العدل الإلهي و تفسير السلوك الانساني
شهد الله أنه لا إله الا هو و الملائكة و أولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم
العدل صفة من صفات الله سبحانه نشاهد آثارها في كل مجال من مجالات الوجود نشاهد العدل في عالم الخلق و التكوين،في عالم الطبيعة و خلق الانسان و الحيوان و النبات كما نشاهد العدل في الشريعة و القانون الإلهي
إن الله يأمر بالعدل و الإحسان
كما يتجسد عدل الله فيما يقضي و يقدر على خلقه من قضاء و قدر،و فيما شرع من شرائع و رسالات و يتجسد هذا العدل الإلهي في عالم الآخرة يوم الحساب و الجزاء فيجازي المحسن بإحسانه و المسيء بإساءته
و لا يظلم ربك أحدا
ثم توفى كل نفس ما كسبت
لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت
و على هذا المنهج سار المسلمون الأوائل في فهم علاقتهم بالله سبحانه و تفسير سلوك الانسان و ما يصدر منه من عمل و حين دخلت الفلسفة و المذاهب الفلسفية و الكلامية المختلفة نشأت ثلاثة آراء لتفسير السلوك الانساني و علاقته بارادة الله سبحانه
و هذه الآراء هي
الجبر
التفويض
لا جبر و لا تفويض
فقد أوحت ظواهر بعض الآيات القرآنية لبعض أصحاب الفرق و المذاهب كقوله تعالى
يضل من يشاء و يهدي من يشاء
أن يقولوا بالجبر و مفاد هذا الرأي أن الانسان لا يملك إرادة و لا اختيارا و إنما هو عبارة عن المحل الذي تجري عليه الحوادث المقدرة من قبل الله تعالى
فالإنسان وفق هذا الرأي مجبر على فعله و ليس مختارا و هو رأي المجبرة و من اعتنق نظريتهم هذه
و أما الرأي الثاني فهو الرأي القائل بأن الانسان مفوض في اختيار الأفعال و ارادته منفصلة عن إرادة الله بل إن الله لا يستطيع أن يحول بينه و بين فعل ما يريده سواء المعاصي كالقتل و الظلم و شرب الخمرأو الطاعات كالعدل و الاحسان و أداء الصلاة و بذا فالانسان منفصل عن الله تعالى و هذا رأي المعتزلة
و قد رد أئمة أهل البيت ع على هذين الرأيين و أبطلوهمافكلاهما مخالف لما جاء به القرآن،و قامت على أساسه عقيدة التوحيد و أوضحوا أن هناك علاقة واضحة بين تفسير سلوك الانسان و بين الايمان بعدل الله،و بينوا أن مفاد الرأي القائل بأن الانسان لا يملك إرادة و لا اختيارا و أنه مجبر على أفعاله مفاد ذلك يجر إلى اتهام الباري جل شأنه بالظلم و نفي العدل عنهـتنزه عن ذلك و علا علوا كبيراـلأن معنى ذلك أن الله أجبر الانسان على فعل الشر و عاقبه عليه كما أجبره على فعل الخير فهو لا يستحق الثواب عليه و لذا فقد رفضوا هذا التفسير الذي وقع فيه كثير من المسلمين خطأ بسبب الفهم الناقص لظواهر بعض الآيات كقوله تعالى
يضل من يشاء و يهدي من يشاء
و فسر أئمة أهل البيت ع معنى الهداية و الإضلال بوضوح كامل و متسق مع عدل الله سبحانه كما سيأتي بيانه
كما رفضوا الرأي القائل بأن الانسان مفوض يعمل دون أن يستطيع الله سبحانه أن يمنعه عن أي فعل و فسروا رفضهم لهذا الانحراف العقائدي بأنه اتهام لله بعدم الهيمنة و السيطرة على العباد و عجزه عن ذلك و هو القادر على ما يشاء و المالك لما ملك الخلق و حددوا منهجهم و مذهبهم في هذه القضية المرتبطة بعدل الله في النظرية الوسط التي ترفض الجبر و التفويض و تقول بإرادة الانسان غير المنفصلة عن إرادة الله و فسروا هذه العلاقة بدقة عقائدية كاملة و سنعرض الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت ع المعبرة عن هذا الرأي
و قبل أن نستعرض هذه الروايات فلنثبت القضايا الأساسية التي اختلف فيها منهج أهل البيت عن أصحاب المناهج و الآراء المختلفة في قضية العدل الإلهي و هي ثلاث
ـإن الانسان يملك الارادة و القدرة على اختيار أي فعلـ خيرا كان أو شراـ كما يستطيع رفضه فهو يستطيع أن يقتل و يسرق و يظلم و يكذب بإرادته و اختياره كما يستطيع أن يقيم العدل و أن يفعل المعروف و يؤدي الصلاة و يترك المحرمات بإرادته و اختياره
