إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عوامل زيادة الإيمان عند المؤمن

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عوامل زيادة الإيمان عند المؤمن

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلً على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم

    هناك عوامل رئيسية تسهم في إيصال الإنسان إلى أعلى درجات الإيمان ، يمكن الإشارة إليها بالنقاط التالية :
    أولاً : العلم والمعرفة . ثانياً : العمل الصالح . ثالثاً : الإيثار . رابعاً : الخُلق الحسن .



    لمّا كان العلم رأس الفضائل ، صار أمل المؤمن ؛ لكونه المرتقى الذي يتجّه به صعوداً إلى الدرجات الرفيعة ، قال تعالى : ( يَرفَعِ اللهُ الَّذينَ آمنُوا مِنكُم والّذينَ أوتُوا العلمَ دَرجَاتٍ .. ) (1) .
    فالعلم هو الذي يكسب صاحبه الشرف والسؤدد ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( .. لا شرف كالعلم ) (2) ، وقال أيضاً ـ موصياً بضرورة اقتران العلم بالأدب ـ : ( يا مؤمن، إنّ هذا العلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلّمهما، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد من ثمنك وقدرك، فإنَّ بالعلم تهتدي إلى ربّك، وبالأدب تحسن خدمة ربّك ) (3) .
    فالإمام (عليه السلام) يضع ميزاناً لا يقبل الخطأ ، وهو كلّما تصاعد المؤشر البياني للعلم المقترن بالأدب في نفس المؤمن ، كلّما زيد في قيمته ومكانته أكثر فأكثر . ومن أجل ذلك كان العلماء أقرب الناس إلى درجة النبوة ؛ بدليل قول الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) : ( أقرب الناس من درجة النبوّة أهلُ العلم والجهاد . أمّا أهل العلم ، فدّلوا الناس على ما جاءت به الرُّسُل . وأمّا أهل الجهاد ، فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرُّسُل ) (4) .
    وعن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) : ( مَن جاء أجَلُه وهو يطلب العلم لقي الله تعالى ، لم يكن بينه وبين النبيين إلاّ درجة النبوة ) (5) .
    وفي القرآن الكريم آيات عدة تشير إلى دور العلم وأهميته في حقل الإيمان بالله وكتبه وملائكته ورسله ، ومن الآيات الصريحة جداً بهذا المجال قوله تعالى : ( إنّما يَخشى اللهَ مِن عِبادِهِ العُلماءُ ) (6) .
    ومن هنا نجد وصايا الرسول (صلَّى الله عليه وآله) الكثيرة في طلب العلم ، وكذلك وصايا أهل البيت (عليهم السلام) . نكتفي بما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( تعلّم العلم ، فإنَّ تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه مَن لا يعلمه صدقة ، وهو عند الله لأهله قربة ... يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمة ... ) (7) .
    ثانياً : العمل الصالح .
    وهو العنصر الثاني الذي يقترن بالإيمان ويسهم في إيصال المؤمن إلى أعلى الدرجات ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا ) (8) .
    وإذا كان الإيمان يمنح الشخصية الإيمانية الرؤية الصحيحة وسلامة التصور ونقاء الاعتقاد ، فإنَّ العمل الذي هو شعار المؤمن يفجّر طاقتها الإبداعية ، فتنطلق في آفاق أرحب وتحيى حياة طيبة ، يقول عزَّ من قائل : (
    مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (9) . فالإسلام لا يريد من المؤمن أن ينعزل عن الحياة ويكتفي بالإيمان المجرَّد الذي يقصره البعض وفق نظره القاصر على الاعتقاد القلبي أو التلفُّظ اللساني ، وإنّما يُريد المؤمن أن يترجم إيمانه إلى عمل صالح يُحقّق النُّقلة الحضارية التي تتطلّع إليها الأُمة الإسلامية كأُمّة رائدة .
    ومَن يتدبرّ في قوله تعالى : (.. وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) (10)
    ، يلاحظ أنّه استعمل لفظة : (كيف) ، ولم يقل : (كم) تعملون ؛ لأنّ الأهم هو نوعية العمل وأبعاده الحضارية وليس كمِّيته .
    فمبيت الإمام علي (عليه السلام) ـ على سبيل المثال ـ ليلة واحدة في فراش الرسول (صلَّى الله عليه وآله) أنقذت الرسول والرسالة ، وضربته يوم الخندق كانت تعادل عبادة الثقلين ! .
    فالإنسان يرتفع بنوعية العمل الذي ينجزه على صعيد الواقع ، ومن هنا ركّزت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على (الثنائي الحضاري) المتمثِّل بالإيمان المقترِن بالعمل ، وفي هذا الصدد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل .. يحبُّ الصالحين ولا يعملُ عملهم ... ) (11) .
    ومن المعروف أنّ بعض الناس يتّكلون على أحسابهم الرّفيعة في كسب المكانة الاجتماعية ، ولكن الإمام علياً (عليه السلام) ركّز على مقياس العمل وأعطاه الأولوية في تكامل الإنسان ورفعته ، فقال (عليه السلام) : ( مَن أبطأ به عمله ، لم يسرع به حسبه ) (12) .
    وكان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على الرغم من شرف حسبهم ، وسمو مقامهم الاجتماعي ، يجهدون أنفسهم في العمل . فعلى سبيل الاستشهاد أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) قد أعتق من كد يده جماعة لا يحصون كثرة ، ووقف أراضي كثيرة وعيناً استخرجها وأحياها بعد موتها (13) .
