قراءة نقدية في المجموعة الشعرية ( بصمت السماء ) للشاعر غسان حسن
عباس باني المالكي
اليد ما هي إلا فعل الإنسان والاستجابة لكل حالاته الانفعالية
صدر للشاعر غسان حسن محمد مجموعته الشعرية الأولي الموسومة ( بصمة السماء )من اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين فرع ميسان ..
حين يحدث الانزياح وفق توسع ذائقة الرؤيا تأخذ اللغة هندسة البناء الأفقي وتكون الصورة الشعرية حاضنة لأكثر من زاوية للرؤيا , وهنا يأتي دور الشاعر الذي يطوع الزمن والمكان كعلامات الحضور الإنساني قي تقارب الأبعاد الفكرية وهذا يحدث من خلال دمج الاثنين كي يبقى محافظا على عنصر الحياة والفكر والتعبير عنهما بالذوق الفني الرؤوي ولكي يستمر بإيجاد منابع التي تعطي الأتساع الكامل للرؤيا والشكل المعبر عنها بحيث يتكامل فيها الوضوح في الأداء الشعري معا من أجل إيصال الدلالات الموحية للمعنى المرتبط بسيميائية الفكرة المعبرة عنها التي تعطي إلى النص الوحدة العضوية في تكوين الصورة الشعرية والتي تأخذ من البناء العمودي وتوسع من البناء الأفقي في تحديد المتغيرات في جعل الانزياح هو الذي يقود الذائقة الشعرية لدي الشاعر أي أنه يحاول أن يكتب ذاته من خلال التطلع إلى الخارج وفق تغير أفق الحركة الإنسانية وتبعيتها إلى الزمكانية . وهنا طبعا تأتي اللغة الموصلة إلى المعنى من داخل هذه الذات أي أن الشاعر بهذه الحالة يحاول أن يردم الفجوات في زمن الكتابة والتي تتجاذب في لحظة التوهج الشعر بحيث تجعل القصيدة خارج المعنى الذي يريد أن يوصله الشاعر .
والشاعر غسان حسن أعتمد بأحداث التغير في بؤرة النص وهي اليد والتنقل بها حسب اكتساب المعنى المتغير في التعبير عن رموز هذه اليد والتي كما أسبقت تعطي البناء الأفقي المعتمد على عمق المشاعر الموحية لهذا التعبير المتغير بحيث تكون هذه اليد ممثلة إلى مركز الأحداث والفعل في داخل النص وضمن أشارات للحركة والمعنى المعبر عنه خارج الذات في ص6 ( تمتد يدك بالحياة ../ تقبض على الريح / لئلا / تشقى الوردة )
وهنا اليد هي صانعة الحياة وفعلها ,فهي تبعد الأذى عن من تنتمي إليهم من خلال القبض على الريح لكي لا تمر الأذية إلى لحظة الأمان التي يعيشها من هم حولها . الشاعر هنا أستطاع أن يعطي إلى رمز اليد كامل الحياة وكيفية المحافظة عليها ..
في ص 7 ( لا يؤمن باليد / طالت أو قصرت .. / والأخر / يحصد من النزاعات / ما يفوق معارك المصير )
اليد هنا هي دلالة معنوية لمركزيتها في عنصر الحياة حيث اليد تتساوى بالمعنى والفعل التي تحركه سوى كانت قصيرة أم طويلة بل يعتمد الفعل هنا على قيمتها التي تحقق الأيمان بقدرة هذه اليد على فعل كل ما هو حقيقي وإنساني في الدفاع على ما تؤمن به هذه اليد أي أن الفعل هنا يعتمد على الأيمان بقدرة هذه اليد وليس حجم المكان التي تستطيع أن تصل إليه .
وفي نفس الصفحة ( على يدين لا تصلان ../ العائلة ) وهنا تنكشف الحقيقة الجوهرية لكل أفعال هذه اليد وتنكشف كل محاولاتها التي تبني عليه أيمانها في الحياة والظرفية المعاشة في الدلالة عنها وهي العائلة , والشاعر أعطى المكاشفة بعد أن ثبت المعنى الموحي إلى قيمة هذه اليد , أي أنه لم ينساق إلى الفعل المباشر في تثبيت الدلالة إلا بعد أن أحدث أوصاف موحية لقيمة هذه اليد بحيث أعطى الفعل التي تحاول أن تقوم به من أجل الدفاع عن أيمانها الموجب في الحياة وجاءت الاستعارة هنا بانسيابية مقنعة للمتلقي فهو أعطي إلى البناء الأفقي الذي يعمق الحركة في الصورة الشعرية وفق الانزياح المترتب على فعل اليد وثيمتها الموحية .
ص 10 ( اليد التي في المقابر.. /فالخسائر / أكبر/ أكبر/ من التدوين على لائحة الانكسارات ..)
