اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر
المستودع فيها
اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك
المهدي صلوات الله عليه وعل آبائه الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على
أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
الهجوم الأول
لما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقام في منزله بما عهد إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واجتمع إليه جماعة من بني هاشم والأصحاب من المهاجرين والأنصار - كالعباس، والزبير، والمقداد، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص - فإنهم غضبوا من بيعة أبي بكر، وأرادوا التحيز عنه وإظهار الخلاف عليه،
وأن يبايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام).
وقد أشار إلى ذلك معاوية في كتابه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: وما يوم المسلمين منك بواحد، لقد حسدت أبا بكر..! والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك عنه، واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته.. فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر! فقد بايعه الناس! فوثب الزبير إلى سيفه، فقال عمر: عليكم بالكلب فاكفونا شره.. فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده، فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر! فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف.. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع، حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: بايع أبا بكر، فقال علي (عليه السلام): " أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتأخذونه منا أهل البيت غصبا؟! ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعطوكم المقادة، وسلموا لكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله (صلى الله عليه وآله) حيا وميتا.
(وأنا وصيه ووزيره، ومستودع سره وعلمه، وأنا الصديق الأكبر، أول من آمن به وصدقه، وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنة، وأفقهكم في الدين، وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لسانا، وأثبتكم جنانا، فعلام تنازعونا هذا الأمر..؟!) أنصفونا - إن كنتم تخافون الله - من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون..
(فقال عمر: أما لك بأهل بيتك أسوة..؟! فقال علي (عليه السلام): " سلوهم عن ذلك.. "، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم، فقالوا: ما بيعتنا بحجة على علي (عليه السلام).. ومعاذ الله أن نقول أنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد، والمحل من رسول الله (صلى الله عليه وآله))
فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها. فقال علي (عليه السلام): " احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا أقبل قولك، ولا أحفل بمقامك.. ولا أبايع "، فقال أبو بكر: مهلا يا أبا الحسن! ما نشدد عليك ولا نكرهك.
فقام أبو عبيدة إلى علي فقال: يا ابن عم! لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ولكنك حدث السن - وكان لعلي (عليه السلام) يومئذ ثلاث وثلاثون سنة - وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك، وهو أحمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الأمر بما فيه، فسلم له، فإن عمرك الله لسلموا هذا الأمر إليك، ولا يختلف عليك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق... (ولا تبعث الفتنة قبل أوان الفتنة، قد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك).
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " يا معاشر المهاجرين والأنصار! الله الله (لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري و) لا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم وتدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس، يا معاشر الجمع! (إن الله قضى وحكم ونبيه أعلم وأنتم تعلمون) إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، المضطلع بأمر الرعية؟ والله إنه لفينا لا فيكم، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا، وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم.
فقال بشير بن سعد الأنصاري - (الذي وطأ الأمر لأبي بكر - وقالت جماعة الأنصار): يا أبا الحسن! لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك قبل الانضمام لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان (.. فقال علي (عليه السلام): " يا هؤلاء أكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه ؟!!).
وفي رواية: " لبيعتي كانت قبل بيعة أبي بكر، شهدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر الله بها، أوليس قد بايعني؟!... فما بالهما يدعيان ما ليس لهما وليسا بأهله ". (" والله ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه، ولا علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترك يوم غدير خم لأحد حجة، ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ".. أن يشهد بما سمع ".
قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك، وكنت ممن سمع القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكتمت الشهادة يومئذ فذهب بصري.
قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغى إلى قول علي (عليه السلام) ففسخ المجلس وقال: إن الله تعالى يقلب القلوب والأبصار، ولا يزال - يا أبا الحسن - ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك).
اشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بجمع القرآن فجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيته، واشتغل بجمع القرآن - كما أوصاه النبي (صلى الله عليه وآله) - من يومه ذلك - وهو اليوم الثالث من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، أي يوم الأربعاء - فأكثر الناس في تخلفه عن بيعة أبي بكر، واشتد أبو بكر وعمر عليه في ذلك فخرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند القبر وقالت:
كانت أمور وأنباء وهنبثة ***** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ***** واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
قالوا: وكان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي (عليه السلام) فيتشاورون ويتراجعون أمورهم، فجاء عمر وكلم فاطمة الزهراء (عليها السلام) وحلف لها وقال: إن اجتمع هؤلاء النفر عندكم آمر بإحراق البيت عليهم .. وفي رواية: أن يهدم البيت عليهم... فوقفت فاطمة (عليها السلام) على بابها فقالت: " لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا ". إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ***** واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
وفي رواية: ".. وقطعتم أمركم فيما بينكم فلم تؤمرونا ولم تروا لنا حقنا، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة ". المراجعات مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم إن عمر أتى أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فإن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر ..!
وفي رواية سلمان: أرسل إلى علي فليبايع، فإنا لسنا في شئ حتى يبايع.. ولو قد بايع أمناه.
