إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحسين (عليه السلام ) في عهد الخلفاء وعهد الدوله العلوية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحسين (عليه السلام ) في عهد الخلفاء وعهد الدوله العلوية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحسين (عليه السلام) في عهد أبي بكر

    لقد كان أهل البيت (عليهم السلام) بما فيهم الحسن والحسين (عليهما السلام) مفجوعين بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وألم المأساة يهيمن على قلوبهم وهم مشغولون بجهاز أعظم نبيّ عرفه التاريخ الإنساني ، إذ توجّهت إليهم صدمةٌ اُخرى ضاعفت آلامهم وبدّدت آمالهم التي غرسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نفوسهم ونفوس الاُمّة.
    إنها صدمة مصادرة الخلافة وتنحية الإمام علي (عليه السلام) عن مسرح القيادة ومصادرة المنصب الذي نصبه فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى.
    وكانت هذه الصدمة العنيفة بداية لمُسلسل القلق والاضطهاد الذي فرضه الخط الحاكم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) على أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) ; لتحقيق العزل التام والإبعاد الكامل لهم عن موقع القيادة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).

    لوعة شهادة الزهراء (عليها السلام) :

    كان لوفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) وقع مؤلم في روح الإمام الحسين الطاهرة، وهو لم يكن بعد قد أنهى ربيعه الثامن.
    وما هي إلاّ مدّة قصيرة وإذا بالحسين(عليه السلام) يُفجع باستشهاد اُمّه فاطمة بنت رسول الله بتلك الصورة المأساوية بعد أن ظلّت تعاني من الظلم والقهر وألم اغتصاب حقّها طوال الأيام التي عاشتها بعد أبيها(صلى الله عليه وآله) فكانت تنعكس معاناتها في روحه اللطيفة ; إذ كان كلّما نظر الى اُمّه بعد وفاة أبيها شاهدها باكيةً محزونة القلب منكسرة الخاطر.

    وقد روي: أنّها سلام الله عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبو
    كما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّةً بعد مرّة؟
    أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقةً عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما[1].

    وروي أن الزهراء(عليها السلام) بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله) كانت تصطحب الحسنين معها الى البقيع حيث تظلّ تبكي الى المساء، فيأتي أمير المؤمنين(عليه السلام) فيعود بهم الى البيت.
    ونقل الرواة عن أسماء بنت عميس قصّة استشهادها مفصّلاً ، وقد جاء فيها أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) دخلا البيت بُعَيد وفاة اُمّهما فقالا: يا أسماء! ما يُنيم اُمّنا في هذه الساعة؟! قالت: يا ابني رسول الله ليست اُمّكما نائمة، بل فارقت روحها الدنيا. فوقع عليها الحسن يقبّلها مرةً ويقول: يا اُمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني. قالت وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: يا اُمّاه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت. قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله! انطلقا الى أبيكما عليّ فأخبراه بموت اُمّكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة، فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله ؟ لا أبكى الله أعينكما[2].

    وجاء في نصّ آخر أنّه بعد أن فرغ أمير المؤمنين(عليه السلام) من تغسيل الزهراء(عليها السلام) نادى: يا اُمّ كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضّة! يا حسن! يا حسين! هلمّوا وتزوّدوا من اُمّكم، فهذا الفراق، واللقاء الجنّة. فأقبل الحسن والحسين(عليهما السلام) وهما يناديان : واحسرةً لاتنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى واُمّنا فاطمة الزهراء!
    فقال أمير المؤمنين علىّ(عليه السلام): إنّي اُشهدُ الله أ نّها قد حنّت وأ نّت ومدّت يديها وضمّتهما الى صدرها مليّاً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن! ارفعهما فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات.[3].

    وذكرت أكثر الروايات أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) حضرا مراسم الصلاة على جنازة اُمّهما (عليها السلام) وتولّى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأخرجها من بيتها ومعه الحسن والحسين في الليل، وصلّوا عليها...[4].

    لقد فجع الحسين(عليه السلام) وخلال فترة قصيرة بحادثتين عظيمتين مؤلمتين: الاُولى وفاة جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والثانية استشهاد والدته فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) بعدما جرى عليها من أنواع الجفاء والظلم.
    وإذا أضفنا الى ذلك مأساة غصب حقوق أبيه أميرالمؤمنين(عليه السلام) ومأساة إبعاده عن المسرح السياسي ليصبح جليس بيته; تجلّت لنا شدّة المحن والمصائب التي أحاطت بالحسين(عليه السلام) وهو في صغر سنّه .
    ولقد تعمّقت مصائب الإمام الحسين(عليه السلام) بسبب أنواع الحصار المفروض من قِبل خطّ الخلافة وقتذاك على أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) الأوفياء لخطّه الرسالي وعلى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام) بشكل خاص، مثل منع الخمس وسائر الحقوق من الوصول اليه، كما تجلّى ذلك بوضوح في تأميم « فدك » والذي كان من أهدافه ممارسة ضغوط مالية اُخرى على أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأبناء أمير المؤمنين(عليهم السلام).

