قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾(1)
ورد في كتب التفاسير ومجاميع روايات أهل البيت (ع) مجموعة من الروايات الدالة على فضائل أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير الآية المذكورة، نوجزها في ما يلي:
طوبى لعلي وشيعته:
جاء في موسوعة بحار الأنوار للعلامة المجلسي (أعلى الله مقامه):(2)
ناقلاً عن تفسير فرات بن إبراهيم: محمد بن الحسن بن إبراهيم معنعنا عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ فبلغني أن طوبى شجرة في الجنة، منابته(3) في دار علي بن أبي طالب وهي له ولشيعته، وعلى تلك الشجرة أسفاط فيها حلل من سندس وإستبرق يكون للعبد منها ألف سفط، في كل سفط مائة ألف حلة ليس منها حلة إلا مخالفة للون الأخرى إلا أن ألوانها كلها خضر من سندس وإستبرق، فهذا أعلى تلك الشجرة، ووسطها ظللهم يظل عليهم، يسير الراكب في ظل تلك الشجرة مائة عام قبل أن يقطعها، وأسفلها ثمرتها متدلى(4) على بيوتهم، يكون منها القضيب مثل القصبة(5) فيه مائة لون من الفواكه، ما رأيت ولم تر، وما سمعت ولم تسمع، متدلى على بيوتهم، كلما قطعوا منها ينبت مكانها، يقول الله تعالى: ﴿ وَلَا مَمْنُوعَةٍ﴾(6) وتدعى تلك الشجرة طوبى، ويخرج نهر من أصل تلك الشجرة فيسقي جنة عدن وهي قصر من لؤلؤة واحدة ليس فيها صدع ولا وصل، لو اجتمع أهل الاسلام كلها على ذلك القصر لهم فيه سعة، لها ألف ألف باب، وكل باب مصراعان من زبرجد وياقوت، اثنا عشر ميلا(7)، لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو متحاب في الله، أو ضعيف من المؤمنين تلك منازلهم وهي جنة عدن. "
وفي الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن أبي جميلة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فإنكم تتنعمون بها في الآخرة. بيان: قوله: فإنكم تتنعمون بها أي بسببها، أو بثوابها، أو بأصل العبادة، فإن الصديقين يلتذون بعبادة ربهم أكثر من جميع اللذات والمشتهيات، بل لا يتلذذون بشئ إلا بها، فهم في الجنة يعبدون الله ويذكرونه، لا على وجه التكليف بل لالتذاذهم وتنعمهم بها، وهذا هو الأظهر.
وفي موضعٍ آخر من البحار: (8)
أورد المجلسي في كتابه عن تفسير فرات بن إبراهيم: الحسن بن الحكم معنعنا عن ابن عباس رضي الله عنه في قول الله: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾(9) شجرة(10) أصلها في دار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الجنة، وفي دار كل مؤمن منها غصن، يقال لها طوبى، فذلك قوله: ﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ بحسن المرجع.(11)
وورد في تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني (رحمه الله):(12)
ما رواه الرجال مسندا عن ابن عباس (أنه)(13) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾(14) ثم قال لي: أتدري يا بن أم سليم من هم؟ قلت: (15) من هم يا رسول الله؟ قال: نحن أهل البيت وشيعتنا(16). ثم بين سبحانه الذين تطمئن قلوبهم من هم، فقال ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ أي وحسن مرجع في الآخرة، وهي عبارة عن الجنة.
