إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الديمقراطية في نهج البلاغة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الديمقراطية في نهج البلاغة

    الديمقراطية في نهج البلاغة

    إن النزعة الديمقراطية في نهج البلاغة أوضح من أن تحتاج إلى بيان.. فهاهو الإمام علي (ع) يأمر الولي بأن يجلس لذوي الحاجات دون جند و حرس لكيلا يتعتوا في توضيح مسائلهم. فهو (ع) في قضائه بين الناس قد فضل العامة على الخاصة وإن سخط الخاصة.
    يقول الإمام علي (ع): (إن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يفتقر مع رضى العامة، وليس أحد أثقل على الوالي من الرعية مؤونة في الرخاء وأقل معونة في البلاء، واكره للانصاف واسأل بالالحاف وأقل شكراً على الاعطاء، وابطأ عذراً عند المنع، واضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء: العامة من الأمة فليكن صفوك لهم وميلك معهم).
    وهذا كلام صريح في تفضيلهم والاعتماد عليهم، وأنا شخصياً أميل إلى الظن بأن هذا الكلام كان له تأثير في سلوك بعض زعمائنا الذين عرفوا بميلهم إلى الإمام علي والتشبه بكلامه في أكثر من موضع، ولن نطيل في تفصيل هذه الديمقراطية، ولنردد في سرور قول الإمام الجامع: (إن أعظم الخيانة خيانة الأمة وأفضع الغش غش الأئمة).
    وقوله الذي يذكرنا بالقول السائر: صوت الشعب من صوت الله (إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده). وإذا كان الإمام (ع) قد أخذ بالديمقراطية كما وضح فمن الطبيعي أن نراه نصير الحرية يهيب بابنه (ولا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً) وأن نراه رافع لواء المساواة لا يزال يذكرها ويوصي بها ويقول لمن يوليه: (وآس ـ وساو ـ بينهم في اللحظة والنظر حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم).
    ويقول في موضع آخر: (إن المال لو كان ماله لساوى بين الناس فكيف والمال مال الأمة).
    ولكن للجمهور سيئاته كما أن له حسناته فلنسمع كلمة الإمام في الغوغاء، قال: (الناس ثلاثة فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق).
    ووصف الغوغاء في موضع آخر من أنهم إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم يُعرفوا.
    وقيل وصفهم بأنهم إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا نفعوا، لأن كل صانع ينصرف إلى عمله فيحصل النفع، وقد وضع الإمام اصبعه على آفة وطبيعة من آفات وطبائع الجماهير هي سرعة التقلب، تلك الخاصة الجماهيرية التي وضحها (شكسبير) أبلغ إيضاح في (يوليوس قيصر) وكذلك أصاب في أن اجتماعها غلط وتفرقها ضياع، وفي أن اجتماعها قد يكون في بعض الأحايين مجلبة للضرر، كما أن تفرقها مجلبة للنفع لانصراف كل عامل إلى عمله، وهذه النظرة إلى الجماهير قد تبدوا متعارضة بعض التعارض مع ما سبق من رأيه فيهم ولكن بيان نقص الغوغاء لا يستلزم استبعاد رأيهم.
    ثم عرض (ع) الصفات الواجب توفرها في الإمام، فقال: (مَن نصب نفسه للناس إماماً فليبد بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه).
    وحدد العلاقة بين الراعي والرعية فقال: (أيها الناس إن لكم عليّ حقاً ولي عليكم حق، فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا. وأما حقي عليكم الوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والاجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم).
    ولنلاحظ هنا أنه (ع) يجعل من حقه على الشعب أن ينصحه الشعب، وهذا مبالغة في السعي وراء الكمال، وكم هو نبيل قوله لقومه رداً على مَن أثنى عليه: (فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس اعظام لنفسي، فانه مَن استثقل الحق أن يقال له والعدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بنفسي يفوق أن أخطئ).
    وأدلى (ع) بآراء قيمة في الولاة، فقال: انهم ملزمون بأن يعيشوا عيشة جمهور الشعب لكيلا (يتبيّغ بالفقير فقره) أي لكيلا يسخط الفقير لفقره، وليتغرى بحال أميره: (أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش).
    ونصح علي الولاة بقوله مؤكداً لأحدهم: (ولا يطولن احتجابك عن رعيتك).
    وتلك نصيحة حق فإن كثرة ظهور الحاكم بين الرعية استئلاف لقلوبها وإشعار بها أن الحاكم مهتم بمصالحها، ثم هو منير للحاكم سبيل حكمه ومعطية الصورة الواضحة لحال شعبه فيعمل على نورها.
    وقال (ع): (أنه ليس شيء ادعى إلى حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم) أي الراعي حين يحسن لرعيته يطمئن قلبه ويأمن خيانتهم. وأمر باحترام التقاليد الشعبية فكان حكيماً بعيد النظر (ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية).
    ووجّه علي (ع) نصيحة غالية صادقة كل الصدق في قوله: (إن شر وزرائك مَن كان للأشرار قبلك وزيراً ومَن شاركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الآثمة وإخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير خلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل اصارهم وأوزارهم. ثم ليكن عندك آثارهم أقوالهم بمر الحق لك).
    ونظرية الإمام (ع) صحيحة تماماً فإن إثم فيما مضى لا يؤمن إثمه فيما حضر، ومَن اتصل بالظلمة بالأمس لا يؤمن اتصاله بهم اليوم وإعانتهم على كيدهم بماله من سلطة الوزارة. وكان حكيماً في قوله: (فالبس لهم جلباباً من اللين تشوبه بطرف من الشدة ودوالهم بين القسوة والرأفة).
