إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شهادة حمزه عم النبي صل الله عليه واله عام 3ه

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شهادة حمزه عم النبي صل الله عليه واله عام 3ه





    مكان المعركة




    أُحُد: جبل يبعد عن المدينة المنوّرة ميلين أو ثلاثة بجهة مكّة المكرّمة، حصلت فيه المعركة.

    تاريخ المعركة



    15 شوال 3ﻫ، وقيل: 17 شوال 3ﻫ.

    الهدف من المعركة



    قال الإمام الصادق(عليه السلام): «كان سبب غزاة أُحد أنّ قريشاً لمّا رجعت من بدر إلى مكّة، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر؛ لأنّهم قُتل منهم سبعون، وأُسر سبعون، قال أبو سفيان: يا معشر قريش! لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم، فإنّ الدمعة إذا خرجت أذهبت بالحزن والعداوة لمحمّد، فلمّا غزوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم أُحد، أذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح، وخرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل، واخرجوا معهم النساء، فلمّا بلغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذلك جمع أصحابه وحثّهم على الجهاد...»(1).

    العُدّة والعدد



    خرجت قريش بثلاثة آلاف رجل يقودهم أبو سفيان بن حرب، معهم مائتا فرس قد جنبوها، وثلاثة آلاف بعير، وفيهم سبعمائة دارع، والظعن خمس عشرة امرأة، وخرجوا بعدّة وسلاح كثير.
    وخرج النبي(صلى الله عليه وآله) في ألف مقاتل من المسلمين، وفي الطريق انعزل عبد الله بن أُبي بن سلول ومن معه من أهل النفاق، وهم ثلثمائة رجل، فبقي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في سبعمائة مقاتل، فيهم مائة دارع ومعهم فرسان، فرس لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وفرس لأبي بردة بن نبار.

    الجيش الإسلامي



    عبّأ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أصحابه وسَوّى الصفوف، وعقد ثلاثة ألوية؛ لواء المهاجرين بيد أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولواء الأوس بيد أسيد بن حضير، ولواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر، وقيل بيد سعد بن عبادة.
    ثمّ وضع(صلى الله عليه وآله) خمسين رجلاً من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير خلف الجيش على حافة الجبل، وأوصاهم بالثبات وعدم ترك أماكنهم، وأكّد على ذلك، حتّى روي أنّه(صلى الله عليه وآله) أوصاهم بأن يلزموا مراكزهم ولا يتركوها حتّى في حالة النصر أو الهزيمة.

    بدء المعركة



    نشبت الحرب بين الجانبين، فصاح طلحة بن أبي طلحة العبدري، وهو صاحب لواء المشركين: يا محمّد، تزعمون أنّكم تجهزوننا بأسيافكم إلى النار، ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنّة، فمن شاء أن يلحق بجنّته فليبرز إليَّ؟
    فبرز إليه الإمام علي(عليه السلام)، فبدره بضربة على رأسه فقتله، ثمّ تقدّم بلواء المشركين أخوه، والنساء خلفه يحرِّضن ويضرِبْن بالدفوف، فتقدّم نحوه حمزة ـ عمّ النبي(صلى الله عليه وآله) ـ وضربه ضربة واحدة وصلت إلى رئته فمات.
    وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «كان أصحاب اللواء يوم أُحد تسعة، قتلهم علي(عليه السلام) عن آخرهم»(2).
    قال الواقدي: «لقد قُتل أصحاب اللواء وانكشف المشركون منهم لا يلوون، ونساؤهم يدعين بالويل بعد ضرب الدفاف والفرح»(3).

    انهزام جيش العدو



    قال الواقدي: «ولمّا انهزم المشركون تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا، حتّى أخرجوهم من المعسكر، ووقعوا ينتهبونه ويأخذون ما فيه من الغنائم.
    فلمّا رآهم الرماة قال بعضهم لبعض: لمَ تقيمون ها هنا في غير شيء، قد هزم الله العدو، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا معهم.
    فقال بعضهم: ألم تعلموا أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال لكم: "احمُوا ظُهُورَنا، وإنْ غَنِمْنا فلا تشرِكُونا"؟ فقال الآخرون: لم يرد رسول الله هذا»(4).