يا رسول الله وما طوبى؟
وعن ابن طاووس (ره) نقلا من مختصر كتاب محمد بن العباس بن مروان حدثنا أحمد بن محمد بن موسى النوفلي وجعفر بن محمد الحسيني ومحمد بن أحمد الكاتب ومحمد بن الحسين البزاز قالوا: حدثنا عيسى بن مهران، عن محمد بن بكار الهمداني، عن يوسف السراج، عن أبي هبيرة العماري - من ولد عمار بن ياسر - عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لما نزلت ﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ قام المقداد (ره) فقال: يا رسول الله وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة يسير راكب(17) الجواد في ظلها مائة عام قبل أن يقطعها، ورقها برود خضر، وزهرها رياض صفر، وأفنانها سندس واستبرق، وتمرها حلل(18) وصمغها زنجبيل وعسل، وبطحاؤها ياقوت أحمر، وزمرد أخضر، وترابها مسك وعنبر (وأخذ في وصفها وعجيب صنعها، إلى أن قال: بالفوز تجمعهم). فبينا هم يوما في ظلها يتحدثون إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجبا. ثم أخذ في عجائب وصف تلك النجائب وألوانها وأوبارها ورحالها وأمتها بما هو مذكور في متن الحديث، إلى أن قال: فأناخوا تلك النجائب إليهم ثم قالوا لهم: ربكم يقرئكم السلام أفتزورونه؟ فينظر إليكم ويحييكم ويزيدكم من فضله وسعته، فإنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم. قال: فيتحول كل رجل منهم على راحلته، فينطلقون صفا واحدا معتدلا لا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أتحفهم بثمارها وخلت لهم عن طريقهم كراهية أن تثلم طريقهم، وأن تفرق بين الرجل ورفيقه فلما رفعوا إلى الجبار تبارك وتعالى قالوا: ربنا أنت السلام ومنك السلام ولك تحف(19) الجلال والإكرام. قال: فقال لهم الرب: أنا السلام ومني السلام ولي تحف(20) الجلال والإكرام فمرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي في أهل بيت بيتي ورعوا حقي، وخافوني بالغيب، وكانوا مني على كل حال مشفقين. قالوا: أما وعزتك وجلالك ما قدرناك حق قدرك، وما أدينا إليك كل حقك، فأذن لنا بالسجود. وقال لهم ربهم عز وجل: إنني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة، وأرحت لكم أبدانكم، فطالما أتعبتم لي الأبدان وعنيتم لي بالوجوه، فالآن أفضيتم إلى روحي ورحمتي، فاسألوني ما شئتم، وتمنوا علي أعطكم أمانيكم فاني لم أجزكم بأعمالكم، ولكن برحمتي وكرامتي و طولي وعظم شأني وبحبكم أهل بيت نبي محمد صلى الله عليه وآله، فلا يزال يا مقداد محبوا علي بن أبي طالب عليه السلام في العطايا والمواهب حتى أن المقصر من شيعته ليتمنى أمنيته مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم القيامة. قال لهم ربهم تبارك وتعالى: لقد قصرتم في أمانيكم ورضيتم بدون ما يحق لكم انظروا إلى مواهب ربكم. فإذا بقباب وقصور في أعلى عليين من الياقوت الأحمر والأخضر والأبيض والأصفر، يزهر نورها، وأخذ في وصف تلك القصور بما يحير فيه الألباب ويقضي إلى العجب العجاب. إلى أن قال: فلما أرادوا الانصراف إلى منازلهم، حولوا على براذين من نور، بأيدي ولدان مخلدين، بيد كل واحد منهم حكمة برذون من تلك البراذين، لجمها وأعنتها من الفضة البيضاء، وأشعارها من الجوهر، فإذا دخلوا منازلهم وجدوا الملائكة يهنئونهم بكرامة ربهم حتى إذا استقروا قرارهم قيل لهم: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا: نعم، ربنا رضينا فارض عنا. قال: قد رضيت عنكم، وبحبكم أهل بيت نبيي حللتم داري، وصافحتم الملائكة، فهنيئا هنيئا عطاء غير مجذوذ، ليس فيه تنغيص بعدها ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ – رب العالمين- الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ، الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾.(21) قال: أبو محمد النوفلي أحمد بن محمد بن موسى، قال لنا عيسى بن مهران: قرأت هذا الحديث يوما على قوم من أصحاب الحديث. فقلت: أبرأ إليكم من عهدة هذا الحديث، فان يوسف السراج لا أعرفه، فلما كان من الليل رأيت في منامي كأن إنسانا جاءني ومعه كتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمود بن إبراهيم، وحسن بن الحسين، ويحيى بن الحسن بن الفرات(22) وعلي بن أبي القاسم الكندي، من تحت شجرة طوبى، وقد أنجز لنا ربنا ما وعدنا فاحتفظ بما في يديك من هذه الكتب(23) (3) فإنك لم تقرأ، هاهنا كتابا إلا أشرقت له الجنة.(24)
وأما تأويل شجرة طوبى: ذكر أبو علي الطبرسي (ره) قال: روى الثعلبي باسناده عن الكلبي(25)، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: (طوبى) شجرة أصلها في دار علي في الجنة، وفي دار كل مؤمن منها غصن. ورواه أيضا: أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام.
طوبى: شجرة في دار علي وفرعها على أهل الجنة
وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني باسناده(26)، عن موسى بن جعفر، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن طوبى) فقال: شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة، ثم سئل عنهما مرة أخرى فقال: في دار علي. فقيل له في ذلك ؟! فقال: إن داري ودار علي في الجنة بمكان واحد(27).