    يتبـــــــــــــــــع
    ________________________________________

    [1] بحار الأنوار : 43 / 181.
    [2] المصدر السابق: 186.
    [3] بحار الأنوار: 43/179 .
    [4] المصدر السابق: 212 .


  • #2
    الحسين (عليه السلام) في عهد عمر بن الخطاب

    وفي عهد عمر بن الخطاب اتّخذ الحصار أبعاداً أكثر خطورة، فقد ذكر المؤرّخون أنّ عمر حظر على أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) الخروج من المدينة إلاّ بترخيص منه، وقد طال الحظر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) حتى مثّل هذا الأمر نمطاً آخر من الضغوط التي مورست على أهل بيت الوحي الطاهرين .

    أجل لقد أدّت هذه الممارسات القهرية والمواقف الظالمة الى إقصاء عليّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وجعلته جليس بيته، ومن ثم تغييبه عن الميادين السياسية والاجتماعية حتى صار نسياً منسياً، وإن كان الخليفة يرجع إليه في بعض المسائل أحيانا، ولعلّ السبب في عدم إبعاده عن المدينة، هو حاجته إليه في القضايا التي كانت تستجد للخليفة، ولم يكن بمقدور أحد غير عليّ(عليه السلام) أن يقدّم الحلّ المقبول لها.

    وبالحكمة السديدة والصبرالجميل كظم أمير المؤمنين(عليه السلام) غيظه متغاضياً عن حقّه الذي استأثر به عمر بعد أبي بكر من دون حقّ شرعي ولا حجّة بالغة، وفي كلّ ذلك عاش الحسين(عليه السلام) مع آلام أبيه(عليه السلام)، ورأى كيفية تعامله مع الحدث، وهو يحمل هموم الاُمّة الإسلامية ويقلقه مصيرها، إنّه يتذكّر كيف كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يؤثر عليّاً على كل من عداه ويوصي به الاُمّة

    المرّة بعد المرّة، ولكنّه الآن مقصيٌّ عن مقامه، فما كان يملك إلاّ أن يكتم أحاسيسه ومشاعره.

    يروى : أنّ عمر ذات يوم كان يخطب على المنبر فلم يشعر إلاّ والحسين(عليه السلام) قد صعد إليه وهو يهتف: «انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك»، وبهت عمر واستولت الحيرة عليه، وراح يصدّقه ويقول له: صدقت لم يكن لأبي منبر، وأخذه فأجلسه إلى جنبه، وجعل يفحص عمّن أوعز إليه بذلك قائلاً له: من علّمك؟ فأجابه الإمام الحسين(عليه السلام): «والله ما علّمني أحد»[1].

    وقد كان الحق يقضي بأن لا يكتفي عمر بالتصديق الكلامي للحسين من دون إعادة حقّه في فدك والخمس إليه، وإعادة حقّ والده في الخلافة إليه، إطاعةً لله وللرسول(صلى الله عليه وآله) .

    ويروى أيضاً : أنّ عمر كان معنيّاً بالإمام الحسين(عليه السلام) حتى طلب منه أن يأتيه إذا عرض له أمر. وقصده الحسين(عليه السلام) يوماً ومعاوية عنده، ورأى ابنه عبدالله فطلب(عليه السلام) الإذن منه فلم يأذن له فرجع معه، والتقى به عمر في الغد فقال له: ما منعك يا حسين أن تأتيني؟ قال الحسين(عليه السلام): «إنّي جئت وأنت خال بمعاوية فرجعت مع ابن عمر» قال عمر: أنت أحقّ من ابن عمر، فإنّما أنبت ماترى في رؤوسنا الله ثم أنتم[2].

    .................................

    [1] الإصابة : 1 / 332 .
    [2] المصدر السابق .

    تعليق


    • #3
      الحسين(عليه السلام) في عهد عثمان :

      بخُلق الرسالة وآداب النبوة وبالفضائل السامية أطلّ الإمام الحسين(عليه السلام) على مرحلة الرجولة في العقد الثالث من العمر، يعيش أجواء أبيه المحتسب وهو يرى اللعبة السياسية تتلوّن والهدف واحد، وهو أن لا يصل عليّ(عليه السلام) وبنوه إلى زعامة الدولة الإسلامية بل تبقى الخلافة بعيدة عنهم، فهاهو ابن الخطّاب لا يكتفي بحمل الاُمّة على ما لا تطيق من جفاء رأيه وطبعه وأخطاء اجتهاداته; حتّى ابتلاها بالشورى السداسيّة التي انبثقت منها خلافة عثمان.