    هجوم خالد بن الوليد على الجيش الإسلامي



    ذهب الرماة الذين أوصاهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعدم ترك أماكنهم إلى معسكر المشركين يجمعون الغنائم، وتركوا أماكنهم على الجبل، ولمّا نظر خالد بن الوليد إلى خلوّ أماكنهم كرّ بالخيل إلى موضع الرماة، وحمل عليهم، فانهزم الناس وفرّوا.

    في قلب المعركة



    عندما وجد المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم، وكرُّوا على المسلمين من أمامهم وهم مشغولون بجمع الغنائم، فأصبح المسلمون وسط الحلقة، وانتقضت سيوفهم، وأخذ يضرب بعضهم بعضاً من العجلة والدهشة!!
    فتفرّق أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) عنه، وأخذ المشركون يحملون عليه يريدون قتله.
    وعن زيد بن وهب قال: «قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتّى لم يبق معه إلّا علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف؟
    قال: انهزم الناس إلّا علي بن أبي طالب(عليه السلام) وحده، وثاب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) نفر، وكان أوّلهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل بن حنيف، ولحقهم طلحة بن عبيد الله. فقلت له: وأين كان أبو بكر وعمر؟ قال: كانا ممّن تنحّى، قال: وأين عثمان؟ قال: جاء بعد ثلاثة من الوقعة، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): "لقد ذهبت فيها عريضة"؟(5).
    وقال ابن الأثير: «وقاتل رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم أُحد قتالاً شديداً، فرمى بالنبل حتّى فني نبله، وانكسرت سية قوسه، وانقطع وتره»(6).
    قال أبو سعيد الخدري: «لمّا كان يوم أُحد شُجّ النبي(صلى الله عليه وآله) في وجهه، وكُسرت رباعيته، فقام(عليه السلام) رافعاً يديه يقول: "إنّ الله اشتدّ غضبه على اليهود أن قالوا: عُزير بن الله، واشتدّ غضبه على النصارى أن قالوا: المسيح بن الله، وإنّ الله اشتدّ غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي"»(7).

    منقبة للإمام علي(عليه السلام)



    عن أبي رافع قال: «لمّا كان يوم أُحد نظر النبي(صلى الله عليه وآله) إلى نفر من قريش، فقال لعلي: "احمل عليهم"، فحمل عليهم فقتل هاشم بن أُميّة المخزومي وفرّق جماعتهم فقتل فلاناً الجمحي، ثمّ نظر(صلى الله عليه وآله) إلى نفرٍ من قريش، فقال لعلي: "احمل"، فحمل عليهم ففرّق جماعتهم وقتل فلاناً الجمحي، ثمّ نظر إلى نفر من قريش، فقال لعلي: "احمل عليهم"، فحمل عليهم ففرّق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي، فقال له جبرائيل(عليه السلام): "إنّ هذه المواساة"، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): "إنّه منّي وأنا منه"، فقال له جبرائيل: "وأنا منكم يا رسول الله"»(8).

    شهادة حمزة(رضي الله عنه)