بقدر ما أعطى الشاعر في المقاطع الأولى قدرة اليد على فعل الحياة والدفاع عنها فقد أنجذب لديه المعنى إلى الفعل المعاكس في أحداث الفعل لليد .فهنا الموت والمقابر , أي أن اليد تملك كل القدرات التي تمكنها من التحرك بمختلف الإمكان والأزمان وتعطي المعنى المترتب على حركتها , فبقدر ما كنت تعطي الحياة وتحافظ عليها , هنا تنتقل إلى مشاهدة الموت وعمق الخسارات التي تحدث لوجود هذه اليد في المقابر , والشاعر وضع المتلقي أمام قدرة اليد على صنع الحياة بقدر قدرتها على كسب الخسارات والموت عند المقابر والتي تمثل هي الدائرة المغلقة والتي أزاح عنها الحياة , والشاعر أستطاع أن يعطينا المعنى اليد الحياة والمناقض لها هي يد الموت , و قد ارتقى هنا بقيمتها وأهميتها في تكوين عناصر الحياة والخسارا ت التي تؤدي إلى الموت بانغلاق هذه الحياة والنتيجة الحتمية بنهايتها إلى الموت ,
ص 16 (فأسقطت في اليد / ثمالة قمر ../ مغمور بالذات وبالأخر )
حين حصر أفعال اليد بين الحياة والموت والمساحات الممتدة بينهما أي أنه أعطى إلى ثيمة اليد الدلالات المتعددة حيث أستطاع أن يحدد من خلال الحركة في بؤرة النص إلى جعل التوافق الدلالي هو الذي يعطي السمات الشكلية الجوهرية داخل النص ,كي تبقى الجمل الشعرية هي المعبر عن التوافق اللغوي والدلالي الموحي إلى المعنى المتحقق من خلال الصورة الشعرية , والذي يميز نصوص الشاعر غسان حسن هو أحداث الفعل الخارجي من خلال الرمز الداخلي أي أنه لا يعطي إلى المظاهر الخارجية أي معنى دون التصاق حركتها بالتغير جوهر المعنوي الداخلي والذي هو المحرك لكل إشكاليات الحياة ونجد كذلك صوته الشعري يمتد بامتداد العلاقة المؤثرة بين الشاعر والمحيط حوله , أي يعتبر ظواهر الأشياء وحركتها من دون ارتباطها بفعلها الجوهري ظواهر لا حقيقة لها أي أنها لا تمتلك التأثير الحقيقي في الحياة لأنها دون قيمة معنوية لكل أفعالها , لهذا نجده يبني معنى الاستعارة والتي يستخدمها لتوليد الرموز من الأحداث التي تمر عليه , ففي أغلب قصائده نجد الإيحاءات الرمزية مرتبطة بجوهر الأشياء وانعكاسها على أفعالها الخارجية فالرمز لدية يمتد من الرؤيا المتحققة في الذات إلى العالم الذي حوله ضمن سياق الدلالي والمعنى المترتب عليه.
هنا في هذا المقطع تمثل اليد الفعل المضيء بين الذات والأخر من خلال هذه اليد التي تعطي الكثير دون أن تأخذ فثمالة القمر ما هو إلا الضوء في الذات اتجاه الأخر وحجم العطاء إلى هذا الأخر لأن الذات هنا لا تحقق وجودها إلا من خلال الغمر بالأخر أي التمازج معه وتشكيل العلاقات الإنسانية الحقيقة والغمر هنا سمة التوحد مع الأخر.
ص 18( وحينما شتمت اليد بالسلام / والبارود كبلته حمامة / الحياة أوهمت البحر بالمجد , / بينما القواقع توزع / فيه الدوار )
يستمر الشاعر بإعطاء اليد المعنى الذي يحدد أهمية هذه اليد في تركيب عناصر الحياة في جميع مراحلها فهنا هي المحددة لفصول السلام ولكن حين تلغي أو تشتم هذه اليد تتحول كل أفعالها إلى فعل معاكس لكل المسيرة أفعالها فهي تقرر مصير الدلالات لكل ما هو حقيقي وفعال أي أن اليد ترتقي إلى حد تشكيل كل ثيمات الحياة ويستمر بهذا إلى حد نشعر أن اليد هي حركة كل ما يخزن في الداخل من معنى أي أنها المعبر عن كل حالات النفس التوازن معها من خلا ل أفعاها الخارجية والتي تعبر من خلال حركتها سيميائية متعددة الإيحاءات لكنها متوحدة الدلالة لأنها تعكس كل ما هي مؤثر لانعكاس الخارج على تحريك ما هو داخلي والمعبر عنه من خلال دلالة الإشارة المتغيرة حسب تغير الزمنكانية حيث تصبح المادة المكونة والناقلة للإشارة وكما أكد عليه ابن حزام حول بيان الإشارات التي هي التعبير عن كل ما أستقر في النفس ومن هذه الإشارات أشارة اليد والعين أو بعض الأعضاء الأخرى , والشاعر استفاد من دلالات أشارات اليد وما تمثل من معنى دلالي متغير .
