وهو :
          "اللهم اني أسألك يا عالم الامور الخفية ، ويا من الارض بعزته مدحية ، ويا من الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئة ، ويا مقبلاً على كل نفس مؤمنة زكية ، يا مسكن رعب الخائفين واهل التقية . يا من حوائج الخلق عنده مقضية ، يا من ليس له بواب ينادي ، ولا صاحب يغشى ، ولا وزير يؤتى ولا غير رب يدعى ، يا من لا يزداد على الالحاح الا كرماً وجوداً صلى على محمد وآل محمد واعطني سؤالي انك على كل شيء قدير (2) .
          (1) فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى ، للشيخ احمد الرحماني الهمداني / ص 634 .

          (2) عقيلة بني هاشم ، علي بن الحسين الهاشمي الخطيب / ص 16 .

          ( 99 )

          ومما كانت تناجي ربها به هذه الابيات وهي من مناجاة ابيها امير المؤمنين عليه السلام :
          لك الحمد يا ذا الجود والمجد iiوالعلى تـباركت تـعطي من تشاء iiوتمنع
          إلـهي وخـلاقي وحرزي iiوموئلي الـيك لـدى الاعسار واليسر iiافزع
          إلـهي لـئن جلت وجمت iiخطيئتي فـعفوك عـن ذنـبي اجل iiواوسع
          إلـهي لـئن اعطيت نفسي iiسؤلها فـها انـا في روض الندامة iiارتع
          إلـهي تـرى حالي وفقري iiوفاقتي وانـت مـناجاتي الـخفية iiتـسمع
          إلـهي فـلا تقطع رجائي ولا iiتزغ وانـت مـناجاتي الـخفية iiتـسمع
          إلـهي لـئن خـيبتني او طردتني فـمن ذا الذي ارجو ومن ذا iiاشفع
          إلـهي اجـرني مـن عذابك iiانني اسـير ذلـيل خـائف لك iiاخضع
          إلـهي فـآنسني بـتلقين iiحـجتي اذا كان لي في القبر مثوى ومضجع
          إلـهي لـئن عـذبتني الـف iiحجة فـجل رجـائي مـنك لا iiيـتقطع
          إلـهي اذقـني طـعم عـفوك iiيوم لا بـنون ولا مـال هـنالك iiينفع
          إلـهي لـئن لم ترعني كنت ضائعاً وان كـنت تـرعاني فلست iiاضيع
          إلـهي اذا لم تعف عن غير iiمحسنٍ فـمـن لـمسيئ بـالهوى iiيـتمتع
          إلـهي لئن فرطت في طلب iiالتقى فـها انـا أثـر الـعفو اقفو iiواتبع
          إلـهي لـئن اخـطأت جهلاً فطالما رجـوتك حـتى قيل ما هو يجزع
          إلـهي ذنوبي بذت الطود iiواعتلت وصـفحك عـن ذنبي اجل iiوارفع
          إلـهي يـنحي ذكـر طولك لوعتي وذكـر الـخطايا العين مني iiيدمع
          إلـهي اقـلني عثرتي وامح حوبتي فـأنـي مـقر خـائف مـتضرع
          إلـهي انـلني مـنك روحاً iiوراحة فـلست سـوى ابواب فضلك iiاقرع
          ( 100 )

          إلـهي لـئن اقصيتني او iiاهنتني فما حيلتي يا رب ام كيف iiاصنع
          إلهي حليف الحب في الليل iiساهر يـناجي ويـدعو والمغفل iiيهجع
          إلـهي وهـذا الخلق ما بين iiنائم ومـنـتبه فـي لـيله iiيـتضرع
          وكـلهم يـرجو نـوالك iiراجـياً لرحمتك العظمى وفي الخلد يطمع
          إلـهي يـمنيني رجـائي سلامة وقـبح خـطيئاتي عـلي iiيشنع
          إلـهي فـان تعفو فعفوك iiمنقذي والا فـبالذنب الـمدمر iiاصـرع
          إلـهي بـحق الـهاشمي iiمـحمد وحـرمة اطـهارهم لـك iiخضع
          إلـهي بحق المصطفى وابن iiعمه مـنيباً تـقياً قـانتاً لـك iiاخضع
          ولا تـحرمني يـا إلهي iiوسيدي شـفاعته الـكبرى فذاك iiالمشفع
          وصـل عـليهم ما دعاك iiموحد ونـاجاك اخـيار ببابك iiركع
          (1)
          ولزينب ام المصائب وعقيلة بني هاشم مواقف مشهودة مع اخيها الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء . تزوجت من عبد الله بن جعفر الطيار ، ومن اولادها عون المدفون مع قبور الشهداء في الحرم الحسيني بكربلاء ، توفيت العقيلة في السفرة الاخيرة حيث كانت مع زوجها عبد الله بن جعفر حين جاء بها الى دمشق ليتعاهد امور ملكه في قرية راوية وتوفيت ودفنت في زاوية من اعمال دمشق ويعرف اليوم بقرية قبر الست .
          4 / السيدة ام كلثوم

          هي الرابعة من اولاد فاطمة الزهراء عليها السلام ، كانت ام كلثوم مع اخيها الحسين عليه السلام بكربلاء ، وكانت مع السجاد عليه السلام الى
          (1) عقيلة بني هاشم / علي بن الحسين الهاشمي الخطيب ص 16 ـ 19 .

          ( 101 )

          الشام ثم الى المدينة ، وهي جليلة القدر ، وخطبتها مع ابن زياد في الكوفة معروفة ، وزوجها عون بن جعفر وانها لم تتزوج بغير ابن عمها عملاً بالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو : ( نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى اولاد علي وجعفر عليهما السلام فقال : بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا ) .
          خطبت في الكوفة ومن شعرها قولها :
          قـتلتم اخـي صبراً فويل iiلأمكم تـجزون نـاراً حـرها iiيـتوقد
          سـفكتم دمـاء حـرم الله سفكها وحـرمها الـقرآن ثـم iiمـحمد
          الا فـابشروا بـالنار انـكم غدا لـفي سـقر حـقا يقينا iiتخلدوا
          واني لأبكي في حياتي على اخي عـلى خير من بعد النبي iiسيولد
          بـدمع غـزير مستهل iiمكفكف على الخد مني دائماً ليس iiتجمد
          قال الراوي : فضج الناس بالبكاء والنوح ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن وضربن خدودهن ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال ونتفوا لحاهم فلم ير باكية وباك اكثر من ذلك اليوم (1) .
          كما نود ان ننقل للقارئ من شعرها حين رجوعها الى الشام ، فقد جعلت تبكي وتقول :
          مـدينة جـدنا لا iiتـقبلينا فبالحسرات والاحزان جنينا
          الا فـاخبر رسول الله عنا بـأنا قـد فـجعنا في iiابينا


          ومنها قولها في رواية اخرى :
          (1) نفس المهموم / للمحدث القمي / ص 369 .

          ( 102 )

          مـديـنة جـدنا لا iiتـقبلينا فـبالحسرات والاحزان جينا
          خـرجنا منك بالاهلين iiجمعا رجـعنا لا رجـال ولا بنينا
          وكنا في الخروج بجمع شمل رجـعنا خـاسرين iiمـسلبينا
          وكـنا فـي امـان الله iiجهرا رجـعنا بـالقطيعة iiخـائفينا
          ومـولانا الـحسين لنا iiانيس رجـعنا والـحسين به iiرهينا
          فـنحن الـضائعات بلا iiكفيل ونـحن النائحات على iiاخينا
          الا يـا جـدنا قـتلوا حسيناً ولـم يـرعوا جناب الله iiفينا
          الا يـا جـدنا بـلغت iiعدانا مـناها واشتفى الاعداء iiفينا
          لـقد هتكوا النساء iiوحَملوها على الاقتاب قهراً اجمعينا
          (1)
          هؤلاء هم ابناء فاطمة سلام الله عليها وذريتها الذين وجبت على الناس مودتهم وولاؤهم والصلاة عليهم .
          (1) المصدر السابق / ص 471 .

          مرض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

          كان للامام علي بن ابي طالب عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام الدور البارز في حياة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا سيما في ساعاته الاخيرة من حياته . فقد كانت فاطمة الزهراء جالسة قربه فلما رأت ذلك قامت حزينة واخذت بيدي الحسن والحسين وجعلت تندب أباها ، ففتح الرسول عينيه ووضع رأسه على صدرها ودعا وقال : اللهم الهم فاطمة الصبر ، ثم قال : ( ابشري يا فاطمة فستكونين اول من يلحق بي ) وجعل يعالج سكرات الموت فاخذت تبكي بكاء شديداً ، فأراد علي اسكاتها فقال النبي : ( دعها تبكي اباها ) ثم اغمض عينيه واسلم روحه (1) وفي المجالس السنّية : فلما كان من الغد حجب الناس عنه وثقل في مرضه وكان امير المؤمنين عليه السلام لا يفارقه الا لضرورة ، فقام في بعض شؤونه فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فافتقد علياً ، فقال وازواجه حوله : ادعوا لي اخي وصاحبي وعاوده الضعف فأصمت
          (1) عقيدة الشيعة ، رونالدسن ، ص 30 .

          ( 104 )

          فقالت عائشة : ادعوا ابا بكر فدعي ودخل وقعد عند رأسه فلما فتح عينيه نظر اليه فأعرض عنه بوجهه فقام وقال : لو كان له حاجة لافضى بها اليّ . فلما خرج اعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القول ثانياً وقال : ادعوا لي اخي وصاحبي فقالت حفصة : ادعوا له عمر ، فدعي فلما حضر ورآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعرض عنه فانصرف ، ثم قال ادعوا لي اخي وصاحبي فقالت ام سلمة : ادعوا له علياً فانه لا يريد غيره فدعي امير المؤمنين عليه السلام ، فلما دنا منه اومأ اليه فأكب عليه فناجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويلاً ثم قام فجلس ناحية حتى اغفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما غفى خرج فقال له الناس : يا ابا الحسن ما الذي اوعز اليك ؟ فقال اوصاني بما انا قائم به ان شاء الله تعالى ثم ثقل وحضره الموت وامير المؤمنين عليه السلام حاضر عنده فأخذ علي عليه السلام رأسه فوضعه في حجره فأغمى عليه ، فأكبت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول :
          وابيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى من عصمة للارامل

          ففتح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عينيه وقال : بصوت ضئيل يا بنيّة هذا قول عمك ابي طالب لا تقوليه ولكن قولي : ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ) فبكت طويلاً فأومأ إليها بالدنو منه ، فدنت منه فأسرّ اليها شيئاً تهلل له وجهها فقيل لفاطمة عليها السلام : ما الذي اسر اليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسري (1) عنك به ما كنت عليه من الخوف والقلق
          (1) سري عنه الهم : مجهولاً انكشف .

          ( 105 )

          بوفاته ؟ قالت : اخبرني انني اول اهل بيته لحوقاً به وانه لن تطول المدة لي بعده حتى ادركه فسري بذلك عني .
          وهل عدلت يوماً رزية هالك رزية يوم مات فيه محمدُ

          وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد (1)

          عاشت الزهراء سلام الله عليها بعد ابيها فترة قصيرة جاوزت الشهرين او الثلاث ، وهي فترة مليئة بالاحداث والمفاجئات لقد غمرت وجهها بكفها واستسلمت الى البكاء ، وبقيت راكعة امام نعش والدها الذي احبها واحبته محدقة الى وجهه تغتسل بدموعها التي تذرفها .
          (1) المجالس السنية ، محسن الامين / ج 5 / ص 24 ـ 26 .

          ( 106 )

          وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

          توفي الرسول الكريم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم لاثنتي عشر ليلة مضت من ربيع الاول سنة احدى عشرة من الهجرة ، وكان سنّهُ ثلاثاً وستين سنة ، وغسّله علي بن ابي طالب عليه السلام والفضل بن عبد المطلب واسامة بن زيد يناولان الماء وسمعوا صوتاً من البيت ، يسمعون الصوت ولا يرون الشخص فقال : ( السلام ورحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد ، اِنَّمَا يُِريدُ الله لِيُذْهِبََ عََنُكُمُ الرِّجْسََ أَهْلَ الْبَيْتِِ وَيُطَهَّرَكُمْْ تَطْهِيراً . كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَّفوْنََ اُجُورَكُمْ يَوْمََ القِيَامَةِ فََمَن زُحْزِحَ عََنِ النَّارِ واُدْخِلَ الْجَنَّةََ فَقَدْْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ اُتُوا الْكِتَابََ مِن قَبْلِكُمْْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِِ الأُمُورِ . ان في الله خلقاً من كل هالك مصيبة ، عظم الله اجوركم والسلام عليكم ورحمة الله ) فقيل لجعفر بن محمد من كنتم ترونه ؟ فقال : جبرئيل ، وكفن في ثوبين صحاريين وبرد حيره ونزل قبره
          ( 107 )

          علي بن ابي طالب والعباس ابن عبد المطلب وقيل الفضل بن العباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونادت الانصار اجعلوا لنا في رسول الله نصيباً في وفاته كما كان لنا في حياته ، فقال علي : ينزل رجل منكم فانزلوا أوس بن خولي احد بني الحبلى وكان حفر قبره ابو طلحة بن سهل الانصاري ولم يكن بالمدينة من يحفر غيره ، وغير ابي عبيدة بن الجراح يشق ويحفر وسطا وأبو طلحة يلحد ، وقيل انهما سابقاً حفرا فسيق ابو طلحة بالحفر وصلى عليه اياماً والناس يأتون ويصلون ارسالاً ودفن ليلة الاربعاء في بعض الليل وطرحت تحته قطعة رحله وكانت ارجوان وربع قبره ولم يسنم (1) .
          ولما مات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاءت فاطمة حزينة باكية فألقت نفسها على القبر الشريف وقالت :
          مـاذا على من شم تربة احمد ان لا يشم مدى الزمان iiغواليا
          صـبّت علي مصائب لو انها صبت على الايام صرن لياليا


          ولها سلام الله عليها ترثي اباها :
          اغـبر آفـاق السما iiوكورت شمس النهار واظلم iiالعصران
          والارض من بعد النبي iiكئيبة اسـفاً عـليه كثيرة iiالاحزان
          فـليبكه شرق البلاد iiوغربها ولـتبكه مـصر وكل يماني
          ولـيبكه الـطود الاشم iiوجوّه والـبيت والاستار iiوالاركان
          يا خاتم الرسل المبارك صنوه صـلى عـليك منزل iiالقرآن
          وانشدت الزهراء عليها السلام بعد وفاة ابيها صلى الله عليه وآله وسلم :
          (1) عقيدة الشيعة / رولندسن / ص 27 ـ 28 .

          ( 108 )

          وقـدر رزئـنا بـه محضاً iiخليقته صافي الضرائب والاعراق iiوالنسب
          وكـنت بـدراً ونـوراً يستضاء iiبه عـليك تـنزل من ذي العزة iiالكتب
          وكـان جـبريل روح القدس زائرنا فـغاب عـنا وكـل الخير iiمحتجب
          أنـا رزئـنا بـما لم يرز ذو iiشجن مـن الـبرية لا عـجم ولا iiعرب
          ضـاقت عـلي بلاد بعد ما iiرحبت وسـيم سبطاك خسفاً فيه لي iiنصب
          فـأنت والله خـير الـخلق iiكـلهم واصدق الناس حيث الصدق والكذب
          فـسوف نـبكيك ما عشنا وما iiبقيت مـنا الـعيون بتهمال لها iiسكب
          (1)
          روى ابن سعد في الطبقات : انه لما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت فاطمة : يا ابتاه اجاب ربا دعاه يا ابتاه جنة الفردوس مأواه يا ابتاه الى جبريل ننعاه يا ابتاه من ربه ما أدناه .
          وروى الحاكم في المستدرك انها عليها السلام بكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت : وذكر نحوه . وروي الحاكم في المستدرك بسنده عن موسى بن جعفر بن محمد بن علي عن ابيه عن جده ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي أن فاطمة عليه السلام لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تقول : وا ابتاه من ربه ما ادناه وا ابتاه جنان الخلد مأواه وا ابتاه ربه يكرمه اذ اتاه وا أبتاه الرب ورسله يسلم عليه حين يلقاه . وروى غير واحد أنه : لما دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت فاطمة : أطابت نفوسكم ان تحثوا على رسول الله التراب واخذت من تراب القبر الشريف وضعتها على عينيها(2) .
          (1) بحار الانوار / للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج 43 / ص 196 .

