بسم الله الرحمن الرحيم
روى العلامة السيّد «ابن طاووس» في كتاب «مصباح الزائر» دعاء الندبة، ويُستحب أن يُدعى به في الأعياد الأربعة: عيد الفطر، والأضحى، والغدير، ويوم الجمعة. وهو دعاءٌ يركّز على التفاعل مع المعصومين(ع) ومكانتهم وشوق اللقاء بالإمام الحجة المنتظر(عج) الذي يحقِّق الآمال، ويُعمّم العدل ويُنهي الظلم.
* مفتاح كل خير
يبدأ الدعاء بـ: «الحمد لله رب العالمين»، فالعلاقة مع الله تعالى مفتاح كل خير، وهدىً إلى الاستقامة، ونورٌ في الدنيا، وثوابٌ في الآخرة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت: 30). فمن كان مع الله تعالى لا يبالي، ومن أدرك نِعمَه فحمَدَهُ فقد أوصله حمدُه إلى سبحات عزِّه جلَّ وعلا، فربِّي أَحمدُ شيءٍ عندي وأحقُّ بحمدي.
* استخلاص الأولياء
ثم يقول في الدعاء: «اللّهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك». أولياءُ الله تعالى محاطون بالتوفيق الإلهي، فالله تعالى اختارهم، واستخلصهم لنفسه ولدينه, هم ذائبون في حب الله، وَلهُون بعشقه، عاملون في سبيل نشر دينه والدعوة إليه وتثبيت أحكامه في حياة الأمة. أولياءُ الله تعالى في رعايته مهما جرى عليهم من قضاء، يوالي بعضهم بعضاً، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض، والأولياء المعصومون هم أولياء الله حقاً، ولك أن تتصور تلك المنظومة الرائعة التي تربط الأولياء بالأولياء بالله تعالى، ليمتد حبلُ النور محيطاً بهم، بمددٍ يجعل القلوب معلَّقةً بالسماء، في رباطٍ لا انفكاك له، يُغني عن كل شيء، ولذا فالحمد كلُّه لله تعالى لا شريك له.
* يحبّهم ويحبّونه
الاستخلاصُ مفعمٌ بالحب، والحبُّ متبادلٌ بين الله تعالى وأوليائه،{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، في انعكاسٍ مؤثرٍ في هذه الحياة الدنيا، بحيث يولدُ الحبُّ تسامحاً خالصاً مع المؤمنين من دون حواجز، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، وموقفاً صلباً لا يقبل المداهنة والضعف، {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، في إطار عطاءٍ لا يتوقف ولا يحول دونه شيء من نفسٍ أو مال، }يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}، من دون خوف حالي أو مستقبلي، دنيوي أو أخروي، {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}، وهذه هي النتيجة الحتمية لعلاقة الحب مع الله تعالى، {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة: 54).
يتمظهرُ الحبُّ في العلاقة مع أولياء الله تعالى، وخاتمهم الإمام المهدي (عج). ومن أراد أن يكون من المخلَصين والمستخلصين فليكن موالياً للأولياء، ولتصل شذرات حبّه لله تعالى إليه. فعن الإمام الباقر(ع) فيما نقله عما جرى مع رسول الله(ص) ليلة الإسراء والمعراج، خطابُ الله تعالى للنبي(ص) عن الأئمة(ع) وولايتهم، وأنَّهم من نورٍ واحد، ثم خاطبه قائلاً: «يا محمد، أتحبُّ أن تراهم؟ فقلت: نعم. فقال: تقدَّم أمَامَك، فتقدمتُ أمَامي, فإذا علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة القائم كأنَّه الكوكب الدّرّي في وسطهم. فقلت: يا ربّ، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم، محلِّلُ حلالي، ومحرِّمُ حرامي، وينتقم من أعدائي. يا محمد، أحبِبْهُ فإني أُحبُّه, وأُحبُّ من يحبُّه»(1).
