تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عليكم يامن :
ذِكْرُكُمْ في الذَّاكِرِينَ ، وَأَسْمَاؤُكُمْ في الأَسْمَاءِ ، وَأَجْسَادُكُمْ في الأَجْسَادِ ، وَأَرْوَاحُكُمْ في الأَرْواحِ ، وَأَنْفُسُكُمْ في النُّفُوسِ ، وَآثَارُكُمْ في الآثَارِ ، وَقُبُورِكُمْ في القُبُورِ .
وبعد :
فهذا مقال في موضوع عالم العقول عند الفلاسفة اوعالم الانوار عند المحدثين ولكل ممثل في المقال فالطباطبائي يمثل الخط الاول والمجلسي يمثل الثاني ، ومن هنا سنعرض للنظرية الفلسفية المتمثلة بوجود عالم وراء عالم المثال الكائن وراء عالمنا المعبر عنه في الادبيات الفلسفية بعالم العقول ، وقد اثبتوا له احكاما وخصائص على راسها التجرد ، ثم يُعرج المقال على نقد العلامة المجلسي لهذا الاعتقاد ليجعل خصائصه ما ذكروه من خصائص لاهل البيت عليهم السلام الامر الذي دعى العلامة الطباطبائي يحكم بتناقض المجلسي ، وبعد التامل في النقد الموجه للمجلسي والتدقيق في عبائره نجده بريئا من التناقض ، كما ستلاحظ ذلك ، فلنشرع في المقصود مستعينين بالله العظيم فنقول :
العقل لغة : هو العلم و " العَقْلُ التَّثَبُّت في الأُمور والعَقْلُ القَلْبُ والقَلْبُ العَقْلُ وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه " / لسان العرب .
ـ اصطلاحا : قد استخدم كاصطلاح في عدة فنون كالمنطق والاصول والفقه والكلام والفلسفة وغيرها والمهم هو تحديد ماهية العقل واصطلاحاته .
( معان واصطلاحات للعقل )
1ـ ماهو ملاك التكليف المقابل للجنون ، وهو قوة ادراك وتمييز الخير والشر ، وهو قوة نظرية وظيفتها الادراك .
2ـ قوة عملية وملكة نفسانية ومصدر للعمل بالخير وترك الشر وبها تشتد تقوى النفس وتقوى على الطاعات والعكس بالعكس ، وهي غير الاولى والدليل انك قد تدرك شرية فعل مع اتيانك به ، وعلى اساس هذه الملكة وهذا العقل تتفاوت الناس في درجات الكمال والنقص ويختلف ايضا في موارد استعماله ومتعلقاته فهو عقل معاش في حال استعماله في المعاش الذي يرتضيه الشرع ونكراء وشيطنة لو استعمل في الحيل والمكائد كما كان معاوية مثلا .
3ـ النفس الناطقة بما لها من مراتب ، وهي الجوهر المجرد في ذاته دون فعله ، ولها اعتباران :
الاول : تعلقها بالبدن فتسمى نفسا .
الثاني : باعتبار تجردها عقلا .
ـ وذكر الفلاسفة لها مراتب ، قال العلامة في بداية الحكمة ص 145 :
ذكروا أن مراتب العقل أربع :
ـ إحداها كونه بالقوة بالنسبة إلى جميع المعقولات ويسمى عقل هيولانيا لشباهته في خلوه عن المعقولات الهيولى في كونها بالقوة بالنسبة إلى جميع الصور
ـ وثانيتها العقل بالملكة وهي المرتبة التي تعقل فيها الأمور البديهية من التصورات والتصديقات فإن تعلق العلم بالبديهيات أقدم من تعلقه بالنظريات.
ـ وثالثتها العقل بالفعل وهو تعلقه النظريات بتوسيط البديهيات وإن كانت مرتبة بعضه على بعض.