      ولقد وصف الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) هذه المرحلة وهو الذي آثر مصلحة الدين والاُمّة على حقّه الخاص في الزعامة فصبر صبراً مُرّاً حتّى قال:
      فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيالله وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتى صرت اُقرن إلى هذه النظائر؟![3].

      وازدادت محنة أهل البيت(عليهم السلام) وتضاعفت مهمّتهم صعوبةً، وهم يواجهون عصراً جديداً من الانحراف بالخلافة، وهو عصر يتطلّب جهوداً أضخم وسعياً أكبر لكي لاتضيع الاُمّة والرسالة، ولكنّ لوناً متميزاً من المعاناة القاسية بدأ واضحاً يصبغ حياة الاُمّة الإسلامية، فإنّ خيار رجالها من صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) يهانون ويضربون وينفون في الوقت الذي تتسابق على مراكز الدولة شرارها من الطلقاء وأبنائهم، تحت ظلّ ضعف عثمان وجهله بالاُمور أحياناً وعصبيّته القبليّة الاُمويّة أحياناً اُخرى[4].

      وعاش الحسين(عليه السلام) معاناة الاُمّة وهي تنتفض على فساد حكم عثمان في مخاض عسير، فتمتدّ الأيادي المظلومة لتزيح الخليفة الحاكم بقوّة السيف.

      وفي خطبة الإمام علىّ(عليه السلام) المعروفة بالشقشقيّة والتي وصف فيها محنة الاُمّة بتولّي الخلفاء الثلاثة دفّة الحكم قبله تصوير دقيق لما جرى في حكم عثمان بن عفّان; إذ قال(عليه السلام):

      إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه[5] بين نثيله[6]، ومعتلفه[7]

      ، وقام معه بنو أبيه يخضمون[8] مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع[9]، إلى أن انتكث عليه فتله[10]، وأجهز[11] عليه عمله، وكبت[12] به بطنته[13].
      موقف مع أبي ذرّ الغفاري

      أمعن الخليفة عثمان بن عفان في التنكيل بالمعارضين والمندّدين بسياسته غير مراع حرمة أو كرامة أحد من صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله) الذين طالتهم يداه، فصبّ عليهم جام غضبه وبالغ في ظلمهم وإرهاقهم، وكان أبوذر الغفاري ـ وهو أقدم أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) الذين سبقوا إلى الإسلام - واحداً من المندّدين بسياسة عثمان والرافضين لها، وقد نهاه عثمان عن ذلك فلم ينته، فالتاع عثمان وضاق به ذرعاً فأبعده الى الشام، وفي الشام أخذ أبوذر يوقظ الناس ويدعوهم الى الحذر من السياسة الاُمويّة التي كان ينتهجها معاوية ابن أبي سفيان والي عثمان الاُموي على الشام.

      لقد غضب معاوية على حركة أبي ذرّ وكتب الى عثمان يخبره بخطره عليه، فاستدعاه الى المدينة، لكن هذا الصحابي الجليل واصل مهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحذير من خطر الاُموية الدخيلة على الاسلام والمسلمين، فرأى عثمان أنّ خير وسيلة للتخلّص من معارضة أبي ذر هي نفيه الى جهة نائية لا سكن فيها، فأمر بإبعاده الى الربذة موعزاً الى مروان بن الحكم بأن يمنع المسلمين من مشايعته وتوديعه، ولكنّ أهل الحقّ أبوا إلاّ مخالفة عثمان، فقد انطلق لتوديعه ـ بشكل علني ـ الإمام علي(عليه السلام) والحسنان(عليهما السلام) وعقيل وعبدالله بن جعفر وعمّار بن ياسر رضي الله عنهم. وقد نقل المؤرّخون كلمات حكيمة وساخنة للمودّعين استنكروا خلالها الحكم العثماني الجائر ضدّه، وقد جاء في كلمة الإمام الحسين(عليه السلام) ما نصّه:

      يا عمّاه! إنّ الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى، إنّ الله كلّ يوم هو في شأن، وقد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينك، فما أغناك عمّا منعوك، وأحوجهم الى ما منعتهم؟ فاسأل الله الصبر، واستعذ به من الجشع والجزع، فإنّ الصبر من الدين والكرم، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقاً والجزع لا يؤخّر أجلاً[14].

