إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

علاقة العمل بالأخلاق

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علاقة العمل بالأخلاق

    علاقة العمل بالأخلاق


    صحيح أنّ أعمال الإنسان تتبع أخلاقه الظاهريّة والباطنيّة، بحيث يمكن القول أنّ الإنسان يتأثر في سلوكه العملي، بأخلاقه الباطنية الكامنة في عالم اللاّشعور، ولكن من جهة اُخرى، يمكن لأعمال الشّخص أن تؤُثر في أخلاقه، من خلال صياغة المضمون للصّفات الأخلاقيّة في واقع الإنسان ومحتواه الباطني، ومعناه أنّ عمليّة الممارسة المستمرة، لعمل ما حسناً كان وقبيحاً، سيؤثر في نفسيّة الإنسان، ويحوّل ذلك العمل إلى حالة باطنيّة، وبالإستمرار يصبح من ملكات الإنسان الأخلاقيّة الحسنة، والقبيحة، وبناءً عليه فإنّ من الطرق المؤثرة لتهذيب النّفوس، هوتهذيب الأعمال في حركة الواقع الخارجي، فمن مارس الأعمال القبيحة، فسوف تتحول على أثر التّكرار إلى ملكة سيّئة في أعماق روحه، وتكون السّبب في ظهور الرّذائل الأخلاقيّة في دائرة السّلوك والممارسة. وبناءً على ذلك نرى التأكيد في الرّوايات على أنّ يستغفر الناس بسرعة عند الخطأ، ويغسلوا تلك الآثار بماء التوبة، كي لا تخلّف آثارها السّلبية على القلب، وتتحول إلى ملكات أخلاقيّة قبيحة. وبعكسها نجد التأكيد على تكرار الأعمال الصّالحة، بشكل مستمر كي تصبح عادةً عند الإنسان، في واقعه النفسي والروحي. بعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم، ونستعرض الآيات الشّريفة التي تشير إلى هذا المعنى:
    1- ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(المطففّين:14).
    2- ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(يونس:12).

    3- ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً﴾(فاطر:8).
    4- ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾(النمل:24).
    5- ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالاَْخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾(الكهف:103).
    6- ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيب فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾(النساء:17).
    7- ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾(التوبة:103).



    تفسير وإستِنْتاجٌ في "الآية الاُولى": نجد إشارةً إلى معطيات الذّنوب السّلبية على قلب روح الإنسان، فهي تسلب الصّفاء والنّورانية منه، وتحلُّ الظّلمة مكانه، فيقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. فجملة: ﴿مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، جاءت بصيغة الفعل المضارع، الذي يدلّ على الإستمرار، بمعنى أنّ الأعمال القبيحة، بإمكانها أن توجد تغييرات وتحولات كبيرة، في قلب الإنسان وروحه، فهي كالصّدأ الذي يحجب نورانيّة وصفاء المرآة ويكدّرها. فالرّذيلة تُقسّي القلب وتسلبه الحَياء، في مقابل الذّنب، فيغلب عليه الشّقاء والظّلمة، أمّا "الرّين" على وزن "عين"، فهوالصّدأ يعلوعلى الأشياء الثمينة، نتيجةً لرطوبة الجوّ، فيكوّن طبقةً حمراء تُغطّي