ـ ورابعتها عقله لجيمع ما استفاده من المعقولات البديهية والنظرية المطابقة لحقائق العالم العلوى والسفلى باستحضاره الجميع والتفاته إليها بالفعل فيكون عالما علمي مضاهيا للعالم العيني ويسمى العقل المستفاد. اهـ
وهذه الاخيرة هي : علم اليقين لا تكون معها المعلومات النظرية بحاجة لنظر وكسب جديد ، وبعدها عين اليقين ثم آخرها واعلاها حق اليقين .
4ـ العقل في الفلسفي ( = عالم العقل ) وهو الجوهر المجرد عن المادة ذاتا وفعلا ، وهو عشرة عن المشائين الاول منها " الصادر الاول " واول ما خلق الله و العاشر منها " العقل الفعال " نسبته للنفس كنسبة النفس للبدن ، وله عدة خصائص : منها قدمه الزماني : ومنها تجرده وكونه واسطة في افاضة الوجود والتوسط ايضا في افاضة العلوم والمعارف وكونه شرط في التاثير .
( عرض الاتجاهات في وجود العقول المجردة )
هل هذا العقل بخصائصه موجود ؟
هنا مواقف :
الاول : للفلاسفة فقالوا بوجوده واثبتوا له تلكم الخصائص فالعالم عندهم :
أـ عيني : وهو ثلاثة : عالم المادة والاجسام والجسمانيات وهو عالمنا " الملك " ثم عالم المثال وهو عالم مجردات عن المادة دون آثارها ثم عالم العقول وفيه المجردات ذاتا وفعلا .
ب ـ علمي : وبازاء كل من تلك العوالم العينية عالم علمي يضاهيه فالحسي يدرك عالم المادة والخيالي مقابل المثال والعقل يدرك الكليات وعالم المجردات .
والحاصل : انهم قالوا بوجود مجرد تام التجرد ذاتا وفعلا غير الله سبحانه وهو قديم زمانا و ان الانسان يمكن ان يتصل به ويكون عالما علميا مضاهيا للعالم العيني .
نعم رفع بعضهم يده عن القدم واثبت عقولا حادثة .
الثاني : ذهب المتكلمون ان وجوده بما له من خصائص يستلزم انكار ضروريات دينية كتجرده وقدمه الزماني حيث لا مجرد ولا قديم زماني الا الله سبحانه .
ـ وكمثال على ذلك كلام العلامة المجلسي في البحار 1/ 101 / فبعد ان عرض قول الفلاسفة في العقل وعالمه منطلقا من رؤية كلامية في الموضوع قائلا :
" القول به كما ذكروه مستلزم لإنكار كثير من ضروريات الدين من حدوث العالم وغيره مما لا يسع المقام ذكره وبعض المنتحلين منهم للإسلام أثبتوا عقولا حادثة وهي أيضا على ما أثبتوها مستلزمة لإنكار كثير من الأصول المقررة الإسلامية مع أنه لا يظهر من الأخبار وجود مجرد سوى الله تعالى .............. الى ان يقول : ولما سلكوا سبيل الرياضات والتفكرات مستبدين بآراءهم على غير قانون الشريعة المقدسة ظهرت عليهم حقيقة هذا الأمر ملبسا مشتبها فأخطئوا في ذلك وأثبتوا عقولا وتكلموا في ذلك فضولا ...."
ـ وينبري لكلام المجلسي هذا السيد الطباطبائي في واحدة من ابرز التقاطعات بين المسلكين ففي حاشية له على البحار يعلق على هذا المقطع سيما عبارته الاخيرة " وتكلموا في ذلك فضولا .." بقوله :
" بل لانهم تحققوا اولا : ان الظواهر الدينية تتوقف في حجيتها على البرهان الذي يقيمه العقل .......وثانيا : ان الظواهر الدينية متوقفة على ظهور اللفظ وهو دليل ظني والظن لا يقاوم العلم الحاصل بالبرهان لو قام على شيء .....الخ "
الثالث : في خضم هذا المعترك يظهر لنا توجه آخر يتبلور في اتخاذ الموقف التوفيقي او التلفيقي فيقدم خصائص مقاربة لتلك استنبطوها مما ورد في ارواح اهل البيت في عالم الانوار او يجعلهم المصداق لتأصيلات الفلاسفة للعقل وعالمه ، المهم انهم لاحظوا خصائص واحكام عالم العقول في الفلسفة وقرأوا ما ورد في الاحاديث في وجود النبي واهل بيته "ع" النوري قبل ان يتلبسوا بابدانهم فوجدوا بينها تقاربا الى حد ما ، واصحاب هذا الموقف منهم من يعرض بشكل يظهر منه الجزم وآخرون يجعلوه في حيز الامكان .