وفي رواية: يا هذا! ليس في يديك شئ منه ما لم يبايعك علي، فابعث إليه حتى يأتيك فيبايعك، فإنما هؤلاء رعاع.. فبعث إليه قنفذا فقال له: اذهب فقل لعلي: أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر: قال لك: " ما خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدا غيري، لسريع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
وفي رواية ابن عباس: قال علي (عليه السلام): " ما أسرع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وارتددتم، والله ما استخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري، فارجع - يا قنفذ - فإنما أنت رسول، فقل له: قال لك علي (عليه السلام): " والله ما استخلفك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنك لتعلم من خليفة رسول الله "، فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فبلغه الرسالة فقال أبو بكر: صدق علي..! ما استخلفني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). و
في رواية أخرى: لما جاء قنفذ قال لفاطمة (عليها السلام): أنا قنفذ رسول أبي بكر ابن أبي قحافة خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قولي لعلي: يدعوك خليفة رسول الله..! قال علي (عليه السلام): " قولي: ما أسرع ما ادعيت ما لم تكن بالأمس، حين خاطبت الأنصار في ظلة بني ساعدة ودعوت صاحبيك عمر وأبا عبيدة ". فقالت فاطمة ذلك. فرجع قنفذ، فقال عمر: ارجع إليه فقل: خليفة المسلمين يدعوك. فرد قنفذ إلى علي فأدى الرسالة، فقال علي (عليه السلام): " من استخلف مستخلفا فهو دون من استخلفه، وليس للمستخلف أن يتأمر على المستخلف.. " فلم يسمع له ولم يطع.
فبكي أبو بكر طويلا. فغضب عمر ووثب وقام، وقال: ألا تضم هذا المتخلف عنك بالبيعة..؟! فقال أبو بكر: اجلس، ثم قال لقنفذ: اذهب إليه فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر.. فأقبل قنفذ حتى دخل على علي (عليه السلام) فأبلغه الرسالة، فقال: " كذب والله! انطلق إليه فقل له: لقد تسميت باسم ليس لك، فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك.. " فرجع قنفذ فأخبرهما. وفي رواية سلمان عنه (عليه السلام): " سبحان الله! ما والله طال العهد فينسى، والله إنه ليعلم إن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - وهو سابع سبعة - فسلموا علي بإمرة المؤمنين، فاستفهم هو وصاحبه من بين السبعة، فقالا: أمر من الله ورسوله، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " نعم حقا من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار ".
فوثب عمر غضبان فقال: والله إني لعارف بسخفه..! وضعف رأيه..! وإنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله.. فخلني آتيك برأسه، فقال أبو بكر: اجلس! فأبى، فأقسم عليه فجلس، ثم قال: يا قنفذ! انطلق فقل له: أجب أبا بكر.. فأقبل قنفذ فقال: يا علي! أجب أبا بكر، فقال علي (عليه السلام): " إني لفي شغل عنه، وما كنت بالذي أترك وصية خليلي وأخي وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور ".
وفي رواية: قال أبو بكر: ارجع إليه فقل: أجب! فإن الناس قد أجمعوا على بيعتهم إياه، وهؤلاء المهاجرون والأنصار يبايعونه وقريش، وإنما أنت رجل من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم، وذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع، فقال: قال لك: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي وأوصاني إذا واريته في حفرته: أن لا أخرج من بيتي حتى أؤلف كتاب الله فإنه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل ".
أقول: يستفاد من ظاهر بعض الروايات وقوع الهجوم الأخير في هذا اليوم، لذكره عقيب هذه المراسلات، كما يظهر من كلام المسعودي، ولكن روى سليم عن سلمان أن إرسالهم كان بعد عرض القرآن عليهم قال سلمان: لما بعث إليه علي (عليه السلام): " إني مشغول وقد آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه.. " سكتوا عنه أياما، فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادى علي (عليه السلام) بأعلى صوته: " أيها الناس! إني لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغولا بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسول آية منه إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلمني تأويلها.. ". ثم قال علي (عليه السلام): " لئلا تقولوا غدا إنا كنا عن هذا غافلين، لا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي.. ولم أذكركم حقي.. ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته ".
فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه! ثم دخل علي (عليه السلام) بيته. ثم ذكر مراودات القوم معه كما مر.. وقال: فسكتوا عنه يومهم ذلك.
الاستنصار
قال سلمان: فلما كان الليل حمل علي (عليه السلام)، فاطمة (عليها السلام) على حمار، وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام)، فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غيرنا أربعة، فإنا حلقنا رؤوسنا، وبذلنا له نصرتنا، فلما أن رأى علي (عليه السلام) خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إياه لزم بيته.
وفي رواية ابن قتيبة: خرج علي (عليه السلام) يحمل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على دابة ليلا يدور [ بها ] في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به..! فيقول علي (عليه السلام): " أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه..؟! " فقالت فاطمة (عليها السلام): " ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له وقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم ".
نسألكم الدعاء
اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع
فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة
تعليق