إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أمير المؤمنين عليه السلام الإيمان الواعي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أمير المؤمنين عليه السلام الإيمان الواعي


    بسم الله الرحمن الرحيم


    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم


    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
    السلام عليكم ورحمة الله وبركة


    قال تعالى : ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ (285) البقرة
    الآية تتحدث أن الإيمان المطلوب من المسلم هو أن يعتقد بالله وصفاته وأسمائه وأفعاله ورسله وملائكته وكتبه وعدله والنبوة والمعاد ليوم القيامة ، و لا يوجد رخصة في عدم الاعتراف بهذه الأمور وإن اختلفت جملة وتفصيلا.
    الأصول العقدية الإيمانية :
    1- الإيمان بالله
    2- الإيمان بالملائكة
    3- الإيمان بالكتب التي أنزلت
    4- الإيمان بالرسل وعدم التفرقة بينهم
    5- الاستجابة لله
    6- التطبيق العملي
    7- الاعتراف بالعبودية لله والتقصير في أداء حقه .
    8- الإيمان بالمعاد والرجوع إلى الله .
    وهذه الأمور التي أشارت إليها الآية المباركة تشمل رسول الله صلى الله عليه وآله بل هو في المقدمة كما أشارت الآية المباركة .
    الشخصية التي مثلت الرسول
    الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله هو الإنسان الكامل في جميع حياته فلذلك استحق أن يكون رسول الله وخاتم النبيين .
    ومن الطبيعي أن تكون هناك شخصية تماثله في جميع أدواره وصفاته وأخلاقه وعلمه وفهمه وحنكته السياسية ما عدا النبوة .
    تلك الشخصية التي مثلته بحق هو علي بن أبي طالب عليه السلام بنص آية المباهلة حيث عبرت عنه بنفس رسول الله صلى الله عليه وآله فقد أجمع المفسرون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم أنه لم يخرج معه من الرجال غير علي عليه السلام ، هذا الشخص الذي تربى في حجر الرسول الأعظم من وقت رضاعته ثم لما كان طفلاً ثم لما كان شاباً حتى تزوج فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام ولم يفارقه حتى فرق بينهما الموت ، وإليك هذا النص من كلامه في الحديث عن أدوار حياته من طفولته.
    قال علي عليه السلام في معرض حديثه عن بداية حياته مع ابن عمه الحبيب المصطفى: ( وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَ الْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَ أَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَ يَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَ يُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَ يُشِمُّنِي عَرْفَهُ ، وَ كَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ‏ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ ، وَ مَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَ لَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ ، وَ لَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ صلى الله عليه وآله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً ، أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَ نَهَارَهُ ، وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاقِهِ عَلَماً وَ يَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ ) [1]
    وما ظنك بمن رباه رسول الله صلى الله عليه وآله من أيام رضاعته حيث يمضغ الطعام ثم يلقمه إياه ولما درج كان يتبعه مثل ما يتبع الفصيل أمه وفي كل يوم يعلمه من أخلاقه علماً ، ما ظنك بمثل هذا الشخص الذي اهتم به رسول الله من طفولته حتى ترعرع وأصبح رجلاً فمن يفوقه غير ابن عمه رسول الله .
    علي أول من آمن وصدق بالرسول
    تضافرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله ونقلها علماء السنة والشيعة أن علي بن أبي طالب عليه السلام أول من آمن بالله وصدق برسول الله صلى الله عليه وآله .
    الإيمان الواعي
    الإيمان ينقسم لأول وهلة إلى:
    1- الإيمان الساذج اللاواعي وقد يكون ناشئاً عن تقليد أعمى للآباء والأمهات أو للمجتمع الذي يعيش فيه وهذا هو أكثر المؤمنين والمسلمين وقد ذم القرآن الكريم مثل هذا التقليد .
    2- الإيمان الواعي الناشئ عن تفهم ووعي وتفكر قال تعالى : ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) آل عمران .
    هذه الآيات تتحدث عن الإيمان وقد ذكرت أن هؤلاء المؤمنين هم أولو الألباب أي أصحاب العقول النيرة الذين استفادوا من عقولهم ثم أعطت مواصفاتهم الأخرى التي يتصفون بها من ذكر الله على كل حال .