    وسَلَكَ ذات المسلك ولْده من بعده ، كانوا يعملون لخدمة الناس فينقلون على ظهورهم الجراب وفيها الدقيق والأطعمة إلى المحتاجين والفقراء . وكانوا يعملون بأيديهم الكريمة في الشمس المحرقة حباً للعمل واحتساباً لله ، حتى عرّضوا أنفسهم في بعض الأحيان لسهام النقد المسمومة وقوارص الكلام ، ومن الشواهد ذات الدلالة ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( إنَّ محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أنّ مثل علي بن الحسين (عليه السلام) يدع خلفاً لفضل علي بن الحسين (عليهما السلام) حتى رأيت ابنه محمد بن علي ، فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأي شيء وعظك ؟ قال : خرجتُ إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة ، فلقيتُ محمد بن علي (عليهما السلام) ـ وكان رجلاً بديناً ـ وهو متكيء على غلامين له أسودين أو موليين له ، فقلت في نفسي : شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدّنيا لأعظه ، فدنوت منه فسلّمت عليه فسلّم عليَّ بنهر وقد تصبب عرقاً ، فقلتُ : أصلحك الله ، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذا الحال في طلب الدنيا ، لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال؟! قال : فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند وقال : لو جاءني ـ والله ـ الموت ، وأنا في هذه الحال ، جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله ، أكفُّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله ، فقلت : يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني ) (14) .
    ثالثاً : الإيثار .
    وهو خصلة كريمة ترفع الإنسان إلى أعلى مراتب الإيمان ، فحينما يرتفع الإنسان فوق ( الأنا) ويضع مصلحة الآخرين فوق مصلحته الخاصة ، فلا شك أنّه قد قطع شوطاً إيمانياً يستحق بموجبه الدَّرجات الرَّفيعة . وقد مدح تعالى أولئك الذين يخرجون من دائرة (الأنا) الضيقة على الرغم من ضيق ذات اليد ، إلى دائرة أسمى هي دائرة الإنسانية ، فقال عزَّ من قائل : (.. وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ .. ) (15) .
    وقد كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من أشد الخلق حرصاً على تلك الفضيلة السامية ، حتى ورد في الخبر أنّه (صلَّى الله عليه وآله) ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا . ولو شاء لشبع ، ولكنَّه كان يُؤثر على نفسه (16) .
    وبلغ وصيه الإمام علي (عليه السلام) القمة في الإيثار ، وقد ثمّنت السماء الموقف التضحوي الفريد الذي قام به عندما بات على فراش رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) : ( .. فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل إنِّي آخيت بينكما وجعلت عمر الواحد منكما أطول من عمر الآخر ، فأيُّكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة . فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليهما أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه فيؤثره بالحياة ، فأنزل الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) ) (17) .
    فالإيثار ـ إذن ـ يرفع الإنسان إلى أعلى الدرجات الإيمانية كما رُفع الإمام عليٌّ (عليه السلام) بحيث أنّ ربِّ العزة يفاخر به ملائكته المقرّبين .
    ومن الإيثار ما يكون معنوياً كإيثار الصدق على الكذب مع توقُّع الضرر ، وذلك من أجلى علائم الإيمان ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( الإيمان أن تُؤثر الصدق حيثُ يضرك على الكذب حيثُ ينفعك ) (18) .
    رابعاً : الخُلق الحسن .
    وهو ( عنوان صحيفة المؤمن ) (19) ، و( أنَّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنّه لضعيف العبادة ) كما يقول الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) (20) .
    وقد ورد عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) : ( أنَّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً ) (21) . وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) موصياً : ( روّضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة ، فإنَّ العبد المؤمن يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) (22) .
    إذن فالخلق الحسن أحد مقاييس الإيمان ، يصل من خلاله المؤمن إلى مقامات عالية ويحصل به على أوسمة معنوية رفيعة ، فمن حكم ومواعظ أمير المؤمنين (عليه السلام) : (... عليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة . وإيّاكم والأخلاق الدّنية فإنّها تضع الشريف ، وتهدم المجد ) (23) .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) سورة المجادلة 58 : 11 .
    (2) نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 488 | حكم 113 .
    (3) روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري 1 : 11 في فضل العلم .
    (4)المحجة البيضاء ، للفيض الكاشاني 1 : 14 .
    (5) كنز العمال 10 : 160 | 28831 .
    (6) سورة فاطر 25 : 28 .
    (7) روضة الواعظين : 9 في فضل العلم .
    (8) سورة طه 20 : 75 .
    (9) سورة النحل 16 : 97 .
    (10) سورة الأعراف 7 : 129 .
    (11) نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 497 | حكم 150 .
    (12) نهج البلاغة ، صبحي الصالح | 472 | حكم 23 .
    (13) الفصول المختارة : 103 .
    (14) الإرشاد ، للشيخ المفيد : 264 .
    (15) سورة الحشر 59 : 9 .
    (16) تنبيه الخواطر 1 : 172 .
    (17) تنبيه الخواطر 1 : 173 ـ 174 . والآية من سورة البقرة 2 : 207 .
    (18) نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 556 | حكم 58 .
    (19) اُنظر تحف العقول : 200 .
    (20) المحجة البيضاء 5 : 93 كتاب رياضة النفس .
    (21) أصول الكافي 2 : 99 | 1 كتاب الإيمان والكفر .
    (22) تحف العقول : 111 .
    (23) تحف العقول : 215 .

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X