إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نتائج وآثار ثورة عاشوراء-القسم الاول

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نتائج وآثار ثورة عاشوراء-القسم الاول

    بسم الله الرحمن الرحيم



    تركت ثورة الحسين ـ عليه السَّلام ـ آثاراً كبيرة في المجتمع الإسلامي نشير إلى بعض منها على سبيل المثال بالصورة التالية:
    الف: فضح السلطة الحاكمة
    ولأنّ السلطة الأموية تسبغ على نفسها صفة الشرعية والدينية وتحكم المجتمع الإسلامي باسم الدين وخلافة رسول اللّه، وتعمد إلى تقوية مكانتها الدينية بين الناس من خلال أساليب عديدة، كوضع الحديث، وتسخير الشعراء والمحدّثين، وتأسيس الفرق الجبرية و... لذلك أنزلت ثورة الإمام الحسين واستشهاده ضربة قاصمة على جسمها وفضحتها، لا سيما انّ جيش يزيد وجلاوزته قد قاموا بإعمال غير إنسانية تنافي المروءة، مثل قطع الماء ومنعه على الإمام وأصحابه وأهل بيته، وقتل الأطفال، وأسر النساء وأولاد بيت النبوة، وغير ذلك التي ساعدت في فضحها وفضيحتها أكثر ممّا كرّهت يزيد بشكل كبير لدى الجماهير، وخلقت منه شخصية بشعة في أعينهم حتى قال «مجاهد» و هو ممّن عاصر تلك الفترة:واللّه أخذ الناس جميعاً يلعنون يزيد ويسبّونه ويعيبون عليه ويعرضون عنه.(1)
    وراح يزيد الذي كان مسروراً للغاية بانتصاره ولم تسعه الأرض فرحاً وغروراً بالنصر يتخبط مبهوتاً أمام شجب واستنكار الرأي العام، فحاول أن يلقي مسؤولية قتل الحسين على عاتق عبيد اللّه بن زياد.
    وقال المؤرخون: إنّه استدعى ابن زياد وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة، وقرّب مجلسه، ورفع منزلته، وأدخله على نسائه، وجعله نديمه.(2)
    وحينما بلغ استنكار الرأي العام ذروته، قام يزيد باستدارة سريعة يبّرئ نفسه من دم الإمام ويلقي اللوم على ابن زياد.
    فقد كتب ابن الأثير: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّيسيراً حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين، فكان يقول: و ما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري وحكمته فيما يريد وإن كان علي في ذلك وهن في سلطاني حفظاً لرسول اللّه ورعاية لحقه وقرابته، لعن اللّه ابن مرجانة، فانّه اضطره وانّه سأله أن يضع يده(3)في يدي أو يلحق بثغر حتى يتوفّاه اللّه، فلم يجبه إلى ذلك فقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين، مالي ولابن مرجانة لعنه اللّه وغضب عليه(4)
    ومع أنّ يزيد عامل النساء والأطفال من أهل البيت بقساوة غروراً وحقداً، وأمر بوضعهم في دار خربة في البداية، تراه و بعد مدة قصيرة وتحت تأثير الرأي العام وشجبه يعاملهم معاملة حسنة ويغيّر مكان إقامتهم، و يقول لهم: إن كنتم راغبين أرسلكم إلى المدينة.
    كتب عماد الدين الطبري حول ذلك: أرسلت زينب شخصاً ليستأذن من يزيد لإقامة العزاء على الحسين، فإذن لهم: و قال: يجب أن يأخذوا إلى دار الحجارة كي ينحن ويبكين هناك، وجعلن يبكين سبعة أيام، فكان يجتمع عندهن كثير من الناس ممّا لا يمكن إحصاؤه وهم الناس بالهجوم على قصر يزيد و قتله، فجاء مروان (5)و قد علم بهذا الأمر إلى يزيد و قال له: ليس يصلح لسلطانك بقاء أولاد ونساء الحسين وأهل بيته هنا، فيحسن بك أن تردهم إلى المدينة، اللّه اللّه ليطيعن سلطانك، فدعا يزيد الإمام زين العابدين وأجلسه بجانبه وأكرمه وقال: لعن اللّه ابن مرجانة واللّه لو انّي صاحب أبيك ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها، ولكن اللّه قضى ما رأيت، فكاتبني من المدينة وانه إلي كل حاجة وتقدم بكسوته وكسوة أهله، ولكن قيل انّ أهل البيت لم يقبلوا ذلك(6).
    هذا ولم يدم عمر يزيد أكثر من أربع سنوات بعد مأساة كربلاء، غير انّه ترك هذا العار والفضيحة إرثاً لبني أمية يلاحقهم ممّا دفع بالخلفاء الأمويين فيما بعد ممن كان له أدنى عقل ودراية أن يحترز من التورط في تكرار أعمال يزيد كما كتب اليعقوبي مؤرخ الإسلام الشهير:
    كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج الذي كان عامله على الحجاز: فحسبي دماء بني عبد المطلب، فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا ولغوا فيها لم يلبثوا بعدها إلاّ قليلاً.(7)


