
لحظات الوداع
ولمّا دنت وفاته الامام الحسن (ع) ونفدت أيّامه، وجرى السمّ في بدنه, تغيَّر لونه واخضرَّ, فقال له الحسين عليه السلام: "ما لي أرى لونك مائلاً إلى الخضرة؟" فبكى الحسن عليه السلام ، وقال: "يا أخي، لقد صحَّ حديث جدّي فيَّ وفيك, ثمّ اعتنقه طويلاً، وبكيا كثيراً"1.
قالوا: وهكذا أخذ السمّ في بدن الحسن عليه السلام مأخذاً كبيراً, وكان رأسه في حجر الحسين عليه السلام ، وهو يقذف بين الحين والآخر أحشاءه في الطشت قطعة قطعة... وبينما هما كذلك، وإذا بالعقيلة زينب، وباقي الهاشميّات، جئن لعيادة الإمام عليه السلام , فالتفت إمامنا الحسن عليه السلام إلى أخيه الحسين عليه السلام ، وقال: "أخي، أبا عبد الله، نحِّ هذا الطشت عنّي، لئلّا تراه أختنا زينب"...2
يحسين شيل الطشت عني خواتك يبو السجاد اجنّي
يردن يشبعن شوف مني ويردن يخويه ايودعني
وينوحن عليَّ ويندبني
هذا موقف لزينب والهاشميّات، رأين فيه الحسن عليه السلام ، وهو يجود بنفسه من أثر السمّ, لكن يعزّ عليك يا أبا محمّد، لمّا دخلن على يزيد, وكان بين يديه طشت... وماذا كان في داخله؟! كان رأس أخيك الحسين عليه السلام ، وهو يقلّب شفتيه بعودٍ من خيزران... ولمّا رأته زينب، صاحت وا أخاه، واحسيناه..3
انصدع قلب الطاهرة زينب بطشتين بواحد كبد للحسن وبواحد راس الحسين
وطشت الحوى راس السبط أعظم الاثنين وشافت الطاغي بالعصا يضرب المبسم
ولمّا نزل بالحسن عليه السلام ، الموت قال: "أخرجوا فراشي إلى صحن الدار", فأخرج, فقال عليه السلام: "أللَّهم، إنّي أحتسب نفسي عندك، فإنّي لم أصب بمثلها"4.
ولمّا أشرف على الرحيل، قال له الحسين عليه السلام: "أريد أن أعلم حالك يا أخي", فقال له الحسن عليه السلام: "سمعت النبيّ صلى الله عليه واله وسلم يقول: لا يفارق العقل منّا أهل البيت، ما دام الروح فينا, فضع يدك في يدي، حتى إذا عاينت ملك الموت، أغمز يدك".
فوضع يده في يده, فلمّا كان بعد ساعة، غمز يده غمزاً خفيفاً,
فقرَّب الحسين عليه السلام أذنه إلى فمه، فقال: "قال لي ملك الموت: أبشر، فإنّ الله عنك راضٍ، وجدّك شافع"5.
ثمّ سكن أنينه, وعرق جبينه.. ومدّ يديه ورجليه, وغمّض عينيه, وفارقت روحه الدنيا...6
وا إماماه...وامظلوماه...
واحسناه... واسيّداه...
---------------------------------------------------------
1-المجلسيّ: بحار الأنوار ج 44 ص 145.
2-الحيّاوي الشيخ فاضل, عدّة الخطيب ج 1 ص 102.
3-الطريق إلى منبر الحسين، من مجالس الشيخ الكاشي رحمه الله ج 3 ص 302.
4- الأربليّ ابن أبي الفتح: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ج 2 ص 213.
5-ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 43.
6-المازندرانيّ الحائريّ الشيخ محمّد مهدي: معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين ج 1 ص 54.
تعليق