    علي يمثل الإيمان الواعي
    علي بن أبي طالب عليه السلام هو سيد العقلاء وإيمانه كان عن وعي ومعرفة وإن كان صغير السن في وقت إيمانه بل هو نشأ وتربى في حجر الإيمان ولم يفتح عينه على الكفر طرفة عين أبداً فغيره ممن أسلم وآمن كان مسبوقاً بمرحلة غير الإيمان أما هو فليس كذلك ولم تنزل آية في المؤمنين إلا وعلي أميرها وشريفها. وروي أنه نزل فيه قوله تعالى : ﴿ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ (12) الحاقة، فالأذن الواعية هو علي عليه السلام وهو كذلك فلا زال طيلة حياته واعياً في مختلف المجالات التي تمكن أن ينجح فيها أو المجالات التي لم يتمكن النجاح فيها .
    علي يمثل الإسلام المحمدي الأصيل
    الحديث عن علي حديث عن الإسلام في كل معانيه وأبعاده . علي الابن البار للإسلام الذي اختلط لحمه ودمه بمعاني الإسلام ومفاهيمه منذ طفولته حتى آخر لحظة من حياته فهو الإسلام المتحرك الذي يمشي على وجه الأرض.
    إذا أردنا أن نتعرف على الإسلام المحمدي الأصيل علينا أن ندرس حياة علي عليه السلام بدقة وتحقيق وتحليل ونبذ الدخيل منها لنتعرف على مثل هذا الإسلام ، ندرس علي في توحيده لله ونفي الشرك بالله .. ندرسه كحاكم إسلامي ضرب المثل الأعلى للحاكم العادل ، ندرسه في أخلاقه .. في عدله في زهده في تقواه في شجاعته في جهاده في سبيل الله ، في خشونته في ذات الله في خدمته للناس في انفتاحه على مخالفيه وعلى أعدائه .. في رحمته حتى على من قتله .. في ارتباطه بالله وعشقه له في فقره إليه وتوكله عليه . إن حياة علي كلها دروس وعطاء وحكم وعبر ، وإليك بعض الصور من حياته :
    علي إمام الموحدين
    علي بن أبي طالب عليه السلام أعطى كل شيء في حياته لله بما فيها نفسه الزكية لأجل توحيد الله ونفي الشرك عنه وها هي كلماته ومناجاته لله الذي عشقه وكان يغشى عليه في محرابه لشدة شوقه إليه لقد جاء في المناجاة الشعبانية المروية عنه التي كان يناجي الله بها ، قوله : ( إِلَهِي هَبْ لِي كَمَالَ الِانْقِطَاعِ إِلَيْكَ وَ أَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَخْرِقَ أَبْصَارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ وَ تَصِيرَ أَرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ .. إِلَهِي وَ اجْعَلْنِي مِمَّنْ نَادَيْتَهُ فَأَجَابَكَ وَ لَاحَظْتَهُ فَصَعِقَ بِجَلَالِكَ فَنَاجَيْتَهُ سِرّاً وَ عَمِلَ لَكَ جَهْرا )[2]
    وفي مقام الحديث عن توحيد المولى سبحانه وعظمته وأنه ليس كمثله شيء وأن صفاته عين ذاته وأن لا أحد من خلقه يعرف كنهه قال عليه السلام : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ وَ لَا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ وَ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ الَّذِي لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَ لَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَ لَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَ لَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَ لَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَ نَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ وَ وَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَ كَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَ كَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَ شَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ وَ مَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ وَ مَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَ مَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَ مَنْ‏ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَ مَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَ مَنْ قَالَ عَلَا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ كَائِنٌ لَا عَنْ حَدَثٍ مَوْجُودٌ لَا عَنْ عَدَمٍ مَعَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لَا بِمُقَارَنَةٍ وَ غَيْرُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لَا بِمُزَايَلَةٍ فَاعِلٌ لَا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَ الْآلَةِ بَصِيرٌ إِذْ لَا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ مُتَوَحِّدٌ إِذْ لَا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَ لَا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ [3]
    في نظر علي كل شيء لله وكل شيء محتاج إلى الله ليس في وجوده فحسب بل في بقائه وكل شيء قائم به ومرتبط به ولا أحد يستحق العبادة غيره ، وهذا ليس في الجانب النظري فقط بل مثله في الجانب العملي حيث قال ( لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا ) وكان الإمام زين العابدين عليه السلام لما ذكرت له عبادته يقول : أين أنا وعبادة جدي أمير المؤمنين عليه السلام .
