تويت
وفعلا بعد ثلاثة أيام انقضين في الكوفة سار موكب السبايا متوجها نحوا بلاد الشام وخلال ذلك المسير أخذت الحوراء زينب والإمام علي أبن الحسين السجاد(عليهم السلام) نشر أهداف ثورة الطف بين الأمصار التي يمر بها الركب أو يحط رحاله من أقوام رحل أو قرى ومدن تسكن عل طريق مسير القافلة حتى شاع خبر مقتل أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه في كل مكان رغم الظروف الصعبة التي كانت تحيط بهم من قساوة معاملة ومشقة طريق وقلة الماء والزاد ولهيب الصيف المحرق وفقدان الأحبة وهول المصيبة ,لكن ذلك كله لم يمنع الإمام علي أبن الحسين وعمته زينب عن تأدية دورهما ونصرة قضية الإمام الحسين(عليه السلام) الذي قدم الغالي والنفيس من أجل تحقيقها وكلما نزل السبايا في منطقة أو قرية أو قوم رحل أصبح ذلك المكان مجلس اللعزاء والبكاء على أبوعبد الله الحسين وأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه البررة .وخلال ذلك المسير والجلوس في تلك المواطن تحدث رأس الإمام الحسين(عليه السلام) لعدة مرات على الرمح الذي كان يحمله وهذه من المعاجز التي سجلها الله تعالى للحسين(عليه السلام) بعد واقعة الطف .
حيث تقول الرواية(نقل عن زيد بن أرقم وهو أحد أصحاب رسول الله(ص) وقد كان يومئذ بالشام انه سمع رأس الحسين(عليه السلام) يتلو قوله تعالى (أًم حَسِبت أَن أَصحاب الكَهفِ وَالرَّقيم كانُوا مِن آياتِنا عَجَبا)(1). فقال زيد بن أرقم سيدي رأسك أعجب وأغرب )(2).
إن كلام رأس الإمام الحسين(عليه السلام) في الشام كان مراده إقامة الحجة الدامغة عليهم لأنهم كان الكثير منهم يجهل من هو الحسين ولماذا أستشهد ومن صاحب الحق الشرعي في خلافة الله وما هي حقيقة الإمامة وما مرادها في الحقيقة الكونية التشريعية وهل هو منصب دنيوي أو منصب إلهي يختار الله له من هو
1 ـ سـورة الكـهف / آيـة 9
1 ـ بـحـار الأنــوار / ج 45 ص 126
لصالح لذلك وصدق قضيته. بل كان حكام بني أمية يغرسون في أذهان الناس إن هذا الموكب لسبايا من غير المسلمين من الروم أو الزنج أو الديلم أو القبط ونحو ذلك ,وكان لابد لموكب سبايا الإمام الحسين (عليه السلام) أن يثبت هويته الشخصية وحقيقة قضيته التي ناضل من أجلها حتى استشهدوا جميعهم للناس في بلاد الشام, وفي الواقع أنهم لم يقصروا في ذلك بعد أن تحدث الإمام علي بن الحسين وعمته الحوراء زينب(عليهم السلام) وآخرون في مجلس يزيد (عليه اللعنة) .ومحل الشاهد إن الإمام الحسين (عليه السلام) هو نفسه شارك في هذه الحملة الإعلامية الموسعة وذلك من خلال خطبه الكثيرة التي ألقاها قبل استشهاده وكذلك عندما تكلم رأسه على الرمح وهو يردد عدد من آيات قرآنية في أكثر من موضع وعلى مسمع من الناس ومن تلك المواضع:ـ
1ـلما حمل الرأس الشريف إلى دمشق ونصب في مواضع الصيارفة وهناك لغط المارة وضوضاء المتعاملين فأراد سيد الشهداء توجيه النفوس نحو نحره المقدس ليسمعوا عضاته فتنحنح الرأس تنحنحا عاليا فاتجهت الناس أليه واعترتهم الدهشة حيث لم يسمعوا رأسا مقطوعا يتنحنح قبل يوم الحسين(عليه السلام) فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى(إنهم فتيةُ آمنوا برَبهم وَزدِناهُم هُدى)(1) .
