إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة هولاء قادتنا 3/ الشيخ الصدوق الثاني.

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة هولاء قادتنا 3/ الشيخ الصدوق الثاني.

    الشيخ محمد بن بابويه القمي (الصدوق الثاني)

    تقديم:
    تعتبر المئة الرابعة والخامسة من اخصب الفترات عطاء وتميزاً في تاريخ المذهب الامامي، ولا نبالغ اذا اعتبرناها عقد القلادة بين القرون الثلاثة الاول وما تلا هذه الفترة من قرون.


    ففي هذه الحقبة بالذات تم تثبيت الهوية الفكرية والعلمية للتشيع في زمن الغيبة بنحو افضل مما سبق وحددت معالمه بنحو ادق، بعد ان مر في اوائل امر الغيبة بمنعطفات حرجة كانت كل واحدة منها كافية لتقويض كيانه ومحو هويته لولا رعاية الله .
    وتاتي اهمية تلك الحقبة باعتبار انها تمثل بدايات عصر الغيبة الكبرى، ذلك التحول العظيم الذي طرا على كيان التشيع، فنقله من تركيبته التي الفها قرابة القرنين من الزمن والتي كانت تقوم على دعامتين اساسيتين: القيادة المباشرة للمعصومين عليهم السلام، والقاعدة المؤمنة بها الى مرحلة جديدة تفترض غياب القيادة في الظاهر، وتصدي القيادة النائبة الخاصة المتمثلة بالنواب الاربعة (رضى الله عنهم)، والقيادة النائبة العامة المتمثلة بالفقهاء والعلماء قرون طويلة الى ان ينفذ الله مشيئته في خلقه وياذن بالظهور.
    وقد اضطلع علماء تلك الحقبة المتاخمة لاعلان الغيبة الكبرى بمهمة حفظ التشيع وتحصينه من حالات التصدع وعمليات التحريف او التذويب والاحتواء.
    وتحددت مسؤوليات اولئك العظام (رضوان الله عليهم) في ثلات محاور:


    1- حفظ القيادة النائبة من تسلل اصحاب الادعاءات والانتهازيين.
    2- الرد على اصحاب المقالات المشككة في امر الامامة والغيبة، وتحصين القاعدة المؤمنة و تخليصها من‏حالات الياس والتردد التي حاول الاعداء زرعها في نفوسهم بالنسبة الى الغيبة بوجه خاص.
    3- تحديد الهوية العلمية للتشيع من خلال تصنيف الجوامع الرئيسية في الحديث والفقه والرجال و التفسير، سيما وان رواسب المرحلة السابقة (ما قبل الغيبة) من الدس والتزوير في حديث اهل البيت عليهم السلام، وضياع الاصول الحديثية وغير ذلك كان يتطلب وقفة حازمة ومسؤولة في هذا المجال.

    كل هذا كان يلقي باعباء المسؤولية على كاهل الفقهاء المعاصرين لتلك البرهة، ويدفعهم لتحمل واجبهم الديني.. ولقد قاموا جزاهم الله خيراً بالمامول خير قيام.
    ومن هنا فقد تمخض نشاط الفقهاء في القرن الرابع والخامس عن جملة امور تاسيسية تعد من شواخص ذينك القرنين، وهي:

    1- حفظ الخط الاصيل للتشيع من التمزق والضياع; وذلك من خلال تثبيت فكرة الغيبة والدفاع عن مقام الامامة، ودحض الشبهات الواردة في هذا المجال من داخل الوجود الشيعي وفرقه الاخرى كالزيدية وهم العمدة، والاسماعيلية والكيسانية والواقفة أو من خارجه.
    ولذا نرى اشتداد الصراع الكلامي آنذاك وكثرة المناظرات والمقالات والمصنفات في مثل هذه الامور على عهد الشيخ الصدوق والمفيد والسيد المرتضى حتى ان الشيخ المفيد اعلى الله مقامه افرد لوحده في موضوع الغيبة عشرة مصنفات ما بين رسالة وكتاب ونقض وجواب، ووضع الشيخ الصدوق كتابه اكمال الدين واتمام النعمة لدفع الحيرة عن الشيعة في امر الغيبة، وله كتاب كبير آخر في الغيبة، كما ان لابيه علي بن الحسين بن بابويه كتاب الامامة والتبصرة من الحيرة، وللشيخ الطوسي ايضاً كتاب الغيبة معروف.
    2- حفظ الاصول الروائية الموروثة (الاربعمئة) وضبطها، وغربلة اسانيد الروايات ودراسة احوال رجالها، واقامة الفقه على اساس علمي واستدلالي رصين من خلال نقله من اطار الحديث والنقل و ادخال عنصر العقل والاستدلال في عملية الاستنباط والاجتهاد، ولا شك فان ذلك يعد خطوة عظيمة
    وقفزة كبيرة في تاريخ علم الفقه.