          (2) أعيان الشيعة / محسن الأمين / ج 2 / ص 366 .

          ( 109 )

          لقد باتت الزهراء سلام الله عليها بعد وفات ابيها تقاسي الأحن والمصائب ، وجاش صدرها بالأحزان ، فلا يستريح قلبها ولا تسكن حركتها ، وأنشأ أمير المؤمنين علي عليه السلام يرثي النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
          الـموت لا والداً يبقى ولا iiولدا هذا السبيل الى أن لا ترى احدا
          هـذا الـنبي ولـم يخلد لأمته لـو خـلد الله خـلقا قبله iiخلدا
          لـلموت فينا سهام غير طائشة من فاته اليوم سهم لم يفته iiغداً
          ومن الديوان المنسوب الى امير المؤمنين عليه السلام في رثائه صلى الله عليه وآله وسلم قوله :
          مـا غاض دمعي عند نائبة الا جـعلتك لـلبكا iiسـببا
          واذا ذكـرتك سامحتك iiبه مني الجفون ففاض وانسكبا
          انـي اجل ثرى حللت iiبه عـن ان ارى لسواه iiمكتئبا
          ومن الديوان المذكور في رثائه صلى الله عليه وآله وسلم :
          أمــن بـعد تـكفين الـنبي iiودفـنه يـأتو بـه آسـى عـلى هـالك iiثوى
          رزئـنا رسـول الله فـينا فـلن iiترى بـذاك عـديلاً مـا حـيينا من iiالردى
          فـيا خـير مـن ضم الجوانح iiوالحشى يـا خـير مـيت ضمه التراب iiوالثرى
          لـقـد نـزلـت بـالمسلمين iiمـصيبة كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا
          وضـاق فـضاء الارض عنهم iiبرحبه لـفقد رسـول الله ذا قـيل قـد مضى
          فـلن يـستقيل الـناس تـلك iiمـصيبة ولـن يـجبر الـعظم الذي منهم iiوهى
          وقالت الزهراء عليها السلام ترثيه :
          قل للمغيب تحت اطباق iiالثرى ان كنت تسمع صرختي وندائيا
          صـبت علي مصائب لو iiانها صبت على الايام صرن iiلياليا


          تعليق


          • #6
            ( 110 )
            قـد كنت ذات حمى بظل iiمحمد لا اخـتشي ضيماً وكان iiجماليا
            فـاليوم اخـشع لـذليل iiواتقي ضـيمي وادفـع ظالمي iiبردائيا
            فـاذا بـكت قـمرية في iiليلها شجناً على غصن بكيت صباحيا
            فلا جعلن الحزن بعدك iiمؤنسي ولا جـعلن الـدمع فيك وشاحيا
            مـاذا عـلى من شم تربة iiاحمد ان لا يـشم مدى الزمان iiغواليا
            وينسب الى الزهراء عليها السلام ولعله قيل عن لسانها :
            قـلَّ صبري وبان عني عزائي بـعد فـقدي لـخاتم iiالانـبياء
            عين يا عين اسكبي الدمع iiسحاً ويـك لا تـبخلي بفيض iiالدماء
            يـا رسـول الالـه يا خيرة الله وكـهـف الايـتام iiوالـضعفاء
            قد بكتك الجبال والوحش والطير كـذا الارض بـعد بكي iiالسماء
            وبكاك الحجون والركن iiوالمشعر يــا سـيدي مـع iiالـبطحاء
            وبكاك المحراب والدرس iiللقرآن فـي الـصبح مـعلناً iiوالمساء
            وبـكاك الاسـلام اذ صـار في الـناس غريباً من سائر iiالغرباء
            لو ترى المنبر الذي كنت iiتعلوه عـلاه الـظلام بـعد iiالـضياء
            وقالت الزهراء ترثيه كما في مناقب ابن شهر اشوب ونسبهما دحلان في سيرته الى حسان بن ثابت :
            كنت السواد iiلناظري فـعمى عليك الناظر
            من شاء بعدك فليمت فـعليك كنت احاذر


            وقال ابو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم يرثي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان من الشعراء المطبوعين :
            ارقـت فبـات ليـلي لا يـزول وليـل اخـي المصيبة فيه طول

            ( 111 )
            فـاسعدني البكاء وذاك iiفيما اصـيب المسلمون به iiقليل
            لقد عظمت مصيبتنا iiوجلت عشية قيل قد قبض الرسول
            واضحت ارضنا مما iiعراها تـكاد بـنا جـوانبها iiتميل
            فـقدنا الوحي والتنزيل iiفينا يـروح به ويغدو iiجبرئيل
            ابـي كان يجلو الشك iiعنا بـما يوحى اليه وما iiيقول
            ويـهدينا فلا نخشى iiضلالا عـلينا والـرسول لنا iiدليل
            وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
            الا يـا رسول الله كنت iiرجاءنا وكـنت بـنا براً ولم تك iiجافيا
            وكـنت رحـيماً هـادياً iiومعلما لـيبك عليك اليوم من كان iiباكيا
            كـأن عـلى قـلبي لذكر iiمحمد وما خفت من بعد النبي iiالمكاويا
            افـاطم صـلى الله رب iiمحمد على جدث امسني بيثرب iiثاوياً
            فـدى لرسول الله امي iiوخالتي وعـمي وآبـائي ونفسي iiوماليا
            صـدقت وبلغت الرسالة iiصادقاً ومت صليب العود ابلج iiصافيا
            فـلو ان رب الناس ابقى iiنبينا سـعدنا ولكن امره كان iiماضيا
            عـليك مـن الله الـسلام iiتحية وادخلت جنات من العدن راضيا
            ارى حـسناً ايـتمته iiوتـركته ويـبكي ويدعو جده اليوم iiنائيا
            وقال حسان بن ثابت يرثي النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
            بـطيبة رسـم لـلرسول ومعهد مـنير وقـد تعفو الرسوم وتهمد
            ولا تنمحي الآيات من دار حرمة بها منبر الهادي الذي كان iiيصعد
            وواضـح آيـات وبـاقي iiمعالم وربـع لـه فيه مصلى ومسجد
            عرفت بها رسم الرسول iiوعهده وقبراً به واراه في الترب iiملحد
            ( 112 )
            ظللت بها ابكي الرسول iiفاسعدت عـيون ومـثلاها من الجن iiتسعد
            مـفجعة قـد شـفها فـقد احـمد فـظـلت لآلاء الـرسول iiتـعدد
            اطالت وقوفاً تذرف الدمع iiجهدها عـلى طلل القبر الذي فيه iiاحمد
            فـبوركت يا قبر النبي iiوبوركت بـلاد ثـوى فيها الرشيد iiالمسدد
            وبـورك لـحد منك ضمن iiطيبا عـليه بـناء مـن صفح iiمنضد
            لـقد غـيبوا حلماً وعلماً ورحمة عـشية عـلوه الـثرى لا iiيوسد
            وراحـوا بحزن ليس فيهم iiنبيهم وقـد وهنت منهم ظهور iiواعضد
            تـبكون من تبكي السماوات iiيومه ومن قد بكته الارض فالناس iiاكمد
            وهـل عـدلت يوماً رزية iiهالك رزيـة يـوم مـات فـيه iiمحمد
            تـقطع فـيه منزل الوحي iiعنهم وقـد كـان ذا نور يغور iiوينجد
            يـدل على الرحمن من يقتدي به ويـنقذ مـن هول الخزايا iiويرشد
            امـام لـهم يـهديهم الحق iiجاهدا مـعلم صـدق ان يطيعوه يسعدوا
            وان نـاب امـر لم يقوموا iiبحمله فـمن عـنده تـيسير مـا iiيتشدد
            فـبيناهم فـي نـعمة الله iiبـينهم دلـيل بـه نـهج الطريقة iiيقصد
            عزيز عليه ان يجوروا عن الهدى حريص على ان يستقيموا ويهتدوا
            وامست ديار الوحي وحشاً iiبقاعها لـغيبة ما كانت من الوحي iiتعهد
            وبـالجمرة الكبرى له ثم iiاوحشت ديـار وعـرصات وربع iiومولد
            فـابكي رسول الله يا عين iiعبرة ولا اعـرفنك الدهر دمعك iiيجمد
            ومـا لك لا تبكين ذا النعمة iiالتي عـلى الـناس مـنها سائغ iiيتغمد
            فـجودي عـليه بالدموع iiواعولي لـفقد الـذي لا مثله الدهر يوجد
            ومـا فـقد الـماضون مثل محمد ولا مـثله حـتى الـقيامة iiيـفقد
            ( 113 )
            اعـف واوفـى ذمـة بـعد iiذمة واقـرب مـنه نـائلاً لا iiيـنكد
            واكرم صيتاً في البيوت اذا انتمى واكـرم جـداً ابـطحياً iiيـسود
            وامـنع ذروات واثبت في iiالعلى دعـائم عـز شـاهقات iiتـشيد
            تـناهت وصـاة المسلمين iiبكفه فلا العلم محبوس ولا الرأي iiيفند
            وقال حسان بن ثابت الانصاري يرثي النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
            مـا بـال عـينك لاتـنام iiكأنما كـحلت مـآقيها بـكحل iiالارمد
            جزعاً على المختار اصبح iiثاويا يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
            وجـهي يقيك الترب لهفي iiليتني غـيبت قـبلك فـي بقيع iiالفرقد
            نـور اضـاء على البرية iiكلها مـن يـهد لـلنور المبارك iiيهتد
            والله اسـمع مـا بـقيت iiبهالك الا بـكيت عـلى الـنبي iiمحمد
            صـلى الاله ومن يحف iiبعرشه والـطيبون عـلى المبارك iiاحمد
            وقال سواد بن مقارب يرثي النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
            ابـقى لـنا فـقد النبي iiمحمد صـلى عـليه الله مـا iiيعتاد
            حزناً لعمرك في الفؤاد مخامراً ام هـل لـمن فقد النبي فؤاد
            كـنا نـحل بـه جناباً ممرعا جـف الجناب فأجدب iiالرواد
            فـبكت عليه ارضنا iiوسماؤنا وتـصعدت وجـداً به iiالاكباد
            لـو قـيل تفدون النبي iiمحمدا بـذلت لـه الاموال iiوالاولاد
            وقال آخر وفي مناقب ابن شهر اشوب انها لابراهيم بن المهدي :
            اصـبر لـكل مـصيبة iiوتجلد واعـلم بـان المرء غير iiمخلد
            واصـبر كما صبر الكرام فانها نوب تنوب اليوم تكشف في غد
            او مـا ترى ان الحوادث جمة وتـرى المنية للرجال iiبمرصد
            ( 114 ) واذا اتتـك مصيبـة تشجـى لهـا فاذكر مصابـك بالنبـي محـمـد (1)

            لقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم مثلاً اعلى واستاذ الانسانية ورسول الخير والمحبة ورحمة للعالمين . ولو ادرك الناس في العالم كافة ما لعظمته وتعاليمه السامية الالهية من المزايا والاثار في الحياة اليومية والنظم الاجتماعية والاداب الاجتماعية لما بقي على وجه الارض من يدين بدين آخر ، لانه مطلوب كل روح ومطمأنّ كل احساس ومنتهى كل عقل من معنى الدين والايمان . ان روح ومطمأمن كل احساس ومنتهى كل عقل من معنى الدين والايمان . ان روح النبي العربي الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم انما تسر من قومه وامته باتباع سنته واحياء معالم شريعته والتحلّي بالفضائل والتخلي عن الرذائل والتجمل بحسن الشمائل . ثم بالتآزر والتعاون كما قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه ( ... تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى‏ وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(سورة المائده:2) . لقد آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم من كان طاغياً وخضعت لرسالته الجبابرة حين اتضح لهم نبل غايته ومغزى مراميه وأخلاقه وتواضعه ( وإنك لعلى خلق عظيم ) فانبرى قائلهم يقول :
            فما حملـت من ناقـة فوق ظهـرها ابـر وأوفـى ذمـة مـن محـمـد

            ودكت صروح القياصرة والاكاسرة والاباطرة جيوشه المتخلقة بأخلاقه السامية .
            لقد قال الفيلسوف الروسي تولستوي : ( لو كنتُ اتدين بدين لما اخترت سوى دين محمد ) كلمة من رجل ملحد لا يأبه بالاديان ولا يقيم لها وزناً ، فهو يعترف بأفضلية دين محمد .
            (1) المجالس السنية / محسن الامين / ج 5 / ص 46 ـ 53 .

            ( 115 ) وقال الفيلسوف بوسور النمساوي : ان محمداً اسس في وقت واحد ثلاثة اشياء هي من عظائم الامور وجلائل الاعمال التي تذكر في العالم ، فانه مؤسس لأمة وامبراطورية وديانة ، مع انه أمي او قل ما كان يقدر ان يقرأ ويكتب ، اتى بكتاب هو آية في البلاغة ودستور للشرائع وللصلاة والدين في آن واحد .
            ذلك هو نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أكمل انسان عرفته الانسانية كلها ، بعثه الله ليتمم مكارم الاخلاق بدين هو دين الوحدة والمحبة والاخاء والعدل والمساواة والسلام ، فألف بين قلوب العرب وجمع شتاتهم ووحد كلمتهم ، وجعلهم ينضوون تحت راية الاسلام بعد ان كانوا قبائل وشعوباً متفرقين يغزو بعضهم بعضاً ويغير بعضهم على بعض لا وازع لهم ولا رادع ، فطهر قلوبهم وزكى نفوسهم ورقق طباعهم وشذب سلوكهم وقوّم اخلاقهم وصيرّهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً .
            حسبنا مجداً وشرفاً وعلماً بمبادئ الدين الاسلامي ، وحسب هذا الدين نفسه انه يكون اجل الاديان وافضلها .
            ( 116 ) فدك .. الحق والميراث

            تأتي اهمية ( فدك ) في كونها قرية كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيئها بين آل بيته وفقراء المسلمين . ولما مات الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورثت فاطمة الزهراء هذا الارث ، ولما طالبت به منعت وكفّت عن الطلب ، لكنها انصرفت غاضبة ساخطة كما يحدثنا بذلك الرواة . اخرج البخاري في باب فرض الخمس ان فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألت أبا بكر الصديق (رض) بعد وفاة رسول الله ان يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما افاء الله عليه ، فقال لها ابو بكر : ان رسول الله قال لا نورّث ، فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهجرت ابا بكر فلم تزل مهاجرة حتى توفيت (1) .
            وقال العقاد : فلما قضى عليه الصلاة والسلام ارسلت فاطمة الى ابي بكر تسأله ميراثها فيها وفيما بقي من خمس خيبر ، فقال ابو بكر : ان رسول الله
            (1) صحيح البخاري / ج 5 / ص 5 .

            ( 117 ) صلى الله عليه وآله كان يقول : ( اننا معشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) واني والله لا اغير شيئاً من صدقة رسول الله من حالها التي كان عليها (1) ثم قال لها : فأما ان كان ابوك قد وهب لك هذا المال فاني اقبل كلمتك في ذلك وانفذ ما امر به ، فأجابت فاطمة بان اباها لم يفض اليها بشيء من ذلك وانما اخبرتها ام ايمن بان ذلك كان قصده ، عند ذلك اصرّ ابو بكر على استبقاء فدك وخيبر وردهما الى بيت مال المسلمين (2) . الا ان الزهراء عليها السلام احتجت عليه بسندها عن القرآن الكريم بقوله : فقال عن نبي من انبيائه هو (زكريا) : (يرثني ويرث من آل يعقوب) وقوله تعالى : (وورث سليمان داود) وان ابا بكر قال لها يابنت رسول الله : انت عين الحجة ومنطق الرسالة لا يدل بجوابك ولا اوقعك عن صوابك ولكن هذا ابو الحسن بيني وبينك هو الذي اخبرني بما تفقدت وانبأني بما اخذت وتركت (3)ويحسن بنا ان نلفت نظر القارئ الى ان ابا بكر قال : يا ابنة رسول الله والله ما ورث ابوك ديناراً ولا درهماً وانه قال : (ان الانبياء لا يورثون) فقالت : ان فدك وهبها لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال : فمن يشهد بذلك فجاء علي بن ابي طالب فشهد وجاءت ام ايمن فشهدت ايضاً ، فجاء عمر بن الخطاب وعبد الرحمان بن عوف فشهدا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقسمها ، فقال ابو بكر : صدقت يا ابنة رسول الله وصدق علي وصدقت ام ايمن وصدق عمر
            (1) فاطمة الزهراء والفاطميون ، عباس محمود العقاد / ص 57 و 58 .

