إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

موضوع خاص لمناسبة استشهاد الامام الباقر عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موضوع خاص لمناسبة استشهاد الامام الباقر عليه السلام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم والعن اعدائهم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ايها الاخوة الاعزاء هذا الموضوع خاص لمناسبة ذكرى استشهاد الامام محمد الباقر عليه السلام
    بالرغم من ان الموضوع مؤلف من عدة صفحات لكنني اعتقد انه جميل ورائع اثناء القراءة ...
    اسال الله تعالى ان يحفظ الجميع بحق الامام الباقر عليه السلام
    في بيان ولادته واسمه وكنيته ولقبه

    اعلم انه (عليه السلام) ولد يوم الاثنين في الثالث من صفر أو غرة رجب سنة (57 هـ) بالمدينة المنورة وكان (عليه السلام) حاضرا في وقعة الطف وعمره اربع سنين، امه الماجدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) وقيل لها أ ُم عبدالله، فأصبح (عليه السلام) ابن الخيرتين وعلويا بين العلويين.
    روي في دعوات الراوندي عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال: كانت أ ُمي قاعدة عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة فقالت بيدها: لا وحق المصطفى ما أذن الله لك في السقوط، فبقي معلقا حتي جازته، فتصدق عنها أبي (عليه السلام) بمائة دينار.
    وذكرها الصادق عليه السلام يوما فقال: كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن (عليه السلام) امرأة مثلها[1].
    و روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) باسانيد معتبرة انه قال:
    «الاوصياء اذا حملت بهم امهاتهم اصابها فترة شبه الغشية، فأقامت في ذلك يومها ذلك... ثم ترى في منامها رجلا يبشرها بغلام، عليم، حليم، فتفرح لذلك، ثم تنتبه من نومها فتسمع من جانبها الايمن في جانب البيت صوتا يقول: حملت بخير وتصيرين إلى خير وجئت بخير، أبشري بغلام حليم عليم.
    وتجد خفة في بدنها ثم لم تجد بعد ذلك امتناع من جنبيها وبطنها فاذا كان لتسع من شهرها سمعت في البيت حسا شديدا فاذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في البيت نور تراه لا يراه غيرها إلا أبوه، فاذا ولدته ولدته قاعدا وتفتحت له حتى يخرج متربعا يستدير بعد وقوعه إلى االأرض، فلا يخطىء القبلة حيث كانت بوجهه ثم يعطس ثلاثا يشير باصبعه بالتحميد ويقع مسرورا مختونا ورباعيتاه من فوق واسفل وناباه وضاحكاه، ومن بين يديه مثل سبيكة الذهب نور ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهبا (نورا أصفرا مثل الذهب)...»[2].
    اسمه الشريف محمد، وكنيته أبوجعفر، والقابه الشريفة الباقر والشاكر والهادي، وأشهر القابه الباقر، وقد لقبه رسول الله (عليه السلام) به كما ورد في رواية سفينة عن جابر بن عبدالله انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يوشك ان تبقى حتى تلقى ولدا لي من الحسين (عليه السلام) يقال له: محمد، يبقر علم الدين بقرا فاذا ليقته فاقرأه مني السلام[3].
    و روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن عمرو بن شمر قال: سألت جابر بن يزيد الجعفي فقلت له: ولم سمي الباقر باقرا؟ قال: لانه بقر العلم بقرا أي شقه شقا وأظهره إظهارا.
    ولقد حدثني جابر بن عبدالله الانصاري انه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يا جابر انك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف في التوراة بباقر، فاذا لقيته فاقرأه مني السلام، فليقيه جابر بن عبدالله الانصاري في بعض سكك المدينة، فقال له: يا غلام من أنت؟ قال: أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
    قال له جابر: يا بني أقبل فأقبل، ثم قال: أدبر فأدبر، فقال: شمائل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورب الكعبة، ثم قال: يا بني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرئك السلام، فقال: على رسول الله السلام ما دامت السماوات والارض وعليك يا جابر بما بلغت السلام، فقال له جابر: يا باقر، يا باقر، انت الباقر حقا أنت الذي تبقر العلم بقرا.
    ثم كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه، فربما غلط جابر فيما يحدث به عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد عليه ويذكره، فيقبل ذلك منه ويرجع إلى قوله، وكان يقول: يا باقر، يا باقر، يا باقر، اشهد بالله إنك قد اوتيت الحكم صبيا[4].
    وفي تذكرة سبط ابن الجوزي: انما سمي الباقر من كثرة سجوده، بقر السجود جبهته، اي فتحها ووسعها، وقيل لغزارة علمه[5].
    وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة مع كثرة عناده ونصبه: «أبو جعفر محمد الباقر سمي بذلك من بقر الارض اي شقها وأثار مخباتها ومكامنها فلذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الاحكام واللطائف ما لا يخفى إلا علي منطمس البصيرة او فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه الخ»[6].
    وكان نقش خاتمه (العزة لله) أو (العزة لله جميعا)[7] وعلى رواية انه كان يلبس خاتم جده الحسين (عليه السلام) وكان نقشه (ان الله بالغ امره)[8] وروي غير هذا ايضا ولا منافاة بينها لامكان تعدد خواتيمه ولكل نقش مستقل.
    [1] - دعوات الراوندي: ص 68، ح 165 ـ و عنه في البحار، ج 46، ص 215.
    [2] - الكافي: ج 1، ص 318، ح 5، باب مواليد الائمة (عليه السلام)
    [3] - الارشاد: ج 1، ص 318، ح 5.
    [4] - علل الشرايع: ص 233.
    [5] - تذكرة الخواص: ص 336.
    [6] - الصواعق المحرقة: ص 201، الفصل الثالث.
    [7] - التهذيب: ج 1، ص 32.
    [8] - مكارم الاخلاق: ص 91.
    ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
    مكيدة الطاغية هشام مغادرة الإمام الباقر (عليه السلام) دمشق
    أمر الطاغية هشام إغلاق جميع الحوانيت في دمشق بوجه الإمام خوفاً أن يفتتن الناس به، ويتبلور الرأي العام ضد بني أمية فأوعز إلى الأسواق في جميع المدن بإغلاق محلاتها التجارية الواقعة في طريق الإمام (عليه السلام). وقد أراد بذلك هلاك الإمام (عليه السلام) والقضاء عليه وعلى من معه. سارت قافلة الإمام (عليه السلام) وقد أضناها الجوع والعطش فاجتازت على بعض المدن فبادر أهلها إلى إغلاق محلاتهم بوجه الإمام، ولما رأى (عليه السلام) ذلك صعد على جبل هناك ورفع صوته قائلاً:
    (يا أهل المدينة الظالم أهلها، أنا بقية الله، يقول الله تعالى: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ)[1] وما أنهى الإمام هذه الكلمات حتى بادر شيخ من شيوخ المدينة فنادى أهل قريته قائلاً: (يا قوم هذه والله دعوة شعيب، والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذ من فوقكم، ومن تحت أرجلكم فصدقوني هذه المرة، وأطيعوني، وكذبوني فيما تستأنفون فإني ناصح لكم).
    فزع أهل المدينة فاستجابوا لدعوة الشيخ الذي نصحهم، ففتحوا حوانيتهم واشترى الإمام (عليه السلام) وقافلته ما أرادوه من المتاع [2] وفشلت بذلك مكيدة الطاغية، وقد انتهت إليه الأنباء، فلم يقف عند هذا الحد حتى دس إليه السم كما ذكرنا.
    --------------------------------------------------------------------------------
    [1] سورة هود، الآية 86.
    2] المناقب [ج4 ص 690 والبحار ج11 ص 75.
    --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
    اعتقال الإمام الباقر (عليه السلام)
    لما ذاع فضل الإمام (عليه السلام) بين أهل الشام، أمر الطاغية باعتقاله في السجن, وفي السجن بدأ يلقي بمحاضراته وعلومه وآدابه أمام السجناء الذين احتفوا به وقدروه تقديراً عظيماً. ولما علم بذلك هشام أمر بإخراجه من السجن وإرجاعه إلى المدينة خوفاً من الفتنة. هذا ما ألمحنا إليه في الرواية الأولى.
    أما الرواية الثانية التي رويت عن عمارة بن زيد الواقدي فتقول: حج هشام سنة من السنين، وفي السنة نفسها حج الإمام محمد الباقر وابنه الإمام جعفر الصادق (عليهما السلام). فقال الإمام جعفر الصادق أمام حشد من الناس بينهم مسلمة بن عبد الملك أخو هشام:
    (الحمد لله الذي بعث محمداً بالحق نبياً، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده، فالسعيد من تبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا) ولما سمع مسلمة بادر إلى أخيه هشام وأخبره بمقالة الإمام الصادق. فأسرها هشام في نفسه، ولم يتعرض للإمامين بسوء في الحجاز، إلا أنه لما قفل راجعاً إلى دمشق أمر عامله على يثرب (المدينة) بإحضارهما إليه. ولما انتهيا إلى دمشق حجبهما ثلاثة أيام، ولم يسمح لهما بمقابلته استهانة بهما. وفي اليوم الرابع أذن لهما، وكان مجلسه مكتظاً بالأمويين وسائر حاشيته. وقد نصب ندماؤه برجاصاً [1] وأشياخ بني أمية يرمونه. يقول الإمام الصادق (عليه السلام) فلما دخلنا، كان أبي أمامي وأنا خلفه فنادى هشام: (يا محمد ارم مع أشياخ قومك).
    فقال أبي: (قد كبرت عن الرمي، فإن رأيت أن تعفيني).
    فصاح هشام: (وحق من أعزنا بدينه، وبنيه محمد (صلّى الله عليه وآله) لا أعفيك) وظن الطاغية أن الإمام سوف يخفق في رمايته فيتخذ ذلك وسيلة للحط من شأنه أمام الغوغاء من أهل الشام، وأومأ إلى شيخ من بني أمية أن يناول الإمام (عليه السلام) قوسه، فناوله، وتناول معه سهماً فوضعه في كبد القوس، ورمى به الغرض فأصاب وسطه، ثم تناول سهماً فرمى به فشق السهم الأول إلى نصله، وتابع الإمام الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض، ولم يحصل بعض ذلك إلى أعظم رام في العالم، وجعل هشام، يضطرب من الغيظ وورم أنفه، فلم يتمالك أن صاح:
    (يا أبا جعفر أنت أرمى العرب والعجم!! وزعمت أنك قد كبرت!!) ثم أدركته الندامة على تقريظه للإمام، فأطرق برأسه إلى الأرض والإمام واقف، ولما طال وقوفه غضب (عليه السلام) وبان ذلك على سحنات وجهه الشريف وكان إذا غضب نظر إلى السماء، ولما بصر هشام غضب الإمام قام إليه واعتنقه، وأجلسه عن يمينه، وأقبل عليه بوجهه قائلاً:
    (يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش، مادام فيها مثال لك لله درك!! من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ أيرمي جعفر مثل رميك؟).
    فقال أبو جعفر (عليه السلام): (إنا نحن نتوارث الكمال).
    وثار الطاغية، واحمر وجهه، وهو يتمزق من الغيظ، وأطرق برأسه إلى الأرض، ثم رفع رأسه، وراح يقول:
    (ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟).
    ورد عليه الإمام مزاعمه قائلاً:
    (نحن كذلك ولكن الله اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص به أحد غيرنا). وطفق هشام قائلاً:
    أليس الله بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) مبعوث إلى الناس كافة، وذلك قوله عز وجل (ولله ميراث السماوات والأرض)[2] فمن أين ورثتم هذا العلم؟ وليس بعد محمد نبي، ولا أنتم أنبياء).
    ورد عليه الإمام ببالغ الحجة قائلاً:
    (من قوله تعالى لنبيه: (لا تحرك به لسانك لتعجل به)[3] فالذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله تعالى أن يخصنا به من دون غيرنا. فلذلك كان يناجي أخاه علياً من دون أصحابه وأنزل الله به قرآناً في قوله: (وتعيها أذن واعية)[4] فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): سألت أن يجعلها أذنك يا علي، فلذلك قال علي: علمني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، خصه به النبي (صلّى الله عليه وآله) من مكنون سره، كما خص الله نبيه، وعلمه ما لم يخص به أحداً من قومه، حتى سار إلينا فتوارثناه من دون أهلنا)
    التاع هشام، والتفت إلى الإمام وهو غضبان قائلاً:
    (إن علياً كان يدعي علم الغيب؟ والله لم يطلع على غيبه أحداً فمن أين ادعى ذلك؟).
    وأجابه الإمام (عليه السلام) بالواقع المشرق من جوانب حياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (إن الله أنزل على نبيه كتاباً بين دفته فيه ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء)[5] .
    وفي قوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)[6] وفي قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)[7] وفي قوله تعالى: (وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين)[8] وأوحى الله إلى نبيه أن لا يبقي في غيبة سره، ومكنون علمه شيئاً إلا يناجي به علياً، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده، ويتولى غسله وتحنيطه من دون قومه، وقال لأصحابه: حزم على أصحابي وقومي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي، فإنه مني، وأنا منه، له ما لي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني، ومنجز وعدي، ثم قال لأصحابه: علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وعامه إلا عند علي، ولذلك قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أقضاكم علي) أي هو قاضيكم، وقال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر، يشهد له عمر ويجحده غيره) وأطرق هشام برأسه إلى الأرض، ولم يجد منفذاً يسلك فيه للرد على الإمام فقال له:
    (سل حاجتك).
    قال الإمام (عليه السلام): (خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي) قال هشام: آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم، فلا تقم وسر من يومك)[9] .
    --------------------------------------------------------------------------------
    [1] هدف يرمونه بالسهام.
    [2] سورة آل عمران، الآية 180.
    [3] سورة القيامة، الآية 16.
    [4] سورة الحاقة، الآية12.
    [5] سورة النحل، الآية 89.
    [6] سورة يس، الآية 12.
    [7] سورة الأنعام، الآية38.
    [8] سورة النمل، الآية 75.
    [9] حياة الإمام محمد الباقر ج 2 ص 64 عن ضياء العالمين ج 2 ودلائل الإمامة ص 104 ـ 106.
    --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