    ومن هنا فقد صنفت الكتب الحديثية الاربعة في تلك الفترة والاصول الرجالية، وفي تلك البرهة ايضاً تطور الفكر الاصولي بشكل ملحوظ على يد الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي.
    3- تاسيس او تقوية الحوزات العلمية كحوزة بغداد والنجف في العراق وحوزة قم والري في ايران. وعليه فقد مهد اولئك الاعاظم الطريق امام قوافل الفقهاء التي تلت عصرهم واقتفت اثرهم بحيث صارت كتبهم ومصنفاتهم منهلا لكل شارب ومصدرا لكل باحث وطالب، ومن هنا ندرك عظمة الجهد الذي بذلوه وانه لم يكن جهدا عاديا ولا يمكن مقايسته بجهود من تلاهم من الفقهاء، ولو قلنا ان اصل وجود اولئك الاكابر من الالطاف الالهية التي من الله بها على هذه الامة لحفظ الشريعة لما جانبنا الصدق والحق في ذلك.
    وقد تبنت مجلة فقه اهل البيت عليهم السلام مهمة التعريف بحياة الفقهاء ودراسة حياتهم في البعد الفردي والعلمي منها، فنشرت بحثين عن علمين من اعلام الامة وفقهائها وهما ثقة الاسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، والشيخ الاجل علي بن الحسين بن بابويه القمي (رضوان الله عليهما)، وتتبنى في هذا العدد تقديم مقال آخر عن احد اعلام القرن الرابع الذين احيوا الشريعة، وهو:

    الشيخ الصدوق الثاني:
    رئيس المحدثين على الاطلاق، وفقيه الامامية ووجههم، صدوق الطائفة وملاذها وركن الملة وعمادها، ناصر الحق ورافع رايته، وداحض شبهات الباطل وماحقه، الذائد عن حمى الامامة والدين، المؤيد بتاييدات رب العالمين، شيخ مشايخ الاسلام والحجة على الخاص والعام، المولود بدعوة صاحب الامرعجل الله تعالى فرجه الشريف، المخصوص بخفي رعايته والطافه، الشيخ الفقيه المحدث ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، الملقب في السنة الفقهاء بالصدوق، كذا اثبت نسبه ‏رحمه‏ الله في اكثر كتبه، ولم يتجاوز به باكثر من جده بابويه.

    لمحات عامة:
    ولد الشيخ الصدوق‏ رحمه ‏الله في محتد طيب وبلدة عريقة، في مدينة قم موئل العلماء ومنبت الفضيلة، وتربى في وسط بيت رفيع من بيوتاتها كان قد عرف بالصلاح والعلم وزعامة الدين، فدرج في مقتبل امره وعنفوان فتوته يرتضع لبان المعارف والفضيلة، ويرتشف من معين العلم على يد والده الفقيه المعظم ذي الجلالة والشرف، علي بن الحسين بن موسى بن بابويه المعروف بالصدوق الاول، وذلك خلال مدة طويلة.

    ثم اختلف من بعد ابيه ‏رحمه‏ الله الى اكابر المشايخ بقم يسمع منهم على حداثة سنه، فحاز اجازة الحديث والرواية عنهم.
    ولما اشتد من العلم كاهله وصفت له مناهله وبلغ مبالغ العلماء العظام استقل بالتدريس، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن، حتى تناهى صيته الى كل بلاد الاسلام وامرائها، فدعوه الى بلادهم، للافادة من محضره والاستنارة بوهج علمه، فلبى نداء المسؤولية، ويمم وجهه الى الري حيث كانت محطته الاولى في سلسلة اسفاره وتطوافه في البلاد المختلفة.

