مظاهر الحداثة في شعر الد?تور جمال نصاري
الد?تور جمال نصاري شاعرٌ حداثي ی?تب قصيدة النثر بإتقان و براعة. له عدّة دواوين منشورة و أخری تحت الطبع، و قد ?ُتِبت عنه دراسات نقدية. إنّه استاذٌ جامعي و ناقدٌ للشعر، و له المام بمقوّمات القصيدة النثريّة و نقدها. ألقی ال?ثير من المحاضرات حول قصيدة النثر في الندوات التي أُقيمت في المحافظة فأخذ يبيّن فيها مواطن الجمال في هذه القصيدة و يدعي جيل الشباب ل?تابتها. أمّا شعره فقد يتنفّس عبق التجارب الوعرة من خلال تجربة ثرّة حافلة بالمعاني الجزلة و الوسائل الخصبة التي توحي بمفاهيم تعجز اللغة عن تبيانها. و تشتغل نصوصه الخصبة على أكثر من ثيمة، لكن قطب الرحى فيها يدور حول الإنشداد لنداء الروح.
يم?ن لنا أن نعتبر الد?تور نصاري شاعر حداثي ي?تب قصيدة النثر و يجيد استخدام الوسائل و التقنيات الحداثية التي إعتمدها الرّواد من قبل بغية إثراء نصوصهم و شحنها بروافد خصبة؛ الد?تور جمال من الشعراء الذين إطّلعوا علی مظاهر الحداثة في الشعر الحدیث فتشبّعت نصوصه بال?ثير من تقنيات التعبير ?الأسطورة، و الرمز، و استدعاء الشخصيات التراثية و المعاني الحديثة، فهذه الوسائل يعتمدها الشاعر للإيحاء بدل المباشرة و التصريح، فينقل المتلقي من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني و الدلالات التي تكمن وراء النص، كما يقوم باستكمال ما تعجز الكلمات عن تبيانه.
و في هذه الدارسة المتواضعة سوف نبحر في آفاق خياله الخصب و جماليات لغته السهلة الممتنعة و توظيفه لبعض المظاهر الحداثية:
اللغة الشعرية:
المعجم اللغوي هو قاموس الشاعر، و الذي يت?وّن من خلال ثقافته و بيئته و مناخه الذي عايشه، و عليه فليس المعجم اللغوي مت?رراً عند الشعراء بالصيغة نفسها، و ل?نه أداة الشاعر الخاصة. يعدّ المعجم اللغوي من أهمّ الخواص الأسلوبية التي علی أساسها يم?ن الح?م علی شاعر، و تبيان ملامحه الخاصة. فال?ل شاعر مفرداته الخاصة التي يعتاد عليها في بيان أف?اره و رؤاه، و من يفتّش دواوين شاعرٍ ما سوف يتبيّن له حجم المفردات المت?رّرة، و هذه الحصيلة اللغوية تت?وّن له من خلال تفاعله مع اللغة. فالتجربة الشعرية تدفع المبدع إلی التفاعل مع اللغة ب?يفية خاصة، تتيح له إم?انية الإفضاء بتحويل مفرداتها إلی أدوات مطواعة، تتش?ل وفقاً لهذه التجربة، و يعمد المبدع إلی إفراغ مفرداته - جزئياً أو ?لياً - من معانيها المعجمية المحددة، لتحمل دلالات جديدة. و الد?تور نصاری في منجزه الشعري لا يستغني عن هذه القاعدة العامّة، فقد أجاد بجذب القارئ بكل حواسه باللغة الشعرية ذات الوتيرة السريعة التي تلامس مكنونات وجدانية بوعي عميق، فإنّ مفرداته مفردات شعرية ذات طابع حزين و هذا ما صرّح به في ديوان الجريمة:
ايها الأطباءِ
لا تخدشوا اناملها
هي تعزف علی وجهي
أنشودة الحب و البقاء
و أنا احمل لغة الشعر
و لغة الجروح (الجريمة، 24)
أهمّ ما يميّز لغة جمال في شعره هو إستخدامه للمفردات الحديثة المستوحاة من العلوم الجديدة، علی سبيل المثال:
و هي
تقترب من لحظة الميتافيزيقية (الجريمة، ص10)
و في المقطع التالي:
للقمر بريدٌ ال?تروني
و الارض تدور في موقعها
أنا أبحث عن مومسات في Google (الجريمة، 29)
و أيضاً:
أنا ?نت اتنفس الشيزوفيرنيا (الجريمة، 45)
و يقول:
و حسرة يتيمة
تبيعُ حنطتها
في دوّار القصر
متناسيةً الحدود
و الميتاحدود (الجريمة، 49)
و من خلال عيّنة إحصائية قمنا بها في هذا الديوان تبيّن لنا أن ال?لمات التي ت?رّرت ?ثيرا عند الشاعر هي ?التالي: الأرض، السماء، عبادان، الحداثة، الماء، إمراءة، ?ارون، الأم، أبي، الصباح، المساء، النساء، الجسد، و ..... و البعض من هذه المفردات أصبحت رموزا تساعد الشاعر للتعبير عمّا يدور في قلبه.