ص21 ( يد تخون ../ وأخرى مع الريح ../ ولسان يتآمر ../هكذا بلا ضفاف/ تدعو العائلة / لاصطحاب القارب/ إلى النجاة لاتصل)
هنا عبر عن اليد بدلالة الخيانة وما تمثل هذه الخيانة من تشتت لكل القيم وارتباطها بنوازع الإنسان والتي هي بدورها تؤدي إلى عدم الاستقرار في كل أفعالها اتجاه الحقائق الإنسانية وهي العائلة فحين تكون هذه اليد السبب بانهدام الضفاف المستند عليها الاستقرار , لأن حتى النجاة لا يمكن أن تتحقق بقارب لا يصل . أن فعل الخيانة هو الضياع والفوضى المترتبة عليها . وقد أستخدم هنا الشاعر أشارة أخرى وهو اللسان وكان أستخدمه لهذه الإشارة قد أعطي إلى فعل التأمر امتداد معنوي كبير لأن التأمر يأتي بعد أشارة النطق أو الدلالات اللفظية أي قبل الحركة التي تقود اليد لهذه الأفعال والتأويل لها ,
ص 36 (رفع يديه إلى السماء / ماتت سماؤه بنزف / اللوعات الوراثي ../ وقف أمام العشاق , أسفر قلوبا تتشظى ..)
ويستمر بإعطاء اليد كل حالات التأويل الموصل إلى حركة اليد والمعنى المترتب عليها بحركتها , أي أن اليد تصبح الدلالة المعنوية اتجاه مستوى النفس ومستوى ما مؤثر في هذه النفس من أحداث العالم حولها وكأنها الاستجابة النفسية لمستوى الإثارة بين أشياء العالم والذات الإنسانية من فعل واستجابة وتنافر , وتعاطف , وهنا ترفع اليد إلى السماء من أجل الرجاء إلى السماء لكي تجد ما حل بها من ماتت سماؤه أي أنه فقد الأمل في الحياة ولم تبق له غير السماء هي الرجاء , الوقف هنا أمام العشاق ما هو إلا رمز إلى الرجاء من فقد الأيمان وتناظر روحه خارج السماء والأيمان بها فقد أسفر هذا الانقطاع عن السماء قلوب تتشظى
من عمق الألم لأنه فقد ثقة بالأرض حلولها لهذا أتجه إلى قيم السماء على الأرض .
ص 48 ( وعلى يديه سلام ., /يكفي أن له : / من الغنائم أصابع تسيل ., كلما ذوى زمن ../ إلى أقصى الجنون ,)
وهنا يحدث الفعل داخل اليد إلى حد أصبح الحدث داخلها لأن هذه اليد أخذت تذوي مع الزمن لم يبق فيها غير أصابع تسيل أي أصابع شاخ الزمن فيها ولم تعد حتى تصل إلى الغنائم وهذه دلالة على عجز هذه اليد , بهذا فقدت القدرة على الفعل والاستجابة له لذوي الزمن فيها شيخوخته أي قد وصلت إلى العجز الكلي لفقدها الطاقة ولفعل المحرك لها وهذا ما يؤدي إلى اختلاط أو عجز الذات المؤشرة على أفعالها إلى حد الجنون .
ص 65 ( لليد سطوة الخواتيم ../ هكذا تنشد قطافها / على قطار أنقطع سبيله / ومحطات /لم ولن / تكتمل )
لكن الشاعر يرجع ويعيد الحياة إلى هذه اليد فهي لها سطوة الخواتم أي سطوة تحريك الأحداث حولها فهي تنشد قطافها ولكن هنا يتداخل اليأس إلى داخل النفس المحركة لها فهي تملك القدرة لكنها لا تستطيع أن تفعل أي لا تستطيع أن تعبر عن الانفعال والاستجابة لهذا الانفعال مع ما يثير الذات , وهنا نشعر أن الشاعر أعطى قيمتين للفعل وعدم القدرة على تنفيذه, فهي تمتلك القدرة على عمل هذا الفعل ولكنها لا تستطيع أن تفعله لعجزها على تنفيذه فهذه اليد أصبحت فاقدة للقدرة مع أن النفس المعبرة عنها تشعر أنها تتخيل قدرتها على الفعل أي يتحول الفعل هنا إلى تمني فقط دون حركة بسب العجز الذي أصاب هذه اليد , وهنا أثبت الشاعر بدلالات الموحية العميقة التي تقارب الإيحاء بالفعل وعدم القدرة على تنفذيه .. وقد ربط هذا التوتر النفسي والمعبر عن العجز بسبب العاهة فالشاعر هنا أعطى صورتين في هذه المقاطع على عجز اليد فالدالة هنا عاهة اليد وفي المقطع السابق الدالة فيه شيخوخة اليد , فامتدت هنا مساحة الرؤيا بالتعبير عنها بصورة الرمز الموحي دون نسق المباشرة برسم الصورة الشعرية فهي أعطى الدلالة الموحية بامتداد الرؤيا لكي يحدث الانزياح الذي يقارب الرمز والصورة الشعرية.