    وقد كانت هجرة الشيخ الصدوق ‏رحمه‏ الله من وطنه الام بقم بمثابة مرحلة جديدة في حياته، انفتح من خلالها على حواضر العلم ومراكز الاشعاع الاخرى في العالم الاسلامي، لتبادل السماع والاسماع مع محدثيها وائمة العلم فيها.
    وبعد ان استقر به المقام في بلاد الري التي كانت تعتبر جامعة علمية تزخر بالعلم ورواد المعرفة انطلق بعد ذلك الى بلاد اخرى، فعرفته حواضرها وعلماؤها بالفضل والتقدم من خلال ما سطرته يراعته من مؤلفات ناهزت الثلاثمئة كتاب ومن خلال مواقفه ومناظراته في اندية العلم دفاعا عن المبدا والحقيقة، فذاع لذلك صيته وتالق نجمه في الاوساط العلمية والاجتماعية، والقت اليه الامة امر زمامها ورجعت اليه من مختلف الاصقاع تساله في قضاياها، فكان وجه الطائفة وزعيمها في المئة الرابعة من بعد ابيه، الى ان التحق بالرفيق الاعلى بعد ان ادى ما افترض عليه تجاه امته ومجتمعه.

    وهكذا كان الشيخ الصدوق ابان حياته جامعة سيارة بعلمها المتدفق، وكذلك بقي بعد رحيله جامعة عكفت على الدرس في اروقتها الاجيال، وما فتئت ‏يرتوي من معينها الاعيان والابدال. فخلد لنفسه في الدنيا قبل غيره ذكرا جميلا ومجدا شامخا ومقاما رفيعا، وفي الآخرة مزيدا.
    هذا، وقد عرف علماؤنا العظام للشيخ الصدوق حقه ومكانته الخاصة لدى الامة فاطروه بكل مكرمة وجميل، عرفانا لفضله واكبارا لشخصه وخدماته .. واليك بعض الشذرات من كلامهم العطر حول هذه الشخصية الفذة وان كان يكفيه كلام حجة العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف في وصفه، ولو لم يذكر في حقه سواه لكفى، حيث ورد وصفه ‏رحمه ‏الله في التوقيع الخارج من الناحية المقدسة بانه فقيه، خير، مبارك ينفع الله به فطوبى لمن امتدحه حجة الله بمثل هذا وحسن مآب، وكفى به لصاحبه فخرا وعزا، ولعمري فان كل ما قيل غير هذا فهو دونه.
    الصدوق في نظر الاعلام:
    قال شيخ الطائفة الطوسي في رجاله: جليل القدر حفظة، بصير بالفقه والاخبار والرجال.
    وشهد له شهادة اعلى واضفى، فقال في فهرسته: جليل القدر، يكنى ابا جعفر، كان جليلاً حافظا للاحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للاخبار، ولم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمئة مصنف، وفهرست كتبه معروف.
    ولك ان تتامل مليا في كل لفظة من تينك الشهادتين، فان قائلهما ممن لا يجازف بالقول، ولا يقول شططا.