    موقفه من الظلم
    الإمام علي صوت العدالة الإنسانية كما أطلق عليه الكاتب المسيحي ( جورج جرداق ) في موسوعته عن علي عليه السلام وأفرد مجلداً بهذا العنوان وهو أهل لذلك وفوق ما يمدحه المادحون إن العدالة الإنسانية التي انعدمت من المجتمعات البشرية حتى عند المتقدمة منها وعلى مر التاريخ في مختلف الأزمنة إن علي بن أبي طالب يمثلها ويطبقها حتى خسر الشيء الكثير من حياته لأجلها بل خضب بدمه في محرابه لتحقيقها يقول عليه السلام :
    ( وَ اللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ وَ غَاصِباً لِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْحُطَامِ وَ كَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا وَ يَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا – إلى أن قال -
    وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ وَ إِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَ لِنَعِيمٍ يَفْنَى وَ لَذَّةٍ لَا تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَ قُبْحِ الزَّلَلِ وَ بِهِ نَسْتَعِينُ ) [4]
    إن الإنسان ليقف عاجزاً عن أن يعبر عن هذه الشخصية وما تحمله في طياتها من معاني سامية لم ولن تتكرر مثلها.
    علي الحاكم الإسلامي المثالي
    وفي مقام دعوته لأتباعه بالإقتداء به والعمل على منواله وأن يعينوه بالورع والعفة والسداد حتى يحققوا الأهداف التي جاءوا إلى هذه الدنيا من أجلها .
    ثم شرح حاله كحاكم إسلامي يعيش بأقل ما يعيش غيره من الشعب الذي يحكمه حتى وإن كان في أقصى البلاد ويتألم لأي شخص يصبه الظلم أو الجوع في دولته فيقول عليه السلام :
    ( أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَ يَسْتَضِي‏ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ ، أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً وَ لَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْرا ، وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَ أَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ :
    وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ
    أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ ؟ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ ؛ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِه ) [5]
    هذا علي عليه السلام هذا هو الإسلام المحمدي الأصيل الذي كان علي يحمله بين جوانحه حتى أصبح هو علي وعلي هو الإسلام وقد قال فيه الحبيب المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى : علي مع الحق والحق مع علي . علي مع القرآن والقرآن مع علي . وهل الإسلام غير هذا ؟؟ !! .
    سياسة أمير المؤمنين عليه السلام
    كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يتمتع بصفات الكمال في مختلف جوانب الحياة من العلم والشجاعة والأخلاق والسياسة وهذه الصفة الأخيرة لا تقل عن بقية الصفات فقد كان محنكاً إلى أبعد حد ولكن هذه السياسة مقيدة بالإيمان والتقوى لذلك في بعض الحالات قد تكون محدودة ولا تؤدي مفعولها وقد عبر عن ذلك في بعض كلماته .
    وأما فيما يرجع إليه شخصياً ففي كثير من الحالات تلك السياسة تؤتي أكلها .
    سياسة الاستفزاز والإحراج
    استعمل معاوية ضد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مختلف الأساليب في تحجيمه وعزله عن المجتمع وعزل المجتمع عنه سواء كانت العسكرية منها أو غيرها وقد نجح في معظمها إن لم يكن كلها وبقي من تلك الأساليب حالة الاستفزاز فيما يرجع إلى الجوانب الخلافية ومدح بعض الأشخاص وذم غيرهم ففي هذا الجانب كاتبَ الإمامَ أمير المؤمنين عليه السلام وأرسل إليه الرسل وركز على تفضيل الخلفاء الذين تقدموا عليه وأكال لهم المدح والثناء وذم أمير المؤمنين وأهل بيته والهدف من كل ذلك أن يحرج أمير المؤمنين وأن يأخذ منه كلمة ذم فيهم ويجعلها وسيلة لتضليل الجماهير وإثارتهم ضده سواء كان لأهل الشام أو العراق .
