إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قراءة في مواعظ أمير المومنين الامام علي عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة في مواعظ أمير المومنين الامام علي عليه السلام

    قَالَ [الإمام عليّ] عليه السلام لِرَجُلٍ سَأَلَه أَنْ يَعِظَه:

    - لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ - ويُرَجِّي التَّوْبَةَ بِطُولِ الأَمَلِ - يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ - ويَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ الرَّاغِبِينَ.
    - إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ - يَعْجزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ ويَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِي مَا بَقِيَ - يَنْهَى ولَا يَنْتَهِي ويَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي - يُحِبُّ الصَّالِحِينَ ولَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ - ويُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وهُوَ أَحَدُهُمْ - يَكْرَه الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِه - ويُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَه الْمَوْتَ مِنْ أَجْلِه - إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وإِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِياً - يُعْجَبُ بِنَفْسِه إِذَا عُوفِيَ ويَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ - إِنْ أَصَابَه بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وإِنْ نَالَه رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً - تَغْلِبُه نَفْسُه عَلَى مَا يَظُنُّ ولَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ - يَخَافُ عَلَى غَيْرِه بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِه - ويَرْجُو لِنَفْسِه بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِه - إِنِ اسْتَغْنَى بَطِرَ وفُتِنَ وإِنِ افْتَقَرَ قَنِطَ ووَهَنَ - يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ ويُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ - إِنْ عَرَضَتْ لَه شَهْوَةٌ أَسْلَفَ الْمَعْصِيَةَ وسَوَّفَ التَّوْبَةَ - وإِنْ عَرَتْه مِحْنَةٌ انْفَرَجَ عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ - يَصِفُ الْعِبْرَةَ ولَا يَعْتَبِرُ - ويُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ ولَا يَتَّعِظُ - فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ - يُنَافِسُ فِي مَا يَفْنَى ويُسَامِحُ فِي مَا يَبْقَى - يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً والْغُرْمَ مَغْنَماً - يَخْشَى الْمَوْتَ ولَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ - يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِه مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْه مِنْ نَفْسِه - ويَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِه مَا يَحْقِرُه مِنْ طَاعَةِ غَيْرِه - فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ ولِنَفْسِه مُدَاهِنٌ - اللَّهْوُ مَعَ الأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْه مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ - يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِه لِنَفْسِه ولَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِه - يُرْشِدُ غَيْرَه ويُغْوِي نَفْسَه - فَهُوَ يُطَاعُ ويَعْصِي ويَسْتَوْفِي ولَا يُوفِي - ويَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّه ولَا يَخْشَى رَبَّه فِي خَلْقِه.

    قال الرّضيّ -جامعُ نهج البلاغة-: وَلو لم يَكن في هذا الكتاب إلا هذا الكلام،
    لَكَفَى به موعظةً ناجعة، وحكمةً بالغة، وبصيرةً لِمُبصر، وعِبرةً لِناظر.

    " وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبّك فَتَرْضَى "

  • #2
    موعظتُه عليه السلام حولَ ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ .. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ..﴾
    تَطَئُونَ فِي هَامِهِم، وتَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِم
    الأَيَّامُ بَيْنَكُم وبَيْنَهُم، بَوَاكٍ، ونَوَائِحُ عَلَيْكُم
    ـــــ ابنُ أبي الحديد المعتزليّ ـــــ



    * «..أُقسِمُ بمَن تقسمُ الأممُ كلُّها به، لقد قرأتُ هذه الخطبةَ منذَ خمسينَ سنة وإلى الآن أكثرَ من ألف مرّة. ما قرأتُها قطّ، إلّا وأحدَثتْ عندي روعةً وخوفاً، وعِظَةً، وأثّرت في قلبي وجيباً، وفي أعضائي رِعدةً، ولا تأمّلتُها إلّا وذكرتُ المَوتى من أهلي وأقاربي ".."».
    * «كم قد قالَ الواعظون والخطباءُ والفصحاءُ في هذا المعنى، وكم وقفتُ على ما قالوه وتكرّر وقوفي عليه، فلم أجد لشيءٍ منه مثلَ تأثير هذا الكلامِ في نفسي». (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 11، ص 154)
    * نقدم لكم هذه الخطبة العلويّة محرّكةً، من (نهج البلاغة- تحقيق الدّكتور صبحي الصّالح)، مع مختاراتٍ من شرح ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة).


    قال ابنُ أبي الحديد: من كلامٍ له عليه السلام قالَه بعَد تلاوتِه ﴿أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ﴾:

    * يَا لَه مَرَاماً مَا أَبْعَدَه وزَوْراً مَا أَغْفَلَه * وخَطَراً مَا أَفْظَعَه * لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ وتَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * أَفَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ * أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ؟
    يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وحَرَكَاتٍ سَكَنَتْ * ولأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً
    * ولأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ * أَحْجَى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ * لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ * وضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَةٍ.
    * ولَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ والرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ لَقَالَتْ * ذَهَبُوا فِي الأَرْضِ ضُلَّالًا وذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالًا * تَطَئُونَ فِي هَامِهِمْ وتَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ
    * وتَرْتَعُونَ فِيمَا لَفَظُوا وتَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا * وإِنَّمَا الأَيَّامُ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ بَوَاكٍ ونَوَائِحُ عَلَيْكُمْ.
    * أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ وفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ * الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وحَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوكاً وسُوَقاً * سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلًا سُلِّطَتِ الأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيه * فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ * فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ * وضِمَاراً لَا يُوجَدُونَ * لَا يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الأَهْوَالِ * ولَا يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الأَحْوَالِ * ولَا يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ ولَا يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ * غُيَّباً لَا يُنْتَظَرُونَ وشُهُوداً لَا يَحْضُرُونَ * وإِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا، وآلَافاً (أُلّافَاً) فَافْتَرَقُوا * ومَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ ولَا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وصَمَّتْ دِيَارُهُمْ * ولَكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً * وبِالسَّمْعِ صَمَماً وبِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً * فَكَأَنَّهُمْ فِي ارْتِجَالِ الصِّفَةِ صَرْعَى سُبَاتٍ * جِيرَانٌ لَا يَتَأَنَّسُونَ وأَحِبَّاءُ لَا يَتَزَاوَرُونَ * بَلِيَتْ بَيْنَهُمْ عُرَى التَّعَارُفِ * وانْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الإِخَاءِ * فَكُلُّهُمْ وَحِيدٌ وهُمْ جَمِيعٌ * وبِجَانِبِ الْهَجْرِ وهُمْ أَخِلَّاءُ * لَا يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً ولَا لِنَهَارٍ مَسَاءً * أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ ظَعَنُوا فِيه كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً * شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا * ورَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا * فَكِلْتَا الْغَايَتَيْنِ مُدَّتْ لَهُمْ * إِلَى مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ والرَّجَاءِ * فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا * لَعَيُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا ومَا عَايَنُوا.
    * ولَئِنْ عَمِيَتْ آثَارُهُمْ وانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ * لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ * وسَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ * وتَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ * فَقَالُوا كَلَحَتِ الْوُجُوه النَّوَاضِرُ وخَوَتِ الأَجْسَامُ النَّوَاعِمُ * ولَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلَى وتَكَاءَدَنَا ضِيقُ الْمَضْجَعِ * وتَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ وتَهَكَّمَتْ عَلَيْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ * فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا وتَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا * وطَالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا * ولَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً ولَا مِنْ ضِيقٍ مُتَّسَعاً * فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ * أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ * وقَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ * واكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَاب فَخَسَفَتْ * وتَقَطَّعَتِ الأَلْسِنَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلَاقَتِهَا * وهَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِي صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا * وعَاثَ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِيدُ بِلًى سَمَّجَهَا * وسَهَّلَ طُرُقَ الآفَةِ إِلَيْهَا * مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلَا أَيْدٍ تَدْفَعُ ولَا قُلُوبٌ تَجْزَعُ * لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ وأَقْذَاءَ عُيُونٍ * لَهُمْ فِي كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لَا تَنْتَقِلُ * وغَمْرَةٌ لَا تَنْجَلِي


