المفيد في الأمالي :
10 - أبو عبد الله المفيد ، أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، قال : حدثنا أبو الحسين العباس بن المغيرة ، قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي ، قال : حدثنا سعيد بن عفير ، قال : حدثني ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد ، عن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان . قال : لما بايع الناس أبا بكر دخل علي ( عليه السلام ) ، والزبير ، والمقداد بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، وأبوا أن يخرجوا . فقال عمر بن الخطاب : أضرموا عليهم البيت نارا ، فخرج الزبير ومعه سيفه .
فقال أبو بكر : عليكم بالكلب ، فقصدوا نحوه ، فزلت قدمه ، وسقط إلى الأرض ، ووقع السيف من يده .
فقال أبو بكر : اضربوا به الحجر ، فضرب بسيفه الحجر حتى انكسر ، وخرج علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) نحو العالية ، فلقيه ثابت بن قيس بن شماس ، فقال : ما شأنك يا أبا الحسن .
فقال أرادوا أن يحرقوا علي بيتي وأبو بكر على المنبر يبايع له ، ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره . فقال له ثابت : ولا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك ، فانطلقا جميعا حتى عادا إلى المدينة ، وإذا فاطمة ( عليها السلام ) واقفة على بابها وقد خلت دارها من أحد من القوم وهي تقول : لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم ، تركتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، وصنعتم بنا ما صنعتم ولم تروا لنا حقا
11 - قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى : " لما اجتمع من اجتمع إلى دار فاطمة ( عليها السلام ) من بني هاشم وغيرهم للتحيز عن أبي بكر ، وإظهار الخلاف عليه ، أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا ، وقال له : أخرجهم من البيت ، فإن خرجوا ، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه ، وأعلمهم : أنهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا . ثم قام بنفسه في جماعة ، منهم المغيرة بن شعبة الثقفي ، وسالم مولى أبي حذيفة ، حتى صاروا إلى باب علي ( عليه السلام ) ، فنادى : يا فاطمة بنت رسول الله ، أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع ، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلا والله أضرمت عليهم نارا . . في حديث مشهور ( 2 ) .
12 - لقد نسب الكنجي إلى المفيد وابن قتيبة قولهما بسقوط الجنين محسن ، قال الكنجي عن الشيخ المفيد : " . . وزاد على الجمهور : أن فاطمة ( عليها السلام ) أسقطت بعد النبي ذكرا . وكان سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) محسنا . وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة " ( 1 ) . ولكن ما نذكره في هذه الفصول يدل على عدم صحة وعدم دقة عبارته الأخيرة ، فهو موجود في عشرات المصادر والمراجع .
13 - وقال الشيخ المفيد : " ولم يحضر دفن رسول الله كثير من الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة . وفات أكثرهم الصلاة عليه . وأصبحت فاطمة تنادي : واسوء صباحاه . فسمعها الخليفة الثاني فقال لها : " إن صباحك لصباح سوء " ( 2 ) .
14 - وقال المفيد : قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس قال : محمد بن عبد الجبار عن القاسم بن محمد الرازي عن علي بن الهرمزان عن علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه الحسين ( عليه السلام ) قال : لما مرضت فاطمة بنت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصت إلى علي ( عليه السلام ) أن يكتم أمرها ، ويخفي خبرها ، ولا يؤذن أحد بمرضها ، ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استسرار بذلك كما وصت به . فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن يتولى أمرها ويدفنها ليلا ويعفي قبرها . فتولى ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ودفنها وعفى موضع قبرها . . ( 1 ) .
15 - وروى المفيد ، والعياشي عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن جده ، قال : " ما أتى على علي ( عليه السلام ) يوم قط أعظم من يومين أتياه ، فأما أول يوم ، فاليوم الذي قبض فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وأما اليوم الثاني ، فوالله ، إني لجالس في سقيفة بني ساعدة ، عن يمين أبي بكر ، والناس يبايعونه ، إذ قال له عمر : يا هذا ، لم تصنع شيئا إذا لم يبايعك علي ، فابعث إليه حتى يأتيك فيبايعك . قال : فبعث قنفذا ، فقال له : أجب خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . " .
إلى أن تقول الرواية : " . . فقال عمر : قم إلى الرجل . فقام أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وخالد بن الوليد ، والمغيرة بن شعبة ، وأبو عبيدة الجراح ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وقمت معهم . وظنت فاطمة ( عليها السلام ) : أنه لا تدخل بيتها إلا بإذنها ، فأجافت الباب وأغلقته . فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره - وكان من سعف - فدخلوا على علي ( عليه السلام ) ، وأخرجوه ملببا " ( 1 ) .
16 - وقال محمد بن جرير بن رستم الطبري : " حدث الواقدي قال : حدثنا ابن أبي حنيفة ، عن داود بن الحصين قال : غضب رجال من المهاجرين والأنصار في بيعة أبي بكر . وقالوا : عن غير مشورة ولا رضى منا ، وغضب علي والزبير ، ودخلا بيت فاطمة ، وتخلفا عن البيعة ، فجاءهم عمر في عصابة فيهم أسد بن حصين ، وسلمة بن أسلم بن جريش الأشهلي ، فصاح عمر : أخرجوا ، أو لنحرقنها عليكم . فأبوا أن يخرجوا ، فصاحت بهم فاطمة وناشدتهم الله ، فأمر عمر سلمة بن أسلم ، فدخل عليهما ، وأخذ سيف أحدهما فضرب به الجدار حتى كسره . ثم أخرجهما يسوقهما حتى بايعا .
17 - قال : وأخبرني إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله ابن أعين ، عن حرب بن أبي الأسود الدؤلي ، قال : بعثني أبي إلى جندب بن عبد الله البجلي ، أسأله عما حضر من أبي بكر وعمر مع علي(عليه السلام) ، حيث دعواه إلى البيعة . قال : أخذاها من علي . قال : فكتب إليه : لست أسألك عن رأيك . أكتب لي بما حضرت وشاهدت . فكتب : بعثا إلى علي فجيئ به ملببا ، فلما حضر ، قالا له : بايع . قال : فإن لم أفعل ؟ قالا : إذا تقتل . قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله . قالا : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسول الله فلا . ثم قالا له : بايع . قال : فإن لم أفعل . قالا : إذا تقتل ، وصغرا لك . قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسول الله : قالا : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسول الله ، فلا . قال : فرجع يومئذ ولم يبايع ، الخ . . . " ( 1 ) .
18 - وقال عماد الدين الطبري . وهو من علماء القرن السابع ما ترجمته : " . . وفي هذه الأثناء وصل عمر مع أهل العناد والنفاق ، وقال : يا ابن أبي طالب ، افتح الباب ، وإلا أحرقت باب بيتك عليك . قالت فاطمة : يا عمر ، اتق الله في حرم رسول الله ، لا تدخل ، فإنه عليك حرام .
فأصر عمر ، ودخل البيت مع أصحابه المنافقين ، فصاحت فاطمة : يا أبتاه ما لقينا من أبي بكر وعمر بعدك . فأخذ عمر سيفه ، وهو في قرابه وضربها به على جنبها . وضربها قنفذ بالسوط على متنها ، فصاحت فاطمة (عليها السلام): يا أبتاه ما لقي أهل بيتك من أبي بكر وعمر بعدك " ( 1 ) .
19 - وقال : وهو يتحدث عن دفن فاطمة ( عليها السلام ) من دون علم الخليفة وأن عمر غضب ، وبادر إلى ضرب المقداد حين أخبره بالأمر ، فقال له المقداد : " لقد ذهبت بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الدنيا ، وكان الدم يخرج من ظهرها وجنبها بسبب ضربك لها بالسيف والسوط " .
إلى أن قال : ثم جاؤا إلى علي فوجدوه جالسا على باب منزله ، وحوله أصحابه ، فقال له عمر : يا ابن أبي طالب ، لا تتركون حسدكم القديم ، بالأمس غسلت رسول الله في غيابنا ، واليوم تصلي على فاطمة دوننا . فقال له عقيل رحمه الله : " وأنتم - والله - لأشد الناس حسدا ، وأقدم عداوة لرسول الله ، وأهل بيته ، ضربتموها بالأمس ، وخرجت من الدنيا وظهرها بدم ، وهي غير راضية عنكما "
20 - وقال المقدس الأردبيلي ( المتوفي سنة 993 ه . ) وهو يتحدث عن عمر ، ما ترجمته : " . . بأمر منه حملوا الحطب إلى بيت الزهراء ليحرقوه ، وقد رأوا وعلموا أن فاطمة ( عليها السلام ) كانت جالسة خلف الباب وقد أمر عمر بضربها ، وقد ضربها عمر نفسه على بطنها ، وضربها غلامه بالسوط على كتفها ، وكان ذلك سبب سقط جنينها ، وبقي أثر ذلك بعد ذلك ، ثم مرضت بسبب ذلك وماتت . وقد كان ذلك كله بأمر منه . ولا ينكر أهل السنة ذلك . لكن بعضهم حاول أن يجيب عنه - كالقوشجي - فكانت أجوبة باردة وواهية " ( 1 ) .
