العادات والثقافات والتقاليد التي ترثها الأمم والشعوب في العالم أجمع سواءًكانت حسنه أم غير حسنه، تعبر عن أهداف المجتمع وتطلعاته أم لا؟ تقدم فائدة للمجتمعويدخلها في منظومته القيمية ليجعلها ضمن مجموعة القيم الحتمية التي تمثله أم لا؟ معمرور الزمن تتشكل وتتمحور إلى مفهومات متعددةومتنوعة تمثل إيمان الإنسان بوجوده التنوعي، وإيمانه التنوعي هذا ما هو الا فطرة ازليةخالدة فطرت عليها اقدم الحضارات البشرية مذ كانت الخليقة الاولى متمثلة بمجموعة منالثقاقات التي تنامت لديها كثقافة الخير والشر،والحب والكره والمحبة والتسامح والعنف والإرهاب وغيرها.
وحديثنا عن ظاهرة (الارهاب) يعد من الامور المهمة التي تحتم علينا الالمام بهذهالظاهرة من جوانبها المختلفة، مستعرضين أهم الامور التي ساعدت على تبلور هذه الظاهرة،فما هو الارهاب؟ وما هي الامور التي أدت الى إستفحاله حتى غدا مرضاً خطيراً تجاوز أقصىالحدود والامكانات؟
إن البحث عن تعريف واضح ومحدد لمفهوم الإرهاب يعد من الأمور الشائكة والغامضة- في الوقت عينه- كون المفهوم الاصطلاحي للمفردة لا يحيلنا إلى أصل أو جذر لغوي متأصلفي كتب اللغة العربية ومعجماتها إلا فيما يتعلق بقربه من المفهوم الجزئي للمفردة فقدورد في معجم اللسان مادة (رهب) ما نصه :رَهِبَ بالكسر يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْبًا بالضم،ورَهَبَا، بالتحريك أي خاف . . . . وأًرْهَبَهُ ورَهَّبَهُ واسْتَرْهَبَهُ: أخافه وأفزعه.
وجاء في مختار الصحاح رَهِبَ خاف وبابه طَرِب ورَهْبةً أيضاً بالفتح ورُهْباًبالضم. وَرَجُلٌ رَهَبُوت بفتح الهاء أي مَرْهوب يقال رَهَبُوتٌ خير مِن رَحَمُوت.أي لأَنْ تُرْهَب خيرٌ مِن أنْ تُرْحَم. وأرْهَبَه واسْتَرْهَبَه أخافَه.
فالجذر اللغوي يقترب من المفهوم الجزئي للمفردة - خصوصا فيما يتعلق بالخوف أوالفزع من اجل تحقق أهداف ضيقة - كونه يقتات على هذه الامور حتى يكبر حجمه ويتسع وحينئذتصعب السيطرة عليه، وهذا هو ما آل إليه امر المصطلح بعد أن كبر واصبح ظاهرة عالميةلا علاقة لها بثقافة أو مذهب أو دين أو عرق.
وجاء في قاموس علم الجريمة إن الارهاب نمط من العنف يتضمن الاستخدام المنظمللقتل أو التهديد باستخدامه الأذى الجسدي او المادي أو الفكري لإنزال الرعب أو الذعروالصدمة بجماعة تستهدف أوسع مدى من الضحايا الذين أنزل بهم الرعب، وهنا تُؤكد حقيقةواضحة عن علاقة العنف بالارهاب فالارهاب لا يتحقق إلا عن طريق العنف بعدّة وسيلة لتحقيقغاية.
أما في موسوعة السياسة فيعرف بأنه استخدام العنف غير القانوني أو التهديد بهبأشكاله المختلفة كالاغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف بغية تحقيق هدف سياسي،فهو في تعريفه السياسي قصر عن الالمام بتعريفه كون المفهوم حمل بداخله غايات أكبر منأن تكون سياسية خصوصاً بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق وسيطرت نظام القطب الواحدفاصبحت السياسية لا تعمل بمعزل عن الاقتصاد أو الاجتماع واصبح العالم عبارةعن قريةكونية صغيرة كما يعبر البعض، فهو يعمل علىلملمة الاجزاء من أجل الخروج بنظام سياسي يعمل على إستعمال العنف لتحقيق غاية معينة،وهذا ما دعانا الى أن نجعل من اسباب الارهاب العنف السياسي.
وبما أن الارهاب بطبيعته الاساسية سلاح نفسي يعتمد على تبليغ تهديد أو تخويفالى مجتمع أوسع، دعانا اساساً الى القول بوجود علاقة بين الارهاب ووسائل الاعلام، فالدورالذي تلعبه وسائل الاعلام - خصوصاً بعدما غيرت ثورة الاتصالات الحديثة مشاهد الاتصالالعالمي حيث تعددت القنوات الفضائية وتعممت شبكات الانترنيت وتطورت وسائل الطباعة،وصارت اقل كلفة – أدى بها الى أن تمتلك قدرة فائقة على الانتشار السريع وجعلها أكثرقدرة على التأثير في الناس وفي الوصول الى عقولهم.
والحديث عن وسائل الاعلام حديث ذو شجون لان التغطية الاعلامية المتواصلة للانشطةالارهابية وعرض مواقف أصحابها قد عزز الاستخدام المتداول لاساليب العنف والاغتيال وسهلعلى الحركات الارهابية تمرير خطاباتها وأجنداتها بدعوى تقديم المعلومة او الرأي والرأيالآخر مما حملها مسؤولية كبرى في رعاية الارهاب ونشره والترويج له وتحقيق شروط ذيوعهودوام أستمراره، لذا يقع على وسائل الاعلام تبني مجموعة من الامور حتى تبتعد عن كونهاشريكة للارهاب في تسويقها للاحداث منها:
1- على الاعلام أن يدرك أن عليهتقع المسؤولية في حرمان الارهاب من حرية الوصول الى منافذ الوسائل الاعلامية المركزية– على أقل تقدير- لان تغطية العمليات الارهابية إعلامياً هي بمثابة الجائزة التي تقدمالى الارهابيين على أفعالهم الارهابية.
2- على وسائل الاعلام مراعاة ظروفكل مجتمع وبيئته الثقافية والقيمية والفكرية بشكل يضمن إحترام المجتمعات وخصوصيتهافي الحياة.
3- الخروج بخطاب اعلامي عالمي موحديؤكد على المحبة والتسامح والتعايش ونبذ العنفوالارهاب وإحترام الآخر المخالف والايمان بالوجود التنوعي كونه اصل من أصول العيش.
4- يجب أن يبنى الاعلام على معاييرمهنية واخلاقية وانسانية وموضوعية تراعي ظروف المجتمع، وهذا يعني وجود توازن بين حقالجمهور في المعرفة وبين مرجعياته الثقافية والاخلاقية والدينية.
وفي محاولة لوضع تعريف يقترب من الارهاب بصيغته النهائية تاسيساً على ما تقدم وجدناه عبارة عن أيدلوجية وإستراتيجية سياسية محضةتتداخل مع الجوانب الاخرى الاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكنها أن تصل بالشعوب الى ماوصلت إلية المفردة تطبيقياً في الوقت الحالي بغير وجود أدوات مختلفة تساعدها على ذلك يأتي في مقدمتها استعمال العنف السياسيووسائل الاعلام والاتصال.