مقتطفات من مواعظ آية الله العظمى
الشيخ محمد تقي بهجت
فالأعمال الصالحة، كالطاعات الإلهية، وما يقرب إلى الله عزَّ وجلَّ، فإنها تبقى مع الإنسان، ويحملها من هنا إلى يوم القيامة، وإلى ما بعد يوم القيامة، وحيثما حل.
إن الأعمال الصالحة للإنسان، أعمال باقية لـه لا تفنى.. وليُعلم بأن الطاعات والعبادات والمقرّبات، ليست مما يزول بخراب البيت مثلاً، أو بانفصال البدن عن الروح، فهي باقية وثابتة.. بل ستظهر صورة معنوية منها هناك لكل فرد بحياله.
ولكي لا تغفلوا!.. فإن أولئك الذين استشهدوا، أو قدّموا شهداء إنما مضوا في سبيل الله، وكانوا ماضين في طريقه.. والله تعالى يعلم أي تاج وضع فوق رؤوسهم بالفعل، وإن كان البعض لا يرون ذلك إلا بعد مغادرتهم هذه النشأة.
وربما كان للبعض ممن هم من أهل الكمال أن يروا هنا أيضاً، أن فلاناً (مثلاً) يمتلك تاجاً على رأسه، بينما (فلان) الآخر لا يمتلك ذلك!..
والمقصود أن استشهاد أقارب المرء، هو بنفسه كرامة من الله عزّ وجلّ.
و الشهادة - لو أردنا تقييمها – فهي مما يوجب المسرة لا الحزن.. هذا الحزن الذي يظهر في الإنسان، سببه أن ذلك الشهيد قد ارتحل إلى تلك الغرفة مثلاً، بينما بقينا نحن في هذه الغرفة.. ولا نفكر عند ذلك في أفضلية حاله من حالنا، وبأننا مكدّرون بينما هو في راحة.. ولا نفكر في الأمور التي جعلها الله لـه الآن، بينما لايُدرى كيفية إرتحالنا نحن.. هل نمضي مع الإيمان أم بدونه؟.. هو قد مضى مع الإيمان [مؤمناً] وبهذا النحو أيضاً: لقد مضى شهيداً.
علينا أن نفهم أن الشهادة من موجبات السعادة، وأنها ترتقي بكل فرد إلى أعلى، ولا تنزله إلى أسفل.. وهذا البيت ليس بالبيت الذي نبقى (نخلد) فيه.. بل على الفرد منا أن يجمع هنا أمور معينة للمكان الذي سوف يعيش فيه.
عند ذلك،وهناك يعلم مدى عظمة ما يجمعه هنا.. فهناك يعلم بأن هذا كاف وواف، وهذا غير معروف هنا (لا يعلم هنا).
الله يعلم كم من الآثار المعنوية للصلاة الواحدة [على محمد وآل محمد] التي يدعو بها المرء هنا ويهدي ثوابها للميت.. وأية صورة وأية واقعية (حقيقية) لهذه الصلوات نفسها.. علينا أن لا نهتم للقلة والكثرة، بل ليكن اهتمامنا للكيفية.
لو أنفق المرء شيئاً من ماله لله – ولو كان زهيداً – وأنفق في المقابل الآلاف من الذهب والفضة دون أن يكون ذلك لله، فذاك [أي ما كان لله] من الباقيات، بينما هذا [ما كان لغير الله] فهو من الفانيات .
إن الإنسان يترقى باستمرار، وينمو آناً فآن.. ومن المحال أن يقوم بعمل خير لله عز وجل ويكون مغفولاً عنه { لايعزب عنه مثقال ذرة }.[سورة سبأ، آية: 3] .. فمن المحال إذن ألا يطلع عليه الملائكة، أو لا يكتبه أحد أو يقوم بتسجيله.
علينا الإلتفات!.. أن كل خير أو شر يصدر من أي كان سيكون هناك بارزاً وظاهراً.. والله يعلم مقدار الناظرين والذين سيطلعون على هذه الأوضاع!.. والله يعلم أي جزاءٍ ثابت، وسيؤدى للإنسان على أعماله، خيراً كانت أم شراً!..
لا ينبغي التوهم بأن المسألة مسألة قلة وكثرة.. بل المدار على الكيفية.. فإن كان العمل لله [فله قيمته] حتى لو كان قليلاً، وإن كان لغير الله [فلن ينفع] ولو كان كثيراً.. ومن الضروري ملاحظة ما يقوله دستور الشرع، ليرى ما الذي يجب فعله أو تركه في ذلك المورد.. إننا ضيوف الله وعلى سفرته، وهو يرانا ويعلم ما الذي نفعله، وما الذي نفكر بإتيانه.. فهو يعلم أفضل منا بأفكارنا.. إننا [مثلاً] نتخيل أموراً ونتخيل تحققها في الواقع [في حالات يكون] الله تعالى يعلم أن الأمر بالعكس، فما نتخيل تحققه لن يتحقق، وما نتخيل عدم تحققه هو الذي سوف يتحقق.. إنه تعالى مطّلع إلى هذا الحد .
"الله تعالى مطّلع" وهذا جليّ.. فرسله في كل مكان، عن اليمين وعن الشمال، ومن هذه الجهة وتلك، إنهما موجودان في كل مكان..لا يمكن إخفاء شيء عن الله عزَّ وجلَّ.. حسناً، فإذا كان من غير الممكن إخفاء شيء، والله تعالى يرى ويعلم، وهو قادر أيضاً، وثمة أشياء يحبها، وأخرى لا يحبها، وذلك إنما هو لأجلنا، وإلا فلا يختلف الأمر بالنسبة له.. فإذا كان الأمر كذلك، فهل نحن بحاجة لأن نعلم أكثر من هذا المقدار: بأن"الله مطلع على ظاهرنا وباطننا"؟!..
لقد تجسم الشيطان الملعون للنبي يحيى (ع) وقال له: أنصحك بأمور خمسة: فقال (ع): تكلم!..
فتكلم الشيطان في البدء بكلمة حكمة جيدة جداً، والثانية أيضاً كانت حسنة جداً، والثالثة كذلك، والرابعة رأى أنها حسنة جداً.
عندئذ قال لـه النبي يحيى (ع): الآن فأغرب!.. ففي الخامسة سوف تقوم بعملك..إذهب!.. فالخامسة لا أريدها، إذ لا بد أنك ستقوم بعملك فيها.. وإلا فلن تكون إبليس.. فإبليس داعية الشر، وكل هذا كان مقدمة ليقوم - آخر الأمر- بعمله.
التفتوا أيضاً إلى أن حياة الإفرنجة تقوم بالجواسيس.. وكل ما حل بنا إلى الآن منهم، فقد كان بواسطة الجواسيس.
التفتوا!.. انظروا حولكم، فأحياناً يصلون إلى الجاسوس عبر عدة وسائط.
هذا نحو من الفطانة، ونحتاج إلى أن يمنحنا الله هذه الحذاقة لكيلا نخدع بالأكاذيب، فإنهم يكثرون من الصدق في ما يقولونه لنا، إلى أن يسوّقوا كذبهم.
إلى أن قال دام ظله:
عليكم الإنتباه!.. فلا حيلة إلا باللجوء إلى الله والتوسل، ليكن القرآن معكم في يد والعترة في اليد الأخرى.. العترة: معارفهم في مثل نهج البلاغة، وأعمالهم في مثل الصحيفة السجادية، وأعمالهم التكليفية في مثل هذه الرسائل العملية.
لا تدعوهم يخرجونكم منهم، بل ميزتنا نحن من بين المسلمين وغير المسلمين، هي أننا نمتلك أصلين ينفعان للدنيا والآخرة، ففي أمر دنيانا أيضاً لو أصبنا بمرض أو حلَّ بنا بلاء ما، فإنه ينالنا الفرج بمجرد أن نتوسل بهم.
هذه الميزة خاصة بالشيعة، إذ لا يوجد هذا الأمر لدى أهل السنة.. بل هم لا يسمحون لعلماء الفقه بأن يتدخلوا في الأمور العقلية، فيجب الرجوع في المسائل العقلية إلى أبو الحسن الأشعري أو إلى المعتزلي.. وفي الشرعيات المرجع هو أبو حنيفة مثلاً، أو الشافعي وأمثالهما، وهم يعجبون كيف يجعل الشيعة شخصاً واحداً مرجعاً للأمور الشرعية والعقلية معاً.
أئمتنا مراجع في المعارف والعلوم العقلية، كما أنهم كذلك في الأمور الشرعية والتكليفية أيضاً.. إنهم – غيرنا – لا يعرفون أن لدى الأئمة أيضاً أمور أخرى غير هذين الأمرين [الشرعيات والعقليات] إذ أمر هذين سهل قياساً بما يمتلكونه، فلديهم سبل التوسل والحفظ والتحصين أيضاًًًًً.. ومنهم نتعلم طريق مناجاة الله عزَّ وجلَّ، وطريق العبودية لـه والأعمال.. بل نستطيع باتباعنا لهم أن نستغرق أوقاتنا كلها في طاعة الله، وبنحو لا نخرج عن الطاعة في كل ما نقوم به.
والمقصود أن تنتبهوا: إذ أن الذئاب كثيرة في هذا العصر.. فإنهم يمتهنونكم، لكن بمقدورهم فيما بعد أن يعطوكم الطعام المسموم، ويفرغوا من أمركم بعد أن يكونوا قد أخذوا الأمر منكم واستخدموكم، ومهما دفعوا لكم من المبالغ التي لا يحلم المرء بها.
انتبهوا!.. لئلا يضلونكم ويخرجونكم عن الجادة، فيحرمونكم من الدنيا والآخرة.. وإذا رأوكم عبيداً لهم صادقين قانعين، رضوا عنكم لكن بشرط ان تقتلوا في سبيلهم ...