مفردات جمال مستمدّة من مفردات الحياة اليومية، و ليس غريباً أن يمتل? الشاعر معجمه اللغوي علی هذه الشا?لة، فهو شاعر ي?شف عن ثقافة و وعي و إطلاع علی الأدبين العربي و الفارسي، فقد درس ?لا الأدبينِ في الجامعة و ?تب العديد من الدراسات النقدية فيهما.
الرمز:
استأثرت تجربة الد?تور نصاري الشعرية بقدر ?بير من الاهتمام و الاحتفاء في استخدام الرمز بوعي و استهداف. إن الرمز لديه عبارة عن فواصل من التجليات و التداعيات يملأ بها ما يفيض لديه من الصور و المعاني المتدفقة و المفاهيم المزدحمة ضمن السياق الذي يسير فيه مجری القصيدة.
اجتمعت حصيلة كبيرة من الرموز في مسيرته الشعرية، وكانت أبرز مصادرها: الاسطورة والدين والتاريخ والابتكار؛ و أبرز ما يميزه أنه ي?ثر في شعره من موجودات الطبيعة ?الأرض و النهر و البحر و النخلة ...
إن هذه الرموز تستمد حيويتها و قيمتها من خلال تعامل الانسان معها. و يستوحيها الشاعر من واقع الانسان و علاقته بهذه الرموز التي تحمل مدلول استمرار الحياة و الأمل و الوطنية التلقائية.
فهو يسخّر الابعاد الإيحائية لهذه ال?لمات و الرموز من أجل خدمة ف?رته. و الرمز في شعره بديل واضح عن اسلوب التعبير الواقعي و محاولته لتخطي الواقع الذي لا يتيح حرية التعبير المباشرة، ?ما يتبّين لنا من خلال المقبوس التالي:
أبي بطل الرواية
مجهوله معلومٌ
?ل النوافذ في جسده مغلقة
و الضوء يبحث عن مخرجٍ
و نجيبة تبحث عن ضوئها
هنا
الشمس لا تصل إلی ذاتها
البحر يتر? قمصانه علی الساحل
و الجبال تخرُّ ساجدة (الجريمة، 9)
في هذا المقبوس جاءت عدّة رموز مؤتلفة لتدلّ علی الف?رة التي يريد الشاعر الإفضاء إليها. فالرموز لديه لاتقف منفصلة مفردة، انما تجتمع احياناً أو تتداخل فيما بينها حتى ليمكن اجتماعها في نص واحد، ويكثر هذا لديه.
و في مايلي يقول جمال:
الشطّ يبتعدُ عن ضفته
أمي تبتعدُ عن تاريخها (الجريمة، 25)
فهنا "الشط" يرمز إلی الواقع و الذات و "الأم" ترمز إلی الوطن و الشعب.
و في المقبوس التالي يقول الد?تور:
و إحتلت النساءُ خزائني
و لم تبقَ حمامة
علی قصائدي (الجريمة، 39)
العلاقة بين الشاعر و الحمامة علاقة تعاطف قائمة علی المشار?ة الوجدانية التي تربطهما معاً. إن الشعراء اتخذوا من هذا الطائر وسيلة للتعبير عما رسخ من م?بوت نفسي مؤلم، و للتعبير عن الاستجابة الخاصة التي يبديها الإنسان الشاعر للطبيعة، فالعذاب والنوح الذي تعلنه الحمامة هو الم?افئ الخارجي لانفعال الشاعر الداخلي و لحزنه و ألمه و نوحه علی من رحل منه، و ?أن ما تعلنه الحمامة ينسجم مع ما ي?نه الشاعر في نفسه، و ?أنها تعبّر عن م?بوته و ما يحتضنه من ألم.
و في مايلي يقول الشاعر:
للصقر منقارٌ
و للمرأة أنياب
اين أنت ايها الهدهد؟ (الجريمة، 44)
فالهدهد يرمز إلی البشارة و التطلّع إلی الخير.
الأسطورة:
ات?أ الشاعر علی (سيزيف) الذي يرمز إلی العذاب الإنساني اللانهائي، و الجهد غير المثمر، والعبث و اللاجدوی. ف?ان الرمز الأسطوري قد عوقب علی سخريته بالآلهة و تمرده عليهم بالعمل علی رفع الصخرة الثقيلة من سفح جبل في الجحيم إلی قمته، حتی إذا شارفت علی ذل? تدحرجت إلی الأسفل، و هذا حمل ثقيل يستنزف الدم و الجهد والعرق المتصبب. يحمل سيزيف صخرته صاعدا ً من جديد، و ?لما همّ بالوصول إلی القمّة تسقط الصخرة، و ه?ذا دوالي?. فالت?رار هنا، في جوهره، رمز لعبث التطلعات الانسانية و عقم الوجود الإنساني؛ يقول الشاعر:
ثلاثه أحرف تُقرأ عمودياً
الالف: لا إله موجودٌ في خيمة العرب
الميم: فَقَدت الماء و مصطفي خيالٌ لاينسی
اللام: لم تحتضن الفجر يوماً
و الحبيب يحملُ صخرته علی ?تفه (الجريمة، 8)
تُقرأ هذه الحروف بصورة عموديّة لأنّها تحتاج إلی وقفة للتأويل و الشرح، ف?لّ منها محطّة للمعاني و المفاهيم التي يريد الشاعر الإفضاء إليها. تدلّ هذه الحروف علی الـ "أمل" الذي لم يتحقّق بعد فأصبح "ألم". ففي ظل هذه الظروف القاسية نری "الحبيب يحملُ صخرته علی ?تفه"، و الصخرة ترمز إلی المعاناة و المحن. لقد استوحی الشاعر هذا المعنی من اسطورة "سيزيف". فشبّه شخصية "مصطفی" بإسطورة سيزيف.