21 - قال الخواجوئي المازندراني : " وفي رواية الكلبي عن ابن عباس . وفي حديث الزهري : عن أبي إسحاق إبراهيم الثقفي ، عن زائدة بن قدامة : أنه خرج عمر في نحو من ستين رجلا ، فاستأذن الدخول عليهم ، فلم يؤذن له ، فشغب ، وأجلب . فخرج إليه الزبير مصلتا سيفا ، ففر الثاني من بين يديه حسب عادته ، وتبعه الزبير ، فعثر بصخرة في طريقه ، فسقط لوجهه ، فنادى عمر : " دونكم الكلب . فأحاطوا به ، وأخذ سلمة بن أسلم سيفه ، فضربه على صخرة فكسره . فسيق إليه الزبير سوقا عنيفا ، إلى أبي بكر ، حتى بايع كرها .
وعاد إلى الباب واستأذن . فقالت فاطمة : عليك بالله إن كنت ( تؤمن ظ ) بالله أن تدخل على بيتي ، فإني حاسرة . فلم يلتفت إلى مقالها ، وهجم . فصاحت : يا أبه . ما لقينا بعدك من أبي بكر وعمر . وتبعه أعوانه ، فطالب أمير المؤمنين ( عليه السلام) بالخروج ، فلم يمتنع عليه ، لما تقدم من وصية رسول الله ، وضن بالمسلمين عن الفتنة .
إلى أن قال : وخرج معهم ، وخرجت الطاهرة في إثره ، وهي تقول لزفر : يا ابن السوداء ، لأسرع ما أدخلت الذل على بيت رسول الله . قال : ولم تبق من بني هاشم امرأة إلا خرجت معها . فلما رآها أبو بكر مقبلة هاب ذلك ، فقام قائما ، وقال : ما أخرجك يا بنت رسول الله ؟ ! فقالت : أخرجتني أنت ، وهذا ابن السوداء معك . فقال الأول : يا بنت رسول الله ، لا تقولي هذا ، فإنه كان لأبيك حبيبا . قالت : لو كان حبيبا ما أدخل الذل بيته ، الخ . . . ( 1 ) " .
22 - وقال الخواجوئي المازندراني أيضا : " . . . ورووا : أن لفاطمة بيتا ، ولها إلى المسجد بابا ، فقال أبوبكر : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : لا يجوز الباب إلى المسجد . فأمر بقلع باب بيتها ، حتى يتركوا البيت ، أو يسد الباب ، ثم إنه ندم على كشف بيتها وقال : ليتني تركت بيت فاطمة ولم أكشفه ، الخ . . . " ( 2 ) .
ونقول : إن ندمه المذكور ليس لأجل هذا الكشف ، بل على اقتحام بيتها يوم البيعة ، ويشير إلى ذلك قوله في ذيل هذا الكلام : ولو كان أغلق علي حرب .
23 - وذكر الطبرسي حديث الهجوم فقال في جملة رواية مفصلة : فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا ، وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي ( عليه السلام ) ومعهم الزبير . قال : فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع ، فيهم أسيد بن الحضير وسلمة بن سلامة ، فألفوهم مجتمعين ، فقال لهم : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس ، فوثب الزبير إلى سيفه فقال ( لهم ) عمر : عليكم بالكلب ( العقور ) فاكفونا شره ، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده ، فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره . وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر ، فلما حضروا قالوا : بايعوا أبا بكر ، فقد بايعه ( 2 ) ، الخ . . .
24 - وفي نص آخر ذكره الطبرسي أيضا يقول عن عمر : فعرف أن جماعة في بيوت مستترون ، ( قال ) فكان يقصدهم في جمع
كثير ، ويكسبهم ، ويحضرهم ( في ) المسجد ، فيبايعون . حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه . فقيل له : إن فيه فاطمة ( عليها السلام ) بنت رسول الله ، وفيه الحسن والحسين ولدي رسول الله وآثار رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيه ، وأنكر الناس ذلك من قوله .