    وقال الرجالي الخبير، الشيخ ابو العباس النجاشي: ابوجعفر نزيل الري، شيخنا وفقيهنا، ووجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة 355هـ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن، وله كتب كثيرة.
    وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: كان من شيوخ الشيعة، ومشهوري الرافضة حدثنا عنه محمد بن طلحة النعالي.
    وفي سير اعلام النبلاء للذهبي: راس الامامية، ابو جعفر محمد بن العلامة علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، صاحب التصانيف السائرة بين الرافضة، يضرب بحفظه المثل. يقال له: ثلاث مئة مصنف.
    وقال العلامة الحلي في رجاله وابن داود في رجاله بمثل قولي الشيخ والنجاشي، فلا نعيد.
    وقال الشيخ المتقدم ابن ادريس الحلي في السرائر: كان ثقة جليل القدر، بصيرا بالاخبار، ناقدا للآثار، عالماً بالرجال، حفظة، وهو استاذ شيخنا المفيد، محمد بن محمد بن النعمان.
    واثنى عليه الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي فقال: وكان هذا الشيخ جليل القدر عظيم المنزلة في الخاصة والعامة، حافظاً للاحاديث بصيراً بالفقه والرجال والعلوم العقلية والنقلية، ناقداً للاخبار، شيخ الفرقة الناجية وفقيهها ووجهها بخراسان وعراق العجم، وله ايضا كتب جليلة. ثم قال: لم ير في عصره مثله في حفظه وكثرة علمه.
    ووصفه المحقق الكركي في احدى اجازاته بالامامة والفقاهة فقال: الشيخ الامام الفقيه المحدث الرحلة، امام عصره ابي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي الملقب بالصدوق (قدس الله روحه).
    ×واطراه الشهيد الاول في اجازته لزين الدين علي بن الخازن بوصفه «الامام ابن الامام‏».
    ×ووصفه المحقق الداماد بالصدوق ابن الصدوق وقال عنه ايضا: عروة الاسلام ابي جعفر.
    ×وقال العلامة المجلسي ‏رحمه‏ الله بعد ان اورد كلاما للصدوق رحمه الله: وانما اوردناه لكونه من عظماء القدماء التابعين لآثار الائمة النجباء عليهم السلام الذين لا يتبعون الآراء والاهواء، ولذا ينزل اكثر اصحابنا كلامه وكلام ابيه (رضي الله عنهما) منزلة النص المنقول والخبر الماثور.
    ×وقال المحقق التستري في مقابسه: الصدوق رئيس المحدثين ومحيي معالم الدين، الحاوي لمجامع الفضائل والمكارم، المولود كاخيه بدعاء الامام العسكري او دعاء القائم عليهما السلام بعد سؤال والده له بالمكاتبة او غيرها او بدعائهما صلوات الله عليهما، الشيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة، عماد الدين ابي‏ جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الخراساني الرازي (طيب الله ثراه ورفع في الجنان مثواه).
    وفي اجازة المحقق الكركي في اجازته للشيخ صفي الدين عيسى وصفه بالشيخ الحافظ المحدث الرحلة المصنف الكنز الثقة الصدوق.
    ×ووصفه الشيخ حسن ابن الشهيد في اجازته للسيد نجم الدين، بالشيخ الامام الصدوق الفقيه.
    ×وفي الفوائد الرجالية لآية الله المحقق السيد بحر العلوم «شيخ من مشايخ الشيعة، وركن من اركان الشريعة رئيس المحدثين، والصدوق فيما يرويه عن الائمة الصادقين عليهم السلام، ولد بدعاء صاحب الامر والعصر عليه السلام ونال بذلك عظيم الفضل والفخر، ووصفه الامام عليه السلام في التوقيع الخارج من الناحية المقدسة بانه: فقيه خير مبارك ينفع الله به.

    فعمت بركته الانام، وانتفع به الخاص والعام وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الايام وعم الانتفاع بفقهه وحديثه فقهاء الاصحاب ومن لا يحضره الفقيه من العوام.
    وقال في موضع آخر عنه: وكيف كان فوثاقة الصدوق امر ظاهر جلي، بل معلوم ضروري كوثاقة ابي ذر وسلمان، ولو لم يكن الا اشتهاره بين علماء الاصحاب بلقبيه المعروفين يقصد رئيس المحدثين والصدوق لكفى في هذا الباب.
    كانت هذه شمة من كلام الاعلام والفقهاء في حق شيخنا الصدوق (قدس الله نفسه)، وقد تصافقت كلماتهم كما عرفت وكلمات غيرهم ممن اعرضنا عن نقل كلامه خوف الملال على تبجيله وتعظيمه ووصفه بالامامة والفقاهة والوجاهة والنبل والتضلع في علوم جمة كالفقه والحديث والتفسير والرجال وغيرها.
    ولادته:
    غمرت الرعاية الالهية شيخنا الصدوق‏ رحمه‏ الله منذ بداية امره .. وحفته في مقتبل شبابه وفتوته عندما كان يحفظ ما لا يحفظه غيره حتى انه سمع عنه شيوخ الطائفة وهو حدث السن .. وظللته كهلا ثم شيخا ..ولنا ان نتلمس البوادر الاولى من تلك الرعاية فيما ظهر من امر ولادته المباركة، حيث كانت بدعاء صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف عندما طلب منه والد الصدوق (عليه الرحمة) ذلك، ولقد كان الشيخ الصدوق يفتخر بذلك ويقول: انا ولدت بدعوة صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