    1-تذكرة الخواص، سبط بن الجوزي، ص 262.
    2-نفس المصدر ، ص 290.
    3-ومن المؤكد انّ هذه العبارة من إضافات يزيد أو مؤرّخي البلاط، لأنّ الإمام الحسين لم يقل أبداً انّه مستعد لمبايعة يزيد ووضع يده في يده، ذلك انّ ثورة عاشوراء من بدايتها إلى نهايتها كانت رفضاً لبيعة يزيد من الأساس.

    4-الكامل في التاريخ:4/87، و قد نقل ذلك الطبري في تاريخه:6/266، والسبط ابن الجوزي ص 261ـ 265 بإيجاز ، وقد كان ابن زياد أيضاً قلقاً من عواقب الجريمة التي ارتكبها، ويشهد لذلك الحوار الذي دار بينه و بين عمر بن سعد.
    وقد نقله كلّ من الطبري و أبي مخنف بالصورة التالية : ثمّ إنّ ابن زياد قال لعمر بن سعد بعد عودته من قتل الحسين: يا عمر ايتني بالكتاب الذي كتبته إليك في قتل الحسين. قال عمر: مضيت لأمرك وضاع الكتاب قال ابن زياد: لتجئني به قال: ضاع قال: واللّه لتجئني به قال: ترك واللّه يقرأ على عجائز قريش بالمدينة اعتذاراً إليهن، أما واللّه لقد نصحتك نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص لكنت أدّيت حقّه، فقال عثمان بن زياد أخو عبيد اللّه: صدق واللّه لوددت انّه ليس من بني زياد رجل إلاّوفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وانّ الحسين لم يقتل. وقال الراوي ـوكان قد شهد الحوارـ واللّه ما أنكر ابن زياد ذلك. تاريخ الطبري:6/268.
    5-كان مروان بالمدينة بعد موت معاوية إلاّإذا قلنا انّه جاء إلى الشام خلال هذه الفترة.

    6-كامل بهائي، عماد الدين الطبري، 302.
    7-تاريخ اليعقوبي: 3/49، ضمن أحداث عهد حكم عمر بن عبد العزيز، وقد نقلنا هذا النصّ مسبقاً في هذا الكتاب.