ص 67(ولا يد تمنحها وجود ../ يقف بكامل عزلته , فالعالم رقعة شطرنج /وهو لا يصلح لاعبا / أو بيدق.. )
ينتقل الشاعر من حالة العجز في المقاطع السابقة إلى حالة انعدام الكلي لوجود اليد حيث هنا هي ساكنة لا وجودة لها ولا حركة فالعالم لا يمكن أن يوجد إلا من خلال الحركة والشاعر أستخدم رقعة الشطرنج دلالة على جمود الأشياء وقد أستخدم الاستعارة استخدام جوهري فرقعة الشطرنج تؤكد القيمة الموحية بأن حين لا تكون هناك يد تنعدم الحياة و يعيش العزلة والجمود وقد أسس هنا الشاعر امتداد موحي بالمعنى بشكل أفقي لأن الإنسان حين لا توجد يديه يفقد القدرة على تحريك الحياة وكما أنه لا يمكن أن يتحول إلى رقعة شطرنج كي ينقلها الآخرين مع أنه فاقد اليدين , وهنا طرح مأساوي لحياة الإنسان الذي فقد اليدين ويصبح هذه الإنسان كأنه خارج الحياة ويعيش العزلة والشاعر قد أعتمد على الحالة المتحولة مع دالة ثابتة و قد أستطاع أن يوظف المدلول وفق ذائقة تغير الدال .
ص 71 ( والعاشر في يده/ يناور للدخول )
وهنا أثبت أن الأصابع في اليد حين تكون عشرة تمتلك القدرة على التحويل والتناور أي أنها تمتلك كامل القدرة على أنجاز أعمالها ,والشاعر أوحي بدلالة دون ينساق إلى الإشارة إلى فعلها , أي أنه قبض على الدالة دون الالتفاف على المدلول كي يحافظ على نسق وامتداد الدالة بالمعنى والرؤيا الموحية لها .
ص 73 ( أنها اليد / التي أكلت .. وأكلت .. وأحرقت الفائض من الفتات . , ) ( أن اليد أشد منها بطشا .. / زمن مهما طال عمره/ فهو الغرير تجاه اليباب )
ويستمر الشاعر بأحداث الانزياح وفق ذائقة تغير مهمة اليد وقدرتها على فعل الحركة , والذي يميز نصوص الشاعر غسان حسن هو ذائقته التأويلية في تفسير دواخل الإنسان من خلال الترميز إلى ظواهره المتحركة وارتباطها بالفعل النفسي المؤثر والمتأثر..
وكانت هنا هي اليد التي تعبر عن كل الانفعالات المؤثرة والاستجابات لها انعكاسا للظروف المؤثر حولها , وبهذا نلاحظ أنه يشير إلى الدلالات ويتحكم بها لكي لا تخرج عن معانيها وسياقها ضمن النص , اليد هنا لها القدرة على الأكل والاستمرار الحياة ولكنها في نفس الوقت تستطيع أن تنتزع الحياة من خلال البطش , لكنه يرجع لبين أن هذا البطش مهما أمتد زمانه لا بد أن ينتهي فقد أوحي لكي يثبت الدالة دون الأيمان بها كفعل صحيح في الحياة وهنا خرج من نسق الدالة إلى الزمن المتغير عكس فعل المتوتر في الحاضر أي انه أدخل دالة الزمن كفعل متغير عن الحاضر وبهذا ارتبطت كل أفعال اليد على تغير الزمن ضمن سياق أفعالها المتغيرة
ص 92 (على يده منابع العسل ../ وفي فمه مرارة / الصحراء )
هنا اليد هي المضحية من أجل الآخرين , وأراد الشاعر هنا أن يرتقي بعطاء اليد إلى غاية التضحية وكأنه يريد أن يقول أن أعلى قيمة يجب أن تعيشها اليد هي التضحية بعد أن مررها بجميع مراحل للفعل المنعكس من الذات الحاملة فهو أستطاع أن يدخل إلى ذات الإنسان ومن خلال دالة اليد والاستعارة المتربة عليها بتغير أفعالها وهذا ما يشعر الملتقي أن فعل اليد ما هو إلا فعل الإنسان لكل حالاته الانفعالية والاستجابة لها وحسب تغير الزمنكانية والمعنى المتغير فيها . والشاعر أستطاع أن يؤسس دالة متغيرة بوسيلة بنيوية متحولة أو متغيرة وقد أعتمد على تغير المدلول ما يتضمنه من تغير في المعنى والظرف المتغير أي أنه أستطاع أن يغير من مصير الدلالات في النص وإعطائها ظفريتها المتغيرة , فجعل العالم الخارجي وكأنه انعكاس إلى العالم الجوهري وأتبادل الدلالات بينهما كقيمة مؤثرة ومتأثرة هذا ما جعل النص يتحول عند الشاعر إلى قيمة متغير أو متحولة وبلغة تتسع إلى جميع مراحل الرؤيا وإشكالاتها الثابتة والمتغيرة فهو أطلق الدالة وتتبع معناها المتغير وبهذا يكون النص عنده انزياح أفقي متبع لكل الأنزياحات العميقة .