            (2) حياة محمد / محمد حسين هيكل / ص 321 .

            (3) المصدر السابق / ص 58 .

            ( 118 ) وصدق عبد الرحمان بن عوف وذلك ان مالك لأبيك كان رسول الله يأخذ من فدك قوتكم ويقسم الباقي في سبيل الله فما تصنعين بها ؟ قالت اصنع بها كما يصنع بها أبي ، قال : فلك على الله ان اصنع كما يصنع بها ابوك ، قالت : الله لتفعلن ، قال : الله لأفعلن ، قالت : اللهم اشهد . وكان ابو بكر يأخذ عليها فيدفع اليهم منها ما يكفيهم ويقسم الباقي وكان عمر كذلك ثم كان عثمان كذلك ثم كان علي كذلك (1) .
            لقد اقبلت فاطمة في لمةٍ من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) حتى دخلت على ابي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والانصار ، فضرب بينها وبينهم ربطة بيضاء ، ثم أنَّت انّه اجهش لها القوم بالبكاء ، ثم امهلت طويلاً حتى سكتوا فخطبت خطبة طويلة جداً قالت في آخرها :
            (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، فان تعزوه تجدوه ابي دون ابائكم ، وآخا ابن عمي دون رجالكم) ثم ذكرت كلاماً طويلاً في آخره : (ثم انكم الان تزعمون ان لا ارث لي افحكم الجاهلية تبغون ؟ ومن احسن من الله حكماً لقوم يتقون ايه معاشر المسلمين ابتز ارث ابي ـ ابى الله ان ترث ياابن ابي قحافة اباك ولا ارث ابي ، لقد جئت امراً فريا . افعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ، اذ يقول : « وورث سليمان داود » . وفي خبر يحيى بن زكريا عليهما السلام . اذ يقول : « رب هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث
            (1) المصدر السابق / ص 58 .

            (2) اعلام النساء / عمر رضا كحاله / ج 4 / ص 116 و 117 .

            ( 119 ) من آل يعقوب » . وقال : « واولو الارحام اولى ببعض في كتاب الله » . وقال : « يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين » . وزعمتم ان لا حظوة لي ولا ارث من ابي ولا رحم بيننا . أأنتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من ابي وابن عمي ؟ ثم رنت بطرفها نحو الانصار ، فقالت : يا معشر الفتية واعضاء الملمة وحصن الاسلام ما هذه الغميزة في حقي ؟ اما كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (المرء يحفظ في ولده) .
            وللعلامة الشيخ محمد جواد مغنية رأي بهذا الخصوص جاء فيه : (لقد كان على ابي بكر ان يقيم اولاً وقبل كل شيء البيّنة على ان النبي توفى مالكاً لفدك وانها من جملة ما ترك ثم يحتج على سيدة النساء فاطمة ، ولكنه عكس الامر وطلب البينة من صاحب اليد المالكة المتصرفة . طلب منها البينة لا لشيء الا لمجرد دعواه بأن ما تركه ابوها فهو صدقة ، ونحن نسلم ـ جدلاً ـ بذلك ، ولكن نتساءل : هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يملك فدكاً حين وفاته حتى يصدق عليها انها من جملة ما ترك ؟ كيف ، وقد ذهب الى ربه وفدك ليست في يده ولا في تصرفه ، بل في يد السيدة المعصومة وفي سلطانها وتصرفها باعتراف ابي بكر وجميع الصحابة ، وبعد ، فان حكاية المعصومة وفدك وابي بكر تماماً كحكاية والد وهب ولده داراً وسكنها الولد في حياة الوالد ، وبعد موت الوالد جاء فلان الفلاني وقال للولد الساكن المتسلط : عليك ان تخلي الدار وتسلمني اياها لأن أباك قد اوصى لي بجميع ما ترك ، قال هذا دون ان يثبت ان الدار من جملة ما ترك الموصي ، ومع التسليم بالوصية وصحتها ، هل يسوغ لعاقل وفاهم ان يقول للولد عليك ان تسلم الدار للمدعي لأن اباك قد
            ( 120 ) اوصى له بجميع ما ترك ، بعد العلم بان اباه مات ، وهذه الدار على غير ملكه ، لأنها في يد غيره ، واليد تدل على الملك (1) .
            اجل ، لقد كان من الطبيعي ان تثير هذه الكلمات المؤثرة ضجة حول الارث المحمدي الذي تآمر عليه جمع من المخالفين ، لكن الزهراء عليها السلام خيبت آمالهم بعد ان تصدت للرد عليهم وتحدتهم بجرأة متناهية وحجج دامغة ، اضطربت لها النفوس وتقلبت الابصار وتركت في كثير من القلوب غصة لا يقر لها قرار .
            ومما يعين على الاحاطة حول مسألة الخلاف فيقضية فدك ، قول عمر لأبي بكر : انطلق بنا الى فاطمة فانا قد اغضبناها ، فانطلقا واستأذنا عليها فلم تأذن لهما ، فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما ، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها الى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام ، فتكلم ابو بكر وقال : (يا حبيبة رسول الله ان قرابة رسول الله احب اليّ من قرابتي وانك لأحب اليّ من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات ابوك اني مت ولا ابقى بعده . افتراني اعرفك واعرف فضلك وشرفك وامنعك حقك وميراثـك من من رسول الله ؟ الا اني سمعت اباك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( لا نورث ما تركنا فهو صدقة ) فقالت : ( ارأيتكما ان حدثتكما حديثاً عن رسول الله ألم تسمعا رسول الله يقول : ( رضاء فاطمة من رضائي وسخطها من سخطي ) ؟ قالا : نعم سمعناه من رسول الله . قالت : ( فاني اشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما ارضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونكما اليه ) . فقال ابو بكر : ( انا عائذ بالله من سخطه
            (1) علم اصول الفقه في ثوبه الجديد / الشيخ محمد جواد مغنية / ص 403 .

            ( 121 ) وسخطك يا فاطمة ) ثم انتحب يبكي حتى كادت نفسه تزهق . ثم خرج فاجتمع اليه الناس فقال لهم : ( يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما انا فيه لا حاجة في بيعتكم . اقيلوني ببيعتي ) (1) واستمرت الزهراء في جهادها واختارت الاعتصام عن الكلام مع ابي بكر هذه المرة فأعلمت الملأ بانها قالت : والله لا اكلمه بكلمة ما حييت فلم تكلمه حتى ماتت .
            أرأيت الى الزهراء وجرأتها وموقفها والرجحان في ميزان القيم اذا قيس بنساء العالم ؟ انها وأيم الحق شهاب ثاقب لا ينطفئ منه اللهب في العواصف الهوج ، فضلاً على مالها من محامد فضلى وخصال رفيعة . ولم تنس ( فـدك ) ان ترجع اليها كل مرة ، كان يلمع فيها الحق ، لقد شعر ابن عبد العزيز بقيمة الانصاف فأرجع الى فاطمة ( فدكاً ) . لقد شعر بذلك ايضاً ـ فيما بعد ـ ابو العباس السفاح ، ثم من بعده المأمون بن الرشيد ان للزهراء سلام الله عليها شخصية موحية ولها حماس منقطع النظير لا سيما في استرداد الحق لأهله (2) والمثل يقول ( ما ضاع حق وراءه مطالب ) .
            اما ما اعلمه يقيناً ان الزهراء عليها السلام عاشت في غربة ، وعانت وحدة قاسية ووحشة موجعة ، تفكر ابداً بالحق المغتصب ، تتمشى في جنباتها اشتاح التفجع ، وتملأ صدرها انات اللوعة وهي اسيرة بيت الاحزان ، حيث تخيم عليه اجنحة الموت ، تملأ الفضاء بأنّات محزنة متقطعة هائلة مخيفة ، واحياناً تكون في غيبوبة نفسية تفصلها عن كل المظاهر الخارجية .
            (1) الامامة والسياسة / ابن قتيبة / ج 1 / ص 14 . وانظر اعلام النساء / ج 3 / ص 1214 .

            (2) الحضارة الاسلامية / آدم متز / ج 1 / ص 128 .

            ( 122 ) الاسلوب البلاغي للزهراء عليها السلام

            حياة كلها جهاد وعبادة وتبتّل ، نور نيّر يسير على منهاج الحق الصريح ، وفكر ثاقب يستضيء بمشكاة العلم الصحيح . الزهراء احدى ثمرات شجرة النبوة الوارفة الظلال ، ابدت من الكياسة والادب واللباقة ما لم يسبق اليها احد ، وجعلت وقتها وقفاً على العلم والدين والعمل والتريبية والتهذيب ، وذللت بأفكارها السامية كل صعب ، حتى تسنى لها الصعود الى معارج الارتقاء ، لتجني ثمار ذلك الجهد اليانع وقطوفه الدانية التي تؤتي اكلها كل حين بأذن ربها . وحين تقرأ خطبها ترى الفصاحة تتدفق من معين لسانها ، لا ينكر مالها من قوة الحجة في الكلام والشهرة والبيان .
            اتصفت الزهراء بالشجاعة الادبية ، فأخرجت للناس دفائن الحكمة وآيات الحق الناصعة وسحر البيان الرائع . وان من يمعن النظر في اسلوب الزهراء الخطابي الرصين وبلاغتها البيانية وما ترمز اليه يتضح له ما ينطوي عليه خطابها من معان واضحة وبصيرة نفاذة . وقد استطاعت ان تسيطر على نفوس مستمعيها وهم في احرج موقف ، ولعل هذا هو بعض السر في
            ( 123 ) نجاحها ، ولا شك انها ترمي الى الاصلاح الشامل وبيان الواجب الملقى على عاتق كل مسلم يؤمن بالقيم الروحية والمبادئ السماوية ويتبع ارشادات القرآن والسنة النبوية .
            لنستمع الى خطبتها الغراء نصاً وهي تشهد بقدرتها الفائقة وثقافتها الواسعة ومكانتها السامية في عصرها وما تلاه الى يومنا هذا ، وهي هنا لا تلقي الكلام على عواهنه ،بل تزن كل كلمة تقولها بميزان الحقيقة والانصاف ، فتعجب بفهمها وذكائها كل الاعجاب .


            تعليق


            • #7
              تظلم الزهراء عليها السلام

              ان الحديث عن تظلم فاطمة سلام الله عليها حديث ذو شجون ، لا ينتهي الكلام فيه ، ولا يمكن اتيان جديد فيه . فالمصادر التاريخية قديمها وحديثها تؤكد على ظلامة الزهراء ، هذه المرأة العظيمة ، وما لقيته بعد وفاة والدها النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم من احن ومحن ، وتعرضت لكثير من الويلات والمصائب التي يشيب لهولها الزمان ، ابتداءً من ترك وصية والدها ، ومروراً بغصب الخلافة من زوجها ، وانتهاءً بقضية فدك ، مما ادى الى تراكم الهموم والهواجس عليها .
              لقد ذكر ابن قتيبة في كتابه ( الامامة والسياسة ) ما هذا نصه : ( ان ابا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه ، فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطيب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن او لأحرقنها على ما فيها فقيل له يا ابا حفص ان فيها فاطمة فقال : وان . فخرجوا فبايعوا الا علياً فانه زعم انه قال : حلفت ان لا اخرج ولا اضع ثوبي على عاتقي حتى اجمع القرآن ،
              ( 125 )

              فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا وأسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين ايدينا وقطعتم امركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً ... ) الى ان يصل قوله : ( ... ثم قام عمر ومشى معه جماعة اتوا باب فاطمة فدقوا الباب ، فلما سمعت اصواتهم ، نادت بأعلى صوتها : يا ابت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن ابي قحافة ، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين (1) .
              الذي يهمني ان اؤكده هنا هو ان الزهراء سلام الله عليها هي التي خرجت لمنع القوم عن اخراج علي عليه السلام وذلك لعظم منزلتها وعلو شأنها ، لانها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وان ما يدل على ذلك قول عمر بن الخطاب عندما اراد ان يأتي الى باب دار فاطمة ، قال : اريد ان احرق الدار ومن فيها ، قالوا ان في الدار فاطمة قال : وان . ويحسن ان انّبه الى ان هذا الموقف قد قام على اساس التحدي ومواجهة اهل البيت الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الا واني مخلف فيكم الثـقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا ) ، مما يدل على ان الرجل خالف كتاب الله وسنة نبيه في هذا التحدي السافر والاعتداء على بيت الزهراء سلام الله عليها . وبناءً على ذلك اشار الى هذا المضمون شاعر النيل حافظ ابراهيم بقوله :
              وقـولـة لـعلي قـالها iiعـمرُ حـرقت دارك لا ابقى عليك iiبها
              اكـرم بـسامعها اعـظم iiبملقيها ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها


              (1) الامامة والسياسة / ابن قتيبة / ص 12 و 13 .

              ( 126 )

              ما كان غير ابي حفص يفوه بها امام فـارس عدنـان وحاميهـا

              وفي كتاب ( عوالم سيدة النساء فاطمة الزهراء ) توضيح لهذا المشهد، قال : فلما رأى علي عليه السلام غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته ، وكان علي بن ابي طالب عليه السلام لما راى خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماع كلمة الناس مع ابي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته . فقال عمر لابي بكر : ما يمنعك ان تبعث اليه فيبايع فانه لم يبق احد الا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الاربعة معه ، وكان ابو بكر ارق الرجلين وارفقهما وادهاهما وابعدهما غوراً ، والاخر افظهما واغلظهما واخشنهما واجناهما ، فقال : من نرسل اليه ؟ فقال عمر : ارسل اليه قنفذاً ، وكان رجلاً فظاً غليظاً جافياً من الطلقاء احد بني تيم ، فأرسله وارسل معه اعواناً فانطلق فأستأذن فأبى علي عليه السلام ان يأذن له ، فرجع اصحاب قنفذ الى ابي بكر وهما في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يأذن لنا ، فقال عمر : هو ان اذن لكم والا فادخلوا عليه بغير اذنه ، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام : احرّج عليكم ان تدخلوا بيتي بغير اذن . فرجعوا فثبت قنفذ ، فقالوا : ان فاطمة قالت كذا وكذا فحرجتنا ان ندخل عليها البيت بغير اذن منها ،فغضب عمر ؛ مالنا وللنساء ، ثم امر اناساً حوله فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما ، ثم نادى عمر حتى اسمع علياً والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله او لأضرمن عليك بيتك ناراً ثم رجع فقعد الى ابي بكر وهو يخاف ان يخرج علي بسيفه لما قد عرف عن بأسه وشدته . ثم قال : قنفذ ان خرج والا فاقتحم عليه فان امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً . فانطلق قنفذ فاقتحم هو واصحابه بغير اذن وبادر علي الى سيفه ليأخذه فسبقوه اليه فتناول بعض
              ( 127 )

              سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه والقوا في عنقه حبلاً اسود ، وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي اثره في عضدها من ذلك الدملج من ضرب قنفذ اياها فأرسل ابو بكر الى قنفذ اضربها . فالجأها الى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها والقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحية في الفراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها (1) .
              وقال في موضع آخر : فلما انتهيا الى الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها اغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشك ان لا يدخل عليها الا باذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف ثم دخلوا فاخرجوا علياً ملبياً ، فخرجت فاطمة فقالت : يا ابا بكر اتريد ان ترملني من زوجي ـ والله ـ لئن لم تكف عنه لانشرن شعري ولاشقن جيبي ولآتين قبر ابي ولأصيحن الى ربي (2) .
              وقال ايضاً : فلما بلغ عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : وايم الله ما ذاك بمانعي ان اجتمع هؤلاء النفر عندك ان امر بهم ان يحرق عليهم البيت ، قال : فلما خرج عمر جاؤوها ، فقالت : تعلمون ان عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وايم الله ليمضين لما حلف عليه (3) .
              وقد وردت في هذا الخصوص اشعار كثيرة ، منها ارجوزة للسيد مهدي القزويني حيث قال :
              (1) عوالم سيدة النساء فاطمة الزهراء / الشيخ عبد الله البحراني الاصفهاني / ص 557 و 558 .