و إن الله سبحانه قادر على منع الانسان عن أي فعل كما هو قادر على جعل الانسان يفعل أي فعل دون تدخل لاختيار الانسان و لكن الله سبحانه لا يرغم أحدا على فعل الخير أو فعل الشر
إلا أن الله بلطفه و رحمته له أن يحول بين الانسان المستحق للعناية الإلهية و بين فعل المنكرات رحمة بهذا الانسان المستحق كما قد يوفقه و يعينه على فعل الخير إذا وجده مستحقا لذلك
و يرتبط بالعدل الإلهي أن الله سبحانه يجازي كل انسان على فعله يوم القيامةـ خيرا كان أو شرا،بينما قال فريق من المسلمين إن الله يستطيع أن يدخل المحسن إلى النار و المسيء إلى الجنة و اعتمدوا خطأ و عن سوء فهم للآية الكريمة
لا يسأل عما يفعل و هم يسألون
كما قال فريق من المسلمين اعتمادا على التفسير الخاطئ لهذه الآية لا يجب على الله أن يفي بما وعد من جزاء يوم القيامة و رد أئمة أهل البيت ع هذا القول بأن ذلك ينافي صدق الله و عدله
فبهذا الرأي يتساوى المحسن و المسيء و تنعدم قيمة التكليف و الشرائع و الصحيح أنه لا عمل بلا جزاء أو مسؤولية و أن
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
و من يعمل مثقال ذرة شرا يره
ذهبت آراء بعض المسلمين إلى القول بأن الله سبحانه يجوز أن يكلف العباد فوق قدرتهم اعتمادا على الفهم الخاطئ و الاستفادة السقيمة من الآية الكريمة
ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به
و رفض أئمة أهل البيت ع هذا الفهم و التفسير و بينوا أن ذلك مخالف لعدل الله و لصريح القرآن
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
و فيما يأتي نستطيع أن نذكر بعض الروايات و المناظرات التي وردت من أهل البيت ع تشرح لنا هذه المبادئ الأساسية و تفسر السلوك الانساني و العلاقة بين ارادة الانسان و ارادة الله سبحانه و تربط بين هذا التفسير و مبدأ العدل الإلهي لتؤكد لنا وحدة الفهم و التفكير و الاعتقاد في رسالة الاسلام و تبطل نظريتي الجبر و التفويض كما أبطلوا بقية الأفكار و التخرصات الخارجة على منهج القرآن روي عن الامام الصادق ع
إن الله خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه و أمرهم و نهاهم فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلا بإذن الله
و نقرأ في حوار للامام علي بن أبي طالب ع مع رجل من أصحابه عند مسيره إلى الشام لحرب معاوية في صفين حين سأله هذا الرجل فقال
يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا أبقضاء الله و قدره فقال له أمير المؤمنين أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة و لا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله و قدر فقال الشيخ عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال له الامام ويحك لعلك ظننت قضاء لازما و قدرا حاتما و لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب و سقط الوعد و الوعيد إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا و نهاهم تحذيرا و كلف يسيرا و لم يكلف عسيرا و أعطى على القليل كثيرا و لم يعص مغلوبا،و لم يطع مكرها و لم يرسل الأنبياء لعبا و لم ينزل الكتاب للعباد عبثا و لا خلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار
و ورد عن الامام علي بن موسى الرضا ع أنه ذكر عنده الجبر و التفويض فقال ألا أعلمكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه و لا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه قلنا إن رأيت ذلك فقال إن الله عز و جل لم يطع بإكراه و لم يعص بغلبة و لم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم و القادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله منها صادا و لا منها مانعا و إن ائتمروا بمعصيته،فشاء أن يحول بينهم و بين ذلك فعل و إن لم يحل فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ثم قال ع من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه
ورد في شرح العقائد للمفيد قال
و روي عن أبي الحسن الثالث ع أنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى فقال لو كان خالقا لها لما تبرأ منهاو قد قال سبحانه ان الله بريء من المشركين و لم يرد البراءة من خلق ذواتهم و إنما تبرأ من شركهم و قبائحهم
و في كتاب التوحيد عن محمد بن عجلان قال قلت لأبي عبد الله ع
فوض الله الأمر إلى العباد قال الله أكرم من أن يفوض إليهم قلت فأجبر الله العباد على أفعالهم قال الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه
و ورد في كتاب عيون أخبار الرضا ع في تفسير قوله تعالى
و تركهم في ظلمات لا يبصرون
قال
إن الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه،لكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر و الضلال منعهم المعاونة و اللطف و خلى بينهم و بين اختيارهم
و ورد في كتاب عيون أخبار الرضا ع في تفسير قوله تعالى
ختم الله على قلوبهم
قال الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال الله تعالى
بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا
و هكذا يوضح منهج أهل البيت ع مفهوم الهداية و الضلال و أن الله سبحانه لم يخلق الناس ضالين و لا مهتدين بل ترك لهم الخيار و أعطاهم الارادة،و وضح لهمسبيل الخير و حذرهم من سبل الشر و الغواية فقال تعالى
إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا
و قال
و هديناه النجدين
عرفناه نجد الخير و نجد الشر و عليه أن يختار الطريق
و يفسر الرسول الكريم محمد ص ذلك بقوله
إنما هما نجدان نجد خير و نجد شر،فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير
و خلص منهج أهل البيت ع إلى نظرية لتفسير السلوك الانساني و ما يصدر عن الانسان من خير أو شر و صيغت بقانون نصه
لا جبر و لا تفويض و لكن أمر بين أمرين و منزلة بين منزلتين
و وصف أحد أئمة أهل البيت ع ذلك حين سئل أهناك منزلة بين الجبر و التفويض فقال
تسع ما بين السماء و الأرض
العدل صفة من صفات الله سبحانه نشاهد آثارها في كل مجال من مجالات الوجود نشاهد العدل في عالم الخلق و التكوين،في عالم الطبيعة و خلق الانسان و الحيوان و النبات كما نشاهد العدل في الشريعة و القانون الإلهي
إن الله يأمر بالعدل و الإحسان
كما يتجسد عدل الله فيما يقضي و يقدر على خلقه من قضاء و قدر،و فيما شرع من شرائع و رسالات و يتجسد هذا العدل الإلهي في عالم الآخرة يوم الحساب و الجزاء فيجازي المحسن بإحسانه و المسيء بإساءته
و لا يظلم ربك أحدا
ثم توفى كل نفس ما كسبت
لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت
و على هذا المنهج سار المسلمون الأوائل في فهم علاقتهم بالله سبحانه و تفسير سلوك الانسان و ما يصدر منه من عمل و حين دخلت الفلسفة و المذاهب الفلسفية و الكلامية المختلفة نشأت ثلاثة آراء لتفسير السلوك الانساني و علاقته بارادة الله سبحانه
و هذه الآراء هي
الجبر
التفويض
لا جبر و لا تفويض
فقد أوحت ظواهر بعض الآيات القرآنية لبعض أصحاب الفرق و المذاهب كقوله تعالى
يضل من يشاء و يهدي من يشاء
أن يقولوا بالجبر و مفاد هذا الرأي أن الانسان لا يملك إرادة و لا اختيارا و إنما هو عبارة عن المحل الذي تجري عليه الحوادث المقدرة من قبل الله تعالى
فالإنسان وفق هذا الرأي مجبر على فعله و ليس مختارا و هو رأي المجبرة و من اعتنق نظريتهم هذه
و أما الرأي الثاني فهو الرأي القائل بأن الانسان مفوض في اختيار الأفعال و ارادته منفصلة عن إرادة الله بل إن الله لا يستطيع أن يحول بينه و بين فعل ما يريده سواء المعاصي كالقتل و الظلم و شرب الخمرأو الطاعات كالعدل و الاحسان و أداء الصلاة و بذا فالانسان منفصل عن الله تعالى و هذا رأي المعتزلة