    ويحدثنا شيخنا المترجم بنفسه عن قصة ولادته فيقول:
    حدثنا ابو جعفر محمد بن علي الاسود قال: سالني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رضى‏ الله ‏عنه) بعد موت محمد بن عثمان العمري (رضى‏ الله ‏عنه) ان اسال ابا القاسم الروحي ان يسال مولانا صاحب الزمان عليه السلام ان يدعو الله عزوجل ان يرزقه ولدا ذكرا. قال فسالته فانهى ذلك فاخبرني بعد ذلك بثلاثة ايام انه قد دعا لعلي بن الحسين، وانه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده اولاد.
    وذكر الشيخ الطوسي‏ رحمه‏ الله في (كتاب الغيبة) كلاما اكثر تفصيلا، حول الامر الذي حمل والد الصدوق‏ رحمه‏ الله على مكاتبة الناحية وطلب الولد منها لاكثر من مرة فقال: عن ابي العباس بن نوح عن ابي عبدالله الحسين بن محمد بن سورة القمي حين قدم علينا حاجا قال: حدثني علي بن الحسين بن يوسف الصائغ القمي، ومحمد بن احمد بن محمد الصيرفي المعروف بابن الدلال و غيرهما من مشايخ اهل قم، ان علي بن الحسين بن بابويه كانت تحته بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولدا، فكتب الى الشيخ ابي القاسم(رضى‏ الله ‏عنه) ان يسال الحضرة ان يدعو الله ان يرزقه اولاداً فقهاء. فجاء الجواب: انك لا ترزق من هذه، وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين.
    وفي رجال النجاشي ان علي بن الحسين‏ رحمه‏ الله قدم العراق واجتمع مع ابي القاسم الحسين بن روح‏ رحمه ‏الله وساله مسائل ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الاسود يساله ان يوصل له رقعة الى الصاحب عليه السلام ويساله فيها الولد، فكتب اليه: قد دعونا الله لك بذلك وسترزق ولدين ذكرين خيرين.
    ولم يذهب غير بعيد حتى كان الامر كما امل ابن بابويه ‏رحمه‏ الله ورجا، فقد ملك الجارية الديلمية وولدت له ولده الموعود فقرت بذلك عينه وطابت به نفسه وكان ذلك المولود هو محمد بن علي الصدوق اكبر ولده وافقههم، ثم ولدت له الحسين بن علي وقد كان آية في الحفظ والنباهة والفقاهة، الا انه لا يبلغ شاو اخيه الصدوق.
    هذا ولم يضبط تاريخ ولادة الشيخ الصدوق على نحو التحديد، الا انها كانت بعد وفاة العمري محمد بن عثمان(رضى‏ الله ‏عنه) السفير الثاني كما عرفت ذلك من نقل الصدوق ‏رحمه‏ الله المتقدم وفي اول سني سفارة ابي القاسم الحسين بن روح(رضى‏ الله ‏عنه). وقد كانت وفاة العمري سنة 305هـ كما ذكر ابن الاثير ذلك في حوادث تلك السنة من تاريخه، ولعلها كانت‏سنة 306هـ اذا لاحظنا مدة رجوع جواب الامام عليه السلام من سامراء الى علي بن بابويه بقم وامتلاكه الجارية وما يستغرقه الحمل من وقت.
    قال العلامة المحقق السيد بحر العلوم في فوائده: ولد بعد وفاة العمري في اوائل سفارة الحسين بن روح وقد كانت وفاة العمري سنة 305هـ فيكون قد ادرك من الطبقة السابعة فوق الاربعين ومن الثامنة احدى وثلاثين، ويكون عمره نيفا وسبعين سنة، ومقامه مع والده ومع شيخه الكليني في الغيبة الصغرى نيفاوعشرين سنة فان وفاتهما سنة 329هـ وهي سنة وفاة السمري آخر السفراء.
    وعلى هذا يكون الشيخ الصدوق ‏رحمه ‏الله قد عاصر في عهد الغيبة الصغرى سفيرين من السفراء الاربعة هما: الحسين بن روح والسمري (رضي الله عنهما).