              (2) المصدر السابق / ص 560 .

              (3) المصدر السابق / ص 562 و 563 .

              ( 128 )

              يـا عـجبا يـستأذن iiالامين عـلـيهم ويـهجم iiالـخؤون
              قـال سـليمُ قـلت يا iiسلمان هـل دخلوا ولم يك iiاستئذان
              قـال بـلى وعـزة الـجبار ليس على الزهراء من iiخمار
              لـكـنها لاذت وراء iiالـباب رعـاية لـلستر iiوالـحجاب
              ومذ رأوها عصروها iiعصرة كادت بنفسي ان تموت حسرة
              فأسقطت بنت الهدى iiواحزنا جـنينها ذاك المسمى iiمحسنا
              تـصيح يـا فـضة اسنديني فـقد وربـي اسقطوا iiجنيني
              وقول المتغمد بالرحمة السيد باقر الهندي :
              كـل عـذر وقـول افك iiوزور هـو فرع عن جحد نص iiالغدير
              فـتبصّرْ تبصر هداك الى iiالحق فـليس الاعـمى بـه iiكالبصير
              لـيس تعمى العيون لكنما تعمى القلوب التي انطوت في الصدور
              الى ان يصل قوله :
              او تـدري لـم احرقوا الباب iiبالنار ارادوا اطــفـاء ذاك الـنـور ii؟
              او تدري ما صدر فاطمة ما المسمار مــا بـال ضـلعها الـمكسور ii؟
              مـا سـقوط الجنين ما حمرة iiالعين ومــا بـال قـرطها الـمنثور ii؟
              دخلوا الدار وهي حسرى لمرأى iiمن عـلـي ذاك الابــي الـغيور ii.
              وقول الشاعر الحاج جواد بدقت الاسدي :
              وبكسر ذاك الضلع رضت اضلع فـي طـيها سـرُّ الاله iiمصونُ
              وكـما (عـلي ) قـوده iiبنجاده فـله (عـلي) بـالوثاق iiقـرين
              وكـما (لـفاطم) رنـة من iiخلفه لـبناتها خـلف الـعليل iiرنـين
              وبـزجرها بسياط قنفذ iiوشحت بـالطف فـي زجر لهن iiمتون
              ( 129 )

              وقول الشاعر الشيخ محسن ابو الحب الكعبي المتوفى سنة 1305 هـ :
              هـزي لنخلتها ألتجت iiفتساقطت رطـباً جـنياً فـهي مـنه iiتأكل
              ولدى الجدار وعتبة الباب ألتجت بـنت النبي واسقطت ما iiتحمل


              هذا غيض من فيض ما قاله الادباء بخصوص ظلامة الزهراء سلام الله عليها . وهذا هو شأن المخلصين لله تعالى في حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عترته من بعده ، يعظمون شعائر الله تعالى ، ولا سيما فاطمة الزهراء عليها السلام ذلك النموذج الامثل للاسرة المسلمة .
              ( 130 )

              خطبة الزهراء عليها السلام

              الحمد لله على ما انعم والشكر له على ما الهم ، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها ، وسبوغ الآء أبداها ، وتمام نعم والاها ، جم عن الاحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء امدها ، وتفاوت عن الادراك ابدها ، وندبهم لاستردادها بالشكر لاتصالها ، واستحمد الى الخلاءق باجزالها ، ونعي بالندب الى امثالها ، واشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الاخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وانار في التفكر معقولها ، الممتنع من الابصار رؤيته ، ومن الالسن صفته ، ومن الاوهام كيفيته ، ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها ، وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها ، كونها بقدرته وذرأها بمشيئته من غير حاجةمنه الى تكوينها ، ولا فائدةله في تصويرها ، الاتثبيتاً لحكمته ، وتنبيهاً على طاعته ، واظهاراً لقدرته ، وتعبداً لبريته ، واعزازاً لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة لعباده عن نقمته ، وحياشة لهم الى جنته ، واشهد ان ابي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله اختاره وانتجبه قبل ان
              ( 131 )

              ارسله ، وسماه قبل ان اجتباه ، واصطفاه قبل ان ابتعثه ، اذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الاهاويل مصونة ، وببنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بمآل الامور ، واحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور ، ابتعثه الله تعالى اتماماً لامره ، وعزيمة على امضاء حكمه ، وانفاذاً لمقادير حتمه ، فرأى الامم فرقاً في اديانها ، عكّفاً على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله تعالى بابي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ظلمها ، وكشف عن القلوب بُهَمها ، وجلّى عن الابصار غممها ، وقام في الناس بالهداية ، وانقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم الى الدين القويم ، ودعاهم الى الصراط المستقيم ، ثم قبضه الله اليه قبض رأفة واختبار ، ورغبة وايثار ، فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم عن تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الابرار ،ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على ابي نبيه ، وامينه على وحيه وصفيه ، وخيرته من الخلق ورضيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ( ثم التفتت الى اهل المجلس وقالت : انتم عباد الله نصب امره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وامناء الله على انفسكم ، وبلغاؤه الى الامم وزعيم حق له فيكم ، وعهد قدمه اليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بيّنة بصائره ، منكشفة سرائره ، متجلية ظواهره ، مغتبط به اشياعه ، قائد الى الرضوان اتباعه ، مؤد الى النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة ، وبيّناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة ، فجعل الله الايمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة
              ( 132 )

              تنزيهاً لكم عن الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، والصيام تثبيتاً للاخلاص ، والحج تشييد للدين ، والعدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملة ، وامامتنا اماناً من الفرقة ، والجهاد عزاً للاسلام ، وذلا لاهل الكفر والنفاق ، والصبر معونة على استيجاب الاجر ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الارحام منسأة في العمر ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغيير للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس ، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة ، وترك السرقة ايجاباً للعفة ، وحرم الله الشرك اخلاصاً له بالربوبية ( فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون ) واطيعو الله فيما امركم به ونهاكم عنه ( فانما يخشى الله من عباده العلماء ) ثم قالت عليها السلام : ايها الناس اعلموا اني فاطمة وابي محمد صلى الله عليه وآله وسلم اقول عودا وبدءا ولا اقول ما اقول غلطا ، ولا أفعل ما افعل شططا ، ( لقد جاءكم رسول الله من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) فان تعزوه وتعرفوه تجدوه ابي دون نسائكم واخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزيُّ اليه ، فبلّغ الرسالة ، صادعاً بالنذارة ، مائلاً عن مدرجة المشركين ضارباً ثبجهم آخذاً بكظمهم داعياً الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يكسر الاصنام ، وينكت الهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر حتى تفرى الليل عن صبحه واسفر الحق عن محضه ، وانطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلت عقدة الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الاخلاص في نفر من البيض الخماس وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذفة
              ( 133 )

              الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الاقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد اذلة خاسئين ، تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم فانقذكم الله تبارك وتعالى بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد اللتيا والتي وبعد ان مني ببُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة اهل الكتاب ( كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها الله ) او نجم قرن للشيطان او فغرت فاغرة من المشركين قذف اخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها باخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في امر الله قريباً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سيداً في اولياء الله مشمرا ناصحاً مجداً كادحاً ، وانتم في بلهنية من العيش ، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر و تتوكفون الاخبار الله لنبيه صلي الله عليه وآله و سلم دار انبيائه ومأوي اصفيائه، ظهرت فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الاقلين وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم و اطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفا كم لدعوته مستجيبين و للغرة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، و احمشكم فالفاكم غضاباً ، فوسمتم غير ابلكم واوردتم غير شربكم هذا و العهد قريب و الكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ( الا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين ) فهيهات منكم و كيف بكم واني تؤفكون و هذا كتاب الله بين اظهر كم اموره ظاهرة ، واحكامه زاهرة، و اعلامه باهرة، و زواجره لائحة، و أوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، ارغبة عنه تدبرون، ام بغيره تحكمون (بئس للظالمين بدلاً،
              ( 134 )

              و من يتبع غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين) ثم لم تلبثوا الا ربما تسكن نفرتها، و يسلس قيادها، ثم اخذتم تورون و قدتها، و تهيجون جمرتها، و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، اطفاء نور الدين الجلي، و اهماد سنن النبي الصفي، تسرون حسوا في ارتغاء و تمشون لاهله و ولده في الخَمَر والضراء و نصبر منكم علي مثل حز المدى و وخز السنان في الحشى، و انتم الآن تزعمون ان لا ارث لي (افحكم الجاهلية يبغون و من احسن من الله حكماً لقوم يوقنون) اقلا تعلمون؟ بلي قد تجلى لكم كالشمس الضاحية اني ابنته ايها ـ وفي رواية ويها ايها المسلمون أأغلب على ارثي يا ابن ابي قحافة ، أفي كتاب الله ان ترث أباك ولا أرث ابي لقد جئت شيئاً فريا ، افعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم اذ يقول : ( وورث سليمان داود ) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا عليهما السلام اذ يقول : ( رب هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال : ( وأولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله ) وقال : ( يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ) . وقال : ( ان ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقاً على المتقين ) وزعمتم ان لا حظوة لي ولا ارث من ابي ولا رحم بيننا ، افخصكم الله بآية اخرج منها ابي صلى الله عليه وآله وسلم ، ام تقولون اهل ملتين لا يتوارثان ، او لست انا وابي من اهل ملة واحدة ، ام انتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من ابي وابن عمي ، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم اذ تندمون ( لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون
              ( 135 )

              من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) ثم رنت بطرفها نحو الانصار ( فقالت ) : يا معشر الفتية واعضاد الملة وحصنة الاسلام ، ما هذه الغميزة في حقي ، والسنّة عن ظلامتي ، اما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابي يقول : ( المرء يحفظ في ولده ) سرعان ما احدثتم وعجلان ذا إهالة ولكم طاقة بما احاول ، وقوة على ما اطلب وازاول ، اتقولون مات محمد فخطب جليل ، استوسع وهنه واستنهر فتقه وانفتق رتقه واظلمت الارض لغيبته ، واكتأبت خيرة الله لمصيبته ، وكسفت الشمس والقمر وانتثرت النجوم لمصيبته ، وآكدت الآمال وخشعت الجبال ، واضيع الحريم وازيلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى التي لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة ، اعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في افنيتكم في ممساكم ومصبحكم هتافاً وصراخاً وتلاوة والحانا ولقبله ما حلت بانبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ) أيهاً بني قيلة أأهضم تراث ابي وانتم بمرأى مني ومسمع ، ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة وانتم ذوو العدد والعدة والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون وانتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا اهل البيت ، قاتلتم العرب ، وتحملتم الكد والتعب ، وناطحتم الامم ، وكافحتم البهم فلا نبرح وتبرحون ، نأمركم فتأتمرون حتى اذا دارت بنا رحى الاسلام ودر حلب الايمان وخضعت نمرة الشرك ، وسكنت
              ( 136 )

              فورة الافك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج واستوسق نظام الدين ، فأنى حرتم بعد البيان ، واسررتم بعد الاعلان ونكصتم بعد الاقدام ، واشركتم بعد الايمان ،بؤساً لقوم نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤوكم اول مرة اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين ، الا قد ارى ان قد اخلدتم الى الخفض وابعدتم من هو احق بالبسط والقبض ، وركنتم الى الدعة ونجوتم من الضيق بالسعة ، فمججتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوغتم ( فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعاً فان الله لغني حميد ) . لا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة النفس وبثة الصدر ونفثة الغيظ ، وتقدمة الحجة ، فدونكموها فاحتقبوها دَبِرة الظهر ، نَقِبة الخف ، باقية العار ، موسومة بغضب الله وشنار الابد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الافئدة ، فبعين الله ما تفعلون ، ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ( فاعملوا انا عاملون وانتظروا انا منتظرون ) فأجابها ابو بكر عبد الله ابن عثمان قال :
              يا ابنة رسول الله لقد كان ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما رؤوفا رحيما وعلى الكافرين عذاباً اليما وعقاباً عظيما ، فان عزوناه وجدناه اباك دون النساء واخا ألفك دون الاخلاء ، آثره على كل حميم وساعده في كلّ شقي فانتم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطيبون والخيرة المنتجبون ، على الخير ادلتنا والى الجنة مسالكنا ، وانت ياخيرة النساء وابنة خير الانبياء صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة عن حقك ولا
              ( 137 )

              مصدودة عن صدقك والله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا عملت الا باذنه ، وان الرائد لا يكذب اهله فاني اشهد الله وكفى به شهيداً اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : نحن معاشر الانبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقار وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة ، وما لنا من طعمة فلولي الامر بعدنا ان يحكم فيه بحكمه ، وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ويجالدون المردة الفجار ، وذلك باجماع من المسلمين لم اتفرد به وحدي ولم استبد بما كان الرأي فيه عندي ، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا تزوى عنك ولا تدخر دونك وانت سيدة امة ابيك والشجرة الطيبة لبنيك لا يدفع مالك من فضلك ولا يوضع فرعك واصلك وحكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين اني اخالف في ذلك اباك صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقالت عليها السلام :
              سبحان الله ما كان ابي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفاً ولا لاحكامه مخالفاً ، بل كان يتبع اثره ، ويقتفي سوره ، افتجمعون الى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته ، هذا كتاب الله حكماً عدلاً وناطقاً فضلاً يقول ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) ويقول : ( وورث سليمان داود ) فبين عز وجل فيما وزع من الاقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، واباح من حظ الذكران والاناث ، ما ازاح علة المبطلين ، وازال التظني والشبهات في الغابرين ، كلا ( بل سولت لكم انفسكم امراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) فقال ابو بكر :
              ( 138 )

              صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته انت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة وركن الدين ، لا ابعد صوابك ولا انكر خطابك ، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت وباتفاق منهم اخذت ما اخذت غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر وهم بذلك شهود فالتفتت فاطمة عليها السلام الى الناس وقالت :
              معاشر الناس المسرعة الى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر ( أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها ) كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من اعمالكم فأخذ بسمعكم وابصاركم لبئس ما تأولتم وساء ما به اشرتم وشر ما منه اعتضتم ، لتجدُن والله محمله ثقيلاً وغيَّه وبيلا اذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراء الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون وخسر هنالك المبطلون ، ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت :
              قـد كـان بـعدك انباء iiوهنيثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
              إنـا فـقدناك فقد الارض وابلها واختل قومك فاشهدهم ولا iiتغيب


              قال صاحب بلاغات النساء : فما رأينا يوماً كان اكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم . قال السيد المرتضى والشيخ الطوسي في روايتيهما وغيرهما ، ثم انكفأت وامير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها اليه ويتطلع طلوعها عليه ، فلما استقرت بها الدار قالت لامير المؤمنين عليه السلام : يابن ابي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الاعزل ، هذا ابن ابي قحافة يبتزني نحيلة ابي وبلغة ( وبليغة خ ل ) ابني لقد اجهد في خصامي وألفيته الد في كلامي حتى حبستني قيلة
              ( 139 )

              نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ولا ناصر ولا شافع ، خرجت كاظمة وعدت راغمة اضرعت خدك يوم اضعت جدك ، افترست الذئاب وافترشت التراب ، ما كففت قائلاً ولا اغنيت طائلاً ولا خيار لي ، ليتني مت قبل منيتي ودون ذاتي ، عذيري الله منك عادياً وفيك حامياً ، ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهت العضد ، شكواي الى ابي وعدواي الى ربي اللهم انك اشد قوة وحولاً واحد بأساً وتنكيلاً ( فقال ) لها امير المؤمنين عليه السلام : لا ويل لك بل الويل لشانئك ، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة وبقية النبوة فما وليت عن ديني ولا اخطأت مقدوري فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد لك افضل مما قطع عنك فاحتسبي الله (فقالت) : حسبي الله وامسكت ) .
              وهذا اللوم والتأنيب من الزهراء لأمير المؤمنين عليهما السلام لا ينافي عصمته وعصمتها وعلو مقامها ، فما هو الا مبالغة في انكار المنكر واظهار لما لحقها من شدة الغيظ كما فعل موسى عليه السلام لما رجع الى قومه غضبان أسفاً والقى الالواح واخذ برأس اخيه وشريكه في الرسالة يجره اليه . وقال ابن قتيبة في الامامة والسياسة قال عمر لابي بكر (رضي) : انطلق بنا الى فاطمة فانا قد اغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا علياً فكلماه فادخلهما عليها ، فلما قعدا عندها حولت وجهها الى الحائط ، فلما سلما عليها فلم ترد عليهما السلام ، فتكلم ابو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله ان قرابة رسول الله احب الي من قرابتي ، وانك لاحب الي من عائشة ابنتي لوددت يوم مات ابوك اني مت ولا ابقى
              ( 140 )

              بعدا ، افتراني اعرفك واعرف فصلك وشرفك وامنعك حقك وميراثك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الا اني سمعت اباك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، فقالت : ارأيتكما ان حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعرفانه وتفعلان ؟ به قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن احب فاطمة ابنتي فقد احبني ومن ارض فاطمة فقد ارضاني ومن اسخط فاطمة فقد اسخطني ، قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قالت : فاني اشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما ارضيتماني ولئن لقيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاشكونكما اليه ، فقال ابو بكر : انا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب يبكي حتى كادت نفسه ان تزهق ، وهي تقول : والله لادعون الله عليك في كل صلاة اصليها ، ثم خرج باكياً (الى ان قال) : فلم يبايع علي حتى ماتت فاطمة ولم تمكث بعد ابيها الا خمساً وسبعين ليلة .
              ولما ولي معاوية اقطع فدكاً مروان بن الحكم . فوهبها مروان لولديه عبد الملك وعبد العزيز فلما ولي عمر بن عبد العزيز ردها على ولد علي وفاطمة ، فلما مات اخذها بنو مروان ، فلما ولي المأمون ردها على ولد علي وفاطمة ، فلما ولي المتوكل اخذها منهم . ولله درّ دعبل حيث يقول :
              ارى فيـأهم في غيرهـم منقسمـا وايديهـم من فيئـهم صفـرات

              ولهذه الخطية شروح مطولة ذكرها شيخنا الشيخ اغا بزرك الطهراني في اجزاء متفرقة من موسعته (الذريعة الى تصانيف الشيعة) . لعل من اهمها :
              ( 141 )

              1ـ شرح الخطبة للمولى الحاج محمد نجف الكرماني المشهدي مسكناً ومدفناً المتوفى سنة 1292 هـ .
              2ـ شرح الخطبة للحاج شيخ فضل علي بن المولى ولي الله القزويني المولود سنة 1290 هـ .
              3ـ لابن عبدون البزاز المعروف بابن الحاشر .
              4ـ شرح الخطبة للسيد علي محمد تاج العلماء بن السيد محمد سلطان العلماء بن السيد دلدار علي المتوفي في لكنهو سنة 1312 هـ .
              5ـ كشف المحجه ـ للسيد عبد الله شبر .
              6ـ اللمعة البيضاء للحاج ميرزا محمد علي الانصاري .
              7ـ الدرة البيضاء للسيد محمد تقي السيد اسحاق الرضوي .
              ( 142 )

              مرض الزهراء عليها السلام

              لقد ازداد حزن الزهراء وألمها بعد وفاة ابيها ، فاذا جنَّ الليل وهدأت الاصوات ، استوحشت لفقدان صوته الحنون ، الذي كان يؤنسها وهو يرتل القرآن ترتيلا . لكنها رأت نفسها ذليلة بعد ان كانت ايام ابيها عزيزة مكرمة ، يسبغ عليها من حنانه وعطفه الشيء الكثير . وظلت تعيش على انات ونحيب قرب بيت الاحزان ، وتطلق صرخاتها من اعماق القلب ، الى ان داهمها المرض العضال الذي انحل جسمها واذاب لحمها ، وغارت عيناها من شدة الحزن ، ولم تزل باكية العين ، فيأتي على عليه السلام فيرجعها الى بيتها الذي يذكرها بأيام محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
              بقيت فاطمة عليها السلام طريحة الفراش بين كمد وكرب ، تنشج نشيجاً حزيناً . روي انها رأت في المنام اباها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكت اليه ما نالها من بعده ، فقال لها : انك قادمة علي عن
              ( 143 )

              قريب (1) كما انها رأت في المنام مرة اخرى كأن ملائكة كثيرة هبطوا من السماء ، واذا بقصور مشيدة وبساتين وانهار خرجت من تلك القصور حواري يضحكن ويقلن : مرحباً بمن خلقت الجنة لها وخلقنا من اجل ابيها ، ثم لم تزل الملائكة تصعد بها حتى ادخلوها داراً فيها قصور كثيرة وفي القصور بيوت لا تعد وفيها من السندس والاستبرق على الاسرة شيء كثير غير اواني الذهب والفضة ، وفيها الوان الطعام ، ورأت انهاراً اشد بياضاً من اللبن واطيب رائحة من المسك فقالت : لمن هذه الدار ، وما هذه الانهار ؟ فقيل لها : اما الدار فهي الفردوس الاعلى ليس بعده جنة وهي دار ابيك ومن معه من النبيين ومن احب الله ، وهذا نهر الكوثر الذي وعد الله اباك ان يعطيه اياه .
              فقالت : اين ابي ، قالوا لها : الساعة يدخل عليك ، فبينما هي كذلك اذ ظهر لها قصور اعلى من تلك القصور وفرش احسن مما رأته ، واذا اباها جالس على تلك الفرش ومعه جماعة فأخذها وضمها اليه وقبَّل ما بين عينيها ، وقال لها : يا بنية أما ترين ما اعد الله لك وما تقدمين عليه ، ثم اراها قصوراً مشرقات فيها الوان الطرايف والحلي والحلل ، وقال : هذا مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن احبك واحبهما فطيبي نفساً فانك قادمة علي بعد ايام ، فانتبهت فرحة وقصت الرؤيا على امير المؤمنين عليه السلام (2) .
              (1) دلائل الامامة / لابن جرير ص 44 .

              (2) المصدر / ص 43 .

              ( 144 )

              من الواضح الجلي انها الحقت بأبيها كما نص على ذلك الرواة بعد عدة شهور من وفاته وما زالت تقول في ايام المرض : يا حي يا قيوم برحمتك استغيث فأغثني اللهم زحزحني عن النار وادخلني الجنة والحقني بأبي محمد ، فإذا قال لها امير المؤمنين : عافاك الله وأبقاك ، تقول له : يا ابا الحسن ما اسرع اللحاق برسول الله (1) .
              (1) مصباح الانوار / للشيخ هاشم محمد عن ( وفات الصديقة الزهراء ) للسيد عبد الرزاق المقرم / ص 103 .

              ( 145 )

              وفاة الزهراء عليها السلام

              ودعّت الزهراء عليها السلام مجتمعاً شغلته تناقضاته وعيوبه ، فتصدت لهم بخطب غراء لها صداها بين محبيها وخصومها ، تمدهم بالحب والتكريم .
              بعد عمر حافل بجلائل الاعمال ، لاقت الزهراء سلام الله عليها حتفها ، بعد ان استودعت الحياة على تراث ضخم كان مثيراً للجدل خلال اقل من ربع قرن من الزمان ، ودفنها الامام عليّ عليه السلام . جاء في كتاب ( المجالس السنية ) ما يلي :
              ( وذكر جماعة انها لما مرضت دعت ام ايمن واسماء بنت عميس وعلياً عليه السلام واوصت الى علي بثلاث وصايا (الاولى) : ان يتزوج بأمامة بنت اختها زينب لحبها اولادها وقالت : ان تكون لولدي مثلي ( وفي رواية ) قالت : بنت اختي وتحني على ولدي ، وامامة هذه هي بنت ابي العاص ابن الربيع وهي التي روي : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحملها في الصلاة وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه

              تعليق


              • #8
                تظلم الزهراء عليها السلام

                ان الحديث عن تظلم فاطمة سلام الله عليها حديث ذو شجون ، لا ينتهي الكلام فيه ، ولا يمكن اتيان جديد فيه . فالمصادر التاريخية قديمها وحديثها تؤكد على ظلامة الزهراء ، هذه المرأة العظيمة ، وما لقيته بعد وفاة والدها النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم من احن ومحن ، وتعرضت لكثير من الويلات والمصائب التي يشيب لهولها الزمان ، ابتداءً من ترك وصية والدها ، ومروراً بغصب الخلافة من زوجها ، وانتهاءً بقضية فدك ، مما ادى الى تراكم الهموم والهواجس عليها .
                لقد ذكر ابن قتيبة في كتابه ( الامامة والسياسة ) ما هذا نصه : ( ان ابا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه ، فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطيب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن او لأحرقنها على ما فيها فقيل له يا ابا حفص ان فيها فاطمة فقال : وان . فخرجوا فبايعوا الا علياً فانه زعم انه قال : حلفت ان لا اخرج ولا اضع ثوبي على عاتقي حتى اجمع القرآن ،
                ( 125 )

                فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا وأسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين ايدينا وقطعتم امركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً ... ) الى ان يصل قوله : ( ... ثم قام عمر ومشى معه جماعة اتوا باب فاطمة فدقوا الباب ، فلما سمعت اصواتهم ، نادت بأعلى صوتها : يا ابت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن ابي قحافة ، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين (1) .
                الذي يهمني ان اؤكده هنا هو ان الزهراء سلام الله عليها هي التي خرجت لمنع القوم عن اخراج علي عليه السلام وذلك لعظم منزلتها وعلو شأنها ، لانها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وان ما يدل على ذلك قول عمر بن الخطاب عندما اراد ان يأتي الى باب دار فاطمة ، قال : اريد ان احرق الدار ومن فيها ، قالوا ان في الدار فاطمة قال : وان . ويحسن ان انّبه الى ان هذا الموقف قد قام على اساس التحدي ومواجهة اهل البيت الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الا واني مخلف فيكم الثـقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا ) ، مما يدل على ان الرجل خالف كتاب الله وسنة نبيه في هذا التحدي السافر والاعتداء على بيت الزهراء سلام الله عليها . وبناءً على ذلك اشار الى هذا المضمون شاعر النيل حافظ ابراهيم بقوله :
                وقـولـة لـعلي قـالها iiعـمرُ حـرقت دارك لا ابقى عليك iiبها
                اكـرم بـسامعها اعـظم iiبملقيها ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها


                (1) الامامة والسياسة / ابن قتيبة / ص 12 و 13 .

                ( 126 )

                ما كان غير ابي حفص يفوه بها امام فـارس عدنـان وحاميهـا

                وفي كتاب ( عوالم سيدة النساء فاطمة الزهراء ) توضيح لهذا المشهد، قال : فلما رأى علي عليه السلام غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته ، وكان علي بن ابي طالب عليه السلام لما راى خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماع كلمة الناس مع ابي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته . فقال عمر لابي بكر : ما يمنعك ان تبعث اليه فيبايع فانه لم يبق احد الا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الاربعة معه ، وكان ابو بكر ارق الرجلين وارفقهما وادهاهما وابعدهما غوراً ، والاخر افظهما واغلظهما واخشنهما واجناهما ، فقال : من نرسل اليه ؟ فقال عمر : ارسل اليه قنفذاً ، وكان رجلاً فظاً غليظاً جافياً من الطلقاء احد بني تيم ، فأرسله وارسل معه اعواناً فانطلق فأستأذن فأبى علي عليه السلام ان يأذن له ، فرجع اصحاب قنفذ الى ابي بكر وهما في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يأذن لنا ، فقال عمر : هو ان اذن لكم والا فادخلوا عليه بغير اذنه ، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام : احرّج عليكم ان تدخلوا بيتي بغير اذن . فرجعوا فثبت قنفذ ، فقالوا : ان فاطمة قالت كذا وكذا فحرجتنا ان ندخل عليها البيت بغير اذن منها ،فغضب عمر ؛ مالنا وللنساء ، ثم امر اناساً حوله فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما ، ثم نادى عمر حتى اسمع علياً والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله او لأضرمن عليك بيتك ناراً ثم رجع فقعد الى ابي بكر وهو يخاف ان يخرج علي بسيفه لما قد عرف عن بأسه وشدته . ثم قال : قنفذ ان خرج والا فاقتحم عليه فان امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً . فانطلق قنفذ فاقتحم هو واصحابه بغير اذن وبادر علي الى سيفه ليأخذه فسبقوه اليه فتناول بعض
                ( 127 )

                سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه والقوا في عنقه حبلاً اسود ، وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي اثره في عضدها من ذلك الدملج من ضرب قنفذ اياها فأرسل ابو بكر الى قنفذ اضربها . فالجأها الى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها والقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحية في الفراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها (1) .
                وقال في موضع آخر : فلما انتهيا الى الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها اغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشك ان لا يدخل عليها الا باذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف ثم دخلوا فاخرجوا علياً ملبياً ، فخرجت فاطمة فقالت : يا ابا بكر اتريد ان ترملني من زوجي ـ والله ـ لئن لم تكف عنه لانشرن شعري ولاشقن جيبي ولآتين قبر ابي ولأصيحن الى ربي (2) .
                وقال ايضاً : فلما بلغ عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : وايم الله ما ذاك بمانعي ان اجتمع هؤلاء النفر عندك ان امر بهم ان يحرق عليهم البيت ، قال : فلما خرج عمر جاؤوها ، فقالت : تعلمون ان عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وايم الله ليمضين لما حلف عليه (3) .
                وقد وردت في هذا الخصوص اشعار كثيرة ، منها ارجوزة للسيد مهدي القزويني حيث قال :
                (1) عوالم سيدة النساء فاطمة الزهراء / الشيخ عبد الله البحراني الاصفهاني / ص 557 و 558 .

                (2) المصدر السابق / ص 560 .

                (3) المصدر السابق / ص 562 و 563 .

