بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في كتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق (قدس الله نفسه الزكية) عن أمير المؤمنين عليه السلام هذه الفقرة من الدعاء عند غسل اليد اليمنى عند الوضوء ((اللّهم اعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حساباً يسيراً))..
ما نريد أن نسلّط عليه الضوء هو هذه العبارة ((وحاسبني حساباً يسيراً))..
من المعلوم انّ الله سبحانه وتعالى قد أعدّ لعباده يوماً لمحاسبتهم، وهناك سيظهر كلّ ما خفي ونُسي في كتاب يوضع بين أيديهم ((وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف : 49]..
اذن هناك يوم للمحاسبة وهو يوم شديد عظيم لذا نطلب من الله سبحانه وتعالى الحساب اليسير، ولكن هذا الحساب اليسير لابد من مقدّمات على العبد تحصيلها حتى يشمله اللطف الإلهي بالتسهيل والتيسير في الحساب..
فالعاقل الذي تيقّن من وجود ذلك اليوم وهو آتٍ لا ريب فيه لابد له من الاستعداد لذلك اليوم العصيب، وخاصة انّ الله تعالى قد وعد بالاستيفاء ولو بقدر الذرة، حيث قال تعالى ((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ))الأنبياء : 47، وقال تعالى ((قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ))سبأ : 3، وقال تعالى ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ))الزلزلة : 7، 8..
وتعضّدت هذه الآيات الكريمة بأحاديث أهل البيت عليهم السلام محذّرة من ذلك اليوم وحاثّة على المحاسبة، فقد قال الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله ((حاسِبُوا أَنْفُسَكُم قَبلَ أَنْ تُحاسَبُوا، وَ زِنوها قَبْلَ أَنْ تُوزَنوا وَتَجَهَّزُوا للعَرضِ الأَكْبَرِ))، وقال سيد الموحدين عليه السلام ((ما أحق الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل يحاسب فيها نفسه فينظر فيما اكتسب لها وعليها في ليلها ونهارها))، وقال الإمام الصادق عليه السلام ((حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه، فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها، وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة)).. وكثيرة جداً الأحاديث بهذا الخصوص..
اذن يكون الاستعداد على قدر ما أُعدّ لذلك اليوم، ولتجاوز ذلك اليوم لابد من النظر لما فعله العبد في يومه فيكون بمثابة قيام محكمة تحقيقية ذاتية ينصبها العبد لمحاسبة نفسه بما عملته في ذلك اليوم، فاذا كان حسناً حمد الله تعالى عليه وسعى في الاستزادة منه وسأل الله تعالى أن يوفقه للأكثر، وإذا كان مقصّراً مذنباً في بعض الأوقات إستغفر الله تعالى وسأله التوبة ساعياً في إصلاح ما وقع فيه راجياً منه تعالى أن يعينه فيما نوى عليه، وأن ينزل التوبة الى ساحة التطبيق ليرى الله تعالى صدق النية والرغبة في العمل والإصلاح في النفس ليخفّف من وطأة ذلك اليوم فيكون حسابه خفيفاً يسيراً..
ويتّضح من الروايات انّ من لم يحاسب نفسه لا يُعد من أتباع أهل البيت عليهم السلام وهذا ما جاء على لسان الامام الكاظم عليه السلام ((يا هُشامُ لَيسَ مِنّا مَنْ لَمْ يُحاسِبْ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوم))، حتى انّ من لم يحاسب نفسه لا يعد مؤمناً كما قال نبي الرحمة صلّى الله عليه وآله ((لا يَكُونَ العَبدُ مُؤمناً حتّى يُحاسِبَ نَفْسَهُ أَشد مِنْ مُحاسَبَةِ الشّريكِ شَرِيكَهُ، وَالسَّيِّدِ عَبْدَهُ))..
كلّ هذا الحثّ على محاسبة النفس لتنقية النفس ممّا قد يطرأ عليها وتخليصها من الحجب التي قد تتراكم عليها يوماً بعد يوم فتسد منافذ النور للوصول الى تلك النفس فتقع في مستنقع الذنوب والمعاصي ويصبح قائدها الشيطان الرجيم فيقودها الى الجحيم..