    كانت هند بنت عتبة ـ زوجة أبي سفيان ـ قد أعطت وحشياً عهداً لئن قتلت محمّداً أو علياً أو حمزة، لأعطينّك كذا وكذا.
    فقال وحشي: أمّا محمّد فلم أقدر عليه، وأمّا علي فرأيته حذراً كثير الالتفات فلا مطمع فيه، فكمنت لحمزة فرأيته يهدّ الناس بسيفه، ما يلقي أحداً يمرُّ به إلّا قتله، فهززت حربتي فرميتُه، فوقعت في أربيته ـ أصل الفخذ ـ، حتّى خرجت من بين رجليه فوقع، فأمهلته حتّى مات، وأخذت حربتي وانهزمت من المعسكر(9).
    وروي أنّ هند وقعت على القتلى، ولمّا وصلت إلى حمزة بقرت كبده فلاكته، فلم تستطع أن تسيغه فلفِظَته، ثمّ قطعت أنفه وأُذنيه، وجعلت ذلك كالسوار في يديها وقلائد في عنقها.
    وبعد انتهاء المعركة، أبصر رسول الله(صلى الله عليه وآله) عمّه حمزة وقد مُثّل به، فقال(صلى الله عليه وآله): «ما وقفت موقفاً قطّ أغيظ إليَّ من هذا الموقف»(10)، ثمّ وضعه إلى القبلة وصلّى عليه وبكى.
    وكان(صلى الله عليه وآله) يقول: «يا عمّ رسول الله، وأسد الله، وأسد رسول الله، يا حمزة، يا فاعل الخيرات، يا حمزة، يا كاشف الكربات، يا حمزة، يا ذابّ يا مانع عن وجه رسول الله»(11).
    قال ابن الأثير: «ومرّ(صلى الله عليه وآله) بدار من دور الأنصار فسمع البكاء والنوائح، فذرفت عيناه بالبكاء، وقال: "لكن حمزة لا بواكي له"، فرجع سعد بن معاذ إلى دار بني عبد الأشهل فأمر نساءهم أن يذهبن فيبكين على حمزة»(12).

    بعد المعركة



    بعد انصراف جيش المشركين بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) الإمام علي(عليه السلام) وقال له: «اُخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون، فإن كانوا قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل، فإنّهم يريدون مكّة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل، فهم يُريدون المدينة، فوالله لئن أرادوها لأسيرنّ إليهم فيها، ثمّ لأُناجزنّهم».
    فقال الإمام علي(عليه السلام): «فخرجتُ في آثارهم، فرأيتهم امتطوا الإبل واجتنبوا الخيل»(13).

    شهداء المسلمين



    لقد سقط سبعون شهيداً في المعركة، منهم: حمزة بن عبد المطّلب، عبد الله بن جحش، مصعب بن عمير، شماس بن عثمان، وهؤلاء الأربعة هم الشهداء من المهاجرين.
    وعمرو بن معاذ بن النعمان، الحارث بن أنس بن رافع، عمارة بن زياد بن السكن، سلمة بن ثابت بن وقش، عمرو بن ثابت بن وقش، ثابت بن وقش، حنظلة بن أبي عامر ـ وهو غسيل الملائكة ـ، عبد الله بن جبير بن النعمان ـ وهو أمير الرماة ـ، أوس بن ثابت بن المنذر أخو حسّان بن ثابت، أنس بن النضر ـ عمّ أنس بن مالك خادم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، سهل بن قيس بن أبي كعب.


    الرجوع إلى المدينة



    بعد أن عاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأصحابه إلى المدينة، استقبلته فاطمة الزهراء(عليها السلام) ومعها إناء فيه ماء، فغسل وجهه، ولحقه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وقد خضّب الدم يده إلى كتفه، ومعه سيفه ذو الفقار، فناوله فاطمة وقال(عليه السلام) لها: «خُذي هذا السيف، فقد صدّقني».
    وقال لها الرسول(صلى الله عليه وآله): «خُذيه يا فاطمة، فقد أدّى بَعلُك ما عليه، وقد قتل اللهُ بسيفه صناديد قُريش»(14).
    ــــــــــــــــــــــــ
    1. تفسير مجمع البيان 2/376.
    2. الإرشاد 1/88.
    3. شرح نهج البلاغة 14/239.
    4. أعيان الشيعة 1/257.
    5. الإرشاد 1/83.
    6. الكامل في التاريخ 2/157.
    7. الأمالي للطوسي: 142.
    8. تاريخ مدينة دمشق 42/76.
    9. اُنظر: أعيان الشيعة 1/257.
    10. شرح نهج البلاغة 15/16.
    11. السيرة الحلبية 2/534.
    12. الكامل في التاريخ 2/163.
    13. أعيان الشيعة 1/258.
    14. الإرشاد 1/90.
    التعديل الأخير تم بواسطة الهادي; الساعة 20-04-2024, 08:29 AM.