ذلك الشّيء، وهوعلامة على فساد ذلك الفِلِز. فإختيار هذا التعبير هوإختيار مُناسب جدّاً، حيث أكدت عليه الرّوايات الإسلامية، مراراً وتكراراً. وفي "الآية الثانية": تعدّت مرحلة الرّين وأشارت إلى مرحلة "التّزيين"، وبناءاً عليه فالتكرار لعمل ما، يبعث على تزيينه في عين الإنسان ونظره، وتتوافق معه النفس الإنسانية، لدرجة يعتبره الإنسان من المواهب والإفتخارات التي يتميز بها على الآخرين، فيقول الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. فجملة: ﴿مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وكذلك "المسرفين"، هي دليلٌ واضحٌ على تكرارِ الذّنب من قبلهم، فالتّكرار لها، لا يمحوقُبحها فقط، بل وبالتّدريج ستتحول الخطيئة إلى فضيلة في نظرهم، وهذا يعني في الحقيقة المسخ لشخصيّة الإنسان، وهومن النتائج المشؤومة لتكرار الذّنوب. وهناك خلافٌ حول الفاعل، الذي يزيّن لهؤلاء الأفراد أعمالهم القبيحة... فقد ورد في بعض الآيات الكريمة، إنتساب ذلك الفعل إلى الباري تعالى، واعتبره كعقاب لهم، لأنّهم أصرّوا على الذّنوب، فالتّزيين هواستدراج لهم، وليذوقوا وبال أعمالهم فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾(النمل:4). وفي الآية (43) من سورة الأنعام، نسب ذلك الفعل للشّيطان الرّجيم، فيقول عن الكفّار المعاندين، الذين لا يحبون النّاصحين: ﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾. ومرةً اُخرى نسب ذلك الفعل للأصنام، فيقول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِير مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾(الأنعام:137). واُخرى (وكما ورد في الآية التي هي مورد بحثنا الآن)، ورد بصورة الفعل المبني للمجهول: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً﴾. وبنظرة فاحصة نرى، أنّ هذه التّعابير لا تتقاطع فيما بينها، بل أحدها يكمّل الآخر، فمرةً تكون الزّينة عاملاً على تكرار العمل، فالتّكرار يُقلّل من قبح العمل، ويصل إلى مرحلة لا يحسّ معها بالذّنب، وبالإستمرار يحسُن في نظر صاحبه، فيُقيّده ولا يستطيع التّحرر من ذلك الفخ، الذي نُصب له، وهي حقيقةٌ يمكن للإنسان أن يلمسها، بالتتّبع والنّظر لحال المجرمين. وفي موارد اُخرى، فإنّ الوساوس الشّيطانية الخارجيّة، والوساوس الباطنيّة النفسيّة، تزيّن للإنسان سوء عمله، ويصل الأمر به إلى إرتكاب الكبائر، بحجة أنّه يؤدّي واجبه الدّيني فيغتاب شخصاً ما، بدون ذنب وهويتصور أنّه على حقٍّ، ولكن الحسد في الواقع هوالذي يدفعه الى ذلك، والتأريخ مليءٌ بمثل هذه الجنايات الفظيعة، فوساوس النّفس والشّيطان لا تعمل على التّستر على قبح العمل فقط، بل تجعله من إفتخاراته. وربّما يعاقب الباري تعالى، أشخاصاً لعنادهم، وعدم قبولهم النّصحية، ولا يكون العقاب إلاّ بتزيين سوء عمل الإنسان، لتشتدّ عقوبته ويفتضح أكثر فأكثر. ويجب التّنويه، إلى أنّه وطبقاً للتّوحيد الأفعالي، فإنّ كلّ عمل وأثر موجود في هذا العالم، يمكن أن يُنسب إلى الله تعالى، لأنّ ذاته المقدّسة هي علّةُ العلل، ولا يعني هذا الأمر أنّ الأفراد قد اُجبروا على أفعالهم، فالحمد لله الذي جعل القوّة والقدرة على الفعل ومنَحها لِعباده، واللعنة على الذين يستعملون تلك القوّة في دائرة الشر والذّنوب. وربّما تقتضي طبيعة الأشياء، التّزيين والزخرفة، فنقرأ في الآيه (14) من سورة آل عمران: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَ الْقُنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ...﴾. وإحدى العوامل لتزيين الأعمال القبيحة في نظر الشّخص، التّكرار لها، فهويُؤثر في نفس وروح الإنسان، ويغيّر أخلاقه، والعكس صحيحٌ، فإنّ تكرار الأعمال الحسنة يصبح ملكةً بالتدريج عند الإنسان، ويبدّله إلى أخلاق فاضلة، ولذلك ولأجل تهذيب النّفوس ونموالفضائل الأخلاقيّة، نوصي السّالكين في هذا الطّريق، بالإستعانة بتكرار الأعمال الصّالحة، وأن يحذروا من تكرار الأعمال السيئة، فالأوّل هوالمعين الناصح للإنسان، والثاني عدوّ غدّار. و"الآية الثاالثة": تتحدث عن تزيين سوء أعمال الإنسان أيضاً، فيقول تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً﴾. فكما جاء في تفسير الآية السّابقة: فإنّ من العوامل لتزيين سوء الأعمال هوالتّكرار، والتّطبيع عليها، والتّدريج يؤدّي إلى أن يفقد الإنسان، الإحساس بِقُبحها، وسوف يولع بها ويفتخر أيضاً. واللّطيف أنّ القرآن الكريم، عندما يسأل ذلك السّؤال، لا يذكر النّقطة المقابلة لها، بصورة مباشرة، ويفسح المجال للسّامع، أن يتصور النّقطة المقابلة بنفسه، ويتفهمها أكثر، فهويريد أن يقول: هل أنّ هذا الفرد، يتساوى مع من يميّز الحق من الباطل في حركة الحياة؟، وهل أنّ هؤلاء الأفراد، يشبهون الأفراد من ذوي القلوب الطّاهرة، الذين يعيشون حالة الإهتمام بمحاسبة أنفسهم، والبعد عن القبائح...؟. ويجب الإنتباه، الى أنّ الله تعالى يقول، في ذيل الآية مخاطباً رسوله الكريم: ﴿فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾. وهو في الحقيقة عقابٌ للّذين يفعلون القبائح، فيجب أن تكون عاقبتهم كذلك. وقد جاء في تفسير، "في ظلال القرآن": أنّ الباري تعالى إذا أراد أن يهدي الإنسان للخير، "بسبب نيّته وعمله"، فيجد في قلبه الحساسيّة والتّوجه الخاص لسوء الأعمال، فهودائماً على حذر من الشّيطان والخطأ والزّيغ ولا يأمن الإختبار، وينتظر المَدد الإلهي دائماً، وهنا يكون الفصل بين طريق الهداية والفلاح، وبين خطّ الضّلال والهلاك1. وقد ورد، أنّ أحد أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام، (وأحد أصحاب الإمام الرضا عليه السلام)، قال: سألت الإمام عليه السلام ما هوالعجب الذي يبطل عمل الإنسان؟ فقال عليه السلام: "العُجبُ دَرَجاتٌ مِنْها أَنْ يُزَيَّنَ لِلعَبْدِ سُوءُ عَمَلِهِ فَيَراهُ حَسَناً فَيُعْجِبُهُ وَيَحْسَبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنعاً"2. و"الآية الرابعة": تتحدث عن مَلِكَة سَبأ، وعاقبتها والأخبار التي جاء بها الهدهد لسليمان عليه السلام، من تلك الأرض واُولئك القوم: ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾. فالشّمس مع نورها الوهّاج، وعظمتها وفائدتها لكنّ طلوعها وغروبها، وإنحجابها بالغيوم، تبيّن أنّها هي بدورها أيضاً تابعة لقوانين