2ـوصلبعلى شجرة فأجتمع الناس حولها ينظرون إلى النور الساطع فأخذ يقرأ قوله تعالى(وَسَيَعلمُ الذِينَ ظَلَموُا أَيّ مُنَقَلبُ يُنقلِبُون)(2) .
1 ـ سورة الكـهف / آيـة 13
2 ـ سورة الشـعراء / آيـة 227
3ـ وقال هلال بن معاوية رأيت رجلا يحمل رأس الحسين (عليه السلام) والرأس يخاطبه((فرقت بين رأسي وبدني))فرفع السوط وأخذ يضرب الرأس حتى سكت.
4ـ ويحدّث بن وكيده: أنه سمع الرأس يقرأ سورة الكهف فشك في أنه صوته أو غيره. فترك(عليه السلام) وألتفت أليه يخاطبه (يا أبن وكيده أما علمت أنّا معشر الأئمة أحياء عند ربهم يرزقون) .
5ـ فعزم على أن يسرق الرأس ويدفنه وإذا الخطاب من الرأس الشريف (يا أبن وكيده ليس إلى ذلك من سبيل إن سفكهم لدمي عند الله أعظم من تيسيري على الرمح فذرهم فسوف يعلمون أن الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) .
6ـ وقال المنهال بن عمرو :رأيت رأس الحسين بدمشق على
الرمح وأمامه رجل يقرأ سورة الكهف حتى إذا بلغ قوله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)(1). نطق الرأس بلسان فصيح
7ـولما أمر يزيد(عليه اللعنة) بقتل رسول ملك الروم حيث أنكر عليه فعلته نطق الرأس الشريف بصوت رفيع(لا حول ولا قوة إلا بالله ) (2).
حتى وصل ركب السبايا إلى بلاد الشام كما أشرنا في حديث رأس الإمام الحسين .وهنا أخذ الدور الإعلامي لأهل البيت منحى آخر وطرق متعددة لتوصيل الرسالة التي يحملونها, لأن أهل تلك
1 ـ سـورة الكـهف / آيـة 9 2 ـ كتاب الأضواء/محمد الصدر
المناطق غلبت عليهم سياسة معاوية وأبنه يزيد(عليهم اللعنة) حتى وصل الأمر بهم إلى تقديسهم والثناء عليهم وتصديق حديثهم لأنهم هم أهل بيت النبوة(أي بنو أمية) .وهذا بدا واضحا من خلال إخلاصهم وأتباعهم لهم .لذلك أصبحت المهمة صعبة على الحوراء زينب والإمام علي بن الحسين(عليهم السلام) أمام تلك الجموع الغفيرة التي زينت أزقة الشام وراحت تحتفل بالانتصار الكبير الذي حققه حاكمهم على خصومه . ولكن بتوفيق الله وحنكة وعلمية الإمام علي بن الحسين وعمته الحوراء زينب (عليهما السلام) استطاعا تغيير الموازين الموضوعة من قبل يزيد وجلاوزته (عليهم اللعنة)لصالحهم وإشعال نيران الثورة تحت أقدامهم وفي مجلسهم وأصبحت في الشام ذلك اليوم عزاء حقيقيا واسع لم تشهد مثله من قبل على مصيبة أبي عبد الله الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)وأصحابه البررة ومن كل طائفة وملة كانت تسكن هناك حتى دخل العزاء فيدار يزيد اللعين نفسه عن طريق زوجته التي كانت تخدم في بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في صباها وهي تكن لهم الحب والاحترام والتقديس وذلك لمعرفتها بمكانتهم الكبيرة عند الله . وذلك من أثر الخطب الكبيرة التي ألقاها الإمام وعمته في حشود الناس وفي مجلس يزيد (عليه اللعنة) عندما أدخلوا سبايا في مجلسه.
حيث قالت الحوراء زينب(عليها السلام)ما نصه: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق كذلك يقول(ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى إن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون)(1).
أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء
1ـ سورة الروم / آيـة 10 فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى إن بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة وإن ذلك لعظم خطرك عنده . فشمحت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة وحين صفا لك ملكها وسلطانها مهلا مهلا. أنسيت قول الله تعالى (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) .
من العدل يا أبن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله قد هتكت ستورهن وأبديت وجوهنّ تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد...الخ)(2).
وعندما انتهت الحوراء من خطبتها اضطرب الحضور بين باكي ورافض لما حصل, عندها أراد يزيد(عليه اللعنة) التنصل عن المسؤولية في قتل الإمام الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)وأصحابه وجعل أمر ذلك كله على أبن زياد اللعين لكنه لم يفلح لأن الناس أستقرؤا أفكاره مسبقا من خلال ما أنشده من أبيات
شعرية يناشد بها أسلافه من المشركين الذين قتلوا في معركة بدر الكبرى وإعلانه للناس أن قتله لتلك الثلة المؤمنة هو يوم عيد, عند رأيته رأس الإمام الحسين(عليه السلام) ودخول السبايا حيث قال :
ليت أشياخي ببدر شهـدوا جرع الخزرج من وقع الأسل فأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشـــل(2)
ولم ينتهي ذلك المشهد الساخن حتى أستأذن الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) من يزيد(اللعين) التحدث للناس بكلام فيه لله رضا وللناس خير ومن جانب آخر يستكمل ما بدأته عمته من كشف حقيقة بني أمية وأهدافهم التي يسعون لتحقيقها. وتعريف
1ـ بـحـار الأنــوار / ج 45 ص 133
الناس بهوية الإمام الحسين(عليه السلام) وأهداف الرسالة الإلهية التي يحملها .
لكن اللعين يزيد بن معاوية رفض طلب الإمام زين العابدين(عليه السلام) لأنه يعلم جيدا إذا تكلم الإمام سوف يقلب الموازين على حكمه وتنكشف عورته وعورة أبيه وأسلافه للناس وزيف مدعاتهم التي أشاعوها. ولكن الناس الحاضرين طلبوا منه أن يسمح للإمام بالحديث وأمام إصرار الحاضرين وجهل الكثير بحقيقة الإمام وإمكاناته العلمية والفكرية وأنه إمام منصوص عليه بأمر الله تعالى رضخ للأمر الواقع المفروض أنذلك في المجلس ,عندها نهض الإمام بأبي هو وأمي وأهلي وعشيرتي منهك القوى قد أخذت من جسده الطاهر آثار القيود وعلى قوته ثقل الحديد وبعد المسير بين الشام والكوفة والمرض الذي ألم به كل ذلك قد تعلق بأطراف عباءته ولكن لم يمنعه من تأدية رسالته :
صعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال أعطينا ستاَ وفضلنا بسبع أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين. وفضلنا بأن منا النبي المختار محمد(ص)ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله(ص) ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول ومنا سبطا هذه الأمة. ومنا سيدا شباب الجنة. فمنعرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي أيها الناس . أناأبن مكة ومنى . أبنزمزم والصفا. أنا أبن من حمل الركن بأطراف الرداء. أنا أبن خير من أتزروارتدى. أنا أبن خير من أنتعل واحتفى .أنا أبن خير من طاف وسعى . أنا أبن خير من حج ولبى..........الخ)(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ بـحـار الأنـوار/ ج 45 ص 133