    اغتيال الإمام (عليه السلام)
    قال معاوية بن أبي سفيان: إن لله جنوداً من عسل، وبعد أن استوضحنا عن هذا السلاح، العسل، عرفنا أنه (السم) كانوا يخلطون العسل بالسم ويقدمونه شراباً لمن أرادوا اغتياله.
    لقد تفنن الحكام الأمويون في طرق الإجرام والاغتيال ومن بين الشهداء الذين اغتالوهم بهذه الطريقة الإمام الباقر (عليه السلام).
    اغتالته بالسم أيد آثمة لا عهد لها بالله ولا باليوم الآخر. جاء في بحار الأنوار:
    إن هشام بن الحكم هو الذي قام باغتيال الإمام فدس إليه السم. وهذا القول هو المرجح لأن هشاماً كان حقوداً على آل النبي (صلّى الله عليه وآله) ونفسه مترعة بالبغض والكراهية لهم. فكلف إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ودس له السم وقد أهملت بعض المصادر اسم الشخص الذي اغتال الإمام واكتفت بالقول إنه مات مسموماً [1] .
    --------------------------------------------------------------------------------
    [1] الأئمة الاثنى عشر لابن طولون ص 281.

    ----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

    إلى الفردوس الأعلى
    بعد أن أدى الإمام (عليه السلام) رسالته الخالدة من نشر العلم في مختلف الميادين وإذاعة القيم الإنسانية بين الناس، اختاره الله إلى جواره لينعم في ظلال رحمته إلى جوار آبائه وأجداده عليهم أفضل الصلاة والسلام.
    --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


    تعزية المسلمين للإمام الصادق (عليه السلام)
    عندما عم الخبر هرع المسلمون من كل حدب وصوب إلى الإمام الصادق والحزن يدمي قلوبهم ليعزوه بمصابه ومصابهم الأليم، وليشاركوه اللوعة والأسى بفقد أبيه. وممن وفد عليه يعزيه سالم بن أبي حفصة. قال: لما توفي أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، قلت لأصحابي انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد فأعزيه به، فدخلت عليه فعزيته. وقلت له: (إنا لله، وإنا إليه راجعون) ذهب والله من كان يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فلا يسأل عمن بينه وبين رسول الله والله لا يرى مثله أبداً. قال: وسكت الإمام أبو عبد الله (عليه السلام) ساعة ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: قال الله تبارك وتعالى:
    إن من عبادي من يتصدق بشق من تمرة فأربيها له، كما يربي أحدكم فلوه[1].
    وخرج سالم بعد أن أخذ العجب منه مأخذه والتفت إلى أصحابه قائلاً: ما رأيت أعجب من هذا كنا نستعـــظم قول أبـــي جعفر (عليه السلام) قال رســـول الله (صلّى الله عليه وآله) بلا واسطة، فقـــال لي أبو عـــبد الله (عليه السلام): قال الله بلا واسطة [2].
    ولا عجب ولا غرابة فالإمام الصادق (عليه السلام) ابن أبيه وحديثه مستمد من أحاديث آبائه الذين زقوا العلم زقاً وأخذوا علومهم من جدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
    --------------------------------------------------------------------------------
    [1] الفلو: المهر الصغير والأنثى فلوة والجمع أفلاء.
    [2] أمالي الشيخ الطوسي ص 125.
    حسين منجل العكيلي

