إنّ الحسين بن أحمد بن محمد المعروف بابن الحجّاج البغدادي أحد الشعراء المفلقين في القرنين الثالث والرابع (المتوفّى 391 هـ) أنشأ قصيدته الفائيّة في مدح الإمام أمير المؤمنين ، وأنشدها في الحضرة العلويّة عندما زارها يقول في مستهلّها :
يا صاحبَ القبّة البيضا على النجفِ * من زارَ قبرَك واستشفى لديك شُفيْ
زوروا أبا الحسن الهادي لعلّكمُ * تحظون بالأجرِ والاقبالِ والزُّلَفِ(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رحلة ابن جبير : 226 ـ 229 ، ط . بيروت 1986 .
(2) اقرأ ترجمته في يتيمة الدهر 3 : 35; معجم الأُدباء 4 : 6; المنتظم 7 : 216; تاريخ بغداد 8 : 14; وفيات الأعيان 1 : 168; الكامل لابن الأثير 9 : 63 إلى غير ذلك من مصادر الترجمة; وفي روضات الجنّات 3 : 148-155 له ترجمة ضافية .
( 49 )
والقصيدة تعرب عن وجود البناء والقبّة البيضاء على القبر ، والزلف والتفاف الزائرين حوله في عصره ، ومع ذلك يدّعي بعض الوهابيين; أنّ البناء على القبور لم يكن في خير القرون وأنّه من البدع المستحدثة .
ولأجل شيوع البناء على القبور في جميع الأقطار الإسلاميّة نجد أنّ الأمير محمد بن إسماعيل اليماني ( ت1186 هـ) الّذي توهّب مع كونه زيدياً يفترض على نفسه ويقول في كتابه : وهذا أمر عمّ البلاد وطبق الأرض شرقاً وغرباً بحيث لا بلدة من بلاد الإسلام إلاّ فيها قبور ومشاهد ، ولا يسع عقل عاقل أنّ هذا منكر يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة ويسكت علماء الإسلام(1) .
فلو كانت هذه سيرة المسلمين من خير القرون إلى عصرنا فلماذا لا تكون حجّة؟ فلو كان التهديم أمراً واجباً فلماذا ترك الخلفاء تلك الفريضة؟! وهل يصحّ لنا اتّهامهم بالتسامح في أمر الدين مع أنّ الصحابة والتابعين مرّوا على تلك الآثار ولم ينبسوا فيها ببنت شفة؟ وإذا لم يكن ذلك الإجماع حجّة ، فأيّ إجماع يكون حجّة شرعيّة؟
فهذه النصوص من المؤرّخين تدلّ بوضوح على جريان السيرة على بناء القباب والأبنية على قبور الأولياء من دون أن يخطر ببال أحد أنّه مقدّمة للشرك ومفض إليه ، فإذا لم يكن مثل هذا الإجماع حجّة فأيّ إجماع حجّة؟
والعجب من ابن بليهد قاضي الحكومة السعودية أيام تدمير آثار رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عام (1344 هـ) . فبعدما نفّذ ما أُمر به من قبل المشايخ ، نشر بياناً في جريدة أُمّ القرى في عددها الصادر في شهر جمادى الآخرة من شهور سنة (1345 هـ) . وممّا جاء فيه قوله : إنّ القِباب على مراقد العلماء صار متداولا منذ القرن الخامس الهجري .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تطهير الاعتقاد : ص17 ، ثمّ إنّه حاول أن يُجيب عن هذا الاستنكار بما الإعراض عن ذكره أحسن .
( 50 ) فهل هذا صحيح أو افتراء أمام كلّ هذه النصوص من المسعودي وغيره؟ وليس البحث في خصوص العلماء ، بل مطلق قبور المسلمين ، نبيّاً كان أو وليّاً ، صحابيّاً كان أو تابعياً ، فقيهاً كان أو محدّثاً .
يا صاحبَ القبّة البيضا على النجفِ * من زارَ قبرَك واستشفى لديك شُفيْ
زوروا أبا الحسن الهادي لعلّكمُ * تحظون بالأجرِ والاقبالِ والزُّلَفِ(2)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رحلة ابن جبير : 226 ـ 229 ، ط . بيروت 1986 .
(2) اقرأ ترجمته في يتيمة الدهر 3 : 35; معجم الأُدباء 4 : 6; المنتظم 7 : 216; تاريخ بغداد 8 : 14; وفيات الأعيان 1 : 168; الكامل لابن الأثير 9 : 63 إلى غير ذلك من مصادر الترجمة; وفي روضات الجنّات 3 : 148-155 له ترجمة ضافية .
( 49 )
والقصيدة تعرب عن وجود البناء والقبّة البيضاء على القبر ، والزلف والتفاف الزائرين حوله في عصره ، ومع ذلك يدّعي بعض الوهابيين; أنّ البناء على القبور لم يكن في خير القرون وأنّه من البدع المستحدثة .
ولأجل شيوع البناء على القبور في جميع الأقطار الإسلاميّة نجد أنّ الأمير محمد بن إسماعيل اليماني ( ت1186 هـ) الّذي توهّب مع كونه زيدياً يفترض على نفسه ويقول في كتابه : وهذا أمر عمّ البلاد وطبق الأرض شرقاً وغرباً بحيث لا بلدة من بلاد الإسلام إلاّ فيها قبور ومشاهد ، ولا يسع عقل عاقل أنّ هذا منكر يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة ويسكت علماء الإسلام(1) .
فلو كانت هذه سيرة المسلمين من خير القرون إلى عصرنا فلماذا لا تكون حجّة؟ فلو كان التهديم أمراً واجباً فلماذا ترك الخلفاء تلك الفريضة؟! وهل يصحّ لنا اتّهامهم بالتسامح في أمر الدين مع أنّ الصحابة والتابعين مرّوا على تلك الآثار ولم ينبسوا فيها ببنت شفة؟ وإذا لم يكن ذلك الإجماع حجّة ، فأيّ إجماع يكون حجّة شرعيّة؟
فهذه النصوص من المؤرّخين تدلّ بوضوح على جريان السيرة على بناء القباب والأبنية على قبور الأولياء من دون أن يخطر ببال أحد أنّه مقدّمة للشرك ومفض إليه ، فإذا لم يكن مثل هذا الإجماع حجّة فأيّ إجماع حجّة؟
والعجب من ابن بليهد قاضي الحكومة السعودية أيام تدمير آثار رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عام (1344 هـ) . فبعدما نفّذ ما أُمر به من قبل المشايخ ، نشر بياناً في جريدة أُمّ القرى في عددها الصادر في شهر جمادى الآخرة من شهور سنة (1345 هـ) . وممّا جاء فيه قوله : إنّ القِباب على مراقد العلماء صار متداولا منذ القرن الخامس الهجري .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تطهير الاعتقاد : ص17 ، ثمّ إنّه حاول أن يُجيب عن هذا الاستنكار بما الإعراض عن ذكره أحسن .
( 50 ) فهل هذا صحيح أو افتراء أمام كلّ هذه النصوص من المسعودي وغيره؟ وليس البحث في خصوص العلماء ، بل مطلق قبور المسلمين ، نبيّاً كان أو وليّاً ، صحابيّاً كان أو تابعياً ، فقيهاً كان أو محدّثاً .
تعليق