ومازال يكرر أنا. أنا حتى وصل إلى قوله أنا أبن من رأسه محمول على القنا . عندها ضج الحاضرين بالبكاء والنحيب حتى أن يزيد اللعين خاف أن ينفلت الأمر منه وينقلب الناس عليه فأمر المؤذن بإعلان الأذان حتى يسكت الإمام(عليه السلام) عن الكلام ويفرق الناس عنه . ولكن الإمام علي أبن الحسين(عليه السلام) وبحنكته العلمية والسياسية والفكرية وضّف مفردات الأذان لصالح مشروعه الكبير ليزيد النقمة على يزيد اللعين وزمرته الفاسدة حتى وصل الأمر إلى إن أحد سفراء ملك الروم أعترض على يزيد. ولم ينتهي ذلك اليوم حتى تحول مجلس يزيد اللعين وبيته إلى مأتم عزاء للإمام الحسين(عليه السلام) وأمتد ذلك المأتم إلى جميع أنحاء دمشق وتغير عيدهم إلى يوم حزن وبكاء وفي تلك اللحظة تكون أول مرحلة انتصار لثورة الدم المسفوح من نحر الإمام الحسين(عليه السلام) ونحر أهل بيته وأصحابه في كربلاء على السيف الظالم للحق وفي عقر داره وبين جلاوزته وأنصاره ومريديه من أهل الشر والعدوان .وبذلك يظهر جلياً للعيان مدى فاعلية الدور الإعلامي المنظم والمدروس والمعد مسبقاً من قبل أهل البيت(عليهم السلام) والذي استخدمه الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) وعمته الحوراء زينب وباقي النسوة والأطفال من أهل البيت ومن لحق بركبهم من نساء الصحابة
وأطفالهم, حتى إن يزيد(اللعين) أمر جلاوزته بالتعجيل بخروج السبايا مع الرؤوس من بلاد الشام إلى المدينة بأسرع وقت ممكن لتخفيف وطأة الحدث في نفوس الناس حتى لا ينقلبوا على حكمه الفاسد بعدما ظهر للناس ذلك ...
وهكذا سارت القافلة من دمشق متجهةً صوب المدينة المنورة وصادف طريقهم المرور بالقرب من أرض العراق عندها طلب الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) وعمته من قائد الركب العروج بهم إلى أرض كربلاء حتى يدفنوا الرؤوس مع الأجساد الطاهرة وفعلا أتجه الركب نحو العراق حتى وصل يوم الأربعين من يوم الواقعة وفي ذلك اليوم دقت في أرض الطف أول قاعدة إعلامية رصينة في تاريخ الأمة ألا وهي زيارة الأربعين لتكون منارة وضاءة تلهم الناس من مناهل مبادئها السامية في كل زمان ومكان وقد وضف الإمام كل أمكاناته العلمية والروحية والفكرية في صياغة منهج متكامل من الأوامر والنواهي والإرشادات وكذلك الروحية وسلوكية التي تصل العبد بربه وأخلاقية تربط المؤمن بأخيه المؤمن من خلال ذلك الحشد الهائل الذي يجتمع يوم الزيارة ومن كل أصقاع الأرض وهذا تجده واضحاً في كتب الزيارات والأدعية مما يجدر بالمؤمن اليوم أن يطلع عليه إذا أراد خير الدنيا والآخرة ..
حيث تقول الرواية(نقل عن زيد بن أرقم وهو أحد أصحاب رسول الله(ص) وقد كان يومئذ بالشام انه سمع رأس الحسين(عليه السلام) يتلو قوله تعالى (أًم حَسِبت أَن أَصحاب الكَهفِ وَالرَّقيم كانُوا مِن آياتِنا عَجَبا)(1). فقال زيد بن أرقم سيدي رأسك أعجب وأغرب )(2).