  • #2
    في مكارم اخلاقه ونبذة من فضائله ومناقبه عليه السلام
    لا يخفى على كل متأمل منصف كثرة ما روي عنه عليه السلام من الاخبار والآثار والعلوم والتفسير والفنون والآداب والأحكام بحيث يصعب على العقل احصاؤها، وقد اقتبس الصحابة والوجوه والاعيان والرؤساء والفقهاء من علمه، وكانوا يضربون المثل بكثرة علمه:
    يا باقر العلم لاهل التقى
    وخير من لبى على الاجبل
    روى الشيخ المفيد مسندا عن عبدالله بن عطاء المكي انه قال: ما رأيت العلماء عند احد قط أصغر منهم عند ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كانه صبي بين يدي معلمه، وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي عليه السلام شيئا قال: حدثني وصي الاوصياء ووراث علوم الانبياء محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام[1].
    وروي عن حبابة الوالبية انها قالت: رأيت رجلا بمكة اصيلا (وقت العصر) بالملتزم أو بين الباب والحجر على صعدة من الارض وقد حزم وسطه على المئزر بعمامة خز والغزالة[2] تخال على ذلك الجبل كالعمايم على قمم الرجال وقد صاعد كفه وطرفه نحو السماء ويدعو، فلما انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات ويستفتحون ابواب المشكلات فلم يرم حتى أفتاهم في الف مسألة.
    ثم نهض يريد رحله ومناد ينادي بصوت صهل (عال): ألا انه هذا النور الأبلج المسرج والنسيم الأرج والحق المرج[3] [4].
    وقد اخبرني جدي شهر آشوب والمنتهى ابن كيابكي الحسيني بطرق كثيرة عن سعيد بن المسيب وسليمان الاعمش، وابان بن تغلب، ومحمد بن مسلم، وزرارة بن اعين، وأبي خالد الكابلي: ان جابر بن عبدالله الانصاري كان يقعد في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينادي: يا باقر: يا باقر العلم، فكان اهل المدينة يقولون: جابر يهجر.
    وكان يقول: والله ما اهجر ولكنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: انك ستدرك رجلا من اهل بيتي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقراً فذاك الذي دعاني الي ما اقول.
    وروي أيضاً عن أبي السعادات في فضائل الصحابة ان جابر الانصاري بلـّغ سلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى محمد الباقر، فقال له محمد بن علي: اثبت وصيتك فانك راحل الى ربّك، فبكي جابر فقال له: يا سيدي وما علمك بذلك فهذا عهد عهده اليّ رسول الله، فقال له: والله يا جابر لقد أعطاني الله علم ما كان وما هو كائن الى يوم القيامة، واوصى جابر وصاياه وادركته الوفاة[5].
    وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: إذا فارق الحسين الدنيا، فالقائم بالامر بعده عليّ ابنه وهو الحجة والامام وسيخرج الله من صلب علي ابناً اسمه اسمي وعلمه علمي وحكمه حكمي، وهو اشبه الناس الي وهو الامام والحجة بعد ابيه[6].
    روي صاحب كشف الغمة عن افلح مولى ابي جعفر عليه السلام انه قال: خرخت مع محمد بن علي عليهما السلام حاجاً فلمّا دخل المسجد نظر الى البيت فبكي حتي علا صوته، فقلت: بابي انت وامي ان الناس ينظرون فلو رفقت بصوتك قليلا، قال: ويحك يا افلح ولم لا أبكي لعل الله تعالى ان ينظر الي منه برحمة فأفوز بها عنده غدا.
    قال: ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فاذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه[7].
    وكان اذا ضحك قال: اللهم لا تمقتني، وروي عن ولده جعفر عليه السلام قال: كان ابي يقول في جوف الليل في تضرّعه: امرتني فلم أءتمر ونهيتني فلم أنزجر، فها انا ذا عبدك بين يديك ولا أعتذر[8]، وكان عليه السلام يتصدق في كل جمعة بدينار ويقول ان الصدقة يوم الجمعة تتضاعف.
    روى الشيخ الكليني عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: كان أبي إذا أحزنه امر جمع النساء والصبيان ثم دعا وامّنوا[9].
    وروى أيضاً عنه عليه السلام انه قال: كان ابي عليه السلام كثير الذكر، لقد كنت امشي معه وانه ليذكر الله، وآكل معه وانه ليذكر الله ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت ارى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا اله الا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر[10].
    «وكان عليه السلام ظاهر الجود في الخاصة والعامة مشهود الكرم في الكافة معروفاً بالتفضل والاحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله»[11].
    وروي عن سلمى مولاة ابي جعفر قالت: كان يدخل عليه اخوانه فلا يخروجون من عنده حتي يطعمهم الطعام الطيب ويلبسهم الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم[12].
    وحكي ان الكميت كان عند ابي جعفر عليه السلام يقول:
    ذهب الذين يعاش في اكنافهم
    لم يبق الا شامت او حاسد
    فقال الكميت بالبداهة:
    وبقي على ظهر البسيطة واحد
    فهو المراد وانت ذاك الواحد
    و كان احسانه خمسمائة درهم الي ستمائة الف درهم، ولا يمل من صلة اخوانه، والاحسان الى الذين جاؤوا اليه رجاء احسانه[13]، ونقل انه كان لا يسمع من داره يا سائل بورك فيك ولا يا سائل خذ هذا، وكان يقول عليه السلام: سموهم بأحسن أسمائهم[14].
    وفي جنات الخلود عند ذكر اخلاقه الحميدة: انه كان كثير البكاء في اكثر الاوقات خوفا من الله ويعلو صوته بالبكاء، وكان اكثر الناس تواضعا، وله مزارع واملاك ومواشي ومراع وعبيد كثيرون، وكان يذهب الى المزرعة ويعمل فيها حتى في اليوم القائظ فيجيء اليها متكئا على موليين من مواليه، واذا حصل على شيء من ذلك انفقه في سبيل الله فكان اسخى الناس، واذا قيس علم كل عالم الى علمه كان كالقطرة بالنسبة الى البحر فكانت ينابيع الحكم تسيل عنه وقد صغر كل جليل امام جلالته[15].
    قابل ابن حجر السني المتعصب في الصواعق: هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكى علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرفت خلقه، وعمرت اوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذا العجالة[16].
    يقول المؤلف: ارى من المناسب هنا ذكر اخبار في مناقب ومفاخر الامام محمد الباقر (ع) لأزيّن كتابي بها.
    [1] - الارشاد: ص 263.
    [2] - الغزالة : الشمس .
    [3] - الابلج : الواضح والمضيء ، الأرج: الذي تفوح منه رائحة طيبة ، والمرج: بكسر الراء وصف مأخوذ من المرج بالتمر بالتحريك بمعنى الفساد أي أنه عليه السلام الحق المضيع .
    [4] - المناقب لابن شهر آشوب: ج 4، ص 182.
    [5] - راجع المناقب: ج 4، ص 195 ــ 197.
    [6] - مضمون النص.
    [7] - كشف الغمة: ج 2، ص 360.
    [8] - البحار: ج 46، ص 290.
    [9] - الكافي: ج 2، ص 353.
    [10] - الكافي: ج 2، ص 392.
    [11] - الارشاد: ص 266.
    [12] - كشف الغمة: ج 2، ص 332.
    [13] - الارشاد: ص 266.
    [14] - البحار: ج 46، ص 291.
    [15] - جنات الخلود: الجدول الثاني عشر في معرفة احوال الامام الخامس، فصل في اخلاقه.
    [16] - الصواعق المحرقة: ص 201، الفصل الثالث.
    ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
    فيض من مكارم الأخلاق الباقرية
    المعروف
    حث الإمام (عليه السلام) في كثير من أحاديثه على فعل المعروف ومما أثر عنه:
    أ ـ (إن الله جعل للمعروف أهلاً من خلقه حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله، ووجه لطلاب المعروف الطلب إليهم، ويسر إليهم قضاءه كما يسر الغيث للأرض المجدبة ليحييها ويحيي أهلها، وإن الله جعل للمعروف أعداءً من خلقه بغض إليهم المعروف، وبغض إليهم فعاله وحظر على طلاب المعروف التوجه إليهم، وحظر عليهم قضاءه كما يحظر الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها، ويهلك أهلها، وما يعفو عنه الله أكثر)(1).
    إنه كلام جميل جمع فأوعى وتشبيه لطيف أصاب الهدف في الصميم، فللمعروف أهله يحبونه ويحبون به كما تحيي الأرض المجدبة بالمطر، وللمعروف أعداؤه يبغضونه ويكرهون فعاله وهو محظر إليهم كما هو محظر الغيث عن الأرض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها.
    فيا سبحان الله هذه المتناقضات موجودة في الطبيعة منذ وجدت وفيها يكمن سر الحياة، ومن التناقض خير وشر. فالليل والنهار يتناقضان ويدفع كل منهما الآخر، وكذلك هي حال الإنسان يقلدا الطبيعة في سيرها ومن هذا الصراع بين المتناقضات في داخلنا وخارجنا نعيش الحياة، الهادئة حيناً والمضطربة أحياناً. ومن صراعنا مع الحياة تتوالد أشكال من التاريخ المفرح والمشين. فمنا من لديه القدرة في تجهيز العدة اللازمة ليزيل جماع الظلام القاسي، ومنا من لا يملك هذه القدرة فيفشل ويقضي معظم أيامه في الظلام. وكما الليل يجادل النهار فيأخذ منه ويعطيه كذلك نحن البشر نجادل الزمان فنستهلك جزء أمنه ويستهلك عمرنا.
    وفي أجسادنا تجري معارك موصولة بين كائنات حية تتوق إلى الانطلاق وتكون حياتنا منذ البدء ميداناً فسيحاً للمغالبة، فأما أن ترتفع وتسمو إلى المثل العليا المتصوفين، وأما أن تنزلق في منحدرات كالماديين.
    ب ـ وقال (عليه السلام): صنايع المعروف تقي مصارع السوء، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأول أهل الجنة دخولاً أهل المعروف وإن أول أهل النار دخولاً إلى النار أهل المنكر)(2).
    عمل المعروف عمل إنساني فرضه الله عز وجل على عباده الصالحين، والمعروف مهما كان نوعه ماديا كان أم معنوياً هو صدقة. والصدقة كما هو معلوم تدفع عن أصحابها مصارع السوء وتمنحهم مركزاً اجتماعياً محبوباً ومرموقاً وأهل المعروف مكرمين في الدنيا والآخرة. وهم أول الداخلين إلى الجنة. أما أهل المنكر فهم على العكس مكروهين في الدنيا ومطرودين من الجنة وهم أول الداخلين إلى النار. من هنا أمر الإسلام المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر)(3).
    الإحسان
    الإحسان إلى الناس من أوثق الروابط الاجتماعية التي تدعو إلى تماسك المجتمع وترابطه، وتشيع المحبة والألفة بين أبنائه، وقد ندب إليه الإسلام. قال تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)(4) وحث عليه الإمام الباقر (عليه السلام) فقال: (ما تذرع إليّ بذريعة، ولا توسل بوسيلة هي أقرب إليّ من يد سالفة مني إليه أتبعتها أختها ليحسن حفظها وربها لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل، وما سمحت لي نفسي برد بكر الحوائج)(5).
    إنه أحب شيء إلى نفس الإمام (عليه السلام) مواصلة الإحسان وتكراره ليغرس به المودة والحب والألفة في قلوب الناس.
    ليس هذا غريباً على من اختارهم الله تعالى وخصهم بالكرامة والعصمة وجعلهم فوق مستوى البشر في مواهبهم وأخلاقهم وجميع صفاتهم، فأخلاق الإمام الباقر هي أخلاق أبيه الإمام زين العابدين، وأخلاق جديه الإمام الحسين سيد الشهداء وأمير المؤمنين وارث علم الأنبياء فنجده الإمام علي (عليه السلام) عفا عن مروان أحد قادة الجيوش لحربه في البصرة وأحسن إليه بعد أن ظفر به ووقع أسيراً في قبضته.
    وجده الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) عفا عن رأس الشرك أبي سفيان بعد أن ظفر به، كما عفا عن زوجته هند بن عتبة وأحسن إليها بعد عملها الشنيع عندما شقت بطن عمه الحمزة واستخرجت كبده ونهشتها، وعفا أيضاً عن ابن سرح عندما ظفر به في مكنة وقد كان يؤذيه ويسيء إليه.
    فهذه صفة الأوصياء ورثة الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام.
    مقابلة المعروف بالإحسان
    لقد أوصى الإمام (عليه السلام) أصحابه بمقابلة المعروف بالإحسان فقال (عليه السلام): (من صنع مثل ما صنع إليه فقد كافاه. ومن أضعف كان شكوراً، ومن شكر كان كريماً. ومن علم أنه ما صنع كان إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيته إلى نفسك، ووقيت به عرضك، واعلم أن طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك فاكرم وجهك عن رده)(6).
    فبعد أن أوصى (عليه السلام) بمقابلة المعروف بالمزيد من الإحسان، دعا إلى صنع المعروف بما هو معروف وأن لا يبغي الذي يسديه لا جزاءاً ولا شكوراً. لأنه قد صنع ذلك لنفسه. فالعمل الصالح يفيد صاحبه الذي يقمه في سبيل الله أكثر مما يفيد المسدى إليه. (الأعمال الصالحات خير وأبقى) (ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره).
    القول الحسن والمعاملة الحسنى
    دعا الإمام (عليه السلام) إلى هجر الكلام السيئ ومعاملة الناس بالحسنى فقال (عليه السلام): (قولوا للناس: أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله يبغض اللعان السباب الطعّان على المؤمنين، الفاحش المتفحش السائل الملحف، ويحب الحيَّ الحليم العفيف المتعفف)(7).
    الكلام الطيب يصدر من قلب طيب وأخلاق طيبة ذلك أن الإناء يرشح بما فيه. والكلمة الطيبة تمنح صاحبها احتراماً ومهابة وتبقى خالدة على الأيام يتداولها الناس ويذكرون قائلها بالخير. وما أروع الكلمات التي خلدت أصحابها والتي نرددها نحن اليوم. وقد ضرب لنا الله عز وجل مثلاً عنها فقال تعالى: (.. كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله المثال للناس لعلهم يتذكرون)(8).
    وكما حثنا سبحانه على الكلمة الطيبة دعانا أيضاً إلى البعد عن السباب واللعان والطعان على المؤمنين لأن الكلام الفاحش المتفحش مبغوض عند الله، والسبابون مكروهون مذمومون في الدنيا والآخرة.
    المؤمن الصالح لا يسب أحداً ولا يهتم إنه سبه الآخرون لأن همه الوحيد كسب رضى الله تعالى لا غيره. فالإمام (عليه السلام) سبه الأمويون على المنابر وافتعلوا الأحاديث في ذمه وحاولوا تزوير الحقائق وتشويه تاريخه المجيد. لكنهم فشلوا وسقطوا وبقي ذكره عالياً كاسمه تطيب الألسن بذكره ويمجد اسمه عند المؤمنين الصالحين، ويذكر اسمه كل يوم على المآذن بعد ذكر الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله). فلعن الله السبابين الذين يطعنون على المؤمنين لقد زالوا واندثروا ولم يسجل التاريخ اسمهم إلا على صفحاته السود. وقد وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز: (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء)(9).
    طلاقة الوجه
    أمر الإمام (عليه السلام) المؤمنين بمقابلة الناس بطلاقة الوجه والترحيب بهم ببشاشة وسرور. فقال (صلّى الله عليه وآله):
    (البشر الحسن، وطلاقة الوجه، وسوء البشر مكبة للمحبة وقربة من الله، وعبوس الوجه، وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله)(10).
    من آداب السلوك الاجتماعية التي أمر الله بها عباده الصالحين الوجه البشوش عند استقبال الناس لأن هذا مما يوثق الروابط الاجتماعية بين الناس ويزرع في النفوس الألفة والمحبة والتعاون. بينما الوجه العبوس يجلب المقت لصاحبه ويبعد الناس عنه ويجعله ممقوتاً منبوذاً في مجتمعه، وبالتالي فإنه يبتعد عن الله عز وجل. جاء في الحديث الشريف: (الخلق كلهم عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله)(11).
    حقوق المسلم
    شرع الإسلام الحقوق الكاملة للمسلم تجاه أخيه المسلم، وأدلى الإمام (عليه السلام) بهذه الحقوق فقال (12):
    (أحبب أخاك المسلم، وأحبب له ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لنفسك، وإذا احتجت فسله، وإذا سألك فأعطه، ولا تدخر عنه خيراً فإنه لا يدخره عنك، كن له ظهراً فإنه لك ظهر، إن غاب فاحفظه في غيبته، وإن شهد فزره، وأجله، وأكرمه فإنه منك، وأنت منه، وإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتى تسل سخيمته (13). وما في نفسه، وإذا أصابه خير فاحمد الله عليه، وإن ابتلي فاعضده، وتمحل له)(14).
    إنها تعاليم حية خالدة ترسخ دعائم الحياة الاجتماعية بين الأفراد، وأننا نرى أنه لو طبق المسلمون هذه التعاليم على واقع حياتهم، وخاصة في هذه الأيام الصعبة، لأصبحوا من أقوى الشعوب في العالم، ولما تجرأت الأمم الأخرى على غزوهم ونهب ثرواتهم. ولما انحرف بعضهم عن هذه المبادئ الإسلامية الأصيلة تفرقوا شيعاً وأحزاباً وهانوا وذلوا واصبحوا (كل حزب بما لديهم فرحون)(15).
    ولما كانت هذه حقوق المسلم فلابد من قضاء حاجاته.
    قضاء حاجة المسلم
    طالب الإمام (عليه السلام) المسلمين إلى قضاء حوائج إخوانهم، وحذر من تركها أو إهمالها، فقال (عليه السلام): (ما من عبد يمتنع عن معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت له أو لم تقض إلا ابتلي في حاجة فيما يأثم عليه، ولا يؤجر، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضى الله إلا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله)(16).
    إن قضاء حاجة المسلم أمر شرعي وواقعي واجتماعي والله عز وجل سمى: (إنما المؤمنون أخوة) ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (المسلم مرآة أخيه)(17).
    صلة الأرحام
    حث الإمام الباقر (عليه السلام) على صلة الأرحام وقال: (صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتنسئ في الأجل)(18).
    عني الإسلام بصلة الرحم ودعا إليها لأنها توجب تماسك الأسرة وارتباطها بالعطف والمحبة، وتعود على الأمة بأفضل الثمرات. قال الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في ذلك: (بلّوا أرحامكم ولو بالسلام)(19) وفي رواية أخرى: (انضحوا أرحامكم). والمراد: صلوا أرحامكم ولو بالسلام، أي جددوا المودة بينكم وبين أقربائكم ولو بالتسليم عليهم تشبيهاً ببل السّقاء اليابس. لأن حسن المخالقة (20) تجديداً لمخلقها (21). ومثل ذلك قول الكميت الأسدي:
    نضحتُ أديم الود بيني وبينهم بآصــــــــرة الأرحـــــام لو يتبللُ (22)
    الصدقة
    أكد الإمام على الصدقات وذكر الفوائد الناجمة عنها والتي يظفر بها المتصدق. وقد أدلى بها أمام أصحابه فقال (عليه السلام): (إلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه يبعد السلطان، والشيطان منكم) فقال له أبو حمزة: (بلى أخبرنا حتى نفعله) قال (عليه السلام): (عليكم بالصدقة فبكروا بها، فإنها تسود وجه إبليس وتكسر شره السلطان الظالم عنكم في يومكم ذلك، وعليكم بالحب لله والتودد والمؤازرة على العمل الصالح فإنه يقطع دابرهما ـ يعني الشيطان والسلطان ـ وألحوا في الاستغفار فإنه ممحاة للذنوب) (23). والسر في الصدقة أن تنفق مستورة وفي سبيل الله وليس بقصد الافتخار والمباهاة. ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث طويل: (ورجل تصدق بصدقة لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه)(24) والمراد كتمان النفقة التي يتصدق بها وإخفاؤها. فإذا كانت شماله لا تعلم بما تنفقه يمينه وهي شقيقتها وقسيمتها، فالأجدر ألا يعلم بذلك غيرها ممن بعد داراً وشط جواراً.
    ومن المعروف شرعاً أن الصدقة تجب على الميسور والغني ويعفى منها فقير الحال. ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (الصدقة عن ظهر غنى)(25) والظهر هنا بمعنى القوة، فكأن المال للغني بمنزلة الظهر الذي عليه اعتماده. من ذلك قولهم: فلان ظهر لفلان إذا كان يتقوى به ويلجأ إليه في الحوادث. وكذلك قول الله تعالى: (لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)(26).
    العطف على اليتيم