و قد رد أئمة أهل البيت ع على هذين الرأيين و أبطلوهمافكلاهما مخالف لما جاء به القرآن،و قامت على أساسه عقيدة التوحيد و أوضحوا أن هناك علاقة واضحة بين تفسير سلوك الانسان و بين الايمان بعدل الله،و بينوا أن مفاد الرأي القائل بأن الانسان لا يملك إرادة و لا اختيارا و أنه مجبر على أفعاله مفاد ذلك يجر إلى اتهام الباري جل شأنه بالظلم و نفي العدل عنهـتنزه عن ذلك و علا علوا كبيراـلأن معنى ذلك أن الله أجبر الانسان على فعل الشر و عاقبه عليه كما أجبره على فعل الخير فهو لا يستحق الثواب عليه و لذا فقد رفضوا هذا التفسير الذي وقع فيه كثير من المسلمين خطأ بسبب الفهم الناقص لظواهر بعض الآيات كقوله تعالى
يضل من يشاء و يهدي من يشاء
و فسر أئمة أهل البيت ع معنى الهداية و الإضلال بوضوح كامل و متسق مع عدل الله سبحانه كما سيأتي بيانه
كما رفضوا الرأي القائل بأن الانسان مفوض يعمل دون أن يستطيع الله سبحانه أن يمنعه عن أي فعل و فسروا رفضهم لهذا الانحراف العقائدي بأنه اتهام لله بعدم الهيمنة و السيطرة على العباد و عجزه عن ذلك و هو القادر على ما يشاء و المالك لما ملك الخلق و حددوا منهجهم و مذهبهم في هذه القضية المرتبطة بعدل الله في النظرية الوسط التي ترفض الجبر و التفويض و تقول بإرادة الانسان غير المنفصلة عن إرادة الله و فسروا هذه العلاقة بدقة عقائدية كاملة و سنعرض الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت ع المعبرة عن هذا الرأي
و قبل أن نستعرض هذه الروايات فلنثبت القضايا الأساسية التي اختلف فيها منهج أهل البيت عن أصحاب المناهج و الآراء المختلفة في قضية العدل الإلهي و هي ثلاث
ـإن الانسان يملك الارادة و القدرة على اختيار أي فعلـ خيرا كان أو شراـ كما يستطيع رفضه فهو يستطيع أن يقتل و يسرق و يظلم و يكذب بإرادته و اختياره كما يستطيع أن يقيم العدل و أن يفعل المعروف و يؤدي الصلاة و يترك المحرمات بإرادته و اختياره
و إن الله سبحانه قادر على منع الانسان عن أي فعل كما هو قادر على جعل الانسان يفعل أي فعل دون تدخل لاختيار الانسان و لكن الله سبحانه لا يرغم أحدا على فعل الخير أو فعل الشر
إلا أن الله بلطفه و رحمته له أن يحول بين الانسان المستحق للعناية الإلهية و بين فعل المنكرات رحمة بهذا الانسان المستحق كما قد يوفقه و يعينه على فعل الخير إذا وجده مستحقا لذلك
و يرتبط بالعدل الإلهي أن الله سبحانه يجازي كل انسان على فعله يوم القيامةـ خيرا كان أو شرا،بينما قال فريق من المسلمين إن الله يستطيع أن يدخل المحسن إلى النار و المسيء إلى الجنة و اعتمدوا خطأ و عن سوء فهم للآية الكريمة
لا يسأل عما يفعل و هم يسألون
كما قال فريق من المسلمين اعتمادا على التفسير الخاطئ لهذه الآية لا يجب على الله أن يفي بما وعد من جزاء يوم القيامة و رد أئمة أهل البيت ع هذا القول بأن ذلك ينافي صدق الله و عدله
فبهذا الرأي يتساوى المحسن و المسيء و تنعدم قيمة التكليف و الشرائع و الصحيح أنه لا عمل بلا جزاء أو مسؤولية و أن
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
و من يعمل مثقال ذرة شرا يره
ذهبت آراء بعض المسلمين إلى القول بأن الله سبحانه يجوز أن يكلف العباد فوق قدرتهم اعتمادا على الفهم الخاطئ و الاستفادة السقيمة من الآية الكريمة
ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به
و رفض أئمة أهل البيت ع هذا الفهم و التفسير و بينوا أن ذلك مخالف لعدل الله و لصريح القرآن
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
و فيما يأتي نستطيع أن نذكر بعض الروايات و المناظرات التي وردت من أهل البيت ع تشرح لنا هذه المبادئ الأساسية و تفسر السلوك الانساني و العلاقة بين ارادة الانسان و ارادة الله سبحانه و تربط بين هذا التفسير و مبدأ العدل الإلهي لتؤكد لنا وحدة الفهم و التفكير و الاعتقاد في رسالة الاسلام و تبطل نظريتي الجبر و التفويض كما أبطلوا بقية الأفكار و التخرصات الخارجة على منهج القرآن روي عن الامام الصادق ع