إن كلام رأس الإمام الحسين(عليه السلام) في الشام كان مراده إقامة الحجة الدامغة عليهم لأنهم كان الكثير منهم يجهل من هو الحسين ولماذا أستشهد ومن صاحب الحق الشرعي في خلافة الله وما هي حقيقة الإمامة وما مرادها في الحقيقة الكونية التشريعية وهل هو منصب دنيوي أو منصب إلهي يختار الله له من هو
1 ـ سـورة الكـهف / آيـة 9
1 ـ بـحـار الأنــوار / ج 45 ص 126
لصالح لذلك وصدق قضيته. بل كان حكام بني أمية يغرسون في أذهان الناس إن هذا الموكب لسبايا من غير المسلمين من الروم أو الزنج أو الديلم أو القبط ونحو ذلك ,وكان لابد لموكب سبايا الإمام الحسين (عليه السلام) أن يثبت هويته الشخصية وحقيقة قضيته التي ناضل من أجلها حتى استشهدوا جميعهم للناس في بلاد الشام, وفي الواقع أنهم لم يقصروا في ذلك بعد أن تحدث الإمام علي بن الحسين وعمته الحوراء زينب(عليهم السلام) وآخرون في مجلس يزيد (عليه اللعنة) .ومحل الشاهد إن الإمام الحسين (عليه السلام) هو نفسه شارك في هذه الحملة الإعلامية الموسعة وذلك من خلال خطبه الكثيرة التي ألقاها قبل استشهاده وكذلك عندما تكلم رأسه على الرمح وهو يردد عدد من آيات قرآنية في أكثر من موضع وعلى مسمع من الناس ومن تلك المواضع:ـ
1ـلما حمل الرأس الشريف إلى دمشق ونصب في مواضع الصيارفة وهناك لغط المارة وضوضاء المتعاملين فأراد سيد الشهداء توجيه النفوس نحو نحره المقدس ليسمعوا عضاته فتنحنح الرأس تنحنحا عاليا فاتجهت الناس أليه واعترتهم الدهشة حيث لم يسمعوا رأسا مقطوعا يتنحنح قبل يوم الحسين(عليه السلام) فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى(إنهم فتيةُ آمنوا برَبهم وَزدِناهُم هُدى)(1) .
2ـوصلبعلى شجرة فأجتمع الناس حولها ينظرون إلى النور الساطع فأخذ يقرأ قوله تعالى(وَسَيَعلمُ الذِينَ ظَلَموُا أَيّ مُنَقَلبُ يُنقلِبُون)(2) .
1 ـ سورة الكـهف / آيـة 13
2 ـ سورة الشـعراء / آيـة 227
3ـ وقال هلال بن معاوية رأيت رجلا يحمل رأس الحسين (عليه السلام) والرأس يخاطبه((فرقت بين رأسي وبدني))فرفع السوط وأخذ يضرب الرأس حتى سكت.
4ـ ويحدّث بن وكيده: أنه سمع الرأس يقرأ سورة الكهف فشك في أنه صوته أو غيره. فترك(عليه السلام) وألتفت أليه يخاطبه (يا أبن وكيده أما علمت أنّا معشر الأئمة أحياء عند ربهم يرزقون) .
5ـ فعزم على أن يسرق الرأس ويدفنه وإذا الخطاب من الرأس الشريف (يا أبن وكيده ليس إلى ذلك من سبيل إن سفكهم لدمي عند الله أعظم من تيسيري على الرمح فذرهم فسوف يعلمون أن الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) .
6ـ وقال المنهال بن عمرو :رأيت رأس الحسين بدمشق على
الرمح وأمامه رجل يقرأ سورة الكهف حتى إذا بلغ قوله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)(1). نطق الرأس بلسان فصيح
(أعجبمن أصحاب الكهف قتلي ودمي)
حتى وصل ركب السبايا إلى بلاد الشام كما أشرنا في حديث رأس الإمام الحسين .وهنا أخذ الدور الإعلامي لأهل البيت منحى آخر وطرق متعددة لتوصيل الرسالة التي يحملونها, لأن أهل تلك
1 ـ سـورة الكـهف / آيـة 9 2 ـ كتاب الأضواء/محمد الصدر
المناطق غلبت عليهم سياسة معاوية وأبنه يزيد(عليهم اللعنة) حتى وصل الأمر بهم إلى تقديسهم والثناء عليهم وتصديق حديثهم لأنهم هم أهل بيت النبوة(أي بنو أمية) .وهذا بدا واضحا من خلال إخلاصهم وأتباعهم لهم .لذلك أصبحت المهمة صعبة على الحوراء زينب والإمام علي بن الحسين(عليهم السلام) أمام تلك الجموع الغفيرة التي زينت أزقة الشام وراحت تحتفل بالانتصار الكبير الذي حققه حاكمهم على خصومه . ولكن بتوفيق الله وحنكة وعلمية الإمام علي بن الحسين وعمته الحوراء زينب (عليهما السلام) استطاعا تغيير الموازين الموضوعة من قبل يزيد وجلاوزته (عليهم اللعنة)لصالحهم وإشعال نيران الثورة تحت أقدامهم وفي مجلسهم وأصبحت في الشام ذلك اليوم عزاء حقيقيا واسع لم تشهد مثله من قبل على مصيبة أبي عبد الله الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)وأصحابه البررة ومن كل طائفة وملة كانت تسكن هناك حتى دخل العزاء فيدار يزيد اللعين نفسه عن طريق زوجته التي كانت تخدم في بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في صباها وهي تكن لهم الحب والاحترام والتقديس وذلك لمعرفتها بمكانتهم الكبيرة عند الله . وذلك من أثر الخطب الكبيرة التي ألقاها الإمام وعمته في حشود الناس وفي مجلس يزيد (عليه اللعنة) عندما أدخلوا سبايا في مجلسه.