فيتّضح من هذا انّ محاسبة النفس هي في الحقيقة إصلاح للنفس وإرجاعها عن غيّها وغفلتها وتعديل مسارها الذي قد تحيد عنه، فينتج عنه ان يأتي العبد وكتابه بيمينه فيحاسب حساباً يسيراً ((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا))الإنشقاق: 7 – 8..
لذا لابد لكلّ واحد منّا من وقفة مع نفسه وسؤالها عدّة أسئلة لابد من إيجاد الجواب لها قبل أن يُسأل فلا يجد الإجابة يوم لا ينفع فيه الندم وليس من رجوع لتصليح ما فات، إنّما الانسان يوفّى بما عمل..
فلابد من سؤال النفس في آخر اليوم هل هي راضية بما حققته، وهل كان اليوم أفضل من الأمس، وهل بالإمكان تقديم الأفضل، ما هي نقاط الضعف التي قد مرّت بها (النفس)، وهل اقتدت بأخلاق أهل البيت عليهم السلام، وما مدى هذا الاقتداء وهل بالإمكان الاستزادة منه.. وغيرها من الأسئلة التي يمكن أن تحضر في ساعتها..
المهم أن يحاول أن يعرض عمله وأخلاقه على شكل شريط سينمائي أمام عينيه ويجعل نفسه هي الحكم، والمحاولة الدائمة أن يكون هذا العرض مرضياً عند الله وأهل البيت عليهم السلام، لأنّه في الدنيا يُعرض على إمامنا عليه السلام في كل اثنين وخميس حسب ما ورد في الروايات، وفي الآخرة سيكون يوم العرض الأكبر لكلّ صغيرة وكبيرة..
ولكن ما يهمنّا الآن -بعدما عرفنا أهمية المحاسبة وأثرها على النفس وبناءها البناء الصحيح ومن ثمّ اليُسر في الحساب- أن نتعرّض للسؤال التالي:
لماذا لا تتم تلك المحاسبة من قبل الكثير من الناس على الرغم من أهميتها وحثّ أهل البيت عليهم السلام عليها؟؟؟
أترك لكم التعليق...
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في كتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق (قدس الله نفسه الزكية) عن أمير المؤمنين عليه السلام هذه الفقرة من الدعاء عند غسل اليد اليمنى عند الوضوء ((اللّهم اعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حساباً يسيراً))..
ما نريد أن نسلّط عليه الضوء هو هذه العبارة ((وحاسبني حساباً يسيراً))..
من المعلوم انّ الله سبحانه وتعالى قد أعدّ لعباده يوماً لمحاسبتهم، وهناك سيظهر كلّ ما خفي ونُسي في كتاب يوضع بين أيديهم ((وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف : 49]..
اذن هناك يوم للمحاسبة وهو يوم شديد عظيم لذا نطلب من الله سبحانه وتعالى الحساب اليسير، ولكن هذا الحساب اليسير لابد من مقدّمات على العبد تحصيلها حتى يشمله اللطف الإلهي بالتسهيل والتيسير في الحساب..
فالعاقل الذي تيقّن من وجود ذلك اليوم وهو آتٍ لا ريب فيه لابد له من الاستعداد لذلك اليوم العصيب، وخاصة انّ الله تعالى قد وعد بالاستيفاء ولو بقدر الذرة، حيث قال تعالى ((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ))الأنبياء : 47، وقال تعالى ((قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ))سبأ : 3، وقال تعالى ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ))الزلزلة : 7، 8..
وتعضّدت هذه الآيات الكريمة بأحاديث أهل البيت عليهم السلام محذّرة من ذلك اليوم وحاثّة على المحاسبة، فقد قال الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله ((حاسِبُوا أَنْفُسَكُم قَبلَ أَنْ تُحاسَبُوا، وَ زِنوها قَبْلَ أَنْ تُوزَنوا وَتَجَهَّزُوا للعَرضِ الأَكْبَرِ))، وقال سيد الموحدين عليه السلام ((ما أحق الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل يحاسب فيها نفسه فينظر فيما اكتسب لها وعليها في ليلها ونهارها))، وقال الإمام الصادق عليه السلام ((حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه، فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها، وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة)).. وكثيرة جداً الأحاديث بهذا الخصوص..