يرمز الشاعر بالصخرة إلی ?ل أحلام الإنسان المثالية، و ?ل آماله الخيالية في الحياة السعيدة التي لن تتحقق علی هذه الأرض، و الصخرة هنا ترمز إلی تل? العقبات التي تحول بين الإنسان و بين الوصول إلی أحلامه المثالية السعيدة، و قد تفنن الشاعر في تصوير صعوبة اجتياز هذه الصخرة و تسلقها..
استدعاء التراث:
قد أدر? الشعراء المعاصرون انّ التراث مصدر غني وهام يتوجب عليهم أن لا يستغنوا عنه. ف?ثيراً ما قاموا بإستدعاء الشخصيات التراثية في شعرهم بغية توظيفها في بنية النصّ، بما تحمله من دلالات وإشارات تنمّي القدرة الإيحائية للقصيدة. فاستدعاء هذه الشخصيات تُعتَبر من أبرز التقنيات التي اعتمدها الشعراء في قصائدهم، لتمنحها حمولة فكرية و وجدانية لا تخفى على المتلقي، لأن الشخصيات المستدعاة غالباً ما يكون لها في الذهن و الوجدان إيحاءات دلالية و عاطفية، تفرض على القارئ نوعاً من التماهي معها، بما تمثله في وعيه و لاوعيه الفردي و الجماعي من حضور و تأثير قويين.
لقد استدعی الشاعر التراث و أضفی عليه رؤية حداثية تتّفق مع الواقع الذي يريد التعبير عنه ففي قصيدة "مصطفی و نجيبة" يستدعي قصة هبوط آدم إلی الأرض:
مصطفي يبحث عن ذاته
ذاتٌ إنغمست في المساء
مساءٌ تجرّد من هويته
و نجيبة تصرخ بوجه قاتلها
لم أنزلتنا من الجنة
لَمْ نأ?ل التفاحة بعد (الجريمة، 8)
تجد "نجيبة" نفسها في حبها "لمصطفی" بريئة ليست جديرة بالطرد من جنة حبيبها فإذا ?ان آدم أ?ل التفاحة و استحقّ العقوبة فإنّهما لم يقتربا إلي المحرّمات. "مصطفی" يبحث عن ذاته و هويته التي افتقدها في المساء ل?نّ "نجيبة" تحتجّ في وجه قاتلها و ترفع صوتها و تتحدّی ?ل القيّم المتخلّفة التي تسود المجتمع.
نجد مجموعةً من الأسماء التي يذ?رها الشاعر لا تأتي لمجرّد الدلالة علی شخصياتٍ موجودةٍ علی أرض الواقع بقدر ما تدلُّ علی قيمٍ و أف?ار و معانٍ يريد الشاعر أن يشيرَ اليها، منها شخصية الامام الحسين بن علي (ع). إنّه يستحضر مأساة ?ربلاء ليأخذ منها نموذج التضحية و الفداء، فالامام الحسين (ع) رمزٌ خالدٌ للتضحية و الفداء من أجل المبدأ / الدين، و هو رمز الباحث عن العدالة و نُصرة المستضعفين في وجه الجبروت ?ما ?ان المسیح (ع) من قبله:
ثقافةٌ تحيا بماضيها
و أنا لا أمتل? المرآة
لأریٰ المسيحَ
يمتدُّ في جسد أبي
بين أرض و سماء
و الحسين ينبعث من روما
إلی ?ربلاء (الجريمة، 16 و17)
نلاحظ ?يف يستلهم وقفة الامام الحسين (ع) في ?ربلاء وقوة صموده و صلابته و صبره و تحوله إلی قيمة مطلقة للشهادة في سبيل المبادئ و الحق هذه القيمة التي ثبتت بالاستشهاد و الدم. و في ما يلي يستدعي شخصية المسيح مرّة أخری:
هنا? أمام المقصلة
يعطي المسيحُ خبزه إلی الشعراء
فيولد الماء من الصليب (الجريمة، 41)
و في قصيدة " طفلٌ تيتّم مرّات" لقد استدعی الد?تور نصاري من الشخصيات الأدبية "بدر شا?ر السياب"، و "محمود درويش"، و "جبران خليل جبران".
و أحياناً يستخدم الشاعر في تجربته الشعرية الثرّة شخصيات أجنبية وفقاً للدلالة التي يريد التعبير عنها:
و إحتفلت سوزان سونتاج
بولادتها في عبّادان (الجريمة، 20)
و في المقطع التالي يقول:
و نواب ?لاسي?يون، طائفيون، عشائريون - ليبرإليون
باسم الأديان
يحاربون «فرويد»
لينقذو?م من الضلالِ
..................