    * فَكَمْ أَكَلَتِ الأَرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وأَنِيقِ لَوْنٍ * كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ ورَبِيبَ شَرَفٍ * يَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِه * ويَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِه * ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِه وشَحَاحَةً بِلَهْوِه ولَعِبِه * فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وتَضْحَكُ إِلَيْه * فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِه حَسَكَه * ونَقَضَتِ الأَيَّامُ قُوَاه * ونَظَرَتْ إِلَيْه الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ * فَخَالَطَه بَثٌّ لَا يَعْرِفُه ونَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُه * وتَوَلَّدَتْ فِيه فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِه،
    * فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَه الأَطِبَّاءُ * مِنْ تَسْكِينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ وتَحْرِيكِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ * فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلَّا ثَوَّرَ حَرَارَةً * ولَا حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلَّا هَيَّجَ بُرُودَةً * ولَا اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ * إِلَّا أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ * حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُه وذَهَلَ مُمَرِّضُه * وتَعَايَا أَهْلُه بِصِفَةِ دَائِه * وخَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّاِئِلينَ عَنْه * وتَنَازَعُوا دُونَه شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَه * فَقَائِلٌ يَقُولُ هُوَ لِمَا بِه ومُمَنٍّ لَهُمْ إِيَابَ عَافِيَتِه * ومُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِه * يُذَكِّرُهُمْ أُسَى الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِه،
    * فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا * وتَرْكِ الأَحِبَّةِ * إِذْ عَرَضَ لَه عَارِضٌ مِنْ غُصَصِه * فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِه ويَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِه * فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِه عَرَفَه فَعَيَّ عَنْ رَدِّه * ودُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِه سَمِعَه فَتَصَامَّ عَنْه * مِنْ كَبِيرٍ كَانَ يُعَظِّمُه أَوْ صَغِيرٍ كَانَ يَرْحَمُه * وإِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ * أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا.




    الشّرح:

    قد اختلفَ المفسّرون في تأويلِ هاتَين الآيتَين، فقال قومٌ: المعنى أنّكم قطَعتم أيّامَ عمرِكم في التّكاثر بالأموال والأولاد حتّى أتاكم الموت، فكنّى عن حلولِ الموت بهم بزيارةِ المقابر.
    وقال قومٌ: بل كانوا يتفاخرون بأنفسِهم، وتَعدَّى ذلك إلى أن تَفاخروا بأسلافِهم الأموات، فقالوا منّا فلان وفلان - لقومٍ كانوا وانقرضوا.
    وهذا هو التّفسير الذي يدلُّ عليه كلامُ أمير المؤمنين عليه السلام.
    * (يَا لَه مَرَاماً): منصوبٌ على التّمييز.
    * (مَا أَبْعَدَه): أي لا فخرَ في ذلك، وطلبُ الفخر من هذا الباب بعيد، وإنّما الفخرُ بتَقوى الله تعالى وطاعتِه.
    * (وزَوْراً مَا أَغْفَلَه): إشارة إلى القوم الذين افتَخروا. جعلَهم بتذكّر الأموات السّالفين كالزّائرين لقبورِهم -والزَّوْر اسمٌ للواحد والجمع، كالخَصمِ والضّيف- قال: ما أغفلَهم عمّا يُراد منهم لأنّهم تركوا العبادةَ والطّاعة، وصرّموا الأوقاتَ بالمفاخرةِ بالمَوتى.
    * (لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ): ".." أراد بـ (استخْلَوا) ذكرَ مَن خلا من آبائهم، أي مَن مضى. يُقال: هذا الأمرُ من الأمور الخالية، وهذا القرنُ من القرون الخالية، أي الماضية. واستَخلى فلانٌ في حديثِه، أي حدّث عن أمورٍ خالية، والمعنى: أنّه [عليه السلام] استعظمَ ما يُوجبه حديثُهم عمّا خلا وعمّن خلا من أسلافِهم وآثارِ أسلافهم من التّذكير، فقال: أيّ مدّكِرٍ وواعظٍ في ذلك؟ ورُوي: «أيّ مذّكّر»، بمعنى المصدر، كالمعتقد بمعنى الاعتقاد، والمعتبر بمعنى الاعتبار.
    *( وتَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ): أي تناولوهم، والمراد: ذَكروهم وتحدّثوا عنهم فكأنّهم تناولوهم، وهذه اللّفظة من ألفاظ القرآن العزيز: ﴿وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ سبأ:52، وأنّى لهم تناولُ الإيمان حينئذٍ بعدَ فواتِ الأمر.
    * (يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ): أي يذكرون آباءَهم فكأنّهم ردّوهم إلى الدّنيا وارتجَعوهم من القبور، وَخَوَت: خَلَت. ".."
    * قوله عليه السلام: (تَطَئُونَ فِي هَامِهِمْ): أخذَ هذا المعنى أبو العلاء المعرّيّ، فقال:

    خَفِّفِ الوَطْءَ مَا أَظُنُّ أَدِيْمَ الأَرْضِ إلّا مِن هـَـذِهِ الأَجْسَادِ
    رُبَّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْدَاً مِرَارَاً ضَاحِكٍ مِن تَزَاحُمِ الأَضْدَادِ
    وَدَفينٍ عَلى بقايا دَفِينٍ من عهـودِ الآباءِ وَالأَجــــدَادِ
    صاحَ هَذي قبورُنا تَمْلَأُ الأرضَ فَأَيْنَ القبورُ من عهدِ عَادِ
    سِرْ إنِ اسْطَعْتَ في الهواءِ رُوَيْدَاً لا اختيالاً على رفاتِ العبادِ






    * (وتَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِم): أي تزرعونَ النّباتَ في أجسادِهم ".." ورُوي: وتَستثبتون، بالثّاء، أي: وتَنصبون الأشياءَ الثّابتةَ كالعُمد والأساطين للأوطان في أجسادِ الموتى.
    * (وتَرْتَعُونَ فِيمَا لَفَظُوا): لفَظتُ الشّيء، بالفَتح، رميتُه من فمي، ألفِظُه، بالكسر. ويجوزُ أن يريد بذلك أنّكم تأكلونَ ما خلَّفوه "..".
    *( وتَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا): أي تسكنونَ في المساكن التي لم يعمّروها بالذِّكر والعبادة، فكأنّهم أخرَبوها في المعنى ".." ويجوزُ أن يريد: وتسكنونَ في دُورٍ فَارَقوها وأخلَوها، فأَطلقَ على الخُلُوِّ والفَراغ لفظَ (الخراب) مجازاً.
    * (وإِنَّمَا الأَيَّامُ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ بَوَاكٍ ونَوَائِحُ عَلَيْكُمْ): يريدُ أنّ الأيّام واللّيالي تُشيِّعُ رائحاً إلى المقابر، وتبكي وتنوحُ على الباقين الذين سيَلتحقون به عن قريب.
    * قوله (أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُم، وفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ): «السَّلَف»: المتقدّمون، و«الغاية»: الحدُّ الذي يُنتهى إليه، إمّا حسّيّاً أو معنويّاً، والمرادُ هاهنا الموت. و«الفَرَط»: القومُ يسبقون الحيّ إلى المَنهل.
    * (مَقَاوِمُ الْعِزِّ، وحَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوكاً وسُوَقاً): «مَقَاوِمُ الْعِزِّ»: دعائمُه، جمع مِقْوَم، وأصلُها الخَشبةُ التي يُمسكُها الحرّاث. و«حَلَبَاتُ الفَخر» جمعُ حَلْبَة، وهي الخيلُ تُجمَع للسّباق. و«السّوَق»، بفتح الواو، جمعُ سَوَقة، وهو مَن دونَ المَلِك
    * * *