وسنسلط الضوء على ثلاث خصائص من هذه المقاربة :
1ـ ( القدم الزماني والوجود النوري لاهل البيت )
ـ فلاهل البيت وجود نوري لارواحهم ونفوسهم الشريفة متقدم في الخلق على المخلوقات " خلقكم الله انوارا فجعلكم بعرشه محدقين " والنصوص في ذلك وفيرة وستاتي في مظانها .
وهذا بديل لـلعقل وعالمه المجرد القديم زمانا فلسفيا .
وممن جزم بذلك صدرا في شرحه قائلا : " اعلموا ... ان هذا العقل اول المخلوقات واقرب المجعولات وثاني الموجودات في الموجودية وان كان الاول تعالى لاثاني له في حقيقته ........ومن امعن النظر في هذا المقام وجد كل ما وصف به العقل الاول وحكي عنه كان من خواص روحه صلى الله عليه واله .."
2ـ ( اهل البيت و الواسطة الفيض )
ثمة جدل واسع بين الاعلام في موقع اهل البيت من هذا العالم فهل اهل البيت صلوات الله عليهم :
1ـ علة فاعلية باذن الله : ويستشهد له بـ"نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائع لنا " ؟
2ـ اومادية : فقد جاء في الجامعة الكبيرة : " ذِكْرُكُمْ في الذَّاكِرِينَ ، وَأَسْمَاؤُكُمْ في الأَسْمَاءِ ، وَأَجْسَادُكُمْ في الأَجْسَادِ ، وَأَرْوَاحُكُمْ في الأَرْواحِ ، وَأَنْفُسُكُمْ في النُّفُوسِ ، وَآثَارُكُمْ في الآثَارِ " ؟
3ـ اوغائية : " لولاك ما خلقت الافلاك ..." ؟
ولكل قائل .
والمهم هنا ان نبين ان هذا المضمون في حقهم "ع" ذكر كبديل لما جعله الفلاسفة للعقول من واساطة الفيض او شرطية التاثير .
3ـ اهل البيت واسطة في افاضة العلوم مقابل الاتصال بالعقل العاشر"الفعال " .
ـ ذكر الفلاسفة ان اعلى درجات ومراحل العلم الاتصال بالعقل العاشر، بمعنى إن نسبة العقل العاشر الذي يسمونه بالعقل الفعال إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن فكما أن النفس صورة للبدن والبدن مادتها فكذلك العقل صورة للنفس والنفس مادته وهو مشرق عليها وعلومها مقتبسة منه ويكمل هذا الارتباط إلى حد تطالع العلوم فيه وتتصل به وهو ما عبروا عنه بالعقل المستفاد الذي تاتي بعد العقل الهيولاني وبالملكة وبالفعل كما مر .
وقد اثبت اصحاب المسلك الثالث هذا المعطى لاهل البيت تبعا لما استفادوه من النصوص الشريفة من انهم عليهم السلام واسطة لافاضة العلوم والمعارف حتى على الانبياء والملائكة على حد تعبير المجلسي كما سياتي بعيد هذا .