فلما عرف إنكارهم قال : ما بالكم ، أتروني فعلت ذلك ؟ إنما أردت التهويل ، فراسلهم علي ( عليه السلام ) : أن ليس إلى خروجي حيلة ، لأني في جمع كتاب الله عز وجل الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه ، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أضع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن .
قال : وخرجت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت : لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم ، تركتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم فيما بينكم ( و ) لم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا ، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم ، والله ، الخ . . ( 1 ) .
25 - ذكر المجلسي رحمه الله تعالى عهدا كان كتبه الخليفة الثاني إلى معاوية يحكي فيه له ما جرى لهم مع الزهراء ، وقد جاء فيه قوله : فأتيت داره مستيشرا ( 2 ) لإخراجه منها ، فقالت الأمة فضة - وقد قلت لها قولي لعلي : يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون فقالت - إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مشغول . فقلت : خلي عنك هذا وقولي له يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناه كرها . فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب ، فقالت : أيها الضالون المكذبون ، ماذا تقولون ؟ وأي شئ تريدون ؟ . فقلت : يا فاطمة ! فقالت فاطمة : ما تشاء يا عمر ؟ ! فقلت : ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب ؟ . فقالت لي : طغيانك - يا شقي - أخرجني وألزمك الحجة ، وكل ضال غوي . فقلت : دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج . فقالت : لا حب ولا كرامة ( 1 ) ، أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر ؟ ! وكان حزب الشيطان ضعيفا . فقلت : إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها نارا على أهل هذا البيت ، وأحرق من فيه ، أو يقاد علي إلى البيعة ، وأخذت سوط قنفذ فضربت ( 1 ) وقلت لخالد بن الوليد : أنت ورجالنا هلموا في جمع الحطب ، فقلت : إني مضرمها . فقالت : يا عدو الله وعدو رسوله وعدو أمير المؤمنين . فضربت فاطمة يديها ( 2 ) من الباب تمنعني من فتحه ، فرمته فتصعب علي ، فضربت كفيها بالسوط فآلمها ، فسمعت لها زفيرا وبكاء ، فكدت أن ألين ، وأنقلب عن الباب ، فذكرت أحقاد علي وولوعه في دماء صناديد العرب .
إلى أن قال : فركلت ( 3 ) الباب ، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه ، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها ، وقالت : يا أبتاه ! يا رسول الله ! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك ، آه يا فضة ! إليك فخذيني فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل . وسمعتها تمخض ( 4 ) وهي مستندة إلى الجدار ، فدفعت الباب ودخلت ، فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري ، فصفقت صفقة ( 5 ) على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثرت إلى الأرض ، وخرج علي ، فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما : نجوت من أمر عظيم .
وفي رواية أخرى : قد جنيت جناية عظيمة لا آمن على نفسي . وهذا علي قد برز من البيت ، وما لي ولكم جميعا به طاقة . فخرج علي وقد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها وتستغيث بالله العظيم ما نزل بها ، فأسبل علي عليها ملاءتها ( 1 ) وقال لها : يا بنت رسول الله ! إن الله بعث أباك رحمة للعالمين ، إلى أن قال : فكوني يا سيدة النساء رحمة على هذا الخلق المنكوس ولا تكوني عذابا ، واشتد بها المخاض . ودخلت البيت فأسقطت سقطا سماه علي محسنا . وجمعت جمعا كثيرا ، لا مكاثرة لعلي ، ولكن ليشتد بهم قلبي وجئت - وهو محاصر - فاستخرجته من داره . . إلى أن قال : وأبو بكر يقول : ويلك يا عمر ، ما الذي صنعت بفاطمة ( 2 )
26 - الأشناني ، عن جده ، عن محمد بن عمار ، عن موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ( 3 ) ، عن سلمة ، عن أبي الطفيل ، عن علي بن أبي طالب : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال له : يا علي إن لك كنزا في الجنة وأنت ذو قرنينها ، فلا تتبع النظرة في الصلاة . . . قال الصدوق : " قد سمعت بعض المشايخ يذكر أن هذا الكنز هو ولده المحسن ، وهو السقط الذي ألقته فاطمة لما ضغطت بين البابين . واحتج في ذلك بما روي في السقط من أنه يكون محبنطئا على باب الجنة ، فيقال له : ادخل ، فيقول : لا ، حتى يدخل أبواي قبلي " ( 1 )
27 - وقال ابن طاووس في وصيته لولده : " وقد ذكرت لك في الطرائف ، كيف أرادوا أن يحرقوا بالنار بيت فاطمة ومن فيه . وفيه العباس ، وجدك علي ، والحسن ، والحسين وغيرهم من الأخيار " ( 2 ) . وقد ذكرنا بعضا من كلام ابن طاووس في فصل سابق .
