بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قال تعالى في كتابه العزيز ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ))البقرة: 207..
وردت هنا كلمة ((يشري)) في هذه الآية المباركة، فما المقصود منها؟؟؟
يشري ليس بمعنى الاشتراء كما قد يتصوّره البعض وإنّما بمعنى البيع، فقد ورد في مفردات الراغب ((وشريت بمعنى بعت أكثر، وابتعت بمعنى اشتريت أكثر، قال الله تعالى: (وشروه بثمن بخس)يوسف: 20، أي باعوه..))..
وقد أشار القرآن الى هذا المعنى في آيات أخرى مثل قوله تعالى ((فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ))النساء: 74، وقوله تعالى ((وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))البقرة: 102..
نلخص من هذا انّ المؤمن يشري نفسه (أي يبيعها) لله سبحانه وتعالى بالتضحية بالنفس والروح لنيل رضوانه تعالى، فيعظم البيع لعظم المشتري وهو الله تبارك وتعالى، فهو الذي يحرّض ويدلّ المؤمنين على إتخاذ هذه الخطوة العظيمة، لأنّه تعالى قد قال في كتابه الكريم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ))الصف: 10، وقد يتبادر الى ذهن المؤمن بأنّ التجارة المقصودة هي هذه التجارة الدنيوية المعروفة، لذلك لم يترك معنى التجارة مطلقاً فيتصوّر المؤمنون تصوّرات لا تؤدي الى المعنى الحقيقي لها، لذلك أوضح الله تعالى نوع وكيفية هذه التجارة المنجية بقوله تعالى ((تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ))الصف: 11..
فهنا قد أوضح الله تعالى نوع التجارة، وهو الجهاد بالنفس والأموال، ولكن لا يكون هذا الجهاد أي جهاد يمكن أن يسمّيه الناس، بل أن يكون هذا الجهاد بمعية الايمان بالله تعالى ورسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله) وما جاء من عندهما، وعندها يكون الأجر والعوض على قدر تلك التضحية من غفران الذنوب والسكن في جنانه الواسعة ((يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))الصف: 12، أي تجارة عظيمة هذه، وأي عوض أكثر من ذلك، يكفي أن يعبّر الله تعالى بنفسه بأنّ ذلك هو الفوز العظيم..
لذلك بعد التدقيق في هذه الآية الكريمة نجد القليل جداً ممن يتصف بهذه الصفات، لذلك قال تعالى ((وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ))النساء: 66، وعبّر بالقليل لأنّ أكثر المؤمنين عندما تصل المرحلة الى التضحية بالنفس يتردّد أو يمتنع لأنّ إيمانه قليل بالله ورسوله فيتشبّث بهذه الدنيا التي مصيرها الى الزوال والفناء، ويتّضح هذا المعنى عند قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ))التوبة : 38، وفي نفس سياق هذه الآية المباركة يشير الى انّ عملكم هذا يعني بأنّكم قد أبدلتم الآخرة الباقية بالدنيا الفانية ((أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ))التوبة: 38، لذلك ورد تحذير الباري عزّ وجلّ لهم من مغبّة هذا الاختيار المؤدّي الى العذاب فقال تعالى ((أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ))البقرة: 86..
وعليه لو انّ الايمان متمكّن من قلوب الناس لفكّروا في قوله تعالى ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ))التوبة: 111، فماذا ينتظر المؤمن أكثر من ذلك، بأن يكون المشتري هو الله سبحانه وتعالى، والعوض الجنّة، وهو الهدف السامي الذي تربوا اليه النفوس وتسعد..
والأعظم من هذا كلّه هو أن يكون مطلوب المؤمن هو وجهه تعالى لا سواه، ولا نرى هذا المفهوم يتحقّق إلاّ عند الندرة من عباده وأوليائه الذين إصطفى، وعلى قمة هؤلاء سيدنا ومولانا الامام أمير المؤمنين عليه السلام النازلة في حقّه هذه الآية المباركة محلّ البحث، حينما بات مضحياً بنفسه في فراش النبي (صلّى الله عليه وآله) ما دام الأمر فيه سلامة الدين بسلامة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) طالباً مرضاة الله سبحانه وتعالى والتي لا تعدلها رغبة قبالها أبداً..
فما أعظم هذه التجارة المعروضة من قبل العظيم سبحانه وتعالى، وما أعظم البيع من المؤمن الذي يقابله رضوان الله تعالى..
نسأل الله تعالى بحق محمد وآل محمد (عليهم السلام) أن يجعلنا من أولياء وأنصار الامام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ومن الباذلين نفوسهم في سبيل ونصرة معتقده حتى نحضى الهدف الأسمى وهو رضوان الله تعالى انّه سميع مجيب...
