توظيفاليومي في اساليب القصة القصيرة .. (يوميات منتفض) للقاص احمد طابور نموذجاً .. د عليحسين يوسف
تعدالقصة القصيرة تطورا اقتضته ظروف العصر الراهن لأكثر من جنس ادبي قديم , الا ان علاقتهابالحكاية الشعبية القديمة تجعل منها وريثا شرعيا لكنه متمرد على اسطوريات الحكاية الشعبيةوخرافيتها ، لا سيما بعد ان اتجه كتاب القصيرة للانشغال بالحدث اليومي ، والتفاصيلالصغيرة ، ومعاشرة العادي والمألوف من تلك التفاصيل ، لذلك فان مؤرخي الادب يرتدونبهذا الجنس الى الثلاثي المعروف : ادغار الن بو ، وموباسان ، وتشيخوف ، اذ ان هؤلاءالثلاثة طرقوا قبل غيرهم ابواب هذا النوع من السرد ، فضلا على ان ادغار الن بو قد حددنظريا الاصول العامة لفن القصة القصيرة ، فيما انهمك تشيخوف في الخوض بتفاصيل حياةالبسطاء من الناس مبرزا ما في تلك الحياة من بؤس وشقاء .
ولايمكن بحال من الاحوال ــ الى وقتنا الحاضر ــ تعريف القصة او وصف ملامحها الفنية بمعزلعن ذكر اهتمامها وتركيزها بالحدث اليومي ويظهر ذلك واضحا من قراءة اغلب ما كتبه القصاصينفي هذا الباب .
لقارئلهذه القصص يجزم بأن احمد طابور كان قد سجل تلك الاحداث بقصاصات صغيرة قبل ان يفكربكتابتها على هيئة قصص قصيرة لكثرة التفاصيل الدقيقة التي ضمتها تلك القصص ، ومما يحسبللكاتب امتلاكه زمام المبادرة في توجيه الحدث الواقعي كتابيا ، ففي قصته ((حيث سرقتاالانتفاضة)) التي يروي فيها وقائع مشاركته في الانتفاضة الشعبانية نجد طابور يصل الحوادثبعضها ببعض حتى ليحس القارئ بأنه ازاء كتلة سردية متماسكة الاجزاء ، فضلا على التزامهبالمثلث المنطقي لكل حدث سردي واقصد ــ البداية والوسط والنهاية ــ فالقصة تبدا بعودةالاخ الاصغر الى البيت بعد قتال مع رجال السلطة وفرح العائلة بتلك العودة ، وتمر بالذهابمعا خارج المنزل للمشاركة في الحراك الشعبي المعارض حتى تنتهي برجحان كفة الجيش النظاميعلى الثوار ، وقد تبدو تلك التفاصيل كثيرة ، لا طاقة لقصة قصيرة لمثلها ، لكن القاصاحمد طابور جعل من تلك التفاصيل حدثا قصصيا واحدا يتمحور في القاء الضوء على وصف الرغبةالكامنة آنذاك في نفوس الشياب من اجل التغيير ، لا سيما وان تلك التفاصيل برمتها تتركانطباعا واحدا لدى القارئ لا يعدو ما ذكرناه ، وليس هذه القصة فحسب فان اغلب قصص المجموعةتدور حول الاحداث التي جرت ابان الانتفاضة الشعبانية في كربلاء ــ مدينة الكاتب ــلذلك قد يلاحظ القارئ طابع التشاؤم ظاهرا على تفاصيل تلك القصص من العناوين التي تمثلعتبات نصية تشي بما يحتويه المتن ، فعناوين مثل : حين دفنا الاصدقاء ، وعندما خسرناالعودة , وحين خسرنا النهر ، وخسارة اخر امل ، وفي طريقنا للهروب , ومذكرات منسي... اقول ان عناوين مثل هذه لا تدع مجالا للشك في الاحساس بالإخفاق الكامن في لاوعيالكاتب من مجريات الامور وهو يرى تلك الخسائر المعنوية التي قدمها، وذلك الجهد المصحوببالهم والانهماك بقضايا البلد ، لم تجد نفعا ولم تأت بأكلها كما كان يرغب القاص احمدطابور . وفي اغلب قصص المجموعة نجد ان القاص يعتني عناية ملحوظة في اختيار اشخاصه ،فمعظم اشخاص قصصه اناس واقعيون وربما كان اغلبهم من اصدقائه او افراد عائلته ، فالقاصاحمد طابور اراد من تلك القصص ان ت