عباس باني المالكي
عباس باني المالكي
اليد ما هي إلا فعل الإنسان والاستجابة لكل حالاته الانفعالية
صدر للشاعر غسان حسن محمد مجموعته الشعرية الأولي الموسومة ( بصمة السماء )من اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين فرع ميسان ..
حين يحدث الانزياح وفق توسع ذائقة الرؤيا تأخذ اللغة هندسة البناء الأفقي وتكون الصورة الشعرية حاضنة لأكثر من زاوية للرؤيا , وهنا يأتي دور الشاعر الذي يطوع الزمن والمكان كعلامات الحضور الإنساني قي تقارب الأبعاد الفكرية وهذا يحدث من خلال دمج الاثنين كي يبقى محافظا على عنصر الحياة والفكر والتعبير عنهما بالذوق الفني الرؤوي ولكي يستمر بإيجاد منابع التي تعطي الأتساع الكامل للرؤيا والشكل المعبر عنها بحيث يتكامل فيها الوضوح في الأداء الشعري معا من أجل إيصال الدلالات الموحية للمعنى المرتبط بسيميائية الفكرة المعبرة عنها التي تعطي إلى النص الوحدة العضوية في تكوين الصورة الشعرية والتي تأخذ من البناء العمودي وتوسع من البناء الأفقي في تحديد المتغيرات في جعل الانزياح هو الذي يقود الذائقة الشعرية لدي الشاعر أي أنه يحاول أن يكتب ذاته من خلال التطلع إلى الخارج وفق تغير أفق الحركة الإنسانية وتبعيتها إلى الزمكانية . وهنا طبعا تأتي اللغة الموصلة إلى المعنى من داخل هذه الذات أي أن الشاعر بهذه الحالة يحاول أن يردم الفجوات في زمن الكتابة والتي تتجاذب في لحظة التوهج الشعر بحيث تجعل القصيدة خارج المعنى الذي يريد أن يوصله الشاعر .
والشاعر غسان حسن أعتمد بأحداث التغير في بؤرة النص وهي اليد والتنقل بها حسب اكتساب المعنى المتغير في التعبير عن رموز هذه اليد والتي كما أسبقت تعطي البناء الأفقي المعتمد على عمق المشاعر الموحية لهذا التعبير المتغير بحيث تكون هذه اليد ممثلة إلى مركز الأحداث والفعل في داخل النص وضمن أشارات للحركة والمعنى المعبر عنه خارج الذات في ص6 ( تمتد يدك بالحياة ../ تقبض على الريح / لئلا / تشقى الوردة )
وهنا اليد هي صانعة الحياة وفعلها ,فهي تبعد الأذى عن من تنتمي إليهم من خلال القبض على الريح لكي لا تمر الأذية إلى لحظة الأمان التي يعيشها من هم حولها . الشاعر هنا أستطاع أن يعطي إلى رمز اليد كامل الحياة وكيفية المحافظة عليها ..
في ص 7 ( لا يؤمن باليد / طالت أو قصرت .. / والأخر / يحصد من النزاعات / ما يفوق معارك المصير )
اليد هنا هي دلالة معنوية لمركزيتها في عنصر الحياة حيث اليد تتساوى بالمعنى والفعل التي تحركه سوى كانت قصيرة أم طويلة بل يعتمد الفعل هنا على قيمتها التي تحقق الأيمان بقدرة هذه اليد على فعل كل ما هو حقيقي وإنساني في الدفاع على ما تؤمن به هذه اليد أي أن الفعل هنا يعتمد على الأيمان بقدرة هذه اليد وليس حجم المكان التي تستطيع أن تصل إليه .
وفي نفس الصفحة ( على يدين لا تصلان ../ العائلة ) وهنا تنكشف الحقيقة الجوهرية لكل أفعال هذه اليد وتنكشف كل محاولاتها التي تبني عليه أيمانها في الحياة والظرفية المعاشة في الدلالة عنها وهي العائلة , والشاعر أعطى المكاشفة بعد أن ثبت المعنى الموحي إلى قيمة هذه اليد , أي أنه لم ينساق إلى الفعل المباشر في تثبيت الدلالة إلا بعد أن أحدث أوصاف موحية لقيمة هذه اليد بحيث أعطى الفعل التي تحاول أن تقوم به من أجل الدفاع عن أيمانها الموجب في الحياة وجاءت الاستعارة هنا بانسيابية مقنعة للمتلقي فهو أعطي إلى البناء الأفقي الذي يعمق الحركة في الصورة الشعرية وفق الانزياح المترتب على فعل اليد وثيمتها الموحية .
ص 10 ( اليد التي في المقابر.. /فالخسائر / أكبر/ أكبر/ من التدوين على لائحة الانكسارات ..)
