إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النصيحة لمن ؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النصيحة لمن ؟


    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال تعالى: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ 68 / الأعراف
    النصيحة : كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له ، وليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة يجمع معناه غيرها ، وأصل النصح في اللغة الخلوص ، يقال : نصحته ونصحت له . وفي مقابله الغش .
    و قال الراغب : النصح : تحرى قول أو فعل فيه صلاح صاحبه انتهى . وأصله الخلوص وهو خلاف الغش ويدل على أن خيانة المؤمن خيانة الله والرسول .
    فالنصح للمؤمن هو إرادة الخير له قولا وفعلا ومعناه بالفارسية " خير خواهي " وضده الغش .
    فنبي الله هود عليه السلام في هذه الآية كبقية الأنبياء من قبله ومن بعده جاءوا مبلغين رسالات ربهم وناصحين لأممهم في إرادة الخير فقبِلها من قبلها وأنكرها وردها من ردها من الأشقياء الذين لا يحبون الناصحين وكل ذلك لم يمنعهم من مواصلة تبليغ رسالاتهم ونصحهم لقومهم فهذه رسالتهم ومسئوليتهم . ولو سكت هؤلاء الأنبياء عن نصحهم لكانوا غاشين لأممهم ومتخلفين عن مسئوليتهم وحاشى لهم ذلك .
    النصيحة ممن ؟
    استمراراً لشيوع الخير في داخل الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس حث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الأمة وحملها مسئولية النصيحة بعضها للبعض الآخر وإرادة الخير للجميع وضمن لمن يتحمل هذه المهمة بالجنة فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن تميم الداري[1] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من يضمن لي خمسا أضمن له الجنة ، قيل : وما هي ؟ يا رسول الله .
    قال : النصيحة لله عز وجل ، والنصيحة لرسوله ، والنصيحة لكتاب الله ، والنصيحة لدين الله و النصيحة لجماعة المسلمين )[2]


    النصيحة لمن؟

    1- النصيحة لله :
    الله سبحانه غني مطلق وبيده ملكوت كل شيء فهو لا يحتاج إلى تقديم الخير إليه من أحد مهما كان . وحينئذ لابد من تفسير النصيحة لله بما يتناسب مع عظمة الله وكبريائه وما تعود المصلحة إلى الإنسان نفسه لذلك قيل أن معنى نصيحة الله : صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته
    .
    2- النصيحة لرسول الله :

    وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله هو الناصح الشفيق على أمته فكيف يكون منصوحاً وهو غير محتاج إلى الخلق في نصيحة أو غيرها قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ 36 / الأحزاب ، ولكن معنى النصيحة لرسول الله لا بد أن تفسر بما يتناسب مع علو مقامه فقيل : ومعنى نصيحة رسوله التصديق بنبوته ورسالته ، والانقياد لما أمر به ونهى عنه .

    3- النصيحة لكتاب الله :
    كتاب الله هو النور الذي أنزله الله على رسوله الكريم لهداية الناس ، وهو الدستور الدائم للأمة الذي يجب عليها أن تأخذ به وتتبعه وتتمسك به وهو لا يحتاج إلى أحد بل هو الناصح والهادي للأمة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضل ، والمحدث الذي لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى ، أو نقصان من عمى )[3]
    فالقرآن هو الناصح الأمين والهادي إلى سواء السبيل ويجب على الأمة أن تستنصحه ، فما هي النصيحة إليه حينئذ ؟ قيل :النصيحة لكتاب الله هو التصديق به والعمل بما فيه وجعله منهاجا ودستوراً يطبق على كل صغيرة وكبيرة قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : ( واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لاوائكم ، فان فيه شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال ، فاسألوا الله به ، وتوجهوا إليه بحبه ولا تسألوا به خلقه ، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله .
    واعلموا أنه شافع مشفع ، وقائل [4] مصدق ، وإنه من شفع له القرآن يوم القامة شفع فيه ، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فانه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرثته وأتباعه ، واستدلوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراءكم ، واستغشوا فيه أهواءكم ... )[5]
    4- النصيحة لعامة المسلمين:
    من الأمور البديهية في الإسلام أنه مبني على الوحدة في المجتمع ورص صفوفه فكل ما يؤدي إلى الوحدة والاتحاد فهو مطلوب لدى الشارع قال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ 4/ الصف . وغيرها من آيات ، وإن من أبرز ما يؤدي إلى هذا الهدف السامي هو النصيحة لعامة المسلمين وإرادة الخير لهم وإرشادهم إلى مصالحهم الدنيوية والأخروية .
    5- النصيحة لأئمة المسلمين:
    كل فرد من أفراد الأمة كل ما يكون موقعه منها أهم يكون خطره عند انحرافه أو خطئه واشتباهه على الأمة أعظم من الآخرين وبما أن أئمة المسلمين هم قادة الأمة وانحرافهم أو خطئهم انحراف للأمة لذا وجب النصيحة لهم وقد قسم الأئمة إلى قسمين : 1- أئمة الهدى والحق . 2- أئمة الجور والضلال .
    والقسم الأول ينقسم إلى صنفين : الصنف الأول الأئمة المعصومون . الصنف الثاني : غير المعصومين .
    فالأئمة المعصومون النصيحة لهم طاعتهم واتباعهم والتمسك بتعاليمهم والأخذ بهديهم كما كان لسول الله صلى الله عليه وآله :
    فعن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله خطب الناس في مسجد الخيف فقال : ( نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها من لم يسمعها ، فرب حامل غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم ، المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ) .
    ورواه أيضا عن حماد بن عثمان ، عن أبان ، عن ابن أبي يعفور ، مثله ، وزاد فيه : وهم يد على من سواهم ، وذكر في حديثه أنه خطب في حجة الوداع بمنى في مسجد الخيف .
    فقوله ( في مسجد الخيف ) بفتح الخاء وسكون الياء ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل ، ومسجد منى يسمى مسجد الخيف ، لأنه في سفح جبلها .
    قوله ( نضر الله عبدا ) نضره ونضره وأنضره أي نعمه ، فنضر ينضر من باب نصر وشرف يتعدى ولا يتعدى ، وفي النهاية : روى بالتخفيف والتشديد من النضارة وهي في الأصل حسن الوجه والبريق وإنما أراد حسن خلقه وقدره .
    وفي المغرب عن الأزدي : ليس هذا من الحسن في الوجه ، وانما هو في الجاه والقدر ، واستدل النافي لنقل الحديث بالمعنى بهذا الحديث ، الجواب لا يدل هذا على المطلوب لانه دعا لمن نقله بصورته لأنه أولى وأحسن ولا نزاع في أن نقله بصورته أولى ، وقد مرت الروايات الدالة على جواز نقله بالمعنى على أنه يمكن حمل هذا الحديث على مطلق حفظه وتبليغه الشامل لحفظ المعنى وتبليغه فإن من سمع الحديث وضبط معناه وبلغه صح أن يقال أداه كما سمعه ولذلك صح أن يقول المترجم أديته كما سمعته .
    قوله ( رب حامل فقه ) تعليل للتبليغ وإشارة إلى فائدته فإن المبلغ إليه قد يكون فقيها دون المبلغ وقد يكون أفقه منه فهو ينتفع منه ما لا ينتفع به المبلغ ويفهم منه إن نقل بصورته مالا يفهمه الناقل فالأولى أن يكون نقله بصورته لئلا يفوت شئ من الأغراض .
    قوله ( ثلاث لا يغل قلب امرئ مسلم ) أي يغل فيها وهذا إما نهي أو خبر في معناه ، ويغل إما بضم الياء من الإغلال وهو الخيانة في كل شئ ، بخلاف الغلول فإنه خيانة في المغنم خاصة أو بفتحها من الغل وهو الحقد والشحناء أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق أو من الوغول وهو الدخول في الشر يقال : يغل - بالتخفيف - إذا دخل فيه والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر كما صرح به ابن الأثير .