ومن ابرز من رفض رؤية الفلاسفة في العقل وخصائصه وسحب ذلك كله لاهل البيت "ع" اعتمادا على ما استفاده من الاخبار العلامة المجلسي في البحار 1 / 103 حيث قال بعدما نقد مقولة الفلاسفة :
" ..فاعلم أن أكثر ما أثبتوه لهذه العقول قد ثبت لأرواح النبي والأئمة ع في أخبارنا المتواترة على وجه آخر فإنهم أثبتوا القدم للعقل وقد ثبت التقدم في الخلق لأرواحهم إما على جميع المخلوقات أو على سائر الروحانيين في أخبار متواترة وأيضا أثبتوا لها التوسط في الإيجاد أو الاشتراط في التأثير وقد ثبت في الأخبار كونهم ع علة غائية لجميع المخلوقات وأنه لولاهم لما خلق الله الأفلاك وغيرها وأثبتوا لها كونها وسائط في إفاضة العلوم والمعارف على النفوس والأرواح وقد ثبت في الأخبار أن جميع العلوم والحقائق والمعارف بتوسطهم تفيض على سائر الخلق حتى الملائكة والأنبياء.اهـ
وبناءً على هذا يرى السيد الطباطبائي في حاشيته على البحار 1/104 : ان المجلسي وقع في تناقض ، فمن جهة عرّض بمقولة الفلاسفة في وجود المجردات بل اعتبرها مخالفة لما علم من الدين بالضرورة لكنه من جهة اخرى اثبت التجرد وخصائصه لنور النبي واهل بيته "ص " ، فلو كان وجود المجرد مستحيلا لم يتغير هذا الحكم بتبديله باسم " النور والطينة " وما اشبه .
ويمكن ان يقال هنا ـ تحقيقا لا تبريرا ـ بعدم وقوع التناقض سيما بعد الالفتات لعبارة المجسلي : " فعلى قياس ما قالوا يمكن ان يكون المراد بالعقل نور النبي ص ..." فتامل ، على انه لم يثبت وجود مجرد ولا شيئا من نفس خواصه نعم اثبت ما يقاربها ويشابهها ولو من بعض الوجوه فاين القدم من التقدم في الخلق ؟! فلاحظ قوله : " .. ثبت لارواح النبي والائمة "ع" على وجه آخر .." .
والحمد لله رب العالمين
الحسيني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عليكم يامن :
ذِكْرُكُمْ في الذَّاكِرِينَ ، وَأَسْمَاؤُكُمْ في الأَسْمَاءِ ، وَأَجْسَادُكُمْ في الأَجْسَادِ ، وَأَرْوَاحُكُمْ في الأَرْواحِ ، وَأَنْفُسُكُمْ في النُّفُوسِ ، وَآثَارُكُمْ في الآثَارِ ، وَقُبُورِكُمْ في القُبُورِ .
وبعد :
فهذا مقال في موضوع عالم العقول عند الفلاسفة اوعالم الانوار عند المحدثين ولكل ممثل في المقال فالطباطبائي يمثل الخط الاول والمجلسي يمثل الثاني ، ومن هنا سنعرض للنظرية الفلسفية المتمثلة بوجود عالم وراء عالم المثال الكائن وراء عالمنا المعبر عنه في الادبيات الفلسفية بعالم العقول ، وقد اثبتوا له احكاما وخصائص على راسها التجرد ، ثم يُعرج المقال على نقد العلامة المجلسي لهذا الاعتقاد ليجعل خصائصه ما ذكروه من خصائص لاهل البيت عليهم السلام الامر الذي دعى العلامة الطباطبائي يحكم بتناقض المجلسي ، وبعد التامل في النقد الموجه للمجلسي والتدقيق في عبائره نجده بريئا من التناقض ، كما ستلاحظ ذلك ، فلنشرع في المقصود مستعينين بالله العظيم فنقول :
العقل لغة : هو العلم و " العَقْلُ التَّثَبُّت في الأُمور والعَقْلُ القَلْبُ والقَلْبُ العَقْلُ وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه " / لسان العرب .
ـ اصطلاحا : قد استخدم كاصطلاح في عدة فنون كالمنطق والاصول والفقه والكلام والفلسفة وغيرها والمهم هو تحديد ماهية العقل واصطلاحاته .