  • #2
    السلام عليك يا أسد الله ورحمة الله وبركاته
    عظم الله أجورنا وأجوركم
    شكرا لك على الطرح

    تعليق


    • #3
      احسنتم ويبارك الله بكم
      شكرا لكم كثيرا

      مأجورين

      ​​​

      تعليق


      • #4
        حمزة بن عبد المطلب .. وفاء وفداء




        أسد الله، وأسد رسوله، وسيد الشهداء، وعمّ سيد النبيين والمرسلين، وناصر دعوته، والمضحي بدمه في سبيل إرساء قواعد الإسلام ونشره في ربوع الأرض. كان لوجوده في معسكر النبي في بدر وأحد أثراً بارزاً في نصرة الإسلام لما يشكله من مصدر رعب في قلوب الكفار لشجاعته وبأسه، فقد أقضَّ مضاجعَ المشركين وضعضع معنوياتهم وأذلَّ ساداتهم ووذلل كبرياءهم، فلم يهدأ لهند بنت عتبة أم معاوية وآكلة الأكباد بال وقد قتل الحمزة أباها عتبة، حتى أرسلت وحشياً لقتله في معركة أحد، ولم يشفِ غليلها حتى شقت بطنه وأخرجت كبده وأكلتها.
        حمزة... جهاد مكلل بالشهادة

        تعد فترة إسلام حمزة هي ذروة حياته وجذوة تأريخه وخاصة دوره العظيم في نصرة الرسول والإسلام في معركتي بدر وأحد التي تكللت فيها حياته الشريفة بالشهادة في سبيل الله لذا فسيقتصر هذا الموضوع على هذه الفترة المهمة في حياة الحمزة كونها قد أوجزت ملامح شخصيته العظيمة.
        حمزة في بدر وأحد

        ستة رجال في صَفَّين مختلفَين يتوقّف عليهم مجرى التاريخ.
        إنها لحظة تقرِّر موقف السماء والأرض، لحظة الحسم التي يتبيّن بعدها الأفق الأبيض أو الأسود من الإسلام أو الكفر.
        ستة رجال يتوقف على أيديهم هذين المصيرين.
        ستة رجال تتطلع إليهم الأزمان والأجيال وهم في برزخ الغيب، فعلى أيدي هؤلاء الستة يتحدَّد مصير أمة بأكملها فإما الجنة وإما النار، إما الهدى وإما الضلال، إما الحرية والكرامة والمساواة والإخاء والعدل والفضيلة والنجاة، وإما العبودية والجاهلية والاستعباد والاستبداد والظلم والقهر والطبقية والرذيلة والهاوية.
        ثلاثة رجال وقفوا يمثلون الجبهة الأولى أمام ثلاثة مثلوا الجبهة الثانية، ومشى الخصمان لملاقاة بعضهما، فلا يسمع إلا وقع أقدامهم فالعيون مترقّبة والآذان صاغية والجميع متلهّف لما سيؤول إليه هذا النزال.
        ولو عرضت كاميرا التاريخ هذا المشهد الرهيب لعجز الفكر عن التعبير واغرورقت العيون بالدموع وحُبست الأنفاس وتنفّست الصدور الصعداء.
        إنها اللحظة التي تشرق فيها الحقيقة وتنطلق منها إلى آفاق النور، أو تطمس فيها ويسود بدلاً عنها الظلام الدامس وغياهب الجهل.
        المبارزة المصيرية