    * وبعد الفقرة التي تنتهي بقوله عليه السلام «وإِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ * أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا»، قال ابنُ أبي الحديد:
    «هذا موضعُ المَثل (مَلْعاً يا ظليمُ وإلّا فَالتَّخوِيَة) [المَلْع: السَّيْرُ السّريع، ويُقال: خَوِيُّ الطّائر إذا أرسلَ جناحَيه. وهو مثلٌ بمعنَى هكذا، وإلّا فَلَا] مَن أرادَ أن يَعِظَ ويخوِّف، ويقْرَعَ صَفاةَ القلب، ويُعرِّفَ النّاسَ قَدْرَ الدّنيا وتَصرُّفَها بأهلها، فَلْيَأتِ بمثلِ هذه الموعظةِ في مثلِ هذا الكلامِ الفَصيح، وإلّا فَلْيُمسِك، فإنّ السّكوتَ أستَر، والعيُّ خيرٌ من منطقٍ يفضحُ صاحبَه. ومَن تَأمَّلَ هذا الفصلَ عَلِمَ صدقَ معاوية في قولِه فيه: «واللهِ ما سنَّ الفصاحةَ لقريشٍ غيرُه»، وينبغي لو اجتمعَ فصحاءُ العرب قاطبةً في مجلسٍ وتُلِيَ عليهم [نصّ هذه الخطبة] أن يَسجدوا له، كما سجدَ الشّعراءُ لقولِ عَدِيّ بن الرّقاع: قلمٌ أصابَ من الدّواةِ مدادَها فلمّا قيلَ لهم في ذلك، قالوا: إنّا نعرفُ مواضعَ السّجودِ في الشِّعر كما تعرفون مواضعَ السّجودِ في القرآن.
    وإنّي لَأُطيلُ التّعجُّبَ من رَجلٍ يخطبُ في الحرب بكلامٍ يدلُّ على أنّ طبعَه مناسبٌ لطباعِ الأسودِ والنّمور وأمثالِهما من السّباع الضّارية، ثمّ يخطبُ في ذلك الموقفِ بعينِه إذا أرادَ الموعظةَ بكلامٍ يدلُّ على أنّ طبعَه مُشاكِلٌ لطباعِ الرّهبانِ لابسي المُسوح الذين لم يَأكلوا لحماً ولم يُريقوا دماً "..".
    وَأُقسِمُ بمَن تُقسِمُ الأُمَمُ كلُّها به، لقد قرأتُ هذه الخطبةَ منذ خمسين سنةً وإلى الآن أكثرَ من ألفِ مرّة، مَا قَرَأْتُها قطُّ إلّا وَأَحدَثتْ عندي روعةً وخوفاً وعِظَةً، وَأَثَّرَت في قلبي وَجيباً، وفي أعضائي رعدةً، وَلا تأمّلتُها إلّا وَذكرتُ المَوتى من أهلِي وأقاربي وأربابِ ودِّي وخيّلتُ [كلّاً منهم] في نفسي، فقال: إنّي أنا ذلك الشَّخصُ الذي وصفَ عليه السلام حالَه.
    وكَم قد قالَ الواعظون والخطباءُ والفصحاءُ في هذا المعنى، وكم وقفتُ على ما قالوه وتكرَّر وقوفي عليه، فلَم أجد لشيءٍ منه مثلَ تأثير هذا الكلامِ في نفسي..».
    ***
    " وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبّك فَتَرْضَى "

    تعليق


    • #3

      أعْقَلُ النّاس، مَن بلغت أعمالُه الرُّشد
      أحْمَقُ النّاس، المُغتَرُّ بالدّنيا وهو يَرى تَقَلُّبَ أحوالِها
      ـــــ الفقيه، الفيضُ الكاشانيّ قدّس سرّه (1007 - 1091هجريّة) ـــــ



      * شيخٌ شاميٌّ كبير، حلَّ في مجلسِ أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، على أبوابِ نشوبِ الحرب، وطلبَ منه عليه السلام أن يَعِظَه.
      * تَماهى في هذا الشّيخ الشّاميّ -واتّحَدَ- طلبُ الموعظة، والاتّعاظ، فالجهاد والشّهادة، فإذا الموعظةُ التي سَمِعَها والتّرجمة العمليّة لاتّعاظه مدرسةٌ للأجيال في العلم والعَمل.
      * في ما يلي هذه الموعظة العلويّة في سياق سَرد حكايتِها الكاملة كما رواها -وشرحَ مفرداتِها- الفقيهُ الفيضُ الكاشانيّ في (الوافي: ج 26، ص 226).