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قال تعالى في كتابه العزيز ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ))البقرة: 207..
وردت هنا كلمة ((يشري)) في هذه الآية المباركة، فما المقصود منها؟؟؟
يشري ليس بمعنى الاشتراء كما قد يتصوّره البعض وإنّما بمعنى البيع، فقد ورد في مفردات الراغب ((وشريت بمعنى بعت أكثر، وابتعت بمعنى اشتريت أكثر، قال الله تعالى: (وشروه بثمن بخس)يوسف: 20، أي باعوه..))..
وقد أشار القرآن الى هذا المعنى في آيات أخرى مثل قوله تعالى ((فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ))النساء: 74، وقوله تعالى ((وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))البقرة: 102..
نلخص من هذا انّ المؤمن يشري نفسه (أي يبيعها) لله سبحانه وتعالى بالتضحية بالنفس والروح لنيل رضوانه تعالى، فيعظم البيع لعظم المشتري وهو الله تبارك وتعالى، فهو الذي يحرّض ويدلّ المؤمنين على إتخاذ هذه الخطوة العظيمة، لأنّه تعالى قد قال في كتابه الكريم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ))الصف: 10، وقد يتبادر الى ذهن المؤمن بأنّ التجارة المقصودة هي هذه التجارة الدنيوية المعروفة، لذلك لم يترك معنى التجارة مطلقاً فيتصوّر المؤمنون تصوّرات لا تؤدي الى المعنى الحقيقي لها، لذلك أوضح الله تعالى نوع وكيفية هذه التجارة المنجية بقوله تعالى ((تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ))الصف: 11..
فهنا قد أوضح الله تعالى نوع التجارة، وهو الجهاد بالنفس والأموال، ولكن لا يكون هذا الجهاد أي جهاد يمكن أن يسمّيه الناس، بل أن يكون هذا الجهاد بمعية الايمان بالله تعالى ورسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله) وما جاء من عندهما، وعندها يكون الأجر والعوض على قدر تلك التضحية من غفران الذنوب والسكن في جنانه الواسعة ((يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))الصف: 12، أي تجارة عظيمة هذه، وأي عوض أكثر من ذلك، يكفي أن يعبّر الله تعالى بنفسه بأنّ ذلك هو الفوز العظيم..
لذلك بعد التدقيق في هذه الآية الكريمة نجد القليل جداً ممن يتصف بهذه الصفات، لذلك قال تعالى ((وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ))النساء: 66، وعبّر بالقليل لأنّ أكثر المؤمنين عندما تصل المرحلة الى التضحية بالنفس يتردّد أو يمتنع لأنّ إيمانه قليل بالله ورسوله فيتشبّث بهذه الدنيا التي مصيرها الى الزوال والفناء، ويتّضح هذا المعنى عند قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ))التوبة : 38، وفي نفس سياق هذه الآية المباركة يشير الى انّ عملكم هذا يعني بأنّكم قد أبدلتم الآخرة الباقية بالدنيا الفانية ((أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ))التوبة: 38، لذلك ورد تحذير الباري عزّ وجلّ لهم من مغبّة هذا الاختيار المؤدّي الى العذاب فقال تعالى ((أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ))البقرة: 86..
وعليه لو انّ الايمان متمكّن من قلوب الناس لفكّروا في قوله تعالى ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ))التوبة: 111، فماذا ينتظر المؤمن أكثر من ذلك، بأن يكون المشتري هو الله سبحانه وتعالى، والعوض الجنّة، وهو الهدف السامي الذي تربوا اليه النفوس وتسعد..
والأعظم من هذا كلّه هو أن يكون مطلوب المؤمن هو وجهه تعالى لا سواه، ولا نرى هذا المفهوم يتحقّق إلاّ عند الندرة من عباده وأوليائه الذين إصطفى، وعلى قمة هؤلاء سيدنا ومولانا الامام أمير المؤمنين عليه السلام النازلة في حقّه هذه الآية المباركة محلّ البحث، حينما بات مضحياً بنفسه في فراش النبي (صلّى الله عليه وآله) ما دام الأمر فيه سلامة الدين بسلامة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) طالباً مرضاة الله سبحانه وتعالى والتي لا تعدلها رغبة قبالها أبداً..
فما أعظم هذه التجارة المعروضة من قبل العظيم سبحانه وتعالى، وما أعظم البيع من المؤمن الذي يقابله رضوان الله تعالى..
نسأل الله تعالى بحق محمد وآل محمد (عليهم السلام) أن يجعلنا من أولياء وأنصار الامام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ومن الباذلين نفوسهم في سبيل ونصرة معتقده حتى نحضى الهدف الأسمى وهو رضوان الله تعالى انّه سميع مجيب...
تعليق