    اليتيم هو أمانة في رقاب العباد الصالحين ومساعدتهم له واجب شرعي. قال تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تبدلوا الخبيث بالطيب)(27). والإمام الباقر (عليه السلام) الذي وضع علم الأصول وحفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يدعو إلى العطف على اليتيم والبر بالضعيف يقول: (أربع من كن فيه بنى له الله بيتاً في الجنة من آوى اليتيم، ورحم الضيف وأشفق على والديه ورفق بمملوكه)(28).
    واليوم وبعد هذه الحرب القذرة التي شنها الإسرائيليون على لبنان وما زالوا في هذه الأيام يغيرون على جنوب لبنان وعلى البقاع الغربي ويتركون نتيجة ذلك الأيتام الذين ليس لهم معين إلا الله والعلماء الأتقياء الأفاضل والعباد الصالحين من الأخوة المؤمنين.
    نذكر في هذا المجال العلامة الكبير والمجاهد العظيم السيد محمد حسين فضل الله الذي قام بدور إنساني رائع فعمل على قيام المبرات الخيرات الخيرية تضم آلاف الأيتام من المسلمين، يتعلمون ويصرف عليهم أموالاً طائلة من أجل الغذاء والكساء والتربية الإسلامية الصالحة.
    وقد زرنا هذه المبرات الخيرية المنتشرة في كل أنحاء لبنان واطلعنا عن كثب عما تقوم به من نشاط اجتماعي وثقافي وتربوي وإنساني نحو هؤلاء الأيتام. فله الشكر كل الشكر وله الأجر كل الأجر على هذا العمل الصالح الذي يقوم به مع جماعة من المؤمنين الصالحين تجاه هؤلاء الأيتام المحرومين. وإن الله لا يضيع أجر المحسنين)(29) و(إنا لا نضيع أجر المصلحين)(30).
    _______________________________
    1- تحف العقول ص 295.
    2- أمالي الصدوق ص225.
    3- سورة لقمان، الآية 17 وراجع سورة الأعراف، الآية 157 وسورة التوبة، الآية 71 و112 وسورة الحج، الآية 41.
    4- سورة البقرة، الآية 195.
    5- تحف العقول ص296.
    6- تحف العقول ص300.
    7- نفسه ص300.
    8- سورة إبراهيم، الآية 24ـ25.
    9- سورة إبراهيم، الآية 26 و27.
    10- تحف العقول ص 296.
    11- المجازات النبوية ص 241.
    12- أمال الصدوق ص288. وكن له ظهراً: أي عوناً.
    13- سخيمته: ضغينته.
    14- أمالي الصدوق ص288.
    15- سورة المؤمنون، الآية 53.
    16- تحف العقول ص292.
    17- المجازات النبوية ص79.
    18- تحف العقول ص298.
    19- المجازات النبوية ص101.
    20- المخالقة: المعاشرة بحسن الخلق.
    21- المخلق الذين استنفذت جدته فصار بالياً والمراد: تجديد البالي بالمعاشرة.
    22- آصرة الأرحام: صلة الأرحام والآصرة تطلق على الرحم وعلى القرابة وعلى المنة والعطية.
    23- تحف العقول ص298.
    24- المجازات النبوية ص413.
    25- المجازات النبوية ص75 وهذا جواب عن سؤال سأله أحدهم للنبي (صلّى الله عليه وآله) (أي الأعمال أفضل فقال الرسول (صلّى الله عليه وآله): (الصدقة عن ظهر غني).
    26- سورة الإسراء، الآية 88 وظهيراً معيناً.
    27- سورة النساء، الآية 2.
    28- الخصال ص204.
    29- سورة التوبة، الآية 120.
    30- سورة الأعراف، الآية 170.
    حسين منجل العكيلي