( معان واصطلاحات للعقل )
1ـ ماهو ملاك التكليف المقابل للجنون ، وهو قوة ادراك وتمييز الخير والشر ، وهو قوة نظرية وظيفتها الادراك .
2ـ قوة عملية وملكة نفسانية ومصدر للعمل بالخير وترك الشر وبها تشتد تقوى النفس وتقوى على الطاعات والعكس بالعكس ، وهي غير الاولى والدليل انك قد تدرك شرية فعل مع اتيانك به ، وعلى اساس هذه الملكة وهذا العقل تتفاوت الناس في درجات الكمال والنقص ويختلف ايضا في موارد استعماله ومتعلقاته فهو عقل معاش في حال استعماله في المعاش الذي يرتضيه الشرع ونكراء وشيطنة لو استعمل في الحيل والمكائد كما كان معاوية مثلا .
3ـ النفس الناطقة بما لها من مراتب ، وهي الجوهر المجرد في ذاته دون فعله ، ولها اعتباران :
الاول : تعلقها بالبدن فتسمى نفسا .
الثاني : باعتبار تجردها عقلا .
ـ وذكر الفلاسفة لها مراتب ، قال العلامة في بداية الحكمة ص 145 :
ذكروا أن مراتب العقل أربع :
ـ إحداها كونه بالقوة بالنسبة إلى جميع المعقولات ويسمى عقل هيولانيا لشباهته في خلوه عن المعقولات الهيولى في كونها بالقوة بالنسبة إلى جميع الصور
ـ وثانيتها العقل بالملكة وهي المرتبة التي تعقل فيها الأمور البديهية من التصورات والتصديقات فإن تعلق العلم بالبديهيات أقدم من تعلقه بالنظريات.
ـ وثالثتها العقل بالفعل وهو تعلقه النظريات بتوسيط البديهيات وإن كانت مرتبة بعضه على بعض.
ـ ورابعتها عقله لجيمع ما استفاده من المعقولات البديهية والنظرية المطابقة لحقائق العالم العلوى والسفلى باستحضاره الجميع والتفاته إليها بالفعل فيكون عالما علمي مضاهيا للعالم العيني ويسمى العقل المستفاد. اهـ
وهذه الاخيرة هي : علم اليقين لا تكون معها المعلومات النظرية بحاجة لنظر وكسب جديد ، وبعدها عين اليقين ثم آخرها واعلاها حق اليقين .
4ـ العقل في الفلسفي ( = عالم العقل ) وهو الجوهر المجرد عن المادة ذاتا وفعلا ، وهو عشرة عن المشائين الاول منها " الصادر الاول " واول ما خلق الله و العاشر منها " العقل الفعال " نسبته للنفس كنسبة النفس للبدن ، وله عدة خصائص : منها قدمه الزماني : ومنها تجرده وكونه واسطة في افاضة الوجود والتوسط ايضا في افاضة العلوم والمعارف وكونه شرط في التاثير .
( عرض الاتجاهات في وجود العقول المجردة )
هل هذا العقل بخصائصه موجود ؟
هنا مواقف :
الاول : للفلاسفة فقالوا بوجوده واثبتوا له تلكم الخصائص فالعالم عندهم :
أـ عيني : وهو ثلاثة : عالم المادة والاجسام والجسمانيات وهو عالمنا " الملك " ثم عالم المثال وهو عالم مجردات عن المادة دون آثارها ثم عالم العقول وفيه المجردات ذاتا وفعلا .
ب ـ علمي : وبازاء كل من تلك العوالم العينية عالم علمي يضاهيه فالحسي يدرك عالم المادة والخيالي مقابل المثال والعقل يدرك الكليات وعالم المجردات .
والحاصل : انهم قالوا بوجود مجرد تام التجرد ذاتا وفعلا غير الله سبحانه وهو قديم زمانا و ان الانسان يمكن ان يتصل به ويكون عالما علميا مضاهيا للعالم العيني .
نعم رفع بعضهم يده عن القدم واثبت عقولا حادثة .