وفيمجموعة القاص احمد طابور ـ كاتب من كربلاء ـ يأخذنا الكاتب معه عبر ثلاث عشرة قصة تضمنتهامجموعته في رحلة مثيرة ومتنوعة بتنوع احداث تلك القصص وتعدد ابطالها ، وامكنتها ، وازمنتها، حتى يكاد
اكونوثائق امينة لما عاصره من احداث ، وما لقيه من صعوبات شاركه فيها اولئك الابطال , وتبدوعناية القاص بشخصياته اكثر وضوحا اذا لاحظنا ان ادوار تلك الشخصيات تجيب دائما عن سببيةوقوع الاحداث من خلال الافصاح السردي عن الدوافع النفسية والاجتماعية لهؤلاء الاشخاصويبدو ذلك واضحا لمن يقرأ قصته ((ساعة حب)) فقد اجاد طابور في وصف حالات بطل قصته مثلقوله : ((ألمسيني باي شيء من جسدك اللاهب فانت الدفء اللامنتهي ، انام عريانا وسط حقولالشتاء لا احس الا بروحك الدافئة . انها كقهوة امي في الصباح....)). وفي المجموعة ذاتهانجد القاص احمد طابور يبرز من الفكرة او المعنى القصصي ، وكأنه مهموم بإيصالك فكرتهالى اكثر عدد ممكن من القراء ، وذلك من خلال صياغة الاحداث بطريقة سردية تدل على انكل شخص من شخوص قصصه لا مجال للعبث او اللا معنى في وجوده فالكل منهمكون في الواقعوالكل جادون في صياغة حياتهم على وفق ما يتطلبه الظرف , والاكثر من هذا ان احمد طابورقد الزم نفسه في اغلب قصصه على ان تكون افكاره التي اراد ايصالها نابعة من الاحداثوليس مفروضة فرضا ، لذلك حاول ان يقدم لكل قصة بحكمة عملية مختصرة اطلق عليها : حكمةاليوم ، لتكون مفتاحا عمليا للدخول الى عوالم قصصه . ولابد من الاشارة الى ان مجموعة((يوميات منتفض)) لاحمد طابور تميزت بأسلوب اعتمد في اغلب الاحيان على التكثيف والتركيزمما طبعها بالتشويق ولولا اغفال الكاتب لمبدأ الايحاء لظهرت قصصه بأفضل مما ظهرت عليه، فقد تميزت اغلب تلك القصص بالمباشرة ، وقد غلب الكاتب ـ ويبدو انه كان قاصدا ذلكــ الطابع الذاتي من خلال تحدثه بضمير التكلم في اغلب قصصه مما جعل تلك القصص ، تبدوقريبة للسيرة الذاتية لكن ذلك لم يقلل من جماليات الاسلوب في المجموعة ، لا سيما اذاعرفنا ان القاص احمد طابور يمتلك من الخيال ما جعله يقدم لنا لوحات ومشاهد يصل تعاطفتامعها الى حد كبير لا سيما في قصته ((دراجة بصرية او لازم)) او في قصته ((رائحة القصب))الذي يرسم فيها هذه المشهد التالي : ((شدني النظر مرة اخرى حول طنين ذبابة بدأت تدورما سحة هذا الحجم المتلقي بدوائر سريعة متقطعة مطنطنة ترتاح كل هنيهة على احدى زواياوجهه وهو يكشها في يده اليمنى ، فيما اليسرى قابعة فوق عينيه .....))
ومهمايكن من امر فأن احمد طابور يبدو في مجموعته القصصية هذه منتفضا على واقع لم يرتضه, انه يريد لكلماته وصوره ومشاهده التي قدمها لنا ان تكون حجة واضحة على سعيه الحثيثفي التميز في تطويع الحدث اليومي للكتابة القصصية القصيرة
تعليق