إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لماذا كلّ هذا الحرص على إطالة عمر الامام المهدي (عج) ؟الحلقة الثانية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لماذا كلّ هذا الحرص على إطالة عمر الامام المهدي (عج) ؟الحلقة الثانية

    وخلافاً لذلك، شخص يتوغّل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن ترى تلك الحضارة النور، ورأى الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الأخرى ثمّ تداعت وانهارت[4]، رأى ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تاريخ..
    ثمّ رأى الحضارة التي يقدّر لها أن تكوّن الفصل الأخير من قصة الإنسان قبل اليوم الموعود، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تتبيّن..
    ثمّ شاهدها وقد اتّخذت مواقعها في أحشاء المجتمع البشري تتربّص الفرصة لكي تنمو وتظهر..
    ثمّ عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارة، ويحالفها التوفيق تارة أخرى..
    ثمّ واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج على مقدّرات عالم بكامله، فإنّ شخصاً من هذا القبيل عاش كلّ هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين، ينظر إلى هذا العملاق - الذي يريد أن يصارعه - من زاوية ذلك الامتداد التاريخي الطويل الذي عاشه بحسّه، لا في بطون كتب التاريخ فحسب، ينظر إليه لا بوصفه قدراً محتوماً، ولا كما كان ينظر (جان جاك روسو)[5] إلى الملكيّة في فرنسا، فقد جاء عنه أنه كان يرعبه مجرّد أن يتصوّر فرنسا بدون ملك، على الرغم من كونه من الدعاة الكبار فكريّاً وفلسفيّاً إلى تطوير الوضع السياسي القائم وقتئذ; لأنّ (روسو) هذا نشأ في ظل الملكيّة، وتنفس هواءها طيلة حياته، وأما هذا الشخص المتوغّل في التاريخ، فله هيبة التاريخ، وقوّة التاريخ، والشعور المفعم بأنّ ما حوله من كيان وحضارة وليد يوم من أيام التاريخ، تهيّأت له الأسباب فوجد، وستتهيأ الأسباب فيزول، فلا يبقى منه شيء كما لم يكن يوجد منه شيء بالأمس القريب أو البعيد، وأنّ الأعمار التاريخية للحضارات والكيانات مهما طالت فهي ليست إلاّ أياماً قصيرة في عمر التاريخ الطويل .
    هل قرأت سورة الكهف ؟
    وهل قرأت عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربّهم وزادهم الله هدىً ؟[6] و واجهوا كياناً وثنيّاً حاكماً ، لا يرحم ولا يتردّد في خنق أي بذرة من بذور التوحيد والارتفاع عن وحدة الشرك، فضاقت نفوسهم ودبّ إليها اليأس وسدّت منافذ الأمل أمام أعينهم، و لجأوا إلى الكهف يطلبون من الله حلاً لمشكلتهم بعد أن أعيتهم الحلول ، وكبر في نفوسهم أن يظل الباطل يحكم ويظلم ويقهر الحقّ ويصفّي كلّ من يخفق قلبه للحقّ .
    هل تعلم ماذا صنع الله تعالى بهم ؟
    إنه أنامهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين[7] في ذلك الكهف، ثمّ بعثهم من نومهم ودفع بهم إلى مسرح الحياة، بعد أن كان ذلك الكيان الذي بهرهم بقوّته وظلمه قد تداعى وسقط، وأصبح تاريخاً لا يرعب أحداً ولا يحرّك ساكناً، كلّ ذلك لكي يشهد هؤلاء الفتية مصرع ذلك الباطل الذي كبر عليهم امتداده وقوّته واستمراره، ويروا انتهاء أمره بأعينهم ويتصاغر الباطل في نفوسهم.ولئن تحقّقت لأصحاب الكهف هذه الرؤية الواضحة بكلّ ما تحمل من زخم وشموخ نفسيّين من خلال ذلك الحدث الفريد الذي مدّد حياتهم ثلاثمئة سنة، فإنّ الشيء نفسه يتحقّق للقائد المنتظر من خلال عمره المديد الذي يتيح له أن يشهد العملاق وهو قزم، والشجرة الباسقة وهي بذرة، والإعصار وهو مجرد نسمة[8].
    أضف إلى ذلك، أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة، والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوّراتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود; لأنها تضع الشخص المدّخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكلّ ما فيها من نقاط الضعف والقوة، ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر على تقويم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها، وكلّ ملابساتها التاريخية.ثمّ إنّ عملية التغيير المدّخرة للقائد المنتظر تقوم على أساس رسالة معينة هي رسالة الإسلام، ومن الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الإسلام الأولى، قد بنيت شخصيّته بناءً كاملاً بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضاره التي يقدّر لليوم الموعود أن يحاربها. وخلافاً لذلك، الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتّح أفكاره ومشاعره في إطارها، فإنّه لا يتخلّص غالباً من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها، وإن قاد حملة تغييريّة ضدها.
    فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدّخر بالحضارة التي أعدّ لاستبدالها، لابدّ أن تكون شخصيته قد بنيت بناءً كاملاً في مرحلة حضارية سابقة هي أقرب ما تكون فى الروح العامة ومن ناحية المبدأ إلى الحالة الحضارية التي يتجّه اليوم الموعود إلى تحقيقها بقيادته.[9]