إن الله خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه و أمرهم و نهاهم فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلا بإذن الله
و نقرأ في حوار للامام علي بن أبي طالب ع مع رجل من أصحابه عند مسيره إلى الشام لحرب معاوية في صفين حين سأله هذا الرجل فقال
يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا أبقضاء الله و قدره فقال له أمير المؤمنين أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة و لا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله و قدر فقال الشيخ عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال له الامام ويحك لعلك ظننت قضاء لازما و قدرا حاتما و لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب و سقط الوعد و الوعيد إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا و نهاهم تحذيرا و كلف يسيرا و لم يكلف عسيرا و أعطى على القليل كثيرا و لم يعص مغلوبا،و لم يطع مكرها و لم يرسل الأنبياء لعبا و لم ينزل الكتاب للعباد عبثا و لا خلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار
و ورد عن الامام علي بن موسى الرضا ع أنه ذكر عنده الجبر و التفويض فقال ألا أعلمكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه و لا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه قلنا إن رأيت ذلك فقال إن الله عز و جل لم يطع بإكراه و لم يعص بغلبة و لم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم و القادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله منها صادا و لا منها مانعا و إن ائتمروا بمعصيته،فشاء أن يحول بينهم و بين ذلك فعل و إن لم يحل فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ثم قال ع من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه
ورد في شرح العقائد للمفيد قال
و روي عن أبي الحسن الثالث ع أنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى فقال لو كان خالقا لها لما تبرأ منهاو قد قال سبحانه ان الله بريء من المشركين و لم يرد البراءة من خلق ذواتهم و إنما تبرأ من شركهم و قبائحهم
و في كتاب التوحيد عن محمد بن عجلان قال قلت لأبي عبد الله ع
فوض الله الأمر إلى العباد قال الله أكرم من أن يفوض إليهم قلت فأجبر الله العباد على أفعالهم قال الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه
و ورد في كتاب عيون أخبار الرضا ع في تفسير قوله تعالى
و تركهم في ظلمات لا يبصرون
قال
إن الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه،لكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر و الضلال منعهم المعاونة و اللطف و خلى بينهم و بين اختيارهم
و ورد في كتاب عيون أخبار الرضا ع في تفسير قوله تعالى
ختم الله على قلوبهم
قال الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال الله تعالى
بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا
و هكذا يوضح منهج أهل البيت ع مفهوم الهداية و الضلال و أن الله سبحانه لم يخلق الناس ضالين و لا مهتدين بل ترك لهم الخيار و أعطاهم الارادة،و وضح لهمسبيل الخير و حذرهم من سبل الشر و الغواية فقال تعالى
إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا
و قال
و هديناه النجدين
عرفناه نجد الخير و نجد الشر و عليه أن يختار الطريق
و يفسر الرسول الكريم محمد ص ذلك بقوله
إنما هما نجدان نجد خير و نجد شر،فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير
و خلص منهج أهل البيت ع إلى نظرية لتفسير السلوك الانساني و ما يصدر عن الانسان من خير أو شر و صيغت بقانون نصه
لا جبر و لا تفويض و لكن أمر بين أمرين و منزلة بين منزلتين
و وصف أحد أئمة أهل البيت ع ذلك حين سئل أهناك منزلة بين الجبر و التفويض فقال
تسع ما بين السماء و الأرض