بقدر ما أعطى الشاعر في المقاطع الأولى قدرة اليد على فعل الحياة والدفاع عنها فقد أنجذب لديه المعنى إلى الفعل المعاكس في أحداث الفعل لليد .فهنا الموت والمقابر , أي أن اليد تملك كل القدرات التي تمكنها من التحرك بمختلف الإمكان والأزمان وتعطي المعنى المترتب على حركتها , فبقدر ما كنت تعطي الحياة وتحافظ عليها , هنا تنتقل إلى مشاهدة الموت وعمق الخسارات التي تحدث لوجود هذه اليد في المقابر , والشاعر وضع المتلقي أمام قدرة اليد على صنع الحياة بقدر قدرتها على كسب الخسارات والموت عند المقابر والتي تمثل هي الدائرة المغلقة والتي أزاح عنها الحياة , والشاعر أستطاع أن يعطينا المعنى اليد الحياة والمناقض لها هي يد الموت , و قد ارتقى هنا بقيمتها وأهميتها في تكوين عناصر الحياة والخسارا ت التي تؤدي إلى الموت بانغلاق هذه الحياة والنتيجة الحتمية بنهايتها إلى الموت ,
ص 16 (فأسقطت في اليد / ثمالة قمر ../ مغمور بالذات وبالأخر )
حين حصر أفعال اليد بين الحياة والموت والمساحات الممتدة بينهما أي أنه أعطى إلى ثيمة اليد الدلالات المتعددة حيث أستطاع أن يحدد من خلال الحركة في بؤرة النص إلى جعل التوافق الدلالي هو الذي يعطي السمات الشكلية الجوهرية داخل النص ,كي تبقى الجمل الشعرية هي المعبر عن التوافق اللغوي والدلالي الموحي إلى المعنى المتحقق من خلال الصورة الشعرية , والذي يميز نصوص الشاعر غسان حسن هو أحداث الفعل الخارجي من خلال الرمز الداخلي أي أنه لا يعطي إلى المظاهر الخارجية أي معنى دون التصاق حركتها بالتغير جوهر المعنوي الداخلي والذي هو المحرك لكل إشكاليات الحياة ونجد كذلك صوته الشعري يمتد بامتداد العلاقة المؤثرة بين الشاعر والمحيط حوله , أي يعتبر ظواهر الأشياء وحركتها من دون ارتباطها بفعلها الجوهري ظواهر لا حقيقة لها أي أنها لا تمتلك التأثير الحقيقي في الحياة لأنها دون قيمة معنوية لكل أفعالها , لهذا نجده يبني معنى الاستعارة والتي يستخدمها لتوليد الرموز من الأحداث التي تمر عليه , ففي أغلب قصائده نجد الإيحاءات الرمزية مرتبطة بجوهر الأشياء وانعكاسها على أفعالها الخارجية فالرمز لدية يمتد من الرؤيا المتحققة في الذات إلى العالم الذي حوله ضمن سياق الدلالي والمعنى المترتب عليه.
هنا في هذا المقطع تمثل اليد الفعل المضيء بين الذات والأخر من خلال هذه اليد التي تعطي الكثير دون أن تأخذ فثمالة القمر ما هو إلا الضوء في الذات اتجاه الأخر وحجم العطاء إلى هذا الأخر لأن الذات هنا لا تحقق وجودها إلا من خلال الغمر بالأخر أي التمازج معه وتشكيل العلاقات الإنسانية الحقيقة والغمر هنا سمة التوحد مع الأخر.
ص 18( وحينما شتمت اليد بالسلام / والبارود كبلته حمامة / الحياة أوهمت البحر بالمجد , / بينما القواقع توزع / فيه الدوار )
يستمر الشاعر بإعطاء اليد المعنى الذي يحدد أهمية هذه اليد في تركيب عناصر الحياة في جميع مراحلها فهنا هي المحددة لفصول السلام ولكن حين تلغي أو تشتم هذه اليد تتحول كل أفعالها إلى فعل معاكس لكل المسيرة أفعالها فهي تقرر مصير الدلالات لكل ما هو حقيقي وفعال أي أن اليد ترتقي إلى حد تشكيل كل ثيمات الحياة ويستمر بهذا إلى حد نشعر أن اليد هي حركة كل ما يخزن في الداخل من معنى أي أنها المعبر عن كل حالات النفس التوازن معها من خلا ل أفعاها الخارجية والتي تعبر من خلال حركتها سيميائية متعددة الإيحاءات لكنها متوحدة الدلالة لأنها تعكس كل ما هي مؤثر لانعكاس الخارج على تحريك ما هو داخلي والمعبر عنه من خلال دلالة الإشارة المتغيرة حسب تغير الزمنكانية حيث تصبح المادة المكونة والناقلة للإشارة وكما أكد عليه ابن حزام حول بيان الإشارات التي هي التعبير عن كل ما أستقر في النفس ومن هذه الإشارات أشارة اليد والعين أو بعض الأعضاء الأخرى , والشاعر استفاد من دلالات أشارات اليد وما تمثل من معنى دلالي متغير .