الكون، ولا إرادة لها أبداً، ولا تستحق التقدير. ولكنّ الآباء علّمت الأبناء، والتربية الخاطئة والسُنّة الضّالة، وتكرار العمل، حَدَت بالنّاس لتصوّر القبيح في صورة حسنة، وفي بعض البلدان، يعبدون البقر، ويؤدّون الطّقوس أمامها، وهومدعاةٌ للسّخريّة والضَّحِك، ولكنهم يفتخرون بذلك. ومن العوامل المهمّة لذلك، هوالتّكرار لذلك العمل الذي عوّد الإنسان على القبيح وجعله حسناً. وقد يُنسب هذا الفعل للشّيطان، ولكن في الحقيقة، الشّيطان له وسائل متعدّدة للغواية، ومنها التّكرار للقبيح والتعوّد عليه. "الآية الخامسة": لها نفس المحتوى الوارد في الآيات السابقة، ولكن بتعبيرات جديدة، حيث قال تعالى، مخاطباً رسوله الكريم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالاَْخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾. فالكلام عن المتضرّر الأوّل في المعركة، وهوالذي يصرف عمره وفكره وطاقته في الطّريق الغلط، وهويحسب أنّه يُحسن صُنعاً، وهوفرحٌ ومسرورٌ ويفتخر بذلك. فلماذا يُبتلى الإنسان بهذه المصائب؟، ليس ذلك إلاّ لأنّه تعوّد على القبائح، وإتّباع هوى النّفس، والأنانية والعجب، فتجعل الحُجب على قلبه وعقله، فلا يرى الحقيقة واضحةً صائبةً كما هي. والنتيجة لهذا الأمر، جاءت في الآية التي بعدها فقال تعالى: ﴿اُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِم وَلِقائِهِ وَحَبِطَتْ أَعْمَالَهُمُ﴾. وفسرت الروايات الإسلاميّة، هذه الآية بتفسير وتعبيرات متعددة، وكلٌّ منها هوفي الحقيقة مصداقٌ للآية، فبعضها فسّرت الآية بالمنكرين لولاية أميرالمؤمنين عليه السلام، وبعضها فسّرت الآية بالرّهبان المسيحيين، فهم الذين يتركون الدنيا بالكامل ولذائذها، وهم في الحقيقة مخطئون، ويتحرّكون في دائرة الفكر والعمل في الطّريق المنحرف. والبعض الآخر من الروايات، ذكرت في تفسيرها أنّهم أهل البدع من المسلمين واُخرى فسّروها، بخوارج النّهروان، وقال آخرون: أنّها نزلت في أهل البدع من اليهود والنّصارى، فكلّ هؤلاء الأشخاص على خطأ وأعمالهم مليئةٌ بالإجرام والظّلم، ولكنهم كانوا يحسبون أنّهم على صواب. وتجدر الإشارة إلى أنّ، جملة: "حبطت أعمالهم"، التي جاءت في ذيل الآية، هي من مادة "حبط،" ومن معانيها المعروفة هوالبعير وحيوان آخر، يأكل العلف بشراهة، حتى العلف السّام والضار بحيث يؤدي إلى إنتفاخ بطنه، وقد يؤدّي به في بعض الأحيان للموت، فالبعض يتصور أنّ ذلك هودليل على قوته وقدرته، ولكنّ الحقيقة هي غير ذلك، بل هوالمرض بعينه، ومقدمةٌ لموته، ولكن الجهّال يعتبرونها من القوّة والقدرة. وقسمٌ من النّاس يبتلون بمثل هذه العاقبة، فيكون كلّ سعيهم وقوتهم لهلاك أنفسهم، وهم يتصورون أنّهم سلكوا طريق السّعادة والرفاه. "الآية السادسة": تتناول مسألة قبول التّوبة من قبل الله تعالى، لمن تتوفر فيهم بعض الشّرائط: 1- الّذين يعملون السّوء بجهالة ولا يعرفون عواقب الذّنوب على نحوالحقيقة. 