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عليكم أن تعلموا بأننا – نحن المسلمين – لا نمتاز على غير المسلمين إلا بالقرآن والعترة، وإلا كنا نحن أيضاً كباقي الناس غير المسلمين.. لو لم نمتلك القرآن لكنا كغير المسلمين، ولو لم نمتلك الارتباط بـالعترة لكنّا مثل سائر المسلمين من غير أهل الإيمان.
علينا الإلتفات إلى لزوم الترقي في هذين الأمرين يوماً بيوم، فكما يتقدم بنا السن، فكذلك يلزم أن تترقى معلوماتنا بهذين الأمرين..لا نذهبنَّ إلى هذه الجهة أو تلك، وإلا ضعنا.. وما دام هذان الأصلان الأصيلان معنا فلن نضيع أو نضل.
نقول: إذا كنتم تقولون بأن الإسلام غير صحيح، ولا تقبلون بالقرآن فأتوا بمثل القرآن، بل بسورة من مثله.
يقولون: لا، فلا يمكننا أن نأتي بذلك، ولن نأتي به، ومع هذا فلن نصبح مسلمين!..
هذا الإدعاء وهذا الكلام لا جواب له، لأنهم يقولون: "نعلم ولا نعمل".
وكذلك شأن الذين هم مع القرآن صورياً وليسوا مع العترة.. نقول لهم: هذه آثار العترة، وهذه فضائلهم، وهذه أدعيتهم وأحكامهم، وهذه خطبهم ورسائلهم.
هذا نهج البلاغة، وهذه الصحيفة السجادية، ائتوا بمثل هذا ممن خالف العترة!.. فإن فعلتم تخلينا عن العترة.
هذه علومهم وهذه أمورهم العملية، هذا إيمانهم وهذه كراماتهم ومعجزاتهم.. علينا الحذر لئلا يسلبوننا هذين الأمرين.
هل تعلمون كم يعطوننا من المال لو تخلينا لهم عنهم؟.. سوف يمنحوننا الكثير.. لكن هذا المال لا قيمة له، فغداً يسلبوننا هذا المال من طريقٍ ملتوٍ، وينزلون على رؤوسنا المصائب أيضاً.. إنهم لا يفون لنا، فبمجرد أن ينالوا منا مصالحهم، سوف يوقعون بنا.
خلاصة الأمر!.. علينا الالتفات.. فلنتعلم القرآن وألفاظه، لنتجنب الغلط في قراءة ما نعرفه منه، لنتعلم قراءته بشكل صحيح.. وكذا تجويده، لتكون قراءتنا في الصلاة صحيحة.
ولنتعلم كذلك تفسيره بواسطة التفاسير السهلة المبسطة والمعتبرة.
لنحفظ القرآن لكي يكون دوماً معنا ونحن معه، ولنتحصن به ونجعله الحافظ لنا، والوسيلة لذلك في فتن الدنيا وشدائدها.
لنسأل الله عزَّ وجلَّ أن لا يفرق بيننا وبين القرآن، كما نسأله أيضاً أن لا يفرقنا عن العترة، إذ العترة مع القرآن، والقرآن مع العترة.. إذا افتقد شخص ما أحد هذين، فقد افتقدهما كلاهما.
لنلتفت لكيلا يكذبوا علينا، ويسوِّقوا كذبهم لنا، لكيلا نشتري الكذب من أهل الدنيا.
لا يمكننا الابتعاد عن القرآن والعترة، فلو ابتعدنا عنهما لوقعنا في شباك الذئاب، والله يعلم إن كنّا سننجو بعد ذلك من أيديهم، بعد أن تكسّر الرؤوس، وتقطّع الأيدي، وتحل البلايا المختلفة.
انتبهوا لئلا يخرجوا أحداً منكم من هذين الأصلين!..
إنكم تزاولون الدراسة في المدارس، فانتبهوا إلى معلميكم بأن يكونوا في الصراط المستقيم، إذا حرفوا المعلم بواسطة الرشاوى وغيرها.. فإن وضع الطلاب عندئذ سيكون وخيماً، لماذا؟..
ذلك لأنه سيصدر إليهم باطله، ويغذيهم عليه بشكل مباشر أو غير مباشر.
انتبهوا، وتوخوا الغاية في الاحتياط!.. وينحصر احتياطكم أيضاً في ألا تتجاوزوا اليقين، بل على الكبار اليوم أن يكونوا كذلك أيضاً.. عليهم أن يسعوا غاية السعي في منعهم من أن يدخلوا غير اليقين ضمن يقينياتنا، ولا يسكبوا الماء في حليبنا فيفسدوه.
لو نطق شخص ما بألف كلمة حقّ، فلنتأمل هذه الألف كلمة جيداً ونأخذها منه، ثم لنتأمل بعدها هل الكلمة الواحدة بعد الألف، صحيحة أيضاً؟.. أم أنها ظن لا يقين.
كل كلمة تسمعونها، من أيّاً كان، فليكن سعيكم معرفة هل هي صحيحة وتامة ومتطابقة مع العقل والدين، أم لا؟..
واعلموا بأن الله تعالى مطّلع علينا في خلواتنا، كما أنه مطلع علينا عندما نكون مع الناس، سواء تكلمنا أم كنا ساكتين.
بمجرد أن يعلم المرء بأن صاحب هذا البيت وصاحب هذا العالم مطلع على كل فرد، في جميع أفعاله وتروكه، وفي كل نواياه، في كل ما نواه وينويه فيما بعد أيضاً.. بل إنه يكتب نية الخير ويترك نية الشر قبل تحققه رجاء ألا يتحقق، وإذا تحقق الشر أيضاً فإنه يصبر مدة، ليرى هل تاب هذا الشخص أم لا؟.. رجع عن ذلك أم لا؟.. فبمجرد أن يعلم بذلك فقد انتهى الأمر.
والمقصود أنه بمجرد أن يعلم الإنسان أن الله تعالى يعلم بكل شيء ينتهي الأمر، فلا يؤخر الإقدام، فإنه بذلك يدرك كل شيء إلى الأخير: ماذا عليه أن يفعل أو يترك؟.. ما الذي ينفعه، وما الذي يضره، فالله تعالى يرى كل شيء.. أفهل بمقدورنا أن نتنازع مع بعضنا حال كوننا جلوساً على سفرته.. فنتنازع مثلاً على الأطعمة، ونتسابق على النيل منها، ونتعارك على ذلك؟..
كل الحروب التي قامت بها هذه الحكومات هي من هذا القبيل.. فإنهم قد جلسوا على سفرة الكريم، وهو تعالى يرى كل شيء أيضاً.
والأوامر المطلوبة معلومة، وما الذي يرضي الله عزَّ وجلَّ أو يسوؤه: إنه لا يرضى بالأذى بغير الحق، ويحب الإحسان بالحق في محله.. فمع أنه تعالى يعلم بكل هذه الأمور، ونحن أيضاً نعلم أنه أمر بها، وهو يعلم بها ويراها، فهل ترانا نقوم بهذه الأعمال؟..
إن أحدنا لا يرتكب أي شكل من أشكال المعصية أمام أي فرد عادي من البشر، وقد يكون المرتكب أقوى من المشاهد، فلا يملك المشاهد فعل شيء تجاهه، لكن المرتكب مع هذا يرتدع مخافة أن تسوء نظرة الرائي له، أو يسوء أمره معه، ولربما واتته الفرصة فصفى حسابه معه.. لكن الأمر مع الله تعالى يختلف، فهو قادر وعالم، وقد أصدر أوامره أيضاً، ويعلم من منّا يعرف، ومن منا لا يعرف، فهو يعلم بكل ذلك.
أفهل بإمكاننا أن نخفي الأمر عليه؟.. أو أن نظهره دون أن نبالي، معولين بأنه عاجز عن فعل شيء تجاهنا؟.. فهل الأمر كذلك؟..
هل هناك أي فائدة لنا في ذلك، وهل يمكننا إخفاء شيء؟..
قد تصل الشقاوة بالإنسان أو المكلف إلى حد كأنه لم تطرق هذه الأمور سمعه: من أن لنا إلهاً بصيراً سميعاً عالماً قادراً رحيماً وكريماً.
قادر على الإثابة على مقدار رأس الإبرة، فيما لو صرف في سبيله.. فهذا هو ربّنا …
ثم أفاد – دام ظله – في تتمة حديثه :
على هذا انظروا مدى غفلتنا، كم قد ظلمنا أنفسنا بأن جعلنا الواضحات تحت أقدامنا.. فهذا هو الأمر، وهو دائر هذا المدار.. وتلخيصه: إذا لم نضع معلوماتنا تحت أقدامنا، ولم نطبق مجهولاتنا عملياً، فقد انتهى الأمر، أي تحقق المطلوب.
يجب ألا توضع المعلومات تحت الأقدام، فهذا يوجب الندم.. إذا عمل الإنسان بمعلوماته، فقد استبصر وتنوّر، ولا توقف في الأمر بعد.
فإذا رأى أنه قد توقف مع هذا، فليعلم علم اليقين أنه قد داس بقدمه على بعض معلوماته، وأنه قد علق في حذائه حصاة، لم يدقق كما ينبغي في انتزاعها:
"من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم".بحار الأنوار ، ج 78 ص 189
و"والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا". سورة العنكبوت ، آية :99
و"من عمل بما علم كُفي ما لم يعلم". ثواب الأعمال 134
ليس بمقدور أحد أن يقول أني لا أعلم شيئاً، فهذا كذب.. فكل شخص - ثمة غير المعصوم – يعلم أموراً ويجهل أخرى، ولو عمل بتلك الأمور التي يعرفها، لأدرك التي لا يعلمها.
اعملوا بما تعلمون، وتوقّفوا واحتاطوا منذ الآن فيما تجهلون إلى أن يتضح.. وعندما تعملون بذلك [أي المعلوم] يتضح [المجهول]، فنفس السبب الذي جعل تلك الأمور [المعلومة] تتضح لكم، سيوضح لكم تلك الأمور الأخرى [المجهولة].
وعليه فانظروا لأي شيء نتوقف.. ما تعلمه إعمل به!.. وما تجهله احتط فيه!.. فلم تندم أبداً.
