بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في زيارة الناحية المنسوبة للإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف : "السلام عليك يا جدّاه، لأن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة ناصباً، لأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً".
تعتبر مسألة الإيمان بفكرة وجود الإمام المهدي المنقذ والمخلّص، وقضية خروجه في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً من مسلمات وبديهيات الفكر الشيعي.
وأما تفاصيل هذه القضية من حيث معرفة معيشته، ومكان وجوده، وسيرته في غيبته بنحو عام، فهذه قضايا يجب البحث والتنقيب والتدقيق فيها على ضوء ما ورد عندنا من روايات عن النبي (ص) وأهل بيته ترشدنا إلى ذلك كله. وهذه الفقرة من الزيارة المنسوبة للإمام الحجة نفسه وعن لسانه تكشف لنا بعضاً من المسائل التي لا يمكن أن تكون مورداً للبحث العقلي بقدر ما هي مسألة تحتاج إلى دراسة الروايات المتعلقة بتفاصيل حياة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .
والإمام يشير في كلماته إلى بعض ما يختلج في فكره، وما يعتصره من ألم في أثناء غيبته عن شيعته ومحبيه ومريديه حول ما جرى في كربلاء على الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته، حيث أنه أخذ الوعد الإلهي بأن يكون الثأر لجده الحسين عليه السلام على يديه. ومن هنا فإن الروايات تشير إلى الارتباط بين الثأر للحسين عليه السلام وخروج الإمام المهدي عليه السلام وغيرها من التفاصيل التي نشير إليها على ضوء النقاط التالية:
* وقت ظهور الحجة عليه السلام :
فعن أبي بصير عن الباقر عليه السلام أنه قال: يخرج القائم يوم السبت، يوم عاشوراء، اليوم الذي قُتل فيه الإمام الحسين عليه السلام . وكذلك جاء في بعض الروايات بأن الإمام المهدي عليه السلام يترقب وقت الإذن له بالخروج بأمر اللّه من خلال الإيحاء له ببعض العلامات التي منها كما في مضمون بعض الروايات: «إن قميص الحسين عليه السلام معلّق في الدار التي يسكنها الإمام الحجة، وهذا سيقطر دماً في يوم من الأيام، وهو يوم الإذن بخروجه. ومما جاء في بعض الروايات أن الملائكة ضجت أثناء حادثة قتل الحسين عليه السلام وطلبت الإذن بالخروج لنصرته. فكان الجواب الأمر بالانتظار إلى حين خروج قائم آل محمد، لذا فإن الملائكة تبقى على قبر الحسين إلى يوم قيامة القائم وهي تنوح عليه. وهذا النوح والانتظار ينتهي بظهور القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف .
* كيفية ظهور الإمام الحجة:
تشير بعض الروايات إلى أن شعارات الإمام الحجة عند خروجه تكون: يا لثارات الحسين. وكذلك شعارات أصحاب الحجّة: يا لثارات الحسين. وفي بعض الروايات أنه عند ظهوره الشريف والمبارك يخرج معه ثلاثة عشر ألفاً وثلاثمئة وثلاثة عشر ملكاً ممّن يتواجدون الآن في الأرض.
وعندما يُسأل أحد الأئمة المعصومين عليه السلام : هل أن هؤلاء موجودون في الوقت الحالي على الأرض؟ فيجيبهم: نعم... إنّ ثلة من هؤلاء ممّن صحت نوحاً عليه السلام في سفينته، وثلة أخرى كانت مع إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار، وثلة كانت قد صحبت موسى عليه السلام عندما دخل الوادي المقدس، وثلة كان مع عيسى عليه السلام حين رفع، وثلة شهدوا مع رسول اللّه (ص) بدراً...
والحاصل أنه(عليه السلام) يخرج معه صفوة الخلق الذين جاهدوا مع الأنبياء منذ آدم إلى زمن النبي محمد (ص)، وذلك تأييداً له من اللّه لأجل الثأر للإمام الحسين عليه السلام والدليل على ذلك ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: لما كان من أمر الحسين بن علي عليه السلام ما كان ضجّت الملائكة إلى اللّه تعالى وقالت: يا رب يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك؟ قال: فأقام اللّه لهم ظل القائم عليه السلام وقال: بهذا أنتقم من ظالميه.
* سبب كثرة القتل وقت الظهور:
من الأسئلة التي تطرح في الأذهان أن وقت الظهور المرتقب للإمام الحجة عليه السلام يترافق مع الحديث عن كثرة القتل واستعمل السيف وإراقة الدماء وما شاكل ذلك. والجواب عن ذلك أن هذا الأمر طبيعي عندما نفهم أن زمان الخروج يكون مصاحباً لكثرة الظلم الذي يملأ الأرض، ولا يمكن اجتثاث الظلم وإحقاق الحق إلا من خلال إبادة الظالمين ومحاربتهم وقتالهم حيث أنهم لا يفهمون إلا بلغة القوة.
ومن هؤلاء الظلمة الذين يقاتلهم الإمام المهدي عليه السلام قتلة الحسين وذراريهم الراضين بفعال آبائهم، والذين يفتخرون بفعالهم وما أحدثوه من قتل وسفك للدماء في كربلاء والراضي بشيء كمن فعله.
وفي هذا المجال ورد عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: "ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" قال الإمام: هو الحسين بن علي عليه السلام قتل مظلوماً ونحن أولياؤه، والقائم ما إذا قام طلب بثأر الحسين عليه السلام فيقتل حتى يقال قد أسرف في القتل. إذاً من خلال هذه الإطلالة السريعة على بعض المرويات المتعلقة بوقت الظهور وكيفيته نلاحظ مدى الارتباط الوثيق بين كربلاء الإمام الحسين عليه السلام والطلب بالثأر له من قبل حفيده الإمام المهدي عليه السلام ، ذلك أن نهضة كربلاء كانت من أجل الإصلاح ومحاربة كل أشكال الظلم وعوامل التحريف التي أصابت الإسلام، وكذلك هي نهضة المهدي.
فكربلاء الحسين هي بعينها ثورة المهدي في آخر الزمان، فليس غريباً أن تكون دوافع الظهور وزمانه لها صلة وارتباط بواقعة كربلاء.
تعليق