الثاني : ذهب المتكلمون ان وجوده بما له من خصائص يستلزم انكار ضروريات دينية كتجرده وقدمه الزماني حيث لا مجرد ولا قديم زماني الا الله سبحانه .
ـ وكمثال على ذلك كلام العلامة المجلسي في البحار 1/ 101 / فبعد ان عرض قول الفلاسفة في العقل وعالمه منطلقا من رؤية كلامية في الموضوع قائلا :
" القول به كما ذكروه مستلزم لإنكار كثير من ضروريات الدين من حدوث العالم وغيره مما لا يسع المقام ذكره وبعض المنتحلين منهم للإسلام أثبتوا عقولا حادثة وهي أيضا على ما أثبتوها مستلزمة لإنكار كثير من الأصول المقررة الإسلامية مع أنه لا يظهر من الأخبار وجود مجرد سوى الله تعالى .............. الى ان يقول : ولما سلكوا سبيل الرياضات والتفكرات مستبدين بآراءهم على غير قانون الشريعة المقدسة ظهرت عليهم حقيقة هذا الأمر ملبسا مشتبها فأخطئوا في ذلك وأثبتوا عقولا وتكلموا في ذلك فضولا ...."
ـ وينبري لكلام المجلسي هذا السيد الطباطبائي في واحدة من ابرز التقاطعات بين المسلكين ففي حاشية له على البحار يعلق على هذا المقطع سيما عبارته الاخيرة " وتكلموا في ذلك فضولا .." بقوله :
" بل لانهم تحققوا اولا : ان الظواهر الدينية تتوقف في حجيتها على البرهان الذي يقيمه العقل .......وثانيا : ان الظواهر الدينية متوقفة على ظهور اللفظ وهو دليل ظني والظن لا يقاوم العلم الحاصل بالبرهان لو قام على شيء .....الخ "
الثالث : في خضم هذا المعترك يظهر لنا توجه آخر يتبلور في اتخاذ الموقف التوفيقي او التلفيقي فيقدم خصائص مقاربة لتلك استنبطوها مما ورد في ارواح اهل البيت في عالم الانوار او يجعلهم المصداق لتأصيلات الفلاسفة للعقل وعالمه ، المهم انهم لاحظوا خصائص واحكام عالم العقول في الفلسفة وقرأوا ما ورد في الاحاديث في وجود النبي واهل بيته "ع" النوري قبل ان يتلبسوا بابدانهم فوجدوا بينها تقاربا الى حد ما ، واصحاب هذا الموقف منهم من يعرض بشكل يظهر منه الجزم وآخرون يجعلوه في حيز الامكان .
وسنسلط الضوء على ثلاث خصائص من هذه المقاربة :
1ـ ( القدم الزماني والوجود النوري لاهل البيت )
ـ فلاهل البيت وجود نوري لارواحهم ونفوسهم الشريفة متقدم في الخلق على المخلوقات " خلقكم الله انوارا فجعلكم بعرشه محدقين " والنصوص في ذلك وفيرة وستاتي في مظانها .
وهذا بديل لـلعقل وعالمه المجرد القديم زمانا فلسفيا .
وممن جزم بذلك صدرا في شرحه قائلا : " اعلموا ... ان هذا العقل اول المخلوقات واقرب المجعولات وثاني الموجودات في الموجودية وان كان الاول تعالى لاثاني له في حقيقته ........ومن امعن النظر في هذا المقام وجد كل ما وصف به العقل الاول وحكي عنه كان من خواص روحه صلى الله عليه واله .."
2ـ ( اهل البيت و الواسطة الفيض )
ثمة جدل واسع بين الاعلام في موقع اهل البيت من هذا العالم فهل اهل البيت صلوات الله عليهم :
1ـ علة فاعلية باذن الله : ويستشهد له بـ"نحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائع لنا " ؟
2ـ اومادية : فقد جاء في الجامعة الكبيرة : " ذِكْرُكُمْ في الذَّاكِرِينَ ، وَأَسْمَاؤُكُمْ في الأَسْمَاءِ ، وَأَجْسَادُكُمْ في الأَجْسَادِ ، وَأَرْوَاحُكُمْ في الأَرْواحِ ، وَأَنْفُسُكُمْ في النُّفُوسِ ، وَآثَارُكُمْ في الآثَارِ " ؟
3ـ اوغائية : " لولاك ما خلقت الافلاك ..." ؟
ولكل قائل .