    فمما جاء في كتاب معاوية لأمير المؤمنين عليه السلام قوله :
    ( ثم إن الله سبحانه اختص محمدا عليه السلام بأصحاب أيدوه وآزروه ونصروه وكانوا كما قال الله سبحانه لهم : ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ [6] ، فكان أفضلهم مرتبة ، وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة ، الخليفة الأول ، الذي جمع الكلمة ، ولمّ الدعوة وقاتل أهل الردة ، ثم الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح ، ومصر الأمصار وأذل رقاب المشركين .
    ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة ، وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفية .[7]
    هذا بعض ما كتبه لأمير المؤمنين عليه السلام يريد أن يستفزه وأن يأخذ منه كلمة ذم يستفيد منها . وواصل حديثه في ذم أمير المؤمنين والتهجم عليه . [8]
    وعي الإمام عليه السلام
    الإمام علي عليه السلام على درجة كبيرة من الوعي وكانت أذنه أذن واعية كما قال تعالى : ﴿ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ (12) الحاقة، بل روي أن الآية نزلت فيه عليه السلام .
    فكان الإمام ملتفتاً لما يرمي إليه خصمه من الاستفزاز والإحراج الذي يستخدمه ومن مغزى المدح والثناء لأشخاص والتعرض والذم لأشخاص آخرين فكان جواب الإمام يتسم بالحكمة وبعد النظر وأخذ المصلحة الإسلامية بنظر الاعتبار فجاء جواب الإمام بشكل فوت الفرصة على خصمه ولم يتمكن أن يأخذه مستمسكاً قال عليه السلام مخاطباً لمعاوية :
    (وزعمتَ أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان ، فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله ، وإن نقص لم يلحقك ثلمه .
    وما أنت والفاضل والمفضول ، والسائس والمسوس ! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين ، وترتيب درجاتهم ، وتعريف طبقاتهم ! هيهات لقد حنَّ قِدْحٌ ليس منها ، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ! ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك ؟ ، وتعرف قصور ذرعك ، وتتأخر حيث أخرك القدر ! فما عليك غلبة المغلوب ، ولا ظفر الظافر ، فإنك لذهاب في التيه ، رَوَّاغٌ عن القصد . [9]
    أي أن ما ذكرته من مدح وثناء لمن ذكرت إذا تمت فليس لك فيها شيء فأنت تدخلت فيما لا يخصك وهذه المواصفات غير منطبقة عليك . ثم ما الذي أدخلك بين المهاجرين والأنصار تريد أن تفضل بعضهم على بعض وتمنح البعض منهم صك حسن السيرة والسلوك والبعض تحكم عليه بالانحراف ، فليس هذا شائنك .
    (هيهات لقد حنَّ قِدْحٌ ليس منها ) مثل يضرب لمن تدخل بين أناس لا يصح أن يدخل فيما بينهم وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها : أي وطفق يحكم في هذه القضية من يجب أن يحكم عليه
    ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك ؟ : أي أ لا ترفق بنفسك وتكف ولا تحمل عليه ما لا تطيقه .
    وتعرف قصور ذرعك : الذرع بسط اليد يقال ضقت به ذرعاً أي ضاق ذرعي به .
    وتتأخر حيث أخرك القدر ! :أي ضع نفسك حيث وضعها الله . يقال لمن رفع نفسه فوق استحقاقها .
    فما عليك غلبة المغلوب ، ولا ظفر الظافر : أي ما الذي أدخلك فيما بيني وبين أبي بكر وعمر وأنت لست هاشما ولا من تميم ولا من عدي ، ولست من المهاجرين وحينئذ لا يضرك غلبة الغالب ولا خسارة الخاسر .
    فإنك لذهاب في التيه : قد تهت وضعت .
    رَوَّاغٌ عن القصد : أتترك ما يلزمك فعله [10]
    وواصل الإمام جوابه بقوله :
    ( وزعمتَ أني لكل الخلفاء حسدتُ ، وعلى كلهم بغيتُ ، فإن يكن ذلك كذلك فليست الجناية عليك ، فيكون العذر إليك . وتلك شكاة ظاهر عنك عارها .
