حَديثُ رَمضَان | ((في رحاب الشهر المبارك)) |
لقد غيَّر العلم فَهْمَ الإنسان لحقيقة الحياة، و قضى على كثير من التقاليد و المعتقدات، قضى على المعتقد الذي أقام الخرافة مقام العلم، و الأحلام مقام الملموس و المنظور، و فسَّر الطبيعة و حوادثها بأشياء لا تَمُت إليها بسبب. فسر المرض بلمس الجن، فعالجه بالرقى و التعاويذ، و نَسَبَ الفقر إلى القَدَر، فأوجب الاستسلام له و الانقياد، و أسند سلطة الحاكم إلى اللّه، فأمر الناس بالسمع له و الطاعة. هذه هي العقيدة التي ناصرها الظلم، و قاومها العلم، و دعمها الإقطاع، و كذبها الوعي، و دللها الاستعمار و خنقها التطور. أما الدين الذي يحارب الخرافات و الأوهام، و يدعو إلى تفسير الطبيعة بأسبابها، و يتصل بحياة الإنسان مباشرة، و يهدف إلى أن تكون الفضيلة عملاً مجسماً يحسه و يشعر به كل فرد فانه يسير مع العلم جنباً لجنب حليفين متناصرَين، و هل يحارب العلم ديناً أساسه الدعوة إلى العلم، و حدّه العدالة و المساواة، و هدفه سعادة الإنسانية و رفاهيتها؟ إن مثل هذا الدين يرفع الإنسان إلى مستوى أعلى، فقد رفع الإسلام قبائل العرب المتوحشة إلى أقصى ما يمكن أن يصلوا إليه من التقدم و الحضارة في ذلك العهد، و هذا التاريخ طبع كثيراً من الحضارات بطابع الدين و سماته، فوصف هذه بالحضارة الإسلامية، و تلك بالحضارة المسيحية، و ثالثة بالحضارة البوذية، و لو كان العلم يعاند الدين لما كان للحضارة الدينية في التاريخ ذكر، و للكنائس و رجالها في أميركا و أوروبا عين و لا أثر في هذا العصر الذي يجري فيه تيار العلم بأقصى ما يجري تيار في جميع العصور. يتبين من هذا أن العلم لا يعاند اللاهوت، و أن عدو اللاهوت هو اللاهوتي الذي يفسر الطبيعة بالخيال و الوهم، و يتخذ من أقوال السلف برهاناً على الحقيقة، و لو كذبتها التجربة و العيان، و يحاول إِقناع الناس بأن دينه خير الأديان، و أن طائفته تسعد غداً في جنات النعيم، و سائر الطوائف تشقى بنار الجحيم. ليست مهمة رجل الدين أن ينظر إلى السماء وحدها، و يغض الطرف عن الأرض التي يعيش فيها، أو ينظر إليها من خلال نفسه و جامعه و كنيسته، فيبشر بدينه، و يهاجم سائر الأديان، و يتعصب لطائفة ضد الطوائف الأخرى، و إنما واجب رجل الدين أولاً و قبل كل شيء أن يتخذ من كل ما عليه مسحة دينية من عمل يؤدى في معبد، أو قول في كتاب مقدس، أو دعاء يكرر في الصلوات و أيام الصيام أداة توجيه و إِرشاده إلى تعاون جميع الطوائف الذين يجمعهم وطن واحد، و آمال واحدة، و أهداف مشتركة، إلى تعاون الجميع على تحقيق هذه الآمال و الأهداف، و هدم الفروق و الحواجز التي تحول بينها و بينهم، أن يعملوا يداً واحدة على حل ما يعانونه من مشكلات لا يصح الإغضاء عنها، و لا التقصير فيها. إِن الشعب الذي لا يتعاون ابناؤه على ازدهاره و رفع مستواه المادي و الروحي لا دين له و لا إيمان. ليس الدين ذلاً و لا انكساراً و زهداً في الحياة و ملذاتها، و لا صلاة و صياماً يذوب له الصائمون، إن الصلاة رمز إلى إيمان المصلي، إيمانه بحق الإنسان و خالقه، و تعبير عن حبه للنظام الذي يحقق الحرية و الرخاء للجميع، و انه يتقبل هذا النظام، و يحافظ عليه، و يخضع له بمحض إرادته و اختياره. فالصلاة الصحيحة هي ما ينتهي بها المصلي، و يتورع عن كل ما فيه ضرر لنفسه و لغيره، و يأتمر و يفعل كل ما فيه الخير و الصلاح له و للمجتمع، و بهذا نجد تفسير الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر﴾. أما الصيام فقد أمر به الإنجيل قبل أن يأمر به القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ و ليست الحكمة من وجوب الصيام أن يتذكر الصائم الجائعين، فيحسن إليهم. و يتصدق عليهم بالقرش و الرغيف - كما قيل – و لو كانت هذه فائدة الصيام لوجب الصيام على الأغنياء دون الفقراء، و لكان حقاً على اللّه أن يسلط على الناس حاكماً ظالماً يظلمهم، و يستعبدهم ليتذكروا المظلوم، و ينتصروا له من الظالم. |
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
حَديثُ رَمضَان
تقليص
X
-
حَديثُ رَمضَان
sigpicالكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس