تاريخ الاحتجاج والمناظرة في الخلافة الاسلامية
4 ـ قوله ـ عليه السلام : اللهم إني أستعديك على قريش ومن أَعانهم ، فإنهم قد قطعوا رحمي ، وأَكفئوُا إنائي ، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري ، وقالوا : ألا إنَّ في الحق أَن تأخذَه وفي الحق أن تُمنَعَهُ ، فاصبر مغمُوما ، أومُت مُتأسفا.فنظرتُ فإذا ليس لي رَافِدٌ ، ولا دابُّ ولا مُساعِدٌ ، إلاّ أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنيَّةِ ، فأَغضيتُ على القذى ، وجرعْتُ ريقي على الشَّجا ، وصبرت من كظم الغيظ على أمَرَّ من العلقمِ ، وآلم للقلب من وخز الشفار (7).
5 ـ قوله ـ عليه السلام ـ : أما بعد ، فإن الله سبحانه بعث محمدا ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ نذيرا للعالمين ، ومهيمنا على المُرسلين ، فلما مضى ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ تنازع المسلمون الامر من بعدهِ ، فو الله ما كان يُلقى في روعي ، ولا يخطرُ ببالي أن العرب تُزعجُ هذا الامرَ من بعده ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ عن أهل بيته ، ولا أنّهمُ مُنحُّوه عنّي من بعده ، فما راعني إلاّ انثيالُ الناس على فُلان يُبايعُونَهُ ، فأمسكتُ بيدي حتى رأيتُ راجعة النَّاس قد رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين محمد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فخشيت إن لم أَنْصُر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما ، تكون المُصيبةُ به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاعُ أيَّام قلائِل ، يزول منها ما كان كما يزول السراب ، أو كما يتقشع السَّحاب ، فنهضت في تلك الاحداث حتى زاح الباطل وزهق ، واطمأنَّ الدين وتنهنه (8).
6 ـ قال ـ عليه السلام ـ في خطبته الشقشقية :
أما والله لقد تقمَّصها فلان ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذاءَ أو أصبر على طخيّة عمياء يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الاول لسبيله ، فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعدَهُ ثم تمثل بقول الاعشى :
شتان ما يومي على كُورِها |
* |
ويومُ حيَّانَ أَخي جابــر |
فيا عجبا ! بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لاخر بعد وفاته ، لشدَّما تشطرَا ضرعيها ! فصيرها في حوزةٍ خشناءَ يغلُظُ كلمُها ، ويخشن مسُّها ، ويكثر العثار فيها والاعتذارُ منها ، فصاحبُها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسْلسَ لها تقحَّمَ ، فمُنِي الناس لعمْرُ الله بخبطٍ وشِماسٍ ، وتلوُّنٍ واعتراض ، فصَبَرْتُ على طولِ المُدَّة ، وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعةٍ زعم أنِّي أحدُهم ، فيا لله وللشورى متى اعترض الرَّيْبُ فيَّ مع الاوَّل مِنهم ، حتى صِرتُ أُقْرَنُ إلى هذه النظائر ! لكني أسْفَفتُ إذ أسَفُّوا ، وَطِرتُ إذْ طارُوا ، فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الاخر لصهره ، مع هَنٍ وهنٍ إلى أنْ قام ثالِثُ القوم نافجاً حضنيه ، بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمةَ الابل نبتة الربيع إلى أن انتكث عليه فَتلُهُ ، وأجهزَ عليه عَمَلهُ ، وكبت به بطْنَتُهُ !.... الخ الخطبة (9).
7 ـ ومن خطبة له ـ عليه السلام ـ يقول : وقد قال قائلٌ : إنك على هذا الامر يا بن أبي طالب لحريصٌ ، فقلت : بل أنتم والله لاحرصُ وأَبعد ، وأنا أخصُّ وأقربُ ، وإنَّما طلبتُ حقا لي ، وأنتم تحولون بيني وبينهُ ، وتضربون وجهِي دُونَهُ ، فلما قرّعتُهُ بالحُجةِ في الملأ الحاضرين هَبَّ كأنهُ بُهتَ لا يدري ما يُجِيبني به ؟
اللهم إني أستعَديك على قُريش ومن أعانهُم ! فإنهُم قطعوا رحمي ، وصغَّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ، ثم قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذهُ وفي الحق أن تتركه... الخ الخطبة (10).
تعليق