  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    ب: إحياء سنّة الشهادة


    حينما جاء نبي الإسلام بدين جديد يقوم على الإيمان باللّه، أحيا في الواقع سنّة الشهادة وأُسسها، وقد كانت الشهادة والرغبة فيها في سبيل اللّه ولأجل انتصار الحقّ السبب الأوّل والرئيس في كثير من انتصارات المسلمين الكبيرة، ولكن بعد رحيل رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ونتيجة لانحراف الحكم الإسلامي عن طريقه الحقيقي وجرّاء كثرة الفتوحات وازدياد الغنائم وتراكمها في مركز الخلافة وأسباب أُخرى ،فقد المسلمون روحهم الجهادية واعتادوا على الدعة و العافية حتى راح الناس يطيعون ـ خوفاً من ضياع حياة الدعة والراحة والتورّط في النزاعات الاجتماعية ـ كلّ من أمسك بمقاليد الحكم طاعة عمياء وبكلّ بساطة، وهكذااستغلّ الحكام الطغاة نفسيتهم وروحهم هذه وحكموا باسم الإسلام، وكان كلّما طال عمر الحكم الأموي كانت تتردّى وتسيء أكثر، حتى بلغت في نهايات عهد معاوية وبداية عهد يزيد ذروتها في التردّي، وكان رؤساء القبائل ورجال الدين في تلك الفترة عبيداً لزخارف الدنيا والسلطة يتاجرون بكرامتهم وضمائرهم ويلهثون وراء الأموال لهثاً، وعلى الرغم من أنّهم ـ رجال الدين والسياسة ـ كانوا على علم بنسب عبيد اللّه بن زياد الوضيع بصورة تامة تراهم يطأطأون رؤوسهم أمامه تعظيماً، ولم يكونوا طوع إرادة يزيد وابن زياد فقط، بل كانوا يبالغون حتى في طاعة جلاوزتهما ومن يخدمهما، وذلك طمعاً بما في أيديهم من الأموال والسلطة ومالهم من المكانة والوساطة لدى ذينك الطاغيتين.
    وهناك مجموعة أُخرى لا تقلّ وضاعة عن الصنف الأوّل، وهي المجموعة المتمثّلة بالزهّاد والمتدينين المرائين المخادعين الذين كانوا يتظاهرون بالزهد والإيمان حتى يحصلوا من خلال ظاهرهم الخادع على اللقمة الدسمة، وهؤلاء ما أن يلفتون انتباه الطغاة إليهم تجدهم يصبحون أبواقاً من أبواق السلطة و ينضوون تحت لوائها.
    فقد كان الناس في تلك الفترة يعرفون هذه الأصناف جيداً، وقد اعتادوا على سلوكهم الوضيع حتى أصبح أمراً طبيعياً وعادياً لهم، ولم يثر فيهم أية مبادرة شجب واستنكار.