28 - قال المجلسي الأول في شرحه لكتاب : من لا يحضره الفقيه ، حين وصل إلى موضوع استشهاد فاطمة ( عليها السلام ) : " وشهادتها صلوات الله عليها كانت من ضرب عمر . . . الباب على بطنها عند إرادة أمير المؤمنين لبيعة أبي بكر . . وضرب قنفذ غلام عمر السوط عليها بإذنه . والحكاية مشهورة عند العامة والخاصة . ومفصله في كتاب لسليم بن قيس الهلالي . وسقط بالضرب غلام كان اسمه " محسن " . وهو مذكور في إرشاد المفيد ( رضى الله عنه ) " ( 3 )
29 - وقال المجلسي الثاني : " . . وفي رواية أخرى : ضربها عمر بالسوط ، فماتت حين ماتت ، وأن في عضدها مثل الدملج من ضربته . . إلى أن قال : لم تدعهم يذهبوا بعلي ( عليه السلام ) حتى عصروها وراء الباب ، فألقت ما في بطنها من سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) " محسنا " حتى ماتت ( عليها السلام ) مما أصابها " .
وفي رواية أخرى : أن المغيرة بن شعبة . . . بأمر عمر دفع الباب على بطنها حتى ألقت محسنا ، فأخرج علي ( عليه السلام ) إلى المسجد " ( 1 ) .
30 - وقال المجلسي الثاني معلقا على الحديث الصحيح المروي : عن أبي الحسن : إن فاطمة صديقة شهيدة ، ما لفظه : " ثم إن هذا الخبر يدل على أن فاطمة صلوات الله عليها كانت شهيدة ، وهو من المتواترات . وكان سبب ذلك : أنهم لما غصبوا الخلافة ، وبايعهم أكثر الناس بعثوا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ليحضر للبيعة ، فأبى . فبعث عمر بنار ليحرق على أهل البيت بيتهم . وأرادوا الدخول عليه قهرا . فمنعتهم فاطمة عند الباب ، فضرب قنفذ غلام عمر الباب على بطن فاطمة ، فكسر جنبيها ، وأسقطت لذلك جنينا كان سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) " محسنا " . فمرضت لذلك ، وتوفيت صلوات الله عليها في ذلك المرض ، فقد روى الطبري والواقدي في تاريخيهما : أن عمر بن الخطاب جاء إلى علي في عصابة فيهم أسيد بن حضير ، وسلمة بن أسلم ، فقال : أخرجوا أو لأحرقنها عليكم .
31 - وقال المجلسي عن عمر بن الخطاب : " قد استفاض في رواياتنا ، بل في رواياتهم أيضا : أنه روع فاطمة ( عليها السلام ) حتى ألقت ما في بطنها . وقد سبق في الروايات المتواترة ، وسيأتي : أن إيذاءها صلوات الله عليها إيذاء للرسول وآذيا ( 2 ) عليا ( عليه السلام ) .
وقد تواتر في روايات الفريقين قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من آذى عليا فقد آذاني . وقد قال الله تعالى : * ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ، وأعد لهم عذابا مهينا ) * . . ( 3 ) .
32 - وقال المجلسي رحمه الله ، وهو يشرح بعض الأدعية : " إشارة إلى ما فعله الأول والثاني مع علي ( عليه السلام ) ، وفاطمة ( عليها السلام ) من الايذاء . وأرادا إحراق بيت علي ( عليه السلام ) بالنار . وقاداه قهرا كالجمل المخشوش ، وضغطا فاطمة ( عليها السلام ) في بابها حتى سقطت بمحسن ، وأمرت أن تدفن ليلا لئلا يحضر الأول والثاني جنازتها وغير ذلك " ( 4 ) .