زاد الله في توفيقات الجميع.
ومنَّ على الجميع – إن شاء تعالى – بالسلامة المطلقة الروحية والجسمية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك جماعة من الناس يطلبون الموعظة والنصيحة، فإن كان مقصودهم أن نتكلم ويسمعون، ثم يتكرر منا ومنهم ذلك [كلامنا واستماعهم] مرة أخرى في وقت آخر، فإني عاجز عن ذلك، وهذا لا يخفى على المطلعين.. أما إذا قالوا بأنهم يريدون كلمة تكون أم الكلمات، وكافية لسعادة الدارين، فالله تعالى قادر على أن يكشف عنها، ويوصلها لكم من بيان العبد الفقير.
وعليه فنقول: إن الغرض من الخلق هو العبودية {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وحقيقة العبودية ترك المعصية في الاعتقاد وهو عمل القلب، وفي عمل الجوارح.. وترك المعصية لا يتحقق بنحو يصير ملكة للشخص إلا بإدامة المراقبة، وذكر الله تعالى في كل حال وزمان ومكان، وفي الخلوات أو بين الناس.."ولا أقول سبحان الله والحمد لله … الخ لكن ذكر الله عند حلاله وحرامه".
إننا نحب إمام الزمان عجل الله تعالى لـه الفرج، لأنه أمير النحل، وجميع أمورنا تصل بواسطته، وقد نصبه النبي (ص) لنا أميراً.. ونحن نحب النبي (ص)، لأن الله جعله واسطة بيننا وبينه.. ونحب الله تعالى، لأنه منبع جميع الخيرات، ووجود الممكنات فيضه.. فإذا كنا نريد أنفسنا وكمالها، علينا أن نكون محبين لله تعالى.. وإذا كنا محبين لله، فعلينا أن نكون محبين لوسائط الفيوضات من الأنبياء والأوصياء.. وإلا، فإما أننا لا نحب أنفسنا، أو لا نحب واهب العطايا، أو لا نحب وسائط الفيوضات.. فكيمياء السعادة إذن ذكر الله، وهو يحرك العضلات نحو موجبات السعادة المطلقة.. والتوسل بالوسائط استفاضة من منبع الخيرات بواسطة وسائلها المقررة.. علينا الاهتداء بهدايتهم والسير بقيادتهم لننال الفلاح.
إنكم لن تحتاجوا بعد للتوضيح أكثر.. اضبطوا ما ذكر وأثبتوه في قلوبكم، وهو يوضح نفسه بنفسه.
إن قلتم: لم لا تعمل أنت؟.. نقول: إذا تقرر أن نقول بأننا نعمل بكل ما نعلم به، فلربما لم نكن لنتصدى لهذا المقام والبيان.. لكن التكليف بذل النعمة لعلها توصل للمقصود"ما أخذ الله على العباد أن يتعلّموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا".
ولا يخفى أن النصيحة العملية - لمن يتيسر لـه ذلك – أرقى من النصائح القولية"كونوا دعاة إلى الله بغير ألسنتكم".
وفقنا الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا جميعاً عما يسخطه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن على أعدائهم أجمعين.
مشهد ربيع الثاني 1420 ﻫ. ق.
لئن عملنا بما نعلمه، وتوقفنا واحتطنا فيما لا نعلمه، إلى أن نحصّل العلم به، فلن نكون في معرض الندم والخسران أبداً.. ولئن تحقق هذا العزم في العبد بشكل ثابت وراسخ، فسيكون الله تعالى أولى بتوفيقه وإعانته.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن على أعدائهم أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد طلب جماعة من المؤمنين والمؤمنات النصيحة، وطلبهم هذا يرد عليه إشكالات منها:
إن النصيحة تكون في الجزئيات، والموعظة أعم من الكليات والجزئيات.. ولا تكون النصيحة ممن لا يملك المعرفة لمثله.
"من عمل بماعلم ورّثه الله علم ما لم يعلم". بحار الأنوار: 78/189
"[من عمل بما علم] كُفي ما لم يعلم" .
{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}. .سورة العنكبوت: 99.
اعملوا بما تعلمون واحتاطوا فيما لا تعلمون إلى أن يتضح أمره.. فإن لم يتضح فاعلموا أنكم قد أهملتم بعض ما تعلمون.. وطلب الموعظة من غير العامل محل اعتراض.. ومن المقطوع به أنكم قد سمعتم بعض المواعظ، وتعلمتموها ولم تعملوا بها، وإلا لكنتم على بصيرة ووضوح من الأمر.
الجميع يعلمون أن عليهم أخذ الرسالة العملية، وقراءتها وفهمها، والعمل طبقها، وتشخيص الحلال والحرام بواسطتها.. وكذلك الأمر بالنسبة للمدارك الشرعية إن كانوا من أهل الاستنباط.. إذن لا يمكنهم القول: "إننا لا نعلم ما يجب علينا فعله أو تركه".
انظرواإلى أعمال من لديكم اعتقاد حسن ظن بهم، فما يأتون به عن اختيار فعليكم بإتيانه، وما يتركونه عن اختيار فعليكم بتركه.. وهذا من أفضل السبل للوصول الى المقاصد العالية"كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم".[ أصول الكافي: 2/77 ج9].. والمواعظ العملية أرقى وأشد تأثيراً من المواعظ القولية.
من الأمور الواضحة أن قراءة القرآن في كل يوم، والأدعية المناسبة للأوقات والأمكنة، في التعقيبات وغيرها، وكثرة التردد إلى المساجد والمشاهد المشرفة، وزيارة العلماء والصلحاء ومجالستهم، مما يرضاه الله ورسوله (ص).. كما يجب مراقبة البصيرة، والأنس بالعبادة والتلاوة والآيات يوماً بيوم.
وعلى العكس من ذلك، فإن كثرة مجالسة أهل الغفلة تزيد من قساوة القلب وظلمته، ومن النفور من العبادات والزيارات، ولذا نجد أن الأحوال الحسنة الحاصلة من العبادات والزيارات وأنحاء التلاوة، تتبدل بسبب مجالسة ضعفاء الإيمان إلى سوء الحال والنقصان.. فمجالسة ضعفاء الإيمان إذن في غير صورة الإضطرار، أو من دون قصد هدايتهم.. تسبب فقدان الملكات الحسنة للمرء، بل إنه يكتسب أخلاقهم الفاسدة:
"جالسوا من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله". أصول الكافي: 1/39 ج3
من الواضحات أن ترك المعصية في الاعتقاد والعمل يغني عن غيره.. فغيره يحتاجه، بينما هو لا يحتاج إلى غيره، بل هو مولد للحسنات ودافع للسيئات: {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}..سورة الذاريات: 56
ويظن البعض أنهم اجتازوا مرحلة ترك المعصية، غافلين عن أن المعصية لا تختص بالكبائر المعروفة، بل الإصرار على الصغائر أيضاً كبيرة.. والنظرة الحادة مثلاً إلى المطيع لإخافته إيذاء محرم، كما أن الابتسام للعاصي لتشجيعه إعانة على المعصية.
ومحاسن الأخلاق الشرعية ومفاسدها، قد تم بيانهما في الكتب والرسائل العملية.
وإن الإبتعاد عن العلماء والصلحاء، يمنح سارقي الدين الفرصة، لتضييع الإيمان وأهله بأهون السبل وأرخصها، وأبعدها عن الخير والبركة.. وكل هذا مجرب ومشاهد.
نسأل الله تعالى أن يجعل هديتنا في العيد (عيديتنا) في أعياد الإسلام الشريفة، التوفيق للعزم الراسخ الثابت الدائم على ترك المعصية، فإنه مفتاح سعادة الدنيا والآخرة، إلى أن يصبح ترك المعصية ملكة.. والمعصية بالنسبة لصاحب الملكة بمنزلة شرب السم للعطشان، أو أكل الميتة للجائع.
وبالطبع، فلو كان هذا الطريق صعباً إلى آخره، ولا ينتهي بالسهولة والرغبة، لما وقع مورداً للتكليف والترغيب، والحث من قبل الخالق القادر الرحيم.
وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
17 ربيع المولود 1419هـ. ق.
21/4/1377 هـ. ش.
أي يخالف كل من يراه الإمام مخالفاً له، ويوافق من يراه الإمام موافقاً له، ويلعن من يلعنه الإمام، ويترحم على من يترحم عليه الإمام، ولو على سبيل الإجمال - إن شخصاً كهذا - لن يفتقد أي كمال، ولن ينال أي وزر أو وبال.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والظاهر أن ترك المعصية بقول مطلق لا يتم من دون "المراقبة الدائمة".
والله الموفق.
إن التعليم والتعلم إنما يكون مناسباً لأجل العمل، ولا استقلالية لهما.. وقد قالوا عليهم السلام لإفادة هذا المطلب والحث عليه: "كونوا دعاة إلى الله بغير ألسنتكم".. تكلموا من خلال العمل، وتعلموا من العمل، وليكن سماعكم بالعمل.
يريد البعض أن يعلم المعلم.. بل ويطلب منه حتى أن يأخذ كيفية التعليم من المتعلمين.
يطلب البعض منا الدعاء، فنسأل لأي شيء؟.. فيبينون العلة، فنشرح لهم الدواء، وبدلاً من أداء الشكر واستعماله، يقولون ثانية: "ادعوا لنا".. وبعيداً عما نقوله وما يريدون، فإنهم يخلطون شرطية الدعاء مع نفسيته. [مراده حفظه الله أن الدعاء إذا كان يطلب كمقدمة وشرط لتحصيل حاجة معينة وحل تلك المشكلة بواسطته، فعندما يدلهم على دواء دائهم وحل مشكلتهم، فلا يعود هناك حاجة لطلب الدعاء لهم مرة أخرى، إلا إذا كان دعاؤه لهم مطلوباً لنفسه وذاته، لا لتحقيق تلك الحاجة، فطلبهم أن يدعوا لهم ثانية يعني أنهم في هذه الحال قد تعاملوا مع الدعاء على أنه مطلوب لنفسه، لا كمقدمة وشرط للحاجة التي يريدون، وهذا خلط بين المقامين].. "المترجم".
