إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حال المرأة في الحضارات الاخرى

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حال المرأة في الحضارات الاخرى

    هذا البحث منقول من كتاب
    أخلاق أهل البيت عليهم السلام


    تأليف:



    السيد مهدي الصدر



    أولاً : المرأة في التأريخ القديم



    لقد اضطرب المعيار الاجتماعي في تقييم المرأة وتحديد منزلتها الاجتماعية في عصور الجاهلية القديمة أو الحديثة. وتأرجح بين الافراط والتفريط، وبين التطفيف والمغالاة، دون أن يستقر على حال رضي من القصد والاعتدال.فاعتُبرت حيناً من الدهر مخلوقاً قاصراً منحطاً، ثم اعتُبرت شيطاناً يسوّل الخطيئة ويوحي بالشر، ثم اعتبرت سيدة المجتمع تحكم بأمرها وتصرفه بمشيئتها، ثم اعتبرت عاملة كادحة في سبيل عيشها، وحياتها.وكانت المرأة في أغلب العصور تعاني الشقاء والهوان، مهدورة الحق مسترقة للرجل، يسخرها لأغراضه كيف يشاء.وهي في تقييم الحضارة الرومانية في تأرجح واضطراب، بين التطفيف والمغالاة: اعتبرتها رقيقاً تابعاً للرجل، يتحكم فيها كما شاء. ثم غالت في قيمها فحررتها من سلطان الأب والزوج، ومنحتها الحقوق الملكية والارثية وحرية الطلاق، وحرية التبذل والاسفاف، فكانت الرومانية تتزوج الرجل بعد الآخر دونما خجل او استحياء.فقد كتب «جوونيل 60 - 140 م» عن امرأة تقلبت في أحضان ثمانية أزواج في خمس سنوات. وذكر القديس «جروم 340 - 420 م» عن امرأة تزوجت في المرة الأخيرة الثالث والعشرين من أزواجها، وكانت


    { 400 }

    هي الحادية والعشرين لبعلها(1).ثم أباحوا لها طرق الغواية والفساد، مما سبب تفسخ المجتمع الروماني ثم سقوطه وانهياره.وهي في عرف الحضارة اليونانية تعتبر من سقط المتاع، تُباع وتُشترى، وتعتبر رجساً من عمل الشيطان.وقضت شرائع الهند القديمة (أن الوباء والموت والجحيم والسم والافاعي والنار... خير من المرأة) وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها الذي هو سيدها ومالكها، فاذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه، والا حاقت عليها اللعنة الأبدية.وأما رأي التوراة في المرأة، فقد وضحه سفر الجامعة في الكلمات الآتية: (درت أنا وقلبي لاعلم ولابحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولاعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرّ من الموت المرأة، التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود» (الاصحاح 14 الفقرة 17) (2).وكانت المرأة في وجهة نظر المسيحية - خلال العصور الوسطى - مخلوقاً شيطانياً دنساً، يجب الابتعاد عنه.قال «ليكي» في كتاب تأريخ أخلاق اوربا: «وكانوا يفرون من ظل النساء، ويتأثمون من قربهن والاجتماع بهن، وكانوا يعتقدون أن

    _____________________
    (1) الحجاب للمودودي ص 22.(2) مقارنة الأديان ج 3 الاسلام ص 196 بتصرف للدكتور أحمد شلبي.


    { 401 }

    مصادفتهن في الطريق والتحدث اليهن - ولو كُنَّ أمهات وأزواجاً أو شقيقات - تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية»(1).وهكذا كان المجتمع الغربي فيما خلا تلك العصور، يستخف بالمرأة ولا يقيم لها وزناً. (فقد عُقد في فرنسا اجتماع سنة 586 م يبحث شأن المرأة وما اذا كانت تعد انساناً أو لا تعد انساناً. وبعد النقاش، قرر المجتمعون أن المرأة انسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل)(2).وفي انجلترا حرّم «هنري الثامن» على المرأة الانجليزية قراءة الكتاب المقدس، وظلت النساء حتى سنة 1850 م غير معدودات من المواطنين، وظللن حتى سنة 1882 م ليس لهن حقوق شخصية، ولا حق لهن في التملك الخالص، وانما كانت المرأة ذائبة في ابيها أو زوجها(3).