    ولقد كان امر ولادته بدعاء الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف ذائعاً عند القميين يعرفه الخاص والعام، ففي الغيبة للشيخ الطوسي: كان اهل قم يتعجبون من حفظهما الصدوق واخيه فكلما رويا شيئاً قال الناس: هذا الشان خصوصية لكما بدعوة الامام عليه السلام، وهذا امر مستفيض في اهل قم. الا انه ورد في كتاب عقيدة الشيعة للمستشرق دوايت م. رونلدس: ان ولادة الصدوق كانت بخراسان اثناء زيارة والده لمشهد الرضا عليه السلام .
    ولم يذكر ماخذه في ذلك. ولم ينقله احد ممن تعرض لاحواله، فالصحيح ان ولادته كانت بقم.
    وعلى كل حال، فلا يخفى ما لهذه الواقعة من دلالة خاصة تدل على عظمة علي بن بابويه وولده الصدوق لدى الناحية المقدسة، ولا شك انها زادت من جلالة وقدر اسرة آل بابويه في المجتمع القمي.

    ولنطو الكلام عن ولادته بكلام للعلامة المحقق بحر العلوم واصفا احاديث ولادته بالقول: «ان هذه الاحاديث تدل على عظم منزلة الصدوق وكونه احد دلائل الامام عليه السلام، فان تولده مقارنا لدعوة الامام عليه السلام وتبينه بالنعت والصفة من معجزاته (صلوات الله عليه)، ووصفه بالفقاهة والنفع والبركة دليل على عدالته ووثاقته...».
    مقومات شخصيته:
    لا شك ان شخصية فذة كالشيخ الصدوق لم تكن وليدة ساعتها، بل هي وليدة عقود من الزمن اختلجت بتجارب عسيرة ومعاناة طويلة انجبت‏ شخصية عملاقة كالشيخ الصدوق.

    ذلك انا عندما نلهج باسم الصدوق ونترجم له لا نريد ان نتحدث عن ذات كانت ثم مضت، فان الشيخ الصدوق لا يعني ذاتا خارجية بقدر ما يعني تراثا علميا ضخماً وعطاء دينيا ثرا، فالالقاب التي احاطت بحق بشخصيته كالامامة والفقاهة ورئاسة المحدثين وغيرها من النعوت لم تات عن فراغ او مجاملة في التعبير بقدر ما تعكسه من محتوى وجوهر هذه الشخصية وما جادت به من تراث خالد وخدمات جليلة.
    ولو اردنا تحديدا دقيقاً لاهم العوامل والمقومات التي ساهمت في صناعة ذلك الجوهر الناصع و تظافرت على صياغة ابعاد تلك الشخصية المرموقة ورسمت معالمها الاصيلة لوجدنا في الصدارة من تلك المقومات عامل التسديد الالهي والرعاية الربانية الخاصة التي رعته في جميع ادوار حياته، حيث جادت عليه الظروف بمناخ علمي وديني في حاضرة العلم آنذاك بقم المشرفة، كما زودته يد الرعاية الالهية باستعداد مفرط، وذكاء وحفظ شديدين بحيث كان، يحفظ ما لا يحفظه غيره من اهل قم.
    وفوق كل ذلك نشاته في ظل والده المعظم، الفقيه الوجيه علي بن بابويه الذي كان له القسط الاوفر في تكوين شخصية ولده الصدوق ‏رحمه‏ الله.
    واما سائر المقومات والعوامل الاخرى المؤثرة في تقويم وتكوين شخصية شيخنا المترجم فيمكن الاشارة اليها في امور نعقد الحديث ‏حولها، وهي:
    (اسرته × بيئته × عصره × رحلاته × شيوخه × قدراته الذاتية)

    1- اسرته:
    ان من يقرا تاريخ الامم والشعوب، يجد اصنافاً من الاسر والبيوتات التي عرفت بالسياسة والحكم او بالثروة والمال او بالعلم والتقى او بغير ذلك من الامور التي تميزها وترفع من قدرها.