33 - كما أن بعض المحدثين والمؤرخين من قدماء أصحابنا ، قد عد من ألقابها ( عليه السلام ) لقب : " الشهيدة " ( 5 ) .ثم فسر ذلك فقال : " شهيدة إذ ضربوا باب دارها على بطنها ، حتى هلك ابنها الجنين ، الذي سماه رسول الله ( ص ) " المحسن " " ( 1 ) .
34 - ويقول البعض : إنه لما أوقف علي ( عليه السلام ) تكلم فقال : " أيتها الغدرة الفجرة ، فاستعدوا للمسألة جوابا ، ولظلمكم لنا أهل البيت احتسابا ( 2 ) أو تضرب الزهراء نهرا ( 2 ) ، ويؤخذ منا حقنا قهرا وجبرا " . إلى أن قال ( عليه السلام ) : " . . . فقد عز على علي بن أبي طالب أن يسود متن فاطمة ضربا ، وقد عرف مقامه ، وشوهدت أيامه " ( 4 )
35 - ويقول الكاشاني : " . . ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين ، وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فوافوا بابه مغلقا ، فصاحوا : أخرج يا علي ، فإن خليفة رسول الله يدعوك . فلم يفتح لهم الباب . فأتوا بحطب فوضعوه على الباب ، وجاؤا بالنار ليضرموه . فصاح عمر ، وقال : والله ، لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار . فلما عرفت فاطمة ( عليها السلام ) أنهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب . فدفعوها ( فدفعها ) القوم قبل أن تتوارى عنهم ، فاختبت فاطمة ( عليها السلام ) وراء الباب . ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو جالس على فراشه ، واجتمعوا عليه ، حتى أخرجوه سحبا من داره ، ملببا بثوبه ، يجرونه إلى المسجد . فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها ، وقالت : والله ، لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلما . ويلكم ، ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا أهل البيت . وقد أوصاكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) باتباعنا ، ومودتنا ، والتمسك بنا ، فقال الله تعالى : * ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) * ( 1 ) . قال : فتركه أكثر القوم لأجلها ، فأمر عمر قنفذ لعنه الله أن يضربها بسوطه ، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبها إلى أن أنهكها ، وأثر في جسمها الشريف . وكان ذلك الضرب أقوى سبب في إسقاط جنينها . وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سماه محسنا الخ . . " ( 2 ) .
36 - وقال محمد بن أحمد بن الحسن الديلمي : " حتى كسر سيف الزبير ، واستخف بسلمان ، وضرب عمار ، وأوذي علي ، وهجم دار فاطمة " ( 3 ) .
37 - وقال : " قال بعضهم : أتى به والحبل في عنقه فقالوا : بايع ، وإلا ضرب عنقك " ( 4 ) .
38 - وقال : " روي أنه ( عليه السلام ) ما خرج من بيته حتى أحرق بابه ، وجر إلى البيعة كرها ( 1 ) " .
39 - وروي أن عمر قال لعلي : بايع . قال : فإن لم ( كذا ) . قال : ضربنا عنقك . ودون هذا إكراه شرعا ، وعقلا " ( 2 ) .
40 - ذكر صاحب كتاب الدولتين : أن عمر أخذ نارا وراح إلى بيت فاطمة ، فخرجت فاطمة ، فقال : قولي لعلي والعباس أن يخرجا ، وإلا أحرق البيت " . ولا شك أنه إذا أكره كان الإكراه مجيزا للفعل . . الخ " ( 3 ) .
41 - وقال السيد تاج الدين بن علي بن أحمد الحسيني العاملي : " فلما نظر ( عليه السلام ) إلى قلة العدد وخذلة الناصر جلس في منزله ، فجمع عمر بن الخطاب جماعة وأتى بهم إلى منزل علي (عليه السلام) ، فوجدوا الباب مغلقا ، فلم يجبهم أحد ، فاستدعى عمر بحطب وقال : والله لئن لم تفتحوا لنحرقنه بالنار . فلما سمعت فاطمة عليها السلام ذلك خرجت وفتحت الباب ، فدفعه عمر فاختفت هي من وراء الباب ، فعصرها بالباب فكان ذلك سبب إسقاطها ، ونقل أنه سبب موتها . ودخلوا فوثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام فأخرجوه عنفا ، فحالت فاطمة عليها السلام بينهم وبينه وقالت : والله لا أدعكم تخرجون بابن عمي ظلما ، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا ، فأمر عمر بن الخطاب قنفذا فضربها بسوط حتى أثر في جسمها " ( 1 ) .