      قال الفيضُ الكاشانيّ: ".." عن موسى بنِ جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه عليهم السلام قال:
      «بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذاتَ يومٍ جالسٌ مع أصحابِه يُعبّيهم للحرب إذ أَتاه شيخٌ كبيرٌ عليه شحبة السّفر، فقال: أينَ أميرُ المؤمنين؟ فقيلَ: هوَ ذا هو، فَسَلَّمَ عليه، ثمّ قال: يا أميرَ المؤمنين، إنّي أَتيتُك من ناحيةِ الشّام، وأنا شيخٌ كبير، وقد سمعتُ فيكَ من الفضلِ مَا لا أُحصي، وإنّي أظنُّكَ ستُغتال، فعلِّمني ممّا علّمكَ الله.
      قال: نَعم يا شيخ، مَن اعتدلَ يوماه فَهو مغبونٌ، ومَن كانتِ الدّنيا همّتَه اشتدّت حسرتُه عندَ فراقِها، ومَن كان غدُه شرَّ يومَيه فهو مَحروم، ومَن لم يبالِ بما زُوِيَ من آخرتِه إذا سَلِمَت له دُنياه فهو هالك، ومَن لم يَتعاهد النَّقْصَ من نفسِه غلبَ عليه الهَوى، ومَن كان في نقصٍ فالموتُ خيرٌ له. [يا شيخ، إنّ الدّنيا خَضِرةٌ حلوةٌ ولها أَهْل، وإنّ الآخرةَ لها أَهل، ظَلِفَت أنفسُهم عن مفاخرةِ أهلِ الدّنيا لا يتنافسون في الدّنيا، ولا يَفرحون بغضارتِها، ولا يَحزنون لِبُؤسِها.
      يا شيخ، مَن خاف البياتَ قلَّ نومُه، ما أسرعَ اللّيالي والأيّامَ في عمرِ العَبد، فَاخزِنْ لسانَك، وَعُدَّ كلامَك يقلَّ كلامُك إلّا بخير].
      يا شيخ، ارضَ للنّاس مَا ترضى لنفسِك، وائتِ إلى النّاسِ مَا تحبُّ أن يُؤتَى إليك.
      ثمّ أقبلَ على أصحابِه، فقال: أيُّها النّاس، أمَا تَرونَ إلى أهلِ الدّنيا يُمسونَ ويُصبحونَ على أحوالٍ شَتّى، فبينَ صريعٍ يتلوّى، وبينَ عائدٍ ومَعُود، وآخرَ بنفسِه يجود، وآخرَ لا يُرجى، وآخرَ مُسَجّى، وطالبِ الدّنيا والموتُ يطلبُه، وغافلٍ وليسَ بمغفولٍ عنه، وعلى أثرِ الماضي يصيرُ الباقي.
      فقال له زيدُ بنُ صَوحان العبديّ: يا أمير المؤمنين، أيُّ سلطانٍ أغلبُ وأقوى؟
      قال: الهوى.
      قال: فأيُّ ذُلٍّ أذلّ؟
      قال: الحرصُ على الدّنيا.
      قال: فأيُّ فقرٍ أشدّ؟
      قال: الكفرُ بعدَ الإيمان.
      قال: فأيُّ دعوةٍ أَضَلّ؟
      قال: الدّاعي بما لا يَكون.
      قال: فأيُّ عملٍ أفضل؟
      قال: التّقوى.
      قال: فأيُّ عملٍ أنجَح؟
      قال: طَلَبُ ما عندَ الله.
      قال: فأيُّ صاحبٍ شرّ؟
      قال: المُزَيِّنُ لكَ معصيةَ الله.
      قال: فأيُّ الخَلْق أشقَى؟
      قال: مَن باعَ دينَه بدنيا غيرِه.
      قال: فأيُّ الخَلق أقوى؟
      قال: الحليم.
      قال: فأيُّ الخَلقِ أَشَحّ؟
      قال: مَن أخذَ المالَ من غير حِلِّهِ فجعلَه في غير حقِّه.
      قال: فأيُّ النّاس أكيَس؟
      قال: مَن أبصرَ رُشدَه من غَيِّهِ، فمالَ إلى رُشدِه.
      قال: فمَن أَحلمُ النّاس؟
      قال: الذي لا يَغضب.
      قال: فأيُّ النّاسِ أثبتُ رأياً؟
      قال: مَن لم يَغُرَّهُ النّاسُ من نفسِه، ومَن لم تغرّه الدّنيا بتشوُّفِها.
      قال: فأيُّ النّاس أَحمَق؟
      قال: المغترُّ بالدّنيا وهو يَرى ما فيها من تقلُّبِ أحوالِها.
      قال: فأيُّ النّاسِ أشدُّ حسرةً؟
      قال: الّذي حُرِمَ الدّنيا والآخرة ﴿ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ﴾.
      قال: فأيُّ الخَلْقِ أَعمى؟
      قال: الذي عملَ لغيرِ الله، ويطلبُ بعملِه الثّوابَ من عندِ الله.
      قال: فأيُّ القنوعِ أفضل؟
      قال: القانعُ بما أعطاه اللهُ عزّ وجلّ.
      قال: فأيُّ المصائبِ أشدّ؟
      قال: المصيبةُ في الدِّين.
      قال: فأيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ تعالى؟
      قال: انتظارُ الفَرَج.
      قال: فأيُّ النّاسِ خيرٌ عندَ الله؟
      قال: أخوفُهم لله وأعملُهم بالتّقوى وأزهدُهم في الدّنيا.
      قال: فأيُّ الكلامِ أفضلُ عندَ الله؟
      قال: كَثرةُ ذِكرِه والتّضرُّع إليه بالدّعاء.
      قال: فأيُّ القولِ أصدَق؟
      قال: شهادةُ أن لا إلهَ إلّا الله.
      قال: فأيُّ الأعمالِ أعظمُ عندَ اللهِ عزّ وجلّ؟
      قال: التّسليمُ والوَرَع.
      قال: فأيُّ النّاس أصدَق؟
      قال: مَنْ صَدَق في المواطن. [في ساحات الجهاد].

      ثمّ أقبلَ على الشّيخ، فقال:يا شَيخ، إنّ الله عزّ وجلّ خلقَ خَلْقَاً ضيّقَ الدّنيا عليهم -نظرَاً لهم- فَزَهَّدَهم فيها وفي حُطامِها، فَرَغِبوا في دار السّلامِ الّتي دَعاهم إليها، وصَبروا على ضيقِ المعيشةِ وصبَروا على المكروه، واشتاقوا إلى ما عندَ اللهِ من الكرامة، فبَذلوا أنفسَهم ابتغاءَ رضوانِ الله، وكانت خاتمة أعمالِهم الشّهادة، فَلقوا اللهَ وهو عنهم راضٍ، وعلموا أنّ الموتَ سبيلُ مَن مضى ومَن بَقِي، فتَزوّدوا لآخرتِهم غيرَ الذَّهبِ والفضّة، وَلَبِسوا الخَشِن، وصَبروا على البَلوى، وقدّموا الفَضل، وأحبّوا في اللهِ وأبغَضوا في اللهِ تعالى، أولئكَ المصابيحُ وأهلُ النّعيم في الآخرة. والسّلام

      قال الشّيخ: فَأَينَ أذهبُ وأَدَعُ الجنّةَ وأنا أراها وأرى أهلَها معكَ. يا أميرَ المؤمنين، جَهِّزني بقوَّةٍ أتقوّى بها على عدوِّك. فَأَعطاه أميرُ المؤمنين عليه السلام سلاحاً وحملَه، فكان في الحربِ بين يدَي أميرِ المؤمنين عليه السلام يضربُ قُدُماً وأميرُ المؤمنين عليه السلام يعجبُ ممّا يصنع.
      فلمّا اشتدّتِ الحربُ أقدمَ فرسَه حتّى قُتِلَ رحمَه الله، وأتبعَه رجلٌ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام فوجدَه صريعاً وَوَجدَ دابّتَه وَوَجدَ سيفَه في ذراعِه، فلمّا انقضتِ الحربُ أُتِيَ أميرُ المؤمنين عليه السلام بدابّتِه وسلاحِه، وصلّى عليه أميرُ المؤمنين، وقال: هذا واللهِ السّعيدُ حقّاً، فتَرحّموا على أخيكم» .
      (الفيض الكاشانيّ، الوافي: ج 26، ص 226)


      قال الفيض الكاشانيّ: (بيان:
      * «التّعبئة»: التّهيئة. و«الشّحبة» -بالشّين المعجَمة والحاء المهملة والباء الموحّدة- بمعنى تغيُّر اللّون لعارضٍ من مَرَضٍ أو سَفَر.
      * و«الاغتيال»: الإهلاك. يُقال: اغتالَه إذا أخذَه من حيث لا يدري.
      * «شرّ يومَيه»: يعني شرّاً من يومِه.
      * «زُوِيَ»: صُرِف وقُبِض، وفي بعض النُّسَخ، «رزي» بتقديم المُهملة، بمعنى نُقِص وتعاهدَ النّقصُ طلبَه وتداركَه.
      * و«الصّريع»: المصروعُ لمرضٍ أو جراحةٍ أو غيرهم.
      * و«التّلوّي»: الانفتالُ والانثناءُ، يعني ساقطٌ من المرضِ يتقلّبُ من جانبٍ إلى آخر.
      * و«الجُودُ بالنّفس» كنايةٌ عن انتزاع الرّوح. وسجّيتُ الميتَ تسجيةً، إذا مددتُ عليه ثوبَه وسترتُه.
      * و«النّجح»: الظَّفَرُ بالحوائج، و«الشُّحّ»: البُخل، و«الكَيس»: خلافُ الحُمق.
      * و«التَّشوُّف للشّيء» -بالمعجمة والفاء: طموحُ البصرِ إليه.
      * و«التّزيّن له في المواطن»: أي المواطن كلّها، يعني في الشدّة والرّخاء والفقر والغِنى إلى غير ذلك.
      * و«التّجهيز» تهيئةُ ما يحتاج إليه.
      * «قُدُماً» أي متقدّماً، ويُقال: رجلٌ قُدُم -بضَمّتين- أي شجاع. ومَضَى قُدُماً: إذا لم يُقِم ولم يحتَبس).