    ولا شك فان خيرها من عرف بالعلم والصلاح، فالعلماء باقون ما بقي الدهر. ومن الاسر التي يشار اليها بالبنان في حاضرة العلم بقم بل في العالم الاسلامي فى القرن الرابع الهجري، هي اسرة آل بابويه، تلك الاسرة التي شهد الفضل بفضلها والشرف بشرفها وعرفت بالعراقة والسؤدد والمجد، فهي باسقة الافنان، عالية البنيان قد نبغ منها ثلة من ائمة العلم وجهابذته، وحملة الفقه وسدنته، ياتي على راسهم الفقيه الجليل والمحدث النبيل، الشيخ ابو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الذي اطبقت الطائفة على علو مرتبته وارتفاع كعبه، حتى ان اكثر اصحابنا ينزلون كلامه منزلة النص المنقول والخبر الماثور كما نقل ذلك العلامة المجلسي، وعلى كل حال فان امره في الفقاهة والجلالة والفهم والعلم اعلى من ان تحوم فوقه العبارة او تحيطه الاشارة ويكفيه فخرا خطاب الامام العسكري عليه السلام له على ما في الرسالة المنقولة عنه عليه السلام بالفقاهة والشيخوخة حيث جاء في كتابه عليه السلام: «... اما بعد: اوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي ابا الحسن علي بن الحسين القمي وفقك الله لمرضاته وجعل من صلبك اولاداً صالحين برحمته، بتقوى الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة‏»
    الكتاب.
    واليه يعود الفضل في اشتهار اسرته حتى طار صيتها في الآفاق، واستوى صفها مع سائر الاسر والبيوتات المعروفة في التاريخ، اذ لم يحدثنا التاريخ وكتب المعاجم عن ابيه وجده موسى وجده الاعلى بابويه القمي الذي عرفت الاسرة بعد ذلك باسمه، كما انه لم يحدثنا التاريخ ايضا عن مبدأ سكناهم بقم.

    ومن اشهر اعلام هذه الاسرة اخو المترجم الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه الذي ولد ايضاً بدعاء الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويعتبر من اكابر الفقهاء والصلحاء، وقد كان شريكا لاخيه الصدوق في موهبة الحفظ والفطانة وعقد مجلس البحث وله من العمر دون العشرين، وكان محمد بن علي الاسود ربما يحضر مجلسه فاذا راى اسراعه في الجواب في الحلال والحرام يكثر التعجب لصغر سنه ثم يقول: لا عجب لانك ولدت بدعاء الامام عليه السلام.
    قال صاحب رياض العلماء في احوال هذا الفقيه العظيم: «هو واخوه الصدوق وابن هذا الشيخ وسبطه واحفاده نازلاً الى زمن الشيخ منتجب الدين كلهم كانوا من اكابر العلماء، ولم اعثر فيما بعد الشيخ منتجب الدين كيف كانت احوالهم، وقد كان الشيخ منتجب الدين من اعاظم اسباطه، واما سلسلة الصدوق فالظاهر انه لم يكن منهم عالم سوى ولد الصدوق، فلاحظ‏».
    وقد توفي الحسين بن علي بعد اخيه الصدوق سنة 418هـ.
    روى الشيخ في الغيبة عن ابي عبدالله بن سورة قال: ولابي الحسن بن بابويه رحمه ‏الله ثلاثة اولاد: محمد والحسين فقيهان ماهران في الحفظ، ويحفظان ما لا يحفظه غيرهما من اهل قم، ولهما اخ اسمه الحسن وهو الاوسط مشتغل بالعبادة والزهد ولا يختلط بالناس ولا فقه له.
    ومن اكابر هذا البيت واعاظمهم شمس الاسلام الحسن بن الحسين نزيل الري المدعو (حسكا) قرا على شيخ الطائفة الطوسي جميع تصانيفه بالغري وكذا قرا على الشيخ سلار والقاضي ابن البراج جميع تصانيفهما.
    وايضا من اعلامهم الثقات المشاهير الشيخ منتجب الدين ابو الحسن علي بن عبيدالله بن الحسن (حسكا) وهو من احفاد الحسين بن علي اخو الصدوق. وكان من ثقات المحدثين قال عنه الشهيد الثاني في شرح درايته: «ومنتجب الدين واسع الطرق كثير الرواية عن آبائه واقاربه واسلافه ... الخ‏».
    وغير هؤلاء من اعلام هذا البيت الرفيع كثيرون لا ياتي عليهم المجال لعدهم، وقد افرد المحقق الشيخ سليمان البحراني رسالة في تعداد اولاد بابويه ذكر فيها خمسة عشر اسماً من اعلامهم. وقد ذكر في رياض العلماء ترجمة عدة ‏منهم.