42 - وقال الطريحي المعاصر للمجلسي رحمه الله ، لأنه توفي سنة 1085 ه . " . . فيا إخواني ، إذا رجعنا إلى أنفسنا ، وتركنا عبادة الهوى ، ومتابعة من ضل وغوى : أترى تكون فاطمة ( عليها السلام ) راضية حين عصرها خالد بن الوليد ، فأسقطت محسنا . وضربها قنفذ مولى أبي بكر ، فأثر فيها الضرب . أفتراها تكون راضية حين سحب زوجها ، وابن عمها وأبو السبطين الخ . . " ( 2 ) .
43 - وفي كتاب : مؤتمر علماء بغداد : " إن أبا بكر بعد ما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب والسيف ، والتهديد ، والقوة أرسل عمر وقنفذا ، وخالد بن الوليد ، وأبا عبيدة الجراح ، وجماعة أخرى من المنافقين إلى دار علي وفاطمة ( عليها السلام ) . وجمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة ( ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله وقال : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وما كان يدخله إلا بعد الاستئذان ) وأحرق الباب بالنار .
ولما جاءت فاطمة خلف الباب لترد عمر وحزبه ، عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها ، ونبت مسمار الباب في صدرها . وصاحت فاطمة : يا أبتاه يا رسول الله ، أنظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب ، وابن أبي قحافة . فالتفت عمر إلى من حوله ، وقال : اضربوا فاطمة . فانهالت السياط على حبيبة رسول الله وبضعته حتى أدموا جسمها . وبقيت آثار العصرة القاسية ، والصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة ، فأصبحت مريضة عليلة ، حزينة حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيام . ففاطمة بيت النبوة . فاطمة قتلت بسبب عمر بن الخطاب الخ " ( 1 ) .
44 - وقال الحسني : " وفي رواية أخرى : أنهم لما أرادوا الدخول إلى بيتها ، وإخراج علي منه ، أرادت أن تحول بينهم وبين ذلك ، ضربها قنفذ على وجهها ، وأصاب عينها " ( 2 ) .
45 - قال الحسني : " . . وفي رواية ثالثة : أنها وقفت خلف الباب لتمنعهم من دخوله ، فاندفعوا نحو الباب ، ودفعوه نحوها ، وكانت حاملا ، فأسقطت ولدا كان رسول الله قد سماه محسنا " ( 3 ) .
كأنه يريد أن يبرئ المهاجمين من تبعة قتل المحسن ، حيث يوحي للقارئ ، أنه قتل نتيجة التدافع على الباب . وهذا ما تدفعه الروايات المتواترة الدالة على تعمد قتله بعصرها بين الباب والحائط من قبل أحدهم . وقد تقدمت .
46 - ويروي ابن حمزة الزيدي بسنده عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن محمد بن ركانة قوله : " فجاء عمر بن الخطاب ، وخالد بن الوليد ، وعياش بن ربيعة إلى باب فاطمة ، فقالوا : والله ، لتخرجن إلى البيعة . وقال عمر : والله ، لأحرقن عليكم البيت . فصاحت فاطمة : يا رسول الله ، ما لقينا بعدك . فخرج عليهم الزبير مصلتا بالسيف ، فحمل عليهم ، فلما بصر به عياش ، قال لعمر : اتق الكلب . وألقى عليه عياش كساء له حتى احتضنه ، وانتزع السيف من يده ، فقصد به حجرا فكسره " ( 1 ) .
47 - " وروى أيضا بسنده عن عبد الله بن عمر العمري ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : كنت في من جمع الحطب إلى باب علي . قال عمر : والله ، لئن لم يخرج علي بن أبي طالب لأحرقن البيت بمن فيه ( 2 ) .
48 - وروى أيضا بسنده إلى محمد بن عبد الرحمن بن السائب بن زيد ، عن أبيه ، قال : شهدت عمر بن الخطاب يوم أراد أن يحرق على فاطمة بيتها ، فقال : إن أبوا أن يخرجوا فيبايعوا أحرقت عليهم البيت . فقلت لعمر : إن في البيت فاطمة أفتحرقها ؟ قال : سنلتقي ، أنا وفاطمة ( 1 ) .