    وأمر الوالي أن لا يرغب عن رعيته وتفضيلاً بالإمارة عليهم فإنهم الإخوان في الدين والأعوان على استخراج الحقوق ثم قاله له: (وأنا موفوك حقك فوفهم حقوقهم وإلا فإنك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة بؤساً لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين) ودعاه إلى أن يساوي نفسه بهم فيما الناس فيه سواء، وهذا القيد يظهر بعد نظره وفهمه لحقيقة المساواة الممكنة. ودعا (ع) إلى تشجيع المحسن وعقاب المسيء قائلاً: (ولا يكون المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء).
    ولفت نظر جباة الضرائب إلى الرفق بالأهلين، وعدم بيع شيء ضروري، وهذا ما فعلته القوانين الحديثة إذ منعت الحجز على الملابس ومرتبات الموظفين، وبالغ في الرفق الحكيم فقال: (فإن شكوا ثقلاً أو علة وانقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اعتمرها غرق أو أجحف بها عاطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولا يتك مع استجلابك حسن ثنائهم).
    وهذا بعد نظر حكيم وسياسة مالية محكمة تزيد وضوحاً في قوله: (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومَن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد).
    وإذا تذكرنا ما جرّ التعسف في جبي الضرائب في فرنسا وولايات تركيا وغيرها عرفنا قيمة هذه النصيحة التي يؤيدها المنطق ويسندها التاريخ. وقد أدجى بعد نظر الإمام (ع) به إلى أن يدعو إلى تقسيم العمل ذلك المبدأ لذي لم نعرفه إلا حديثاً، فقد قال ناصحاً (واجعل لكل إنسان من خدمك عملاً تأخذه به فإنه أحرى ألا يتواكلوا في خدمتك).
    وقال من رسالة إلى الأشتر النخعي أيضاً: (واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها إلا من بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الانصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها طبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكلا قد سمى الله سهمه) ثم فصل بعد ذلك وظيفة كل فرقة.
    وتمشياً مع قاعدته في تقسيم العمل واختصاص كل بما يحسنه رد على مَن قال له:إنك تأمرنا بالسير إلى القتال فلم لا تسير معنا؟ أنه لا يجوز أن يترك مهماته من قضاء وادارة وجباية ضرائب.. و.. (لأن الأمير كالنظام من الخرز يجمعه).
    إن هذا الإمام (ع) ما كان ليغفل الدعوة إلى الاتعاظ بالتجارب في الحكم فها هو إذ يقول: (إن الأمور إذا اشتبهت اعتبر آخرها أولها).
    ويقول في مكان آخر: (استدل على ما لم يكن بما كان)، ثم يقول أيضاً: (العقل حفظ التجارب) ولست أحمل هذا القول الأخير أكثر مما يحتمل إذا قلت أنه الرأي الفلسفي المعارض للرأي القائل بأن العقل يتفاوت عند الأشخاص بطبيعته، والذاهب إلى العكس إلى أن العقل ليس إلا عمل التجارب والتهذيب والدافع لحجة الرأي الأول القائلة بأنا لو ربينا أشخاصاً ذوي أعمار واحدة تربية واحدة في بيئة واحدة لنشأوا رغم ذلك مختلفي العقليات، بأنهم إنما يختلفون لسبق تأثرهم بمزاج وراثي مختلف.
    وتكلم الإمام (ع) في رسالته إلى الأشتر عن القضاة كلاماً قال عنه الأستاذ العشماوي أستاذ القانون الدستوري بكلية حقوق القاهرة: ان كلاماً غيره في أي دستور من دساتير العالم لم يفصل مهمة القضاة وطرق اختيارهم مثل ما فعل. قال الإمام: (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزئة ولا يحصر في الفيء إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بادغامهم دون أقصاه، أوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم، واصبرهم على تكشف الأمور، واصرمهم عند اتضاح الحكم، مَن لا يزدهيه اطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل، ثم اكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، واعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتباب الرجال له عندك).
    وهذا دستور حكيم بل هو أحكم ما نعرفه وحسبه أنه انتبه إلى وجوب اجزال العطاء المالي للقضاة ليستغنوا بذلك عن الارتشاء، وأنه شدد في اعطائهم منزلة قريبة من الوالي ليقطع بذلك الطريق على الوشاة وليعمل القضاء في جو هادئ.
    وفي غير هذه الرسالة ذم مَن يتصدى للحكم وليس أهلاً له قائلاً: (جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع به، جاهل خباط جهالات عاش ركاب عشوات، تصرخ من جور قضائه الدماء وتعج منه المواريث إلى الله).
    وفي موضع آخر يقول: (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها).
    ومعنى هذا أن على الخواص مهمة هي عدم الصبر على الظلم بل مجاهدته ولو لم يقع عليهم.
    والآن وقد سرنا في نهج البلاغة شوطاً يغرينا بالاستزادة فلنقف، وإذا كان أمير المؤمنين علي (ع) قد نهى قومه عن أن يمدحوه فلا يخافن اليوم اغتراراً وهو بعيد عن حياة الغرور، ان نحن انحنينا أمام عبقريته، لقد حبانا نهج البلاغة فأحسن ما حبانا، فلنطبق عليه قوله: (قيمة كل امرئ ما يحسنه).

    المصدر صفحة البلاغ

  • #2
    السلام عليك يا امير المؤمنين ويا قائد الغر المحجلين

    وفقك الله لكل خير اخي الكريم
    تقبل مروري

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X