يا ايها العربي المتفائل
لو رآنا ماريو فارغاس يوسا
ه?ذا هادئين لانتحر عصيانه (الجريمة، 22)
الألوان:
اللون من أهم وأجمل ظواهر الطبیعة ومن أهم العناصر التی تشكّل الصورة الأدبیة لما یشتمل علیه من شتى الدلالات الفنیة، الدینیة، النفسیة، الاجتماعیة، الرمزیة والاسطوریة.
للألوان إيحاءات و دلالات تحملها في ذاتها و تضيفها إلی النسيج الشعري الذي تنتظم فيه؛ و يسعين الشاعر بالألوان، ليعبّر عن عُمقه العاطفي و جوهره الف?ري، و ?أنه رسامٌ عارفٌ بخفايا الألوان و دلالاتها و علاقاتها بالإنسان.
و جمال نصاري بما امتل? من خيال و شاعرية أدر? ما للألوان من قيمة إيحائية و تأصيلية في بناء الصورة الشعرية، فاستخدم الألوان بدلالاتها الخاصة و برؤيته الحداثية.
اللون الأخضر:
من الألوان التي لها انتداب في نفسية جمال هو اللون الأخضر؛ يعد اللون الأخضر من أ?ثر الألوان وضوحاً و استقراراً في دلالاته. فهو لون الحیاة والحركة والسرور لأنه یهدئ النفس ویسرها وهو تعبیر عن الحیاة والخصب والنماء والأمل والسلام والأمان والتفاؤل وهو لون الربیع و الطبیعة الحیة و الحدائق و الأشجار و الأغصان والبراعم:
سيدتي
عندما تجلسين علی قبري
انتظري عيوني تخضر مرة أخری
لت?تب تاريخ? الحزين (الجريمة: 14)
ففي هذا المقبوس العيون الخضراء ترمز للحلم الجميل بالحياة الرغيدة.. اللون الأخضر يسهم في إبراز دلالة عمق الحياة و سعتها في الحدث الشعري. فاللون هنا يتجاوز الدلالة الوصفية العامة له، ليتحول إلی حياة ?املة مفعمة بالأمل دافقة بالعطاء و مسلحة بقدرة ?بيرة علی استشراف المستقبل، إن إيقاع اللون هنا هو إيقاع الحياة ب?امل حر?تها و ديناميتها و طفولتها.
اللون الأبیض:
للأبيض تقاليد رمزية عالية التداول في صنع الدلالة و ترميزها في أفق الاستخدام المعنوي و السيميائي، فهو في السياق الدلالي العام رمز الطهارة و النور و الغبطة و الفرح و النصر و السلام، ?ما انه و في السياق ذاته و الرؤية ذاتها رمز للصفاء، و نقاء السريرة، و الهدوء و الأمل، و حبّ الخير و البساطة في الحياة و عدم التقيّد و الت?لّف:
?لمتني عن ما بعد الحداثة
فرأيتها في شارع الثورة و الحداثة
?رديةٌ بيضاء (الجريمة، 18)
فالبیاض هنا يدلّ علی النصاعة و الجلاء. و قد وردت هذه الدلالة للون الأبيض في القرآن ال?ريم:
))یوم تبیض وجوه وتسود وجوه وأما الذین أبیضت وجوههم ففی رحمة الله)) آل عمران/107.
ففی هذه الآیة "أبیضت وجوههم" كنایة عن "صلحت أعمالهم وطهرت أرواحهم". فهذه الآية الشريفة توضح لنا أن الطهارة والنقاء والإیمان والصفاء تتجسم بیضاء فی القیامة، فتصبح وجوه الصالحین والطاهرین بیضاء لامعة. و في المقتبس التالي جاء هذا اللون أيضاً:
أنا لا ا?تب الشيزوفيرنيا
علی بياض الماء (الجريمة، 48)
اللون الأصفر:
یعتبر اللون الأصفر من أشد الألوان فرحا لأنه منیر للغایة ومبهج. هذا اللون یمثل قمة التوهج والإشراق ویعد أكثر الألوان اضاءة ونورانیة، لأنه لون الشمس مصدر الضوء و واهبة الحرارة والحیاة والنشاط والسرور، يقول الد?تور نصاري:
?لما إنتشر سمارها
في جسدي
صار وجهي اصفراً
و نار (الجريمة، 32)
و للون الأصفر دلالة أخرى تناقض الأولى وهی دلالته على الحزن والهم والذبول والكسل والموت والفناء ربما الدلالة هذه ترتبط بالخریف وموت الطبیعة والصحارى الجافة وصفرة وجوه المرضى:
?لمتني عن مابعدالحداثة
فرأيتها في شارع الثورة و الحداثة
?رديةٌ بيضاء
حاصرت إصفراري
و نادتني أيها العربي
?م بقي من العمر لقتل المرايا؟ (الجريمة، 18 و 19)
* الجريمة، جمال نصاري، آبادان، هرمنوتی?، ۱۳۹۲ش.