إننا لا نخرج عن عهدة التكليف، بل علينا تحصيل النتيجة بواسطة العمل، ومن المحال أن يكون العمل بلا نتيجة، أو تحصل النتيجة من غير العمل.. ليس الأمر كذلك: "كانت إقامة المجلس لحاجة ومصلحة، فلم ينل منها إلا الجلوس والحديث والقيام". [ترجمة شعر بالفارسية نصه: بي مصلحتي مجلس آراستند نشتند وكفتند وبرخاستند].
جعلنا الله من أهل العمل، لا مجرد قوالين من أهل الكلام.. فلا نقدم على حركة عملية من دون علم ولا نتوقف مع العلم.
لنقم بأداء ما نعرفه، ولنتوقف ونحتاط فيما لا نعرفه، إلى أن يحصل لنا العلم به، ومن المقطوع به أنه لا ندم في هذا النهج.
لاينظر بعضنا إلى البعض الآخر، بل ليكن نظرنا إلى دفتر الشرع، ولنجعل أعمالنا وتروكنا مطابقة له.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل تعلمون أن من عمل بما يعلم علّمه الله ما لا يعلم؟..
هل من اللائق توقع زيادة المعلومات، مع كونكم تركتم العمل بما تعلمون باختياركم؟..
وهل يفترض أن تكون الدعوة إلى الحق بواسطة اللسان؟.. ألم يقولوا عليهم السلام [بما مضمونه]: "كونوا دعاة للحق بأعمالكم"؟..
هل علينا تعليم طريق التعليم أم تعلمه؟..
أفلا يتضح جواب هذه الأسئلة من القرآن الكريم حين يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}. سورة العنكبوت، آية: 99
ومن كلام المعصوم عليه السلام حيث يقول:"من عمل بما علم ورثّه الله علم ما لم يعلم". [بحار الأنوار: ج78 ح 189] . . و"من عمل بما علم كـُفي ما لم يعلم". ثواب الأعمال: 134
منَّ الله علينا بالتوفيق لعدم ترك وإهمال ما نعلم، وللتوقف والإحتياط فيما نجهل إلى أن يعلم.
ولا نكون ممن قيل فيهم:
"أقاموا المجالس لحاجة ومصلحة، فلم ينلهم إلا الجلوس والكلام والقيام". [ترجمة لشعر بالفارسية تقدم ذكر نصه قريباً] .
وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مدينة مشهد المقدسة.
ربيع الأول 1417 هـ. ق.
فنحن نعلم إذن أن الله تعالى إنما يحب ذكره واستمرار ذكره، لأجل حاجة عباده إلى التقرب إلى مبدأ الألطاف، وإدامة هذا التقرب.
فنحن نعلم إذن بأن انتفاعنا من التقرب إليه، سيكون بدرجة اشتغالنا بذكره.. وبمقدار ما نسعى في طاعته وخدمته، ننال درجة مناسبة من التقرب والانتفاع بقربه.. والفرق بيننا وبين سلمان (سلام الله عليه) إنما هو في درجة طاعته وذكره له تعالى، اللذين يؤثران في درجة قربنا منه سبحانه.
وإن ما نعلمه، هو أن ثمة أعمالاً ستقع محل ابتلائنا في الدنيا، فعلينا أن نعلم أن ما كان منها محل رضا الله عزَّ وجلَّ، فسيُعد خدمة وعبادة وطاعة له أيضاً.
فعلينا أن نعرف إذن، أن هدفنا يجب أن يكون في لزوم صرف العمر كله في ذكر الله وطاعته وعبادته، إلى أن نصل إلى آخر درجة في التقرب ونملك الاستعداد والقابلية لها.. وإلا فعندما نرى وصول البعض إلى المقامات العالية، وتخلفنا عن ذلك من دون علة، سنكون من النادمين.
وفقنا الله لترك الاشتغال بغير رضاه بمحمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين.
مدينة مشهد المقدسة.
ربيع الأول 1417 هـ. ق.
وبعد، فلا يخفى على أولي الألباب، بأن أساس ودستور الحركة في المخلوقات، هو معرفة المحرك الذي تحتاج إليه الحركة، ومعرفة ما منه الحركة وما إليه الحركة، وما له الحركة.. أي البداية والنهاية والغرض.. حيث أن الممكنات في حالة حركة مستمرةآناً فآن باتجاه المقصد.
والفرق بين العالم والجاهل، هو معرفة علاج الحوادث وعدم معرفة ذلك.. والتفاوت في منازلهما في العاقبة بمقدار التفاوت في مراتب علمهما في البداية.
فإذا عرفنا المحرك، واطلعنا على حسن تدبيره وحكمته من انتظام المتحركات، كان كل توجهنا وهمنا إرادته التكوينية والتشريعية.. فهنيئاً للعارف لأهل المعرفة، وإن كان أكثر الشهداء بذلاً وتضحية.. وتعساً للجاهل لغير العارف، حتى لو كان فرعون زمانه.
عاقبة هذه الحركات يقول الجاهل: (ليت أمي لم تلدني) ويقول العالم: (ليتني سرت نحو المقصد سبعين مرة، ثم عدت وسرت ثانية، واستشهدت في سبيل الحق).. ولكيلا نعود من حياتنا بالندم أقول بصراحة: لو انقضى مثلاً نصف عمر أي شخص في ذكر المنعم الحقيقي، ونصفه الآخر في الغفلة، لاعتبر نصف عمره حياة لـه، والنصف الآخر موتاً، مع اختلاف عن الموت في الأضرار وعدم النفع.[الظاهر أن مراده حفظه الله أن نصف عمره الذي يقضى في الغفلة، وإن كان يعد موتاً، لكنه يزيد على الموت بأنه قد يجني منه الإنسان أضراراً ويخسر منافع.. بينما الموت مجرد عدم فوات الحياة، دون أضرار إضافية زائداً عن ذلك]. "المترجم"..
إن من يملك المعرفة بالله، يصير مطيعاً له، ويكون شغله وارتباطه به تعالى، ويعمل بما يعلم بأنه موافق لرضاه، ويتوقف فيما لا يعلم إلى أن يعلم، ويسعى لتحصيل العلم بذلك آناً فآن، لكي يعمل أو يتوقف.. فعلمه ناشىء عن الدليل، وتوقفه راجع لعدم وجود دليل.
هل من الممكن لقافلتنا أن تصل إلى المقصد، عبر هذه العقبة المليئة بالخطر، من دون التسلح بطاعة الله القادر؟.. هل من الممكن أن يكون وجودنا من الخالق تعالى، وقوتنا من غيره؟.. فلا قوة نافعة باقية إذن إلا لأهل الله، ولا ضعف إلا لغيرهم.
والآن إذا صرنا من أصحاب اليقين في هذه المرحلة، فعلينا لأجل ترجمة هذه الصفات والأحوال عملياً، أن نعلم أن هذه الحركة المتحققة من أولها إلى آخرها مخالفة لمحرك الدواعي الباطلة.. ويكفي في سعادة الاتصال برضا المبدأ الأعلى، أن لا نعتني بها. [أي الدواعي الباطلة فلا تتحرك تبعاً لها وانبعاثاً منها]. "المترجم".[ونهملها]:"أفضل زاد الراحل إليك عزم الإرادة". من دعاء يوم المبعث
والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
مدينة مشهد المقدسة.
ربيع الأول سنة 1417 هـ. ق.
وفقنا الله وإياكم لمراضيه، وجنبنا سخطه بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
الشيخ محمد تقي بهجت
بسم الله الرحمن الرحيم
إن على الجميع أن يعلموا بأنَّ عليهم التوجه في الأمور العملية لما يبقى لهم، دون الزائل الذي يفنى.فالأعمال الصالحة، كالطاعات الإلهية، وما يقرب إلى الله عزَّ وجلَّ، فإنها تبقى مع الإنسان، ويحملها من هنا إلى يوم القيامة، وإلى ما بعد يوم القيامة، وحيثما حل.
إن الأعمال الصالحة للإنسان، أعمال باقية لـه لا تفنى.. وليُعلم بأن الطاعات والعبادات والمقرّبات، ليست مما يزول بخراب البيت مثلاً، أو بانفصال البدن عن الروح، فهي باقية وثابتة.. بل ستظهر صورة معنوية منها هناك لكل فرد بحياله.
ولكي لا تغفلوا!.. فإن أولئك الذين استشهدوا، أو قدّموا شهداء إنما مضوا في سبيل الله، وكانوا ماضين في طريقه.. والله تعالى يعلم أي تاج وضع فوق رؤوسهم بالفعل، وإن كان البعض لا يرون ذلك إلا بعد مغادرتهم هذه النشأة.
وربما كان للبعض ممن هم من أهل الكمال أن يروا هنا أيضاً، أن فلاناً (مثلاً) يمتلك تاجاً على رأسه، بينما (فلان) الآخر لا يمتلك ذلك!..
والمقصود أن استشهاد أقارب المرء، هو بنفسه كرامة من الله عزّ وجلّ.
و الشهادة - لو أردنا تقييمها – فهي مما يوجب المسرة لا الحزن.. هذا الحزن الذي يظهر في الإنسان، سببه أن ذلك الشهيد قد ارتحل إلى تلك الغرفة مثلاً، بينما بقينا نحن في هذه الغرفة.. ولا نفكر عند ذلك في أفضلية حاله من حالنا، وبأننا مكدّرون بينما هو في راحة.. ولا نفكر في الأمور التي جعلها الله لـه الآن، بينما لايُدرى كيفية إرتحالنا نحن.. هل نمضي مع الإيمان أم بدونه؟.. هو قد مضى مع الإيمان [مؤمناً] وبهذا النحو أيضاً: لقد مضى شهيداً.