    المرأة في المجتمع العربي الجاهلي:
    وقد لخص الأستاذ الندوي حياة المرأة في المجتمع العربي الجاهلي، حيث قال:«وكانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غبن وحيف، تُؤكل حقوقها وتُبتز أموالها، وتحرم من ارثها، وتعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج من ان تنكح زوجاً ترضاه، وتورث كما يورث المتاع أو الدابة، وكانت المرأة

    _____________________
    (1) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيد الندوي ص 160.(2)،(3)مقارنة الأديان، للدكتور احمد شلبي ج 3 ص 200.


    { 402 }

    في الجاهلية يطفف معها الكيل، فيتمتع الرجل بحقوقه ولا تتمتع هي بحقوقها، ومن المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرم على الإناث، وكان يسوغ للرجل ان يتزوج ما يشاء من النساء من غير تحديد.وقد بلغت كراهة البنات الى حدّ الوأد، وكانوا يقتلون البنات بقسوة، فقد يتأخر وأد المؤدة لسفر الوالد وشغله، فلا يئدها الا وقد كبرت وصارت تعقل، وكان بعضهم يلقي الانثى من شاهق»(1).



    المرأة في الحضارة الغربية الحديثة:
    ولما بلغت الحضارة الغربية الحديثة أوجها، نالت المرأة فيها - بعد جهاد شاق وتضحيات غالية - حريتها وحقوقها، وغدت تستشعر المساواة بالرجل، وتشاطره الأعمال في الدوائر والمتاجر والمصانع، ومختلف الشؤون والنشاطات الاجتماعية.وابتهجت المرأة الغربية بهذه المكاسب التي نالتها بالدموع والمآسي، متجاهلة واقع غبنها وخسرانها في هذا المجال. ولو أنها حاكمت وعادلت في ميزان المنطق بين المغانم التي حققتها والمغارم التي حاقت بها... لأحست بالأسي والخيبة والخسران.فقد خدعها دعاة التحرر في هذه الحضارة المادية، وغرروا بها واستغلوا سذاجتها استغلالاً ماكراً دنيئاً. استغلوها لمضاربة الرجل،

    _____________________
    (1) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيد الندوي ص 57 بتصرف.


    { 403 }

    ومكايدته حينما بدأ يطالب بمضاعفة أجور العمل وتخفيف ساعاته، فاستجابت لذلك... تعمل اعمال الرجل قانعة بأجر دون أجره.واستغلوا انوثتها في الحقل التجاري لمضاعفة الأرباح المادية، لقدرتها على اجتذاب الزبائن وتصريف البضائع، مستثيرين كوامن الجنس في نفوسهم فأي استغلال أنكى وأسوأ من هذا الاستغلال؟وكان عليها بعد هذا أن تضطلع بمهامها النسوية من الحمل والوضع والتربية والتدبير المنزلي، الى جانب كفاحها في سبيل العيش كيلا يمسها السغب والحرمان لنكول الرجل عن اعالتها في الغالب.وبالرغم مما حققته المرأة الأروبية من صنوف الانجازات والمكاسب، فانها تعتبر في المعيار المنطقي خاسرة مخفقة، قد خسرت أزاء تحررها دينها وأخلاقها وكرامتها، وأصبحت في حالة مزرية من التبذل والاسفاف. كما شهد به الغربيون أنفسهم مما أوضحناه سالفاً ونزيده ايضاحاً في الابحاث التالية.