      **


      * أوردَ الفيضُ هذه الموعظة نقلاً عن (مَن لا يحضرُه الفقيه)، وأوردَها المجلسيّ في (البحار: ج 74، ص 376) نقلاً عن (معاني الأخبار)، و(الأمالي) للصّدوق رحمه الله، وبالرّجوع إلى كُتُب الشّيخ الصّدوق الثّلاثة يتّضح أنّها وردت في (الفقيه: ج 4، ص 381) ولم تَرِد فيها فقرة: «يا شَيخ، إنّ الدّنيا خَضِرةٌ حلوة..» إلى قولِه عليه السلام: «..إلّا بخير»، وكذلك وردَتْ في (معاني الأخبار: ص 198)، إلّا أنّها في (الأمالي) وردَتْ بزيادةِ هذه الفقرة، التي تجدها أعلاه بين قوسَين[ ].
      " وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبّك فَتَرْضَى "

      تعليق


      • #4
        الأمل وحركةُ الحياة
        موازنةٌ بين الاعتدال والاسترسال
        ـــــ آية الله الشّيخ محمّد مهدي شمس الدّين رحمه الله ـــــ


        * رؤيةُ الإمام عليه السلام لحركةِ التّاريخ في المستقبل لا تقتصرُ على رؤية النَّكَبات والكوارث -كما توحي بذلك كَثرةُ النّصوص الحاكية عن ذلك في (نهج البلاغة)- وإنّما تشملُ البشائرَ أيضاً.
        * الأملُ الكبيرُ الآتي الذي يبشِّرُ به الإمام عليه السلام يتمثّلُ في قيام ثورةٍ عالميّةٍ تصحِّحُ وضعَ عالم الإسلام، ومن ثمّ وضعَ العالم كلِّه، يقودها رجلٌ من أهل البيت هو الإمام المهديّ عليه السلام.



        الإنسان يعيشُ في الحاضر مشدوداً بين وترَين: الماضي والمستقبل، فهو لا يَني يحملُ الماضي في وعيه، وفي ذاكرته، وفي تركيبِ جسده، مثقلاً بأحزانه وأفراحه، ومخاوفه وآمالِه، مندفعاً بها نحو المستقبل، يضيءُ عينَيه نورُ الأمل الذي يغمر قلبَه بالحياة الأفضل. ولكنّه أملٌ معذّبٌ بالحَيرة، والقلق، والمخاوف من خَيبات الأمل.
        وهذه الحقيقة بارزةٌ في تكوين وحياة الإنسان الفرد بوضوح، وهي لا تقلُّ وضوحاً في حياة الأمم والشّعوب والجماعات.
        وقد وقف الإسلامُ في تعليمِه التّربويّ الإيمانيّ للأفراد في وجه المَيل إلى الإغراق في الأمل، لأنّه حين يشتدّ ويغلب على مزاج الإنسان يجعلُه غيرَ واقعيّ، ويحبسُه في داخل ذاته، وينمّي فيه الشّعور بـ «الأنا» على نحوٍ لا يعود الآخرون موضوعاً لاهتمامه وعنايته، أو يجعله قليلَ الاهتمام بهم، وهذا أمرٌ مرفوضٌ في دينٍ يجعلُ الاهتمامَ الشّخصيّ بالآخرين أحدَ المقوّمات الأساسيّة للشّخصيّة الإنسانيّة السّليمة، ولأنّ الإغراقَ في الأمل يحولُ بين الإنسان وبين كثيرٍ من فرَص كثيرة للتّكامل الرّوحيّ والأخلاقيّ، والنّصوص القرآنيّة في هذا الشّأن كثيرة، كذلك النّصوص النّبويّة الواردة في السُّنّة. وقد حفلت مواعظُ الإمام عليّ عليه السلام في (نهج البلاغة) بالتّحذير من الاسترسالِ مع الآمال.
        وهذا لا يَعني -بطبيعة الحال- أنّ تأميلَ الإنسان في مستقبله -باعتدال وواقعيّة- ممارسةٌ غير أخلاقيّة في الإسلام، كيف وقد حذّر اللهُ تعالى في القرآن الكريم من اليأس، ونَهى عنه في آياتٍ تذكّرُ برحمة الله ورَوح الله، ومن ذلك تعليم يعقوب سلام الله عليه لبَنيه حين أمرَهم بالبحث عن يوسف وأخيه، وذلك كما ورد في قوله تعالى : ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ يوسف:87. ".."
        والأملُ الموضوعيّ القائمُ على اعتباراتٍ عمليّةٍ تنبعُ من الجُهد الإنسانيّ، واعتباراتٍ عقيديّةٍ وروحيّة... هذا الأمل يشغلُ حيّزاً مهمّاً وأساسيّاً في تربية الله تعالى للبشريّةِ السّائرةِ في حياتها على خطّ الإيمانِ السّليم.
        وقد اشتملَ القرآن الكريم على آياتٍ محكَمات تتضمّن وعدَ الله تعالى بالنّصر والعزّة لأهل الإيمان، وقادتِهم من الأنبياء والتّابعين لَهم بإحسان. ".."
        وقد وجّهَ اللهُ تعالى في القرآن الكريم رسولَه محمّداً صلّى الله عليه وآله والمسلمين إلى أنّ الأملَ بالنّصر والحياة الأفضل يجبُ أن يبقى حيّاً نابضاً، دافعاً إلى العمل حتّى في أحلَكِ ساعاتِ الخذلان والهزيمة وانعدامِ النّاصر... لقد كانت الآمالُ بالنّصر تتحقّقُ في النّهاية على أروعِ صُوَرها حين يخالجُ اليأسُ قلوبَ أهل الإيمان، وحين يصلُ الرُّسُلُ الكرامُ إلى حافّة اليأس :
        ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يوسف:109-111.


        **
        إنّ الأمل الجَماعيّ بمستقبلٍ أكثر إشراقاً وأقلّ عذاباً، أو مستقبلٍ مترَعٍ بالفرح، خالٍ من المنغّصات... إنّ هذا الأمل يستندُ إلى وعدٍ إلهيّ. فهو، إذاً، ليس مغامرةً في المستقبل، وإنّما هو سيرٌ نحو المستقبل على بصيرة، وهو أملٌ يرفضُ الواقعَ التّجريبيّ الحافلَ بالمعوّقات نحو مستقبلٍ مثاليّ مشروطٍ بالعمل المخلصِ في سبيلِ الله. وفي سبيل الله تعالى بناءُ الحياة، وعمارةُ الأرض، وإصلاحُ المجتمع. كما أنّ هذا المستقبل مشروطٌ بالصّبر على الأذى في جَنبِ الله، والصّدق في تناول الحياة والتّعامل معها ومع المجتمع، والرّضا بقضاء الله تعالى.
        **
        والتّأمّلُ العميقُ الواعي في نصوص الكتاب الكريم والسّنّةِ الشّريفة التي تُفصح عن العلاقة بين الله عزّ وجلّ والإنسان، وتكشفُ عن طبيعة هذه العلاقة... كذلك التّأمُّل في الفقهِ المبنيِّ على هذَين الأصلَين... إنّ هذا التّأمّل يكشفُ عن أنّ العلاقة بين الله سبحانه والنّاس مبنيّةٌ على ثلاث حقائق ربانيّة؛ يقوم عليها وجودُ المجتمع البشريّ، وديمومتُه، ونموُّه وتقدُّمه :