علينا أن نفهم أن الشهادة من موجبات السعادة، وأنها ترتقي بكل فرد إلى أعلى، ولا تنزله إلى أسفل.. وهذا البيت ليس بالبيت الذي نبقى (نخلد) فيه.. بل على الفرد منا أن يجمع هنا أمور معينة للمكان الذي سوف يعيش فيه.
عند ذلك،وهناك يعلم مدى عظمة ما يجمعه هنا.. فهناك يعلم بأن هذا كاف وواف، وهذا غير معروف هنا (لا يعلم هنا).
الله يعلم كم من الآثار المعنوية للصلاة الواحدة [على محمد وآل محمد] التي يدعو بها المرء هنا ويهدي ثوابها للميت.. وأية صورة وأية واقعية (حقيقية) لهذه الصلوات نفسها.. علينا أن لا نهتم للقلة والكثرة، بل ليكن اهتمامنا للكيفية.
لو أنفق المرء شيئاً من ماله لله – ولو كان زهيداً – وأنفق في المقابل الآلاف من الذهب والفضة دون أن يكون ذلك لله، فذاك [أي ما كان لله] من الباقيات، بينما هذا [ما كان لغير الله] فهو من الفانيات .
إن الإنسان يترقى باستمرار، وينمو آناً فآن.. ومن المحال أن يقوم بعمل خير لله عز وجل ويكون مغفولاً عنه { لايعزب عنه مثقال ذرة }.[سورة سبأ، آية: 3] .. فمن المحال إذن ألا يطلع عليه الملائكة، أو لا يكتبه أحد أو يقوم بتسجيله.
علينا الإلتفات!.. أن كل خير أو شر يصدر من أي كان سيكون هناك بارزاً وظاهراً.. والله يعلم مقدار الناظرين والذين سيطلعون على هذه الأوضاع!.. والله يعلم أي جزاءٍ ثابت، وسيؤدى للإنسان على أعماله، خيراً كانت أم شراً!..
لا ينبغي التوهم بأن المسألة مسألة قلة وكثرة.. بل المدار على الكيفية.. فإن كان العمل لله [فله قيمته] حتى لو كان قليلاً، وإن كان لغير الله [فلن ينفع] ولو كان كثيراً.. ومن الضروري ملاحظة ما يقوله دستور الشرع، ليرى ما الذي يجب فعله أو تركه في ذلك المورد.. إننا ضيوف الله وعلى سفرته، وهو يرانا ويعلم ما الذي نفعله، وما الذي نفكر بإتيانه.. فهو يعلم أفضل منا بأفكارنا.. إننا [مثلاً] نتخيل أموراً ونتخيل تحققها في الواقع [في حالات يكون] الله تعالى يعلم أن الأمر بالعكس، فما نتخيل تحققه لن يتحقق، وما نتخيل عدم تحققه هو الذي سوف يتحقق.. إنه تعالى مطّلع إلى هذا الحد .
"الله تعالى مطّلع" وهذا جليّ.. فرسله في كل مكان، عن اليمين وعن الشمال، ومن هذه الجهة وتلك، إنهما موجودان في كل مكان..لا يمكن إخفاء شيء عن الله عزَّ وجلَّ.. حسناً، فإذا كان من غير الممكن إخفاء شيء، والله تعالى يرى ويعلم، وهو قادر أيضاً، وثمة أشياء يحبها، وأخرى لا يحبها، وذلك إنما هو لأجلنا، وإلا فلا يختلف الأمر بالنسبة له.. فإذا كان الأمر كذلك، فهل نحن بحاجة لأن نعلم أكثر من هذا المقدار: بأن"الله مطلع على ظاهرنا وباطننا"؟!..
لقد تجسم الشيطان الملعون للنبي يحيى (ع) وقال له: أنصحك بأمور خمسة: فقال (ع): تكلم!..
فتكلم الشيطان في البدء بكلمة حكمة جيدة جداً، والثانية أيضاً كانت حسنة جداً، والثالثة كذلك، والرابعة رأى أنها حسنة جداً.
عندئذ قال لـه النبي يحيى (ع): الآن فأغرب!.. ففي الخامسة سوف تقوم بعملك..إذهب!.. فالخامسة لا أريدها، إذ لا بد أنك ستقوم بعملك فيها.. وإلا فلن تكون إبليس.. فإبليس داعية الشر، وكل هذا كان مقدمة ليقوم - آخر الأمر- بعمله.
التفتوا أيضاً إلى أن حياة الإفرنجة تقوم بالجواسيس.. وكل ما حل بنا إلى الآن منهم، فقد كان بواسطة الجواسيس.
التفتوا!.. انظروا حولكم، فأحياناً يصلون إلى الجاسوس عبر عدة وسائط.
هذا نحو من الفطانة، ونحتاج إلى أن يمنحنا الله هذه الحذاقة لكيلا نخدع بالأكاذيب، فإنهم يكثرون من الصدق في ما يقولونه لنا، إلى أن يسوّقوا كذبهم.
إلى أن قال دام ظله:
عليكم الإنتباه!.. فلا حيلة إلا باللجوء إلى الله والتوسل، ليكن القرآن معكم في يد والعترة في اليد الأخرى.. العترة: معارفهم في مثل نهج البلاغة، وأعمالهم في مثل الصحيفة السجادية، وأعمالهم التكليفية في مثل هذه الرسائل العملية.
لا تدعوهم يخرجونكم منهم، بل ميزتنا نحن من بين المسلمين وغير المسلمين، هي أننا نمتلك أصلين ينفعان للدنيا والآخرة، ففي أمر دنيانا أيضاً لو أصبنا بمرض أو حلَّ بنا بلاء ما، فإنه ينالنا الفرج بمجرد أن نتوسل بهم.
هذه الميزة خاصة بالشيعة، إذ لا يوجد هذا الأمر لدى أهل السنة.. بل هم لا يسمحون لعلماء الفقه بأن يتدخلوا في الأمور العقلية، فيجب الرجوع في المسائل العقلية إلى أبو الحسن الأشعري أو إلى المعتزلي.. وفي الشرعيات المرجع هو أبو حنيفة مثلاً، أو الشافعي وأمثالهما، وهم يعجبون كيف يجعل الشيعة شخصاً واحداً مرجعاً للأمور الشرعية والعقلية معاً.
أئمتنا مراجع في المعارف والعلوم العقلية، كما أنهم كذلك في الأمور الشرعية والتكليفية أيضاً.. إنهم – غيرنا – لا يعرفون أن لدى الأئمة أيضاً أمور أخرى غير هذين الأمرين [الشرعيات والعقليات] إذ أمر هذين سهل قياساً بما يمتلكونه، فلديهم سبل التوسل والحفظ والتحصين أيضاًًًًً.. ومنهم نتعلم طريق مناجاة الله عزَّ وجلَّ، وطريق العبودية لـه والأعمال.. بل نستطيع باتباعنا لهم أن نستغرق أوقاتنا كلها في طاعة الله، وبنحو لا نخرج عن الطاعة في كل ما نقوم به.
والمقصود أن تنتبهوا: إذ أن الذئاب كثيرة في هذا العصر.. فإنهم يمتهنونكم، لكن بمقدورهم فيما بعد أن يعطوكم الطعام المسموم، ويفرغوا من أمركم بعد أن يكونوا قد أخذوا الأمر منكم واستخدموكم، ومهما دفعوا لكم من المبالغ التي لا يحلم المرء بها.
انتبهوا!.. لئلا يضلونكم ويخرجونكم عن الجادة، فيحرمونكم من الدنيا والآخرة.. وإذا رأوكم عبيداً لهم صادقين قانعين، رضوا عنكم لكن بشرط ان تقتلوا في سبيلهم ...
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________________________________________
من كلمة له موجهة إلى الشباب
بسم الله الرحمن الرحيم
على النشء الجديد والشباب أن يلتفتوا بأن عليهم – كما أنهم يتقدمون في العمر وهم في هذا السن يوماً بعد يوم – أن يكون علمهم وإيمانهم فيازدياد مستمر بهذا النحو أيضاً، وبشكل مواز لذلك، فتترقى معلوماتهم من الصف الأول للعلوم الدينية إلى ما فوق، ويكون إيمانهم ملازماً لعلمهم هذا .من كلمة له موجهة إلى الشباب
بسم الله الرحمن الرحيم
عليكم أن تعلموا بأننا – نحن المسلمين – لا نمتاز على غير المسلمين إلا بالقرآن والعترة، وإلا كنا نحن أيضاً كباقي الناس غير المسلمين.. لو لم نمتلك القرآن لكنا كغير المسلمين، ولو لم نمتلك الارتباط بـالعترة لكنّا مثل سائر المسلمين من غير أهل الإيمان.
علينا الإلتفات إلى لزوم الترقي في هذين الأمرين يوماً بيوم، فكما يتقدم بنا السن، فكذلك يلزم أن تترقى معلوماتنا بهذين الأمرين..لا نذهبنَّ إلى هذه الجهة أو تلك، وإلا ضعنا.. وما دام هذان الأصلان الأصيلان معنا فلن نضيع أو نضل.
نقول: إذا كنتم تقولون بأن الإسلام غير صحيح، ولا تقبلون بالقرآن فأتوا بمثل القرآن، بل بسورة من مثله.
يقولون: لا، فلا يمكننا أن نأتي بذلك، ولن نأتي به، ومع هذا فلن نصبح مسلمين!..
هذا الإدعاء وهذا الكلام لا جواب له، لأنهم يقولون: "نعلم ولا نعمل".
وكذلك شأن الذين هم مع القرآن صورياً وليسوا مع العترة.. نقول لهم: هذه آثار العترة، وهذه فضائلهم، وهذه أدعيتهم وأحكامهم، وهذه خطبهم ورسائلهم.
هذا نهج البلاغة، وهذه الصحيفة السجادية، ائتوا بمثل هذا ممن خالف العترة!.. فإن فعلتم تخلينا عن العترة.
هذه علومهم وهذه أمورهم العملية، هذا إيمانهم وهذه كراماتهم ومعجزاتهم.. علينا الحذر لئلا يسلبوننا هذين الأمرين.