    [4] ويمكن أن تقرّب هذا المعنى بما عشناه وشاهدناه من صعود الاتّحاد السوفيتي وترقّيه حتى صار القطب الثاني في العالم، وتقاسم هو وأمريكا النفوذ الحضاري والهيمنة السياسية، وركبا معاً أجواء الفضاء، ثمّ شهدنا انهيار الاتّحاد السوفيتي وتفكّك أوصاله بمثل تلك السرعة القياسية في الانهيار، فكم كان لذلك من أثر؟ وكم كان فيه من عبرة؟ وكم فيه من دلالة عميقة؟
    [5] جان جاك روسو (1712 ـ 1778 م) كاتب وفيلسوف فرنسي اعتبره بعض النقّاد الوجه الأبعد نفوذاً في الأدب الفرنسي الحديث والفلسفة الحديثة، وقد مهّدت كتاباته ومقالاته للثورة الفرنسية، وأشهر مؤلفاته العقد الاجتماعي، راجع: موسوعة المورد / منير البعلبكيّ 8 : 169.
    [6] إشارة إلى الآية القرآنية المباركة: (إنهم فتيةٌ آمنوا بربّهم وزدناهم هدىً...)الكهف: 13، وراجع تفسيرها في الكشّاف / الزمخشري 2: 706، نشر دار الكتاب العربي ـ بيروت.
    [7] إشارة إلى الآية: (ولبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادو تسعاً...)الكهف: 25.
    [8] وكلّ ذلك له مدخليّة في تربيته وإعداده الإعداد الخاص، بما في ذلك امتلاكه النظرة الشمولية العميقة، فضلاً عن شهوده بنفسه ضآلة أولئك المتعملقين الذين يملؤون الدنيا ضجيجاً وصخباً، ويسترهبون الناس، وهذا الشهود يؤهّله أكثر فأكثر لأداء مهمته الكونية في التغيير، أي ملئه للأرض عدلاً بعدما ملئت ظلماً، هذا بغمض النظر عن مؤهّلاته الذاتية، والعناية الربّانيّة الخاصة.
    [9] ولا ينبغي أن يُشكِل أحدٌ بأنّ النبيّ محمد (ص) مع عالمية رسالته ومهمّته التغييرية الكبرى، إلاّ أنه عاش في كنف الحضارة الجاهلية، ولم يتأثر بها، وكذا الأنبياء السابقون، فما هو الوجه في هذا الرأي؟
    فجوابه:
    أ - إنّ النبيّ (ص) قد أخضع فعلاً إلى حالة عزلة تامة عن الحضارة الجاهلية، وأنه كما ورد في السيرة النبوية قد حبّب إليه الخلاء، وكان يذهب إلى غار حراء يتحنّث فيه، وكذا الأنبياء كانوا يتنزّهون عمّا عليه مجتمعهم، وكانوا يعتزلون، وإليه الإشارة في قوله تعالى: (فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق) مريم : 49.
    ب ـ إنّ النبيّ المرسل يوحى إليه، ويسدّد مباشرة من السماء، ويبلّغ بالأعمال والخطوات التي يتخّذها خطوةً، والإمام (ع) لا يوحى إليه ـ كما هو عقيدة الإمامية ـ، ولا يبلّغ بالأمور مباشرة من السماء، نعم يكون مسدّداً وتحت العناية الربانيّة، ولذلك فهو يحتاج إلى إعداد خاص. ففي نفس الوقت الذي يكون فيه قريباً ومتّصلاً بالحضارة الإسلامية، مستمدّاً من آبائه (ع) الأصالة والمعرفة والعلم، يكون مطّلعاً على التجارب البشرية والحضارات في صعودها وعوامل تكوّنها وقوّتها، وكذلك إخفاقاتها وعوامل ضعفها وانهيارها، فيستمد الخبرة والقدرة والإحاطة بالأمور جميعاً، هذا مع اعتقادنا بقدرات الإمام العلمية الذاتية التي وهبها الله تعالى له، وبكونه مسدّداً من السماء،
    بحث حول المهدي (عج)
    الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر
    قدس سره الشريف
    تحقيق و تعليق

    الدكتور عبدالجبار شرارة





  • #2
    احسنت اخي الكريم
    بارك الله فيك وجزيت خيرا
    حسين منجل العكيلي

    تعليق


    • #3
      وفقكم الله اخونا ابو محمد

      تعليق


      • #4
        جزاك الله كل خير
        جعلها الله في ميزان حسناتك
        بوركت و بوركت اعمالك ان شاء الله

        تعليق


        • #5
          شكرا لمروركم الكريم ومبروك عليكم عيد الغدير الأغر

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
          x
          يعمل...
          X