        الحقيقة الأولى: هي الإنعامُ المطلق غير المشروط بشيءٍ على صعيد الشّروط الماديّة للحياة، بما يكفلُ لها الدّيمومة والنّموَّ التّصاعديّ نحو الأفضل، فقد خلقَ الله تعالى الإنسان، وزوّدَه بالمواهب العقليّة والنّفسيّة والرّوحيّة التي تتيحُ له أن يتعاملَ مع الطّبيعة المسخَّرة له، وتمكِّنُه من اكتشاف خَيراتِها وكنوزها، ومعرفةِ قوانينها وتوجيهِ هذه الاكتشافات والمعارف لخدمة نفسه ونوعه.
        الحقيقة الثّانية: هي الرّحمة التي كتبَها الله تعالى على نفسِه: ﴿..كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..﴾ الأنعام:12، والتي وَسِعَت كلَّ شيء: ﴿..وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ..﴾ الأعراف:156، وإقالةِ العَثرات -على صعيد الأُمم والجماعات والمجتمعات، والأفراد- والتّجاوز عن الخطايا والسّيّئات، ومنْح الفرَص المتجدّدة لتصحيح السّلوك، وتقويم الإعوجاج، والتّوبة والإنابة إلى الله تعالى، والعمل بقوانينِه وشرائعه. وهذه الحقيقة نابعةٌ من معادلةٍ تقابلُ بين حقيقتَين كونيّتَين :
        أ- خيريّة الله الشّاملة المطلَقة.
        ب- الحقيقة الموضوعيّة الثّابتة في الفكر الإسلاميّ، هي أنّ الإنسان خُلِقَ ضعيفاً. ﴿..وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ النساء:28.
        وما يخالف هذه الحقيقة من الآلام والكوارث فهو على قسمَين :
        الأوّل: ناشئٌ عن عمل الطّبيعة وقوانينها، وهي قوانينُ تعمل، في غرضها الأقصى، لخيرِ الجنس البشريّ بصورة شاملة وغير مقيّدة بزمانٍ أو رقعةٍ جغرافيّة، وهذا ما يجعلُها قوانينَ عادلة، وإن أصابت بالآلام بعضاً من البشر في زمانٍ بعينِه أو مكان بعينِه.
        وهذا بالنّسبة إلى الكوارث الطّبيعية التي تحصلُ بغير تدخّلٍ من الإنسان أو تقصيرٍ منه. أمّا ما يحدثُ في الطبيعة نتيجةً لعمل الإنسان نفسِه أو سلبيّتِه، أو عدم التزامٍ بالقوانين (في عصرنا الحاضر: تلويثُ البيئة، مثلاً، أو روح الاستغلال والعدوان في المجتمعات الصّناعيّة ضدّ العالم الثّالث، مثلاً )... هذا النّوع من الكوارث يدخلُ في القسم الثّاني التّالي.
        الثّاني: ناشئٌ عن سوء اختيار الإنسان، واستعجالِه الخيرَ قبل توفُّرِ شروطِه ونُضجِها، ومن عدوان بعضِهم على بعض.
        الحقيقة الثّالثة: هي البشارة من الله تعالى بأنّ أمورَ الحياة والمجتمع تصيرُ إلى أفضل وأحسن ممّا عليه في الحاضر. ولكنّ هذه البشارة لا تتحقّق بطريقةٍ إعجازيّةٍ مَحضة.
        إنّ تحقيق البشارة يتمُّ وفاءً بالوعدِ الإلهيّ، ومن ثمّ فَفيها عنصرٌ غيبيٌّ غيرُ تجريبيّ، ولكنّ تحقيقَها مشروطٌ بالعمل البشريّ :﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ الإسراء:9.
        ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ الزمر:17-18.

        **
        من هذا المنطلق الثّابت في الفكر الإسلاميّ، ومن البشائر المحدَّدة في الكتاب الكريم والسُّنّة النّبويّة بفرجٍ شاملٍ آتٍ في النّهاية يملأُ الدّنيا عدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجَوْراً... من هذا المنطلق، ومن هذه البشائر، كان أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يرى نورَ الأمل في المستقبل، وكان يبشّر بأنّ فرجاً آتٍ لا ريبَ فيه .
        إنّ حركة التّاريخ تقضي به، وإنّ وعد الله يقضي به، واللهُ تبارك وتَعالى لا يخلفُ الميعاد.
        وقد كانت رؤية الإمام صلوات الله عليه لحركة التّاريخ في المستقبل لا تقتصرُ على رؤية النَّكَبات والكوارث -كما توحي بذلك كَثرة النّصوص الحاكية عن ذلك في (نهج البلاغة)- وإنّما تشملُ البشائر أيضاً ".." وكانت رؤيةُ الإمام دقيقةً، محدّدةً، مُضيئةً، واضحةَ المعالم، في نطاقِ الخطوط الكبرى والتيّارات الأساسيّة لحركة التّاريخ، وإن لم تشتمل على التّفاصيل، من ذلك هذا الشّاهد على رؤيته لحركة الثّورة العادلة التي لا تنطفئ مهما تكالبت عليها الرّياح الهُوج، فقد قال له بعضُ أصحابه، لمّا أظفرَه اللهُ تعالى بأصحاب الجمل: وددتُ أنّ أخي فلاناً كان شاهدَنا ليَرى ما نصرَك اللهُ به على أعدائك، فقال له الإمامُ عليه السلام: «أَهَوَى أَخِيكَ مَعَنَا؟ فَقَالَ: نَعَم. قَالَ عليه السلام: فَقَدْ شَهِدَنَا، ولَقَدْ شَهِدَنَا، فِي عَسْكَرِنَا هَذَا، أَقْوَامٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وأَرْحَامِ النِّسَاءِ، سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ ويَقْوَى بِهِمُ الإِيمَانُ».
        هذا الأملُ الكبير الآتي الذي يبشّر به الإمام عليه السلام يتمثّل في قيام ثورة عالميّة تُصحِّح وَضْعَ عالم الإسلام، ومن ثمّ وَضْعَ العالمِ كلِّه، يقودُها رجلٌ من أهل البيت هو الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشّريف. وقد وردت في (نهج البلاغة) نصوصٌ قليلةٌ نسبيّاً تحدِّدُ بعضَ ملامحِ هذا الأمل، فمن ذلك قولُه عليه السلام: «حَتَّى يُطْلِعَ اللهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُم، ويَضُمُّ نَشْرَكُم».
        والعقيدةُ بالإمام المهديّ عليه السلام عقيدةٌ إسلاميّةٌ ثابتة، أجمعَ عليها المسلمون بأَسْرِهم، ودلَّ عليها القرآنُ الكريمُ في جملةِ آيات، والسّنّة الشّريفة في مئات الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام.

        (الشّيخ محمّد مهدي شمس الدّين، التّاريخ وحركة التّقدّم البشريّ ونظرة الإسلام: ص 197 - 203)

        " وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبّك فَتَرْضَى "

        تعليق


        • #5

          مواعظُ الإمام عليّ عليه السلام، والمشروعُ الإسلاميّ العالميّ
          نهجُ البلاغة، نهجُ «الكوثر»
          ـــــ الشّيخ حسين كوراني ـــــ


          * «لم نُغْزَ في عُقْرِ دُورنا -أيّها الأحبّة- ولم تُصبح بلادُنا «نَهباً صِيحَ في حُجُراتِه»، ولم نُصبح غُثاءً كغُثاء السَّيْل، إلّا حينَ أصبحتِ المواعظُ تقبعُ في هامشِ اهتمامنا. هذا إذا سمَحنا لها أن تدخلَ إلى دائرةِ الاهتمام».
          *« ليس بينَنا وبين أن نشربَ من «الكوثر» إلّا أن نفتحَ (نهج البلاغة)، بشرطِ أن تكون قلوبُنا نقيّةً طاهرة، عندها سنَشعرُ أنّ هذا الطَّعمَ، هو طعمُ الكَوثر..»
          من درسٍ في «مسجد الحوزة الدّينيّة» في صور، عام 1994م، بعد أن أعدتُ النّظر فيه، وأضفتُ إليه بعضَ الأَسطر.


