بسم الله الرحمن الرحيم
وعد الله عباده المستضعفين حيث قال وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (القصص6، 5.) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (الأنبياء 105)
فهناك من يخلِّص الناس من الاستضعاف وبه يملأ الله الأرض قسطاً وعدلا كما مُلئت ظلماً وجوراً، ولكلٍّ من الأئمة (عليهم السلام) دور خاص في التمهيد لذلك المصلح العالمي.
هذا وحيث أنَّ قيام دولة المهدي روحي لتراب مقدمه الفداء يتطلَّب أموراً كثيرةً من ناحية إعلامية ومن ناحية عملية فلذلك نشاهد أنَّ أدوار أئمتنا كانت مختلفة فكلٌ كان يهيئ الأرضية من جانبٍ خاص وهذا لا يعني أنَّ الزمان والمكان والظرف لم يكن لها أيّ دور في تلك المواقف بل كان لها دورٌ ولكنَّه هامشي لا يغيِّر في الإستراتيجية بل له تأثير في الخطَّة والتكتيك.
فالإمام الرضا (عليه السلام) بهجرته التأريـخية المؤلمة وتحمُّله الصعوبات والضغوط الروحية والجسمية تمكَّن من إيجاد المدرسة الخراسانيَّة التِّي لها الأثر الكبير في تعزيز جيش الإمام المهدي (عليه السلام) وكان بصدد خلق أرضيَّة عملية لتلك الدولة المباركة التِّي تحدَّث عنها وهو في نيسابور عندما التقى به دعبل الخزاعي وأنشد قصيدته التائية إلى أن قال:
خروج إمام لا محالة خارج*يقوم على اسم الله والبركات
يميّز فينا كل حق وباطل*ويجزى على النعمـاء والنقمـات
فبكى الإمام (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه وقال: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدرى من هذا الإمام ومتى يقوم، فقلت لا يا مولاي إلا إني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملأها عدلا.
وهكذا سائر أئمتنا (عليهم السلام)، لكلٍّ منهم موقف ينصبُّ في الغاية القصوى التِّي من أجلها بُعِث الرُسل وشرِّع الدين، الغاية التي لا تكتمل إلاّ بظهور الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عجَّل الله تعالى فرجه.
وأمّا الإمام الحسين (عليه السلام) فتميَّز في أنّه كان بصدد إيجاد روحية الجهاد وتطهير الأرض من كل عوامل الضلال والانحراف والظلم والفساد التي تتلخص في مفهوم أخلاقي مقدَّس وهو (أخذ ثأر الله تعالى) الذي هو الشعار الحقيقي لمهدي الأمّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا الجانب الروحي له دور رئيس في قيامه وفي انتصاره العظيم على جيش السفياني الذي يمثِّل خط الضلال والباطل طوال التأريخ الإسلامي.
ولكن أبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها فكان للأمّة دور فعّال في تثبيت ونشر ثورة سيد الشهداء عليه آلاف التحيَّة والثناء وذلك من خلال إحياء ذكرى عاشوراء والبكاء واللطم والمشاركة في أكبر التظاهرات والمواكب الحسينيَّة، غير أنّ للثورة الإسلامية التي قام بها الإمام روح الله الموسوي الخميني قدَّس الله نفسه الزكية دوراً أكبر وتأثيراً أعظم في تعزيز فكر عاشوراء وبلورة خط سيد الشهداء ونقله من مستوى النظرية إلى مستوى الواقع من خلال مقارعة الظالمين بالسيف والتضحية بالدم حيث سقط على الأرض آلاف الشهداء كلُّهم ينادون السلام عليك يا أبا عبدالله.
تعليق