ص21 ( يد تخون ../ وأخرى مع الريح ../ ولسان يتآمر ../هكذا بلا ضفاف/ تدعو العائلة / لاصطحاب القارب/ إلى النجاة لاتصل)
هنا عبر عن اليد بدلالة الخيانة وما تمثل هذه الخيانة من تشتت لكل القيم وارتباطها بنوازع الإنسان والتي هي بدورها تؤدي إلى عدم الاستقرار في كل أفعالها اتجاه الحقائق الإنسانية وهي العائلة فحين تكون هذه اليد السبب بانهدام الضفاف المستند عليها الاستقرار , لأن حتى النجاة لا يمكن أن تتحقق بقارب لا يصل . أن فعل الخيانة هو الضياع والفوضى المترتبة عليها . وقد أستخدم هنا الشاعر أشارة أخرى وهو اللسان وكان أستخدمه لهذه الإشارة قد أعطي إلى فعل التأمر امتداد معنوي كبير لأن التأمر يأتي بعد أشارة النطق أو الدلالات اللفظية أي قبل الحركة التي تقود اليد لهذه الأفعال والتأويل لها ,
ص 36 (رفع يديه إلى السماء / ماتت سماؤه بنزف / اللوعات الوراثي ../ وقف أمام العشاق , أسفر قلوبا تتشظى ..)
ويستمر بإعطاء اليد كل حالات التأويل الموصل إلى حركة اليد والمعنى المترتب عليها بحركتها , أي أن اليد تصبح الدلالة المعنوية اتجاه مستوى النفس ومستوى ما مؤثر في هذه النفس من أحداث العالم حولها وكأنها الاستجابة النفسية لمستوى الإثارة بين أشياء العالم والذات الإنسانية من فعل واستجابة وتنافر , وتعاطف , وهنا ترفع اليد إلى السماء من أجل الرجاء إلى السماء لكي تجد ما حل بها من ماتت سماؤه أي أنه فقد الأمل في الحياة ولم تبق له غير السماء هي الرجاء , الوقف هنا أمام العشاق ما هو إلا رمز إلى الرجاء من فقد الأيمان وتناظر روحه خارج السماء والأيمان بها فقد أسفر هذا الانقطاع عن السماء قلوب تتشظى
من عمق الألم لأنه فقد ثقة بالأرض حلولها لهذا أتجه إلى قيم السماء على الأرض .
ص 48 ( وعلى يديه سلام ., /يكفي أن له : / من الغنائم أصابع تسيل ., كلما ذوى زمن ../ إلى أقصى الجنون ,)
وهنا يحدث الفعل داخل اليد إلى حد أصبح الحدث داخلها لأن هذه اليد أخذت تذوي مع الزمن لم يبق فيها غير أصابع تسيل أي أصابع شاخ الزمن فيها ولم تعد حتى تصل إلى الغنائم وهذه دلالة على عجز هذه اليد , بهذا فقدت القدرة على الفعل والاستجابة له لذوي الزمن فيها شيخوخته أي قد وصلت إلى العجز الكلي لفقدها الطاقة ولفعل المحرك لها وهذا ما يؤدي إلى اختلاط أو عجز الذات المؤشرة على أفعالها إلى حد الجنون .
ص 65 ( لليد سطوة الخواتيم ../ هكذا تنشد قطافها / على قطار أنقطع سبيله / ومحطات /لم ولن / تكتمل )
لكن الشاعر يرجع ويعيد الحياة إلى هذه اليد فهي لها سطوة الخواتم أي سطوة تحريك الأحداث حولها فهي تنشد قطافها ولكن هنا يتداخل اليأس إلى داخل النفس المحركة لها فهي تملك القدرة لكنها لا تستطيع أن تفعل أي لا تستطيع أن تعبر عن الانفعال والاستجابة لهذا الانفعال مع ما يثير الذات , وهنا نشعر أن الشاعر أعطى قيمتين للفعل وعدم القدرة على تنفيذه, فهي تمتلك القدرة على عمل هذا الفعل ولكنها لا تستطيع أن تفعله لعجزها على تنفيذه فهذه اليد أصبحت فاقدة للقدرة مع أن النفس المعبرة عنها تشعر أنها تتخيل قدرتها على الفعل أي يتحول الفعل هنا إلى تمني فقط دون حركة بسب العجز الذي أصاب هذه اليد , وهنا أثبت الشاعر بدلالات الموحية العميقة التي تقارب الإيحاء بالفعل وعدم القدرة على تنفذيه .. وقد ربط هذا التوتر النفسي والمعبر عن العجز بسبب العاهة فالشاعر هنا أعطى صورتين في هذه المقاطع على عجز اليد فالدالة هنا عاهة اليد وفي المقطع السابق الدالة فيه شيخوخة اليد , فامتدت هنا مساحة الرؤيا بالتعبير عنها بصورة الرمز الموحي دون نسق المباشرة برسم الصورة الشعرية فهي أعطى الدلالة الموحية بامتداد الرؤيا لكي يحدث الانزياح الذي يقارب الرمز والصورة الشعرية.