2- الّذين تابوا بسرعة من أعمالهم القبيحة، فاُولئك الّذين تشملهم الرّحمة الإلهيّة، ويقبل الله تعالى توبتهم، فقال: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيب فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾. والمراد من كلمة "الجهالة"، التي وردت في الآيه، ليس هوالجهل المطلق الذي يوجب العذر لأنّ العمل في حالات الجهل المطلق، لا يعتبر من الذنب، بل هوالجهل النّسبي الذي لا يعلم معه عواقب ومعطيات الذّنوب في حركة الواقع والحياة. وأمّا جملة: "يتوبون من قريب"، فقال البعض أنّها قبل الموت، ولكن إطلاق كلمة "قريب"، على فترة ما قبل الموت، التي ربّما تستغرق (50) سنة وأكثر، لا تكون مناسبة لهذا النوع من التّفسير، وإستدل مؤيّدوا هذه النظريّة، بروايات لا تشير إلى هذا التفسير، ولكنّها بيانٌ مستقلٌ ومنفصلٌ عنه. وقال البعض الآخر، إنّها الزّمان القريب لإرتكاب الذّنب، حتى تمسح التوبة الآثار السّيئة للذنب في روح ونفس الإنسان، وفي غير هذه الصّورة، فستبقى الآثار في القلب، وهوما يناسب كلمة القريب عُرفاً ولغةً. "الآية السابعة": تناولت مسألة الزكاة ومعطياتها، فجاء الأمر للرّسول الكريم: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾. ويتحدث القرآن الكريم عن الزّكاة، وبيان معطياتها الأخلاقيّة والمعنويّة، في خطّ التربية، ويقول: ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾. نعم، فإنّ دفع الزكاة يحدّ من الرّكون إلى الدنيا وزخارفها، ويقمع البخل في واقع النفس البشريّة، ويحث الإنسان على مراعاة حقوق الآخرين، ويغرس فيه حبّ السّخاء والإنسانيّة. وعلاوةً على ذلك، فإن دفع الزّكاة يقف بوجه المفاسد النّاشئة عن الفقر والحرمان، وبأداء تلك الفريضة الإلهيّة، نكون قد شاركنا في إزالتها نهائياً، من واقع المجتمع، لذلك فإنّ الزّكاة تسهم في رفع الرّذيلة والفقر في حركة الإنسان والحياة، وتُحلّي الإنسان بالفضائل الأخلاقيّة، وهذا الأخير هوموضوع بحثنا، وهودور العمل الصّالح والطّالح، في تحريك عناصر الخير والشّر، والفضائل والرذائل الأخلاقية، في واقع الإنسان والمجتمع. وجاء نفس هذا التعيبر بشكل آخر في آية الحجاب فيقول تعالى: ﴿إذا سَألُتمُوُهُنَّ مَتاعاً فَاسأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجابِ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لَقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾(الأحزاب:53). فهذه الآية الشّريفة، تبيّن بوضوح أنّ التعفف في العمل يبعث على طهارة ونظافة القلب، وبالعكس فإنّ الجرأة على إرتكاب المنكر وعدم الحياء، يلوّث روح وقلب الإنسان، ويعمّق في نفسه الميل إلى الرذائل الأخلاقيّة. النّتيجة كان الهدف من شرح الآيات الآنفة الذّكر، هومعرفة تأثير الأعمال في الأخلاق، وبلورتها لروح الإنسان، فلأجل بناء الذّات وتهذيب النّفس، يتوجب مراقبة أعمالنا من موقع الحذر والإنضباط والمسؤوليّة، لأنّ تكرار الذّنب والإثم يذهب بقبحه من جهة، ومن جهة اُخرى يمنح الإنسان التعوّد عليه، وبالتدريج يصبح ذلك العمل ملكةً لديه، ولا يزعجه فقط، بل ويتحول إلى عنصر فخر من إفتخاراته. كيفيّة تأثير "العمل"، في "الأخلاق" في الرّوايات الإسلاميّة تعكس الأحاديث الإسلامية بوضوح، ما تقدّم من علاقة العمل بالأخلاق في الآيات الكريمة، ذلك المطلب بوضوح، ومن