  • #2


    تحرير المرأة في الاسلام
    وندرك من هذا العرض السالف مبلغ التخبط والتأرجح في تقييم المرأة عبر العصور القديمة والحديثة، دون ان تهتدي الأمم الى القصد والاعتدال، مما أساء الى المرأة والمجتمع الذي تعيشه إساءة بالغة. فلما انبثق فجر الاسلام وأطل على الدنيا بنوره الوضّاء، أسقط تلك التقاليد الجاهلية وأعرافها البالية، وأشاد للانسانية دستوراً خالداً يلائم
    { 404 }
    العقول النيّرة والفطر السليمة، ويواكب البشرية عبر الحياة. فكان من اصلاحاته أنه صحح قيم المرأة وأعاد اليها اعتبارها، ومنحها حقوقها المادية والأدبية بأسلوب قاصد حكيم، لا إفراط فيه ولا تفريط، فتبوأت المرأة المسلمة في عهده الزاهر منزلة رفيعة لم تبلغها نساء العالم. لقد أوضح الاسلام واقع المرأة، ومساواتها بالرجل في المفاهيم الانسانية، واتحادها معه في المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأخروي على الأعمال، ليُسقط المزاعم الجاهلية أزاء تخلف المرأة عن الرجل في هذه المجالات.
    «يا أيها الناس، انّا خلقناكم من ذكر وانثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ اكرمكم عند اللّه اتقاكم» (الحجرات: 13).
    «من عمل صالحاً من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» (النحل: 97).
    وكان بعض الأعراب يئد البنات ويقتلهن ظلماً وعدواناً، فجاء ناعياً ومهدداً على تلك الجريمة النكراء، ومنح البنت شرف الكرامة وحق الحياة «واذا الموؤودة سُئلت، بأي ذنب قتلت» (التكوير: 8 - 9).
    «ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق، نحن نرزقهم واياكم، إن قتلهم كان خطأً كبيراً» (الاسراء: 31).
    وقضت الأعراف الجاهلية ان تسوم المرأة ألوان التحكم والافتئات، فتارة تقسرها على التزويج ممن لا ترغب فيه، او تعضلها من الزواج.
    { 405 }
    وأخرى تُورث كما يورث المتاع، يتحكم بها الوارث كيف يشاء، فله ان يزوجها ويبتز مهرها، أو يعضلها حتى تفتدي نفسها منه أو تموت، فيرثها كُرهاً واغتصاباً. وقد حررها الاسلام من ذلك الأسر الخانق والعبودية المقيتة، ومنحها حرية اختيار الزوج الكفوء، فلا يصح تزويجها الا برضاها، وحرم كذلكاستيراثها قسراً واكراهاً:«يا أيها الذين امنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرهاً، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن» (النساء: 19).

    وكانت التقاليد الجاهلية، وحتى الغربية منها، الى عهد قريب تمنع المرأة حقوق الملكية، كما حرمتها الجاهلية العربية حقوق الارث، لأن الارث في عرفهم لايستحقه الا رجال القبيلة وحماتها المدافعون عنها بالسيف. وقد اسقط الاسلام تلك التقاليد الزائفة، ومنح المرأة حقوقها الملكية والارثية، وقرر نصيبها من الارث.. أمّاً كانت، أو بنتاً، او اختاً او زوجة:
    «للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن» (النساء: 32)
    «للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون» (النساء: 7).
    وفرض للزوجة على زوجها حق الاعالة، ولو كانت ثرية موسرة.وقد عرضنا في حقوق الزوجة طرفاً من وصايا أهل البيت عليهم السلام في رعايتها وتكريمها، تعرب عن اهتمام الشريعة الاسلامية بشؤون المرأة ورفع معنوياتها.واستطاع الاسلام بفضل مبادئه وسمو آدابه أن يجعل المرأة المسلمة

    {406}
    قدوة مثالية لبناء الامم، في رجاحة العقل وسمو الايمان وكرم الأخلاق، ورفع منزلتها الاجتماعية، حتى استطاعت ان تناقش وتحاجّ الخليفة الثاني ابّان خلافته، وهو يخطب في المسلمين وينهاهم عن المغالاة في المهور، فانبرت له امرأة من صف الناس، وقالت: ما ذاك لك.
    فقال: ولمه؟
    اجابت: لأن اللّه تعالى يقول «وآتيتم احداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً واثماً مبيناً» (النساء: 20).فرجع عمر عن رأيه، وقال: أخطأ عمر واصابت امرأة. قد سجل التاريخ صفحات مشرقة بأمجاد المرأة المسلمة ومواقفها البطولية في نصرة الاسلام، يقصّها الرواة بأسلوب رائع ممتع يستثير الاعجاب والاكبار.