    وكانت طبيعة الحياة آنذاك بالنسبة إلى الناس العاديين بنحو جعلتهم يركزون اهتمامهم على ضمان سد احتياجاتهم الشخصية فقط، وكان الواحد منهم يعمل لحياته الخاصة ويكدح لتحقيق أهدافه وطموحاته الشخصية، ولا يفكر بشيء سوى الحصول على ما يشبع رغباته هو، ولذلك لم يكن المجتمع ولا مشاكله الكبيرة موضع اهتمام الإنسان على الإطلاق، والشيء الوحيد الذي يعير له هذا الصنف أهمية كبيرة ويواظب عليه هو أن لا ينقطع عنهم العطاء والراتب الذي يتقاضونه، ولحرصهم على ذلك راحوا ينفذون أوامر أسيادهم بالحرف الواحد ويلتزمون الصمت أمام مشهد من مشاهد الظلم والفساد والانحراف يشاهدونه ولا ينطقون ببنت شفة.
    غيّـرت ثورة الإمام الحسين هذه الوضعية وقلبتها وأحيت سنّة الشهادة في المجتمع الإسلامي، وقد كشف الحسين بثورته هذه القناع عن حياة المسلمين الملوثة والوضيعة وفتح أمامهم طريقاً جديداً فيه كلّ العناء والحرمان سوى الذلّة والخنوع والخضوع، ولأجل أن يتضح مدى تأثير ثورة الإمام في بعث الروح الثورية والاستشهادية في الأُمّة الإسلامية في ذلك العصر، يجب أن نلتفت إلى أنّ ذلك المجتمع قد قضى وعاش فترة عشرين عاماً من الصمت والخنوع قبل ثورة عاشوراء، ومع أنّ موجبات الثورة كانت متوفرة خلال هذه الفترة الطويلة نسبياً لم تحدث أية انتفاضة اجتماعية ولو محدودة، باستثناء الاحتجاجات التي كانت تنبعث من هنا وهناك بشكل مؤقت من قبيل اعتراضات حجر بن عدي الكندي.
    وفي تحرك أهل الكوفة الذي انتهى إلى مجيء مسلم بن عقيل نجد انّه كيف انفضوا من حوله، وهو مبعوث سيد الشهداء الباسل، وتخلّوا عنه بمجرد سماع تهديد كاذب بزحف جيش الشام نحوهم.
    أيقظت مأساة كربلاء الضمير الديني في المجتمع، وأحدثت تغييراً روحياً امتد تأثيره إلى كافة أرجاء العالم الإسلامي، وكان هذا كاف لدفع الناس للدفاع عن شخصيتهم وكرامتهم ودينهم، ولإيقاد روح النضال والجهاد التي أُخمدت جذوتها في المجتمع مرّة أُخرى، وبعث الحياة من جديد في القلوب الميتة والأجسام المتثاقلة لتحريكها وتنشيطها.
    هذا وقد كان من آثار هذا التأثير ثورة واحتجاج عبد اللّه بن عفيف الأزْدي في الكوفة، وذلك حينما بدأ ابن زياد خطبته الأُولى بسبّ الإمام الحسين بعد المعركة لإعلان انتصاره ممّا جعله يواجه غضب واستنكار ابن عفيف واحتجاجه الذي كان رجلاً أعمى(1)، فأمر ابن زياد باعتقاله فحمله أبناء عشيرته إلى داره، فأرسل ابن زياد جماعة من جلاوزته لاعتقاله، فواجههم عبد اللّه بن عفيف ببسالة وصمد أمامهم، غير انّه اعتقل واستشهد في النهاية.(2)