ص 67(ولا يد تمنحها وجود ../ يقف بكامل عزلته , فالعالم رقعة شطرنج /وهو لا يصلح لاعبا / أو بيدق.. )
ينتقل الشاعر من حالة العجز في المقاطع السابقة إلى حالة انعدام الكلي لوجود اليد حيث هنا هي ساكنة لا وجودة لها ولا حركة فالعالم لا يمكن أن يوجد إلا من خلال الحركة والشاعر أستخدم رقعة الشطرنج دلالة على جمود الأشياء وقد أستخدم الاستعارة استخدام جوهري فرقعة الشطرنج تؤكد القيمة الموحية بأن حين لا تكون هناك يد تنعدم الحياة و يعيش العزلة والجمود وقد أسس هنا الشاعر امتداد موحي بالمعنى بشكل أفقي لأن الإنسان حين لا توجد يديه يفقد القدرة على تحريك الحياة وكما أنه لا يمكن أن يتحول إلى رقعة شطرنج كي ينقلها الآخرين مع أنه فاقد اليدين , وهنا طرح مأساوي لحياة الإنسان الذي فقد اليدين ويصبح هذه الإنسان كأنه خارج الحياة ويعيش العزلة والشاعر قد أعتمد على الحالة المتحولة مع دالة ثابتة و قد أستطاع أن يوظف المدلول وفق ذائقة تغير الدال .
ص 71 ( والعاشر في يده/ يناور للدخول )
وهنا أثبت أن الأصابع في اليد حين تكون عشرة تمتلك القدرة على التحويل والتناور أي أنها تمتلك كامل القدرة على أنجاز أعمالها ,والشاعر أوحي بدلالة دون ينساق إلى الإشارة إلى فعلها , أي أنه قبض على الدالة دون الالتفاف على المدلول كي يحافظ على نسق وامتداد الدالة بالمعنى والرؤيا الموحية لها .
ص 73 ( أنها اليد / التي أكلت .. وأكلت .. وأحرقت الفائض من الفتات . , ) ( أن اليد أشد منها بطشا .. / زمن مهما طال عمره/ فهو الغرير تجاه اليباب )
ويستمر الشاعر بأحداث الانزياح وفق ذائقة تغير مهمة اليد وقدرتها على فعل الحركة , والذي يميز نصوص الشاعر غسان حسن هو ذائقته التأويلية في تفسير دواخل الإنسان من خلال الترميز إلى ظواهره المتحركة وارتباطها بالفعل النفسي المؤثر والمتأثر..
وكانت هنا هي اليد التي تعبر عن كل الانفعالات المؤثرة والاستجابات لها انعكاسا للظروف المؤثر حولها , وبهذا نلاحظ أنه يشير إلى الدلالات ويتحكم بها لكي لا تخرج عن معانيها وسياقها ضمن النص , اليد هنا لها القدرة على الأكل والاستمرار الحياة ولكنها في نفس الوقت تستطيع أن تنتزع الحياة من خلال البطش , لكنه يرجع لبين أن هذا البطش مهما أمتد زمانه لا بد أن ينتهي فقد أوحي لكي يثبت الدالة دون الأيمان بها كفعل صحيح في الحياة وهنا خرج من نسق الدالة إلى الزمن المتغير عكس فعل المتوتر في الحاضر أي انه أدخل دالة الزمن كفعل متغير عن الحاضر وبهذا ارتبطت كل أفعال اليد على تغير الزمن ضمن سياق أفعالها المتغيرة
ص 92 (على يده منابع العسل ../ وفي فمه مرارة / الصحراء )
هنا اليد هي المضحية من أجل الآخرين , وأراد الشاعر هنا أن يرتقي بعطاء اليد إلى غاية التضحية وكأنه يريد أن يقول أن أعلى قيمة يجب أن تعيشها اليد هي التضحية بعد أن مررها بجميع مراحل للفعل المنعكس من الذات الحاملة فهو أستطاع أن يدخل إلى ذات الإنسان ومن خلال دالة اليد والاستعارة المتربة عليها بتغير أفعالها وهذا ما يشعر الملتقي أن فعل اليد ما هو إلا فعل الإنسان لكل حالاته الانفعالية والاستجابة لها وحسب تغير الزمنكانية والمعنى المتغير فيها . والشاعر أستطاع أن يؤسس دالة متغيرة بوسيلة بنيوية متحولة أو متغيرة وقد أعتمد على تغير المدلول ما يتضمنه من تغير في المعنى والظرف المتغير أي أنه أستطاع أن يغير من مصير الدلالات في النص وإعطائها ظفريتها المتغيرة , فجعل العالم الخارجي وكأنه انعكاس إلى العالم الجوهري وأتبادل الدلالات بينهما كقيمة مؤثرة ومتأثرة هذا ما جعل النص يتحول عند الشاعر إلى قيمة متغير أو متحولة وبلغة تتسع إلى جميع مراحل الرؤيا وإشكالاتها الثابتة والمتغيرة فهو أطلق الدالة وتتبع معناها المتغير وبهذا يكون النص عنده انزياح أفقي متبع لكل الأنزياحات العميقة .
عباس باني المالكي