هل تعلمون كم يعطوننا من المال لو تخلينا لهم عنهم؟.. سوف يمنحوننا الكثير.. لكن هذا المال لا قيمة له، فغداً يسلبوننا هذا المال من طريقٍ ملتوٍ، وينزلون على رؤوسنا المصائب أيضاً.. إنهم لا يفون لنا، فبمجرد أن ينالوا منا مصالحهم، سوف يوقعون بنا.
خلاصة الأمر!.. علينا الالتفات.. فلنتعلم القرآن وألفاظه، لنتجنب الغلط في قراءة ما نعرفه منه، لنتعلم قراءته بشكل صحيح.. وكذا تجويده، لتكون قراءتنا في الصلاة صحيحة.
ولنتعلم كذلك تفسيره بواسطة التفاسير السهلة المبسطة والمعتبرة.
لنحفظ القرآن لكي يكون دوماً معنا ونحن معه، ولنتحصن به ونجعله الحافظ لنا، والوسيلة لذلك في فتن الدنيا وشدائدها.
لنسأل الله عزَّ وجلَّ أن لا يفرق بيننا وبين القرآن، كما نسأله أيضاً أن لا يفرقنا عن العترة، إذ العترة مع القرآن، والقرآن مع العترة.. إذا افتقد شخص ما أحد هذين، فقد افتقدهما كلاهما.
لنلتفت لكيلا يكذبوا علينا، ويسوِّقوا كذبهم لنا، لكيلا نشتري الكذب من أهل الدنيا.
لا يمكننا الابتعاد عن القرآن والعترة، فلو ابتعدنا عنهما لوقعنا في شباك الذئاب، والله يعلم إن كنّا سننجو بعد ذلك من أيديهم، بعد أن تكسّر الرؤوس، وتقطّع الأيدي، وتحل البلايا المختلفة.
انتبهوا لئلا يخرجوا أحداً منكم من هذين الأصلين!..
إنكم تزاولون الدراسة في المدارس، فانتبهوا إلى معلميكم بأن يكونوا في الصراط المستقيم، إذا حرفوا المعلم بواسطة الرشاوى وغيرها.. فإن وضع الطلاب عندئذ سيكون وخيماً، لماذا؟..
ذلك لأنه سيصدر إليهم باطله، ويغذيهم عليه بشكل مباشر أو غير مباشر.
انتبهوا، وتوخوا الغاية في الاحتياط!.. وينحصر احتياطكم أيضاً في ألا تتجاوزوا اليقين، بل على الكبار اليوم أن يكونوا كذلك أيضاً.. عليهم أن يسعوا غاية السعي في منعهم من أن يدخلوا غير اليقين ضمن يقينياتنا، ولا يسكبوا الماء في حليبنا فيفسدوه.
لو نطق شخص ما بألف كلمة حقّ، فلنتأمل هذه الألف كلمة جيداً ونأخذها منه، ثم لنتأمل بعدها هل الكلمة الواحدة بعد الألف، صحيحة أيضاً؟.. أم أنها ظن لا يقين.
كل كلمة تسمعونها، من أيّاً كان، فليكن سعيكم معرفة هل هي صحيحة وتامة ومتطابقة مع العقل والدين، أم لا؟..
واعلموا بأن الله تعالى مطّلع علينا في خلواتنا، كما أنه مطلع علينا عندما نكون مع الناس، سواء تكلمنا أم كنا ساكتين.
بمجرد أن يعلم المرء بأن صاحب هذا البيت وصاحب هذا العالم مطلع على كل فرد، في جميع أفعاله وتروكه، وفي كل نواياه، في كل ما نواه وينويه فيما بعد أيضاً.. بل إنه يكتب نية الخير ويترك نية الشر قبل تحققه رجاء ألا يتحقق، وإذا تحقق الشر أيضاً فإنه يصبر مدة، ليرى هل تاب هذا الشخص أم لا؟.. رجع عن ذلك أم لا؟.. فبمجرد أن يعلم بذلك فقد انتهى الأمر.
والمقصود أنه بمجرد أن يعلم الإنسان أن الله تعالى يعلم بكل شيء ينتهي الأمر، فلا يؤخر الإقدام، فإنه بذلك يدرك كل شيء إلى الأخير: ماذا عليه أن يفعل أو يترك؟.. ما الذي ينفعه، وما الذي يضره، فالله تعالى يرى كل شيء.. أفهل بمقدورنا أن نتنازع مع بعضنا حال كوننا جلوساً على سفرته.. فنتنازع مثلاً على الأطعمة، ونتسابق على النيل منها، ونتعارك على ذلك؟..
كل الحروب التي قامت بها هذه الحكومات هي من هذا القبيل.. فإنهم قد جلسوا على سفرة الكريم، وهو تعالى يرى كل شيء أيضاً.
والأوامر المطلوبة معلومة، وما الذي يرضي الله عزَّ وجلَّ أو يسوؤه: إنه لا يرضى بالأذى بغير الحق، ويحب الإحسان بالحق في محله.. فمع أنه تعالى يعلم بكل هذه الأمور، ونحن أيضاً نعلم أنه أمر بها، وهو يعلم بها ويراها، فهل ترانا نقوم بهذه الأعمال؟..
إن أحدنا لا يرتكب أي شكل من أشكال المعصية أمام أي فرد عادي من البشر، وقد يكون المرتكب أقوى من المشاهد، فلا يملك المشاهد فعل شيء تجاهه، لكن المرتكب مع هذا يرتدع مخافة أن تسوء نظرة الرائي له، أو يسوء أمره معه، ولربما واتته الفرصة فصفى حسابه معه.. لكن الأمر مع الله تعالى يختلف، فهو قادر وعالم، وقد أصدر أوامره أيضاً، ويعلم من منّا يعرف، ومن منا لا يعرف، فهو يعلم بكل ذلك.
أفهل بإمكاننا أن نخفي الأمر عليه؟.. أو أن نظهره دون أن نبالي، معولين بأنه عاجز عن فعل شيء تجاهنا؟.. فهل الأمر كذلك؟..
هل هناك أي فائدة لنا في ذلك، وهل يمكننا إخفاء شيء؟..
قد تصل الشقاوة بالإنسان أو المكلف إلى حد كأنه لم تطرق هذه الأمور سمعه: من أن لنا إلهاً بصيراً سميعاً عالماً قادراً رحيماً وكريماً.
قادر على الإثابة على مقدار رأس الإبرة، فيما لو صرف في سبيله.. فهذا هو ربّنا …
ثم أفاد – دام ظله – في تتمة حديثه :
على هذا انظروا مدى غفلتنا، كم قد ظلمنا أنفسنا بأن جعلنا الواضحات تحت أقدامنا.. فهذا هو الأمر، وهو دائر هذا المدار.. وتلخيصه: إذا لم نضع معلوماتنا تحت أقدامنا، ولم نطبق مجهولاتنا عملياً، فقد انتهى الأمر، أي تحقق المطلوب.
يجب ألا توضع المعلومات تحت الأقدام، فهذا يوجب الندم.. إذا عمل الإنسان بمعلوماته، فقد استبصر وتنوّر، ولا توقف في الأمر بعد.
فإذا رأى أنه قد توقف مع هذا، فليعلم علم اليقين أنه قد داس بقدمه على بعض معلوماته، وأنه قد علق في حذائه حصاة، لم يدقق كما ينبغي في انتزاعها:
"من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم".بحار الأنوار ، ج 78 ص 189
و"والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا". سورة العنكبوت ، آية :99
و"من عمل بما علم كُفي ما لم يعلم". ثواب الأعمال 134
ليس بمقدور أحد أن يقول أني لا أعلم شيئاً، فهذا كذب.. فكل شخص - ثمة غير المعصوم – يعلم أموراً ويجهل أخرى، ولو عمل بتلك الأمور التي يعرفها، لأدرك التي لا يعلمها.
اعملوا بما تعلمون، وتوقّفوا واحتاطوا منذ الآن فيما تجهلون إلى أن يتضح.. وعندما تعملون بذلك [أي المعلوم] يتضح [المجهول]، فنفس السبب الذي جعل تلك الأمور [المعلومة] تتضح لكم، سيوضح لكم تلك الأمور الأخرى [المجهولة].
وعليه فانظروا لأي شيء نتوقف.. ما تعلمه إعمل به!.. وما تجهله احتط فيه!.. فلم تندم أبداً.
زاد الله في توفيقات الجميع.
ومنَّ على الجميع – إن شاء تعالى – بالسلامة المطلقة الروحية والجسمية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________________________________________
من مواعظه وتوجيهاته دام ظله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله سادة الأوصياء الطاهرين، وعلى جميع العترة المعصومين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.من مواعظه وتوجيهاته دام ظله
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك جماعة من الناس يطلبون الموعظة والنصيحة، فإن كان مقصودهم أن نتكلم ويسمعون، ثم يتكرر منا ومنهم ذلك [كلامنا واستماعهم] مرة أخرى في وقت آخر، فإني عاجز عن ذلك، وهذا لا يخفى على المطلعين.. أما إذا قالوا بأنهم يريدون كلمة تكون أم الكلمات، وكافية لسعادة الدارين، فالله تعالى قادر على أن يكشف عنها، ويوصلها لكم من بيان العبد الفقير.
وعليه فنقول: إن الغرض من الخلق هو العبودية {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وحقيقة العبودية ترك المعصية في الاعتقاد وهو عمل القلب، وفي عمل الجوارح.. وترك المعصية لا يتحقق بنحو يصير ملكة للشخص إلا بإدامة المراقبة، وذكر الله تعالى في كل حال وزمان ومكان، وفي الخلوات أو بين الناس.."ولا أقول سبحان الله والحمد لله … الخ لكن ذكر الله عند حلاله وحرامه".