    فهذه «نسيبة المازنية» كانت تخرج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في غزواته، وكان ابنها معها، فأراد أن ينهزم ويتراجع، فحملت عليه، فقالت: يا بني، الى اين تفر عن اللّه وعن رسوله؟ فردته.
    فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها، فحملت على الرجل فقتلته. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: بارك اللّه عليك يانسيبة.
    وكانت تقي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بصدرها وثديها، حتى أصابتها جراحات كثيرة(1).
    وحجّ معاوية سنة من سنيّه ، فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت

    _____________________
    (1) عن سفينة
    البحار ج 2 ص 585.
    {
    405 }
    تنزل بالجحون، يقال لها «دارميّة الجحون» وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث اليها. فجيء بها، فقال: ما حالك يا بنة حام؟ قالت: لست لحام ن عبتني، إنّما أنا امرأة من بني كنانة، ثمت من بني ابيك.
    قال: صدقت، أتدرين لم بعثت اليك؟
    قالت: لا يعلم الغيب الا اللّه.
    قال: بعثت اليك لأسألك، علامَ أحببت علياً وأبغضتني، وواليته وعاديتني؟
    قالت: أوَتعفيني يا أمير المؤمنين.
    قال: لا أعفيك.
    قالت: أما اذا أبيت، فأني أحببت علياً على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية. وأبغضتك على قتال من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحق. وواليت علياً على ما عقد له رسول اللّه من الولاء، وعلى حبه للمساكين، وإعظامه لاهل الدين، وعاديتك على سفك الدماء، وشقك العصا وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى.
    قال: فلذلك انتفخ بطنك.
    قالت: يا هذا، بهند واللّه يضرب المثل في ذلك لا بي.
    قال معاوية: يا هذه، اربعي، فانا لم نقل الا خيراً، فرجعت وسكنت.
    فقال لها: يا هذه، هل رأيت علياً؟
    {408}

    قالت: أي واللّه لقد رأيته.قال: فكيف رأيتيه.

    قالت: رأيته
    واللّه لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك.
    قال: هل سمعت كلامه.؟
    قالت: نعم
    واللّه، كان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الصدأ.
    قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟
    قالت: أوَتفعل اذا سألتك؟ قال: نعم.
    قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها.
    قال: تصنعين بها ماذا؟
    قالت: أغدو بألبانها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم، وأصلح بها العشائر.
    قال: فان أعطيتك ذلك، فهل أحلّ عندك محل عليّ؟
    قالت: ماء ولا كصدّاء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك.
    ثم قال: أما واللّه لو كان علي حيّاً ما اعطاك منها شيئاً.
    قالت: لا واللّه ولا وبرة واحدة من مال المسلمين.
    * * *
    واستدعى معاوية امرأة من أهل الكوفة تسمى «الزرقاء بنت عديّ» كانت تعتمد الوقوف بين الصفوف وترفع صوتها صارخة، يا أصحاب علي، تسمعهم كلامها كالصوارم، مستحثة لهم بقول لو سمعه الجبان لقاتل،
    {
    409 }
    والمدبر لأقبل، والمسالم لحارب، والفار لكرّ، والمتزلزل لاستقر.فلما قدمت على معاوية، قال لها: هل تعلمين لم بعثت اليك؟
    قالت: لا يعلم الغيب الا اللّه سبحانه وتعالى.
    قال: ألست الراكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وانت بين الصفوف توقدين نار الحرب، وتحرضين على القتال؟قالت: نعم.
    قال: فما حملك على ذلك؟
    قالت: يا أمير المؤمنين، انه قد مات الرأس، وبتر الذنب، ولن يعود ما ذهب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر.
    قال: صدقت، فهل تعرفين كلامك وتحفظين ما قلت؟
    قالت: لا واللّه، ولقد انسيته.
    قال: للّه أبوك، فلقد سمعتك تقولين «أيها الناس، ارعوا وارجعوا، انكم أصبحتم في فتنة، غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها فتنة عمياء صماء بكماء، لا تسمع لناعقها ولاتسلس لقائدها. ان المصباح لا يضيء في الشمس، وان الكواكب لا تنير مع القمر، وانّ البغل لا يسبق الفرس، ولا يقطع الحديد الا بالحديد، ألا من استرشد ارشدناه، ومن سألنا أخبرناه.
    أيها الناس: ان الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص، فكأنكم وقد التأم شمل الشتات، وظهرت كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فانه لا يستوي المحق والمبطل. أفمن
    {410}

    كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون. فالنزال النزال، والصبر الصبر، ألا ان خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير الأمور عاقبة، أئتوا الحرب غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده».
    ثم قال: يا زرقاء، أليس هذا قولك وتحريضك؟
    قالت: لقد كان ذلك.
    قال: لقد شاركت علياً في كل دم سفكه.
    فقالت: أحسن اللّه بشارتك أمير المؤمنين، وادام سلامتك، فمثلك من بشر بخير، وسرّ جليسه.
    فقال معاوية: أوَيسرك ذلك؟
    قالت: نعم واللّه، لقد سرّني قولك، وأنى لي بتصديق الفعل. فضحك معاوية، وقال: واللّه لوفاؤكم له بعد موته اعجب عندي من حبكم له في حياته(1).
    وهذه ام وهب ابن عبد اللّه بن خباب الكلبي، قالت لابنها يوم عاشوراء: قم يابني، فانصر ابن بنت رسول اللّه.
    فقال: أفعل يا أماه ولا أقصّر.
    فبرز وهو يقول رجزه المشهور، ثم حمل فلم يزل يقاتل، حتى قتل منهم جماعة، فرجع الى امّه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أماه أرضيت؟
    فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام.

    _____________________
    (1) هاتان
    القصتان (الثانية والثالثة) عن قصص العرب ج 2، وقد نقلتا بتصرف
    واختصار.
    {
    411 }
    فقالت امرأته: باللّه، لا تفجعني في نفسك.
    فقالت أمّه:
    يابني، لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللّه، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي اللّه.فرجع ولم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، ثم قطعت يداه. واخذت امه عموداً
    وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك ابي وامي، قاتل دون الطيبين - حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - . فأقبل كي يردها الى النساء، فأخذت بجانب ثوبه «لن أعود او أموت معك».
    فقال الحسين
    عليه السلام: جزيتم من أهل بيتٍ خيراً، ارجعي الى النساء، رحمك اللّه. فانصرفت. وجعل يقاتل حتى قتل رضوان اللّه عليه (1).
    هذه لمحة خاطفة من عرض تاريخي طويل زاخر بأمجاد المرأة المسلمة، ومواقفها البطولية الخالدة، اقتصرنا عليها خشية الاطالة.
    واين من هذه العقائل المصونات، نساء المسلمين اليوم، اللاتي يتشدق الكثيرات منهن بالتبرج، ونبذ التقاليد الاسلامية، ومحاكاة المرأة الغربية، في تبرجها وخلاعتها. فخسرن بذلك أضخم رصيد ديني وأخلاقي تملكه المرأة المسلمة وتعتز به، وغدون عاطلات من محاسن الاسلام،
    وفضائله المثالية.

    _____________________
    (1) نفس المهموم للشيخ عباس القمي (ره) بتصرف وتلخيص.

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X