* الولاية والحب
فلا تتعب نفسك أيها الموالي في البحث طويلاً، فمصدرُ النور جليٌّ، والطريقُ إليه مستقيمة، فإذا واليتَ أولياء الله تعالى فقد وصلت، وأنت الآن في زمن ولي الله الأعظم الإمام الحجة المنتظر(عج)، فالتحق برَكْبِه، وعاهِدْ نفسك على مناصرته والسير تحت لوائه، وليَكُن ولاؤك بقلبك وعملك. استحضِرْه في مشاعرك، وجريان دمك، فهذه هي الموالاة التي تُغني عن كل شيء، وتُوصِل إلى الملكوت الأعلى.
عن الإمام الرضا(ع)، يرفعه إلى سيد الشهداء الإمام الحسين(ع)، عن أبيه علي(ع) عن رسول الله(ص) يتحدث عن موالاة الأئمة (ع) ليصل إلى صاحب الزمان(عج) فيقول: «ومن أحبَّ أن يلقى الله وقد كَمُلَ إيمانه, وحَسُنَ إسلامه, فليوالِ الحجة صاحب الزمان القائم المنتظر المهدي محمد بن الحسن, فهؤلاء مصابيحُ الدجى وأئمة الهدى وأعلام التُقى, فمن أحبَّهم وتولَّاهم كنتُ ضامناً له على الله الجنة»(2).
إنَّه الحبُّ لله تعالى، الذي يؤدي إلى الاستخلاص، والمحروم منه أعمى البصيرة في سعة النور وشموليته، فعن الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة: «عميت عين لا تزال [لا تراك] عليها رقيباً، وخسرت صفقةُ عبدٍ لم تجعل له من حبك نصيباً»(3).
تُرجِم هذا الحب في الأرض حباً لأولياء الله تعالى، لأنّه الطريق الموصلة إلى الفوز, فعن رسول الله(ص): «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه, وأهلي أحبّ إليه من أهله, وعترتي أحبّ إليه من عترته, وذريتي أحبّ إليه من ذريته»(4).
فهنيئاً لمن تعرَّض لاستخلاص الله تعالى بمحبته وموالاة أوليائه.
الهوامش
1) النعماني, كتاب الغيبة, ص 94 ـ 95.
2) شاذان بن جبرئيل القمي, الفضائل, ص 166 ـ 167.
3) الريشهري, ميزان الحكمة, ج 1, ص 511.
4) المتقي الهندي, كنز العمال, ج 1, ص 41.
روى العلامة السيّد «ابن طاووس» في كتاب «مصباح الزائر» دعاء الندبة، ويُستحب أن يُدعى به في الأعياد الأربعة: عيد الفطر، والأضحى، والغدير، ويوم الجمعة. وهو دعاءٌ يركّز على التفاعل مع المعصومين(ع) ومكانتهم وشوق اللقاء بالإمام الحجة المنتظر(عج) الذي يحقِّق الآمال، ويُعمّم العدل ويُنهي الظلم.
يبدأ الدعاء بـ: «الحمد لله رب العالمين»، فالعلاقة مع الله تعالى مفتاح كل خير، وهدىً إلى الاستقامة، ونورٌ في الدنيا، وثوابٌ في الآخرة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت: 30). فمن كان مع الله تعالى لا يبالي، ومن أدرك نِعمَه فحمَدَهُ فقد أوصله حمدُه إلى سبحات عزِّه جلَّ وعلا، فربِّي أَحمدُ شيءٍ عندي وأحقُّ بحمدي.
* استخلاص الأولياء
ثم يقول في الدعاء: «اللّهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك». أولياءُ الله تعالى محاطون بالتوفيق الإلهي، فالله تعالى اختارهم، واستخلصهم لنفسه ولدينه, هم ذائبون في حب الله، وَلهُون بعشقه، عاملون في سبيل نشر دينه والدعوة إليه وتثبيت أحكامه في حياة الأمة. أولياءُ الله تعالى في رعايته مهما جرى عليهم من قضاء، يوالي بعضهم بعضاً، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض، والأولياء المعصومون هم أولياء الله حقاً، ولك أن تتصور تلك المنظومة الرائعة التي تربط الأولياء بالأولياء بالله تعالى، ليمتد حبلُ النور محيطاً بهم، بمددٍ يجعل القلوب معلَّقةً بالسماء، في رباطٍ لا انفكاك له، يُغني عن كل شيء، ولذا فالحمد كلُّه لله تعالى لا شريك له.