    قوله ( والنصيحة لأئمة المسلمين ) النصيحة إرادة الخير للمنصوح والمراد بها طاعة الأئمة وإعانتهم على الحق وتأليف القلوب إلى انقيادهم والصلاة خلفهم والجهاد معهم وبالجملة إرادة كل ما هو خير في الدنيا والآخرة لهم وترك الغش عليهم ويمكن تعميم الأئمة بحيث يتناول العلماء أيضا ، ومن النصح لهم قبول رواياتهم والرجوع إليهم في الأحكام وحسن الظن بهم والذب عنهم وعن أعراضهم وتوقيرهم وجلب المنافع المشروعة إليهم وسد خلتهم وترك حسدهم وغشهم ودفع الضرر عنهم .
    قوله ( واللزوم لجماعتهم ) أي الحضور فيها والدوام عليها والاهتمام بها على قدر الإمكان وانما خص الثلاثة المذكورة بالذكر لأنها أصول لجميع الخيرات وفروع للإيمان الحقيقي بالله وبرسوله وباليوم الآخر .
    قوله ( فان دعوتهم محيطة من ورائهم ) تعليل للزوم الجماعة وترغيب في حضورها والدعوة أخص من الدعاء لأنها للمرة الواحدة ، والمراد أن دعوتهم تحيط بهم أي تحدق بهم من جميع جوانبهم وتحفظهم من جميع جهاتهم ، يقال : حاطه يحوطه حوطا وحياطة إذا حفظه وذب عنه ، وأحاط به إذا أحدقه من جميع جوانبه ، ومنه قولك : أحطت به علما أي أحدق علمي به من جميع جهاته وعرفه من كل وجه .
    قوله ( والمسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ) أي يتساوى في القصاص والجنايات والديات لا تفاوت بين الشريف والوضيع ، و الكفؤ النظير والمساوي .
    قوله ( ويسعى بذمتهم أدناهم ) المراد بالذمة عهد الأمان الذي يجعله بعض المسلمين للعدو ، يعني إذا أعطى أحد من المسلمين وإن كان أدناهم العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين .[6]
    الأقسام الثلاثة الأخرى من أئمة المسلمين فالنصيحة لهم تنبيههم على المخاطر التي تحدق بهم شخصياً أو على الأمة حتى يتجنبوها وهذا يدل على الحرية التامة في الإسلام والإعتراض على عمل الرئيس والحاكم ومناقشته ويجب عليه أن يستجيب لمطالب الناس والنظر فيما يقولون وما يقدموه وقد يعبر عن هذه بالديمقراطية أو غيرها من تعابير العصر الحديث ويتساوى الحاكم والمحكوم أمام القانون .
    معصية الناصح
    إن التخلف عن النصيحة من الناصح المجرب والمخالفة لتلك النصيحة لها عواقب وخيمة وأسباب المخالفة عديدة :
    1- الجهل بأهمية النصيحة كما يجهل كثيرا مصالحه الشخصية .
    2- العداوة من المنصوح إلى الناصح فهذه العداوة تجعل حاجزاً في قبول النصيحة .
    قال تعالى حكاية عن نبي الله صالح عليه السلام : ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ 79 / الأعراف .
    3- التكبر من الناصح على المنصوح .
    4- الأسلوب غير المناسب للنصيحة .
    5- التكبر والغرور من المنصوح .
    نتيجة مخالفة النصيحة
    1- الحسرة والندامة :
    فإن المخالف للنصيحة مهما كانت أسباب المخالفة فالنتيجة أن المخالف سوف يتأسف ويندم على مخالفته في دار الدنيا والآخرة خصوصاً إذا كان الناصح من أهل الخبرة وكان محبا للمنصوح وشفيقا عليه كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة )[7]
    2- خسارة النصر :
    وذلك إذا لم تلتزم الرعية بما تقوله قيادتها التي يجب عليها أن تسمع وتطيع لها معصومة كانت أو غير معصومة ، وقد خسرت الأمة فرص عديدة للنصر لمخالفة القيادة المعصومة :
    أ- كما في واقعة أحد فقد انكسر الجيش الإسلامي بسب مخالفة الرماة الذين أمرهم الرسول أن لا يتركوا مواقعـهم .