          تحتلُّ الموعظةُ في القرآن الكريم موقعاً شامخاً سامقاً كما سَنرى.
          إنّها المحورُ والأساس، نحن في أحسنِ حالاتنا نعدُّها أمراً من الأمر، وشأناً من الشأن، شيئاً مّا، أمّا أن نعدُّها المحورَ الذي ينبغي أن تدورَ عليه رَحى كلِّ الأعمال، فهذا أمرٌ لا يتحقّقُ عادةً.
          ترى، هل نحتاجُ بعد نهجِ أبي الحسن عليٍّ عليه السلام إلى دليلٍ على التّوأمةِ الكاملة بين الموعظة والجهاد، وهل أبقى حديثُ شفرَتي (ذي الفقار) مجالاً للتّساؤل عن جَدوى الموعظة، أو عن إمكانيّة الاهتمامِ بأمور المسلمين والجهاد إذا غلبَ على المؤمن طابعُ الوَعظ .
          سَلْ (ذا الفقار) يُنبئْك أنّ الجهاد لا يُمكن أن يكون ماضياً كحدِّ السّيف إلّا إذا انطلقَ من الشّخصيّة المتّعظة .
          كان الإمام عليّ عليه السلام في مجال الطّعام والأَخْذِ من الدّنيا مكتفياً بقرصَيه، ومع ذلك كان بعضُ فعلِه (الإستراتيجيّ) في ساحة الجهاد دقَّ عُنُقِ عمرو بنِ وِد، وقَلعَ بابِ خيبر، وحصاداً -في بدر- هو نصفُ القتلى، والنّصف الآخر للملائكة ولسائر الجيش .
          كان عليٌّ عليه السلام قد اكتفى من لباسه بطِمرَيه -بثوبَين قديمَين- متّعظاً بما سمعَه من رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إلّا أنّه ألبسَ الأجيالَ كلّها أبرادَ العزِّ والكرامةِ والسّؤدَد .كان عليٌّ عليه السلام واعظاً متّعظاً، زاهداً في الدّنيا، معرضاً عنها، طلّقها ثلاثاً، ولذلك فإنّه عليه السلام ما يزال -وسيظلّ- هاجس الطّواغيت، كلِّ الطّواغيت .

          إنّه (الاتّعاظ). الاهتمام بالموعظة، والحرصُ عليها، وبذلُ الجهد في تحويلِها إلى سلوكٍ وعمل. أدرَكوا حقائق الدّنيا وأطلّوا على حقائق الآخرة واستَشرفوها، فهم يستعدّون للآخرة، يستعدّون ليوم العرضِ على الله تعالى. إقرأ وصايا الشّهداء، تَجِدْ أنّ المحورَ هو اتّعاظُهم.
          لأنّهم اتّعظوا تَعَمْلَقَ الفعلُ عندَهم فإذا هو استراتيجيّ. لأنّهم عاشوا مع أمير المؤمنين عليه السلام في (صفات المتّقين)، وفي موقفه من المال، وفي نظرتِه إلى الدّنيا، وفي حنينِه إلى الشّهادة، شربوا مع الحليب حبَّ أبي الحسن، الذي أمرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بحبِّه، وعندما بدأت مداركُهم تنمو -رُوَيْداً رويداً- تفتّحتْ على مواعظِ أبي الحسن عليه السلام.




          * الواعظُ الأوّل هو اللهُ تعالى، والقرآنُ الكريم مواعظُه تعالى
          للموعظة في الإسلام تلك المكانة العالية. اللهُ عزّ وجلّ هو الواعظُ الأوّل. الأنبياء عليهم السلام وُعّاظ. أهلُ البيت -والإمام عليّ عليه وعليهم السلام- سادةُ الواعظين.
          * لنتأمّل بعض النّصوص :يعرّف اللهُ تعالى نفسَه بأنّه واعظ، يقول سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ النساء: 58. وفي آية ثانية:﴿.. يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل:90. وفي آية ثالثة: ﴿يَعِظُكُمَ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ النور:17.
          وفي آية رابعة: يقولُ عزّ وجلّ للنّبيّ نوح -على نبيّنا وآله وعليه السلام: ﴿.. يَا نُوحُ ... إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ هود:46. اللهُ عزّ وجلّ هو الواعظُ الأوّل، والقرآنُ الكريم موعظتُه سبحانَه وتَعالى. والآياتُ كثيرةٌ في وصفِ القرآن بالموعظة منها: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ..﴾ آل عمران:138.


          وأنبياءُ الله تعالى وعّاظ
          وصفَ القرآنُ الكريم الأنبياءَ بأنّهم وعّاظ. والآياتُ في ذلك كثيرة. منها حول سيّد النّبيّين صلّى الله عليه وآله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ النساء:63. (إلى غير ذلك من الآيات التي تُعرَف وتُقرَأ كثيراً).
          كما نجدُ أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله كانوا إذا أُتيحت لأحدهم فرصة، يقول= 300) this.width = 300; return false;"> يا رسولَ الله ،عِظْنِي).
          لا يُسأل عن الأوضاع السّياسيّة، وكيف يقرأُها ويحلِّلُها! بل، يا رسولَ الله ،عِظْني.
          كذلك أصحاب الأئمّة عليهم السلام، كان أحدُهم إذا أُتِيحَت له فرصة، يسألُ الإمام: (يا أميرَ المؤمنين عِظْني، يا ابنَ رسول الله، عِظْني). أحياناً يطلبُ أن تكونَ الموعظةُ موجزةً ليحفظَها: (عِظْني وَأَوْجِز)، وما أكثرَ المواعظ التي جاءَت في سياق قولِ القائل: عِظْني. أنبياءُ الله تعالى وأولياؤه سبحانه وعّاظ.