                ( 128 )

                يـا عـجبا يـستأذن iiالامين عـلـيهم ويـهجم iiالـخؤون
                قـال سـليمُ قـلت يا iiسلمان هـل دخلوا ولم يك iiاستئذان
                قـال بـلى وعـزة الـجبار ليس على الزهراء من iiخمار
                لـكـنها لاذت وراء iiالـباب رعـاية لـلستر iiوالـحجاب
                ومذ رأوها عصروها iiعصرة كادت بنفسي ان تموت حسرة
                فأسقطت بنت الهدى iiواحزنا جـنينها ذاك المسمى iiمحسنا
                تـصيح يـا فـضة اسنديني فـقد وربـي اسقطوا iiجنيني
                وقول المتغمد بالرحمة السيد باقر الهندي :
                كـل عـذر وقـول افك iiوزور هـو فرع عن جحد نص iiالغدير
                فـتبصّرْ تبصر هداك الى iiالحق فـليس الاعـمى بـه iiكالبصير
                لـيس تعمى العيون لكنما تعمى القلوب التي انطوت في الصدور
                الى ان يصل قوله :
                او تـدري لـم احرقوا الباب iiبالنار ارادوا اطــفـاء ذاك الـنـور ii؟
                او تدري ما صدر فاطمة ما المسمار مــا بـال ضـلعها الـمكسور ii؟
                مـا سـقوط الجنين ما حمرة iiالعين ومــا بـال قـرطها الـمنثور ii؟
                دخلوا الدار وهي حسرى لمرأى iiمن عـلـي ذاك الابــي الـغيور ii.
                وقول الشاعر الحاج جواد بدقت الاسدي :
                وبكسر ذاك الضلع رضت اضلع فـي طـيها سـرُّ الاله iiمصونُ
                وكـما (عـلي ) قـوده iiبنجاده فـله (عـلي) بـالوثاق iiقـرين
                وكـما (لـفاطم) رنـة من iiخلفه لـبناتها خـلف الـعليل iiرنـين
                وبـزجرها بسياط قنفذ iiوشحت بـالطف فـي زجر لهن iiمتون
                ( 129 )

                وقول الشاعر الشيخ محسن ابو الحب الكعبي المتوفى سنة 1305 هـ :
                هـزي لنخلتها ألتجت iiفتساقطت رطـباً جـنياً فـهي مـنه iiتأكل
                ولدى الجدار وعتبة الباب ألتجت بـنت النبي واسقطت ما iiتحمل


                هذا غيض من فيض ما قاله الادباء بخصوص ظلامة الزهراء سلام الله عليها . وهذا هو شأن المخلصين لله تعالى في حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عترته من بعده ، يعظمون شعائر الله تعالى ، ولا سيما فاطمة الزهراء عليها السلام ذلك النموذج الامثل للاسرة المسلمة .
                ( 130 )

                خطبة الزهراء عليها السلام

                الحمد لله على ما انعم والشكر له على ما الهم ، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها ، وسبوغ الآء أبداها ، وتمام نعم والاها ، جم عن الاحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء امدها ، وتفاوت عن الادراك ابدها ، وندبهم لاستردادها بالشكر لاتصالها ، واستحمد الى الخلاءق باجزالها ، ونعي بالندب الى امثالها ، واشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الاخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وانار في التفكر معقولها ، الممتنع من الابصار رؤيته ، ومن الالسن صفته ، ومن الاوهام كيفيته ، ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها ، وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها ، كونها بقدرته وذرأها بمشيئته من غير حاجةمنه الى تكوينها ، ولا فائدةله في تصويرها ، الاتثبيتاً لحكمته ، وتنبيهاً على طاعته ، واظهاراً لقدرته ، وتعبداً لبريته ، واعزازاً لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة لعباده عن نقمته ، وحياشة لهم الى جنته ، واشهد ان ابي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله اختاره وانتجبه قبل ان
                ( 131 )

                ارسله ، وسماه قبل ان اجتباه ، واصطفاه قبل ان ابتعثه ، اذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الاهاويل مصونة ، وببنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بمآل الامور ، واحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور ، ابتعثه الله تعالى اتماماً لامره ، وعزيمة على امضاء حكمه ، وانفاذاً لمقادير حتمه ، فرأى الامم فرقاً في اديانها ، عكّفاً على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله تعالى بابي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ظلمها ، وكشف عن القلوب بُهَمها ، وجلّى عن الابصار غممها ، وقام في الناس بالهداية ، وانقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم الى الدين القويم ، ودعاهم الى الصراط المستقيم ، ثم قبضه الله اليه قبض رأفة واختبار ، ورغبة وايثار ، فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم عن تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الابرار ،ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على ابي نبيه ، وامينه على وحيه وصفيه ، وخيرته من الخلق ورضيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ( ثم التفتت الى اهل المجلس وقالت : انتم عباد الله نصب امره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وامناء الله على انفسكم ، وبلغاؤه الى الامم وزعيم حق له فيكم ، وعهد قدمه اليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بيّنة بصائره ، منكشفة سرائره ، متجلية ظواهره ، مغتبط به اشياعه ، قائد الى الرضوان اتباعه ، مؤد الى النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة ، وبيّناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة ، فجعل الله الايمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة
                ( 132 )

                تنزيهاً لكم عن الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، والصيام تثبيتاً للاخلاص ، والحج تشييد للدين ، والعدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملة ، وامامتنا اماناً من الفرقة ، والجهاد عزاً للاسلام ، وذلا لاهل الكفر والنفاق ، والصبر معونة على استيجاب الاجر ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الارحام منسأة في العمر ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغيير للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس ، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة ، وترك السرقة ايجاباً للعفة ، وحرم الله الشرك اخلاصاً له بالربوبية ( فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون ) واطيعو الله فيما امركم به ونهاكم عنه ( فانما يخشى الله من عباده العلماء ) ثم قالت عليها السلام : ايها الناس اعلموا اني فاطمة وابي محمد صلى الله عليه وآله وسلم اقول عودا وبدءا ولا اقول ما اقول غلطا ، ولا أفعل ما افعل شططا ، ( لقد جاءكم رسول الله من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) فان تعزوه وتعرفوه تجدوه ابي دون نسائكم واخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزيُّ اليه ، فبلّغ الرسالة ، صادعاً بالنذارة ، مائلاً عن مدرجة المشركين ضارباً ثبجهم آخذاً بكظمهم داعياً الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يكسر الاصنام ، وينكت الهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر حتى تفرى الليل عن صبحه واسفر الحق عن محضه ، وانطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلت عقدة الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الاخلاص في نفر من البيض الخماس وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذفة
                ( 133 )

                الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الاقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد اذلة خاسئين ، تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم فانقذكم الله تبارك وتعالى بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد اللتيا والتي وبعد ان مني ببُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة اهل الكتاب ( كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها الله ) او نجم قرن للشيطان او فغرت فاغرة من المشركين قذف اخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها باخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في امر الله قريباً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سيداً في اولياء الله مشمرا ناصحاً مجداً كادحاً ، وانتم في بلهنية من العيش ، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر و تتوكفون الاخبار الله لنبيه صلي الله عليه وآله و سلم دار انبيائه ومأوي اصفيائه، ظهرت فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الاقلين وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم و اطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفا كم لدعوته مستجيبين و للغرة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، و احمشكم فالفاكم غضاباً ، فوسمتم غير ابلكم واوردتم غير شربكم هذا و العهد قريب و الكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ( الا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين ) فهيهات منكم و كيف بكم واني تؤفكون و هذا كتاب الله بين اظهر كم اموره ظاهرة ، واحكامه زاهرة، و اعلامه باهرة، و زواجره لائحة، و أوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، ارغبة عنه تدبرون، ام بغيره تحكمون (بئس للظالمين بدلاً،
                ( 134 )

                و من يتبع غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين) ثم لم تلبثوا الا ربما تسكن نفرتها، و يسلس قيادها، ثم اخذتم تورون و قدتها، و تهيجون جمرتها، و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، اطفاء نور الدين الجلي، و اهماد سنن النبي الصفي، تسرون حسوا في ارتغاء و تمشون لاهله و ولده في الخَمَر والضراء و نصبر منكم علي مثل حز المدى و وخز السنان في الحشى، و انتم الآن تزعمون ان لا ارث لي (افحكم الجاهلية يبغون و من احسن من الله حكماً لقوم يوقنون) اقلا تعلمون؟ بلي قد تجلى لكم كالشمس الضاحية اني ابنته ايها ـ وفي رواية ويها ايها المسلمون أأغلب على ارثي يا ابن ابي قحافة ، أفي كتاب الله ان ترث أباك ولا أرث ابي لقد جئت شيئاً فريا ، افعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم اذ يقول : ( وورث سليمان داود ) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا عليهما السلام اذ يقول : ( رب هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال : ( وأولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله ) وقال : ( يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ) . وقال : ( ان ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقاً على المتقين ) وزعمتم ان لا حظوة لي ولا ارث من ابي ولا رحم بيننا ، افخصكم الله بآية اخرج منها ابي صلى الله عليه وآله وسلم ، ام تقولون اهل ملتين لا يتوارثان ، او لست انا وابي من اهل ملة واحدة ، ام انتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من ابي وابن عمي ، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم اذ تندمون ( لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون
                ( 135 )

                من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) ثم رنت بطرفها نحو الانصار ( فقالت ) : يا معشر الفتية واعضاد الملة وحصنة الاسلام ، ما هذه الغميزة في حقي ، والسنّة عن ظلامتي ، اما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابي يقول : ( المرء يحفظ في ولده ) سرعان ما احدثتم وعجلان ذا إهالة ولكم طاقة بما احاول ، وقوة على ما اطلب وازاول ، اتقولون مات محمد فخطب جليل ، استوسع وهنه واستنهر فتقه وانفتق رتقه واظلمت الارض لغيبته ، واكتأبت خيرة الله لمصيبته ، وكسفت الشمس والقمر وانتثرت النجوم لمصيبته ، وآكدت الآمال وخشعت الجبال ، واضيع الحريم وازيلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى التي لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة ، اعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في افنيتكم في ممساكم ومصبحكم هتافاً وصراخاً وتلاوة والحانا ولقبله ما حلت بانبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ) أيهاً بني قيلة أأهضم تراث ابي وانتم بمرأى مني ومسمع ، ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة وانتم ذوو العدد والعدة والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون وانتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا اهل البيت ، قاتلتم العرب ، وتحملتم الكد والتعب ، وناطحتم الامم ، وكافحتم البهم فلا نبرح وتبرحون ، نأمركم فتأتمرون حتى اذا دارت بنا رحى الاسلام ودر حلب الايمان وخضعت نمرة الشرك ، وسكنت
                ( 136 )

                فورة الافك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج واستوسق نظام الدين ، فأنى حرتم بعد البيان ، واسررتم بعد الاعلان ونكصتم بعد الاقدام ، واشركتم بعد الايمان ،بؤساً لقوم نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤوكم اول مرة اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين ، الا قد ارى ان قد اخلدتم الى الخفض وابعدتم من هو احق بالبسط والقبض ، وركنتم الى الدعة ونجوتم من الضيق بالسعة ، فمججتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوغتم ( فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعاً فان الله لغني حميد ) . لا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة النفس وبثة الصدر ونفثة الغيظ ، وتقدمة الحجة ، فدونكموها فاحتقبوها دَبِرة الظهر ، نَقِبة الخف ، باقية العار ، موسومة بغضب الله وشنار الابد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الافئدة ، فبعين الله ما تفعلون ، ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ( فاعملوا انا عاملون وانتظروا انا منتظرون ) فأجابها ابو بكر عبد الله ابن عثمان قال :
                يا ابنة رسول الله لقد كان ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما رؤوفا رحيما وعلى الكافرين عذاباً اليما وعقاباً عظيما ، فان عزوناه وجدناه اباك دون النساء واخا ألفك دون الاخلاء ، آثره على كل حميم وساعده في كلّ شقي فانتم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطيبون والخيرة المنتجبون ، على الخير ادلتنا والى الجنة مسالكنا ، وانت ياخيرة النساء وابنة خير الانبياء صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة عن حقك ولا
                ( 137 )

                مصدودة عن صدقك والله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا عملت الا باذنه ، وان الرائد لا يكذب اهله فاني اشهد الله وكفى به شهيداً اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : نحن معاشر الانبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقار وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة ، وما لنا من طعمة فلولي الامر بعدنا ان يحكم فيه بحكمه ، وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ويجالدون المردة الفجار ، وذلك باجماع من المسلمين لم اتفرد به وحدي ولم استبد بما كان الرأي فيه عندي ، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا تزوى عنك ولا تدخر دونك وانت سيدة امة ابيك والشجرة الطيبة لبنيك لا يدفع مالك من فضلك ولا يوضع فرعك واصلك وحكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين اني اخالف في ذلك اباك صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقالت عليها السلام :
                سبحان الله ما كان ابي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفاً ولا لاحكامه مخالفاً ، بل كان يتبع اثره ، ويقتفي سوره ، افتجمعون الى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته ، هذا كتاب الله حكماً عدلاً وناطقاً فضلاً يقول ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) ويقول : ( وورث سليمان داود ) فبين عز وجل فيما وزع من الاقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، واباح من حظ الذكران والاناث ، ما ازاح علة المبطلين ، وازال التظني والشبهات في الغابرين ، كلا ( بل سولت لكم انفسكم امراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) فقال ابو بكر :
                ( 138 )

                صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته انت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة وركن الدين ، لا ابعد صوابك ولا انكر خطابك ، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت وباتفاق منهم اخذت ما اخذت غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر وهم بذلك شهود فالتفتت فاطمة عليها السلام الى الناس وقالت :
                معاشر الناس المسرعة الى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر ( أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها ) كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من اعمالكم فأخذ بسمعكم وابصاركم لبئس ما تأولتم وساء ما به اشرتم وشر ما منه اعتضتم ، لتجدُن والله محمله ثقيلاً وغيَّه وبيلا اذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراء الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون وخسر هنالك المبطلون ، ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت :
                قـد كـان بـعدك انباء iiوهنيثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
                إنـا فـقدناك فقد الارض وابلها واختل قومك فاشهدهم ولا iiتغيب


                قال صاحب بلاغات النساء : فما رأينا يوماً كان اكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم . قال السيد المرتضى والشيخ الطوسي في روايتيهما وغيرهما ، ثم انكفأت وامير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها اليه ويتطلع طلوعها عليه ، فلما استقرت بها الدار قالت لامير المؤمنين عليه السلام : يابن ابي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الاعزل ، هذا ابن ابي قحافة يبتزني نحيلة ابي وبلغة ( وبليغة خ ل ) ابني لقد اجهد في خصامي وألفيته الد في كلامي حتى حبستني قيلة
                ( 139 )

                نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ولا ناصر ولا شافع ، خرجت كاظمة وعدت راغمة اضرعت خدك يوم اضعت جدك ، افترست الذئاب وافترشت التراب ، ما كففت قائلاً ولا اغنيت طائلاً ولا خيار لي ، ليتني مت قبل منيتي ودون ذاتي ، عذيري الله منك عادياً وفيك حامياً ، ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهت العضد ، شكواي الى ابي وعدواي الى ربي اللهم انك اشد قوة وحولاً واحد بأساً وتنكيلاً ( فقال ) لها امير المؤمنين عليه السلام : لا ويل لك بل الويل لشانئك ، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة وبقية النبوة فما وليت عن ديني ولا اخطأت مقدوري فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد لك افضل مما قطع عنك فاحتسبي الله (فقالت) : حسبي الله وامسكت ) .
                وهذا اللوم والتأنيب من الزهراء لأمير المؤمنين عليهما السلام لا ينافي عصمته وعصمتها وعلو مقامها ، فما هو الا مبالغة في انكار المنكر واظهار لما لحقها من شدة الغيظ كما فعل موسى عليه السلام لما رجع الى قومه غضبان أسفاً والقى الالواح واخذ برأس اخيه وشريكه في الرسالة يجره اليه . وقال ابن قتيبة في الامامة والسياسة قال عمر لابي بكر (رضي) : انطلق بنا الى فاطمة فانا قد اغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا علياً فكلماه فادخلهما عليها ، فلما قعدا عندها حولت وجهها الى الحائط ، فلما سلما عليها فلم ترد عليهما السلام ، فتكلم ابو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله ان قرابة رسول الله احب الي من قرابتي ، وانك لاحب الي من عائشة ابنتي لوددت يوم مات ابوك اني مت ولا ابقى
                ( 140 )

                بعدا ، افتراني اعرفك واعرف فصلك وشرفك وامنعك حقك وميراثك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الا اني سمعت اباك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، فقالت : ارأيتكما ان حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعرفانه وتفعلان ؟ به قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن احب فاطمة ابنتي فقد احبني ومن ارض فاطمة فقد ارضاني ومن اسخط فاطمة فقد اسخطني ، قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قالت : فاني اشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما ارضيتماني ولئن لقيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاشكونكما اليه ، فقال ابو بكر : انا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب يبكي حتى كادت نفسه ان تزهق ، وهي تقول : والله لادعون الله عليك في كل صلاة اصليها ، ثم خرج باكياً (الى ان قال) : فلم يبايع علي حتى ماتت فاطمة ولم تمكث بعد ابيها الا خمساً وسبعين ليلة .
                ولما ولي معاوية اقطع فدكاً مروان بن الحكم . فوهبها مروان لولديه عبد الملك وعبد العزيز فلما ولي عمر بن عبد العزيز ردها على ولد علي وفاطمة ، فلما مات اخذها بنو مروان ، فلما ولي المأمون ردها على ولد علي وفاطمة ، فلما ولي المتوكل اخذها منهم . ولله درّ دعبل حيث يقول :
                ارى فيـأهم في غيرهـم منقسمـا وايديهـم من فيئـهم صفـرات