رسول بلاوي
الد?تور جمال نصاري شاعرٌ حداثي ی?تب قصيدة النثر بإتقان و براعة. له عدّة دواوين منشورة و أخری تحت الطبع، و قد ?ُتِبت عنه دراسات نقدية. إنّه استاذٌ جامعي و ناقدٌ للشعر، و له المام بمقوّمات القصيدة النثريّة و نقدها. ألقی ال?ثير من المحاضرات حول قصيدة النثر في الندوات التي أُقيمت في المحافظة فأخذ يبيّن فيها مواطن الجمال في هذه القصيدة و يدعي جيل الشباب ل?تابتها. أمّا شعره فقد يتنفّس عبق التجارب الوعرة من خلال تجربة ثرّة حافلة بالمعاني الجزلة و الوسائل الخصبة التي توحي بمفاهيم تعجز اللغة عن تبيانها. و تشتغل نصوصه الخصبة على أكثر من ثيمة، لكن قطب الرحى فيها يدور حول الإنشداد لنداء الروح.
يم?ن لنا أن نعتبر الد?تور نصاري شاعر حداثي ي?تب قصيدة النثر و يجيد استخدام الوسائل و التقنيات الحداثية التي إعتمدها الرّواد من قبل بغية إثراء نصوصهم و شحنها بروافد خصبة؛ الد?تور جمال من الشعراء الذين إطّلعوا علی مظاهر الحداثة في الشعر الحدیث فتشبّعت نصوصه بال?ثير من تقنيات التعبير ?الأسطورة، و الرمز، و استدعاء الشخصيات التراثية و المعاني الحديثة، فهذه الوسائل يعتمدها الشاعر للإيحاء بدل المباشرة و التصريح، فينقل المتلقي من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني و الدلالات التي تكمن وراء النص، كما يقوم باستكمال ما تعجز الكلمات عن تبيانه.
و في هذه الدارسة المتواضعة سوف نبحر في آفاق خياله الخصب و جماليات لغته السهلة الممتنعة و توظيفه لبعض المظاهر الحداثية:
اللغة الشعرية:
المعجم اللغوي هو قاموس الشاعر، و الذي يت?وّن من خلال ثقافته و بيئته و مناخه الذي عايشه، و عليه فليس المعجم اللغوي مت?رراً عند الشعراء بالصيغة نفسها، و ل?نه أداة الشاعر الخاصة. يعدّ المعجم اللغوي من أهمّ الخواص الأسلوبية التي علی أساسها يم?ن الح?م علی شاعر، و تبيان ملامحه الخاصة. فال?ل شاعر مفرداته الخاصة التي يعتاد عليها في بيان أف?اره و رؤاه، و من يفتّش دواوين شاعرٍ ما سوف يتبيّن له حجم المفردات المت?رّرة، و هذه الحصيلة اللغوية تت?وّن له من خلال تفاعله مع اللغة. فالتجربة الشعرية تدفع المبدع إلی التفاعل مع اللغة ب?يفية خاصة، تتيح له إم?انية الإفضاء بتحويل مفرداتها إلی أدوات مطواعة، تتش?ل وفقاً لهذه التجربة، و يعمد المبدع إلی إفراغ مفرداته - جزئياً أو ?لياً - من معانيها المعجمية المحددة، لتحمل دلالات جديدة. و الد?تور نصاری في منجزه الشعري لا يستغني عن هذه القاعدة العامّة، فقد أجاد بجذب القارئ بكل حواسه باللغة الشعرية ذات الوتيرة السريعة التي تلامس مكنونات وجدانية بوعي عميق، فإنّ مفرداته مفردات شعرية ذات طابع حزين و هذا ما صرّح به في ديوان الجريمة:
ايها الأطباءِ
لا تخدشوا اناملها
هي تعزف علی وجهي
أنشودة الحب و البقاء
و أنا احمل لغة الشعر
و لغة الجروح (الجريمة، 24)
أهمّ ما يميّز لغة جمال في شعره هو إستخدامه للمفردات الحديثة المستوحاة من العلوم الجديدة، علی سبيل المثال:
و هي
تقترب من لحظة الميتافيزيقية (الجريمة، ص10)
و في المقطع التالي:
للقمر بريدٌ ال?تروني
و الارض تدور في موقعها
أنا أبحث عن مومسات في Google (الجريمة، 29)
و أيضاً:
أنا ?نت اتنفس الشيزوفيرنيا (الجريمة، 45)
و يقول:
و حسرة يتيمة
تبيعُ حنطتها
في دوّار القصر
متناسيةً الحدود
و الميتاحدود (الجريمة، 49)
و من خلال عيّنة إحصائية قمنا بها في هذا الديوان تبيّن لنا أن ال?لمات التي ت?رّرت ?ثيرا عند الشاعر هي ?التالي: الأرض، السماء، عبادان، الحداثة، الماء، إمراءة، ?ارون، الأم، أبي، الصباح، المساء، النساء، الجسد، و ..... و البعض من هذه المفردات أصبحت رموزا تساعد الشاعر للتعبير عمّا يدور في قلبه.