        هناك حقيقة حقيقة مهمة قد تُخفى على الكثير في هذه المبارزة، فبلا شك إن القارئ قد عرف من هؤلاء الرجال الستة، وعرف أيضاً من هؤلاء الثلاثة الذين يمثلون جبهة الإسلام، ومن هم الذين مثلوا جبهة الكفر، ولكن رب سائل يسأل: إن الثلاثة الأوائل الذين مثلوا جبهة الإسلام كانوا ضمن جيش تعداده أكثر من ثلاثمائة مقاتل، أما الثلاثة الذين مثلوا جبهة الكفر فقد كانوا ضمن جيش قوامه حوالي ألف مقاتل، فلِمَ هذا التوجّس والتوتّر والترقّب على نتيجة هذه المبارزة التي لا تغير من المعادلة شيئاً يذكر ؟
        فأي من الثلاثة لا يشكّلون عدداً مهماً بالنسبة إلى الجيش الذي ينضمون إليه، فما الداعي لإعطاء هذه المبارزة هذه الأهمية القصوى التي يتم على نتائجها تحديد مصير النصر أو الهزيمة ؟
        فلربما تغيرت المعادلة بعد هذه الجولة وانقلبت موازين القوى للخاسر فيها فينتصر في النهاية وهذا ما يحدث كثيراً في الحروب، فالجيش الذي يضم في صفوفه (313) مقاتل وهو تعداد جيش المسلمين أو (1000) مقاتل وهو تعداد جيش المشركين لا تكون خسارته فادحة عندما يخسر ثلاثة من رجاله، فلم التركيز والاعتماد الكلي على هذه المبارزة من قبل الجانبين ؟
        ولنترك الجواب للتاريخ ونترقّب حيثيات ذلك النزال وأحداثه لنجد الجواب جلياً في ما قيل عنه من حقائق لا تقبل الاحتمالات والاستنتاجات الذاتية بل نجد جواباً قاطعاً مُفحماً لا يدع أدنى شك للسائل على أهمية ذلك النزال القصوى والتي تتحدد عليه نتيجة أحد الفريقين.
        الأكفاء

        في تلك اللحظة برز من المشركين عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة ودعوا المسلمين إلى المبارزة، فبرز إليهم ثلاثة رجال من الأنصار وهم بنوا عفراء معاذ ومعوذ وعوف بنوا الحارث، فأنف المشركون القرشيون مبارزتهم ورفضوا وقالوا لهم: (ارجعوا فما لنا بكم حاجة).
        ثم نادى عتبة رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا). فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ولحمزة بن عبد المطلب ولعلي بن أبي طالب: (قوموا فقاتلوا بحقكم إذ جاؤوكم بباطلهم)، فتقدم هؤلاء الثلاثة إلى العدو فلما صاروا بإزاء الثلاثة المشركين قال عتبة: (تكلّموا نعرفكم، فإن كنتم أكفاءنا قاتلناكم)، فقال حمزة: (أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله)، فقال عتبة: (كفؤ كريم ومن هذان معك) ؟ قال: (علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب)، فقال عتبة: (كفؤان كريمان).
        هذا ينجلي بعض الجواب حيث يتوضّح ما يشكّله كل من هؤلاء الثلاثة للجيش الذي يمثله من قوة ورهبة وشجاعة، في تلك اللحظة استقبل رسول الله القبلة واتجه بكل نفسه وروحه إلى ربه وقال: (اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تحاول أن تكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد).
        ـ اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد ...
        وهل أبلغ وأعمق وأكمل وأوضح من هذا الجواب وهو الحقيقة الناصعة التي اتضحت مباشرة بعد هذه المبارزة الثلاثية.
        الإسلام كله في مواجهة الكفر كله

        لقد مثل علي وحمزة وعبيدة الإسلام كله بكل ما يحمله من معنى، كما مثل عتبة وشيبة والوليد الكفر كله بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وها هم يقفون وجهاً لوجه، وانتصار أحد الفريقين يعني انتصار الجيش كله بل وانتصار ما يعتقد به من مفاهيم والعكس بالعكس.
        التقى الفريقان وكان من الطبيعي أن يبارز كل واحد منهم من يناسبه في السن فبارز علي الوليد وكانا أصغر القوم ولعلي يومئذ من العمر حوالي عشرين سنة، وبارز حمزة عتبة وكانا أوسط القوم وعمر حمزة سبع وخمسون سنة، وبارز عبيدة شيبة وهما أسن القوم وكان لعبيدة من العمر سبعون عاماً فما كانت النتيجة ؟
        كان علي أول من أنجز مهمته بنجاح، فضرب الوليد ضربة على رأسه شقّه إلى نصفين فتعالت أصوات المسلمين بالتكبير وهم يرون بريق ذي الفقار يقطر من دم الوليد، ثم تكرر التكبير بقتل عتبة على يد الحمزة بعد قتال عنيف، أما عبيدة وشيبة فقد ضرب كل واحد منها الآخر في نفس الوقت فوقعت ضربة عبيدة على رأس شيبة فأردته قتيلاً ووقعت ضربة شيبة على ساق عبيدة فقطعتها وسقط الإثنان، وحمل كل فريق من الجيشين صاحبهم، فحمل علي والحمزة عبيدة ووضعاه أمام رسول الله (صلى الله عليه وآله).
        إشراق الهدى على بريق السيوف