وروى علي بن إبراهيم (ره) عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكثر تقبيل فاطمة عليها السلام، فأنكرت عليه بعض نسائه ذلك، فقال صلى الله عليه وآله: إنه لما أسري بي إلي السماء دخلت الجنة فأراني(28) جبرئيل شجرة طوبى، وناولني تفاحة فأكلتها، فحول الله ذلك في ظهوري ماء، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها وما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها(29)، فهي حوراء إنسية.
تفاحة من شجرة طوبى
وروي في معنى التفاحة حديثا شريفا لطيفا. رواه الشيخ أبو جعفر محمد الطوسي (ره) عن رجاله، عن الفضل بن شاذان ذكره في كتابه (مسائل البلدان) يرفعه إلى سلمان الفارسي (رض) قال: دخلت على فاطمة سلام الله عليها والحسن والحسين عليهما السلام يلعبان بين يديها ففرحت بهما فرحا شديدا، فلم ألبث حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وآله. فقلت: يا رسول الله أخبرني بفضيلة هؤلاء لازداد لهم حبا. فقال: يا سلمان ليلة أسري بي إلى السماء أدارني جبرئيل في سماواته وجنانه، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها إذ شممت رائحة طيبة، فأعجبتني تلك الرائحة. فقلت: يا حبيبي ما هذه الرائحة (التي)(30) غلبت على روائح(31) الجنة كلها؟ فقال: يا محمد تفاحة خلقها الله تبارك وتعالى بيده منذ ثلاثمائة ألف عام، ما ندري ما يريد بها. فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة. فقالوا: يا محمد ربنا السلام يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل، فلما هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التفاحة، فجمع الله ماءها في ظهره، فغشيت خديجة بنت خويلد، فحملت بفاطمة من ماء التفاحة. فأوحى الله عز وجل إلي أن قد ولد لك حوراء إنسية، فزوج النور من النور: فاطمة من علي، فاني قد زوجتها في السماء وجعلت خمس الأرض مهرها، وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة، وهما سراجا الجنة: الحسن والحسين(32)، ويخرج من صلب الحسين عليه السلام أئمة يقتلون ويخذلون، فالويل لقاتلهم وخاذلهم.(33)
1- الرعد:29.
2- ج 8 - ص 154 – 155.
3- في التفسير المطبوع : ثابتة اه .
4- في التفسير المطبوع : متدلية .
5- في التفسير المطبوع : يكون منها القضيب مثل القضيبة .
6- الواقعة:33.
7- في التفسير المطبوع : عرضها اثنا عشر ميلا .
8- ج 39 - ص 231.
9- سورة الرعد : 29 .
10- في المصدر : قال شجرة .
11- تفسير فرات : 76 .
12- ج 1 - ص 233 – 237.
13- ليس في نسخة ( ج ).
14- الرعد:28.
15- في نسخة ( ب ) رائحة.
16- كذا في الأصل والبحار ، والظاهر هكذا : الحسن والحسين وهما سراجا الجنة.
17- عنه البحار : 36 / 361 ح 232 ومدينة المعاجز : 233 .
18- مجمع البيان : 6 / 297 وعنه البحار : 11 / 14 .
19- في البحار : يحق .
20- نفس المصدر السابق.
21- سورة فاطر/34،35
22- في البحار : 68 ( القزاز ).
23- في البحار : 68 ( الآية ).
24- سعد السعود : 109 وعنه البحار : 68 / 71 ذ ح 131 ، وأخرجه في البحار : 8 / 151 ح 91 عن تفسير فرات : والحديثين نقلناهما من نسخة ( أ ) .
25- في نسخ ( أ ، ب ، م ) الديلمي.
26- في نسختي ( ج ، م ) بالاسناد.
27- مجمع البيان : 6 / 291 ، شواهد التنزيل : 1 / 304 ح 417 وعنهما البحار : 8 / 87 وذيله في البرهان : 2 / 293 ح 13 عن الطبري ، عن شواهد التنزيل ورواه فرات في تفسيره : 76.
28- في نسخة ( ج ) ( فأدناني خ ل ).
29- تفسير القمي : 341 وعنه البحار : 8 / 120 ح 10 و ج 18 / 364 ح 68 و ج 43 / 6 ح 6 ونور الثقلين : 3 / 131 ح 49 والبرهان : 2 / 292 ح 3.
30- ليس في نسخة ( ب ).
31- في نسخة ( ب ) رائحة.
32- كذا في الأصل والبحار ، والظاهر هكذا : الحسن والحسين وهما سراجا الجنة.
33- عنه البحار : 36 / 361 ح 232 ومدينة المعاجز : 233.
تعليق