إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لماذا خلقَنـَا الله

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لماذا خلقَنـَا الله

    هي صيغ متعدِّدة لسؤال واحد يرتبط بأصل وجود الإنسان، ويحدّد خطواته في هذه الحياة، لذا كان لهذا السؤال الأهميّة الكبرى.

    والجواب يجده الإنسان في موضعين:
    الأوّل: داخل الوجدان.
    الثاني: لوح القرآن.

    جواب الوجدان
    كلّ إنسان يجد في نفسه حبّاً للسّعادة، فهي الهدف لكلّ الناس بلا استثناء.
    وللسّعادة علامة، وهي حصول الاطمئنان والسكينة والأمن داخل الإنسان، كما أنّ للشّقاء علامة، وهي حالة القلق والاضطراب، ولأجل الوصول إلى ذلك الاطمئنان وتلك السكينة يسعى الإنسان نحو الكمال الذي غرس الله حبّه في نفسه منذ طفولته.

    ففي تحليل حركة الإنسان، منذ نعومة أظفاره، نلاحظه يسعى نحو هدفٍ يعتقد كماله، فالصغير في بداية نشأته قد يعتقد أنّ كماله يتحقّق حينما يبدأ الحركة بشكل مستقلّ. وبما أنّ الخطوة المتوفّرة له في تلك المرحلة هي الحبو على الأرض، فإنّنا نلاحظه يسعى جاهداً ليحبو؛ لعلّه يحقّق من خلال الحبو كماله. لكنّه حينما يحبو يتعرّف على أنّ الحبو ليس كماله، فيسعى نحو المشي، لعلّه يحقّق من خلاله كماله المنشود، فيمشي على قدمين بعد أنّ كان يتحرّك على أربع، لكنّه يدرك، بعد هذه المرحلة، أنّه لم يحقّق ذلك الكمال.

    حينها ينشد أمراً آخر لعلّه به يحقّق كماله، وقد يظنُّ أنّه النطق والتكلُّم، فيسعى نحو تحقيق ذلك، فيتكلّم وقد يصبح فصيحاً بليغاً، لكنّه يشعر أنّ نار عشق الكمال ما زالت تلتهب في داخله.
    هنا قد يجعل له قدوة يظنّ أنّ كماله يتحقّق حينما يصبح مثلها، وقد تكون القدوة أباه أو معلِّمه أو قائداً محبوباً، وقد يصل إلى مستوى قدوته بل إلى أعلى منها منزلة، لكنّه يشعر بذلك الظمأ نحو الكمال أنّه ما زال في داخله، وأنّ علامة السّعادة، وهي الاطمئنان والسكينة والأمن، لم تتحقّق في نفسه وروحه.

    اشتباه الهدف
    ويستمرّ الإنسان كبيراً يبحث عن كماله الذي يحقّق له تلك السّعادة.
    فيتّجه البعض نحو المال معتقداً أنّ الحصول عليه يحقّق كماله، فيسعى جاهداً للحصول عليه، وقد يشقى، وتُمْتَهَنُ كرامتُه، لكنّه يثابر لأجل الحصول عليه، وقد سمعت عن بعض التجّار أنّهم كانوا في أثناء المواسم التجاريّة يأخذون أدوية منشّطة وطاردة للنوم لأجل الاستفادة القصوى من الموسم التجاريّ للحصول على أكبر نسبة من المال.
    وقد يحصل الإنسان على المال الوفير، ويصبح غنيّاً مليئاً ذا ثروة كبيرة، لكنّه لا يحصل على تلك السّعادة التي كان يرجوها.

    ألم تسمع بقصّة ذلك الغنيّ الذي احتجّت عليه زوجته بجاره الفقير كيف يعيش مع زوجته السّعادة التي لا يجدانها - وهما ثريَّان- في حياتهما فكان جوابه عمليّاً بأنّ أعطى جزءاً من ثروته لذلك الجار الفقير الذي أفسدت تلك الثروة حياته وقلبت سعادته وعائلته إلى شقاء؟!

    طبعاً ليس كلّ من يحصل على مال يكون هكذا، إلّا أنّ الكثيرين من الأثرياء لا يجدون طعم السّعادة المنشودة، ويبقون يشعرون بالفقر المعنويّ وبالقلق المزعج الداعي لهم إلى أنّ يفتشوا عن أمر آخر لعلّه يحقّق كمالهم وسعادتهم.
    تُرى أين هو سبب السّعادة؟

    هنا نُلاحظ أنّ قسماً من هؤلاء الأثرياء يدفعهم عشقهم للكمال إلى التوجّه نحو أمر آخر قد يجدونه في الجاه.
    فنرى في المجتمع الكثيرين ممّن قطعوا مرحلة الثّراء ومنهم من قطعها بعد شقاء يصرفون أموالهم الكثيرة في حفلات وولائم ومشاريع بهدف الحصول على المكانة المعنويّة بين الناس والتي يعبَّر عنها بالجاه، ويشعرون بالنشوة حينما تكلَّل بطاقات الدعوة لهم بألقاب الوجاهة، وحينما يجلسون في صدارة المجلس... لكنّ هؤلاء، حينما يصلون إلى مرحلة الوجاهة هذه، يعرفون أنّه لم يواكبها شعور بالإطمئنان، بل إنْ ذلك الجوع المعنويّ والعطش الداخليّ يحرِّكانهم نحو السعي لكمال آخر، لعلّهم به يحقّقون سعادتهم. ترى أين هو محقّق هذه السّعادة؟.