      وبكى أبوذر بكاءاً مرّاً ، فألقى نظرة الوداع الأخيرة على أهل البيت(عليهم السلام) الذين أخلص لهم الودّ وأخلصوا له، وخاطبهم بقوله:
      «رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام، وكره أن اُجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فاُفسد الناس عليهما فسيّرني الى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ الله، والله ما اُريد إلاّ الله صاحباً، وما أخشى مع الله وحشة»[15].

      ..........................................
      [3] نهج البلاغة : الخطبة الشقشقية.
      [4] تاريخ الخلفاء: 57.
      [5] نافجاً حضنيه: رافعهما، والحضن: مابين الإبط والكشح.
      [6] النثيل: الروث وقذر الدواب.
      [7] المعتلف: موضع العلف.
      [8] الخضم: أكل الشي الرطب.
      [9] النبِتة ـ بكسر النون ـ : كالنبات في معناه.
      [10] انتكث عليه فتله : انتقض .
      [11] أجهز عليه: تمّم قتله .
      [12] كبت به : من كبا الجواد إذا سقط بوجهه.
      [13] البِطنة ـ بالكسر ـ : البطر والأشر والتخمة.
      [14] بحار الأنوار : 22 / 412 ، وراجع : مروج الذهب : 2 / 350 .
      [15] المصدر السابق .

      تعليق


      • #4
        الإمام الحسين (عليه السلام) في عهد الدولة العلوية

        انتهى حكم الخلفاء الثلاثة بمقتل عثمان، وانتهت بذلك خمسة وعشرون عاماً، من العناء الناشئ عن إقصاء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) عن الحياة السياسية والاجتماعية للمسلمين.

        وقد أيقن المسلمون أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) هو القائد الذي يحقّق آمالهم وأهدافهم ويعيد لهم كرامتهم، وأنّهم سينعمون في ظلال حكمه بالحرية والمساواة والعدل فأصرّوا على مبايعته بالخلافة.

        لكن وللأسف الشديد فقد جاءت قناعة الاُمّة هذه متأخرةً كثيراً، حيث اُصيبت الاُمّة بأمراض خطيرة وانحرافات كبيرة، وغابت عنها الروح التضحوية والقيم الإيمانية، وتسربلت بالأطماع والمنافع الشخصية، وانحدرت نحو التوجّهات الفئوية الضيّقة. من هنا أعلن الإمام علىّ(عليه السلام) رفضه الكامل لخلافتهم قائلاً لهم: لا حاجة لي في أمركم، فمن اخترتم رضيت[1].

        وذلك لعلمه(عليه السلام) بأنّه من الصعب جدّاً أن يعيد الى المجتمع الأحكام الإسلامية التي بدّلها الخلفاء وغيّروها باجتهاداتهم الخاطئة، فإنّه(عليه السلام) كان يعرف جيّداً أنّ المجتمع الذي نشأ على تلك الأخطاء سيقف بوجهه وسيعمل جاهداً على مناجزته والحيلولة بينه وبين تحقيق مخطّطاته السياسية الهادفة الى تحقيق العدل والقضاء على الجور.

        هذا وإنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) مع سابقته الفريدة الى الإسلام وحنكته السياسية ومؤهّلاته القيادية العظيمة لم يستطع الوقوف بوجه الانحراف الذي سرى الى جميع مفاصل المجتمع الإسلامي، ولم يتمكّن من إعادة هذا المجتمع الى طريق الحقّ والعدالة اللاّحب، إذ وقفت في وجهه فئات من المنافقين والنفعيين ومن كان يحمل في نفسه البغض والكره لله ولرسوله، وقد أكّد ذلك في خطبته الشقشقية بقوله(عليه السلام): فلمّا نهضتُ بالأمر نكثت طائفة[2]

        ومرقت[3] اُخرى وقسط آخرون[4] كأنّهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)[5] بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها[6].

        مع أبيه(عليه السلام) في إصلاح الاُمة :

        لقد بادر الإمام علىّ(عليه السلام) الى إعادة الحقّ إلى نصابه والعدل إلى سيادته، محيياً سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الاُمّة منتهجاً الطريق القويم.

        وما أسرع ما وقفت قوى الضلال ضد إصلاحات الإمام(عليه السلام) في مجال الإدارة وفي مجال توزيع الأموال وفي مجال العدل في القضاء وفي مجال مراعاة شؤون الرسالة وشؤون المسلمين!
        ولم يتردّد (عليه السلام) في التحرّك لفضح خط النفاق والقضاء على الفساد واجتثاث جذوره لتسلم الرسالة والاُمّة منه، وقام هو وأهل بيته(عليهم السلام) يخوضون غمار الحروب دفاعاً عن إلاسلام مقتدين برسول الله(صلى الله عليه وآله) .