اذن يكون الاستعداد على قدر ما أُعدّ لذلك اليوم، ولتجاوز ذلك اليوم لابد من النظر لما فعله العبد في يومه فيكون بمثابة قيام محكمة تحقيقية ذاتية ينصبها العبد لمحاسبة نفسه بما عملته في ذلك اليوم، فاذا كان حسناً حمد الله تعالى عليه وسعى في الاستزادة منه وسأل الله تعالى أن يوفقه للأكثر، وإذا كان مقصّراً مذنباً في بعض الأوقات إستغفر الله تعالى وسأله التوبة ساعياً في إصلاح ما وقع فيه راجياً منه تعالى أن يعينه فيما نوى عليه، وأن ينزل التوبة الى ساحة التطبيق ليرى الله تعالى صدق النية والرغبة في العمل والإصلاح في النفس ليخفّف من وطأة ذلك اليوم فيكون حسابه خفيفاً يسيراً..
ويتّضح من الروايات انّ من لم يحاسب نفسه لا يُعد من أتباع أهل البيت عليهم السلام وهذا ما جاء على لسان الامام الكاظم عليه السلام ((يا هُشامُ لَيسَ مِنّا مَنْ لَمْ يُحاسِبْ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوم))، حتى انّ من لم يحاسب نفسه لا يعد مؤمناً كما قال نبي الرحمة صلّى الله عليه وآله ((لا يَكُونَ العَبدُ مُؤمناً حتّى يُحاسِبَ نَفْسَهُ أَشد مِنْ مُحاسَبَةِ الشّريكِ شَرِيكَهُ، وَالسَّيِّدِ عَبْدَهُ))..
كلّ هذا الحثّ على محاسبة النفس لتنقية النفس ممّا قد يطرأ عليها وتخليصها من الحجب التي قد تتراكم عليها يوماً بعد يوم فتسد منافذ النور للوصول الى تلك النفس فتقع في مستنقع الذنوب والمعاصي ويصبح قائدها الشيطان الرجيم فيقودها الى الجحيم..
فيتّضح من هذا انّ محاسبة النفس هي في الحقيقة إصلاح للنفس وإرجاعها عن غيّها وغفلتها وتعديل مسارها الذي قد تحيد عنه، فينتج عنه ان يأتي العبد وكتابه بيمينه فيحاسب حساباً يسيراً ((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا))الإنشقاق: 7 – 8..
لذا لابد لكلّ واحد منّا من وقفة مع نفسه وسؤالها عدّة أسئلة لابد من إيجاد الجواب لها قبل أن يُسأل فلا يجد الإجابة يوم لا ينفع فيه الندم وليس من رجوع لتصليح ما فات، إنّما الانسان يوفّى بما عمل..
فلابد من سؤال النفس في آخر اليوم هل هي راضية بما حققته، وهل كان اليوم أفضل من الأمس، وهل بالإمكان تقديم الأفضل، ما هي نقاط الضعف التي قد مرّت بها (النفس)، وهل اقتدت بأخلاق أهل البيت عليهم السلام، وما مدى هذا الاقتداء وهل بالإمكان الاستزادة منه.. وغيرها من الأسئلة التي يمكن أن تحضر في ساعتها..
المهم أن يحاول أن يعرض عمله وأخلاقه على شكل شريط سينمائي أمام عينيه ويجعل نفسه هي الحكم، والمحاولة الدائمة أن يكون هذا العرض مرضياً عند الله وأهل البيت عليهم السلام، لأنّه في الدنيا يُعرض على إمامنا عليه السلام في كل اثنين وخميس حسب ما ورد في الروايات، وفي الآخرة سيكون يوم العرض الأكبر لكلّ صغيرة وكبيرة..
ولكن ما يهمنّا الآن -بعدما عرفنا أهمية المحاسبة وأثرها على النفس وبناءها البناء الصحيح ومن ثمّ اليُسر في الحساب- أن نتعرّض للسؤال التالي:
لماذا لا تتم تلك المحاسبة من قبل الكثير من الناس على الرغم من أهميتها وحثّ أهل البيت عليهم السلام عليها؟؟؟
أترك لكم التعليق...
تعليق