                ولهذه الخطية شروح مطولة ذكرها شيخنا الشيخ اغا بزرك الطهراني في اجزاء متفرقة من موسعته (الذريعة الى تصانيف الشيعة) . لعل من اهمها :
                ( 141 )

                1ـ شرح الخطبة للمولى الحاج محمد نجف الكرماني المشهدي مسكناً ومدفناً المتوفى سنة 1292 هـ .
                2ـ شرح الخطبة للحاج شيخ فضل علي بن المولى ولي الله القزويني المولود سنة 1290 هـ .
                3ـ لابن عبدون البزاز المعروف بابن الحاشر .
                4ـ شرح الخطبة للسيد علي محمد تاج العلماء بن السيد محمد سلطان العلماء بن السيد دلدار علي المتوفي في لكنهو سنة 1312 هـ .
                5ـ كشف المحجه ـ للسيد عبد الله شبر .
                6ـ اللمعة البيضاء للحاج ميرزا محمد علي الانصاري .
                7ـ الدرة البيضاء للسيد محمد تقي السيد اسحاق الرضوي .
                ( 142 )

                مرض الزهراء عليها السلام

                لقد ازداد حزن الزهراء وألمها بعد وفاة ابيها ، فاذا جنَّ الليل وهدأت الاصوات ، استوحشت لفقدان صوته الحنون ، الذي كان يؤنسها وهو يرتل القرآن ترتيلا . لكنها رأت نفسها ذليلة بعد ان كانت ايام ابيها عزيزة مكرمة ، يسبغ عليها من حنانه وعطفه الشيء الكثير . وظلت تعيش على انات ونحيب قرب بيت الاحزان ، وتطلق صرخاتها من اعماق القلب ، الى ان داهمها المرض العضال الذي انحل جسمها واذاب لحمها ، وغارت عيناها من شدة الحزن ، ولم تزل باكية العين ، فيأتي على عليه السلام فيرجعها الى بيتها الذي يذكرها بأيام محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
                بقيت فاطمة عليها السلام طريحة الفراش بين كمد وكرب ، تنشج نشيجاً حزيناً . روي انها رأت في المنام اباها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكت اليه ما نالها من بعده ، فقال لها : انك قادمة علي عن
                ( 143 )

                قريب (1) كما انها رأت في المنام مرة اخرى كأن ملائكة كثيرة هبطوا من السماء ، واذا بقصور مشيدة وبساتين وانهار خرجت من تلك القصور حواري يضحكن ويقلن : مرحباً بمن خلقت الجنة لها وخلقنا من اجل ابيها ، ثم لم تزل الملائكة تصعد بها حتى ادخلوها داراً فيها قصور كثيرة وفي القصور بيوت لا تعد وفيها من السندس والاستبرق على الاسرة شيء كثير غير اواني الذهب والفضة ، وفيها الوان الطعام ، ورأت انهاراً اشد بياضاً من اللبن واطيب رائحة من المسك فقالت : لمن هذه الدار ، وما هذه الانهار ؟ فقيل لها : اما الدار فهي الفردوس الاعلى ليس بعده جنة وهي دار ابيك ومن معه من النبيين ومن احب الله ، وهذا نهر الكوثر الذي وعد الله اباك ان يعطيه اياه .
                فقالت : اين ابي ، قالوا لها : الساعة يدخل عليك ، فبينما هي كذلك اذ ظهر لها قصور اعلى من تلك القصور وفرش احسن مما رأته ، واذا اباها جالس على تلك الفرش ومعه جماعة فأخذها وضمها اليه وقبَّل ما بين عينيها ، وقال لها : يا بنية أما ترين ما اعد الله لك وما تقدمين عليه ، ثم اراها قصوراً مشرقات فيها الوان الطرايف والحلي والحلل ، وقال : هذا مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن احبك واحبهما فطيبي نفساً فانك قادمة علي بعد ايام ، فانتبهت فرحة وقصت الرؤيا على امير المؤمنين عليه السلام (2) .
                (1) دلائل الامامة / لابن جرير ص 44 .

                (2) المصدر / ص 43 .

                ( 144 )

                من الواضح الجلي انها الحقت بأبيها كما نص على ذلك الرواة بعد عدة شهور من وفاته وما زالت تقول في ايام المرض : يا حي يا قيوم برحمتك استغيث فأغثني اللهم زحزحني عن النار وادخلني الجنة والحقني بأبي محمد ، فإذا قال لها امير المؤمنين : عافاك الله وأبقاك ، تقول له : يا ابا الحسن ما اسرع اللحاق برسول الله (1) .
                (1) مصباح الانوار / للشيخ هاشم محمد عن ( وفات الصديقة الزهراء ) للسيد عبد الرزاق المقرم / ص 103 .

                ( 145 )

                وفاة الزهراء عليها السلام

                ودعّت الزهراء عليها السلام مجتمعاً شغلته تناقضاته وعيوبه ، فتصدت لهم بخطب غراء لها صداها بين محبيها وخصومها ، تمدهم بالحب والتكريم .
                بعد عمر حافل بجلائل الاعمال ، لاقت الزهراء سلام الله عليها حتفها ، بعد ان استودعت الحياة على تراث ضخم كان مثيراً للجدل خلال اقل من ربع قرن من الزمان ، ودفنها الامام عليّ عليه السلام . جاء في كتاب ( المجالس السنية ) ما يلي :
                ( وذكر جماعة انها لما مرضت دعت ام ايمن واسماء بنت عميس وعلياً عليه السلام واوصت الى علي بثلاث وصايا (الاولى) : ان يتزوج بأمامة بنت اختها زينب لحبها اولادها وقالت : ان تكون لولدي مثلي ( وفي رواية ) قالت : بنت اختي وتحني على ولدي ، وامامة هذه هي بنت ابي العاص ابن الربيع وهي التي روي : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحملها في الصلاة وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه

                تعليق


                • #9
                  ( 146 )

                  وآله وسلم ، فلما توفت الزهراء تزوج امير المؤمنين عليه السلام امامة كما وصته . (الثانية) : ان يتخذ لها نعشاً وصفته له (وفي رواية) ان اسماء بنت عميس قالت لها : اني اذ كنت بارض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً فان اعجبك اصنعه لك ، فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدتها على قوائمه وجعلت عليه نعشاً ، ثم جللته ثوباً فقالت فاطمة عليها السلام : اصنعي لي مثله استريني سترك الله من النار ، (وكان) ذلك اول نعش عمل في الاسلام . (وفي الاستيعاب) : كانت فاطمة عليها السلام اول من غطي نعشها من النساء في الاسلام على تلك الصفة ، ثم بعدها زينب بنت جحش (وفي رواية) انها لما رأت صورة النعش تبسمت وما رئيت متبسمة الا ذلك اليوم (قال الصادق عليه السلام) : اول من جعل له النعش فاطمة عليها السلام . (الثالثة) : ان لا يُشهد احداً جنازتها ممن ظلمها ، وان لا يترك ان يصلي عليها احد منهم وان يغسلها في قميصها ولا يكشفه عنها لانها كانت قد اغتسلت قبل وفاتها بيسير وتنظفت ولبست ثيابها الجدد ، وان تدفن ليلا ويعفى قبرها . (وفي رواية) انها اوصت لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل واحدة منهن باثنتي عشرة اوقية ولنساء بني هاشم مثل ذلك ، واوصت لامامة بنت اختها زينب بشيء (وفي رواية) انها تصدقت بمالها على بني هاشم وبني عبد المطلب ، وان علياً عليه السلام تصدق عليهم وادخل معهم غيرهم ، (فلما) توفيت قام امير المؤمنين عليه السلام بجميع ما وصته فغسلها في قميصها واعانته على غسلها اسماء بنت عميس وامر الحسن والحسين عليهما السلام يدخلان الماء ، ولم يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب وام كلثوم وفضة جاريتها واسماء بنت عميس ،
                  ( 147 )

                  وكفّنها في سبعة اثواب ثم صلى عليها وكبر خمساً ودفنها في جوف الليل وعفى قبرها . ولم يحضر دفنها والصلاة عليها الا علي والحسنان ونفر من بني هاشم وخواص علي عليه السلام (1) . وان علياً عليه السلام افاض عليها من الماء ثلاثاً وخمساً وجعل في الخامسة شيئاً من الكافور ، وكان يقول : اللهم انها امتك وبنت رسولك وخيرتك من خلقك (2) .
                  اما بخصوص مدفن الزهراء عليها السلام فهناك روايات عديدة ، لعل اقربها الى الصواب هو الحرم الشريف النبوي في المدينة المنورة . يقول الرحالة السر تشارلز بورتون الذي زار المدينة المنورة في 1814 بعد وصفه للبقيع :
                  (ويبدو ان المؤرخين المسلمين يبتهجون بالغموض الذي يكتنف مدفن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فبعضهم يذكر انها دفنت في الحرم الشريف ويستند في ذلك الى الرواية التي تقول انها حينما علمت بدنو اجلها قامت فرحة مستبشرة فغسلت الغسل الكبير ولبست ملابسها النظيفة ، ثم فرشت حصيرة على ارض بيتها الواقع بقرب الرسول ، وتمددت مستقبلة القبلة فوضعت يدها تحت خدها ، وقالت لمن حضر بقربها : لقد تطهرت ولبست ثيابي الطاهرة ، فلا تسمحوا لأحد بأن يكشف عن جسدي بل ادفنوني حيث انا .. وحينما عاد علي وجد زوجته قد توفيت ، ونفذت رغبتها الاخيرة ، وكان عمر بن عبد العزيز يعتقد بهذه الرواية فألحق الغرفة تلك بالمسجد ، ولذلك فالاعتقاد العام في الاسلام هو ان
                  (1) المجالس السنية / محسن الامين / ج5 / ص 121 ـ 123 .

                  (2) بحار الأنوار / للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج 18 / ص 263 .

                  ( 148 )

                  الزهراء البتول قد دفنت في الحرم ، اما اولئك الذين يعتقدون بأنها مدفونة في البقيع فيستندون الى قول الامام الحسن : ( .. فإذا لم يسمحوا بدفني عند قبر جدي فادفنوني في البقيع الى جنب امي فاطمة ) وهؤلاء يرون الخير التالي في هذا الشأن (1) .
                  ويعلق جعفر الخياط فيقول : ونقول تعليقاً على ما جاء في الامامة والسياسة لابن قتيبة : ان الزهراء توفيت وهي غير راضية عن ابي بكر ، ولذلك لم تشأ ان يعلم بموتها هو او غيره لئلا يصلي عليها وهو خليفة للمسلمين ، فدفنت في بيتها الذي ادخل في الحرم بعد ذلك ، فعلى هذا فقد تكون الرواية المنسوبة الى الامام الحسن التي يفهم منها انها مدفونة في البقيع غير صحيحة (2) .
                  وتجدر الاشارة الى ان علياً عليه السلام صلى عليها وقيل العباس ودخل بها في قبرها علي والفضل ، وكانت قد اشارت على علي عليه السلام ان يدفنها ليلاً .
                  قال الشيخ كاظم الازري :
                  ولأي الامـور تـدفن iiلـيلا بضعة المصطفى ويعفى ثراها
                  بـنت مـن أم من حليلة iiمن ويـلٌ لمن سنّ ظلمها iiواذاها


                  قال ابو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين) : كانت وفاة فاطمة عليها السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمدة يختلف في مبلغها ،
                  (1) موسوعة العتبات المقدسة (قسم المدينة المنورة) فصل : المدينة المنورة في المراجع العربية ـ جعفر الخياط / ص 283 .

                  (2) المصدر السابق / ص 285 .

                  ( 149 )

                  فالمكثر يقول : ثمانية اشهر والمقلل يقول : اربعين يوماً ، الا ان الثبت في ذلك ما روي عن ابي جعفر محمد بن علي عليه السلام : انها توفيت بعده بثلاثة اشهر . حدثني بذلك الحسن بن علي ، عن الحارث عن ابن سعد عن الواقدي عن عمرو بن دينار عن ابي جعفر محمد بن علي عليه السلام (1) وقيل انها توفيت في شهر رمضان سنة عشر من النبوة (2) ودفنت في المسجد النبوي كما مر بنا آنفاً . وطبيعي انه لم يكن في الامكان القيام بشيء كثير في هذا الباب الا حسب الوصية التي اوصت بها . وبقدر تعلق الامر بالدفن وموضعه ، فالمعلومات المتعلقة بالقضية كانت معروفة ، ولانعدام الدقة في الامور في الغالب فان تقديرها ليس بيسير . والقبر الحقيقي للزهراء يكمن في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ) لان الدلائل الجمة وافرة على ان قبرها هو قرب قبر والدها . وقد انبرى لرثائها اهل الفضل والادب منذ ذلك الحين حتى يوم الناس هذا .
                  في الديوان المنسوب الى الامام علي عليه السلام ، انه انشد بعد وفاة فاطمة عليها السلام (3) .
                  الا هـل الى طول الحياة iiسبيل وانـي وهذا الموت ليس iiيحول
                  واني وان اصبحت بالموت موقناً فـلي امـل من دون ذاك iiطويل
                  ولـلدهر الـوان تروح وتغتدي وان نـفـوساً بـيـنهن تـسيل

                  (1) مقاتل الطالبيين ـ ابو الفرج الاصفهاني / ص 49 .

                  (2) طبقات بن سعد 8 / 11 .

                  (3) بحار الانوار / للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي / ج 43 / ص 216 .

                  ( 150 )

                  ومـنزل حـق لا مـعرج iiدونـه لـكل امـرئ مـنها الـيه iiسبيل
                  قـطـعت بـأيام الـتعزز iiذكـره وكـل عـزيز مـا هـناك iiذليل
                  ارى عـلل الـدنيا عـليّ iiكـثيرة وصـاحبها حـتى الـممات iiعليل
                  وانـي لـمشتاق الـى مـن iiاحبه فـهل لي الى من قد هويت iiسبيل
                  وانـي وان شطت بي الدار iiنازحا وقـد مـات قـبلي بالفراق iiجميل
                  فقد قال في الامثال في البين iiقائل اضـربه يـوم الـفراق iiرحـيل
                  لـكل اجـتماع مـن خليلين iiفرقة وكـل الـذي دون الـفراق iiقليل
                  وان افـتقادي فـاطماً بـعد iiاحمد دلـيل عـلى ان لا يـدوم خـليل
                  وكيف هناك العيش من بعد iiفقدهم لـعمرك شـيء مـا الـيه سبيل
                  سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي ويـظهر بـعدي لـلخليل iiعـديل
                  ولـيس خـليلي بالملول ولا iiالذي اذا غـبت يـرضاه سـواي iiبديل
                  اذا انـطلقت يوماً من العيش iiمدتي فــان بـكـاء الـباكيات iiقـليل
                  يـريد الـفتى ان لا يموت iiحبيبه ولـيس الـى مـا يـبتغيه iiسبيل
                  ولـيس جـليلاً رزء مـال iiوفقده ولـكـن رزء الاكـرمين iiجـليل
                  لـذلك جـنبي لا يـؤاتيه iiمضجع وفـي القلب من حر الفراق iiغليل

                  (151)