    تعليق


    • #3
      الإمام الباقر (عليه السلام) ومدرسته الإسلامية
      إذا كان العلم نور الله يقذفه في قلب من يشاء فما الذي يمنع عن قذف نور العلم في قلب أوليائه، هكذا كان من مصادر علم الأئمة (عليهم السلام) الإلهام، والذي ترافقه سكينة تجعلهم يثقون بأنه من عند الله.
      كذلك روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: إن علمنا غابر ومزبور ونكث في القلب ونقر في الأسماع، قال: أما الغابر فما تقدم من علمنا، وأما المزبور فما يأتينا، وأما النكث في القلوب فإلهام، وأما النقر في الأسماع فإنه من الملك.
      وروى زرارة مثل هذا الحديث وأضاف: قلت كيف يعلم أنه كان الملك ولا يخاف من الشيطان إذا كان لا يرى الشخص؟ قال: إنه يلقى عليه السكينة فيعلم أنه من الملك، ولو كان من الشيطان اعتراه الفزع. وإن كان الشيطان - بأزره - لا يتعرض لصد هذا الأمر(1).
      وعلم الإمام الباقر (عليه السلام) - كما سائر أئمة الهدى انبعث من هذه الروافد، فلم يكن غريباً، ما أظهر الله على لسانه من معارف الدين حتى قال الشيخ المفيد (قدس سره): لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن وسيره وفنون الآداب ما ظهر عنه(2).
      من هنا نرى عظماء الفقه والحديث يعترفون بالمصدر الإلهي لعلمه الغزير، فقد جاء في كشف الغمة عن الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة الطاهرة عن الحكم بن عتيبة (وكان من كبار فقهاء عصره) أنه قال في تفسير قوله تعالى: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين)(3).
      قال: كان والله محمد بن علي منهم(4).
      وحكي عن أبي نعيم في كتابه الحلية أنه سأل رجل ابن عمر عن مسألة فلم يدر ما يجيبه، فقال اذهب إلى ذلك الغلام فسله وأعلمني بما يجيبك، وأشار إلى الباقر (عليه السلام) فسأله فأجابه فأنجد ابن عمر فقال: إنهم أهل بيت مفهمون(5).
      والتعبير بكلمة مفهمون كان شائعاً في ذلك العصر، وكان يعني أنهم مؤيدون من عند الله يلقي عليهم الرب علماً بالإلهام.
      ولذلك ترى من العلماء من يقصدونه من كل أفق بحثاً عن علمه الإلهي حتى روي عن عبد الله بن عطاء أنه قال: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام)، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه(6).
      وقد روى عنه محمد بن سلم ذلك الفقيه المتبحر ثلاثين ألف حديث، أما جابر الجعفي فقد قال: حدثني أبو جعفر سبعين ألف حديث لم أحدث أحداً أبداً(7).
      ولأن الظروف السياسية كانت تتسم ببعض الانفراج فلقد تسنى للإمام أن يحاجج الكثير من المخالفين له ويعيدهم إلى جادة الصواب، والتاريخ يسجل لنا بعض تلك الاحتجاجات، وننقل شيئاً منها لتكون شاهدة على ما وراءها من الحجج البالغة.
      1 - لقد كان عبد الله بن نافع بن الأزرق واحداً من قادة الخوارج الذين كانوا أشد الفرق عداءً للإمام علي (عليه السلام) وأهل بيته، وكان يقول: لو أني علمت أن بين قطريها أحداً تبلغني إليه المطايا يخصمني أن علياً قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحلت إليه، فقيل له: ولده، فقال: أفي ولده عالم؟ فقيل له: هذا أول جهلك أو هم يخلون من عالم؟ قال فمن عالمهم اليوم؟ قيل: محمد بن علي بن الحسين بن علي، فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى المدينة، فاستأذن على أبي جعفر فقيل له: هذا عبد الله بن نافع، قال: وما يصنع بي وهو يبرأ مني ومن أبي طرفي النهار؟! فقال له أبو بصير الكوفي: جعلت فداك، إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قطريها أحداً تبلغه المطايا إليه يخصمه أن عليّاً قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه، فقال له أبو جعفر: أتراه جاءني مناظراً؟. قال: نعم!. قال : يا غلام، اخرج فحط رحله، وقل له: إذا كان الغد فائتنا، فلما أصبح عبد الله بن نافع غدا في صناديد أصحابه وبعث أبو جعفر إلى جميع أبناء المهاجرين والأنصار فجمعهم، ثم خرج إلى الناس وأقبل عليهم كأنه فلقة قمر فخطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته واختصنا بولايته، يا معشر أبناء المهاجرين والأنصار من كانت عنده منقبة لعلي بن أبي طالب فليقم وليتحدث، فقام الناس فسردوا تلك المناقب فقال عبد الله: أنا أروي لهذه المناقب من هؤلاء، وإنما أحدث علي الكفر بعد تحكيمه الحكمين حتى انتهوا إلى حديث خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه) فقال أبو جعفر (عليه السلام): ما تقول في هذا الحديث؟ قال: هو حق لا شك فيه ولكن أحدث الكفر بعد، فقال له أبو جعفر: ثكلتك أمك، أخبرني عن الله عز وجل أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم، فإن قلت لا كفرت، فقال: قد علم، قال: فأحبه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته، فقال: على أن يعمل بطاعته، فقال له أبو جعفر: فقم مخصوماً، فقام وهو يقول: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر الله أعلم حيث يجعل رسالته)(8).
      2 - وكان قتادة من أبرز فقهاء البصرة ولكنه كان يتشوق إلى رؤية الإمام الباقر (عليه السلام) ومناظراته، حيث كانت المدينة المنورة حاضرة الفقه والتفسير وسائر المعارف الإلهية، ولذلك فقد انتشر علم الإمام إلى كل الآفاق..
      من هنا جاء قتادة إلى المدينة يسأل عن الإمام فلما رآه قال له الإمام: أنت فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم، فقال: ويحك يا قتادة إن الله عز وجل خلق خلقاً فجعلهم حججاً على خلقه فهم أوتاد في أرضه، قوام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه، أظلةً عن يمين عرشه. فسكت قتادة طويلاً ثم قال: أصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم ما اضطرب قدامك، فقال له أبو جعفر: أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فأنت ثم ونحن أولئك. فقال له قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك ما هي بيوت حجارة ولا طين، قال: فأخبرني عن الجبن، فتبسم أبو جعفر وقال: رجعت مسائلك إلى هذا، قال: ضلت عني، فقال: لا بأس به، فقال: إنه ربما جعلت فيه أنفحة الميت، قال: ليس بها بأس إن الأنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم، إنما تخرج من بين فرث ودم، ثم قال: وإنما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة فهل تأكل تلك البيضة؟ قال قتادة: لا ولا آمر بأكلها فقال له أبو جعفر: ولِمَ؟ قال: لأنها من الميتة، قال له: فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال: نعم. قال: فما حرم عليك البيضة وأحل لك الدجاجة، ثم قال: فكذلك الأنفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين ولا تسأل عنه إلاّ أن يأتيك من يخبرك عنه(9).
      3 - وقد بث الإمام من علمه بين الناس حتى سمي باقراً، فقد جاء في لسان العرب أنه لقب به (أي بالباقر) لأنه بقر العلم، وعرف أهله واستبسط فرعه وتوسع فيه. والتبقر التوسع(10).
      وقال ابن حجر في صواعقه المحرقة: سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها وأثار مخبآتها ومكامنها، فكذلك هو أظهرَ من مخبأة الكنوز والمعارف، وحقائق الأحكام والحكم، ولطائف ما لا يخفى إلاّ على متطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه(11).
      وقد أفاض الإمام على المسلمين من علمه عبر تربيته لطائفة عظيمة من الفقهاء والمفسرين وحكماء المعارف الإلهية، من أمثال جابر بن يزيد الجعفي، ومحمد بن مسلم، وأبان بن تغلب، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار وآخرين.
      كما أنه نشر العلم عبر من روى عنه من علماء عصره من أمثال: ابن المبارك، والزهري، والأوزاعي. وأبي حنيفة ومالك والشافعي وزياد بن المنذر الهندي والطبري والبلاذري والسلامي والخطيب وغيرهم(12).
      وكان الولاة يجأرون إلى أهل بيت الرحمة كلما دهمتهم داهمة، وبالرغم من الصراع الحاد القائم بين الطرفين لم يدّخر الأئمة (عليهم السلام) وسعاً في خدمة الإسلام وإنقاذ الأمة من الأخطار المحيطة بهم.
      من ذلك ما ينقل لنا التاريخ من ورطة وقع فيها الخليفة الأموي عبد الملك حسبما ذكره إبراهيم بن محمد البيهقي في كتابه المحاسن والمساوئ حيث نقل عن الكسائي أنه قال:
      دخلت على الرشيد ذات يوم وهو في (إيوانه وبين يديه مال كثير قد تشق عنه البدر شقاً، وأمر بتفريقه في خدم الخاصة وبيده درهم تلوح كتابته وهو يتأمله وكان كثيراً ما يحدثني فقال: هل علمت أول من سن هذه الكتابة في الذهب والفضة؟ قلت: يا سيدي هو عبد الملك بن مروان! قال: فما كان السبب في ذلك؟ قلت: لا علم لي غير أنه أول من أحدث هذه الكتابة! فقال: سأخبرك: كانت القراطيس للروم وكان أكثر من بمصر نصرانياً على دين ملك الروم وكانت تطرز بالرومية، وكان طرازها أباً وابناً وروحاً قديساً فلم يزل ذلك كذلك وصدر الإسلام كله يمضي على ما كان عليه إلى أن ملك عبد الملك فتنبه له وكان فطناً، فبينا هو ذات يوم إذ مر به قرطاس فنظر إلى طرازه فأمر أن يترجم إلى العربية ففعل ذلك، فأنكره وقال: ما أغلظ هذا في الدين والإسلام، أن يكون طراز القراطيس بمصر وهي تحمل في الأواني والثياب، فتدور في الآفاق والبلاد وقد طرزت بشرك مثبت عليها، فأمر بالكتاب إلى عبد العزيز بن مروان وكان عامله بمصر بإبطال ذلك الطراز على ما كان يطرز به من ثوب وقرطاس وستر وغير ذلك، وأن يأمر صنّاع القراطيس بأن يطرزوها بسورة التوحيد و(شهد الله أنه لا إله إلا هو)(13)، وهذا طراز القراطيس خاصة إلى هذا الوقت لم ينقص ولم يزد ولم يتغير، وكتب إلى عمال الآفاق جميعاً بإبطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم ومعاقبة من وجد عنده بعد هذا النهي شيء منها بالضرب الوجيع والحبس الطويل، فلما أثبتت القراطيس بالطراز المحدث بالتوحيد وحملت إلى الروم، انتشر خبرها ووصل إلى ملكهم، فترجم له ذلك الطراز فأنكره وغلظ عليه واستشاط غضباً فكتب إلى عبد الملك:
      إن عمل القراطيس بمصر وسائر ما يطرز هناك للروم، ولم يزل يطرز بطراز الروم إلى أن أبطلته، فإن كان من تقدمَك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت، وإن كنت قد أصبت فقد أخطأوا، فاختر من هاتين الحالتين أيهما شئت وأحببت، وقد بعثت إليك بهدية تشبه محلك وأحببت أن تجعل رد ذلك الطراز إلى ما كان عليه في جميع ما كان يطرز من أصناف الأعلاق، حاجة أشكرك عليها وتأمر بقبض الهدية وكانت عظيمة القدر، فلما قرأ عبد الملك كتابه رد الرسول وأعلمه أن لا جواب له ولم يقبل الهدية، فانصرف بها إلى صاحبه فلما وافاه أضعف الهدية ورد الرسول إلى عبد الملك وقال:
      إني ظننتك استقللت الهدية فلم تقبلها ولم تجبني عن كتابي، فأضعفت لك الهدية وأنا أرغب إليك في مثل ما رغبت فيه من رد هذا الطراز إلى ما كان عليه أولاً، فقرأ عبد الملك الكتاب ولم يجبه ورد الهدية. فكتب إليه ملك الروم يقتضي أجوبة كتبه ويقول:
      إنك قد استخففت بجوابي وهديتي ولم تسعفني بحاجتي فتوهمتك استقللت الهدية فأضعفتها فجريت على سبيلك الأول وقد أضعفتها ثالثة، وأنا أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز إلى ما كان عليه أو لأمرن بنقش الدنانير والدراهم، فإنك تعلم أنه لا ينقش شيء منها إلاّ ما ينقش في بلادي، ولم تكن الدراهم والدنانير نقشت في الإسلام فينقش عليها من شتم نبيك ما إذا قرأته أرفض جبينك له عرقاً، فأحب أن تقبل هديتي، وترد الطراز إلى ما كان عليه، وتجعل ذلك هدية بررتني بها وتبقى على الحال بيني وبينك.
      فلما قرأ عبد الملك الكتاب غلظ عليه وضاقت به الأرض وقال: أحسبني أشأم مولود ولد في الإسلام لأني جنيت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من شتم هذا الكافر ما يبقى غابراً ولا يمكن محوه من جميع مملكة العرب، إذ كانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم ودراهمهم، فجمع أهل الإسلام واستشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأياً يعمل به، فقال له روح بن زنباع: إنك لتعلم الرأي والمخرج من هذا الأمر ولكنك تتعمد تركه، قال ويحك من؟ قال: الباقر من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) قال: صدقت ولكن ارتج عليّ الرأي فيه فكتب إلى عامله بالمدينة أن أَشْخص إلي محمد بن علي بن الحسين مكرماً ومتّعه بمائتي ألف درهم لجهازه وبثلاثمائة ألف درهم لنفقته، وأزح علته في جهازه من يخرج معه من أصحابه، واحتبس الرسول قبله إلى موافاته عليه، فلما وافى أخبره الخبر فقال له الباقر (عليه السلام):
      لا يعظمن هذا عليك فإنه ليس بشيء من جهتين:
      (إحداهما) إن الله عز وجل لم يكن ليطلق ما تهددك به صاحب الروم في رسول الله (صلى الله عليه وآله).
      (والأخرى) وجود الحيلة فيه، قال: وما هي؟ قال: تدعو في هذه الساعة بصنّاع فيضربون بين يديك سككاً للدراهم والدنانير، وتجعل النقش عليها سورة التوحيد وذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أحدهما في وجه الدرهم والدينار والآخر في الوجه الثاني، وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنة التي تضرب فيه تلك الدراهم والدنانير، وتعمد إلى وزن ثلاثين درهماً عدداً من الأصناف الثلاثة التي العشرة منها وزن عشرة مثاقيل وعشرة منها وزن ستة مثاقيل وعشرة منها وزن خمسة مثاقيل فتكون أوزانها جميعاً واحداً وعشرين مثقالاً فتجزئها من الثلاثين فتصير العدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل، وتصب صنجات من قوارير لا تستحيل إلى زيادة ولا نقصان، فتضرب الدراهم على وزن عشرة والدنانير على وزن سبعة مثاقيل.
      وكانت الدراهم في ذلك الوقت إنما هي الكسروية التي يقال لها اليوم البغلية لأن رأس البغل ضربها لعمر بن الخطاب بسكة كسروية في الإسلام مكتوب عليها سورة الملك، وكان وزن الدرهم منها قبل الإسلام مثقالاً والدراهم التي كان وزن العشرة منها وزن ستة مثاقيل والعشرة وزن خمسة مثاقيل هي السميرية الخفاف والثقال ونقشها نقش فارس.
      ففعل عبد الملك ذلك وأمره محمد بن علي بن الحسين أن يكتب السكك في جميع بلدان الإسلام، وأن يتقدم إلى الناس في التعامل بها وأن يتهدد بقتل من يتعامل بغير هذه السكك من الدراهم والدنانير وغيرها، وأن تبطل وترد إلى مواضع العمل حتى تعاد إلى السكك الإسلامية، ففعل عبد الملك ذلك ورد رسول ملك الروم إليه يعلمه بذلك، ويقول: إن الله عز وجل مانعك مما قدرت أن تفعله وقد أقدمت إلى عمالي في أقطار البلاد بكذا وكذا وبإبطال السكك والطراز الرومية.
      فقيل لملك الروم: افعل ما كنت تهددت به ملك العرب فقال: إنما أردت أن أغيظه بما كتبت إليه لأني كنت قادراً عليه والمال وغيره برسوم الروم فأما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا يتعامل به أهل الإسلام وممتنع من الذي قال.
      وثبت ما أشار به محمد بن علي بن الحسين إلى اليوم ثم رمى يعني الرشيد بالدرهم إلى بعض الخدم(14).
      إن العلم الإلهي الذي حباه به الرب بما أخلص له في الطاعة، واجتهد في سبيله بالدعاء والعمل، إنه كان وراء إرشاده إلى السبيل الأفضل لمواجهة تهديد ملك الروم.
      وهذا العلم كان يميز الإمام الحق عمن ادعوا هذا المقام بغير حق، سواء الولاة الظالمون أو العلويون الذين نازعوا الأئمة حقهم.
      وهكذا نجد في تاريخ أهل البيت (عليهم السلام) كيف كان يقول شيعتهم عليهم بما لديهم من علم الدين والعلم بالحقائق الخفية بإذن الله، وبالتوسم بنور الله وبتأييد ملائكة الله.
      وفيما يلي ننقل بعض الأحاديث التي تزيدنا معرفة بمقام الإمامة عموماً وبدرجات الإمام الباقر (عليه السلام) بالذات.
      فقد روى الحلبي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: دخل الناس على أبي (الإمام الباقر) وقالوا: ما حد الإمام؟ قال: حده عظيم، إذا دخلتم عليه فوقروه وعظموه وآمنوا بما جاء به من شيء، وعليه أن يهديكم، وفيه خصلة إذا دخلتم عليه لم يقدر أحد أن يملأ عينه منه إجلالاً وهيبةً، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذلك كان، وكذلك يكون الإمام، قالوا: فيعرف شيعته؟ قال : نعم ساعة يراهم، قالوا: فنحن لك شيعة؟ قال: نعم كلكم قالوا: أخبرنا بعلامة ذلك قال: أخبركم بأسمائكم وأسماء آبائكم وقبائلكم؟ قالوا: أخبرنا، فأخبرهم، قالوا: صدقت.
      قال: وأخبركم عما أردتم أن تسألوا عنه في قوله تعالى: (كشجرة طيبةٍ أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء)(15) نحن نعطي شيعتنا من نشاء من علمنا، ثم قال: يقنعكم؟ قالوا: في دون هذا نقنع(16).
      وينقل عبد الله بن معاوية الجعفري قصته مع والي المدينة، الذي بعث عبره برسالة تهديد إلى الإمام الباقر (عليه السلام)، فلم يأبه بها الإمام لأن الله أطلعه على أنه معزول قريباً، يقول: سأحدثكم بما سمعته أذناي ورأته عيناي من أبي جعفر (عليه السلام) أنه كان على المدينة رجل من آل مروان وأنه أرسل إليّ يوماً فأتيته وما عنده أحد من الناس، فقال: يا معاوية إنما دعوتك لثقتي بك، وإني قد علمت أنه لا يبلغ عني غيرك، فأحببت أن تلقي عمَّيك محمد بن علي وزيد بن الحسين (عليه السلام) وتقول لهما: يقول لكما الأمير لتكفان عما يبلغني عنكما، أو لتنكران، فخرجت متوجهاً إلى أبي جعفر فاستقبلته متوجهاً إلى المسجد فلما دنوت منه تبسم ضاحكاً فقال:
      بعث إليك هذا الطاغية ودعاك وقال: ألقَ عمَّيك فقل لهما كذا؟ قال: أخبرني أبو جعفر بمقالته كأنه كان حاضراً، ثم قال: يا ابن عم قد كفينا أمره بعد غد، فإنه معزول ومنفي إلى بلاد مصر والله ما أنا بساحر ولا كاهن، ولكني أُتيت وحدثت، قال: فو الله ما أتى عليه اليوم الثاني حتى ورد عليه عزله ونفيه إلى مصر وولي المدينة غيره(17).
      أما أبو بصير الذي كان من خواص الإمام فإنه يروي قصته مع الإمام وكيف كان (عليه السلام) يراقبه ويؤدبه يقول:
      كنت أقرئ امرأة القرآن بالكوفة فمازحتها بشيء، فلما دخلت على أبي جعفر عاتبني وقال: من ارتكب الذنب في الخلاء لم يعبأ الله به، أي شيء قلت للمرأة؟ فغطيت وجهي حياءً فقال أبو جعفر: لا تعد(18).
      ويروي أبو بصير أيضاً كيف أخبر الإمام عن ملك بني العباس قبل سنين من توليهم السلطة فيقول: كنت مع الباقر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاعداً حدْثان ما مات علي بن الحسين (عليه السلام) إذ دخل الدوانيقي وداود بن سليمان قبل أن أفضي الملك إلى ولد العباس، وما قعد إلى الباقر إلاّ داود فقال الباقر (عليه السلام)، ما منع الدوانيقي أن يأتي؟ قال: فيه جفاء، قال الباقر (عليه السلام): تذهب الأيام حتى يلي أمر هذا الخلق ويطأ أعناق الرجال، ويملك شرقها وغربها بطول عمره فيها حتى يجمع من كنوز الأموال ما لم يجتمع لأحد قبله، فقام داود وأخبر الدوانيقي بذلك فأقبل إليه الدوانيقي وقال: ما منعني من الجلوس إليك إجلالك فما الذي خبرني به داود؟ فقال: هو كائن، قال: وملكنا قبل ملككم؟ قال: نعم، قال: يملك بعدي أحد من ولدي؟ قال: نعم، قال: فمدة بني أمية أكثر أم مدتنا؟ قال: مدتكم أطول وليتلقفن هذا الملك صبيانكم ويلعبون كما يلعبون بالكرة، هذا ما عهده إليّ أبي، فلما ملك الدوانيقي تعجب من قول الباقر (عليه السلام)(19).
      ---------------------------------------------------------
      1 ـ في رحاب أئمة أهل البيت: ص 60.
      2 ـ في رحاب أئمة أهل البيت في سيرة الباقر: ص 7.
      3 ـ سورة الحجر : الآي 75.
      4 ـ المصدر : ص 6.
      5 ـ المصدر.
      6 ـ المصدر.
      7 ـ المصدر.
      8 ـ المصدر : ص 9.
      9 ـ المصدر : ص 10 - 11.
      10 ـ المصدر : ص 40.
      11 ـ المصدر.
      12 ـ المصدر : ص 17.
      13 ـ سورة آل عمران: الآية 18.
      14 ـ المصدر : ص 13 - 16.
      15 ـ سورة إبراهيم : الآية 24.
      16 ـ بحار الأنوار: ج 46 ص 244.
      17 ـ المصدر : ص 246.
      18 ـ المصدر : ص 247.
      19 ـ المصدر ص 249.
      حسين منجل العكيلي