تلك الأحاديث: 1- نقرأ في حديث عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال: "ما مِنْ عَبْد إلاّ وَفِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ بَيضاءٌ فَإذَا أَذْنَبَ ذَنْباً خَرَجَ في النُّكْتَةِ نِكْتَةٌ سَوداءٌ فَإنْ تابَ ذَهَبَ ذَلِكَ السَّوادُ، وإنْ تَمادَى فِي الذُّنُوبِ زَادَ ذَلِكَ السَّوادُ حتَّى يُغَطِّي البَياضَ، فَإذَا غَطّى البَياضَ لَمْ يَرْجِعْ صاحِبُهُ إلَى خَير أَبَداً، وَهُوَ قَولُ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾3. فهذه الرواية، تُبيّن بوضوح، أنّ تراكم الذّنوب يُفضي إلى ظهور الرذائل في سلوكيات الإنسان، ويدفعه باتجاه الإبتعاد عن الفضائل، ممّا يورّث النّفس الإنسانيّة الغرق في الظّلام الكامل، وعندها لا يجد الإنسان فرصةً للرجوع إلى طريق الخير، والانفتاح على الله والإيمان. 2- الوصيّة المعروفة عن أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام، حيث قال له: "إنَّ الخَيرَ عادَةٌ"4. وورد نفس هذا المضمون، في كنز العمّال، في حديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، أنّه قال: "الخَيرُ عادَةٌ والشَّرُ لَجاجَةٌ"5. وأيضاً نقل نفس هذا الحديث، وبشكل آخر، عن الإمام السجّاد عليه السلام، أنّه قال: "أُحِبُّ لِمَنْ عَوَّدَ مِنْكُمْ نَفْسَهُ عادَةً مِنَ الخَيرِ أَنْ يَدُومَ عَلَيه"6. فيستفاد من هذه الروايات، أنّ تكرار العمل، سواء كان صالحاً أم طالحاً، يسبّب في وجود حالة الخير والشر عند الإنسان، فإذا كان خيراً فسيشكل مباديء الخير في نفسه، وإن كان شرّاً فكذلك، وبكلمة واحدة هوالتأثير المتقابل للأعمال، والأخلاق في حركة الحياة، والواقع النّفسي للإنسان. 3- ورد في حديث آخر، عن علي عليه السلام في وصيّته المعروفة، للإمام الحسن عليه السلام: "وَعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى المَكْرُوهِ، وَنِعْمَ الخُلُقُ التَّصَبُّرُ في الحَقِّ"7. ويتبيّن هنا أيضاً، أنّ "العادة" هي وليدة، التكرار، للعمل مع الصّبر على صعوبات الحياة، من موقع الحقّ والمسؤوليّة. 4- ورد في الرّوايات، التّعجيل بالتّوبة وعدم التّسويف، لئلاّ تبقى آثار الذّنوب فاعلةً في القلب، ممّا يؤدّي إلى تحولها إلى ملكة أخلاقيّة راسخة في النفس، فنقرأ في حديث عن الإمام الجواد عليه السلام، أنّه قال: "تَأَخِيرُ التَّوبَةِ إِغتِرارٌ، وَطُولُ التَّسْوِيفِ حَيرَةٌ... وَالإِصرارِ عَلَى الذَّنبِ آمْنٌ لِمَكْرِ اللهِ"8. وجاء في النّبوي الشّريف حديث آخر، لطيف عن التّوبة وتأثيرها الإيجابي، في تلاشي الذّنوب من واقع النّفس، فقال: "مَنْ تابَ تَابَ اللهُ عَلَيهِ وَأُمِرَتْ جَوَارِحُهُ أَنْ تَسْتُرَ عَلَيهِ، وَبِقاعُ الأرْضِ أَنْ تَكْتُمَ عَلَيهِ وَأُنْسيَتِ الحَفَظَةُ ما كانَتْ تَكْتُبُ عَلَيهِ"9. فهذا الحديث يبيّن أنّ التوبة، تغسل الذّنوب وتعيد الصّفاء والقداسة الأخلاقيّة للإنسان.
    شبكة اهل البيت للاخلاق الاسلامية
    التعديل الأخير تم بواسطة تقوى القلوب; الساعة 24-03-2014, 08:53 AM.



المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X