حيث قالت الحوراء زينب(عليها السلام)ما نصه: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق كذلك يقول(ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى إن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون)(1).
أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء
1ـ سورة الروم / آيـة 10 فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى إن بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة وإن ذلك لعظم خطرك عنده . فشمحت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة وحين صفا لك ملكها وسلطانها مهلا مهلا. أنسيت قول الله تعالى (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) .
من العدل يا أبن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله قد هتكت ستورهن وأبديت وجوهنّ تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد...الخ)(2).
وعندما انتهت الحوراء من خطبتها اضطرب الحضور بين باكي ورافض لما حصل, عندها أراد يزيد(عليه اللعنة) التنصل عن المسؤولية في قتل الإمام الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)وأصحابه وجعل أمر ذلك كله على أبن زياد اللعين لكنه لم يفلح لأن الناس أستقرؤا أفكاره مسبقا من خلال ما أنشده من أبيات
شعرية يناشد بها أسلافه من المشركين الذين قتلوا في معركة بدر الكبرى وإعلانه للناس أن قتله لتلك الثلة المؤمنة هو يوم عيد, عند رأيته رأس الإمام الحسين(عليه السلام) ودخول السبايا حيث قال :
ليت أشياخي ببدر شهـدوا جرع الخزرج من وقع الأسل فأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشـــل(2)
ولم ينتهي ذلك المشهد الساخن حتى أستأذن الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) من يزيد(اللعين) التحدث للناس بكلام فيه لله رضا وللناس خير ومن جانب آخر يستكمل ما بدأته عمته من كشف حقيقة بني أمية وأهدافهم التي يسعون لتحقيقها. وتعريف
1ـ بـحـار الأنــوار / ج 45 ص 133
الناس بهوية الإمام الحسين(عليه السلام) وأهداف الرسالة الإلهية التي يحملها .