    قال العلامة المامقاني: «واولاد بابويه كثيرون جدا واكثرهم علماء اجلة‏» وفي الرياض: «كلهم كانوا من اكابر العلماء».
    فالشيخ الصدوق اذن غصن من اغصان هذه الدوحة النضرة وثمرة من افنان تلك الشجرة الباسقة، قد ولد في مثل هذه الاسرة الطيبة الاعراق الطاهرة الانساب درج وتربى في احضان الفضيلة، تحت رعاية والده الزاهد العابد العالم الذي كان يرفع له في كل‏يوم من العلم والتقى علما .. كيف وهو امنيته التي طالما دعا الله تعالى ان يحققها فكان كما اراد ورجا، وتوسم فيه الخير والنفع كما جاء في التوقيع الشريف. فحرص على تربيته وتغذيته من علومه وكمالاته الروحية، وشع على نفسه من صفائه واغدق عليه من فيض علومه فصقل روحه وعقله وصهر معدنه وجوهره حتى صار مثالاً له بعد ملازمة بينهما فاقت العشرين عاماً.

    اجل، لقد كان لابي الحسن بن بابويه الاثر الكبير في تكوين وتطوير شخصية ولده العلمية، حتى كاد ان ينعكس اثره في مجمل العطاء العلمي للشيخ الصدوق.
    فهذا الخطيب البغدادي يروي ان الصدوق ‏رحمه‏ الله عند ما ورد بغداد حدث فيها عن ابيه علما بان وفاة ابيه كانت‏ سنة 329هـ وبينه وبين وروده لبغداد اكثر من عشرين عاما الامر الذي يظهر عنايته بفقه وحديث ابيه على الرغم من سماعه وتحمله عن غيره من المشايخ طيلة هذه الفترة. ونقل ابن النديم في فهرسته انه قرا على ظهر نسخة وجدها بخط الصدوق «اجزت لفلان ابن فلان كتب ابي علي بن الحسين وهي مئتا كتاب وكتبي وهي ثمانية عشر كتابا».
    ولك ان تتأمل تراث الشيخ الصدوق فانه ينبئك عن غزارة النقل عن ابيه في مجموع مصنفاته الثلاثمئة، التي ضن الدهر علينا بالكثير منها، بيد ان ما وصلنا منها وظفرنا به ينبئ عما فاتنا.

    والى القارى‏ء الفاضل بعض الاحصائيات المقارنة بين ما رواه عن كل واحد من اعيان مشايخه ممن اكثر الرواية عنهم في مصنفاته وهم: والده ابوالحسن بن بابويه، وشيخه المعظم محمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن موسى المتوكل ومحمد بن علي ماجيلويه واحمد بن محمد بن يحيى العطار وعلي بن احمد الدقاق، لنرى تفوق ما يرويه عن ابيه وعنايته بتراثه، الامر الذي يعكس حرص والده طيلة عشرين عاماً او اكثر على ان يسمع ولده اكثر ما يمكن من الرواية والحديث.
    ابن المتوكلاحمد بن العطارماجيلويه الدقاقابن الوليدوالد الصدوقالكتاب
    43 5 53 7 136 231 من لا يحضرهالفقيه
    57 42 78 179 458 الخصال
    87 44 53 27 97 178 الامالي
    41 4 33 10 115 316 معاني الاخبار
    41 17 23 69 100 150 التوحيد
    والذي ينبغي التنبيه عليه هو ان ما ذكرناه من الارقام عن (من لا يحضره الفقيه) انما هو بلحاظ طرقه الى مشايخه المذكورين، وقد استقصينا ذلك من مشيخة الفقيه، لا بلحاظ موارد الرواية عنهم في الكتاب، والا لكانت الاحصائية اضعاف ما ذكرنا، وما ذكر كاف للقياس عليه.
    ماذا وجد من فقدك، وما الذى فقد من وجدك،لقد خاب من رضي دونك بدلا
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X