إننا نحب إمام الزمان عجل الله تعالى لـه الفرج، لأنه أمير النحل، وجميع أمورنا تصل بواسطته، وقد نصبه النبي (ص) لنا أميراً.. ونحن نحب النبي (ص)، لأن الله جعله واسطة بيننا وبينه.. ونحب الله تعالى، لأنه منبع جميع الخيرات، ووجود الممكنات فيضه.. فإذا كنا نريد أنفسنا وكمالها، علينا أن نكون محبين لله تعالى.. وإذا كنا محبين لله، فعلينا أن نكون محبين لوسائط الفيوضات من الأنبياء والأوصياء.. وإلا، فإما أننا لا نحب أنفسنا، أو لا نحب واهب العطايا، أو لا نحب وسائط الفيوضات.. فكيمياء السعادة إذن ذكر الله، وهو يحرك العضلات نحو موجبات السعادة المطلقة.. والتوسل بالوسائط استفاضة من منبع الخيرات بواسطة وسائلها المقررة.. علينا الاهتداء بهدايتهم والسير بقيادتهم لننال الفلاح.
إنكم لن تحتاجوا بعد للتوضيح أكثر.. اضبطوا ما ذكر وأثبتوه في قلوبكم، وهو يوضح نفسه بنفسه.
إن قلتم: لم لا تعمل أنت؟.. نقول: إذا تقرر أن نقول بأننا نعمل بكل ما نعلم به، فلربما لم نكن لنتصدى لهذا المقام والبيان.. لكن التكليف بذل النعمة لعلها توصل للمقصود"ما أخذ الله على العباد أن يتعلّموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا".
ولا يخفى أن النصيحة العملية - لمن يتيسر لـه ذلك – أرقى من النصائح القولية"كونوا دعاة إلى الله بغير ألسنتكم".
وفقنا الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا جميعاً عما يسخطه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن على أعدائهم أجمعين.
مشهد ربيع الثاني 1420 ﻫ. ق.
__________________________________________________
ومن مواعظه (دام ظله)
بسمه تعالى
علينا أن نعلم- صغاراً وكباراً – بأن الطريق الوحيد لتحصيل سعادة الدنيا والآخرة، هو العبودية لله عزَّ وجل، وهي تتحقق بترك المعصية في العقيدة والعمل. ومن مواعظه (دام ظله)
بسمه تعالى
لئن عملنا بما نعلمه، وتوقفنا واحتطنا فيما لا نعلمه، إلى أن نحصّل العلم به، فلن نكون في معرض الندم والخسران أبداً.. ولئن تحقق هذا العزم في العبد بشكل ثابت وراسخ، فسيكون الله تعالى أولى بتوفيقه وإعانته.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن على أعدائهم أجمعين.
__________________________________________________
ومنها
بسمه تعالى
(قلت: ألف. قال: ثم مه. قلت: لا شيء.. فلو كان في البيت من أحد ثمة لكفاه حرف واحد)[ترجمة لبيت شعر فارسي: كفتم كه: ألف. كفت: دكر؟.. كفتم: هيج. دز خانه اكز كس است، يك حرف بس است].. قلت مراراً، وأكرر الآن إن من يعلم: "بأن كل من يذكر الله تعالى فالله جليسه، لا يحتاج إلى أية موعظة.. إذ أنه يعلم ما الذي يجب فعله أو تركه، ويعلم أن عليه أن يأتي بما يعلمه ويحتاط فيما لا يعلمه".ومنها
بسمه تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________________________________________
ومن كلماته في بعض اللقاءات
بسمه تعالى
الحمد لله وحده، والصلاة على سيد أنبيائه وعلى آله الطيبين، واللعن على أعدائهم أجمعين.ومن كلماته في بعض اللقاءات
بسمه تعالى
لقد طلب جماعة من المؤمنين والمؤمنات النصيحة، وطلبهم هذا يرد عليه إشكالات منها:
إن النصيحة تكون في الجزئيات، والموعظة أعم من الكليات والجزئيات.. ولا تكون النصيحة ممن لا يملك المعرفة لمثله.
"من عمل بماعلم ورّثه الله علم ما لم يعلم". بحار الأنوار: 78/189
"[من عمل بما علم] كُفي ما لم يعلم" .
{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}. .سورة العنكبوت: 99.
اعملوا بما تعلمون واحتاطوا فيما لا تعلمون إلى أن يتضح أمره.. فإن لم يتضح فاعلموا أنكم قد أهملتم بعض ما تعلمون.. وطلب الموعظة من غير العامل محل اعتراض.. ومن المقطوع به أنكم قد سمعتم بعض المواعظ، وتعلمتموها ولم تعملوا بها، وإلا لكنتم على بصيرة ووضوح من الأمر.
الجميع يعلمون أن عليهم أخذ الرسالة العملية، وقراءتها وفهمها، والعمل طبقها، وتشخيص الحلال والحرام بواسطتها.. وكذلك الأمر بالنسبة للمدارك الشرعية إن كانوا من أهل الاستنباط.. إذن لا يمكنهم القول: "إننا لا نعلم ما يجب علينا فعله أو تركه".
انظرواإلى أعمال من لديكم اعتقاد حسن ظن بهم، فما يأتون به عن اختيار فعليكم بإتيانه، وما يتركونه عن اختيار فعليكم بتركه.. وهذا من أفضل السبل للوصول الى المقاصد العالية"كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم".[ أصول الكافي: 2/77 ج9].. والمواعظ العملية أرقى وأشد تأثيراً من المواعظ القولية.
من الأمور الواضحة أن قراءة القرآن في كل يوم، والأدعية المناسبة للأوقات والأمكنة، في التعقيبات وغيرها، وكثرة التردد إلى المساجد والمشاهد المشرفة، وزيارة العلماء والصلحاء ومجالستهم، مما يرضاه الله ورسوله (ص).. كما يجب مراقبة البصيرة، والأنس بالعبادة والتلاوة والآيات يوماً بيوم.
وعلى العكس من ذلك، فإن كثرة مجالسة أهل الغفلة تزيد من قساوة القلب وظلمته، ومن النفور من العبادات والزيارات، ولذا نجد أن الأحوال الحسنة الحاصلة من العبادات والزيارات وأنحاء التلاوة، تتبدل بسبب مجالسة ضعفاء الإيمان إلى سوء الحال والنقصان.. فمجالسة ضعفاء الإيمان إذن في غير صورة الإضطرار، أو من دون قصد هدايتهم.. تسبب فقدان الملكات الحسنة للمرء، بل إنه يكتسب أخلاقهم الفاسدة:
"جالسوا من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله". أصول الكافي: 1/39 ج3
من الواضحات أن ترك المعصية في الاعتقاد والعمل يغني عن غيره.. فغيره يحتاجه، بينما هو لا يحتاج إلى غيره، بل هو مولد للحسنات ودافع للسيئات: {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}..سورة الذاريات: 56
ويظن البعض أنهم اجتازوا مرحلة ترك المعصية، غافلين عن أن المعصية لا تختص بالكبائر المعروفة، بل الإصرار على الصغائر أيضاً كبيرة.. والنظرة الحادة مثلاً إلى المطيع لإخافته إيذاء محرم، كما أن الابتسام للعاصي لتشجيعه إعانة على المعصية.
ومحاسن الأخلاق الشرعية ومفاسدها، قد تم بيانهما في الكتب والرسائل العملية.
وإن الإبتعاد عن العلماء والصلحاء، يمنح سارقي الدين الفرصة، لتضييع الإيمان وأهله بأهون السبل وأرخصها، وأبعدها عن الخير والبركة.. وكل هذا مجرب ومشاهد.
نسأل الله تعالى أن يجعل هديتنا في العيد (عيديتنا) في أعياد الإسلام الشريفة، التوفيق للعزم الراسخ الثابت الدائم على ترك المعصية، فإنه مفتاح سعادة الدنيا والآخرة، إلى أن يصبح ترك المعصية ملكة.. والمعصية بالنسبة لصاحب الملكة بمنزلة شرب السم للعطشان، أو أكل الميتة للجائع.
وبالطبع، فلو كان هذا الطريق صعباً إلى آخره، ولا ينتهي بالسهولة والرغبة، لما وقع مورداً للتكليف والترغيب، والحث من قبل الخالق القادر الرحيم.
وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
17 ربيع المولود 1419هـ. ق.
21/4/1377 هـ. ش.
__________________________________________________
نهج الفلاح
بسمه تعالى
إن من يتيقن ويعتقد بالخالق والمخلوق، ويرتبط ويعتقد بجميع الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم، ولديه توسل إعتقادي وعملي بهم، وينبعث في حركاته وسكناته وفق توجيهاتهم، ويخلي قلبه في العبادات عما سوى الله، ويأتي بالصلاة – والتي هي الأساس، وكل شيء تابع لها – فارغ القلب، ويتبع في المشكوكات إمام العصر عجّل الله له الفرج:نهج الفلاح
بسمه تعالى
أي يخالف كل من يراه الإمام مخالفاً له، ويوافق من يراه الإمام موافقاً له، ويلعن من يلعنه الإمام، ويترحم على من يترحم عليه الإمام، ولو على سبيل الإجمال - إن شخصاً كهذا - لن يفتقد أي كمال، ولن ينال أي وزر أو وبال.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________________________________________
الذكر والمراقبة
بسمه تعالى
ليس هناك ذكر أرقى من "الذكر العملي"، ولا ذكر عملي أرقى من "ترك المعصية في الأمور الإعتقادية والعملية". الذكر والمراقبة
بسمه تعالى
والظاهر أن ترك المعصية بقول مطلق لا يتم من دون "المراقبة الدائمة".
والله الموفق.
__________________________________________________
العلم والعمل
بسمه تعالى
ثمة جماعة يتعاملون مع الوعظ والخطابة والإرشاد - والتي هي مقدمة للأمور العملية المناسبة – معاملة ذي المقدمة.. وكأن المطلوب أن "يتكلموا ويستمعوا لمجرد أن يتكلموا ويسمعوا" وهذا اشتباه.العلم والعمل
بسمه تعالى
إن التعليم والتعلم إنما يكون مناسباً لأجل العمل، ولا استقلالية لهما.. وقد قالوا عليهم السلام لإفادة هذا المطلب والحث عليه: "كونوا دعاة إلى الله بغير ألسنتكم".. تكلموا من خلال العمل، وتعلموا من العمل، وليكن سماعكم بالعمل.