        وشارك الإمام الحسين(عليه السلام) في جميع الحروب التي شنّها المنافقون ضدّ الإمام علي(عليه السلام).
        وكان يبرز إلى ساحة القتال بنفسه المقدّسة كلّما اقتضى الأمر وسمح له والده(عليه السلام) وقد سجّل المؤرّخون خطاباً للإمام الحسين(عليه السلام) وجّهه لأهل الكوفة لدى تحركهم الى صفّين، جاء فيه بعد حمد الله تعالى والثناء عليه: يا أهل الكوفة! أنتم الأحبّة الكرماء والشعار دون الدثار، جدّوا في إطفاء ما وتر بينكم وتسهيل ما توعّر عليكم، ألا إنّ الحرب شرّها وريع وطعمهافظيع، فمن أخذ لها اُهبتها واستعدّ لها عُدّتها، ولم يألم كُلومها قبل حلولها فذاك صاحبها، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قَمِن أن لاينفع قومَه وإن يهلك نفسه، نسأل الله بقوّته أن يدعمكم بالفيئة[7].

        حرص الإمام علىّ(عليه السلام) على سلامة الحسنين(عليهما السلام) :

        قاتل الإمام الحسين(عليه السلام) في معركة صفّين كما قاتل في معركة الجمل، مع أنّ بعض الروايات أفادت بأنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يمنع الحسنين (عليهما السلام) من النزول الى ساحة القتال خشية أن ينقطع نسل رسول الله(صلى الله عليه وآله); إذ كان(عليه السلام) يقول:

        إملكوا عنّي هذا الغلام لا يَهُدَّني، فإنّني أنفسُ بهذين ـ يعني الحسن والحسين (عليهما السلام) ـ على الموت لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)[8].

        وجاء في نصوص اُخرى أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)

        كان يبعث ابنه محمّد ابن الحنفية الى ساحات القتال مرّات عديدة دون أن يسمح للحسنين(عليهما السلام) بذلك، وقد سئل ابن الحنفية عن سرّ ذلك فأجاب: «إنّهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينه بيمينه»[9]. ويعكس هذا الجواب مدى ما كان يحظى به الحسنان عند الإمام علي(عليه السلام) .


        وتفيد الأخبار بأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) ظلّ مع أبيه بعد صفّين أيضاً في جميع الأحداث مثل قضية التحكيم ومعركة النهروان.

        ومعلوم أنّ الأحداث التي عايشها الإمام الحسين مع أبيه(عليهما السلام) كانت مأساوية ومرّة جدّاً، وقد بلغت المأساة ذروتها عندما تآمر الخوارج على قتل أسمى نموذج للإنسان الكامل ـ بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ أي عندما ضرب المجرم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي إمامه أمير المؤمنين(عليه السلام) على رأسه بالسيف وهو في محراب العبادة.

        ________________________________________
        [1] بحار الأنوار: 32/7.
        [2] نكثت طائفة: نقضت عهدها، وأراد (عليه السلام)بتلك الطائفة الناكثة أصحاب الجمل .
        [3] مرقت : خرجت، وأراد (عليه السلام) بتلك الطائفة المارقة الخوارج أصحاب النهروان .
        [4] قسط : جار، وأراد(عليه السلام)بالجائرين أصحاب صفّين .
        [5] القصص (28) : 83 .
        [6] نهج البلاغة : الخطبة الشقشقية.
        [7] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد : 1 / 284 .
        [8] نهج البلاغة : من كلام له (عليه السلام) في بعض أيام صفّين، وقد رأى ابنه الحسن يتسرّع الى الحرب. باب خطب أمير المؤمنين : 207 .
        [9] شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد : 1 / 118 .

        تعليق


        • #5
          السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
          عظم الله لكم الاجر وجزيتم خيــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا
          حسين منجل العكيلي

          تعليق


          • #6
            سلام من السلام عليك موفقة بحق آل محمد
            sigpic
            إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
            ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
            ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
            لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

            تعليق


            • #7
              بارك الله بجهودكم احسنتم

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة ابوعلاء العكيلي مشاهدة المشاركة
                السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                عظم الله لكم الاجر وجزيتم خيــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا

                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة من نسل عبيدك احسبني ياحسين مشاهدة المشاركة
                  سلام من السلام عليك موفقة بحق آل محمد

                  تعليق


                  • #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة نداء الكفيل مشاهدة المشاركة
                    بارك الله بجهودكم احسنتم

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X