لكن اللعين يزيد بن معاوية رفض طلب الإمام زين العابدين(عليه السلام) لأنه يعلم جيدا إذا تكلم الإمام سوف يقلب الموازين على حكمه وتنكشف عورته وعورة أبيه وأسلافه للناس وزيف مدعاتهم التي أشاعوها. ولكن الناس الحاضرين طلبوا منه أن يسمح للإمام بالحديث وأمام إصرار الحاضرين وجهل الكثير بحقيقة الإمام وإمكاناته العلمية والفكرية وأنه إمام منصوص عليه بأمر الله تعالى رضخ للأمر الواقع المفروض أنذلك في المجلس ,عندها نهض الإمام بأبي هو وأمي وأهلي وعشيرتي منهك القوى قد أخذت من جسده الطاهر آثار القيود وعلى قوته ثقل الحديد وبعد المسير بين الشام والكوفة والمرض الذي ألم به كل ذلك قد تعلق بأطراف عباءته ولكن لم يمنعه من تأدية رسالته :
صعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال أعطينا ستاَ وفضلنا بسبع أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين. وفضلنا بأن منا النبي المختار محمد(ص)ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله(ص) ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول ومنا سبطا هذه الأمة. ومنا سيدا شباب الجنة. فمنعرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي أيها الناس . أناأبن مكة ومنى . أبنزمزم والصفا. أنا أبن من حمل الركن بأطراف الرداء. أنا أبن خير من أتزروارتدى. أنا أبن خير من أنتعل واحتفى .أنا أبن خير من طاف وسعى . أنا أبن خير من حج ولبى..........الخ)(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ بـحـار الأنـوار/ ج 45 ص 133
ومازال يكرر أنا. أنا حتى وصل إلى قوله أنا أبن من رأسه محمول على القنا . عندها ضج الحاضرين بالبكاء والنحيب حتى أن يزيد اللعين خاف أن ينفلت الأمر منه وينقلب الناس عليه فأمر المؤذن بإعلان الأذان حتى يسكت الإمام(عليه السلام) عن الكلام ويفرق الناس عنه . ولكن الإمام علي أبن الحسين(عليه السلام) وبحنكته العلمية والسياسية والفكرية وضّف مفردات الأذان لصالح مشروعه الكبير ليزيد النقمة على يزيد اللعين وزمرته الفاسدة حتى وصل الأمر إلى إن أحد سفراء ملك الروم أعترض على يزيد. ولم ينتهي ذلك اليوم حتى تحول مجلس يزيد اللعين وبيته إلى مأتم عزاء للإمام الحسين(عليه السلام) وأمتد ذلك المأتم إلى جميع أنحاء دمشق وتغير عيدهم إلى يوم حزن وبكاء وفي تلك اللحظة تكون أول مرحلة انتصار لثورة الدم المسفوح من نحر الإمام الحسين(عليه السلام) ونحر أهل بيته وأصحابه في كربلاء على السيف الظالم للحق وفي عقر داره وبين جلاوزته وأنصاره ومريديه من أهل الشر والعدوان .وبذلك يظهر جلياً للعيان مدى فاعلية الدور الإعلامي المنظم والمدروس والمعد مسبقاً من قبل أهل البيت(عليهم السلام) والذي استخدمه الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) وعمته الحوراء زينب وباقي النسوة والأطفال من أهل البيت ومن لحق بركبهم من نساء الصحابة
وأطفالهم, حتى إن يزيد(اللعين) أمر جلاوزته بالتعجيل بخروج السبايا مع الرؤوس من بلاد الشام إلى المدينة بأسرع وقت ممكن لتخفيف وطأة الحدث في نفوس الناس حتى لا ينقلبوا على حكمه الفاسد بعدما ظهر للناس ذلك ...
وهكذا سارت القافلة من دمشق متجهةً صوب المدينة المنورة وصادف طريقهم المرور بالقرب من أرض العراق عندها طلب الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) وعمته من قائد الركب العروج بهم إلى أرض كربلاء حتى يدفنوا الرؤوس مع الأجساد الطاهرة وفعلا أتجه الركب نحو العراق حتى وصل يوم الأربعين من يوم الواقعة وفي ذلك اليوم دقت في أرض الطف أول قاعدة إعلامية رصينة في تاريخ الأمة ألا وهي زيارة الأربعين لتكون منارة وضاءة تلهم الناس من مناهل مبادئها السامية في كل زمان ومكان وقد وضف الإمام كل أمكاناته العلمية والروحية والفكرية في صياغة منهج متكامل من الأوامر والنواهي والإرشادات وكذلك الروحية وسلوكية التي تصل العبد بربه وأخلاقية تربط المؤمن بأخيه المؤمن من خلال ذلك الحشد الهائل الذي يجتمع يوم الزيارة ومن كل أصقاع الأرض وهذا تجده واضحاً في كتب الزيارات والأدعية مما يجدر بالمؤمن اليوم أن يطلع عليه إذا أراد خير الدنيا والآخرة ..
تعليق