يريد البعض أن يعلم المعلم.. بل ويطلب منه حتى أن يأخذ كيفية التعليم من المتعلمين.
يطلب البعض منا الدعاء، فنسأل لأي شيء؟.. فيبينون العلة، فنشرح لهم الدواء، وبدلاً من أداء الشكر واستعماله، يقولون ثانية: "ادعوا لنا".. وبعيداً عما نقوله وما يريدون، فإنهم يخلطون شرطية الدعاء مع نفسيته. [مراده حفظه الله أن الدعاء إذا كان يطلب كمقدمة وشرط لتحصيل حاجة معينة وحل تلك المشكلة بواسطته، فعندما يدلهم على دواء دائهم وحل مشكلتهم، فلا يعود هناك حاجة لطلب الدعاء لهم مرة أخرى، إلا إذا كان دعاؤه لهم مطلوباً لنفسه وذاته، لا لتحقيق تلك الحاجة، فطلبهم أن يدعوا لهم ثانية يعني أنهم في هذه الحال قد تعاملوا مع الدعاء على أنه مطلوب لنفسه، لا كمقدمة وشرط للحاجة التي يريدون، وهذا خلط بين المقامين].. "المترجم".
إننا لا نخرج عن عهدة التكليف، بل علينا تحصيل النتيجة بواسطة العمل، ومن المحال أن يكون العمل بلا نتيجة، أو تحصل النتيجة من غير العمل.. ليس الأمر كذلك: "كانت إقامة المجلس لحاجة ومصلحة، فلم ينل منها إلا الجلوس والحديث والقيام". [ترجمة شعر بالفارسية نصه: بي مصلحتي مجلس آراستند نشتند وكفتند وبرخاستند].
جعلنا الله من أهل العمل، لا مجرد قوالين من أهل الكلام.. فلا نقدم على حركة عملية من دون علم ولا نتوقف مع العلم.
لنقم بأداء ما نعرفه، ولنتوقف ونحتاط فيما لا نعرفه، إلى أن يحصل لنا العلم به، ومن المقطوع به أنه لا ندم في هذا النهج.
لاينظر بعضنا إلى البعض الآخر، بل ليكن نظرنا إلى دفتر الشرع، ولنجعل أعمالنا وتروكنا مطابقة له.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________________________________________
الموعظة والعمل
بسمه تعالى
لنسأل السادة الذين يطلبون الموعظة: هل عملتم بالمواعظ التي سمعتموها إلى الآن، أم لا؟..الموعظة والعمل
بسمه تعالى
هل تعلمون أن من عمل بما يعلم علّمه الله ما لا يعلم؟..
هل من اللائق توقع زيادة المعلومات، مع كونكم تركتم العمل بما تعلمون باختياركم؟..
وهل يفترض أن تكون الدعوة إلى الحق بواسطة اللسان؟.. ألم يقولوا عليهم السلام [بما مضمونه]: "كونوا دعاة للحق بأعمالكم"؟..
هل علينا تعليم طريق التعليم أم تعلمه؟..
أفلا يتضح جواب هذه الأسئلة من القرآن الكريم حين يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}. سورة العنكبوت، آية: 99
ومن كلام المعصوم عليه السلام حيث يقول:"من عمل بما علم ورثّه الله علم ما لم يعلم". [بحار الأنوار: ج78 ح 189] . . و"من عمل بما علم كـُفي ما لم يعلم". ثواب الأعمال: 134
منَّ الله علينا بالتوفيق لعدم ترك وإهمال ما نعلم، وللتوقف والإحتياط فيما نجهل إلى أن يعلم.
ولا نكون ممن قيل فيهم:
"أقاموا المجالس لحاجة ومصلحة، فلم ينلهم إلا الجلوس والكلام والقيام". [ترجمة لشعر بالفارسية تقدم ذكر نصه قريباً] .
وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مدينة مشهد المقدسة.
ربيع الأول 1417 هـ. ق.
__________________________________________________
طريق رضا الله
بسمه تعالى
كلنا نعلم بأن رضا الله جلَّ جلاله – مع أنه غني بالذات، ولا يحتاج إلى إيمان العباد ولوازم إيمانهم – هو في أن يكون العباد دوماً في مقام التقرب إليه.طريق رضا الله
بسمه تعالى
فنحن نعلم إذن أن الله تعالى إنما يحب ذكره واستمرار ذكره، لأجل حاجة عباده إلى التقرب إلى مبدأ الألطاف، وإدامة هذا التقرب.
فنحن نعلم إذن بأن انتفاعنا من التقرب إليه، سيكون بدرجة اشتغالنا بذكره.. وبمقدار ما نسعى في طاعته وخدمته، ننال درجة مناسبة من التقرب والانتفاع بقربه.. والفرق بيننا وبين سلمان (سلام الله عليه) إنما هو في درجة طاعته وذكره له تعالى، اللذين يؤثران في درجة قربنا منه سبحانه.
وإن ما نعلمه، هو أن ثمة أعمالاً ستقع محل ابتلائنا في الدنيا، فعلينا أن نعلم أن ما كان منها محل رضا الله عزَّ وجلَّ، فسيُعد خدمة وعبادة وطاعة له أيضاً.
فعلينا أن نعرف إذن، أن هدفنا يجب أن يكون في لزوم صرف العمر كله في ذكر الله وطاعته وعبادته، إلى أن نصل إلى آخر درجة في التقرب ونملك الاستعداد والقابلية لها.. وإلا فعندما نرى وصول البعض إلى المقامات العالية، وتخلفنا عن ذلك من دون علة، سنكون من النادمين.
وفقنا الله لترك الاشتغال بغير رضاه بمحمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين.
مدينة مشهد المقدسة.
ربيع الأول 1417 هـ. ق.
__________________________________________________
أركان السير إلى الله تعالى
بسمه تعالى
الحمد لله وحده، والصلاة على سيد الأنبياء محمد وآله سادة الأوصياء الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم من الأولين والأخرين.أركان السير إلى الله تعالى
بسمه تعالى
وبعد، فلا يخفى على أولي الألباب، بأن أساس ودستور الحركة في المخلوقات، هو معرفة المحرك الذي تحتاج إليه الحركة، ومعرفة ما منه الحركة وما إليه الحركة، وما له الحركة.. أي البداية والنهاية والغرض.. حيث أن الممكنات في حالة حركة مستمرةآناً فآن باتجاه المقصد.
والفرق بين العالم والجاهل، هو معرفة علاج الحوادث وعدم معرفة ذلك.. والتفاوت في منازلهما في العاقبة بمقدار التفاوت في مراتب علمهما في البداية.
فإذا عرفنا المحرك، واطلعنا على حسن تدبيره وحكمته من انتظام المتحركات، كان كل توجهنا وهمنا إرادته التكوينية والتشريعية.. فهنيئاً للعارف لأهل المعرفة، وإن كان أكثر الشهداء بذلاً وتضحية.. وتعساً للجاهل لغير العارف، حتى لو كان فرعون زمانه.
عاقبة هذه الحركات يقول الجاهل: (ليت أمي لم تلدني) ويقول العالم: (ليتني سرت نحو المقصد سبعين مرة، ثم عدت وسرت ثانية، واستشهدت في سبيل الحق).. ولكيلا نعود من حياتنا بالندم أقول بصراحة: لو انقضى مثلاً نصف عمر أي شخص في ذكر المنعم الحقيقي، ونصفه الآخر في الغفلة، لاعتبر نصف عمره حياة لـه، والنصف الآخر موتاً، مع اختلاف عن الموت في الأضرار وعدم النفع.[الظاهر أن مراده حفظه الله أن نصف عمره الذي يقضى في الغفلة، وإن كان يعد موتاً، لكنه يزيد على الموت بأنه قد يجني منه الإنسان أضراراً ويخسر منافع.. بينما الموت مجرد عدم فوات الحياة، دون أضرار إضافية زائداً عن ذلك]. "المترجم"..
إن من يملك المعرفة بالله، يصير مطيعاً له، ويكون شغله وارتباطه به تعالى، ويعمل بما يعلم بأنه موافق لرضاه، ويتوقف فيما لا يعلم إلى أن يعلم، ويسعى لتحصيل العلم بذلك آناً فآن، لكي يعمل أو يتوقف.. فعلمه ناشىء عن الدليل، وتوقفه راجع لعدم وجود دليل.
هل من الممكن لقافلتنا أن تصل إلى المقصد، عبر هذه العقبة المليئة بالخطر، من دون التسلح بطاعة الله القادر؟.. هل من الممكن أن يكون وجودنا من الخالق تعالى، وقوتنا من غيره؟.. فلا قوة نافعة باقية إذن إلا لأهل الله، ولا ضعف إلا لغيرهم.
والآن إذا صرنا من أصحاب اليقين في هذه المرحلة، فعلينا لأجل ترجمة هذه الصفات والأحوال عملياً، أن نعلم أن هذه الحركة المتحققة من أولها إلى آخرها مخالفة لمحرك الدواعي الباطلة.. ويكفي في سعادة الاتصال برضا المبدأ الأعلى، أن لا نعتني بها. [أي الدواعي الباطلة فلا تتحرك تبعاً لها وانبعاثاً منها]. "المترجم".[ونهملها]:"أفضل زاد الراحل إليك عزم الإرادة". من دعاء يوم المبعث
والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
مدينة مشهد المقدسة.
ربيع الأول سنة 1417 هـ. ق.
__________________________________________________
ومن وصاياه حفظه الله حول الاهتمام بالصلاة
بسمه تعالى
اعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك.. عليكم بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها، وبالإقبال بالكل إليه تعالى فيها.. وعندئذ لا تفوتكم السعادة إن شاء الله..ومن وصاياه حفظه الله حول الاهتمام بالصلاة
بسمه تعالى
وفقنا الله وإياكم لمراضيه، وجنبنا سخطه بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
تعليق