بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((وأقل يا غفور عثرتي))..
بعدما طلب الامام عجّل الله تعالى فرجه الشريف أن يسمع الله سبحانه وتعالى مدحته وأن يجيب دعوته يطلب هنا إقالة عثرته..
والاقالة هي فسخ العقد وكأنّه لم يكن، وهنا تأتي بمعنى أن تمحو ما وقعت فيما لا تحبّه وترضاه وكأنّه لم يكن..
والعثرة كما هو معروف عند أهل اللّغة هو السقوط، والمقصود هنا هو السقوط في الخطيئة والمعصية فالانسان معرّض لارتكاب الذنوب لأن النفس الأمارة بالسوء والشيطان بالمرصاد ((وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ))يوسف: 53، ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ))الأعراف: 16،
لذا يطلب المؤمن من الله سبحانه وتعالى أن يمحو ما وقع فيه من زلّة وهفوة من غير قصد، أو أن يطلب بأن يحميه الله تعالى من الوقوع في مثل هذه الحفر..
ولكن هذه الإقالة لا تأتي بمجرد ألفاظ يتلفّظها الداعي من غير وجود مقدّمات لابد من توفّرها حتى تشمله الرحمة الإلهية بإقالة تلك العثرات، فحكمة الله تأبى أن تشمل المؤمن رحمته الخاصّة إلاّ بتوفّر تلك المقدّمات، وهو القائل جلّ وعلا في كتابه الكريم ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ))المائدة: 27..
الامام هنا يعلّمنا بأن نتضرّع الى الله تعالى لرفع تلك العثرات من المعاصي والخطايا الملوّثة للنفس والتي أدت الى منع نزول الفيوضات الإلهية فتسببت بالبعد عن الله تعالى، هذا في مثل حالنا، أما الصالحين فيطلبون من الله تعالى أن لا يوقعهم بتلك العثرات الموجبة للبعد عنه سبحانه وتعالى فيستمرّون بتكاملهم ويزدادوا قرباً منه تعالى..
نكات ينبغي الالتفات اليها:
- استخدم الامام عليه السلام كلمة (وأقل) ولم يستخدم كلمة (العفو أو الصفح)..
- هنا خاطب الامام عليه السلام ربّه باسم من أسمائه الحسنى وهو (الغفور)..
انّ صفة الغفور تتناسب تماماً مع سياق هذه الفقرة الشريفة، لأنّ الامام عليه السلام طلب الإقالة (وكأنّ شيئاً لم يكن) فتناسب أن يناشده باسمه (الغفور)، وكما هو معروف عند أهل اللّغة تدل هذه الكلمة على المبالغة والكثرة، فيكون معنى هذه الفقرة انّ الامام عليه السلام يطلب من الله تعالى أن يقيله من ذنوبه وخطاياه وإزالتها من سجلّه في الدنيا والآخرة وكأنّ شيئاً لم يكن فلا عقاب ولا لوم وهو قمّة الغفران..
- طلب رفع العثرات في أدعيتنا هذا ما يتناسب وشأننا أما المعصوم عليه السلام فلا يكون كذلك، إذ انّه عليه السلام يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يدفع عنه تلك العثرات، فبلطفه تعالى وعنايته الخاصة يمنعها عنه، لأنّ المعصومين عليهم السلام على كلّ حال هم موجودات ممكنة ويمكن أن تزول هذه العصمة عنهم إذا شاء الله تعالى، لذا هم بحاجة دائماً الى المدد الإلهي الذي يحصّنهم ويمنع الذنوب من الاقتراب منهم ولا يكون ذلك إلاّ باستمرار الطلب منهم عليهم السلام من خلال الدعاء والمنجاة، فهو في حقيقة الأمر ليس طلب برفع الذنب بعد الوقوع فيه (حاشاهم) بل هو طلب لدفع الذنب عنهم فتدوم عصمتهم وتستمر استقامتهم فيكونوا دائمي السير اليه تعالى..
نسأل الله تعالى أن يقيل عثراتنا وأن يسدّد خطواتنا ويهدينا الى سبله ويقرّبنا منه بحق محمد وآل محمد عليهم السلام...
تعليق