    ب- حرب صفين : فقد كان النصر لجيش أمير المؤمنين عليه السلام كقاب قوسين أو أدنى فعمل العدو الحيلة فرفع المصاحف بحجة تحكيم كتاب الله والإمام أمير المؤمنين أدرك تلك الخديعة ونصح جيشه ولكن لم يسمع له ولم يطع فاضطر إلى النزول على رأي التحكيم وخسر الجيش النصر فقال عليه السلام :
    ( وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ونخلت لكم مخزون رأيي[8] لو كان يطاع لقصير أمر[9] فأبيتم علي إباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة . حتى ارتاب الناصح بنصحه[10]. وضن الزند بقدحه فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن :
    أمرتكم أمري بمنعرج اللوى فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد [11]
    وهكذا النتيجة المرة التي خرج بها مخالفو أمير المؤمنين عليه السلام في رأيه .
    وهاهي تتكرر الآن في وقتنا الراهن في القضية الفلسطينية كلما قربت من النصر عملت لها خديعة من هدنة أو مشروع تسوية حتى تفوت فرصة النصر ويكر العدو كرته على الشعب الفلسطيني لقتله وتشريده وتدميره ومع أن هذا الشعب لم يحض بقيادة حكيمة متميزة فريدة في مواقفها إلا أنهالم تعدم الناصحين لها من قيادات فرعية للحركات الإسلامية أو مرشدين من الأمة .
    الناصح لنفسه
    ( وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه ) لأن الغرض من النصح جلب الخير والمنفعة إلى المنصوح ، ولا ريب في أن أعظمهما هو تحصيل السعادة الباقية واقتناء الكرامات الأبدية والتحرز من العقوبات الاخروية ولا في أن هذه الامور إنما تنال بطاعة الله تعالى ، ولا في أن من كانت طاعته له أكثر وأتم كانت سعادته أكمل وأعظم ، فلا شبهة في أن أنصح الناس لنفسه من بالغ في طاعة ربه [12].
    الغاش لنفسه
    ( وأغشكم لنفسه أعصاكم لربه ) وهو ظاهر مما قررناه ، فإن الغرض من الغش جلب الشر والضر إلى المغشوش ، ولا ريب في أن أعظمهما هو الشقاوة الأبدية ، ولا في أن تلك الشقاوة إنما تحصل بمعصية الله تعالى ، ولا في أن من كانت معصيته أتم كانت شقاوته أعظم ، فلا شبهة في أن أغش الناس لنفسه من بالغ في معصية ربه . وحاصل الفقرة الاولى هو الأمر بالطاعة والتعلم أتم ما يكون ، والثانية هو النهي عن المعاصي أبلغ ما يتصور ، ورغب في الطاعة بذكر نصيحة النفس لكون النصيحة محبوبة مرغوبة ، ونفر عن المعصية بذكر غشها لكون الغش مستكرها مهروبا عنه ، ولما أشار عليه السلام إلى أن المطيع ناصح لنفسه والنصح لا يكون إلا لخير يعود إليه أراد أن يشير إلى ذلك الخير إجمالا وتعظيما لشأنه ، إذ التفصيل مما يعجز عنه إدراك عقولنا .[13]
    الغاش
    الغاش خلاف الناصح وهو الذي يريد أن يوقع بالطرف الاخر في حالة صعبة ويدمر حياته ومستقبله ويضمر له الشر كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( ربما كان الدواء داء والداء دواء . وربما نصح غير الناصح وغش المستنصح )[14]
    المستنصح اسم مفعول : المطلوب منه النصح فيلزم التفكر والتروي في جميع الاحوال لئلا يروج غش أو تنبذ نصيحة .