          ضرورةُ إعادة الاعتبار للمَوعظة
          عندما نقارنُ بينُ هذا الموقع المتميّز للموعظة، وبين ما هو الغالبُ علينا والسّائدُ فينا في التّعامل مع الوعظ والمواعظ، نجدُ الفرقَ الهائلَ إلى حدِّ أنّنا نجدُ التّناقضَ العجيب -في الغالب- لدى مَن يهتمّ بالموعظة نسبيّاً، فهو يهتمُّ بها نظريّاً ويهمّشُها عمليّاً. يستحي أن يتمحّض حديثُه في الموعظة، بل يستحي أن يغلبَ على عملِه التّبليغيّ طابعُ الوعظ، إلى حدّ أنّ (أسابيع الموتى) ومناسبات الحديث عن الموتى لا تكادُ تشهَد حديثاً عن الوعظ والإرشاد، إلّا النَّزر اليَسير، وعندما يتضمّنُ البرنامج كلمةً في الوعظ والإرشاد، فهي كلمةٌ ثانويّة.
          أصبحنا نعتبرُ أنّ التّحليل السّياسيّ، والقراءة السّياسيّة أهمّ من الموعظة!
          صحيحٌ أنّه لا بدّ من التّحليل السّياسيّ، ويجب أن نُعنى به، إلّا أنّ الذي يصنعُ المحلِّل السّياسيّ هو ضرامُ لهيبِ الباطن المتصاعدِ من أَتون المواعظ، وإلّا فإنّ الإنسان يغرقُ في أوحال تحليلِه، ويقضي على نفسِه والآخرين.
          بالموعظة، ببناء النّفس، بالجهادِ الأكبر، يُمكننا أن نحقّقَ ليس التّوازن الإستراتيجي مع الأعداء فحسب، وإنّما بالموعظة يُمكننا أن نحقِّقَ التّفوّق على الأعداء ونُحرِزَ النّصر. إنّ هذا الأمر يحتاجُ إلى بذل جُهدٍ في مجاله يتناسبُ مع المسؤوليّات الجسام الملقاةِ علينا. نحتاجُ إلى إعادة الاعتبارِ في نفوسنا إلى الموعظة، ثمّ نثبّتُ حضورَها في التّخطيط الثّقافيّ والإعلاميّ بمختلفِ أساليبِه ووسائلِه، وفي مناهج الدّورات، خصوصاً تلك التي تُعنى بالإرادة وقيادة الذّات، وعلم النّفس والبَرمجة العصبيّة، والإرشاد الأُسَريّ. وحيث قد تفاقمت في هذا العصر المنكَرات وخيّمت أجواؤها، فإنّنا دائماً بأَمَسِّ الحاجة إلى التّواصل مع الوعظِ والإرشاد.
          هنا أسألُ نفسي وغيري: نحن بشكلٍ عامّ أين يجري تَواصلُنا مع الوعظ والإرشاد؟ أين نتّعظ؟ أين (نشحن بَطارّياتنا) بالوَقود الإيمانيّ، أين؟ لأنّنا لا نُعير هذا الأمر الاهتمامَ الكافي أصبحت النّتيجة كما نحسُّ ونرى. النّتيجة، ضعْفُ الرّادع الدّاخليّ فينا، والتّأثّر بالأجواء العامّة الماديّة، وإذا كان في شخصٍ منّا بقيّةُ وقودٍ إيمانيّ، فإنّ وسائل الإعلام -وفي طليعتِها التّلفزيون- كفيلةٌ بالقضاء على هذه الثُّمالة الباقية.
          حقّاً، متى وأين نزوِّد أنفسَنا بالمخزون الرّوحيّ والوَقود الإيمانيّ؟
          هل يتمّ ذلك من خلال الصّلاة؟
          إنّنا نعرفُ كيف نصلّي، نصلّي ونحن نفكّر بفلان والمسألة الفلانيّة و(الشّغلة) الفلانيّة!!
          أو يتحقّق عبر قراءة القرآن؟ إذا كانت قراءةُ القرآن من دون تدبّر وتأمّل فإنّ القلبَ لم يتّصل ليُمكن أن ينتقلَ إليه المخزون الرّوحيّ (بطاريّة القلب لا تشحن) حيث لم توجَد وسيلة مناسبة لنقلِ الوَقود الإيمانيّ. أم هل نزوّد أنفسنا بالمخزون الرّوحيّ من خلال قراءة كُتبٍ تذكّرنا بالآخرة؟
          وأحاديثُنا مع بعضنا، هل يغلبُ عليها -أو يحضرُ فيها بوضوح- طابعُ التّذكُّر والإرشاد؟
          صحيحٌ أنّه لا بدّ من التّرفيه عن النّفس، والمزاح، واللّهو الحلال والضَّحِك، وليس سليماً أن يبقى الشّخصُ دائماً يتكلّم عن الآخرة والقبر. لكن ليس صحيحاً أن يكون الغالب -فضلاً عن الدّائم- سوءُ الفعلِ والقول وإطباقُ الغَفلة عن المسار والمصير، وكيف يُمكن لمَن هذه حالُه أن يكفَّ الأذى عن النّاس، ويُحسنَ اختيارَ الصُّحبة، ويحفظَ كراماتِ الآخرين، ويشتغل بما خُلِقَ له.
          على كلٍّ منا أن يتنبّهَ جيّداً إلى كيفيّة تزويد نفسِه بالوقود الإيمانيّ، فيهتمّ بالموعظة، وسيقودُه ذلك تلقائيّاً إلى علاقةٍ خاصّةٍ بـ (نهج البلاغة) ومواعظِ أمير المؤمنين عليه السلام، ليسيرَ بها ومعَها في آفاق النّفس والقرآن الكريم والحديث الشّريف.


          (نهجُ البلاغة) حوضُ الكَوثر
          ثمّ إنّ (نهج البلاغة) هو (حوضُ الكوثر) وهو (نهرُ الكوثر)، مَن شَرِبَ من (نهج البلاغة) سيشربُ من (الكَوثر).
          أيّها الحبيب، نسمعُ كثيراً أنّ علياً عليه السلام ساقي الحوض، ما معنى (ساقي الحوض)؟
          حوضُ الكوثر هو حَوضُ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إلّا أنّ الذي يَسقي منه هو عليٌّ عليه السلام، ما هو السَّبب؟
          لأنّ حوضَ الكوثر هو صورةٌ معنويّة، صورةٌ مَلَكوتيّة عن الهداية المحمّديّة في الدّنيا، فهو حوضُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله، ولأنّ الشّربَ والأَخذَ والاقتداءَ برسول الله صلّى الله عليه وآله، والشّربَ من حوضِه والأخذَ منه في الدّنيا لا يُمكِنُ أن يتحقّق إلّا من خلال عليِّ بن أبي طالب عليه السلام، لأجلِ ذلك، كان السّاقي على الحوض في يومِ القيامة هو أميرُ المؤمنين عليه السلام.
          بلى.. (أنا مدينةُ العِلم وعليٌّ بابُها)، و(عليٌّ ساقي الحوض)، معناهما: لا يُمكن، على الإطلاق، أن يهتديَ مهتَدٍ في الدّنيا بنورِ المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله إلّا إذا تمسَّكَ بعليٍّ عليه السلام، وعندَها يُمكنُه أن يشربَ من حوض الكوثر، من يدِ السّاقي الذي شربَ منه في الدّنيا، لأنّ الآخرةَ هي باطنُ الدّنيا، تتجسّمُ الأمورُ في الآخرة، الأمور الدّنيويّة تتجسّم وتُصبح في الآخرة بشكلٍ يتناسبُ مع ذلك العالَم.
          وحدّثينا يا روايات الكوثر عن طَعم الكوثر، ماذا تقولُ الرّوايات عن طَعم الكوثر؟ (أَحْلَى من العَسل، وأَلْيَنُ من الزَّبد). حدّثينا يا روايات الكوثر. تقول: (في كلِّ رشفةٍ مَذاق، ولكلّ شربةٍ طَعم). ما هذه الرَّشفة من الكوثر؟ ألا تحنُّ نفسُك -أيّها الحبيب- إلى شربةٍ من يدِ أبي الحسن عليه السلام لا ظَمَأَ بعدَها؟
          نحن أمامَ دفّتَي (نهج البلاغة )على ضفافِ الكوثر، ليس بينَنا وبين أن نشربَ من الكوثر إلّا أن نفتحَ (نهج البلاغة)، بشرطِ أن تكونَ قلوبُنا نقيّةً طاهرة، عندها سنشعرُ أنّ هذا الطَّعم هو طعمُ الكوثر، غفرانَك اللّهمّ وحَنانيك، فإذا كان القلبُ مظلماً بالذّنوب، إذا كانت حُجُبُ المعاصي تحولُ بينَ القلبِ و(النّهجِ الكوثر)، فهَل إلى خلاصٍ من سبيل؟ بلى أيّها الحبيب، حبُّ عليٍّ عليه السلام يُطفِئُ بحاراً من نار، والمُحبُّ مطيعٌ لمَن أحبّ. أللّهمّ ارزُقنا الحبَّ الحقيقيّ الذي لا ينفصلُ عن الطّاعة.
          م/ن

          التعديل الأخير تم بواسطة الصدوق; الساعة 20-07-2013, 05:40 PM.
          " وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبّك فَتَرْضَى "

          تعليق


          • #6
            الكاتبة القديرة اسماء يوسف
            باركك الله تعالى وزادك علما وحكمة ونورا
            جزاك الله خيرا في عرض هذه القراءات القيمة
            لاعلام كبار في الكتابة والفكر والايمان
            انه جهد كريم تقدمت به تشكرين عليه

            اعجبتني هذه الكلمات
            للامام العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين :

            رؤيةُ الإمام عليه السلام لحركةِ التّاريخ في المستقبل لا تقتصرُ على رؤية النَّكَبات والكوارث -كما توحي بذلك كَثرةُ النّصوص الحاكية عن ذلك في (نهج البلاغة)- وإنّما تشملُ البشائرَ أيضاً.
            * الأملُ الكبيرُ الآتي الذي يبشِّرُ به الإمام عليه السلام يتمثّلُ في قيام ثورةٍ عالميّةٍ تصحِّحُ وضعَ عالم الإسلام، ومن ثمّ وضعَ العالم كلِّه، يقودها رجلٌ من أهل البيت هو الإمام المهديّ عليه السلام.


            الكاتبة سلام الحاج
            من جنوب لبنان
            سلام الحاج
            كاتبة واعلامية من جنوب لبنان

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
            x
            يعمل...
            X