    1-كان عبد اللّه بن عفيف من أصحاب علي ـ عليه السَّلام ـ ، وفقد إحدى عينيه في حرب الجمل والأُخرى في صفين.
    2-
    تاريخ الطبري:6/263; مقتل الحسين ـ عليه السَّلام ـ :207; اللهوف على قتلى الطفوف:69.

    تعليق


    • #3
      ج: الثورة والانتفاضة في الأُمّة الإسلامية
      فجّرت ثورة الإمام الحسين العظيمة الكثير من الثورات والانتفاضات في المجتمع الإسلامي، نشير إلى بعض منها على سبيل المثال:
      1. ثورة التوابين
      كانت ثورة التوابين أوّل رد فعل مباشر لاستشهاد الإمام الحسين في الكوفة، فبعد ان استشهد الإمام ـ عليه السَّلام ـ وعاد ابن زياد من معسكره في النخيلة إلى الكوفة أخذ الشيعة الذين حرموا من الفرصة الذهبية للقتال مع الإمام في ملحمة عاشوراء يندمون كثيراً، وراحوا يلومون أنفسهم، وانتبهوا لتوهّم إلى الخطأ الكبير الذي ارتكبوه، لأنّهم هم الذين دعوا الحسين ثم تخلّوا عن نصرته وجاء إلى العراق تلبية لطلبهم واستشهد على مقربة منهم فلم يحركوا ساكناً، وشعرت هذه الجماعة بأنّ عار هذه الخطيئة التي ارتكبوها سوف لن يذهب عنهم إلاّ إذا انتقموا لدم الحسين من قاتليه أو استشهدوا في سبيل ذلك.
      وبسبب هذا الشعور راح الشيعيون يراجعون خمسة من رؤسائهم وشيوخهم في الكوفة; أمثال سليمان بن صُـرَد الخزاعي، مسيب بن نَجَبَة الفزاري، عبد اللّه بن سعد بن نُفَيْل الأزدي، وعبد اللّه بن وال التميمي، ورفاعة بن شداد البَجَلي، ويجتمعون بهم في دار سليمان.
      وأوّل من فتح الحديث هو المسيب بن نجبة وقال بعد مقدمة: ...وقد كنّا مغرمين بتزكية أنفسنا فوجدنا اللّه كاذبين في كلّ موطن من مواطن ابن بنت نبيه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، وقد بلغنا قبل ذلك كتبه ورسله واعذر إلينا، فسألنا نصره عوداً وبدءاً وعلانية، فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا، لا نحن نصرناه بأيدينا، ولا جادلنا عنه بألسنتنا، ولا قوّيناه بأموالنا، ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا، فما عذرنا عند ربّنا وعند لقاء نبيّنا وقد قتل فينا ولد حبيبه وذريّته ونسله؟! لا واللّه لا عذر دون أن تقتلوا قاتله والموالين عليه، أو تقتلوا في طلب ذلك، فعسى ربنا أن يرضى عنّا عند ذلك.
      وبعد عدة خطب حماسية أُخرى، قام سليمان بن صرد الخزاعي الذي انتخب قائداً للمجموعة فخطب قائلاً: إنّا كنّا نمد أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبينا ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ونمنّيهم النصر ونحثّهم على القدوم، فلمّـا قدموا ونينا وعجزنا وادهنا وتربصنا حتى قتل فينا ولد نبينا... ألا انهضوا فقد سخط عليكم ربّكم، ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى اللّه، واللّه ما أظنه راضياً دون أن تناجزوا من قتله، ألا لا تهابوا الموت، فما هابه أحد قط إلاّذلّ، وكونوا كبني إسرائيل إذ قال لهم نبيّهم (إِنّكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم).(1)
      وبعد هذا الاجتماع أطلع سليمان بن صرد سعد بن حذيفة بن اليمان والشيعة الآخرين في المدائن على واقع الأمر، واستنصرهم، فلبّوا دعوته.
      وكتب سليمان إلى المثنى بن مخرمة العبدي والشيعة في البصرة فأجابوه إلى ذلك.
      دوافع التوّابين
      كان التوابون يعتقدون بأنّ الحكم الأموي هو المسؤول في الدرجة الأُولى عن قتل الحسين لا الافراد، ولهذا انطلقوا نحو الشام بدافع الانتقام والثأر وقالوا فننطلق بعد الانتقام من بني أُميّة إلى طواغيت الكوفة ومجرميها.