والمهم هنا ان نبين ان هذا المضمون في حقهم "ع" ذكر كبديل لما جعله الفلاسفة للعقول من واساطة الفيض او شرطية التاثير .
3ـ اهل البيت واسطة في افاضة العلوم مقابل الاتصال بالعقل العاشر"الفعال " .
ـ ذكر الفلاسفة ان اعلى درجات ومراحل العلم الاتصال بالعقل العاشر، بمعنى إن نسبة العقل العاشر الذي يسمونه بالعقل الفعال إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن فكما أن النفس صورة للبدن والبدن مادتها فكذلك العقل صورة للنفس والنفس مادته وهو مشرق عليها وعلومها مقتبسة منه ويكمل هذا الارتباط إلى حد تطالع العلوم فيه وتتصل به وهو ما عبروا عنه بالعقل المستفاد الذي تاتي بعد العقل الهيولاني وبالملكة وبالفعل كما مر .
وقد اثبت اصحاب المسلك الثالث هذا المعطى لاهل البيت تبعا لما استفادوه من النصوص الشريفة من انهم عليهم السلام واسطة لافاضة العلوم والمعارف حتى على الانبياء والملائكة على حد تعبير المجلسي كما سياتي بعيد هذا .
ومن ابرز من رفض رؤية الفلاسفة في العقل وخصائصه وسحب ذلك كله لاهل البيت "ع" اعتمادا على ما استفاده من الاخبار العلامة المجلسي في البحار 1 / 103 حيث قال بعدما نقد مقولة الفلاسفة :
" ..فاعلم أن أكثر ما أثبتوه لهذه العقول قد ثبت لأرواح النبي والأئمة ع في أخبارنا المتواترة على وجه آخر فإنهم أثبتوا القدم للعقل وقد ثبت التقدم في الخلق لأرواحهم إما على جميع المخلوقات أو على سائر الروحانيين في أخبار متواترة وأيضا أثبتوا لها التوسط في الإيجاد أو الاشتراط في التأثير وقد ثبت في الأخبار كونهم ع علة غائية لجميع المخلوقات وأنه لولاهم لما خلق الله الأفلاك وغيرها وأثبتوا لها كونها وسائط في إفاضة العلوم والمعارف على النفوس والأرواح وقد ثبت في الأخبار أن جميع العلوم والحقائق والمعارف بتوسطهم تفيض على سائر الخلق حتى الملائكة والأنبياء.اهـ
وبناءً على هذا يرى السيد الطباطبائي في حاشيته على البحار 1/104 : ان المجلسي وقع في تناقض ، فمن جهة عرّض بمقولة الفلاسفة في وجود المجردات بل اعتبرها مخالفة لما علم من الدين بالضرورة لكنه من جهة اخرى اثبت التجرد وخصائصه لنور النبي واهل بيته "ص " ، فلو كان وجود المجرد مستحيلا لم يتغير هذا الحكم بتبديله باسم " النور والطينة " وما اشبه .
ويمكن ان يقال هنا ـ تحقيقا لا تبريرا ـ بعدم وقوع التناقض سيما بعد الالفتات لعبارة المجسلي : " فعلى قياس ما قالوا يمكن ان يكون المراد بالعقل نور النبي ص ..." فتامل ، على انه لم يثبت وجود مجرد ولا شيئا من نفس خواصه نعم اثبت ما يقاربها ويشابهها ولو من بعض الوجوه فاين القدم من التقدم في الخلق ؟! فلاحظ قوله : " .. ثبت لارواح النبي والائمة "ع" على وجه آخر .." .
والحمد لله رب العالمين
الحسيني
تعليق