    وقلت : أني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع ، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت ! وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه ، ولا مرتابا بيقينه ! وهذه حجتي إلى غيرك قصدها ، ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها )[11]
    فلم يفسح الإمام عليه السلام المجالَ لخصمه أن يستفيد من ردة فعل الإمام وبقي الإمام على تماسكه ووعيه
    تحليل النقيب ابن أبي زيد
    نقل ابن أبي الحديد المعتزلي المتوفى 656 عن النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد وهو يملي عليه استفزاز معاوية لأمير المؤمنين عليه السلام وأنه كان يريد أن يثيره ويأخذ عليه بعض الكلمات في ذم من تقدمه وتكون حجة للتشهير به فقال :
    ( كان معاوية يتسقط [12] عليا وينعى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر وعمر ، وأنهما غصباه حقه ، ولا يزال يكيده بالكتاب يكتبه ، والرسالة يبعثها يطلب غرته ، لينفث بما في صدره من حال أبي بكر وعمر ، إما مكاتبة أو مراسلة ، فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام ، ويضيفه إلى ما قرره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم ، فقد كان غمصه [13] عندهم بأنه قتل عثمان ، ومالأ على قتله ، وأنه قتل طلحة والزبير ، وأسر عائشة ، وأراق دماء أهل البصرة . وبقيت خصلة واحدة ، وهو أن يثبت عندهم أنه يتبرأ من أبي بكر وعمر ، وينسبهما إلى الظلم ومخالفة الرسول في أمر الخلافة ، وأنهما وثبا عليها غلبة ، وغصباه إياها ، فكانت هذه الطامة الكبرى ليست مقتصرة على فساد أهل الشام عليه ، بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره ، لأنهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين ، إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة ، فلما كتب ذلك الكتاب مع أبى مسلم الخولاني قصد أن يغضب عليا ويحرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر أبى بكر ، وأنه أفضل المسلمين ، إلى أن يخلط خطه في الجواب بكلمة تقتضي طعنا في أبى بكر ، فكان الجواب مجمجما [14] غير بين ، ليس فيه تصريح بالتظليم لهما ، ولا التصريح ببرأتهما ، وتارة يترحم عليهما ، وتارة يقول أخذا حقي وقد تركته لهما [15]
    وبعد أن نقل النقيب : أن معاوية كتب كتاباً لأمير المؤمنين عليه السلام بمدح من تقدمه والتعريض به واصل كلامه بقوله :
    فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الأول ليستفزا فيه عليا عليه السلام ويستخفاه ، ويحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله وتهجين مذهبه .
    وقال له عمرو : إن عليا رجل نزق تياه ، وما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبى بكر وعمر ، فاكتب .
    فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبى أمامة الباهلى ، وهو من الصحابة ، بعد أن عزم على بعثته مع أبى الدرداء [16] .
    التاريخ يعيد نفسه
    إن المسلك الاستفزازي والإحراج للآخرين وتهييج الرأي العام على المعتدلين هو المسلك الذي يتبعه المتطرفون في العالم كله ومنه الأمة الإسلامية من السنة والشيعة ، فالمتطرفون من السنة يسلكون هذا المسلك في تتبع عثرات بعض الشيعة والتشهير بها وإعطاء هذه السلبيات صبغة العمومية لهم جميعاً ليقنعوا جماهير السنة أن هؤلاء يكفرون الصحابة ويثلبونهم بأسمائهم حتى يتعدى المتطرفون منهم على حرمات أتباع أهل البيت بقتلهم وسفك دمائهم في أماكن العبادة من المساجد والحسينيات وأماكن الزيارة لأئمة أهل البيت عليهم السلام ورميهم بالشرك والكفر وتشتعل نار الحروب العسكرية والكلامية والاتهامات وسوء الظن والحقد والتقاطع والتدابر ، وهذه السياسة هي التي نشاهدها على بعض الفضائيات التي تحب أن تشيع الفتن بين الأمة الإسلامية .