* يحبّهم ويحبّونه
الاستخلاصُ مفعمٌ بالحب، والحبُّ متبادلٌ بين الله تعالى وأوليائه،{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، في انعكاسٍ مؤثرٍ في هذه الحياة الدنيا، بحيث يولدُ الحبُّ تسامحاً خالصاً مع المؤمنين من دون حواجز، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، وموقفاً صلباً لا يقبل المداهنة والضعف، {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، في إطار عطاءٍ لا يتوقف ولا يحول دونه شيء من نفسٍ أو مال، }يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}، من دون خوف حالي أو مستقبلي، دنيوي أو أخروي، {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}، وهذه هي النتيجة الحتمية لعلاقة الحب مع الله تعالى، {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة: 54).
يتمظهرُ الحبُّ في العلاقة مع أولياء الله تعالى، وخاتمهم الإمام المهدي (عج). ومن أراد أن يكون من المخلَصين والمستخلصين فليكن موالياً للأولياء، ولتصل شذرات حبّه لله تعالى إليه. فعن الإمام الباقر(ع) فيما نقله عما جرى مع رسول الله(ص) ليلة الإسراء والمعراج، خطابُ الله تعالى للنبي(ص) عن الأئمة(ع) وولايتهم، وأنَّهم من نورٍ واحد، ثم خاطبه قائلاً: «يا محمد، أتحبُّ أن تراهم؟ فقلت: نعم. فقال: تقدَّم أمَامَك، فتقدمتُ أمَامي, فإذا علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة القائم كأنَّه الكوكب الدّرّي في وسطهم. فقلت: يا ربّ، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم، محلِّلُ حلالي، ومحرِّمُ حرامي، وينتقم من أعدائي. يا محمد، أحبِبْهُ فإني أُحبُّه, وأُحبُّ من يحبُّه»(1).
* الولاية والحب
فلا تتعب نفسك أيها الموالي في البحث طويلاً، فمصدرُ النور جليٌّ، والطريقُ إليه مستقيمة، فإذا واليتَ أولياء الله تعالى فقد وصلت، وأنت الآن في زمن ولي الله الأعظم الإمام الحجة المنتظر(عج)، فالتحق برَكْبِه، وعاهِدْ نفسك على مناصرته والسير تحت لوائه، وليَكُن ولاؤك بقلبك وعملك. استحضِرْه في مشاعرك، وجريان دمك، فهذه هي الموالاة التي تُغني عن كل شيء، وتُوصِل إلى الملكوت الأعلى.
عن الإمام الرضا(ع)، يرفعه إلى سيد الشهداء الإمام الحسين(ع)، عن أبيه علي(ع) عن رسول الله(ص) يتحدث عن موالاة الأئمة (ع) ليصل إلى صاحب الزمان(عج) فيقول: «ومن أحبَّ أن يلقى الله وقد كَمُلَ إيمانه, وحَسُنَ إسلامه, فليوالِ الحجة صاحب الزمان القائم المنتظر المهدي محمد بن الحسن, فهؤلاء مصابيحُ الدجى وأئمة الهدى وأعلام التُقى, فمن أحبَّهم وتولَّاهم كنتُ ضامناً له على الله الجنة»(2).
إنَّه الحبُّ لله تعالى، الذي يؤدي إلى الاستخلاص، والمحروم منه أعمى البصيرة في سعة النور وشموليته، فعن الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة: «عميت عين لا تزال [لا تراك] عليها رقيباً، وخسرت صفقةُ عبدٍ لم تجعل له من حبك نصيباً»(3).
تُرجِم هذا الحب في الأرض حباً لأولياء الله تعالى، لأنّه الطريق الموصلة إلى الفوز, فعن رسول الله(ص): «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه, وأهلي أحبّ إليه من أهله, وعترتي أحبّ إليه من عترته, وذريتي أحبّ إليه من ذريته»(4).
فهنيئاً لمن تعرَّض لاستخلاص الله تعالى بمحبته وموالاة أوليائه.
الهوامش
1) النعماني, كتاب الغيبة, ص 94 ـ 95.
2) شاذان بن جبرئيل القمي, الفضائل, ص 166 ـ 167.
3) الريشهري, ميزان الحكمة, ج 1, ص 511.
4) المتقي الهندي, كنز العمال, ج 1, ص 41.
تعليق