    هنا قد يتوجّه قسم من هؤلاء الوجهاء إلى السعي نحو السلطة، كما قد نلاحظ في كثير ممّن رشَّحوا أنفسهم لرئاسة المجالس البلديّة وكذا في المجالس النيابيّة، فإنّ كثيراً من هؤلاء قطعوا مرحلتي الثروة والوجاهة، وها هم يحاولون ريّ عطشهم الداخليّ من خلال السُّلطة.

    ويصل الإنسان منهم إلى رئاسة المجلس البلديّ أو النيابة، لكنّه لا يكتفي بذلك، فيسعى نحو منصب آخر كالوزارة، ويصبح وزيراً، فيسعى نحو الرئاسة، وكما يقول أحد الحكماء: "لو ملك الأرض لتوجّهت عيناه نحو السماء".
    يقول الإمام الخمينيّ واصفاً أنفس هؤلاء:"فهي عندما تبسط لواء قدرتها على قُطر من الأقطار، تتوجّه بنظرة طامعة إلى قطر آخر، بل إنّها لو سيطرت على الكُرة الأرضية برمّتها، لرغبت في التحليق، نحو الكُرات الأخرى للاستيلاء عليها".

    كلّ ذلك لأنّ أنفس هؤلاء قد اشتبهت فيما يُحقّق هدفها، فكلّ هؤلاء يسعون نحو الكمال، إلّا أنّهم يخطئون في تحديده وفي ما يتحقّق به.
    ومن لطيف ما ورد في هذا أنّ بعض العلماء يرمزون إلى الكمال الذي ينشده كلّ إنسان بـ"ليلى" فيقول: كلّ إنسان يسعى نحو ليلى، إلّا أنّ البعض يظنّ أنّ ليلى هي المال فيسعى نحوه، والبعض يظنّها الجاه، فيقبل عليه والبعض يظنّها السلطة، فيتوجّه إليها، والبعض يظنّها ليلى!

    لكنّ الجميع لا يجدون ليلى في كلّ ما سعوا نحوه وتوجّهوا إليه وأقبلوا عليه، ترى أين هي "ليلى" الحقيقيّة؟
    إنّ جميع الناس يقولون بلسان ينبع من الوجدان: "إنّنا عاشقون للكمال" فأين نجده؟

    هنا ينبرى الشيخ العارف القارئ لتجارب من مضى الإمام روح الله الخمينيّ ليجيب هؤلاء بلغته الداخلة إلى القلوب من غير استئذان:"فيا أيّها الهائمون في وادي الحَيْرة، والضائعون في صحارى الضّلالات، بل أيّتها الفراشات الهائمة حول شمعة جمال الجيل المطلق، ويا عشَّاق الحبيب الخالي من العيوب، والدائم الأزليّ، عودوا قليلاً إلى كتاب الفطرة، وتصفَّحوا كتاب ذاتكم، لتروا أنّ الفطرة الإلهيّة قد كتبت فيها بقلم القدرة وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ".

    أجل، إن الإنسان حينما يرجع إلى فطرته يتعرّف إلى أنّ سعيه كان نحو الكمال المطلق الخالي من كلّ عيب ونقيصة، وأن كلّ ما ظنه كمالاً كان خداعاً.
    فالكمال المطلق متحقّق في واحد أحد، ألا وهو الله ربُّ العالمين، وأن كمال الإنسان وسعادته لا يتحقّقان إلّا حينما يرتبطان بالكمال المطلق.
    أدَرَيْتَ ـ أيها القارئ العزيز ـ معنى قوله تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ ؟!.

    بذكر الله والارتباط به يصل الإنسان إلى الاطمئنان والأمن والسكينة، فيكون "مؤمناً" حقّاً، يعيش الأمن في حياته وتكون نفسه "النفس المطمئنّة" ويعيش في حياته لذّة "السكينة".
    إنّه مشروع سعادة الإنسان الذي رسمه القرآن الكريم. وحينما يسير الإنسان في هذا المشروع بخطى ثابتة فإنّه يصبح ثابتاً لا تضرّ به عواصف البلاء والمحن، ولا تغيِّره أمواج الثراء والنِّعم.