مفردات جمال مستمدّة من مفردات الحياة اليومية، و ليس غريباً أن يمتل? الشاعر معجمه اللغوي علی هذه الشا?لة، فهو شاعر ي?شف عن ثقافة و وعي و إطلاع علی الأدبين العربي و الفارسي، فقد درس ?لا الأدبينِ في الجامعة و ?تب العديد من الدراسات النقدية فيهما.
الرمز:
استأثرت تجربة الد?تور نصاري الشعرية بقدر ?بير من الاهتمام و الاحتفاء في استخدام الرمز بوعي و استهداف. إن الرمز لديه عبارة عن فواصل من التجليات و التداعيات يملأ بها ما يفيض لديه من الصور و المعاني المتدفقة و المفاهيم المزدحمة ضمن السياق الذي يسير فيه مجری القصيدة.
اجتمعت حصيلة كبيرة من الرموز في مسيرته الشعرية، وكانت أبرز مصادرها: الاسطورة والدين والتاريخ والابتكار؛ و أبرز ما يميزه أنه ي?ثر في شعره من موجودات الطبيعة ?الأرض و النهر و البحر و النخلة ...
إن هذه الرموز تستمد حيويتها و قيمتها من خلال تعامل الانسان معها. و يستوحيها الشاعر من واقع الانسان و علاقته بهذه الرموز التي تحمل مدلول استمرار الحياة و الأمل و الوطنية التلقائية.
فهو يسخّر الابعاد الإيحائية لهذه ال?لمات و الرموز من أجل خدمة ف?رته. و الرمز في شعره بديل واضح عن اسلوب التعبير الواقعي و محاولته لتخطي الواقع الذي لا يتيح حرية التعبير المباشرة، ?ما يتبّين لنا من خلال المقبوس التالي:
أبي بطل الرواية
مجهوله معلومٌ
?ل النوافذ في جسده مغلقة
و الضوء يبحث عن مخرجٍ
و نجيبة تبحث عن ضوئها
هنا
الشمس لا تصل إلی ذاتها
البحر يتر? قمصانه علی الساحل
و الجبال تخرُّ ساجدة (الجريمة، 9)
في هذا المقبوس جاءت عدّة رموز مؤتلفة لتدلّ علی الف?رة التي يريد الشاعر الإفضاء إليها. فالرموز لديه لاتقف منفصلة مفردة، انما تجتمع احياناً أو تتداخل فيما بينها حتى ليمكن اجتماعها في نص واحد، ويكثر هذا لديه.
و في مايلي يقول جمال:
الشطّ يبتعدُ عن ضفته
أمي تبتعدُ عن تاريخها (الجريمة، 25)
فهنا "الشط" يرمز إلی الواقع و الذات و "الأم" ترمز إلی الوطن و الشعب.
و في المقبوس التالي يقول الد?تور:
و إحتلت النساءُ خزائني
و لم تبقَ حمامة
علی قصائدي (الجريمة، 39)
العلاقة بين الشاعر و الحمامة علاقة تعاطف قائمة علی المشار?ة الوجدانية التي تربطهما معاً. إن الشعراء اتخذوا من هذا الطائر وسيلة للتعبير عما رسخ من م?بوت نفسي مؤلم، و للتعبير عن الاستجابة الخاصة التي يبديها الإنسان الشاعر للطبيعة، فالعذاب والنوح الذي تعلنه الحمامة هو الم?افئ الخارجي لانفعال الشاعر الداخلي و لحزنه و ألمه و نوحه علی من رحل منه، و ?أن ما تعلنه الحمامة ينسجم مع ما ي?نه الشاعر في نفسه، و ?أنها تعبّر عن م?بوته و ما يحتضنه من ألم.
و في مايلي يقول الشاعر:
للصقر منقارٌ
و للمرأة أنياب
اين أنت ايها الهدهد؟ (الجريمة، 44)
فالهدهد يرمز إلی البشارة و التطلّع إلی الخير.
الأسطورة:
ات?أ الشاعر علی (سيزيف) الذي يرمز إلی العذاب الإنساني اللانهائي، و الجهد غير المثمر، والعبث و اللاجدوی. ف?ان الرمز الأسطوري قد عوقب علی سخريته بالآلهة و تمرده عليهم بالعمل علی رفع الصخرة الثقيلة من سفح جبل في الجحيم إلی قمته، حتی إذا شارفت علی ذل? تدحرجت إلی الأسفل، و هذا حمل ثقيل يستنزف الدم و الجهد والعرق المتصبب. يحمل سيزيف صخرته صاعدا ً من جديد، و ?لما همّ بالوصول إلی القمّة تسقط الصخرة، و ه?ذا دوالي?. فالت?رار هنا، في جوهره، رمز لعبث التطلعات الانسانية و عقم الوجود الإنساني؛ يقول الشاعر:
ثلاثه أحرف تُقرأ عمودياً
الالف: لا إله موجودٌ في خيمة العرب
الميم: فَقَدت الماء و مصطفي خيالٌ لاينسی
اللام: لم تحتضن الفجر يوماً
و الحبيب يحملُ صخرته علی ?تفه (الجريمة، 8)
تُقرأ هذه الحروف بصورة عموديّة لأنّها تحتاج إلی وقفة للتأويل و الشرح، ف?لّ منها محطّة للمعاني و المفاهيم التي يريد الشاعر الإفضاء إليها. تدلّ هذه الحروف علی الـ "أمل" الذي لم يتحقّق بعد فأصبح "ألم". ففي ظل هذه الظروف القاسية نری "الحبيب يحملُ صخرته علی ?تفه"، و الصخرة ترمز إلی المعاناة و المحن. لقد استوحی الشاعر هذا المعنی من اسطورة "سيزيف". فشبّه شخصية "مصطفی" بإسطورة سيزيف.