      وكما هو ملحوظ فإنّ دافع هذه الحركة هو الشعور بالندم من الذنب والرغبة في تلافي الخطيئة التي اقترفوها، ونلاحظ ذلك خلال كلامهم ورسائلهم وخطبهم حيث يلاحظ فيها الشعور العميق بالندم والرغبة الجامحة والملحة في غسل الخطيئة، ومن يمر عليها مروراً سريعاً يجد الأمر واضحاً جداً، وكان هذا هو الدافع الذي جعل التقييم الظاهري ان يعتبر ويقدم ثورة التوابين على أنّها ثورة انتحارية، كان التوابون يريدون الانتقام والثأر لدم لحسين وتدارك ما ارتكبوه من ذنب وخطيئة ليس غير.
      وما كانت هذه الثلة تطلب فتحاً ونصراً وغنماً وحكماً، بل كان الانتقام هو هدفهم الأوّل والأخير، وكانوا حينما غادروا ديارهم على يقين من أنّهم سوف لن يعودوا إليها كانوا عطاشى الموت يتعطشون إليه في سبيل أهدافهم، بحيث نجد عدوهم يقدّم لهم الأمان فيرفضونه، لأنّهم يعتبرونه خديعة لإفشال الثورة.
      قوات التوّابين
      لم يكن الشيعة وحدهم هم الذي التحقوا بثورة التوابين وناصروها، بل راح كلّ من يريد تغيير الواقع الفاسد والخروج من تحت نير الظلم الأموي واضطهاده من خلال حركة دامية يلتحق بها ويناصر أصحابها التوابين، وبالطبع لم ينضم إليهم وإلى ثورتهم الكثير بسبب انّ ثورتهم ثورة انتقامية استشهادية لم يفكر أصحابها بغير هدف الثأر أو الاستشهاد في سبيل ذلك.
      كان عدد من بايع سليمان بن صرد وسجل في ديوانه ستة عشر ألفاً، فلم يأته منهم سوى خمسة آلاف (2)بينما كان عدد جيش الشام ثلاثين ألفاً، ومن المؤكد انّ سبب هذا الأمر واضح، لأنّ الشخصيات التي تتمتع بدرجة عالية من التضحية في سبيل العقيدة هي وحدها فقط تنجذب إلى العمليات الاستشهادية الانتحارية، وواضح أيضاً انّ هذا النوع من الشخصيات قليل في كلّ زمان.
      عمليات التوّابين
      بدأت حركة التوابين سنة إحدى وستين هجرية، فمازالوا منذ ذلك الحين يجمعون آلة الحرب ويدعون الناس في السر إلى الطلب بدم الحسين، فكان الناس من الشيعة وغيرهم يجيبونهم ويلتحقون بهم زرافات ووحداناً، ولم يزالوا على تلك الحال حتى مات يزيد، فأخذوا يبثّون دعاتهم إلى الناس في البلاد يدعونهم لمناصرتهم، وخلال هذه الفترة راحوا يتجهزون للقتال ويعدّون عدة الحرب علانية بلا توخي الحذر والحيطة إلى أن جاءت ليلة الجمعة الخامس من ربيع الثاني عام 65 هجرية واتّقدت جذوة الثورة، فانطلقوا تلك الليلة نحو تربة الإمام الحسين الطاهرة، فلمّا وصلوا إليها أطلقوا صيحة من الأعماق فقدوا فيها سيطرتهم على أنفسهم ومزجوها بهذه الكلمات:
      اللّهم ارحم حسيناً الشهيد ابن الشهيد، المهدي ابن المهدي، الصدِّيق ابن الصدِّيق.
      اللّهمّ إنّا نشهدك انّا على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم.
      اللّهم إنّا خذلنا ابن بنت نبينا ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ واغفر لنا ما مضى منّا وتب علينا وارحم حسيناً وأصحابه الشهداء الصديقين، وانّا نشهدك انّا على دينهم وعلى ما قتلوا عليه وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
      وبعد انتهاء هذا المشهد المثير تركوا الضريح منطلقين نحو الشام، وواجهوا جيش الشاميين بقيادة عبيد اللّه بن زياد في أرض تسمى «عين الوردة» وهزموا بعد اقتتال شديد دام ثلاثة أيّام، واستشهد قادة الثورة سوى «رفاعة»، فعادت بقية القوات تحت قيادته إلى الكوفة وانضموا إلى حركة المختار وأنصاره الذين نشطوا هناك.(3)
      وبالرغم من أنّ ثورة التوابين لم تكن ذات أهداف اجتماعية وقضي عليها بسرعة، لكنّها تركت تأثيراً كبيراً على أهالي الكوفة وهيّأت الرأي العام لمحاربة الحكم الأموي.
      . ثورة المختار