      تعليق


      • #4
        المنهج التثقيفي عند الإمام الباقر (عليه السلام)
        العلم خير وسيلة لتجلية حقيقة التصور الإسلامي، والمنهج الإلهي في الحياة الإنسانية. وهو الوسيلة المُثلى لتوجيه الجماعة الصالحة للارتفاع بها إلى مستوى الأمانة العظيمة التي ناطها الله بها. ولذا كان أهل البيت (عليهم السلام) يتشدّدون مع الجماعة الصالحة في أمر تلقي العلوم المرتبطة بالعقيدة والشريعة من مصادرها الأصيلة وهي القرآن والسنة الشريفة .
        وفي منهج الإمام الباقر (عليه السلام) التثقيفي والتعليمي المعد للجماعة الصالحة نلاحظ التأكيد على الأمور التالية :
        1 ـ الحث على طلب العلم
        حثّ الإمام (عليه السلام) على طلب العلم، وخصوصاً علم الفقه فقال: (الكمال كل الكمال: التفقه في الدين، والصبر على النائبة وتقدير المعيشة)(1).
        وحث (عليه السلام) على السؤال باعتباره مفتاح العلم، وروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (العلم خزائن ومفتاحها السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فانه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمجيب لهم)(2).
        2 ـ موقع العلماء المتميّز وفضلهم
        بيّن الإمام الباقر (عليه السلام) فضل العالم وقدّمه على العابد، لأن العلم الحقيقي يجعل الإنسان على وعي كامل بالحقائق والتصورات وبالأحداث والمواقف، فلا يختلط عليه أمر بأمر ولا موقف بموقف فيكون قادراً على التمييز والتشخيص، وإصابة الواقع في جميع مجالاته، قال (عليه السلام): (عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد)(3).
        وقال (عليه السلام): (والله لموت عالم أحبّ إلى إبليس من موت سبعين عابداً)(4).
        وبيّن (عليه السلام) خصائص العالم فقال: (إنّ الفقيه حق الفقيه: الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبي)(5).
        3 ـ الإخلاص في طلب العلم
        حث (عليه السلام) على إخلاص النية في طلب العلم، بأن يكون الهدف النهائي من طلبه للعلم هو الوصول إلى الحقّ، وتقريره في عقول الناس وقلوبهم تقرباً إلى الله تعالى، وتجسيداً لمنهجه في الحياة.
        قال (عليه السلام): (من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوء مقعده من النار، إنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها)(6).
        4 ـ ضرورة نشر العلم وتثقيف الناس
        حث الإمام (عليه السلام) على نشر العلم وتعليمه للناس، وإشاعته في الأوساط المختلفة، نهي عن كتمانه، بقوله (عليه السلام): (من علّم باب هدى فله أجر من عمل به، ولا ينقص أُولئك من أُجورهم شيئاً...)(7).
        وقال (عليه السلام): (رحم الله عبداً أحيا العلم... يذاكر به أهل الدين وأهل الورع)(8).
        وجعل على العلم زكاة فقال: (زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله)(9).
        كما جعل تذاكره ومدارسته صلاة، فقال: (تذاكر العلم دراسة، والدراسة صلاة حسنة)(10).
        5 ـ مزالق وآفات المتعلّمين
        إن الإنسان مهما أوتي من علم فإنه يبقى بحاجة إلى المزيد، ويبقى في كثير من الأحيان جاهلاً ببعض الحقائق، لذا حثّ الإمام (عليه السلام) على الاحتياط في الإجابة لكي يأمن الانحراف، ولا تؤدي إلى تغرير الآخرين، قال (عليه السلام): (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه)(11).
        وقال: (ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا: الله اعلم، إن الرجل لينتزع الآية من القرآن يخرّ فيها أبعد ما بين السماء والأرض)(12).
        وجعل هذا الاحتياط حقاً لله على العباد، فقال: (حق الله على العباد: أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عندما لا يعلمون)(13).
        6 ـ المرجعية العلمية
        من الحقائق المشهورة عند المسلمين أنّ علياً (عليه السلام) أعلم الصحابة بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وهو باب علم الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد علّم أبناءه ما تعلّمه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانوا يتوارثون العلم فيما بينهم، من هنا كان أهل البيت (عليهم السلام) أعلم الناس بالقرآن والسنّة، ولهذا أكّد الإمام الباقر (عليه السلام) على مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) العلمية، وبيّن أن علمهم موروث منذ آدم إلى يومه هذا، فقال: (إن العلم الذي نزل مع آدم (عليه السلام) لم يرفع، والعلم يتوارث، وكان عليّ (عليه السلام) عالم هذه الأمة، وانه لم يهلك منّا عالم قط إلاّ خلفه من أهله من علم مثل علمه، أو ما شاء الله)(14).
        وبيّن اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بعلم القرآن ظاهره وباطنه فقال: (ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء)(15).
        كما بيّن أنّ علمهم (عليهم السلام) علم صائب، فقال: (ليس عند أحد من الناس حقّ ولا صواب ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حقّ إلاّ ما خرج منّا أهل البيت)(16).
        وقد أثبت الواقع أهليّتهم (عليهم السلام) للمرجعية العلمية العامّة للمسلمين جميعاً، فكانوا مقصد العلماء من جميع أمصار العالم الإسلامي .
        وكان (عليه السلام) يحث الجماعة الصالحة على الرجوع لأهل البيت الأطهار تجسيداً لهذه المرجعية وتحصيناً لهم من الزيغ والانحراف(17).
        وكان أيضاً يرشد أصحابه إلى مراجعة العلماء الذين أخذوا العلم من أهل البيت (عليهم السلام) وأتقنوا فنونه وأُسسه وقواعده(18).
        7 ـ المؤسسات الثقافية
        كان للإمام الباقر (عليه السلام) دور كبير في توسيع المؤسسات الثقافية ، فقد أسس عدة مدارس في أهم الأمصار الإسلامية :
        مدرسة المدينة: وكان يشرف عليها مباشرة ، وينتقي منها الفقهاء ليواصلوا حمل العلم ونشره .
        مدرسة الكوفة: وكان يشرف عليها من تتلمذ على يديه، وتخرّج من مدرسته، وقد أثمرت هذه المدرسة في نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وإرجاع الناس إليهم، حتى اعترف الحاكم الأموي هشام بن عبد الملك بهذه الحقيقة، فقد أشار إلى الإمام (عليه السلام) قائلاً: هذا المفتون به أهل العراق(19).
        ولذا أمر الأمويون بمنع أهل العراق من الالتقاء بالإمام (عليه السلام)(20).
        مدرسة قم: وكان يشرف عليها بعض من تتلّمذ على يدي الإمام (عليه السلام)، وهي متفرعة من مدرسة الكوفة.
        وتأثرت بمدرسة الكوفة وقم مدارس أُخرى في الشرق الإسلامي، كمدرسة الري وخراسان(21).
        وهنالك مدارس جوّالة كان يؤسسها طلابه أينما حلّوا وهي محدودة بحدود عدد الأفراد المشرفين وبمقدار الاستجابة لهم من قبل الناس .
        والمؤسسات الثقافية كان لها دور كبير في تخريج الفقهاء والمبلغين من مختلف الأمصار .
        وكانت أساليب الإمام التثقيفية متنوعة، بعضها ذو طابع فردي والآخر ذو طابع جماعي. كما كان التثقيف يتم عن طريق التدريس، وأُخرى عن طريق الرسائل والوصايا.
        ولم يكن تثقيفه وتعليمه مقتصراً على الفقه والأصول أو العلوم الدينية بشكل خاص، بل كان شاملاً لجميع العلوم المعروفة آنذاك(22).
        _____________________________
        1- الكافي: 1 / 32.
        2- حلية الأولياء: 3 / 192.
        3- المصدر السابق: 3 / 183 .
        4- تذكرة الخواص: 304.
        5- الكافي: 1 / 70.
        6- المصدر السابق: 1 / 47.
        7- الكافي: 1 / 35.
        8- المصدر السابق: 1 / 41.
        9- المصدر السابق: 1 / 41.
        10- المصدر السابق: 1 / 41.
        11- المصدر السابق: 1 / 50.
        12- المصدر السابق: 1 / 42.
        13- الكافي: 1 / 43.
        14- المصدر السابق: 1 / 222.
        15- المصدر السابق: 1 / 228.
        16- المصدر السابق: 1 / 399.
        17- المحاسن: 213.
        18- بحار الأنوار: 46 / 328.
        19- مختصر تاريخ دمشق: 23 / 79.
        20- المصدر السابق: 23 / 83.
        21- دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة: 1 / 133.
        22- الإرشاد: 264.
        حسين منجل العكيلي