    قبول النصيحة
    مصلحة المنصوح هو أن يستجيب للناصح وإن كانت النصيحة صعبة وثقيلة ولا يستسيغها وربما تكون مخالفة لهواه ورغبته أو تربيته خصوصا إذا كان الناصح من المحبين له فتتأكد قبول النصيحة فقد روى البرقي بسنده:
    عن صالح قال : قال أبو جعفر عليه السلام : اتبع من يبكيك وهو لك ناصح ، ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاش ، وستردون على الله جميعا فتعلمون )[15]
    وعن محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابه رفعه قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ( لا يستغني المؤمن عن خصلة وبه الحاجة إلى ثلاث خصال ، توفيق من الله عز وجل ، وواعظ من نفسه ، وقبول ممن ينحصه )[16]
    خيانة الأخ خيانة لله ولرسوله
    عن أبي حفص الاعشى ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من سعى في حاجة لأخيه فلم ينصحه[17] فقد خان الله ورسوله )[18]
    قوله : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من سعى في حاجة لأخيه فلم ينصحه فقد خان الله ورسوله ) خيانت با كسى دغلى وناراستى كردن ، والنصح خلاف الغش فإذا لم ينصحه فقد غشه بتضييع حقوقه ، ورفض سيرة العدل فيه ، وقول الصدق في أمره ، والدفع عن عرضه وحماية حوزته ، وبذل السعي في حاجته ، ومن غشه بشئ من ذلك فقد خانه فيما اعتمد عليه وجعله وسيلة إليه وواسطة بينه وبين حاجته ، ومن خان مؤمنا فقد خان الله ورسوله فيما أراد من النصح للمؤمن وهو يظهر النصح ظاهرا ويعمل بخلافه باطنا وهذه خيانة عظيمة .[19]
    وعن سماعة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( أيما مؤمن مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان الله ورسوله )[20]
    وعن مصبح بن هلقام قال : أخبرنا أبو بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( أيما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة فلم يبالغ فيها بكل جهد فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ، قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله : ما تعني بقولك : والمؤمنين ؟ قال : من لدن أمير المومنين إلى آخرهم )
    وعن أبي جميلة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( من مشى في حاجة أخيه ثم لم يناصحه فيها كان كمن خان الله ورسوله وكان الله خصمه ) .
    قوله : ( كان كمن خان الله ورسوله ) التشبيه باعتبار أن خيانة المؤمن كخيانتهما أو باعتبار أن خيانته مستلزمة لخيانتهما ، والقاصد للملزوم كالقاصد للازم وإن لمن يشعر به .
    عن حسين بن عمر بن يزيد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرأي سلبه الله عز وجل رأيه ) .
    قوله : ( من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرأي سلبه الله عز وجل رأيه ) أمحضه الود والنصيحة أخلصهما كمحضهما ، والرأي العقل والتدبير وما اعتقده الإنسان وكل ذلك هنا محتمل ، ، ولعل السر في سلبه أنه نعمة جليلة وترك الشكر عليه بعدم العمل بمقتضاه كفران لتلك النعمة وكفرانها موجب لسلبها .
    النصيحة زكاة اللسان
    وزكاة اللسان : النصح للمسلمين ، والتيقظ للغافلين ، وكثرة التسبيح والذكر وغيرها .[21]
    نتاج المحبة النصيحة

    روى الآمدي في الغرر : عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : ( النصح ثمرة
    المحبة ) [22]
    -------------------------------------------

    [1] هو تميم بن أوس بن خارجة الدارى ، أبو رقية صحابي مشهور انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان وسكن بيت المقدس مات قبل سنة أربعين وكان اسلامه سنه تسع وهو أول من أسرج السراج في المسجد . يروى عنه الحسن البصري وجماعة .
    [2] الخصال- للشيخ الصدوق ص 294 .
    [3] بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 89 ص 23 عن نهج البلاغة رقم الخطبة 173 .
    [4] الصحيح " ماحل مصدق " كما في سائر الخطب ، ويثبته ما يجئ بعده من قوله عليه السلام " ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه " .
    [5] بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 89 ص 23 عن نهج البلاغة رقم الخطبة 173 .
    [6] شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني ج 2 .
    [7] نهج البلاغة - خطب الامام علي عليه السلام ج 1 ص 85 .
    [8] الحكومة حكومة الحكمين عمرو بن العاص وأبي موسى الاشعري . وذلك بعد ما وقف القتال بين علي أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان في حرب صفين سنة سبع وثلاثين من الهجرة فان جيش معاوية لما رأى أن الدبرة تكون عليه رفعوا المصاحف على الرماح يطلبون رد الحكم إلى كتاب الله وكانت الحرب أكلت من الفريقين ، فانخدع القراء وجماعة تتبعوهم من جيش علي وقالوا : دعينا إلى كتاب الله ونحن أحق بالاجابة إليه ، فقال لهم أمير المؤمنين إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم ما رفعوها ليرجعوا إلى حكمها إنهم يعرفونها ولا يعملون بها ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة ، أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا ، فخالفوا واختلفوا ، فوضعت الحرب أوزارها وتكلم الناس في الصلح وتحكيم حكمين يحكمان بما في كتاب الله فاختار معاوية عمرو بن العاص واختار بعض أصحاب أمير المؤمنين أبا موسى الاشعري فلم يرض أمير المؤمنين واختار عبد الله بن عباس فلم يرضوا ثم اختار الاشتر النخعي فلم يطيعوا فوافقهم على أبي موسى مكرها بعد أن أعذر في النصيحة لهم فلم يذعنوا فقد نخل لهم أي أخلص رأيه في الحكومة أولا وآخرا ثم انتهى أمر التحكيم بانخداع أبي موسى لعمرو بن العاص وخلعه أمير المؤمنين ومعاوية ثم صعود عمرو بعده واثباته معاوية وخلعه أمير المؤمنين ، وأعقب ذلك ضعف أمير المؤمنين وأصحابه .
    [9] هو مولى جذيمة المعروف بالابرش . وكان حاذقا وكان قد أشار على سيده جذيمة أن لا يأمن للزباء ملكة الجزيرة فخالفه وقصدها إجابة لدعوتها إلى زواجه فقتلته فقال قصير " لا يطاع لقصير أمر " فذهب مثلا .
    [10] يريد بالناصح نفسه أي أنهم أجمعوا على مخالفته حتى شك في نصيحته وظن أن النصح غير نصح وأن الصواب ما أجمعوا عليه . وتلك سنة البشر إذا كثر المخالف للصواب اتهم المصيب نفسه . وقوله ضن الزند بقدحه أي أنه لم يعن له بعد ذلك رأي صالح لشدة ما لقي من خلافهم وهكذا المشير الناصح إذا اتهم واستغش عشت بصيرته وفسد رأيه . وأخو هوازن هو دريد بن الصمة . ومنعرج اللوى اسم مكان وأصل اللوى من الرمل الجدد بعد الرملة . ومنعرجه منعطفه يمنة ويسرة وفي هذه القصيدة :
    فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غوايتهم أو أنني غير مهتدى
    وما أنـا إلا من غـزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
    [11] نهج البلاغة - خطب الامام علي عليه السلام ج 1 ص 85 .
    [12] شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني ج 2 ص 152 .
    [13] شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني ج 2 ص 152 .
    [14] نهج البلاغة - خطب الامام علي عليه السلام ج 3 ص 52 .
    [15] المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقى ج 2 ص 604 .
    [16] المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقى ج 2 ص 604 .
    [17] في بعض النسخ [ فلم يناصحه ] أي لم يبذل الجهد في قضاء حاجته ولم يهتم لذلك ولم يكن غرضه حصول ذلك المطلوب
    [18] الكافي - الشيخ الكليني ج 2 ص 362 .
    [19] شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني ج 01 ص 22 :
    [20] الكافي - الشيخ الكليني ج 2 ص 362 :
    [21] مستدرك الوسائل - الميرزا النوري ج 7 ص 45 .
    [22] مستدرك الوسائل - الميرزا النوري ج 21 ص 429 .
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X