بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((اللّهم انّي أتقرّب اليك بذكرك، وأستشفع بك الى نفسك))..
هذه الفقرة الشريفة وردت في دعاء كميل الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام..
هنا يجعل الامام عليه السلام تقرّبه لله تعالى بالذكر، وهذا يعني انّ وسائل التقرّب لله تعالى هو الذكر، وعكس الذكر هو الغفلة عن الله تعالى، وأدنى درجات الذكر هو ذكر اللسان وأعلى منه هو ذكر اللسان بحظور القلب وأعلى من الاثنين هو الذكر القلبي فيكون فيه القلب ذاكراً منشغلاً بذكر الله تعالى حتى انّ اللسان يكون تابعاً له يتبعه بالذكر..
انّ عامة المؤمنين يكون متأرجحاً بين الذكر والغفلة، وعلى كلّ حال فانّ المؤمن يكون ذاكراً لله تعالى في أوقات الصلاة الواجبة، ولكنّ أغلب الناس يكون في غفلة بين صلاة والصلاة التي بعدها بالانشغال بمشاغل الدنيا حتى ينغمس فيها فتأخذه الدنيا من عالم الروحانيات الى عالم الماديات، وعند هذه الأوقات وبهذا الانشغال وما يصاحبها من غفلة يتسافل العبد وينصاع الى ملذّات الدنيا ومشتهياتها، ويبقى على هذه الحالة الى أن يأتي وقت الصلاة التالية فينتبه من غفلته فيسارع الى ذكر الله تعالى في ذلك الوقت، وما أن تنتهي حتى يعود الى سابق عهده..
ومنهم من يقلّص من تلك الغفلة ببعض الأعمال المستحبّة أو أن يذكر الله تعالى في هذه الأوقات، وكلّما زاد ذكره في هذه الأوقات قلّت غفلته، والعكس بالعكس..
على ان تكون تلك الغفلة غير مستحكمة متمكنّة منه بحيث تسيطر على كلّ أفعاله فينسى ذكر الله تعالى شيئاً فشيئاً، حتى يكتب من الغافلين، لأنّ الشيطان اللعين تكون هذه فرصته ليبثّ سمومه ويستحكم بقلب العبد وقلبه، ولكن المؤمن الراغب بما عند الله تعالى لا تكن له تلك الأوقات إلاّ نزغ من الشيطان وسرعان ما يعود الى ذكر الله تعالى وهذا ما أشار اليه قوله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ))الأعراف: 201..
فالمؤمن السائر نحو الله تعالى الذي يريد أن يتقرّب اليه يحاول أن يشغل تلك الأوقات (بين الصلوات الواجبة) بذكر الله تعالى..
وبمجرد أن يكون الله تعالى حاضراً في معاملة المؤمن ويراقبه في أموره ويرجع الأمور اليه تعالى فهو على درجة من الذكر، ويزداد نور قلبه كلّما إزدادت درجة ذكره، وهنا يكون الله تعالى حاضراً عند عبده ذاكراً له لأنّه تعالى قال ((فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ))البقرة: 152، وإذا ذكره الله تعالى فقد وجد الله تعالى وهذا هو الفوز العظيم، وهذا ما أشار اليه الامام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة ((ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك))، فاذا وجد المؤمن الله عنده يحقّ له أن يستشفع به الى نفسه ويطلب منه أن يتعطّف عليه بأن يزيده قرباً منه تعالى أكثر فأكثر، وهذا هو من يحقّ له أن يكون الله تعالى أقرب اليه من حبل الوريد، وهو من يحقّ له أن يقول للشئ كن فيكون باذنه تعالى، فيكون بحق يد الله وعين الله وسمع الله، ومن كان هكذا يحقّ له أن يطلّق الدنيا بالثلاث لا رجعة فيها..
نسأل الله تعالى أن نكون ممّن يقلّص أوقات الغفلة فيزداد قرباً منه تعالى بجاه محمد وآل محمد عليهم السلام...
تعليق