        تعليق


        • #5
          في عطائه عليه السلام
          روي الشيخ المفيد رحمه الله عن الحسن بن كثير قال: شكوت الي ابي جعفر محمد بن علي عليهم السلام الحاجة وجفاء الاخوان، فقال: بئس الاخ اخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا ثم امر غلامه فاخرج كيسا فيه سبعمائة درهم وقال: استنفق هذه فاذا نفدت فأعلمني[1]، و في رواية: استعن بهذا القوت فاذا فرغت فأعلمني.

          حسين منجل العكيلي

          تعليق


          • #6
            في اجتهاده في كسب المعاش

            روى الشيخ المفيد وغيره عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: ان محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى مثل علي بن الحسين عليهما السلام يدع خلفا، لفضل علي بن الحسين عليهما السلام حتي رأيت ابنه محمد بن علي فأردت ان أعظه فوعظني فقال له اصحابه: باي شيء وعظك؟
            قال: خرجت الى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي عليهما السلام وكان رجلا بدينا وهو متكيء على غلامين له اسودين او موليين له، فقلت في نفسي: شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا لأعظنّه، فدنوت منه فسلمت عليه فسلم عليّ بنهر وقد تصبب عرقا.
            فقلت: اصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا لو جاءك الموت وانت على هذه الحال، قال: فخلـّى عن الغلامين من يده ثم تساند وقال: لو جاءني والله الموت وانا في هذه الحال جاءني وانا في طاعة من طاعات الله اكفّ بها نفسي عنك وعن الناس وانما كنت اخاف الموت لو جاءني وانا على معصية من معاصي الله، فقلت: يرحمك الله اردت ان اعظك فوعظتني[1].
            يقول المؤلف:
            والظاهر عندي ان محمد بن المنكدر من متصوّفي العامة كطاووس وابن ادهم وامثالهما الذين يصرفون اوقاتهم بالعبادة الظاهرية، ويدعون الكسب، وهم كل علي الناس، ذكر صاحب المستطرف انه: «... جزّأ محمد بن المنكدر، عليه وعلى امّه وعلى اخيه الليل اثلاثا فماتت اخته، فجزأه عليه وعلى امه، فماتت امه فقام الليل كله»[2].
            يقول المؤلف:
            الظاهر ان محمد بن المنكدر اخذ هذا العمل من آل داوود فيما ورد من ان داوود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قسّم ساعات الليل علي اهل بيته فكانت لا تمضي ساعة من الليل الا وأحد أولاده مشغولاً بالصلوة، قال الله تعالى: «اعملوا آل داوود شكرا»[3].
            وكلام الامام الباقر عليه السلام «لو جاءني والله الموت وانا في هذه الحال جاءني وانا في طاعة من طاعات الله اكف بها نفسي عنك وعن الناس وانما كنت اخاف الموت لو جاءني وانا على معصية من معاصي الله...» تعريضاً به وبأقرانه.
            ويؤيد هذا المطلب ما رواه صاحب كشف الغمة عن شقيق البلخي قال: خرجت حاجاً في سنة تسع واربعين ومائة، فنزلنا القادسية فبينا انا أنظر الى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت الى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجله نعلان وقد جلس منفردا، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد ان يكون كلا علي الناس في طريقهم والله لأمضين اليه ولأوبخنه... (وتمام الخبر في باب حياة موسي بن جعفر عليهما السلام)[4].
            والغرض، الاعلام بان المتصوفة كانوا كلا على الناس انذاك ولذا وردت روايات كثيرة عن الصادقين عليما السلام في الحث على التكسب والنهي عن تركه، والذي ينشغل بالعبادة ويتقوت من غيره تكون عباده هذا الذي يقوته أفضل من عبادته بل روي الامام الصادق عن النبي الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: ملعون من القى كلــّه على الناس.
            روي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام انه قال: فقد أبي بغلة له: فقال: لئن ردها الله تعالى لأحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبث ان اتى بها بسرجها ولجامها فلما استوى عليها وضم اليه ثيابه رفع رأسه الى السماء فقال: الحمدلله، فلم يزد، ثم قال: ما تركت ولا بقيت شيئا جعلت كل انواع المحامد لله عزوجل، فما من حمد الا هو داخل فيما قلت[5].
            وهو كما قال عليه السلام لان الألف واللام في الحمدلله للاستغراق فاستغرق جميع الافراد.
            نقل عن كتاب البيان والتبيين للجاحظ انه قال: قد جمع محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال: صلاح شأن المعاش والتعاشر ملء مكيال: ثلثان فطنة وثلث تغافل[6].
            وقال له نصراني: انت بقر؟ قال: لا، انا باقر، قال: انت ابن الطباخة؟ قال: ذاك حرفتها قال: انت ابن السوداء الزنجية البذية؟ قال: ان كنت صدقت غفرالله لها وان كنت كذبت غفر الله لك، قال: فأسلم النصراني[7].
            يقول المؤلف:
            لقد اقتدى بالامام عليه السلام وباخلاقه الشريفة سلطان العلماء والمحققين، افضل الحكماء والمتكلمين ذو الفيض القدوسي الخواجه نصير الدين الطوسي (قدس سره)، حيث وصل اليه كتاب من شخص يسبه ويشتمه فيه، ومن تلك الكلمات القبيحة انه قال للخواجة «يا كلب ابن الكلب».
            فكتب (ع) الجواب في غاية المتانة والحسن من دون استعمال اي كلام سيئ قال له: قلت لي يا كلب وهذا غير صحيح لان الكلب يمشي على اربع وله مخالب طويلة واني منتصب القامة وبشرتي ظاهرة بينما بشرة الكلب يغطيها الشعر، واني ناطق ضاحك، فهذه الفصول والخواص التي غير الفصول والخواص في الكلب.
            روي عن زرارة قال: حضر ابوجعفر عليه السلام جنازة رجل من قريش وانا معه وكان فيها عطاء (مفتي مكة مع المشيعين) فصرخت صارخة، فقال عطاء: لتسكتن او لنرجعن، قال: فلم تسكت فرجع عطاء، قال: فقلت لابي جعفرعليه السلام: ان عطاء قد رجع، قال: ولم؟ قلت: صرخت هذه الصارخة فقال لها: لتسكن او لنرجعن، فلم تسكت فرجع.
            فقال: امض بنا فلو انا اذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم، قال: فلما صلى على الجنازة قال وليها لابي جعفر: ارجع مأجورا رحمك الله فانك لا تقوي على المشي فأبى ان يرجع، قال: فقلت له: قد اذن لك في الرجوع ولي حاجة اريد ان أسألك عنها، فقال: امض فليس باذنه جئنا ولا باذنه نرجع انما هو فضل واجر طلبناه فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك[8].
            يقول المؤلف: يظهر من هذا الحديث الشريف فضل تشييع الجنائز وروي: ان اول تحفة المؤمن ان يغفر الله له ولمن تبع جنازته[9].
            وقال اميرالمؤمنين عليه السلام: من تبع جنازة كتب له اربع قراريط: قيراط باتباعه اياها، وقيراط بالصلاة عليها، وقيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها، وقيراط للتغزية، وقال ابوجعفر عليه السلام في رواية اخري: القيراط مثل جبل احد[10].
            روى الكليني (عن يونس بن يعقوب عن بعض اصحابنا) قال: كان قوم اتوا ابا جعفر عليه السلام فوافقوا صبيا له مريضا فرأوا منه اهتماما وغما وجعل لا يقر، قال: فقالوا: والله لئن اصابه شيء انا لنتخوف ان نرى منه ما نكره، قال: فما لبثوا ان سمعوا الصياح عليه فاذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحال التي كان عليها، فقالوا له: جعلنا الله فداك لقد كنا نخاف مما نرى منك ان لو وقع (اي اذا مات الصبي) ان نرى منك ما يغمنا، فقال لهم: انا لنحب ان نعافى فيمن نحب فاذا جاء امر الله سلمنا فيما احب؟[11].
            قال ابوعبدالله عليه السلام: في كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اذا استعملتم ما ملكت ايمانك في شيء يشق عليهم فاعملوا معهم فيه، قال: وان كان ابي ليأمرهم فيقول: كما انتم، فياتي فينظر فان كان ثقيلا قال: بسم الله، ثم عمل معهم وان كان تنحى عنهم[12].
            [1] - الارشاد: ص 263.
            [2] - المستطرف: ج 1، ص 20.
            [3] - سبأ: الآية 13.
            [4] - راجع كشف الغمة: ج 3، ص 3.
            [5] - البحار: ج 46، ص 290.
            [6] - كشف الغمة: ج 2، ص 363.
            [7] - المناقب: ج 4، ص 207.
            [8] - البحار: ج 46، ص 300، ح 43.
            [9] - البحار: ج 81، ص 259.
            [10] - دعوات الراوندي: ص 262، ح 750 و 751.
            [11] - الكافي: ج 3، ص 266، باب الصبر والجزع والاسترجاع، ح 14.
            [12] - البحار: ج 74. ص 142، ح 13.
            حسين منجل العكيلي