    وهذه السياسة والاستفزاز هي نفسها يستعملها بعض المتطرفون من الشيعة الذين يحبون أن يعلنوا على الملأ أن أئمة أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم يكفرون المخالفين لهم ويسبونهم ويلعنونهم ويعتبرون ذلك من أساسيات المذهب ، يستعملون هذه السياسة الأموية ليس ضد السنة فحسب بل وضد المعتدلين من أتباع أهل البيت منهم ويشهروا بهم أمام الناس ويتتبعوا سقطاتهم وهفواتهم لإسقاطهم من المجتمع ولو بالكذب والبهتان لأنهم لم يسايروهم في توجهاتهم وأفكارهم وذلك لأن الشيعة كغيرهم يوجد فيهم المتشددون والمعتدلون .
    فسياسة الاستفزاز قديماً وحديثاً واحدة وهي عند بعض أهل السنة بشكل وعند بعض الشيعة بعكسه تماماً .
    الانفتاح على الآخر وإنصافه
    قال عليه السلام لابنه الإمام الحسن في الانفتاح على الآخر ومعاملته كبشر وإنسان له حق الرأي وخاطبه أن يعامل الآخرين بمثل ما تحب أن تعامل وحب لهم بمثل ما تحب لنفسك واكره لهم مثل ما تكره لنفسك.
    ( وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ غَيْرِكَ وَ أَحِبَّ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَ اكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا لَا تَظْلِمْ كَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وَ أَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَ اسْتَقْبِحْ لِنَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ وَ ارْضَ مِنَ النَّاسِ مَا تَرْضَى لَهُمْ مِنْكَ وَ لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا عَلِمْتَ مِمَّا لَا تُحِبُّ أَنْ‏ يُقَالَ لَكَ ) [17]
    علي عليه السلام دَعّاء
    قال تعالى : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (60) سورة غافر
    عن النبي : الدعاء مخ العبادة ولا يهلك مع الدعاء أحد .
    وعن النبي : الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض
    وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كان دعّاء أي كثير الدعاء .
    وقال عليه السلام لابنه الحسن في حثه على الدعاء وأن فيه خير الدنيا والآخرة :
    ( وَ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ مَلَكُوتِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ قَدْ أَذِنَ لِدُعَائِكَ وَ تَكَفَّلَ لِإِجَابَتِكَ وَ أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وَ هُوَ رَحِيمٌ كَرِيمٌ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبْكَ عَنْهُ وَ لَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ وَ لَمْ يَمْنَعْكَ أَنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ وَ لَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ وَ لَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ وَ لَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ تَعَرَّضْتَ لِلْفَضِيحَةِ وَ لَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ وَ لَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ لَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي التَّوْبَةِ فَجَعَلَ تَوْبَتَكَ التَّوَرُّعَ عَنِ الذَّنْبِ وَ حَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً وَ حَسَنَتَكَ عَشْراً وَ فَتَحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ وَ الِاسْتِعْتَابِ فَمَتَى شِئْتَ سَمِعَ نِدَاكَ وَ نَجْوَاكَ فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وَ أَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ وَ شَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ وَ اسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ ، ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدِكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ خَزَائِنِهِ فَأَلْحِحْ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ يَفْتَحْ لَكَ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ لَا يُقَنِّطُكَ إِنْ أَبْطَأَتْ عَلَيْكَ الْإِجَابَةُ فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ الْمَسْأَلَةِ وَ رُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ أَطْوَلَ لِلْمَسْأَلَةِ وَ أَجْزَلَ لِلْعَطِيَّةِ رُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْ‏ءَ فَلَمْ تُؤْتَاهُ وَ أُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا أَوْ صِرْتَ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ وَ فِيهِ هَلَاكُ دِينِكَ وَ دُنْيَاكَ لَوْ أُوتِيتَهُ وَ لْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَعْنِيكَ مِمَّا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ وَ يُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ وَ الْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ وَ لَا تَبْقَى لَهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ تَرَى عَاقِبَةَ أَمْرِكَ حَسَناً أَوْ سَيِّئاً أَوْ يَعْفُوَ الْعَفُوُّ الْكَرِيم‏ ) [18]
    نكتفي بهذا المقطع المهم الذي يشرح لنا عظمة الدعاء وأهميته وأن الله سبحانه ندب عبده ودعاه لدعائه وكان علي عليه السلام يربي أولاده وشيعته ومحبيه ومن يطيعه على الدعاء والالتزام به في حالة الشدة والرخاء .