      ثار المختار بن أبي عبيد الثقفي عام ستة وستين هجرية في العراق ليطلب بثأر الحسين من قاتليه، وكان قد اعتقل من قبل ابن زياد حينما دخل مسلم بن عقيل الكوفة وناصره وتعاون معه وأُطلق سراحه بشفاعة عبد اللّه بن عمر، زوج أُخته لدى يزيد بعد واقعة عاشوراء، وكان عبد اللّه بن الزبير في تلك الفترة قد ادّعى خلافة المسلمين لنفسه في مكة فانطلق المختار نحوه وانضم إليه.
      وحينما بلغ المختار سنة أربع وستين هجرية وبعد خمسة أشهر من وفاة يزيد انّ أهل العراق مستعدين للثورة على الأمويين وعدم رغبتهم في دولة عبد اللّه بن الزبير انطلق باتجاه الكوفة وبدأ تحركاته.(1)
      سبب فشل ابن الزبير في العراق
      ولأجل أن نعرف السبب في التفاف العراقيين حول ابن الزبير في البداية ثمّ تخلّيهم عنه وإجابتهم لدعوة المختار بعد ذلك يجب أن ننتبه إلى أنّ المجتمع العراقي آنذاك كان يطالب بأمرين:
      1. الإصلاحات الاجتماعية وحماية الموالي، وهم المسلمون غير العرب الذين اضطهدوا وظلموا في عهد الحكم الأموي.
      2. الثأر لبني هاشم من الأمويين.
      فبايع أهل العراق ابن الزبير على أصل تحقيق هذين الأمرين لهم، لأنّه كما كان عدواً للأمويين كان يتظاهر بالصلاح والزهد والرغبة عن الدنيا، غير انّه قد ثبت فعلاً انّ حكم ابن الزبير لا يختلف عن الحكم الأموي كثيراً.
      صحيح انّه خلّص العراق من سيطرة الأمويين غير انّه أبقى على المجرمين والقتلة الخطيرين، أمثال الشمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وعمرو بن الحجاج الذين كان لهم دور بارز في مأساة كربلاء و قتل الحسين، بل فعل أكثر من ذلك فقد قرّبهم إلى سلطته، كما أنّه لم يحقق أمنية العراقيين في تطبيق العدالة أيضاً، لأنّ الموالي كانوا على حالهم من الحرمان كما كانوا في عهد الحكم الأموي، وكانت السيطرة والإمكانيات محصورة في يد رؤساء القبائل وشيوخها، ولذلك تخلّى العراقيون عنه و التفوا حول المختار، إذ لم يحقّق ابن الزبير أهدافهم المنشودة.
      ربط المختار دعوته بمحمد بن الحنفية بن أمير المؤمنين وبدا انّه أرسل من قبله ممّا جعل الناس يطمأنّون إلى حركته، وجعل شعاره: يا لثارات الحسين، فبعث ذلك الأمل في العراقيين لتحقيق أهدافهم.
      وقد دافع المختار عن الموالي بعد استلامه السلطة، و خطا خطوات في ضمان حقوقهم الاجتماعية، فأثار ذلك وجهاء ورؤساء القبائل العربية ضدّه، فأخذوا يشكّلون الاجتماعات ويخطّطون للنيل منه واستعدوا وبمساندة قوات عبد اللّه بن الزبير لمحاربته، وقد كان قتلة الحسين في مقدمة هؤلاء، وكفى هذا الأمر وحده في جعل الثوريين أكثر صموداً ومضياً في الوصول إلى النصر.
      فاقتفى المختار أثر قتلة الإمام الحسين بإمعان، وقضى عليهم وقتلهم شر قتلة، حتى قتل منهم مائتين وثمانين شخصاً في يوم واحد، وهدم دور بعض قادتهم المجرمين الذين لاذوا بالفرار، وكان من بينها دار محمد بن الأشعث فقد هدمها و بنى بلبنها وطينها دار حجر بن عدي الشهيد الكندي وصاحب علي المخلص الذي هدم داره زياد بن أبيه(4).


      1-البقرة:54.
      2-وكان قد انطلق سبعون مقاتلاً من المدائن وثلاثمائة من البصرة للالتحاق بالتوابين، غير انّهم وصلوا إليهم وقد هزموا.
      3-مقتل الحسين، لأبي مخنف، ص 248ـ 310; الكامل في التاريخ :4/158ـ 186.
      4-الكامل في اللغة والأدب:2/112ـ 116; مقتل الخوارزمي:2/202. وقد كان التوابون في تلك الفترة منشغلين بتعبئة قواتهم و إعداد العدّة، ولكن المختار كان يقول:إنّ سليمان ليس له بصر بالحرب وسيمنى بالهزيمة.

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X