يرمز الشاعر بالصخرة إلی ?ل أحلام الإنسان المثالية، و ?ل آماله الخيالية في الحياة السعيدة التي لن تتحقق علی هذه الأرض، و الصخرة هنا ترمز إلی تل? العقبات التي تحول بين الإنسان و بين الوصول إلی أحلامه المثالية السعيدة، و قد تفنن الشاعر في تصوير صعوبة اجتياز هذه الصخرة و تسلقها..
استدعاء التراث:
قد أدر? الشعراء المعاصرون انّ التراث مصدر غني وهام يتوجب عليهم أن لا يستغنوا عنه. ف?ثيراً ما قاموا بإستدعاء الشخصيات التراثية في شعرهم بغية توظيفها في بنية النصّ، بما تحمله من دلالات وإشارات تنمّي القدرة الإيحائية للقصيدة. فاستدعاء هذه الشخصيات تُعتَبر من أبرز التقنيات التي اعتمدها الشعراء في قصائدهم، لتمنحها حمولة فكرية و وجدانية لا تخفى على المتلقي، لأن الشخصيات المستدعاة غالباً ما يكون لها في الذهن و الوجدان إيحاءات دلالية و عاطفية، تفرض على القارئ نوعاً من التماهي معها، بما تمثله في وعيه و لاوعيه الفردي و الجماعي من حضور و تأثير قويين.
لقد استدعی الشاعر التراث و أضفی عليه رؤية حداثية تتّفق مع الواقع الذي يريد التعبير عنه ففي قصيدة "مصطفی و نجيبة" يستدعي قصة هبوط آدم إلی الأرض:
مصطفي يبحث عن ذاته
ذاتٌ إنغمست في المساء
مساءٌ تجرّد من هويته
و نجيبة تصرخ بوجه قاتلها
لم أنزلتنا من الجنة
لَمْ نأ?ل التفاحة بعد (الجريمة، 8)
تجد "نجيبة" نفسها في حبها "لمصطفی" بريئة ليست جديرة بالطرد من جنة حبيبها فإذا ?ان آدم أ?ل التفاحة و استحقّ العقوبة فإنّهما لم يقتربا إلي المحرّمات. "مصطفی" يبحث عن ذاته و هويته التي افتقدها في المساء ل?نّ "نجيبة" تحتجّ في وجه قاتلها و ترفع صوتها و تتحدّی ?ل القيّم المتخلّفة التي تسود المجتمع.
نجد مجموعةً من الأسماء التي يذ?رها الشاعر لا تأتي لمجرّد الدلالة علی شخصياتٍ موجودةٍ علی أرض الواقع بقدر ما تدلُّ علی قيمٍ و أف?ار و معانٍ يريد الشاعر أن يشيرَ اليها، منها شخصية الامام الحسين بن علي (ع). إنّه يستحضر مأساة ?ربلاء ليأخذ منها نموذج التضحية و الفداء، فالامام الحسين (ع) رمزٌ خالدٌ للتضحية و الفداء من أجل المبدأ / الدين، و هو رمز الباحث عن العدالة و نُصرة المستضعفين في وجه الجبروت ?ما ?ان المسیح (ع) من قبله:
ثقافةٌ تحيا بماضيها
و أنا لا أمتل? المرآة
لأریٰ المسيحَ
يمتدُّ في جسد أبي
بين أرض و سماء
و الحسين ينبعث من روما
إلی ?ربلاء (الجريمة، 16 و17)
نلاحظ ?يف يستلهم وقفة الامام الحسين (ع) في ?ربلاء وقوة صموده و صلابته و صبره و تحوله إلی قيمة مطلقة للشهادة في سبيل المبادئ و الحق هذه القيمة التي ثبتت بالاستشهاد و الدم. و في ما يلي يستدعي شخصية المسيح مرّة أخری:
هنا? أمام المقصلة
يعطي المسيحُ خبزه إلی الشعراء
فيولد الماء من الصليب (الجريمة، 41)
و في قصيدة " طفلٌ تيتّم مرّات" لقد استدعی الد?تور نصاري من الشخصيات الأدبية "بدر شا?ر السياب"، و "محمود درويش"، و "جبران خليل جبران".
و أحياناً يستخدم الشاعر في تجربته الشعرية الثرّة شخصيات أجنبية وفقاً للدلالة التي يريد التعبير عنها:
و إحتفلت سوزان سونتاج
بولادتها في عبّادان (الجريمة، 20)
و في المقطع التالي يقول:
و نواب ?لاسي?يون، طائفيون، عشائريون - ليبرإليون
باسم الأديان
يحاربون «فرويد»
لينقذو?م من الضلالِ
..................