    الخطبة الثانية
    شجاعته :
    قال عليه السلام ( وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا )
    واقعة بدر الكبرى
    في مثل هذا اليوم تصادف ذكرى واقعة بدر الكبرى .
    سميت بدر باسم بئر على بعد 160 كيلو مترا عن المدينة المنورة . وقعت في السنة 2 للهجرة يوم الجمعة 17 من شهر رمضان .
    قبل وقوع القتال نزل قوله تعالى ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ (61) سورة الأنفال. على رسول الله صلى الله عليه وآله فأرسل إلى المشركين ينهاهم عن القتال ويدعوهم إلى التعقل والتفكير في العواقب . فقبل عتبة بن ربيعة وقال مارد هذا قوم فأفلحوا... ولكن البقية من المشركين لم يوافقوا على هذا الأمر بل دعوا للقتال .
    وكان علي حامل راية رسول الله وهي أول حرب دارت بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين المشركين وكان عمره 25 سنة
    جيش المسلمين
    المهاجرون 77 رجلا
    الأنصار 236 رجلا المجموع 313 رجلا ومعهم فرسان و70 بعيرا .
    جيش المشركين
    950 رجلا 200 فرس 700 بعير . ثم دارت الحرب بينهم
    قتل من المشرين 70رجلا قتل علي نصفهم .
    اصطفت قريش وأمامهم:
    1- عتبة بن ربيعة
    2- أخوه شيبة
    3- ولده الوليد .
    وقابلهم:
    1- الحمزة لعتبة
    2- وعلي للوليد
    3- عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب لشيبة.
    من قتلهم علي من بني أمية :
    1- حنظلة ابن أبي سفيان أخو معاوية .
    2- العاص بن سعيد العاص .
    3- عقبة بن أبي معيط
    4- الوليد بن عتبة أخو هند وخال معاوية .
    5- أبا قيس بن الوليد أخا خالد بن الوليد .
    واشترك في قتل:
    6- عتبة وهو جد معاوية .
    هذه الحرب التي ما كان المسلمون يتصوروا أنهم سوف يتمكنوا من قتال المشركين لقلتهم وضعف عدتهم وكثرة عدوهم وقوة عدتهم
    قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) ﴾ آل عمران
    ولكن الله سبحانه بدل الموازين لصالح المسلمين ونصرهم على أعدائهم وكان علي بن أبي طالب عليه السلام هو أبرز شخصية قاتل في هذه الواقعة ووتر العرب وقتل صناديدها حتى بقي هذا الأثر طيلة حياته وانعكس على مواقف بعض المسلمين الذين قتل أرحامهم وبالأخص بني أمية . وهذا ما دعى يزيد بن معاوية لأن يقتل الإمام الحسين عليه السلام ويأخذ بثارات أجداده وأهل بيته ، كما أفصح عن ذلك في الأبيات التي أنشدها لابن زبعرى .
    والحمد لله رب العالمين
    ---------------------------------
    [1] نهج‏البلاغة ص : 300
    [2] بحار الأنوار ج 91 ص 98 باب 32- أدعية المناجاة
    [3] نهج‏ البلاغة ص : 40
    [4] نهج‏ البلاغة ص : 347
    [5] نهج‏ البلاغة ص : 418
    [6] سورة الفتح 29
    [7] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 15 ص 185
    [8] نفس المصدر السابق .
    [9] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 15 ص 181
    [10] شرح نهج البلاغة ج 15 ص 191 مع تصرف .
    [11] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 15 ص 183
    [12] يتسقطه : يتنقصه .
    [13] غمصه : اتهمه .
    [14] مجمجما : غير واضح .
    [15] - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 15 ص 184 :
    [16] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ج 15 ص 184
    [17] بحار الأنوار ج : 74 ص : 206
    [18] بحار الأنوار ج : 74 ص :
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X