                  الزهراء عليها السلام في رحاب الشعر

                  فاطمة الزهراء عليها السلام

                  لمفكر باكستان الدكتور محمد اقبال
                  الـمـجد يُـشـرقُ مـن ثـلاث iiمـطالع فــي مـهـد فـاطـمة فـما أعـلاها ii!
                  هي بنت من ؟ هي زوج من ؟ هي ام من ؟ مــن ذا يـدانـي فـي الـفخار iiأبـاها
                  هـي ومـضة مـن نـور عين iiالمصطفى هــادي الـشـعوب اذا تــروم هـداها
                  هــو رحـمـة لـلـعالمين وكـعبة iiالآ مــال فــي الـدنـيا وفـي iiاُخـراها
                  مــن ايـقـظ الـفطرَ الـنيام iiبـروحه وكــأنـه بــعـد الـبـلى iiاحـيـاها
                  واعـــاد تـاريـخ الـحـياة iiجـديـدة مـثـل الـعـرائس فـي جـديد iiحُـلاها
                  ولـزوج فـاطمة بـسورة «هـل iiاتـى» تــاج يـفوق الـشمس عـند iiضـحاها
                  اســد بـحـصن الله يـرمـي الـمشكلا ت بـصـيقل يـمـحو سـطور iiدجـاها
                  ايــوانـه كـــوخ وكـنـز iiثـرائـه ســيـف غـــدا بـيـمينه iiتـيّـاها
                  فـي روض فـاطمة نـما غـصنان iiلـم يـنـجبهما فــي الـنـيّرات iiسـواهـا

                  ( 152 )

                  فـأمير قـافلة الـجهاد وقـطب iiدا ئــرة الـوئام والاتـحاد iiابـناها
                  حَـسَنُ الـذي صان الجماعة iiبعدما امـسـى تـفرقُها يُـحلُ iiعـراها
                  تـرك الـخلافة ثم اصبح في iiالديا ر امـام اُلـفتِها . وحُـسن iiعُلاها
                  وحُسينُ في الابرار ، والاحرار ، ما ازكــى شـمـائله ومـا iiانـداها
                  فـتعلّموا ديـن الـيقين من iiالحس يـن اذا الـحوادث أضمأت iiبلظاها
                  وتـعـلّموا حـرية الايـمان iiمـن صـبر الـحسين ، وقد اجاب iiنداها
                  الامـهات يـلدن لـلشمس iiالـضيا ء ولـلـجواهرِ حـسنها iiوصـفاها
                  مـا سـيرة الابـناء ، الا iiالامـها ت ، فـهم اذا بـلغوا الرقي iiصداها
                  هـي اسـوة لـلامهات ، iiوقـدوة يـترسم الـقمر الـمُنيرُ iiخـطاها
                  لـما شـكا الـمحتاجُ خلف iiرِحابها رقـت لـتلك الـنفس في iiشكواها
                  جـادت لـتُنقذهُ بـرهن iiخـمارها يـا سُـحُبُ ايـن نداك من iiجدواها
                  نـور تـهاب الـنار قـدسّ iiجلاله ومُـنى الـكواكب ان تنال iiضياها
                  جـعلت من الصبر الجميل غذاءها ورأت رضـا الزوج الكريم رضاها
                  فـمُـها يـرتل آيّ ربـك iiبـينما يـدها تـدير عـلى الشعير iiرحاها
                  بـلـت وسـادتها لآلـيء iiدمـعها مـن طـول خشيتها ، ومن تقواها
                  جـبريل نـحو العرش يرفع iiدمعها كـالطلّ يـروي في الجنان iiرُباها
                  لـولا وقـوفي عند امر iiالمصطفى وحـدود شـرعته ، ونـحن iiفداها
                  لـمضيت التطواف حول iiضريحها وغـمرتُ بـالقبلات طـيب iiثراها

                  ( 153 )

                  مدائح الزهراء عليها وعلى أبيها أفضل الصلاة والسلام

                  للسيد عبد اللطيف فضل الله
                  هـتف الـبيان بـمولد iiالزهراء سـر الـوجود وشمس كل iiسماء
                  ومضى على الجوزاء يسحب ذيله مـترنحاً مـن نـشوة الـخيلاء
                  ورد الـبحار الهوج يسبر iiغورها ويـعب مـنها قـطرة مـن iiماء
                  فرأى الجلال على تواضع iiقدسه تـنحط عـنه مـدارك iiالـعقلاء
                  شـمخ الاديـم بـفاطم iiوتطاولت غـبراؤه فـيها عـلى iiالخضراء
                  بـرأ الـعوالم واصـطفاها iiربها مـمـا اصـطفاه بـها iiالامـناء
                  فـتجسمت في الارض منه رحمة وشـفاعة لـلناس يـوم جـزاء
                  صـديقة مـا كـان لـولا iiحيدر يـلفى لـها احـد مـن الاكـفاء
                  عـبرت كهينمة النسيم iiوواجهت كـدر الـحياة واهـلها iiبـصفاء
                  لم يكشف الناس البلاء ولا iiارتووا الا بـطـلعة وجـهها iiالـوضاء
                  يـا اخـت نساك الملائك iiبالهدى وذبـالة الانـوار مـن iiسـيناء
                  يـالمحة الـفردوس حط iiبطهرها خـلد الـبقاء عـلى صعيد iiفناء
                  يـا صـفحة بيضاء من iiافكارها آب الـورى بـصحيفة iiسـوداء

                  ( 154 )

                  يـا غـيب سـر لو اخذت ببعضه طـرفاً مـن الاعـجاز iiوالالـجاء
                  لـمشيت فيه على الهواء اذا iiابتدى عـيـسى يـسـير نـمير iiالـماء
                  والاك ربــك اذ رضـعت iiولاءه وحـبـاك مـنه ولايـة iiالاشـياء
                  فـاذا دعـوت فـانت فـي iiسلطانه كـالروح حـين تـهيب iiبالاعضاء
                  ان الـذي مـسخ الامـانة iiوانطلى بـدماء مـن ضـحى من iiالشهداء
                  وطـوى عـداوة آل بـيت iiمـحمد نـاراً ذكـت بـجوارح iiالـبغضاء
                  فـأحـالها لـلـه حـرباً iiطـوحت بـابـن الـنبي مـوزع iiالاشـلاء
                  ثـقلت عـلى الاكوان وطأة iiرجسه فـيها فـدارت صـورة iiالاعـياء
                  وحـدت بـه لـلحشر لـعنة ربـه تـسرى مـع الاصـباح iiوالامساء
                  يـا يوم احمد هل لخطبك اذ iiهوت فـيـه الانــام بـفـتنة عـمياء
                  قـلب الـوجود واصـبحت iiابناؤه مـقـلـوبة الاحـسـاس iiوالآراء
                  فـاعتاض عـن فوق رواسب iiتحته وعــن الامــام لأهـله iiبـوراء
                  كـم فـي فـؤادك فاطم من iiغصة تـوهي فـؤاد الـصخرة iiالـصماء
                  أبـهـذه الـدنـيا عــزاء iiقـائم وبـدار ربـك فـي امـض iiعزاء
                  الصبر ضاق لما صبرت على الاذى وسـخـيت لـلاعداء أي iiسـخاء
                  قـدمت مـن حـسن ضحية iiسمهم ومـن الـحسين الـسبط كبش iiفداء
                  ومـن الوصي على الرسالة iiخائضاً مـن حـربهم قـدماً بـبحر iiدمـاء
                  طاروا الى الملك العضوض iiوغلفوا وجــه الـنـهار بـليلة iiظـلماء
                  ولـدوا مـن الداء العضال فلم يكن الا زوالــهـم شـفـاء iiالــداء
                  نـظروا المودة في الكتاب فلم iiيروا غـيـر الـسيوف مـودة iiالابـناء
                  مـن صـفوة طـاف الهدى بفنائها مـتـمـسكاً بـالـكعبة iiالـغـراء


                  ( 155 )

                  جـبلت بـاسرار الـسما iiوتكونت مـما يـساق الـعرش مـن iiلألاء
                  غـراء مـن صلب النبوة iiوالهدى طـلعت عـلى الـدنيا طلوع ذكاء
                  هي صوت ناقوس السماء ولا ترى في الارض غير تجاوب iiالاصداء
                  وفـيوض الـطاف سحابة iiصيفها وطـفاء مـغدقة عـلى iiالاحـياء
                  وسـفينة الـطوفان لـيس iiبخائب مـن بـات مـشدوداً لـها iiبولاء
                  آلاؤهـا مـلء الـزمان iiوبـيتها فـي الـكائنات اسـاس كل iiبناء
                  وكـانـما كـانت لـهيكل كـونها قـلب الـحنان بـه وعين iiرجاء
                  حـوراء اذ رفـع الالـه iiلـواءها كـرماً وضـم الـخلق تحت iiلواء
                  وبُـرى مـناقبها وقـال iiلـغرها كـونـي بـلا عـد ولا احـصاء
                  قـلنا لـها سـر يـصان iiوجوهر فـوق الانـام وطـينهم iiوالـماء
                  وربـمـا ولـد الـتراب iiبـمهده مـن كان في الملكوت رمز iiعلاء
                  ولــدت لـطهر مـحمد iiفـكأنها آي الـكـتاب بـمهبط iiالاحـياء
                  وكـأن مـا فـيها حـقيقة iiذاتـه غـير الـنبوة افـرغت iiبـرعاء
                  فـاذا الـهدى من كل افق iiمشرق والـكون اضـواء عـلى iiاضواء
                  شـرفت فحك العرش منكب iiعزها كـرماً وداسـت مـنكب iiالجوزاء
                  بـاب بـلا نـد تـراه ولـم iiيجد احــد يـطـاولها مـن iiالانـباء
                  عـلوية الـنفحات مـن iiانـوارها بـيت الـنبوة مـشرق iiالانـحاء
                  حـرم يـطوف بـه ويـخدم اهله الـروح الامـين مـنبئ iiالانـباء
                  نـشأت بـظل الله لـم يـعلق iiبها دنـس ولا وقـعت على iiالاخطاء
                  حـتى اذا طـمس الهدى iiوتبرمت مـن حـمأة طبعت على iiالاسواء
                  رفـعـت الـيه دعـاءها iiفـكأنما ركـب الـبراق بـليلة iiالاسـراء


                  تعليق


                  • #10
                    كلمة اخيرة للمؤلف

                    ايتها السيرة العطرة والشخصية الفذة النادرة ، انك سرُّ من اسرار الحياة الذي لا يزال تحت اجنحة الالهام ، سنظل نستذكرك ونمجد فيك كبرياء وزهداً وروحاً مبدعة . وحسبك ما قاله فيك الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم : (فاطمة ام ابيها وهي روحي التي بين جنبي) .
                    أية منزلة تفوق هذه المنزلة التي وصفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أية شخصية تعلو وحيدة المكارم وفريدة المفاخر ، ونبعة الافضال من تاريخ آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ! !
                    من واجبات الوفاء على المؤلفين ان يصّنفوا المؤلفات عن فاطمة الزهراء عليها السلام ، وان يشيدوا بمآثرها ويهتموا بتسجيل مالها من محامد ومناقب ، فان الغوص فيها سيفضي الى دراسات كثيرة تتحدث عنها حتى تكون لدينا مجموعة قيمة تمثل جوانب جديدة في سيرة الزهراء عليها السلام تبقى ناصعة على وجه الدهر وجبين الزمان ، ولا يجهل احد ان الزهراء عليها السلام كانت على جانب عظيم من التفوق والتبصر بحقائق الدنيا
                    ( 208 )

                    والدين ، ولها البراعة في ذلك والتفوق والتبصر . ولئن اقتدى بها العالم الاسلامي قاطبة ، اصبحت حياته مليئة بالسعادة والطمأنينة والتطور ، لما تنعكس عليها من اشعة العصور الاسلامية الحية ، والنماذج العليا لشخصيات الاسلام ، تلك التي تحدو بهم اكرم السجايا وانبل الصفات .
                    عزيزي القارئ :
                    اكتب هذه الصفحات ، وما ازعم اني بلغت الغاية او اشرفت على النهاية ، ذلك ان الحديث عن الزهراء عليها السلام ارق من الزهر ، واكثر اشراقاً من نور الصباح ، ولا بد من التذكير بقيمة هذه السيدة الجليلة ومنزلتها الرفيعة . واقول : ان صحبتي للزهراء عليها السلام كانت السبب في ان يقوي روحي المعنوي ويجدد نشاطي ، وارجو ان يدم هذا النشاط الحيوي فيما بقي من عمري .
                    اخيراً ، وليس آخراً ، علينا نحن معاشر المسلمين والمسلمات في مشارق الارض ومغاربها الاقتداء بهذه السيدة الجليلة ، من اجل صنع حياة اسلامية فاضلة كانت الزهراء عليها السلام قد افنت حياتها وسنوات عمرها للسير على تأسيسها .
                    اختم هذه الصفحات فأقول : انني احببت الزهراء حباً لا مثيل له ، واذكر ان قلبي خفق خفقة كاد يطفر لها الدمع حين وقع بصري على قبرها لأول مرة وانا اتذكر قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة . فأزال ذلك الموضع عني كل وحشة وبدد كل هم ، واذهب عن قلبي متاعب الاغتراب .
                    لقد كتبت هذه الصفحات طوعاً للاواصر المتينة التي تجمع بيني وبينها ،
                    ( 209 )

                    وغاية ما اصبو اليه من وراء هذا كله ان اكون قد وفقت في توضيح جوانب من سيرة الصديقة الزهراء سلام الله عليها ، والله نعم الموفق الى سواء السبيل
                    كربلاء
                    سلمان هادي آل طعمة
                    المصادر

                    القرآن الكريم عباس محمود العقاد
                    ابو الشهداءمحمد بن محمد بن النعمان العكبرى
                    الارشاد ابن عبد البر
                    الاستيعاب ابن حجر العسقلانى
                    الاصابة في تميييز الصحابة عمر رضا كحاله
                    أعلام النساء للشيخ محمد بن الحسن الطوسى
                    الامالى الامالى للشيخ الصدوق
                    الامامة والسياسة ابن قتيبة
                    الامام علي نبراس و متراس سليمان كتانى
                    اعيان الشيعة السيد محسن الامين العاملى
                    بحارالانوار محمد باقر المجلسى
                    بين يدى الرسول الاعظم محمد بحر العلوم
                    تاريخ الطبري محمد بن جرير الطبرى
                    تاريخ اليعقوبى
                    احمد بن ابى يعقوب
                    تذكرة الخواص سبط بن الجوزى
                    تظلم الزهراء رضي بن نبى القزوينى
                    الحضارة الاسلامية فى القرن الرابع الهجري آدم متز
                    حياة محمد محمد حسين هيكل

                    ( 210 )

                    الخصائص النسائي
                    الدرة البهية فى فضل كربلاء وتربتها الزكية حسون البراقي
                    ذخائر العقبي الحافظ مجد الدين احمد بن عبدالله الطبري
                    سمو المعني في سمو الذات عبدالله العلائلي
                    السيرة النبوية ابن هشام
                    شرح نهج البلاغة للامام على ـ شرح ابن ابى الحديد
                    صحيح البخارى محمد بن اسماعيل البخارى
                    صحيح مسلم مسلم بن الحجاج القشيرى
                    الصواعق المحرقة ابن حجر العسقلاني
                    الطبقات الكبري محمد بن سعد بن منيع
                    عقيدة الشيعة دوانت . م . رونلدسن
                    عقيلة بن هاشم السيد على بن الحسين الهاشمى
                    علم اصول الفقة فى ثوبة الجديد محمد جواد مغنية
                    على و القرآن محمد جواد مغينة
                    الغدير عبدالحسين الامينى
                    فاطمة الزهراء والفاطميون عباس محمود العقاد
                    فاطمة الزهراء المرأة المنوذجية فى الاسلام ابراهيم الامينى ـ ترجمة على جمال الحسينى
                    فاطمة الزهراء ام ابيها فاضل الحسينى الميلانى
                    فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفي احمد الرحمانى الهمدانى
                    فاطمة الزهراء و ترفي غمد سليمان كتانى
                    الفصول المهمة فى معرفة احوال الائمة على بن محمد بن احمد المالكى

                    (211)

                    كشف الغمة فى معرفة الائمة محمدبن عيسي الاربلى
                    لسان العرب ابن منظور
                    مثلهن العلي خديجة بنت خويلد عبدالله العلائلى
                    المجالس السنية محسن الامين العاملى
                    محمد صلي الله عليه وسلم د . على شلق
                    معجم البلدان ياقوت الحموى
                    مقاتل الطالبيين ابوالفرج الاصفهانى
                    المناقب ابن شهر اشوب
                    النبأ العظيم على بن ابى طالب تقى المصعبى
                    نفس المهموم عباس القمى
                    وفاة الصديقة الزهراء عبدالرزاق المقرم

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X