يا ايها العربي المتفائل
لو رآنا ماريو فارغاس يوسا
ه?ذا هادئين لانتحر عصيانه (الجريمة، 22)
الألوان:
اللون من أهم وأجمل ظواهر الطبیعة ومن أهم العناصر التی تشكّل الصورة الأدبیة لما یشتمل علیه من شتى الدلالات الفنیة، الدینیة، النفسیة، الاجتماعیة، الرمزیة والاسطوریة.
للألوان إيحاءات و دلالات تحملها في ذاتها و تضيفها إلی النسيج الشعري الذي تنتظم فيه؛ و يسعين الشاعر بالألوان، ليعبّر عن عُمقه العاطفي و جوهره الف?ري، و ?أنه رسامٌ عارفٌ بخفايا الألوان و دلالاتها و علاقاتها بالإنسان.
و جمال نصاري بما امتل? من خيال و شاعرية أدر? ما للألوان من قيمة إيحائية و تأصيلية في بناء الصورة الشعرية، فاستخدم الألوان بدلالاتها الخاصة و برؤيته الحداثية.
اللون الأخضر:
من الألوان التي لها انتداب في نفسية جمال هو اللون الأخضر؛ يعد اللون الأخضر من أ?ثر الألوان وضوحاً و استقراراً في دلالاته. فهو لون الحیاة والحركة والسرور لأنه یهدئ النفس ویسرها وهو تعبیر عن الحیاة والخصب والنماء والأمل والسلام والأمان والتفاؤل وهو لون الربیع و الطبیعة الحیة و الحدائق و الأشجار و الأغصان والبراعم:
سيدتي
عندما تجلسين علی قبري
انتظري عيوني تخضر مرة أخری
لت?تب تاريخ? الحزين (الجريمة: 14)
ففي هذا المقبوس العيون الخضراء ترمز للحلم الجميل بالحياة الرغيدة.. اللون الأخضر يسهم في إبراز دلالة عمق الحياة و سعتها في الحدث الشعري. فاللون هنا يتجاوز الدلالة الوصفية العامة له، ليتحول إلی حياة ?املة مفعمة بالأمل دافقة بالعطاء و مسلحة بقدرة ?بيرة علی استشراف المستقبل، إن إيقاع اللون هنا هو إيقاع الحياة ب?امل حر?تها و ديناميتها و طفولتها.
اللون الأبیض:
للأبيض تقاليد رمزية عالية التداول في صنع الدلالة و ترميزها في أفق الاستخدام المعنوي و السيميائي، فهو في السياق الدلالي العام رمز الطهارة و النور و الغبطة و الفرح و النصر و السلام، ?ما انه و في السياق ذاته و الرؤية ذاتها رمز للصفاء، و نقاء السريرة، و الهدوء و الأمل، و حبّ الخير و البساطة في الحياة و عدم التقيّد و الت?لّف:
?لمتني عن ما بعد الحداثة
فرأيتها في شارع الثورة و الحداثة
?رديةٌ بيضاء (الجريمة، 18)
فالبیاض هنا يدلّ علی النصاعة و الجلاء. و قد وردت هذه الدلالة للون الأبيض في القرآن ال?ريم:
))یوم تبیض وجوه وتسود وجوه وأما الذین أبیضت وجوههم ففی رحمة الله)) آل عمران/107.
ففی هذه الآیة "أبیضت وجوههم" كنایة عن "صلحت أعمالهم وطهرت أرواحهم". فهذه الآية الشريفة توضح لنا أن الطهارة والنقاء والإیمان والصفاء تتجسم بیضاء فی القیامة، فتصبح وجوه الصالحین والطاهرین بیضاء لامعة. و في المقتبس التالي جاء هذا اللون أيضاً:
أنا لا ا?تب الشيزوفيرنيا
علی بياض الماء (الجريمة، 48)
اللون الأصفر:
یعتبر اللون الأصفر من أشد الألوان فرحا لأنه منیر للغایة ومبهج. هذا اللون یمثل قمة التوهج والإشراق ویعد أكثر الألوان اضاءة ونورانیة، لأنه لون الشمس مصدر الضوء و واهبة الحرارة والحیاة والنشاط والسرور، يقول الد?تور نصاري:
?لما إنتشر سمارها
في جسدي
صار وجهي اصفراً
و نار (الجريمة، 32)
و للون الأصفر دلالة أخرى تناقض الأولى وهی دلالته على الحزن والهم والذبول والكسل والموت والفناء ربما الدلالة هذه ترتبط بالخریف وموت الطبیعة والصحارى الجافة وصفرة وجوه المرضى:
?لمتني عن مابعدالحداثة
فرأيتها في شارع الثورة و الحداثة
?رديةٌ بيضاء
حاصرت إصفراري
و نادتني أيها العربي
?م بقي من العمر لقتل المرايا؟ (الجريمة، 18 و 19)
* الجريمة، جمال نصاري، آبادان، هرمنوتی?، ۱۳۹۲ش.
رسول بلاوي
تعليق