    فقد يكون فقيراً وسعيداً، غنيّاً وسعيداً، مغموراً وسعيداً، وجيهاً وسعيداً، مرؤوساً وسعيداً، رئيساً وسعيداً.
    وها هو نبيّ الله سليمان يهبه الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده, فكان سلطانه يمتدّ ما بين الشامات وبلاد اصطخر ، وقد عُلِّم منطق الطير، وسُخِّر له الجِنّ والإنس، كما كانت الريح تجري بأمره، وكان لا يسمع بملك في ناحية الأرض إلّا أتاه حتّى يُذلّه ويدخله في دين الله تعالى.

    ومع ذلك كلِّه كان المطمئنّ في ملكه غير متعلق به، فكان يقعد مع المساكين، ويقول: مسكين مع المساكين، وكان إذا جنَّه اللّيل شدَّ يديه إلى عنقه، فلا يزال قائماً حتّى يصبح باكياً، وكان يقول:"لَتسبيحةٌ في صحيفة المؤمن خير ممّا أُعطي ابن داود ما أُعطي، ابن داود يذهب، وإنّ التسبيحة تبقى".

    وها هو نبيّ الله أيّوب يعيش ذلك الاطمئنان حين كان أباً لأولاد يعيش معهم الهناءة، ومالكاً لأموال يحلم بها الآخرون، وفي ظلّ عافية جسد يملؤه النشاط، ولم يبدِّل اطمئنانه ذلك البلاء الذي حلّ بأولاده وماله وصحة جسده، بل قال حين فقد ماله:"الحمد لله حين أعطاني، وحين نزع منّي، عرياناً خرجت من بطن أمي، وعرياناً أعود في التراب، وعرياناً أحشر إلى ربّي".

    وبمثل هذا كان جواب أيّوب حينما ابتلي بفقدان أولاده:"إنّهم عباده، وهو أرأف بهم من أبيهم وأمّهم".
    وظلّ أيّوب مطمئنّاً حينما لحق البلاء جسده فلم تهزَّه كلُّ هذه البلاءات، وبقي مطمئنّاً.
    وها هو خاتم الأنبياء عاش سعادته جائعاً في شِعْبِ أبي طالب، ومطارَداً في مكّة والطائف، ومنتصراً في بدر وخيبر، وفاتحاً لمكّة المكرّمة، كما عاش ذلك الاطمئنان مربِّياً للسيّدة الزهراء أُمّ أبيها وحاملاً لسِبْطَيْه الحسن والحسين، وفاقداً لولدَيْه القاسم وإبراهيم.

    وها هو الإمام الحسين يسير باطمئنان، ويشعر بالسّعادة الكاملة، إلى حيث شاء الله أنّ يراه قتيلاً، وأن يرى النساء سبايا، كما عاش ذلك الاطمئنان وتلك السكينة، حينما دنا من الشهادة، فسكنت نفسه، وهدأت جوارحه، وأشرق لونه نوراً وبهاءً.

    ها هو الإمام الخمينيّ يعيش مطمئنّاً في أسرته، وفي مجلس درسه، بل وهو مقيَّد من أعوان الشاه (الساڤاك) الذين جاؤوا ليعتقلوه، والمظنّةُ القتلُ، لكنّه عبَّر عن موقفه، في ذلك الوقت قائلاً:"أنا لم أخف طول حياتي، حتّى حينما جاء الساڤاك ليعتقلوني لم أخف، بل هم ارتعدوا فصرت أهدِّئ من روعهم".

    وبقي على ذلك الاطمئنان حينما حلَّ في أرض طهران يستقبله ملايين المحبّين الموالين ينادون "فليحيَ الخمينيّ" وحينما سئل عن شعوره وقتها قال:"سواء قالوا فليحي الخمينيّ أو فليمت الخمينيّ، فالأمر عندي سواء".
    وهو الذي ودَّع الأمّة في كلمته الأخيرة قائلاً:"بقلب هادئ وبنفس مطمئنة وروح فرحة وضمير يأمل فضل الله أستأذن الأخوات والإخوة وأسافر نحو المقرّ الأبديّ وأنا بحاجة مبرمة إلى صالح دعائكم".

    نعم ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ُ وبالارتباط بالكمال المطلَق والسير على طريقه يصل الإنسان إلى كماله اللّائق بشأنه
    لكن كيف نحقّق معنى ذكر الله في أنفسنا لتطمئنّ قلوبنا؟
    وكيف نرتبط بالكمال المطلَق لنحقّق كمالنا، ونصل إلى السّعادة المنشودة؟ هلمَّ معي إلى مدخل الجواب الشافي مع جواب القرآن الكريم عن السؤال الأساس: لماذا خلقَنا الله؟1.
    التعديل الأخير تم بواسطة الحسيني; الساعة 22-05-2020, 09:35 AM.
    sigpic

  • #2
    السلام عليكم موفق بحق آل محمد
    sigpic
    إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
    ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
    ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
    لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X