            تعليق


            • #7
              انطباعات عن شخصية الإمام محمّد الباقر
              1 ـ قال له الأبرش الكلبي: أنت ابن رسول الله حقاً. ثم صار إلى هشام فقال: دَعُونا منكم يا بني أمية، إن هذا أعلم أهل الأرض بما في السماء والأرض، فهذا ولد رسول الله(1).
              2 ـ قال أبو إسحاق: لم أر مثله قط(2).
              3 ـ قال عبد الله بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء عند أحد قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة ـ مع جلالته في القوم ـ بين يديه كأنه صبي بين يدي معلّمه(3).
              4 ـ قال الحكم بن عتيبة في قوله تعالى: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين): كان والله محمد بن علي منهم(4).
              5 ـ كتب عبد الملك بن مروان إلى عامل المدينة: ابعث إليّ محمد بن علي مقيّداً.
              فكتب إليه العامل: ليس كتابي هذا خلافاً عليك يا أمير المؤمنين، ولا ردّاً لأمرك، ولكن رأيت أن اُراجعك في الكتاب نصيحة لك، وشفقة عليك. إنّ الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعفّ منه ولا أزهد ولا أورع منه، وإنّه من أعلم الناس، وأرقّ الناس، وأشدّ الناس اجتهاداً وعبادة،وكرهت لأمير المؤمنين التعرض له فـ (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم). فَسُرّ عبد الملك بما أنهى إليه الوالي وعلم أنّه قد نصحه(5).
              6 ـ وقال له هشام بن عبد الملك: والله ما جرّبت عليك كذبا (6). وقال له أيضاً: لا تزال العرب والعجم يسودها قريش ما دام فيهم مثلك(7).
              7 ـ قال له قتادة بن دعامة البصري: لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدّام أحد منهم ما اضطرب قدّامك(8).
              8 ـ قال له عبد الله بن معمر الليثي: ما أحسب صدوركم إلاّ منابت أشجار العلم، فصار لكم ثمره وللناس ورقه(9).
              9 ـ قال شمس الدين محمد بن طولون: أبو جعفر محمد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، الملقّب بالباقر، وهو والد جعفر الصادق رضي الله عنهما، كان الباقر عالماً، سيداً كبيراً، وإنما قيل له الباقر لأنه تبقّر في العلم، أي توسّع، والتبقير التوسيع، وفيه يقول الشاعر:
              يا باقر العلم لأهل التقى***وخير من لبّى على الأجبُل(10)
              10 ـ قال محمد بن طلحة الشافعي: هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، ومنمّق درّه وواضعه. صفا قلبه، وزكا علمه، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه، وظهرت عليه سمات الازدلاف، وطهارة الاجتباء(11).
              11 ـ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: كان محمد بن علي بن الحسين سيد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه(12).
              12 ـ قال أبو نعيم الإصبهاني: الحاضر الذاكر، الخاشع الصابر، أبو جعفر، محمد بن علي الباقر، كان من سلالة النبوة، ومن جمع حسب الدين والابوة، تكلم في العوارض والخطرات، وسفح الدموع والعبرات، ونهى عن المراء والخصومات(13).
              13 ـ قال أحمد بن يوسف الدمشقي القرماني: منبع الفضائل والمفاخر، الإمام محمد بن علي الباقر (رضي الله عنه)، وإنما سمي بالباقر لأنه بقر العلم، وقد قيل: لقب بالباقر لما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين، اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً، أي يفجره تفجيراً، فإذا رأيته فاقرأه مني السلام. وكان خليفة أبيه من بين إخوته، ووصيه والقائم بالإمامة من بعده(14).
              14 ـ قال علي بن محمد بن أحمد المالكي ـ المعروف بابن الصباغ ـ : وكان محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) مع ما هو عليه من العلم والفضل والسؤدد والرياسة والإمامة، ظاهر الجود في الخاصة والعامة، ومشهور الكرم في الكافة، معروفاً بالفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله (15).
              15 ـ قال ابن خلّكان: أبو جعفر محمد بن علي زين العابدين بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين الملقب بالباقر، أحد الأئمة الاثني عشر... وكان الباقر عالما سيداً كبيراً(16).
              16 ـ قال أحمد بن حجر: وارثه ـ أي وارث الإمام زين العابدين ـ منهم عبادة وعلماً، وزهادة ابو جعفر محمد الباقر سمي بذلك من بقر الأرض، أي شقها وأثار مخبّآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة، أو فاسد الطينة والسريرة; ومن ثمّ قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله. وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين. وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة وكفاه شرفاً أنّ ابن المديني روى عن جابر أنّه قال له ـ وهو صغير ـ : رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسلّم عليك، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال : كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً، والحسين في حجره وهو يداعبه، فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه علي، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فاذا أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام(17).
              17 ـ قال محمد أمين البغدادي السويدي: لم يظهر عن أحد من أولاد الحسين من علم الدين والسنن والسير وفنون الأدب، ما ظهر عن أبي جعفر(رضي الله عنه)(18).
              _______________________________________
              1- المناقب: 2 / 286.
              2- أئمتنا: 1 / 396، عن أعيان الشيعة: 4 ق2 / 20.
              3- بحار الأنوار: 11 / 82.
              4- كشف الغمة: 212
              5- أئمتنا: 1 / 396، عن أعيان الشيعة: 4 ق2 / 85.
              6- المناقب: 2 / 278.
              7- بحار الأنوار: 11 / 88.
              8- في رحاب أئمة أهل البيت: 4 / 10.
              9- كشف الغمة: 221.
              10- الأئمة الاثنا عشر: 81 .
              11- مطالب السؤول: 80 ، كشف الغمة : 2/329 والصواعق المحرقة : 304 مع اختلاف يسير .
              12- المدخل إلى موسوعة العتبات المقدسة 201.
              13- حلية الأولياء: 3 / 180.
              14- أخبار الدول: 111.
              15- الفصول المهمة: 201.
              16- وفيات الأعيان: 3 / 314.
              17- الصواعق المحرقة: 305.
              18- سبائك الذهب: 72.
              حسين منجل العكيلي

              تعليق


              • #8
                ذكر معجزة عن الامام عليه السلام
                روى القطب الراوندي عن ابي بصير قال: خلت المسجد مع ابي جعفر عليه السلام والناس يدخلون ويخرجون، فقال لي: سل الناس هل يرونني؟ فكل من لقيته قلت له: أرأيت ابا جعفر؟ فيقول: لا ـ وهو واقف ـ حتى دخل ابوهارون المكفوف، فقال: سل هذا، فقلت: هل رأيت ابا جعفر؟ فقال: اليس هو بقائم؟ قلت: وما علمك؟ قال: وكيف لا اعلم وهو نور ساطع.
                قال: وسمعته يقول لرجل من اهل افريقيا: ما حال راشد؟ قال: خلفته حيا صالحا يقرؤك السلام، قال: رحمه الله، قال: مات؟ قال: نعم، قال: ومتى؟ بعد خروجك بيومين. قال: والله ما مرض ولا كان به علة، قال: اما من يموت من مرض او علة.
                قلت: من الرجل؟ قال: رجل كان لنا مواليا ولنا محباً، ثم قال: لئن ترون انه ليس لنا معكم اعين ناظرة او اسماع سامعة لبئس ما رأيتم، والله لا يخفى علينا شيء من اعمالكم، فأحضرونا جميلا وعوّدوا انفسكم الخير وكونوا من اهله تعرفون به فاني بهذا آمر ولدي وشيعتي[1].
                [1] - الخرائج: ج 2، ص 595.
                -------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
                ما نسب إليه من الشعر
                سبق منا القول في حياة الأئمة (عليهم السلام)، وإنها حلقات متواصلة في اصلاح المسلمين، حافلة بالتوجيه والارشاد، وانهم (عليهم السلام) يسلكون كل السبل للتوعية فمرة بالخطب، واخرى بالوصايا، وثالثة بالقاء الدروس ورابعة بنثر درر الحكم والمعارف، والشعر ديوان العرب وفاكهة المجالس، وانيس النفوس، يستريح الانسان باستماعه، ويأنس بانسياقه، وجريا مع الناس في هذا الاتجاه جاء شعر الائمة (عليهم السلام)، جاء متمشيا مع اتجاههم في الدعوة إلى الخير، والحث على الفضيلة، والأمر بمكارم الأخلاق.
                وفي الوقت الذي يحفظ لنا التاريخ هذا اللون من شعر الأئمة (عليهم السلام)، يحفظ لغيرهم ما قالوه في الغزل والتشبيب والمجون والتعريض بالناس، وهذا وحده كاف للفرق بين الأئمة (عليهم السلام) وغيرهم.
                نذكر بعض ما ورد من شعره عليه السلام:
                1- قال (عليه السلام) في أهل البيت:
                فــــنحن عـــلى الحـوض ذواده نـــــــذود ويـــــســـعــــد وراده
                فمـــــا فـــــاز مــــن فاز إلا بنا ومـــــا خــــاب مـــن حبنا زاده
                فمـــــن سرنــا نال منا السرور ومــــن ســــاءنا ســـاء ميلاده
                ومـــــن كـــــان غـــاصبنا حقنا فيـــــوم القــــــيامة ميعاده(1)
                2- وله (عليه السلام) في العجب:
                عجـــــبت مـن معجب بصورته وكان مــــن قبـــــل نطفة مذرة
                وفــي غــد بـعد خسف صورته يصير فـــي القبر جيفـــة قـذرة
                وهــــو على عجبــــه ونــخوته ما بين جنبيه يحمل العذرة(2)
                3- وله (عليه السلام) مخاطباً العصاة:
                هذا لعــــمرك فـــي الفعال بديع تعصـــي الاله وأنت تظهر حبه
                إن المحب لمن أحب مطيع(3) لـــو كان حبك صادقــــاً لاطعته
                4- ونقش على خاتمه:
                وبالنبـــــي المـــــــــؤتـــــمـــن ظــــــنـــــي بــــالله حـــســــــن
                وبــــالحســـــين والحســن(4) وبــالــــوصي ذي المــــــنـــــن
                للموضوع تتمة.
                -------------------------------------------------------------------------------------
                1- كشف الغمة 218 بحار الأنوار 11/77. ونسبها بعضهم للامام زين العابدين (عليه السلام).
                2 - أعيان الشيعة 4ق2/80.
                3 - تحف العقول 214.
                4 - الدمعة الساكبة 402.
                حسين منجل العكيلي

                تعليق

                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                حفظ-تلقائي
                Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                x
                يعمل...
                X