        لقد سقى عبيدة غرس الإسلام بدمه ملبياً دعوة السماء بعد أن قتل عدواً له، فنظر إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو يبتسم غير آبه بالجراح، فقد أنسته فرحة النصر والنظر إلى وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألم الجرح فقال للنبي: لو كان أبو طالب حياً لعلم أنني أقررت عينه حين قال:
        كذبتم وبيتِ اللهِ نُخلي محمداً *** ولما نطاعن دونه ونناضلِ
        وننصرُه حتى نصرّعَ حوله *** ونذهلُ عن أبنائنا والحلائلِ
        ما أروعها من لحظات تلك التي تحيل الإنسان فيها إلى عالم السمو والخلود، لقد تيقّن عبيدة معنى الإسلام وحقيقة النبوة فآمنت روحه الطاهرة بهما وأشرقت بنورهما حتى فاضت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طريق العودة إلى المدينة.
        لقد حسم هؤلاء الثلاثة الأمر، وانتصر الإسلام في أول وأهم جولاته مع الكفر على أيديهم، ودافعوا عن الدعوة وجوهر الرسالة بسيوفهم، وذادوا عنه بأرواحهم، ووقفوا برؤوسهم الشامخة وهم يعلنون كلمة الحق في الأفق، وينشرون دعوة السماء في الأرض، دعوة النور والهدى، وهنا تتضح أهمية تلك المبارزة التي وضعت اللبنة الأولى للإسلام، كما تتضح أهمية المبارزين ودورهم العظيم في تأسيس الإسلام وإرساء دعائمه ورسم منهجه القويم.
        وكان لمقتل هؤلاء على يد حمزة وعلي وعبيدة السبب الرئيسي في انهيار جيش المشركين وتفرقهم وانهزامهم وكتب الله النصر للمسلمين، ونستطيع القول إن تلك المبارزة قد أوجزت معركة بدر ورجحت كفة أحد الفريقين قبل التحام الجيشين، إذ تصدى عينة الجيشين وشجعانهم الذين يتحدد على أيديهم النصر لبعضهما.
        ونجد إشارة إلى ذلك عند الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) فقد روى السيد المرتضى في (الأمالي) (ج2ص275): (أن الخليفة هارون العباسي استدعى الإمام الكاظم (عليه السلام) فحاوره هارون فأفحمه الإمام في الجواب، وكان في المجلس رجل من الأنصار فلما خرج الإمام أراد الأنصاري أن يتزلف لهارون وينتقص من الإمام بالكلام، فقال له هارون: لا تقدر على ذلك، ولكن الأنصاري لم يأخذ بنصيحة هارون، فخرج خلف الإمام حتى لحق به وقد ركب الإمام بغلته، فأمسك الأنصاري بلجام البغلة وقال للإمام: من أنت ؟ فقال الإمام: أنا الذي ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم، خل عن البغلة فارتعد الأنصاري وابتعد مخزيّا)
        ويتضح من هذه المحاورة أن هؤلاء الستة هم أعمدة الجيشين، فإذا انهارت تلك الأعمدة من أحد الجانبين تقوّض الجيش في ذلك الجانب، وهو ما حصل فعلاً بعد تلك المبارزة. لقد أنجز الله وعده لرسوله في بدر ونصره وأيده فكانت بدر هي القبس الذي أشرق من نور الإسلام لمحق غياهب الجاهلية.

        محمد طاهر الصفار



        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
        x
        يعمل...
        X