49 - وقد صرح ابن حمزة الزيدي بأن بيت الزهراء قد تعرض لهجومات متعددة . وبذلك جمع بين الروايات المختلفة ، التي تقول واحدة منها : إن عليا قعد عن البيعة ، وفر إليه طلحة والزبير ، ولم يخرجوا من البيت حتى جاء عمر ، وأراد إحراق البيت عليهم . وأخرى تقول : إن أبا بكر خرج إلى المسجد يصلي ، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد بالصلاة إلي جنبه ثم قتله حين نطق أبي بكر بالتسليم من صلاته . وثالثة تقول : إنه أتي بعلي ملببا ، فبايع مكرها . فأجاب ابن حمزة بقوله : " إن ذلك كان في أوقات مختلفة ، وليس بين ذلك تناقض ، ولا تدافع " ( 2 )
50 - " رووا عن ابن عبد الرحمن قال : سمعت شريكا يقول : ما لهم ولفاطمة ( عليها السلام ) ؟ ! والله ما جهزت جيشا ، ولا جمعت جمعا . والله ، لقد آذيا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في قبره ( 1 ) " .
51 - وفي كتاب معاوية إلى محمد بن أبي بكر : " فلما اختار الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ما عنده ، وأتم له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حجته ، وقبضه إليه صلوات الله عليه ، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه ، وخالفه على أمره . على ذلك اتفقا واتسقا . ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما ، فأبطأ عنهما ، وتلكأ عليهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم " ( 2 ) .
52 - وقال المسعودي : " . . فانصرف عنهم ، فأقام أمير المؤمنين ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله . فوجهوا إلى منزله ، فهجموا عليه ، وأحرقوا بابه ، واستخرجوه منه كرها ، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسنا ، وأخذوه بالبيعة فامتنع ، وقال : لا أفعل . فقالوا : نقتلك . فقال : إن تقتلوني ، فإني عبد الله ، وأخو رسوله . وبسطوا يده ، فقبضها ، وعسر عليهم فتحها ، فمسحوا عليها وهي مضمومة " ( 3 ) .
53 - ونقل نصر بن مزاحم ، عن محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني : أن عمروا . قال لمعاوية في صفين : " خل بينهم وبين الماء ، فإن عليا لم يكن ليظمأ وأنت ريان ، وفي يده أعنة الخيل ، وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت ، وأنت تعلم : أنه الشجاع المطرق ومعه أهل العراق ، وأهل الحجاز . وقد سمعته أنا وأنت ، وهو يقول : لو استمكنت من أربعين رجلا يوم فتش البيت ، يعني بيت فاطمة " ( 1 ) .
54 - وقد قال أبو بكر في مرض موته أنه ندم على ثلاث خصال فعلهن ، ليته لم يفعلهن فذكرها ، وكان منها قوله : " ليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله ، وأدخله الرجال ، ولو كان أغلق على حرب " . أو " ليتني لم أكشف بيت فاطمة وتركته ، وأن الخ . . . " ( 2 ) .
قد علق المجلسي على هذا فقال : " . . يدل على ما روي من إقدامه على بيت فاطمة ( عليها السلام ) عند اجتماع علي ( عليه السلام ) ، والزبير ، وغيرهما فيه ، وعلى أنه كان يرى الفضل لغيره لا لنفسه " ( 1 ) .
والملفت للنظر هنا : أن أبا عبيد القاسم بن سلام قد ذكر هذه القضية ، ولكنه لم يصرح بهذه الخصلة ، بل اكتفى بالقول : " فأما التي فعلتها ووددت أني لم أفعلها ، فوددت أني لم أكن فعلت كذا وكذا - لخلة ذكرها . قال أبو عبيد : لا أريد ذكرها - ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر الخ . . . ( 2 ) . فلماذا كره أبو عبيد القاسم بن سلام ذكر هذه الفقرة بالذات ، دون سائر الفقرات ؟ ! سؤال يعرف جوابه كل من عرف سياسات هؤلاء الناس ، وحقيقة نواياهم ، وتوجهاتهم ، ومكرهم وحبائلهم .
.................................................. ..............
كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام) ج2
السيد جعفر مرتضى ص(169-195)
كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام) ج2
السيد جعفر مرتضى ص(169-195)
تعليق